العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
الأبعاد الدلالية والرمزية لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)

الأبعاد الدلالية والرمزية لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)

د. الشيخ عبد المجيد فرج الله - باحث وكاتب إسلامي، من العراق

خلاصة المقال

مقدّمة

الحفر المعرفي (دلاليّاً ورمزيّاً) في أيِّ ممارسة (بشريّة مليونيّة) تتكرّر عدّة سنوات، يستحقّ التعمّق في دراستها، والبحث عن جذورها، ومعرفة دوافعها، وسبب تحشيدها ملايين الناس لتستمرّ عدداً من السنين.. فكيف إذا كانت الفترة الزمنية تقترب من ألف وأربعمائة سنة، وتتعاطى معها الأجيال بإكبار وافتخار جيلاً بعد جيل، وعلى امتداد الأزمنة والعصور؟!

لذا يجب أن يكون إعطاء هذا الحفر المعرفي في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) حقّه من البحث، والدراسة، والتأمّل، والاستنتاج.. وأن لا يقتصر الاهتمام في زيارته(عليه السلام) على أوّل ما يتبادر إلى الذهنية المسلمة وهي تعيش صراع التمذهبات عن (مشروعية الزيارة)، أو (تكفيرية ممارسيها)، ضمن جهود صدّ العنجهية الوهابية، وردّ الفهم التكفيري، اللذين غرسهما أولئك الحاقدون على أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وأتباعهم من شيعتهم ومحبِّيهم؛ بدعوى أنّ زيارة القبور ما هي إلّا عبادة للأموات، وأنّ زائريها هم (عبَدة قبور)!! مما انسحب على طبيعة تناول موضوعة الزيارة.

فبدلاً من أن تكون هذه الموضوعة خارج إطار هذا التحجيم الوهابي والفهم التكفيري، لتأخذ حقّها من السبر الدلالي، والاستكشاف الرمزي، بعيداً عن سرطنة الفهم وفيرسة البحث بالرمد التكفيري الضيق؛ ردّاً ودفعاً لتلك الإشكالات والتوهّمات ؛ إذا بنا نجد أغلب التركيز البحثي منصبّاً على تأكيد المشروعية، ونقض الإيهامات التكفيرية.

ولذا اخترنا أن يكون التركيز البحثي على الأبعاد الدلالية الواسعة، والإشارات الرمزية المعمّقة، المستشفّة من زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، سواء اقتصرنا في فهم علم الدلالة على دراسة معاني الكلمات، كما ذهب إليه بيار غيرو[1]، أو توسّعنا في فهمه ليكون بحثنا التطبيقي في معاني الكلمات، وأجزاء الجُمل، والجُمَل، باعتماد نظرية معينة لتفسير المعنى، كما يذهب إليه يانسن، ومع الاستفادة من دلالية اللفظ والكلمة، كما يرى إبراهيم أنيس[2]. ومعها دلالية السياق والأُسلوب، كما يُشير إليه محمود السعران[3].

وإذا أردنا الخوض في التفاصيل يأخذنا المطاف إلى دراسة شاملة، قد لا يكفي أن تكون مختصَرة في مجلّد واحد، لكنّنا سنشير هنا إلى أهمّ نقاط الالتقاط المعرفي، والأخذ الدلالي، والفهم الرمزي، لموضوعة زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ نربطها ربطاً عميقاً بمساحة واسعة من الفكر، تنتمي إلى فهم الإسلام، وتثقيف الإيمان، وفتح الدين للذهنية المسلمة المؤمنة الواعية.

علماً أنّنا إذا أردنا مزيداً من التوغّل في البحث الدلالي ليشمل الحقول الدلالية كلّها؛ فإنّنا سنحصل على نتائج مذهلة، تؤكّد ما سنشير إليه في هذا البحث الموجَز.

الزيارة الحسينية والثقافة القرآنية

بداية يمكن لنا ـ وبكلّ وضوح، وبلا تكلّف ـ أن نربط بين زيارةِ الإمام الحسين(عليه السلام) دلالياً ورمزياً، وثقافةٍ قرآنيةٍ حثّت على سبر الأغوار، أو على النظر في الآثار، أو حتّى تلك التي تحدّثت عن (السائحين)، أو ما كان قريباً من كلِّ ذلك. نعم، تستوقفنا في القرآن الكريم آيات غير قليلة دعت إلى السير في الأرض[4]، مع الدعوة إلى التأمّل بآثار الماضين[5]؛ من أجل أخذ العبرة، والانطلاق في الحياة برؤية صحيحة[6]، وبروحية فاعلة[7].

ونلحظ في كتاب الله العظيم عدداً من الآيات القرآنية قد ذكرت أشخاصاً ممدوحين، لا بأسمائهم، بل بصفتهم أنّهم (السائحون)[8]، والمعنى اللغوي الأوّل من كلمة السائحين هو الحركة في الأرض، وفي المعنى الديني ضمن الرسالات السابقة هو الحركة الإرشادية والتبشيرية (مجتمعياً)، أو هو السعي التأمّلي العبادي (شخصياً) أو (فردياً) من جهة ثانية. ثمّ خصّصت بعض الأحاديث المنسوبة للنبي الأكرم(صلى الله عليه واله) معنى السائحين، وقد نصّ بعضها على أنّ سياحة أُمّة محمد(صلى الله عليه واله) هي الصوم، أو الجهاد[9].

ولا أجد مانعاً أو كثير ضير في إرجاعه إلى المعنى اللغوي الأصلي، وكذا المعنوي الديني المتعارف لدى الرسالات السابقة وحتّى في بدايات دين الإسلام، فيكون إرجاعاً لممارسة الحج، أو العمرة، أو الزيارة، ضمن هذا الفهم المتلخّص بالحركة والسعي في الأرض، إمّا حركة إرشادية وتثقيفية (مجتمعياً) من إحدى الجهات، أو سعياً تأمّلياً عبادياً (شخصياً) أو (فردياً) من جهة غيرها.

ولا نريد أن نصادر آراءً أُخرى فسّرت معنى (السائحين) بـ(الغزاة)، لكنّنا نريد أن نقول: بأنّ هذا الوصف أطلقه القرآن الكريم على بعض النساء، ولا جهاد على المرأة، كما هو معلوم. إذاً؛ وصفهن بـ(سائحات)[10] يفتح المجال أمام معنى آخر، وإن اختلف المفسرون في معانٍ عدّة لهذه الكلمة، سوى (الزائرين والزائرات) أو (الغزاة)، ولا أستبعد أن يكون المعنى المراد يخصّ الحُجّاج والمعتمرين والزُوّار من الرجال والنساء على حد سواء، وإنّه كمصداق من مصاديق (السائحين) على أقلّ تقدير.

وإذا تخطّينا الحالة المسلمة في الثقافة والوعي والممارسة العبادية، وانتقلنا إلى حركة الأنبياء فيما سبق، وخاصّة السيد المسيح كعيّنة نبويّة رسالية لموضوعة السياحة؛ فإنّ السيد المسيح كانت حركته في الأرض هي حركة السياحة، التي تعني ضمن ما تعني العبادة بتمام معناها، وهي تعطي رقياً روحياً للفرد السائح، ورُشداً للمجتمع الذي يحاول أن يغيّره السائحون في خدمة الحقّ والخلق.. وقد انتهى المطاف مع السيد المسيح(عليه السلام) بنهاية إعجازية في الإنقاذ والمآل[11].

وفي المقابل كانت هناك (السياحة اليونسية)، إذ ذهب مغاضباً في طاعة الله تبارك وتقدّس، لكن لم يكن قد أخذ الإذن من الله بـ(سياحة المغاضبة)، فكانت النتيجة مهولة حين التقمه الحوت[12]، هذا مع أنّ تلك (المغاضبة اليونسية) قد آتت أُكلَها حين تُوِّجَت باستثناءٍ قرآنيٍّ باهر (إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ) [13]، مع أنّهم في حسابات ذلك الزمن السحيق كان تعدادهم شعباً كاملاً، (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ).

وفي هذه السياحة اليونسية يعيش الزائر، (السائح في سبيل الله تبارك وتقدّس) فحوى أن تكون كلّ حركته في مرضاة الله العلي العظيم، بما يشاء، وكيف يشاء، لا أن يتحرّك كما يملي عليه مزاجه الشخصي، ورأيه المجرّد، مسترشداً بقصّة نبي الله يونس وهو يعاني تلك المعاناة؛ إذ ذهب يطوي في الأرض مغاضباً، فظن أن لن يقدر الله(عز وجل) عليه، بمعنى ظنّ أن لن يقتِّر عليه رزقه، ولن يضيِّق عليه عيشه، فإذا به يكون طعماً للحوت في البحر الهادر المهول.

وبعد ذلك ربُّنا سبحانه وتعالى يمنّ عليه إذ كان من المسبحين؛ بأن يفرِّج عنه، ويجعل له شجرة من يقطين تظلله، ومن خلال تلك الشجرة يستطيع أن يعاود نشاطيه، البشري في الحياة، والنبويّ في الهداية والإرشاد، بعد أن يتخلّص من آثار ذلك المكث في داخل الحوت الضخم، أو في فمه المخيف.

هذه القصّة ذكرها القرآن الكريم ببعض التفاصيل الخاطفة، مع تأكيد إلهي بأنّ المؤمنين ينجيهم الله العلي القدير كذلك[14]. وهناك أحاديث شريفة تدلّ على أهمّية هذه القصّة في حياة البشرية، وأنّ مَن يداوم على تلاوة آية منها ينال فضلاً من الله سبحانه وتعالى، حتّى أنّ صلاة الغفيلة بين المغرب والعشاء تضمّنت تلك الآية التي تحدّثت عن هذه القصّة.

 فلو أتينا بمجساتنا البيانية الدلالية وما عندنا من استنفار رمزي لوجدنا ما جرى على سيدنا الإمام الحسين(عليه السلام) من أجل دين الله الحقّ العظيم، ومن أجل الهداية البشرية إلى صراطه المستقيم، ونهجه القويم، نجد ذلك أكبر وأعمق وأكثر تأثيراً من تلك القصّة التي كانت لنبي الله يونس(عليه السلام)، ونجد حيوية لا تُضاهى في الانشداد المليوني للأجيال المتعاقبة، وهي ترتبط بالإمام الحسين(عليه السلام) كلّ ذلك الارتباط المقدّس، الذي يقود إلى التغيير الإيجابي (فردياً، ومجتمعياً) باستمرار لا توقّف فيه.

وكذا يكون البهر والبهت في خاتمة قصّة أهل الكهف؛ إذ اتّخذ الذين غُلبوا على أمرهم على قبرهم مسجداً لتتحقّق أهداف الهجرة في الله، والهجرة إليه، والسياحة من أجله، نبذاً للطغاة والكافرين، بالوتيرة العبادية التي ينبغي أن يكون عليها زوّار الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد تشابهت حال الزوّار الحسينيين، مع حال أهل الكهف المؤمنين، خاصّة في عهود الظلم والجور ومنع زيارته، والمعاقبة عليها بأشدّ العقوبات[15].

وأمّا سياحة النبيّ إبراهيم خليل الرحمن(عليه السلام) فقد كانت أُمّاً رؤوماً لكل السياحات المرتقية بالروح من جهة، كما في هَجْرِهِ قومَه وعمَّه سائحاً مبلِّغاً معلِّماً مرشداً، ولَجَئِهِ إلى الله وحده.. أو السياحة المحرِّرة للفكر من جهة ثانية، كما في حركته وحواره مع عبَدة النجوم والقمر والشمس[16]، أو ذهابه إلى أعتى طاغية في زمانه وهو النمرود، وحواره الرصين معه[17]، أو حركته في تحطيم الأصنام، بالإقناع العلمي أوّلاً، وبالتهشيم المادّي ثانياً[18].. أو السياحة المؤسّسة للبناء الحضاري البشري من جهة ثالثة، كما في سياحته إلى بناء الكعبة المشرّفة، وتأسيسه لفكر الإسلام لله جلّ علاه[19].

وفي هذا المضمار يكون الالتقاء العبادي مع حركة أبي الأنبياء إبراهيم(عليه السلام)، والتثقّف عليها أثناء زيارة المؤمنين إمامهم الحسين(عليه السلام)؛ بمنظار أنّها سياحة لله تبارك وتقدّس، ومن أجل الوصول إلى رضاه سبحانه وتعالى، من خلال هجر كلّ باطل ومبطل، والحوار الواعي مع كلِّ مخالف ومختلف، والصمود الراسخ أمام كلّ طاغوت ومتجبّر، والبناء الحضاري لكلِّ ما هو إنساني متكامل.

وبهذا يبدو جلياً أنّ زيارة إمامنا الحسين(عليه السلام) ـ من الناحيتين الدلالية والرمزية ـ تعني ضمن ما تعني ثقافةً إسلاميةً من جهة، ومن جهة ثانية هي ثقافة نبويّة شاملة لكلِّ الإنسانية، ولا تقتصر في تأثيراتها الإيجابية على عالم الفكر الإسلامي وتفاصيل الدين الإسلامي وحسب.

ذكريات يمجدّها القرآن الكريم

وهكذا نجد القرآن الكريم يؤكّد في آياته على أهمّية أن تبقى هذه الذكريات شاخصة أمام الأجيال جميعاً وهي تقرأ القرآن الكريم؛ وذلك من قبيل إدامة السلام على أولئك الذين هم شواخص للهداية الإلهية. أو أنّ القرآن الحكيم يذكر بعض تفاصيل الأدعية الخاصّة، والمناجاة الخفية التي كان يلهج بها بعض الأنبياء الكرام(عليهم السلام)، من قبيل أنّ نبياً من أُولي العزم المرسلين دعا الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)[20]، أحد أنبيائه: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)[21]. فتكون الاستمرارية في التأثير الإيجابي على البشرية مُراداً من مُرادات الأنبياء، وبذلك لا يكون الموت عائقاً أمام التأثير النبويّ الهادي على امتداد وجود الأجيال.

الزائر الحسيني والمنحى القرآني لأخذ العبرة

لو توغلنا قليلاً داخل منحى القرآن المجيد في أخذ العبرة والموعظة، نجد أنّ هناك ارتباطاً دلالياً حادّاً، ووشائج رمزية واضحة بين موضوع بحثنا وهذا الفيض القرآني الذي يأخذ أكثر من شكل؛ فمن أشكاله أنّه يتحدّث عن أهمّية قصوى للتأمّل في آثار الماضين لأخذ العبرة والعِظة، كما في آيات كثيرة، وفي هذا المجال نجد القرآن الكريم يحثّ على التأمّل والنظر في تلك الآثار المتبقية لأولئك الأشخاص وإن كانوا غير مؤمنين (سلبيين)، بل نجد القرآن الكريم يحثّ الناس على أن يبادروا ليتحركوا سائحين أو زائرين، شادّين الرحال، لا لشيء سوى أخذ العبرة من تلك الآثار المتبقية لأولئك الأقوام المنقرضين، فكيف إذا كانت هذه الآثار هي آثار لأشخاص هم قادة في عالم الهداية، وسادة في مسيرة الإنسانية إلى حيث الهدى والتكامل، أو على الأقل، وبتعبير شبه معاصر لأشخاص إيجابيين؟

إنّنا باستمرار نلاحظ القرآن العظيم يؤكّد على ضرورة الاتّصال بقادة البشرية إلى الهدى من الأنبياء وأبناء الأنبياء، الذين في آثارهم تكون الموعظة، ومن ذلك الآيات التي تحدّثت عن بيت الله الحرام، وعن مقام إبراهيم، وحثّت على أن نتّخذ من مقام إبراهيم مصلى[22]، ربما بلحاظ أنّ المصلى هو المكان الذي تكون فيه أوثق الصِلات بالله سبحانه وتعالى؛ إذ الصلاة هي الصلة الوثيقة بخالق الكون والحياة، وبلحاظ مكان الذكرى، وصاحب الذكرى بالدرجة الأُولى.

ومن زاوية أُخرى نجد القرآن المبين يؤكّد على أنّ حركة القضاء الإلهي والقدَر الرباني تتحرّك في إطار متوازن غاية التوازن، وبها يكون أدقّ إتمام الحجّة في وعظ البشرية، ونصح الإنسانية.. وهذا بحث مستقل ضخم، لكن له مجال يتّصل بموضوع بحثنا؛ إذ القصد أنّنا نأخذ العبرة من الأشخاص الذين كانت لهم تأثيرات في ساحة الصراع بين الهدى الإلهي النبويّ من جهة، والإضلال الشيطاني الطاغوتي من جهة أُخرى، ومن ضمن ذلك: أنّ الله سبحانه وتعالى قد قضى أن ينجي بدن فرعون ليكون آية للناس[23]. وتؤكِّد بعض الدراسات المعاصرة أنّنا إلى يومنا هذا نجد جثّة ذلك الفرعون لم تتفسخ، ولا يزال بإمكان الناس أن يطلعوا عليها لأخذ العبرة البالغة والموعظة الشاخصة!

إذاً؛ ربّنا الجليل الهادي سبحانه وتعالى يدلّنا في القرآن الكريم على أنّ جزءاً من الهداية الإلهية والمواعظ الربّانية يكون من خلال الاطّلاع على مآل الماضين؛ فإذا كان هذا المآل مذكِّراً بالله وداعياً لأخذ الموعظة والهداية وإن كان من الأشخاص غير المؤمنين (السلبيين)، فكيف الحال وأنّنا مع زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) نعيش مع المنبع الصافي للهداية الإلهية؛ ذلك أنّ الذين يزورونه(عليه السلام) ينبغي أن يعيشوا أصدق المواقف التضحوية التي كانت من أجل الله تبارك وتقدّس.. وكلّ زائر يتمثّل تلك التضحية وهو يأتي إلى زيارة سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، يعيش أرقى حالات التوجّه إلى الله العلي العظيم، أو على الأقل يستفيد كثير استفادة من تلك المواقف الحسينية التضحويّة، التي يندكّ فيها هذا الوجود الحسيني بحبِّ الله الذي لا إله إلّا هو الربّ الحنّان المنّان، فيتواتر العمل على ما يقرِّب البشرية إلى الله خالق الإنسان والأكوان سبحانه وتعالى.

المنحى الرمزي في أخذ العبرة والوصول إلى الهداية

ثمّ إذا أتينا إلى القرآن الكريم من منحى ثالث؛ فإنّنا نجدّه يثقفنا بمجملٍ من الآيات، وجملةٍ من الإشارات؛ على أنّ الحالة الرمزية لها دورها وحضورها وتأثيرها المباشر والفاعل في هداية الناس باتّجاه الصراط المستقيم، وواضحٌ جدّاً مرادُ ربِّنا الجليل العظيم سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم، حين يدلّنا على قصص أولئك الأنبياء السابقين، ويؤكّد أنّ في قصصهم لعبرة[24]، وتلك القصص إذا قارنّاها بما جرى على سيدنا ومولانا الإمام الحسين(عليه السلام) نجد تأثير ما جرى على سيد الشهداء(عليه السلام) في النفس الإنسانية أكبر بكثير، وأعمق في الضمير من تلك القصص التي ذكرها القرآن الكريم.

ومن هنا علينا أن نلتفت إلى أهمّية إحياء أمر الإمام الحسين(عليه السلام) باعتباره ضرورياً وحاسماً للاهتداء بسيدنا رسول الله(صلى الله عليه واله) الذي أكّد هذا المعنى مراراً بقوله: «حسين منّي وأنا من حسين»[25].

وحين يقف الزائر أمام قبر الإمام متمثِّلاً كلّ تضحيات الأنبياء(عليهم السلام)، من آدمهم إلى خاتمهم، ويخاطبه بأنّه وارث الأنبياء، ويسترجع في ذاكرته القرآنية قصص أنبياء الله، ثمّ يسلِّط عليها ضوء الوراثة الحسينية لهم، متلونةً بألوان شخب دمائه(عليه السلام)، وهو يشهد بأنّ هذا الإمام كان نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهّرة، لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمّات ثيابها، وبأنه من دعائم الدين وأركان المؤمنين، وأنه الإمام التقيّ النقيّ الهادي المهديّ.. تتأكّد لنا حينئذٍ انعكاسات كل ذلك على روحية هذا الزائر الحسيني الواعي، وعلى نفسيته المتحركة في الصراط المستقيم، وهو يتابع مشواره مساهماً في مشروع الهداية الإلهية لبني الإنسان على هذه الأرض، وإلى يوم العرض، وحتّى نيل الجنّة التي هي أكبر من كلِّ السماوات في طولها والعرض!

الأحاديث الشريفة والتثقيف الرسالي على الزيارة

وفي صميم البحث أيضاً بُعدٌ آخر، وهو بُعدُ الأحاديث النبوية الشريفة، وأحاديث المعصومين(عليهم السلام)، التي تحدّثت عن أهمّية أخذ العبرة والعظة من قصص الأنبياء والصالحين الماضين، وهناك طائفة أُخرى تضمّ كمّاً كبيراً جدّاً من الأحاديث والمرويات تحدّثت صراحة عن أهمّية قصوى في زيارة الإمام الحسين وسادتنا المعصومين(عليهم السلام) من نواحٍ عدّة، ومنها الناحيتان الدلالية والرمزية.

وحتّى لا أُطيل في استقصاء تلك الأحاديث التي يصعب حصرها، سأكتفي بذكر بعض العيّنات، دون التعرض لشرحها واستنطاقها دلالياً ورمزياً، حديثاً حديثاً، بل أكتفي بالتعريج على ذلك في طيّات البحث الآتية.

العيِّنة الأُولى:

«عن معاوية بن وهب قال: دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) وهو في مصلاه، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، فيقول: يا مَن خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي(عليهما السلام)، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيِّك محمد(صلى الله عليه واله)، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافِهم عنّا بالرضوان، وأكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خُلِّفوا بأحسن الخلف، وأصحبهم، واكفهم شرّ كلِّ جبار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثروا على أبنائهم وأبدانهم وأهاليهم وقراباتهم، اللّهم إنّ أعداءنا أعابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، وارحم تلك العيون التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللّهم، إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش. فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد، فلمّا انصرف قلت له: جُعلت فداك، لو أنّ هذا الذي سمعته منك كان لـمَن ليعرف[26] الله لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئاً أبداً، والله لقد تمنّيت إن كنت زرته ولم أحج. فقال لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك عن زيارته يا معاوية ولم تدع الحج ذلك. قلت: جعلت فداك، فلم أدر أن الأمر يبلغ هذا. فقال: يا معاوية، ومَن يدعو لزواره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض...»[27].

العيِّنة الثانية:

«عن يزيد بن عبد الملك قال: كنت مع أبي عبد الله(عليه السلام)، فمرّ قوم على حَميرٍ، فقال: أين يريدون هؤلاء؟ فقلت: قبور الشهداء. قال: فما يمنعهم عن زيارة قبر الشهيد الغريب؟! فقال له رجل من أهل العراق: وزيارته واجبة؟ فقال: زيارته خير من حجّة وعمرة، وحجّة وعمرة. حتّى عدّ عشرين حجّة وعمرة، ثمّ قال: مبرورات متقبلات. قال: فوالله، ما قمت حتّى أتاه رجل فقال: إنّي حججت تسع عشرة حجّة، فادع الله لي أن يرزقني تمام العشرين. فقال: هل زرت قبر الحسين(عليه السلام)؟ قال: لا. قال: زيارته خير من عشرين حجّة»[28].

العيِّنة الثالثة:

«عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): إنّ أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين(عليه السلام) شعث غبر، يبكون إلى يوم القيامة ـ بينهم ملك يُقال له: منصور ـ فلا يزوره زائر إلّا استقبلوه، ولا يودّعه مودّع إلّا شيّعوه، ولا يمرض إلّا عادوه، ولا يموت إلّا صلّوا على جنازته واستغفروا له بعد موته»[29].

العيِّنة الرابعة:

«عن محمد بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل حجّ حجّة الإسلام فدخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج، فأعانه الله على حجّه وعمرته، ثمّ أتى المدينة فسلّم على رسول الله(صلى الله عليه واله)، ثمّ أتاك عارفاً بحقِّك يعلم أنّك حجّة الله على خلقه، وبابه الذي يؤتى منه، فسلّم عليك، ثمّ أتى أبا عبد الله الحسين(عليه السلام) فسلّم عليه، ثمّ أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام)، ثمّ انصرف إلى بلاده، فلمّا كان في وقت الحجّ رزقه الله ما يحجّ به، فأيهما أفضل، هذا الذي قد حج حجّة الإسلام يرجع فيحج أيضاً، أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضا(عليهما السلام) فيسلم عليه؟ قال: بل يأتي خراسان فيسلِّم على أبي الحسن(عليه السلام) أفضل، وليكن ذلك في رجب، ولكن لا ينبغي أن تفعلوا هذا اليوم، فإنّ علينا وعليكم خوفاً من السلطان وشنعة»[30].

العيِّنة الخامسة:

«عن الحسين بن محمد القمّي، قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام): أدنى ما يُثاب به زائر الحسين(عليه السلام) بشطِّ الفرات إذا عرف حقّه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[31].

وقد سبقت إشارات، وستأتي أُخريات، كان أساسها هذه العيِّنات الخمس ونظائرها، وفيها من المعاني والدلالات والترميزات ما يجعلنا نفهم روح الإسلام بكلِّ مجده؛ من خلال موشور النور الحسيني المتلألئ في رحاب زيارته، شريطة معرفة حقّه العظيم.

أعمال وممارسات فيها إثمار الزيارة

ويمكننا من جانب آخر أن نقرأ موضوعة زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) دينياً وعقائدياً بسبرٍ دلالي ورمزي؛ من خلال مجموعة أعمال وأفعال وممارسات تسبق الزيارة، وبعض منها يكون في أثناء أداء الزيارة، ولذا حريّ بنا أن لا نغفلها أبداً باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من عبادة أو ثقافة السياحة إلى الله تبارك وتعالى، ليكون الزائر كمَن زار الله في عرشه تقدّس مجده، كما صرّحت بذلك أحاديث شريفة[32]. وهذا الوصف الرمزي العاصف (زيارة الله في عرشه) يهزّ الفكر ليستقر عند هدفية العبادة الحقّة، التي هي (قربة إلى الله تعالى)، ويرجّ الروح خشوعاً لتسكن عند مأوى الخالق العظيم الرحيم الكريم الحلّيم، ويذيب القلب حبّاً لله الجليل الـمُنيل، وهو الذي بذكره تطمئن القلوب[33]. وهذا كلّه يتحقّق بالزيارة الواعي تفاصيلَها مَن كان زائراً حقّاً.

وكان بودّي لو أطنب في التقاط المزيد من استنطاق الآيات المباركة والأحاديث الشريفة، وأتوقف عند باقي الأفعال والممارسات، وأعقِّب بالشرح والتوضيح الدلالي والرمزي على كلِّ فعل وممارسة حتّى تكون دراستنا الدلالية والرمزية بأتمّ متطلبات البحث الموضوعي، ونحن نخوض في الموروث الديني المتّصل بآيات قرآنية وروايات صحيحة.. لكن توخّياً للاختصار المنسجم مع هذه الفسحة من البحث أكتفي بهذا الالتقاط السريع:

أولاً: ما قبل الزيارة

إذا أتينا إلى البُعد الديني العبادي، الذي يعيشه الزائر قبل زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، فإنّنا نجد بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تعطيه ثقافة التهيئة للحالة العبادية السياحية. ونستفيد ذلك من عدّة شواهد قرآنية، إذ نقرأ ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في سياحة النبيّ موسى(عليه السلام) هذا البُعد الروحي والنفسي والتثقيفي، الذي يسبق تلك الممارسة العبادية، فقد جاء في القرآن الكريم: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى*إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى*فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى*إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى*وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى*إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي*إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى*فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى*وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى*قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى*قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى)[34].

ففي هذا النصّ أعماق روحية، ونفسية، وسلوكية، ومعرفية، وعبادية، وتربوية، بل ودراماتيكية فنّية، وكلّها لها أهمّيتها الدلالية والرمزية الفائقة، ولو أردنا بسط القول فيها لخرجنا عن صلب بحثنا هذا، لكن الذي يعنينا هو التعرّف على مشوار ما قبل اللقاء، فقد سبقت هذا اللقاء فترة تتراوح ما بين ثماني سنوات وعشر، حتّى انتهت بهذه الصدمة الهائلة في الوصل، أثناء سكون الصحاري والوديان، ووحشة السرى، وخوف الترقّب، ووجل الحفاظ على النفس والأهل، في عتمة الليل البهيم الذي تتوهّج فيه تلك النار المذهلة. وأوّل ما وصل إلى الوصل، كان النداء الذي يفوق وصفُه وتأثيرُه كلَّ خيال: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)*(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).

بهذه الروعة يعيش المسلم لقاء الله تبارك وتعالى، وقد جاء به نور الحسين(عليه السلام)، لا نار الكليم. ومن هنا؛ ينبغي أن تُبحث الدلالات والترميزات بحثاً علمياً تخصصياً، بما يعطي تمام الاستحقاق، للوصول إلى دقيق الاستنتاج.

هكذا نفهم ـ بعض الفهم ـ الحالة الروحية للمؤمنين الزائرين السائحين، من خلال الاستعداد الاستثنائي للحركة العبادية القُربيّة التي يقطع فيها الإنسان المؤمن الحسيني المسافات الطويلة مشياً على الأقدام حتّى يصل إلى هذه العبادة في أوقات مخصّصة، يعدّ لها الأيام يوماً بعد يوم، وضمن ترتيب وممارسات معيّنة، تذكرنا بواحدة من أهمّ خمس دعامات بُني عليها الإسلام؛ وهي دعامة الحج.

ومن هنا؛ فإنّ البحث في الجوانب الدلالية والرمزية لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) وارتباطها بحج بيت الله الحرام والعمرة، ممّا يوسع دائرة الفهم، ويعطي للزيارة بُعداً يتوخّاه الزائر كلّ التوخّي من خلال استفادته الدينية والعبادية والعقيدية من هذه الممارسة التي تتشابه مع ممارستَي الحج والعمرة، بل هناك تصريح في كثير من الروايات بالربط ما بين زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) والحج والعمرة؛ إمّا بتشابه في بعض الممارسات والأفعال العبادية، أو بلحاظ مقارنة زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) بالحج المستحب والعمرة المندوبة[35].

فمثلاً؛ تصرِّح بعض الأحاديث بأنّ مَن زار الإمام الحسين(عليه السلام) عارفاً بحقِّه فقد وجبت له الجنّة، وهذا يدعونا إلى أن نتأمّل في هذا الشرط (عارفاً بحقّه)؛ لنصل إلى معنى دقيق، هو أنّ منظومة أُصول الدين كاملة لا تكون ماثلة لعيان الزائر إلّا إذا كان عارفاً بحقِّ الإمام الحسين(عليه السلام)، أو بمعنى آخر: إذا عرف الإنسان حقّ الإمام الحسين(عليه السلام)، وجاءه زائراً بالكيفية التي وصفتها الأحاديثة الشريفة، فإنّنا نخرج بهذه النتيجة: أنّ هذا كلّه يجعل الإنسان أقرب إلى فهم أُصول الدين وفروعه، والتعاطي معها تعاطياً روحياً، وقلبياً، وعقلياً، سليماً وقويّاً؛ وبذلك تأخذ الزيارة الحسينية أمداءها الدلالية والرمزية بما يستعصي على الوصف البسيط، والشرح السريع.

التهيؤ للزيارة والحجّ والعمرة

وحريّ باللحاظ البحثي أنْ تُدرس كيفيّة التهيؤ لزيارته، إذ تكون مُذكرة بما يفعله الحاج، وهو ينطلق إلى أداء مناسك الحجّ والعمرة، كسُنّة الاغتسال، ولا ننسى أنّ هناك غُسلين يرتبطان بالزيارة؛ الغسل الأوّل هو (غسل سفر الزيارة)، والغسل الثاني عند الوصول إلى كربلاء المقدّسة، استعداداً للبدء بالزيارة، وهو المسمّى (غسل الزيارة). وكذلك تُستحبّ صلاة ركعتين، بكلِّ ما للصلاة من أهمّية، ولما لهذه الحركة في الزيارة من معنى يرتبط بالصلاة بشكل مباشر[36].

ومن ذلك أيضاً هذا الترابط بين حفظ الله للزائر ولأهله، وحركة تربويّة رحيمة في الزيارة، بحيث يُستحب للزائر أن يجمع أهله، وأن يدعو بالدعاء الذي فيه الحفظ والأمن والاطمئنان: «اللّهُمَّ، إِنِّي اسْتَوْدِعُكَ اليَوْمَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمالِي وَوُلْدِي وَمَنْ كانَ مِنِّي بِسَبِيل [الإيمان]، الشَّاهِدَ مِنْهُمْ وَالغائِبَ، اللّهُمَّ، احْفَظْنا بِحِفْظِ الإيْمانِ، وَاحْفَظْ عَلَيْنا، اللّهُمَّ، اجْعَلْنا فِي رَحْمَتِكَ، وَلا تَسْلُبْنا فَضْلَكَ، إِنَّا إِلَيْكَ راغِبُونَ...»[37].

وهناك أيضاً آداب عديدة تجعل الزائر يعيش دورة تأهيلية ليكون أنقى وأرقى وأطهر وأكثر إيجابية؛ من خلال التصدّق، أو مداراة الآخرين، خاصّة الزوّار السائحين إلى الله، ومساعدة المحتاجين للمساعدة في أثناء الطريق، والتأدّب بأرقى الآداب.. فلا جدال، كما أنّ الحجّ لا جدال فيه، ولا فسوق، ولا رفث.. صحيح أنّ ذلك واجب تركه في الحجّ، وغير واجب في الزيارة، لكن التزام الزائرين بذلك المستحب يعطينا تمثّلاً عبادياً وهم يتعاملون مع المستحبّ والأليقِ معاملةَ الواجب.

وكذلك ينبغي أن لا يخطو الزائر خطوة إلّا وهو يسبِّح الله ويقدّسه، حتّى تصبح كلّ خطوة من خطوات زيارته مشروعاً عبادياً، أو ممارسةً عباديةً، فعلى امتداد الطريق حتّى الوصول إلى زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) يكون هذا الزائر في عبادة متواصلة بين يدي عظمة الله سبحانه وتعالى، وهو يديم ذِكرَه وتقديسَه وتسبيحَه والثناءَ عليه[38].

ثمّ هناك آداب ترتبط بمعاشرة الزائر مع الناس، ومع كلِّ ما حوله، حيث يكون الإنسان متحلياً بالسكينة والوقار، ولا يكون إلّا إيجابياً وهو يتعاطى مع مَن حوله وما حوله، بكلِّ رفق، فإذا كان مَن حوله إنساناً فهو يعيش أرقى حالات الرفق بالإنسان، وإذا كان ما حوله حيواناً فهو يعيش أرقى حالات الرفق بالحيوان، بل إنّه يعيش حالات الرفق بالبيئة من خلال المحافظة على الأرض وما أنبتت وما حوت، ويكون حريصاً على عدم تلويثها، وما يستلزم الإفساد فيها، عملاً بالنصّ القرآني المبارك (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) [39].

وقد زخرت كتب الزيارات بكثير من تفاصيل السنن والآداب التي تسبق الزيارة، ومن تلك الكتب ما اشتُهر في المائة سنة الأخيرة، حتّى لا يكاد بيت شيعي يخلو منه، وهو كتاب (مفاتيح الجنان) للشيخ عباس القمّي[40].

ثانياً: ما يكون أثناء الزيارة

عند حرم الإمام الحسين(عليه السلام) نجد في كلمات الزيارة تثقيفاً راقياً، ومجالاً واسعاً لحركة الفكر المتحرّر، الذي يتلمّس الحقائق الإلهية، ويعيش الدين بأخذٍ واعٍ ومسؤول، كما في الزيارة المطلقة للإمام الحسين(عليه السلام) ـ التي يُزار بها في أي وقت من الأوقات ـ وهي المعروفة بـ(زيارة وارث).. فإنّنا نجد الزائر لا يبدأ زيارته إلّا وقد كبّر الله تبارك وتقدّس ثلاثين تكبيرة، بكلِّ ما لهذا التكبير من فهم فكري للدين وللحياة؛ فعندما يكرِّر الزائر قوله: (الله أكبر)، فإنّه يعيش معاني التكبير العظيمة؛ إذ الله أكبر من كلِّ شيء، والله أكبر من أن يصفه الواصفون، والله أكبر من كلِّ تحدٍّ يتحدّى الإنسان.. فلذلك لا يخشى الزائر أيَّ شيء، بكل اطمئنان روحي، وثبات قلبي، وثقة بالنفس، فيخرج الزائر بهذه الثقافة التوعوية، وهذه الرياضة الروحية، والمِران النفسي، وهو يعيش مرتبطاً بالله العظيم، فلا شيء يخيفه؛ لأنّ اللهَ أكبرُ من كلِّ شيءٍ مخيف، الله أكبر من أعداء الله، الله أكبر من الطغاة، الله أكبر من الأمراض، الله أكبر من القلق.. إلى آخر ما يمكن أن يخطر في بال الزائر من معكِّرات.. وهكذا يحيا الإنسان ثقافة التكبير، وهو يقف أمام جِراح الإمام الحسين(عليه السلام)، يراها بقلبه نازفة ندية حتّى هذه اللحظة، ويتبيّنه مشروعاً إلهياً يرتبط بالاستخلاف المُراد إلهياً رُبوبياً على هذه الأرض؛ تلك المَهمة الكبرى، والأمانة العظمى التي هي في عنق الإنسان، ليكون خليفة لله العلي العظيم في أرضه، ممدوحاً في سماواته، لأنّه مؤهل لهذه الخلافة أكثر من الملائكة؛ لحكمة يعلمها الله تبارك وتعالى[41].

ماذا بعد وعي التكبير؟

بعد التكبير ـ لفظاً ووعياً ـ تبدأ الزيارة على هذا النسق المعرفي: «الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً»[42]. إذاً هو تكبير متواصل، وتحميد دائم، وتهليل مستمر، وتسبيح لا ينقطع، قلباً ولساناً. كما يعيش الزائر حمداً خاصاً لله تبارك وتقدّس؛ إذ هداه لهذا، وما كان ليهتدي لولا أن هداه الله: «الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربّنا بالحقِّ»[43].

هكذا نتلمّس بدلالة كاشفة، ورمزيّة هادفة؛ أنّ هناك ارتباطاً بين الزيارة وحمد الله، أو بتعبير أقرب إلى روح السياق ودلالة الكلمات هو أنّ الولاء للإمام الحسين(عليه السلام)، ومعرفة حقّه، وأداء واجب التعرّف إليه، يُعدّ كلّ ذلك نعماً من أعظم النِّعم، ولا يهدي اللهُ تبارك وتعالى إليها إلّا مَن كان ذا حظٍ عظيم في الهداية، بل وأنّ هذا هو روح ما جاءت به رسل الله جميعاً، وهو الحقّ من ربّهم.. هذا مع مضاضة فجيعة الزائر بما جرى على إمامه الحسين(عليه السلام)، وقد عظمت الرزية، وجلّت المصيبة، فينهار بالبكاء وكأنّه يرى الإمام يترجّل الآن شهيداً بين يديه، تشخب دماؤه الشاهدة الشهيدة من كلِّ مكان، لتصبغ وجه الرمل والتاريخ، وترشق قطراتها الحمراء ضمائر الميتين من المجرمين والصامتين على حدّ سواء.. وبهذا يطفح الولاء والبراء في وعيه الـمُثار عاطفياً وعقلياً، وهو يستعرض كلّ حصيلته الدينية أمام نزف سيد الشهداء(عليه السلام)، ويزنها بميزان تضحيته المستحيلة أو المنقطعة النظير.

كيف يكون السلام على الإمام(عليه السلام)؟

ثمّ تبدأ الزيارة بالسلام، لكنّه سلام يوصل الزائر إلى رسول الله(صلى الله عليه واله)، فيكون السلام بدايةً على رسول الله(صلى الله عليه واله)، وكأنّ الزائر يرى سيدنا الرسول في مقدّمة مَن يستقبل الزائرين الـمُعزّين، ويستمع منهم الكلام أوّلاً بأوّل: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خاتم النبّيين، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا حبيب الله»[44].

وحين نتعمّق في المغزى الدلالي والاستهداف الرمزي لكلِّ تلك الكلمات، وبمثل هذه الهيئة، نصل إلى أنّ الثمرة الأُولى التي يقطفها الزائر هي ارتباطه الوثيق بأُصول دينه؛ فتوجهه لله الأكبر، الذي هو أهل للتكبير والتسبيح والتقديس والتحميد، وبما يجعل الزائر متحسّساً آثار أوّل أصلينِ من أُصول الدين؛ وهما (التوحيد) و(العدل)، ثمّ بعد ذلك عندما يسلِّم على النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله) فإنّه يعيش معاني الأصل الثالث من أُصول الدين، وهو (النبوّة)، ويتعايش هذا الزائر مع النبوّة، ويتعاطى معها من خلال التأكيد لسيدنا محمد(صلى الله عليه واله) أنّه هو رسول الله؛ بفهم لمعاني الرسالة ودلالاتها، وأنّه نبي الله؛ بالتفات لمقام النبوّة وإيحاءاتها، وأنّه خاتم النبّيين؛ بتركيز على كمال الرسالة الإسلامية وخاتميتها، وأنّه سيد المرسلين؛ بمعرفةٍ للحقيقة المحمدية وبركاتها، وأنّه حبيب الله؛ بتركيز على أسرار المحبّة الإلهية لحبيبه المصطفى ومكنوناتها، مع ما لهذه جميعاً من آفاق تثقيفية، وآداب تربويّة، تُستمدّ من عالم المعرفة الإلهية، والحقيقة النبوية، حسب ما يُتاح لهذا الزائر من تَعرُّفٍ إلى الله تبارك وتقدّس، وإلى رسول الله(صلى الله عليه واله).

ثمّ بعد ذلك ينتقل الزائر إلى الأصل الرابع من أُصول الدين وهو أصل (الإمامة)، متمثّلةً بالإمام الأوّل بعد النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله)، وهو سيّدنا أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ حيث لا يدخل الزائر إلى الحرم الحسيني زائراً عارفاً بحقه إلّا بعد أن يسلِّم على سيدنا أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: «السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا سيد الوصيين، السلام عليك يا قائد الغرّ المحجلين»[45]. ثمّ يكون السلام على سيدنا الإمام الحسين(عليه السلام) بإشارة إلى كونه ابن السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، بعظيم ما لهذه السيدة من قربى للرسول(صلى الله عليه واله)، وقربى للإمام الشهيد، وكذا ما لها من تأثير في تفهيم دين الإسلام، وتثقيف على رفض غاصبي الخلافة من أهلها الشرعيين، وإذكاء روح الجهاد الواعي بالقول والفعل والموقف، من أجل إحقاق الحق، وتبيين الصراط المستقيم.. وهذا بمجمله يجعل الزائر يتّصل روحياً وشعورياً بالوقفة الزهرائية الفاطمية الكبرى، التي هي وقفة مفصلية في تاريخ الإسلام. ويتواصل السلام على الإمام الحسين(عليه السلام) وعلى الأئمّة المعصومين من ولده(عليهم السلام)، ثمّ العودة إلى السلام على الإمام الحسين(عليه السلام) باعتباره وصياً لأمير المؤمنين، وصديقاً شهيداً، وذلك بقول الزائر: «السلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأئمّة من ولدك، السلام عليك يا وصي أمير المؤمنين، السلام عليك أيها الصديق الشهيد...»[46].

ولا يقف تأمّل الزائر عند هذا الحدّ، بل يعيش مع ارتباط ملكوت السماوات بالإمام الحسين(عليه السلام) من خلال ارتباط الملائكة به، فهناك ملائكة موكّلون بقبره: «السلام عليكم يا ملائكة الله المقيمين في هذا المقام الشريف»[47]، وهؤلاء الملائكة مقيمون منذ وقفته الكبرى في كربلاء واستشهاده، وإلى يوم القيامة؛ كما دلّت على ذلك نصوص من الأحاديث الشريفة. وهناك ملائكة مكرمون آخرون، ينزلون ليحدقوا بقبر الإمام الحسين(عليه السلام) أفواجاً أفواجاً، وهم غير أولئك المقيمين، لأنّ المقيمين باقون في حرم الإمام الحسين(عليه السلام) إلى قيام الساعة، أما الصنف الثاني من الملائكة وهم (المحدقون بقبر الإمام الحسين(عليه السلام)) فهم فوج ينزل وفوج يعرج، كما دلّت على ذلك أحاديث كثيرة أكّدت هذا المضمون[48].

الاستئذان في الدخول إلى ضريح الإمام الحسين(عليه السلام)

وبعد ذلك يستوقفنا الاستئذان في الدخول؛ فلا يدخل الزائر العارف بحقِّ الإمام الحسين(عليه السلام) إلى حرمه، إلّا بعد أن يعيش حالة الخشوع في طلب الإذن في الورود من هذا المنهل الكوثري الحسيني.

وهناك استئذانان: أحدهما في باب الروضة المطهّرة، وهو استئذان عام يشمل كلّ مرقد من تلك المراقد المقدّسة، باعتبار أنّ هذا هو بيت من بيوت النبيّ الأكرم(صلى الله عليه واله)، وقد جاء النهي القرآني عن الدخول إلى بيته إلّا أن يؤذن به[49]. والاستئذان الثاني عند آخر باب مقابل الشبّاك المطهّر.

ومن آداب الزيارة لا يجتاز الزائر الباب المفضي إلى الضريح الطاهر إلّا بعد أن يستشعر أنّه قد أُذِنَ له بالدخول؛ وذلك بدلالة بكائه واستعباره، فلا يدخل إلّا إذا نزلت دموعه، أو خشع قلبه، وهو يقول: «أأدخل يا رسول الله؟ أأدخل يا نبي الله؟ أأدخل يا أمير المؤمنين؟ أأدخل يا سيد الوصيين؟ أأدخل يا فاطمة سيدة نساء العالمين؟ أأدخل يا مولاي يا أبا عبد الله؟ أأدخل يا مولاي يابن رسول الله؟»[50].

أجل، لا يدخل الزائر إلى داخل الحرم الطاهر إلّا بعد أن يعيش كلّ تلك المعاني، حتّى يخشع قلبه، وتدمع عينه، فيعلم أنّ في هذه الدموع إذناً بدخوله، فيدخل هامساً مخاطباً الإمام الشهيد عياناً، أو شهوداً أقوى من العيان: «الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي هداني لولايتك، وخصّني بزيارتك، وسهّل لي قصدك»[51].

التثقيف على حقائق الإيمان

إنّنا في هذا الفهم الناضج للزيارة الحسينية أمام تدفقات بيانية، واكتنازات رمزيّة، تجعلنا نخرج من كلّ حركة وسكون، وكلّ كلمة ودمعة، بحصيلةٍ  هائلة الدلالات، تثقّف الزائرين بآلية الدفق الجمعي الموحّد، ليعيشوا حقائق الإيمان بالله سبحانه وتعالى، مذعنين معترفين، بل ويكونون سعيدين في تحصيل هذه الثقافة العميقة، وهذه العقيدة الراسخة، فيعيشون القربة إلى الله تبارك وتعالى، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي يهديهم إلى ولاية الإمام الحسين وسائر الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، بل ويشعرون أنّهم قد خصّهم ربُّ العزّة والجلال بنعمة الزيارة من بين مليارات البشر، وسهّل لهم الوصول إلى هذا الإمام، ويسّر لهم قصده وحدهم دون سواهم من المحرومين الذين لم يتعرّفوا هذه النعمة الكبرى، التي تمهد لعلاقة وطيدة بالإمام الشهيد في يوم القيامة وما بعده من دهور الخُلد.

ثمّ بعد ذلك يلهج الزائر بزيارة واحدة أو أكثر، من الزيارات الواردة، ولكلِّ زيارة خصوصية من جهة، والتقاء وتشابه مع زيارات أُخرى من جهة ثانية.

زيارة وارث عيِّنة تطبيقية (سريعة) بيانيّاً ورمزيّاً

ليس متاحاً في هذه الفسحة المقتضبة أخذ جميع الزيارات المروية لتحليلها تحليلات بيانيّة ورمزيّة، وحتّى لا ينبتر بحثنا عند هذا الحدّ آثرت اختيار زيارة (وارث) لتكون عيِّنة تطبيقيّة، ولو ببعض الإشارات.

حين يبدأ الزائر بالزيارة يستشعر هذا الزائر الواعي أنه يتعاطى مع جميع الأنبياء في حركاتهم الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، ولا سيما سادة الأنبياء وهم أولو العزم؛ لأنّه يتمثّل أمام مقام الإمام الحسين(عليه السلام) ميراثه لأولئك الأنبياء جميعاً، فيقول: «السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد(صلى الله عليه واله) حبيب الله»[52].

فإذاً؛ يعيش الزائر أمام مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) كلّ ذلك الانتماء لكلِّ الأنبياء، ويشعر بأنّه أمام مسؤولية كبرى، وفي عنقه أمانة صون هذا الميراث النبويّ الذي ورثه الإمام الحسين(عليه السلام)، فأحيا بدمه كلّ رسالات الأنبياء والمرسلين.

وباستعراض أسماء هؤلاء الأنبياء الكرام (على نبينا وآله وعليهم السلام) يستذكر الزائر جهودهم وصبرهم وتضحياتهم نبيّاً نبيّاً، وكأنّ أزمنتهم جميعاً تُختصر الآن في المسافة الفاصلة ما بين وعي الزائر، والضريح الطاهر، فيعي حقيقة وراثة الإمام السبط الشهيد لكلِّ جهد من جهودهم، جهداً جهداً، وكلّ صبر من صبرهم، صبراً صبراً، وكلّ تضحية من تضحياتهم، تضحية تضحية!

وبهذا يتحقّق انتصار جديد لخطِّ رسُل الله ربِّ الأرض والسماء، بهداية إنسان جديد، لم يكن لينال كلّ ذلك الانتماء للأنبياء لولا زيارته سيد الشهداء، فيشعر كأنّه مع أبيه آدم في توبته، ومع شيخ المرسلين ناجياً في سفينته، ومع خليل الرحمن في كلّ خطوة من خطوات رحلته، ومع كليم الله في مجاهدته، ومع روح الله في روحانيته ورحمته وسياحته، ومع حبيب الله في أحمديته ومحمّديته!!

الزائر وعقيدة الإمامة

بعد ذلك ينطلق إلى الامتداد الطبيعي للنبوّة، وأعني به الإمامة، حين يجعل توجّهه الذهني إلى معنى كون الإمام الحسين(عليه السلام) وارثاً لأمير المؤمنين ولي الله(عليه السلام)، لتكتمل الحلقات المتواصلة، وهي تُفعِمُ الزائر بحقيقة الانتماء إلى أُصول دينه؛ وذلك من خلال جعل مسارات شعورية توصله إلى حقائق التوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة، وكذلك إلى المعاد يوم القيامة، يتوق إلى أشرف خاتمة، وهي الشهادة، من خلال ما سبق من عبارات كتلميح، أو ما يأتي من فقرات الزيارة كتصريح، فإذا بهذا الزائر شعلة حسينيّة متوهّجة، تعكس نور الوجود الطيب لسادتنا محمد وآل محمد: «اللّهم، اجعل محياي محيا محمد وآل محمد، ومماتي ممات محمد وآل محمد»[53].

ويتعمّق في تفاصيل عقيدة الإمامة، وكأنّه يستعرض عقيدته أمام الإمام الحسين(عليه السلام)، ويعاهده على التمسّك بها، بعد أن عاش وعيها، حتّى أنّ بعض التفاصيل لم يلتفت إلى دقيق أهمّيتها كثيرٌ من المسلمين؛ من قبيل الاعتقاد بأنّ العمود النسبي لآباء الأئمّة وأُمهاتهم جميعاً لم يكن فيه إلّا الموحّدون والموحّدات، وهو نقي تماماً من الكفر والشرك، وكلّ رجس وإفك؛ بدلالة هذا المقطع من الزيارة: «أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهّرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها»[54]. فأية حقيقة تأكّدت لدى الزائر؟ وبأي درجة من الوثوق في فكره وروحه، حتّى راح يشهد بها شهادة شرعية يقينيّة، عن تمام الاقتناع، وبغاية اليقين؟

وقد يمرّ بعضهم على كلمات من الزيارة مروراً عابراً، بينما هي تتضمّن مدلولات غاية في النضج العقدي الـمُوالي؛ من قبيل السلام على الإمام باعتباره ابناً لرسول الله(صلى الله عليه واله)، ابناً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ابناً لفاطمة الزهراء(عليها السلام)، ابناً لخديجة الكبرى(عليها السلام)، لكن المسألة ليست مسألة نسب وحسب، بل مسألة أنّه مَظهَرٌ لهم جميعاً، وأنّهم يُختصَرون كلّهم فيه، فوجوده يعني وجودهم، وبالمقابل فإنّ مماته مماتهم، أو قتله قتلهم! فهو (وِترٌ) فرد من الناس، لا شبيه له في زمنه، و(موتور) مفجوع بقتل جدّه المصطفى بالسمّ شخصاً، ومفجوع بقتله(صلى الله عليه واله) عند قتله هو(عليه السلام)؛ باعتباره وريثاً دينيّاً له، وامتداداً رسالياً يترشّح عنه؛ بدلالة: «حسين منّي وأنا من حسين»[55]، وإذا كان لله ثأر من قتَلَة رسوله محمد(صلى الله عليه واله)، فالحسين وأبوه(عليهما السلام) هما ثأر الله، وبهما يكون انتقام الله من أعداء الله، وهذا يعني، ضمن ما يعني أنّ قاتل الحسين(عليه السلام) إنما هو قاتل لرسول الله(صلى الله عليه واله)، وقاتل لعلي(عليه السلام)، وقاتل لفاطمة(عليها السلام)، وقاتل لخديجة(عليها السلام)، وقاتل للإسلام كلِّه: «السلام عليك يابن محمد المصطفى، السلام عليك يابن علي المرتضى، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يابن خديجة الكبرى، السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره، والوتر الموتور»[56].

فهنا يعيش الزائر ثقافةَ أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو ثأر الله، وكلمة (ثأر الله)، أو برواية أُخرى (ثائر الله)، إنّما تعني أنّ الحركة المتّصلة بالأقدار الإلهية في القضاء والقدر هذه كلّها ضمن نظام دقيق، كان الإمام الحسين(عليه السلام) محوراً فيه؛ فهو ثائر الله، وابن ثائره، أي: إنّ الإمام الحسين وقبله أباه أمير المؤمنين(عليهما السلام) هما محوران رئيسان في هذه الحركة للتقدير الإلهي والتدبير الربّاني، فهما (ثائرا الله) أو (ثأرا الله)! ولك أن تتخيل العمق الدلالي، والإيحاء الرمزي لهذين الوصفين العجيبين! إذ بهما تتحقّق إرادة الله تبارك وتقدّس في الانتقام من أعداء الله، وفي إرساء الناصع من شرع الله.

وكذلك يتحسّس الزائر في وصف (الوتر الموتور) تفجُّعاً، ويا له من تفجّع! وتوجُّعاً ويا لَشجوه من توجّع! لما جرى على الإمام الحسين(عليه السلام) باعتباره هو الوتر الموتور، فليس كمثله أيٌّ من المضحين المفجوعين، بل قد وُتِرَ وفُجِعَ بما لم يُفجَع به أحد من الأنبياء، فإذا كان خليل الرحمن إبراهيم ـ وهو وريثه ـ قد كاد يُفجَع بولده إسماعيل ذبيحاً، نجد سيّدنا الحسين(عليه السلام) فُجِع بولده عليّ الأكبر وحتّى بولده الطفل الرضيع، وقد تحقّق الذبح! وتضاف إليهم تلك الكوكبة من الشهداء من أبناء أبيه وإخوته وبني هاشم وأصحابه (عليهم جميعاً أفضل السلام والرضوان)، وهكذا باقي تضحيات الأنبياء(عليهم السلام)، وما يوازيها، أو ينوف عليها، من تضحيات الإمام سيد الشهداء(عليه السلام).

هذا بعضٌ من الفهم الدلالي والرمزي الذي نستفيده من هذا المقطع القصير جداً من الزيارة، وغير هذا كثير، ليس من المتاح استقصاؤه كلّه.

الإمام والصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ثمّ بعد ذلك يعيش الزائر انتماءه إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو يزداد معرفةً به من خلال الشهادة للإمام بأنّه قد أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، لكن لا بمعنى أنّه يصلي شأنه شأن الآخرين، فباقي المسلمين أيضاً يصلّون، ولكن بمعنى أنّه لولاه لما بقيت صلاة، فهو الذي أقامها بعد سقوط! وهكذا نفهم أنّه لولاه لما استمرّت زكاة، ولما أُمِر بمعروف، ولا نُهِيَ عن منكر! وهذا يعني أيضاً أنّه شريك في ثواب كلِّ مصلٍّ إلى قيام الساعة، وثواب كلِّ مزكٍّ، وثواب كلِّ آمرٍ بمعروف، وثواب كلِّ ناهٍ عن منكر، وثواب كلِّ عابدٍ لله، وثواب كلِّ مطيع لله ولرسوله إلى يوم القيامة.

هكذا نقرأ الذبذبات الدلالية والرمزيّة لهذا المقطع: «أشهد أنّك قد أقمتَ الصلاة، وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف، ونهيتَ عن المنكر، وعبدتَ الله مخلصاً، وأطعتَ الله ورسوله حتّى أتاك اليقين»[57].

زائر الحسين والبراء عقيدةً وتشريعاً

بعد أن يعترف الزائر ويشهد، ويغترف ويتزود من هذا المعين الصافي، يقف ليتبرأ من أعداء الإمام الحسين(عليه السلام)، حتّى تتمّ لديه عقيدته بالبراء من أعداء الله، وأعداء رسوله، وأعداء الأئمّة، وأعداء الإنسانية، في لحظة إنكاره وتجريمه لأُولئك الإرهابيين الذين قتلوا سيد الشهداء(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الصالحين، وهذه البراءة ليست براءة في السرِّ، ولا بألفاظ تصالحية أو تخاذلية ـ أو دبلوماسية ـ بل بأصرح ألفاظ البراءة، وأعني بها اللعن الصريح الصارخ بالرفض في وجوه كلِّ الطغاة والظالمين: «فلعن الله أُمّةً قتلتك، ولعن الله أُمّةً ظلمتك، ولعن الله أُمّةً سمعت بذلك فرضيت به»[58].

وهذا الكلام يدلّنا بيانيّاً ورمزيّاً على ثلاثة أصناف من المجرمين قتلوا الإمام الحسين(عليه السلام)، عبّر عنهم نصّ الزيارة بلفظة (أُمّة)، فهناك أُمّة قتلته مباشرةً، وهناك أُمّة ظلمته، وخاصّة المؤسّسين والممكّنين من قتاله بغصبهم الخلافة من أهلها الشرعيين[59]، وإن لم تقتله مباشرة، وقد سبقت زمنياً وإجرامياً الأُمّة التي قتلت، ثمّ براءة ولعن على أُمّة ثالثة، وهي التي سمعت بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وما جرى عليه من ظلم وتعدٍّ وجور وإجرام، فرضيت به!

وهنا فعلاً يكون الزائر ـ إيمانياً ـ على المحكّ، وكأنّه يستعرض كلّ عقيدته أمام الإمام الحسين(عليه السلام) مصرِّحاً ومصحِّحاً، ومؤكِّداً ومُجدِّداً، وملتفتاً أو متزمِّتاً بما عنده من هذه العقيدة الراسخة التي تجري في روحه مجرى دمه في عروقه.

شهادات أُخرى تعمّق عقيدة الإمامة

وهناك شهادة أُخرى تؤكّد مظهراً آخر من مظاهر الولاء لسادتنا الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وكأنّها تعطي تبريراً كاملاً للصراحة المتدفقة التي يعلن فيها الموالي الولاء والانتماء من جانب، واللعن والبراء من جانب آخر؛ إذ الداعي لكلا هذين الجانبين هو أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) دعامة من دعائم الدين، وركن من أركان المؤمنين، وأنّه الإمام البرّ التقي: «وأشهد أنّك من دعائم الدين، وأركان المؤمنين، وأشهد أنّك الإمام البرّ التقي الرضي الزكي الهادي المهدي، وأشهد أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والحجّة على أهل الدنيا»[60].

ثمّ تأتي شهادة أُخرى يتثقّف عليها الزائر، ويعيشها قلباً وروحاً وفكراً ووعياً بتمام اليقين، وهو يُشهِد اللهَ تبارك وتعالى وملائكته وأنبياءه ورسله بأنّ الموقف الحسيني لم ينتهِ يوم العاشر من محرّم سنة إحدى وستِّين للهجرة، بل المواجهة الفاصلة ستكون في إياب آل محمد، برجعتهم، أو برجعة الأمر إليهم مع التأكيد على أنّ قلب الزائر سِلْمٌ لقلب آل محمد، وأمره متّبِعٌ لأمرهم: «وأُشهِدُ الله وملائكته وأنبيائه ورسله أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي، وقلبي لقلبكم سِلم، وأمري لأمركم متّبِع»[61]، ففي يقين الزائر أنّ الجولة لم تنته بعد، بما يعني أو يحسّس أنّ معركة الإمام الحسين(عليه السلام) مع أعداء الله لا تزال مستمرّة، وبأنّه جندي استشهادي في صفوف أنصار الإمام الحسين(عليه السلام)، وبذلك يتأكّد انتماء الزائر إلى إمامه الشهيد(عليه السلام)، مع يقين راسخ أنّ نهاية المعركة وخاتمة المطاف سوف تكون بعودة الحقّ وانتصار قيم الإمام الحسين(عليه السلام) بكافّة أنواع الانتصارات، بما فيها الانتصار العسكري؛ إذ يكون مآل الأمر وختام المطاف لسيد الشهداء ومَن معه.

كلّ هذا ملحوظ دلاليّاً ورمزيّاً في الارتباط الوثيق بحركة الزائر وهو يؤدّي أعماله حتّى يختمها متطّلعاً إلى الشهادة بين يدَي إمامٍ مهديٍّ منصور من آل محمد(عليهم السلام).

إذاً؛ أمام هذه الشهادة بين يدي الله وأمام ملائكته وأنبيائه ورسله يتحقّق لدى الزائر شعور حقيقي، بل وجود عقيدي ديني متكامل، ممّا يعطي ثماراً لهذه الممارسة المتضمّنة كثيراً من المعاني العبادية لفريضة الحج ولمناسك العمرة؛ وبذا يتجلى معنى أنّ قلب الزائر لقلب الإمام الحسين(عليه السلام) سِلمٌ، وأنّ أمره لأمره متّبِع؛ وتكون النتيجة: أنّ كلّ ما يقوله زائر الإمام نابع من القلب، وناطق عن أحاسيس الروح، فليست تلك الكلمات عبارات يقولها اللسان وينتهي الأمر، بل هي عقيدة راسخة يشهد عليها الله والملائكة والرسل، يُعلنها مع موجات من السلام المتواصل على الأرواح والأجساد والأجسام: «وقلبي لقلبكم سِلم، وأمري لأمركم متّبِع، صلوات الله عليكم، وعلى أرواحكم، وعلى أجسادكم، وعلى أجسامكم، وعلى شاهدكم، وعلى غائبكم، وعلى ظاهركم، وعلى باطنكم»[62].

إنّه الانتماء، وإنّه التثقّف على الارتباط مع خطِّ الأئمّة(عليهم السلام) وهم يعطون تمام الدين لجميع المؤمنين.

الزائر الحسيني وارتباطه بالإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)

يتأكّد الارتباط أيضاً بالإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) من خلال هذه الشهادات والسلام حتّى على شاهدهم وغائبهم وظاهرهم وباطنهم.

وعندما يعيش الزائر المؤمن كلّ هذه التفاصيل يأخذه الذوبان بالإمام الحسين(عليه السلام) فلا يملك إلّا أن يلقي بنفسه على ذلك الثرى الطاهر، أو ما شُيِّد عليه، وأعني به الشبّاك الذي يرمز إلى دماء طاهرة سالت من أجل الله، وإلى أرواح طيبة نقية عرجت إلى ربّها قرابين من أجل إعلاء كلمة الله تبارك وتقدّس في الأرض.

وتنطلق الكلمات هادرة باليقين، أو مضمخة بالدموع، من زائر يفدي إمامه بأغلى مَن لديه: «بأبي أنت وأُمّي يا أبا عبد الله، بأبي أنت وأُمّي يابن رسول الله؛ لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا، وعلى جميع أهل السماوات والأرض»[63].

يفدي الزائرُ الإمامَ بأبيه، ويفديه بأُمّه، في أرق مشاعر الشجى والحزن والحسرة.. فمعنى (بأبي أنت وأُمّي)، أي: أفديك بأبي وأُمّي يا أبا عبد الله، استشعاراً بعِظَمِ رزية مأساة الإمام الحسين(عليه السلام) وما جرى عليه في استشهاده.

الرزية عظيمة، والمصيبة جليلة على الكون كلِّه، فكيف يكون حال الزائر المحبّ الموالي الذائب وجداً بريحانة رسول الله(صلى الله عليه واله)، وقد قتله المجرمون أبشع قتلة؟!

ولم يكتفوا بذلك، بل أرادوا طحن عظامه بعد لحمه بحوافر الخيول سحقاً سحقاً!: «لقد عظمت الرزية، وجلّت المصيبة بك علينا، وعلى جميع أهل السموات والأرض»، ويأتي التأكيد من جديد على لعن أولئك الأعداء الذين ارتكبوا تلك الجريمة النكراء، التي كان لها تأثيرها على أهل الأرض والسماء، على حدّ سواء: «فلعن الله أُمّة أسرجت وألجمت وتهيّأت وتنقبت لقتالك»[64]، هي إذاً براءة إلى الله العلي العظيم المنتقم الجبار مِن كلِّ مَن ساهم ولو مساهمة قليلة في حرب الإمام الحسين(عليه السلام).

هكذا يتبرّأ الزائر ويلعن الأُمّة التي قتلت سبط رسول الله(صلى الله عليه واله)، أو المنهج الذي يؤدِّي إلى قتله، فيعيش الزائر حرّاً أبياً، ملتزماً بكلِّ قيم الخير والحقّ والعدالة، مؤكِّداً مراراً وتكراراً براءته من أيِّ إنسان ظلم الإمام الحسين(عليه السلام)، فيجعل كلّ مَن ظلمه ضمن نطاق أُمّة مشخّصة بهذا الوصف، وواضح أنّ الذين ظلموا الإمام الشهيد(عليه السلام) قد يكونون ظلموه قبل استشهاده ـ كما أشرنا ـ أو بعد استشهاده عندما برروا للمجرمين فعلهم. فالزائر يقف محتجّاً متبرّئاً لاعناً كلّ مَن ظلم الإمام: «لعن الله أُمّة أسرجت وألجمت وتهيأت وتنقبت لقتالك». فحتّى الذين أسرجوا الخيول ولم يشتركوا بجريمة قتله مباشرة، وحتّى الذين جعلوا اللجُم في أفواه أفراسهم، إمّا على نحو الحقيقة أو على نحو المجاز ـ بمعنى التهيؤ والخروج وتكثير السواد على الإمام الحسين(عليه السلام) ـ حتّى ولو لم يشتركوا اشتراكاً فعلياً في قتاله، بل حتّى مَن تنقّب، (أي: جعل النقاب على وجهه اتقاء لغبرة المعركة)، هؤلاء جميعاً يتبرّأ منهم الزائر.

وقبل أن يختم زيارته هذه يتوجّه بطلبٍ أخير إلى إمامه الشهيد، وهو يعتقد أنّه حيٌّ بنصّ القرآن الكريم[65]. فيا ترى ما هو طلبه؟

«يا مولاي يا أبا عبد الله؛ قصدتُ حرمك، وأتيتُ إلى مشهدك، أسأل الله بالشأن الذي لك عنده، وبالمحلّ الذي لك لديه»[66].

إذاً؛ هو دعاء لله تبارك وتعالى وتوسّل إليه جلّ علاه، بكل الذي جعل الله العلي العظيم لهذا الإمام الشهيد من شأن عنده سبحانه وتقدس. وهنا يكون الإفصاح عن الطلب: «أن يصلي على محمّد وآل محمّد، وأن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة»[67].

إذاً؛ عندما نأتي إلى رمزيّة زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) ودلالتها نكتشف أنّ كلّ وعي الزائر وثقافته وفكره وعقيدته وما عنده؛ يتجلّى ويتمظهر بتلك الزيارة، ومن خلالها يصحح الزائر أخطاءه أمام منحر الإمام الحسين(عليه السلام)، ليبقى محافظاً على عقيدته صافيةً سليمة، وبذلك يتحقّق الغرض من هذه الزيارة، التي يكون مؤدّيها مؤهّلاً لينال ذلك الثواب المدهش الذي ذكرته الأحاديث الشريفة التي سبق ذكر بعضها. كما يكون منتمياً إلى طهارة هذا الإمام الشهيد الذي هو بنصّ إحدى الزيارات «طهر طاهر مطهّر، من طهر طاهر مطهّر»[68]. وقد أشرتُ سابقاً إلى اعتقاد الموالين بأنّ آباء الأئمّة وأُمّهاتهم جميعاً إلى آدم وحواء هم موحِّدون، وأنّ السلالة التي انحدر منها الأئمّة الكرام(عليهم السلام) إنّما هي سلالة في كلِّ أجيالها لم تستقرّ إلّا عند الآباء الأنبياء والأوصياء والموحِّدين، والأُمّهات الصالحات الموحِّدات، صعوداً إلى أبوينا آدم وحوّاء(عليهما السلام).

ولا يقتصر الأمر على التثقف بذلك، بل يتعدّاه إلى اليقين القطعي؛ بحيث يشهد الزائر بين يدي ملكوت الله سبحانه وتعالى، وأمام جراح الإمام الحسين(عليه السلام) بهذه الشهادة التي يقطع بها بكلِّ ثقة واقتناع، مع أنّه لم يعاصر أجيال آباء وأُمّهات الإمام الحسين(عليه السلام) حتّى آدم وحوّاء(عليهما السلام).

إنّها البيعة للإمام الحسين(عليه السلام)، وإنّه الارتباط الكامل الشامل مع منهجه القويم في الدنيا والآخرة، وهذا يعني أقلّ ما يعني أنّ الزائر يعاهد الله سبحانه وتعالى أمام جراح الإمام الحسين(عليه السلام)، وبقايا جسده الشريف؛ بأنّه لا يرتكب فعلاً حراماً، ولا يترك واجباً أو طاعةً أوجبهما الله تبارك وتقدّس على المكلفين.

وبذلك تكون الزيارة قد أثمرت عطاءاتها وآتت أكلها، بما يضاهي أو يتجاوز تلك العطاءات التي ينالها الحاج، أو المجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى.

خاتمة المطاف

هكذا نجد في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) فتحاً ثقافياً يتجاوز الوصول إلى مكان الاستشهاد، ليكون للعارفين منارات في الانطلاق إلى رحاب الألق الحسيني (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)[69]، بانشداد ولائي، يُحيل كلّ كلمة تُقال، أو تبقى في المكنون، وكلّ حركة، بل وكلّ سكون، تحيلها مثابات معرفية، ومآبات روحية، ترتقي بالزائر (العارف بحقّه) إلى مراقي كماله البهيج، ومعالي صفائه المنير، وصولاً إلى مركزية وجودهم هو وجدّه وآله (سلام الله تبارك وتعالى عليهم) باعتبار كلّ واحد منهم مرتكزاً أقوى في فهم جدوائية الخلق المستترة في كلمة الحقّ جلّ علاه، حين خاطب ملائكته: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[70].

والخوض أكثر في هذه الرحاب لا تتسع له هذه الفسحة الكريمة من صفحات المجلّة الغرّاء، ونأمل من الله العزيز الكريم أن يوفّقنا لمزيد من هذا الحديث، إنّه الهادي إلى سواء السبيل.

 

 

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1.    الأخبار الطوال، أحمد بن داوود الدينوري (ت282هـ)، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة الطبعة الأُولى، 1960م.

2.    الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1402هـ/1982م.

3.    الإمامة والسياسة، عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتيبة (ت889هـ)، مؤسّسة الوفاء، بيروت، ط2 1981م.

4.    أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت279هـ)، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1397هـ/1977م.

5.    بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي (ت1111هـ)، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1981م.

6.    تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري (ت360هـ)، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1358هـ/1939م.

7.    ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالصدوق (ت381هـ)، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة السادسة، 1431هـ/2010م.

8.    دلالة الألفاظ، د. إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، 1976م.

9.    سنن أبي داوود، سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ)، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الطبعة الأُولى، 1410هـ/1990م.

10.           عقائد الإمامية، محمد رضا المظفر، دار الصفوة، بيروت، 1413هـ/1992م.

11.           علم اللغة.. مقدّمة للقارئ العربي، د. محمود السعران، دار النهضة العربية، بيروت ـ لبنان.

12.           عيون أخبار الرضا، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق (ت381 هـ)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأُولى، 1404هـ/1984م.

13.           الكافي، محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت328/329 هـ)، صحّحه وقابله وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1367هـ.ش.

14.           كامل الزيارات، أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمّي (ت368هـ)، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

15.           لسان العرب، محمد بن مكرم المشهور بابن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414هـ/1994م.

16.           اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن محمد بن طاووس (ت664هـ)، دار القارئ، بيروت، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.

17.           المجالس السنية، محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1406هـ/1986م.

18.           مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي، دار الأندلس، بيروت، الطبعة الأُولى، ١٣٨٥هـ/1965م.

19.           المزار، محمد بن جعفر المشهدي (من أعلام القرن 6)، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم ـ ايران الطبعة الأُولى، 1419هـ.

20.           المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ)، وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث الشريفة، بإشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

21.           مسند أحمد، الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ)، دار صادر، بيروت - لبنان.

22.           مصباح المتهجّد، محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت لبنان، الطبعة الأُولى، 1411هـ/1991م.

23.           مفاتيح الجنان، عباس القمّي، دار القارئ، الطبعة الثالثة، 1426هـ/2005م.

24.           مقتل الحسين، عبد الرزاق المقرم، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، ١٣٩٩هـ/1979م.

25.           مقتل الحسين(عليه السلام)، لوط بن يحيى (أبو مخنف)، دار المحجّة البيضاء، بيروت، الطبعة الأُولى، 1420هـ/2000م.

26.           موسوعة العتبات المقدّسة، جعفر الخليلي، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ/1987م.

27.           نظرية الحقول الدلالية، هيفاء عبد الحميد كلنتن، أُطروحة دكتوراه، جامعة أُم القرى، كلّية اللغة العربية، 1422هـ/2001 م.

28.           وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1414هـ.



[1] اُنظر: كلنتن، هيفاء عبد الحميد، نظرية الحقول الدلالية: ص6- 10، مستفيدةً من (علم الدلالة) لبيار غيرو، الذي تتبع اشتقاق مفردة سيمانتك، المشتقة من (Semaino) اليونانية بمعنى (دلّ على)، وهي أساساً مشتقة من (Sema) بمعنى العلامة.

[2] اُنظر: أنيس، د. إبراهيم، دلالة الألفاظ: ص38 وما بعدها.

[3] اُنظر: السعران، د. محمود، علم اللغة: ص264.

[4] الآيات الدالة على ذلك كثيرة، ومنها ـ على سبيل المثال ـ والتوثيق هذا المقطع الذي تكرر مراراً بالنصّ أو بالمضمون، في القرآن المجيد: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ) الروم: آية٤٢.

[5] إمّا صراحة كالآية السابقة، أو ضمناً كهذه الآية مثلاً: ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)القصص: آية58.

[6] (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الصافات: آية 137ـ 138.

[7] (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) السجدة: آية26.

[8] (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) التوبة: آية112.

[9] كما في مروية أبي داوود، عن أبي أُمامة: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، فقال النبيّ(صلى الله عليه واله): «إنّ سياحة أُمّتي الجهاد في سبيل الله تعالى». [أبو داوود السجستاني، سليمان، سنن أبي داوود: ج1، ص557].

      ويمكن أن نناقش في أنّ عدم الترخيص ربما يكون مختصّاً بسنوات الجهاد، وظروف الدفاع عن الإسلام والمسلمين، إبّان تربّص الأعداء بهم. وعلى كلّ حال؛ فإنّ المعنى الأوّل الذي كان يتبادر إلى الذهن من لفظ (السياحة) أو (السائحين) إنّما هو السعي في الأرض، والمشي في الأقطار بدافع ديني، أو عبادي، أو تبشيري. ولا غضاضة في العودة إلى هذا الفهم والتبادر ونحن نقرأ آيات (السياحة) و(السائحين) قبل التخصيص النبوي (على فرض وقوعه، أو تمامه)؛ وبذلك يكون الحج والعمرة والزيارة من مصاديق السياحة الدينية، دون أدنى خفاء.

[10] قال تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا)التحريم: آية: 5.

[11] كما في الآية: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)النساء: آية157.

[12] كما في الآيتين: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)الأنبياء: آية87 ـ 88. والمعنى في قوله: (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) ، أي: لن نضيّق عليه ونقتِّر.

[13] يونس: آية98.

[14] في قوله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) الصافات: آية١٣٩ـ ١٤٨.

[15] (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) الكهف: آية21.

[16] كما جاء في آيات قرآنية عديدة، ومنها:  الأنعام: آية74ـ75 وآية 79ـ80.

[17] البقرة: آية258.

[18] الأنبياء: آية57ـ60.

[19] البقرة: آية127ـ132.

[20] الشعراء: آية84.

[21] مريم: آية33.

[22] كما ورد في قوله تعالى(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة: آية125.

[23] (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) يونس: آية90ـ92.

[24] قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف: آية: 111.

[25] هذا الحديث أشهر من نار الضيافة على الجبَل العلَم في الليل الأليل، وهو حديث مذكور في كتب متون الحديث على اختلاف مؤلفيها في مذاهبهم ومشاربهم ومآربهم ومطالبهم. اُنظر على سبيل المثال: الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص177.

[26] كذا في المصدر، والصحيح لا يعرف.

[27] رواه كثيرون، ومن أوائلهم: الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص122ـ 123.

[28] وهذا الحديث بنصّه ومضمونه شائع في كتب رواة الشيعة، ومنهم: الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص122، حيث ورد عنه في أكثر من كتاب.

[29] الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص115، كما روى عدّة أحاديث تشابه هذا الحديث ضمن الأحاديث التي جمعها في الكتاب المذكور تحت عنوان: (ثواب مَن زار قبر الحسين(عليه السلام). كما روى هذا الحديث آخرون كثيرون.

[30] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص509. كما روي هذا الحديث في كتب عديدة لأكابر رواة الشيعة.

[31] المصدر السابق: ص263.

[32] وقد أعطت بعض الأحاديث الشريفة شرحاً لمعنى زيارة الله في عرشه، وكذا توضيحاً لمعنى أن تعدل زيارة الإمام المعصوم(عليه السلام) سبعين ألف حجّة، ومنها ما جاء في كتاب الكافي، للشيخ الكليني، «عن يحيى بن سليمان المازني، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: مَن زار قبر ولدي علي كان له عند الله كسبعين حجّة مبرورة. قال: قلت: سبعين حجّة؟ قال: نعم، وسبعين ألف حجّة. قال: قلت: سبعين ألف حجّة؟ قال: رُبّ حجّة لا تُقبل، مَن زاره وبات عنده ليلة كان كمَن زار الله في عرشه؟ قال: نعم، إذا كان يوم القيامة كان على عرش الرحمن أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين، فأما الأربعة الذين هم من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى(عليهم السلام)، وأما الأربعة من الآخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)، ثمّ يمدّ المضمار [المطمار]، فيقعد معنا مَن زار قبور الأئمة(عليهم السلام) إلّا أنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوّار ولدي علي(عليه السلام)». الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص585.

[33] قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد: آية28.

[34] طه: آية9ـ 19.

[35] جاء في (باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)) ـ في كتب متون الحديث الشيعية، ومنها كتاب الكافي للشيخ الكليني ـ كمّ كثير من الأحاديث الدالّة، ومنها هذا الحديث: «عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن بشير الدهان، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام) :ربّما فاتني الحجّ فأعرف عند قبر الحسين(عليه السلام)؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيما مؤمن أتى قبر الحسين(عليه السلام) عارفاً بحقِّه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجّة، وعشرين عمرة، مبرورات مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومَن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجّة، ومائة عمرة، ومائة غزوة، مع نبي مرسل أو إمام عدل. قال: قلت له: كيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إليّ شبه المغضب، ثمّ قال لي: يا بشير، إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين(عليه السلام) يوم عرفة، واغتسل من الفرات، ثمّ توجّه إليه، كتب الله له بكلِّ خطوة حجّة بمناسكها. ولا أعلمه إلّا قال: وغزوة». الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص580.

[36] اُنظر: القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص470 فما بعدها.

[37] المصدر السابق.

[38] اُنظر: آداب الزيارة في الكتب التي تعرّضت لذلك، ولا سيّما كتب الحديث والزيارات، ومنها في العصور الأخيرة: القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص470 وما بعدها.

[39] الأعراف: آية56.

[40] ذكر الشيخ عباس القمّي كثيراً من الآداب والسنن في أكثر من موضع من كتابه المذكور، وقد أشرنا إلى عدد منها فيما سبق من هوامش.

[41] كما يؤكّد ذلك القرآن الكريم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة: آية30.

[42] اُنظر: كتب الزيارات، وكذا كُتب متون الأحاديث الشيعية التي تعرّضت لذلك، ومن كتب الزيارات في عصرنا، اُنظر: القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص488، وما بعدها.

[43] المصدر السابق.

[44] المصدر السابق.

[45] المصدر السابق.

[46] المصدر السابق

[47] المصدر السابق.

[48] لقد حفلت كتب متون الحديث الشيعية الخاصّة بالزيارات، أو التي كانت الزيارات قسماً من مادّة جمعها، حفلت بكثير من الأحاديث الدالّة على ذلك، ومنها ما رواه الشيخ الصدوق ونقله الشيخ الحرّ العاملي: «ليس شيء في السماوات إلّا وهم يسألون الله أن يؤذن لهم في زيارة الحسين(عليه السلام)، ففوج ينزل وفوج يعرج». الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج14، ص414.

[49] ويؤكد ذلك أنّ الاستئذان ورد منصوصاً، حيث ذكره العلماء الذين صنّفوا في كتب الأدعية والزيارات، كما في كتب ابن طاووس والكفعمي، وغيرهما، وهم يخاطبون الزائر على هذا النحو أو قريباً منه: «اذا أردت دخول مسجد النبيّ(صلى الله عليه واله) أو أحد المشاهد الشريفة لأحد الأئمّة(عليهم السلام) فقل: اَللّـهُمَّ إِنّي وَقَفْتُ عَلى باب مِنْ أَبْوابِ بُيُوتِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَقَدْ مَنَعْتَ النّاسَ أَنْ يَدْخُلُوا إلّا بِإِذْنِهِ، فَقُلْتَ: يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيِّ إلّا اَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، اَللّـهُمَّ إِنّي أَعْتَقِدُ حُرْمَةَ صاحِبِ هذَا الْمَشْهَدِ الشَّريفِ في غَيْبَتِهِ كَما أَعْتَقِدُها في حَضْرَتِهِ، وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَكَ وَخُلَفاءَكَ(عليهم السلام) أَحْياءٌ عِنْدَكَ يُرْزَقُونَ، يَرَوْنَ مَقامي، وَيَسْمَعُوَن كَلامي، وَيَرُدُّونَ سَلامي، وَأَنِّكَ حَجَبْتَ عَنْ سَمْعي كَلامَهُمْ، وَفَتَحْتَ بابَ فَهْمي بِلَذيذِ مُناجاتِهِمْ، وَإِنّي أَسْتَأذِنُكَ يا رَبِّ أوَّلاً وَأَسْتَأذِنُ رَسُولَكَ(صلى الله عليه واله) ثانِياً، وَأَسْتَأذِنُ خَليفَتَكَ الْإِمامَ الْمَفْرُوضَ عَلَيَّ طاعَتُهُ (الحسين بن علي)(عليه السلام) وَالْمَلائِكَةَ الْمُوَكَّلينَ بِهذِهِ الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ ثالِثاً، أَأَدْخُلُ يا رَسُولَ اللهِ؟ أَأَدْخُلُ يا حجّة اللهِ؟ أَأَدْخُلُ يا مَلائِكَةَ اللهِ الْمُقَرَّبينَ الْمُقيمينَ في هذَا الْمَشْهَدِ؟ فَأذَنْ لي يا مَوْلايَ في الدُّخُولِ أَفْضَلَ ما أَذِنْتَ لِأَحَد مِنْ أَوْلِيائِكَ، فَإِنْ لَمْ أَكُنْ أَهْلاً لِذلِكَ فَأَنْتَ أَهْلٌ لِذلِك».

      ثمّ تنطلق كلمات الدعاء مع أوّل خطوات الورود إلى جنّة النهل والوصل: «بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَفي سَبيلِ اللهِ وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه واله)، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْني وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحيم». القمّي، عباس، مفاتيح الجنان: ص475.

[50] المصدر السابق.

[51] المصدر السابق.

[52] المصدر السابق.

[53] المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص483. وغيره من المصادر التي ذكرت ذلك في زيارة عاشوراء.

[54] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص721. وغيره من المصادر المتقدّم ذكرها.

[55] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج4، ص172.

[56] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص720.

[57] المصدر السابق: ص721. وغيره من مصادر الزيارة المذكورة.

[58] المصدر السابق.

[59] إذا لم تصرح (زيارة وارث) بهذا نصّاً، فقد صرّحت به زيارتا عاشوراء المشهورة وغير المشهورة مراراً، وهما تعطيان ثقافة للزائر وتنبيهاً قويّاً بخطورة فعل المؤسّسين والممكِّنين: ففي المشهورة:
«فَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله فِيها، وَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ الله المُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ. يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَة»، وكذا: «يا
أَبا عَبْدِ الله، إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ وَإِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَإِلى فاطِمَةَ وَإِلى الحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالبَراءةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَرْبَ وَبِالبَراءةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ، وَأَبْرَأُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيهِ بُنْيانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إِلى الله ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ وَالبَراءةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَّاصِبِينَ لَكُمْ الحَرْبَ وَبِالبَراءةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ. إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ، فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ وَرَزَقَنِي البَراءةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثأرِي مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍ ناطِقٍ بِالحَقِّ مِنْكُمْ...».

      وفي زيارة عاشوراء غير المشهورة: «لَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ لَكُمْ وَمَهَّدَتِ الْجَوْرَ عَلَيْكُمْ، وَطَرَّقَتْ إِلى أَذِيَّتِكُمْ وَتَحَيُّفِكُمْ، وَجارَتْ ذلِكَ فِي دِيارِكُمْ وَأَشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ وَإِلَيْكُمْ يا ساداتي وَمَوالِيَّ وَأَئِمَّتي مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ، وَأَسْألُ اللهَ الذي أَكْرَمَ يا مَوالِيَّ مَقامَكُمْ وَشَرَّفَ مَنْزِلَتَكُمْ وَشَأنَكُمْ أَنْ يُكْرِمَني بِوِلايَتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَالاْئتِمامِ بِكُمْ وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ، وَأَسْألُ اللهَ الْبَرَّ الرَّحيمَ أَنْ يَرْزُقَني مَوَدَّتَكُمْ، وَأَنْ يُوَفِّقَني لِلطَّلَبِ بِثأرِكُمْ مَعَ الإِمامِ الْمُنْتَظَرِ الْهادي مِنْ آلِ مُحَمَّد، وَأَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، وَأَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الَمحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ وَأَسْألُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما أَعْطى مُصاباً بِمُصيبَة، إِنّا للهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعون». وكذلك: «اللّـهُمَّ وَهذا يَوْمٌ تُجَدَّدُ فيهِ النِّقْمَةُ وَتُنَزَّلَ فيهِ اللَّعْنَةُ عَلَى اللَّعينِ يَزيدَ وَعَلى آلِ يَزيدَ وَعَلى آلِ زِياد وَعُمَرَ بْنِ سَعْد وَالشّمرِ، اَللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ وَالْعَنْ مَنْ رَضِيَ بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ مِنْ أَوَّلٍ وَآخِرٍ لَعْناً كَثيراً وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ، وَأَسْكِنْهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصيراً وَأَوْجِبْ عَلَيْهِمْ وَعَلى كُلِّ مَنْ شايَعَهُمْ وَبايَعَهُمْ وَتابَعَهُمْ وَساعَدَهُمْ وَرَضِيَ بِفِعْلِهِمْ وَافْتَحْ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَعَلى كُلِّ مَنْ رَضيَ بِذلِكَ لَعَناتِكَ الَّتي لَعَنْتَ بِها كُلَّ ظالِم وَكُلَّ غاصِب وَكُلَّ جاحِد وَكُلَّ كافِر وَكُلَّ مُشْرِك وَكُلَّ شَيْطان رَجيم وَكُلَّ جَبّار عَنيد، اَللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ وَآلَ يَزيدَ وَبَني مَرْوانَ جَميعاً، اَللّـهُمَّ وَضَعِّفْ غَضَبَكَ وَسَخَطَكَ وَعَذابَكَ وَنَقِمَتَكَ عَلى أَوَّلِ ظالِم ظَلَمَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكَ، اَللّـهُمَّ وَالْعَنْ جَميعَ الظّالِمينَ لَهُمْ وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ إِنَّكَ ذوُ نِقْمَة مِنَ الْمـُجْرِمينَ، اَللّـهُمَّ وَالْعَنْ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ آلَ بَيْتِ مُحَمَّد، وَالْعَنْ أَرْواحَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَقُبُورَهُمْ، وَالْعَنِ اللّهُمَّ الْعِصابَةَ الَّتي نازَلَتِ الْحُسَيْنَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَحارَبَتْهُ وَقَتَلَتْ أَصْحابَهُ وَأَنْصارَهُ وَأَعْوانَهُ وَأَوْلِياءَهُ وَشيعَتَهُ وَمُحِبّيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَذُرِّيَتَهُ، وَالْعَنِ اَللّـهُمَّ الَّذينَ نَهَبُوا مالَهُ وَسَلَبُوا حَريمَهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلامَهُ وَلا مَقالَهُ، اللّهُمَّ وَالْعَنْ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ بِهِ مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ وَالْخَلائِقِ أَجْمَعينَ إِلى يَوْمِ الدّين».

      كلّ ذلك لأنّ قتل الإمام الحسين(عليه السلام) ما كان ليتمّ لولا التأسيس والتمهيد من قِبَل الذين أخذوا الخلافة ظلماً وتعدّياً وجوراً وزوراً، وغصبوها من أهلها الشرعيين.

[60] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص721.

[61] المصدر السابق.

[62] المصدر السابق.

[63] المصدر السابق.

[64] المصدر السابق.

[65] هناك تصريحان قرآنيان شديدا اللهجة في هذا الخصوص، الأول في التنبيه وإنارة التفكير، والثاني في النهي والتحذير، هما: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران: آية169: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) البقرة: آية154.

[66] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص721.

[67] المصدر السابق.

[68] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص410.

[69] القمر: آية55.

[70] البقرة: آية30.