العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
على صعيد عرفات.. (شرح دعاء عرفة)

على صعيد عرفات.. (شرح دعاء عرفة)

  • المؤلف: آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني

  • المترجم: د.محمد صالح الحلفي

  • الإشراف العلمي: اللجنة العلمية العليا في مؤسسة وارث الانبياء

  • الإشراف على الترجمة: وحدة الترجمة في مؤسسة وارث الانبياء

  • الطبعة: الأُولى

  • الناشر : مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

  • سنة الطبع: 2023م- 1445 هـ

مقدّمة المؤسّسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين. ‏

إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلى الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلى غايته الحقيقيّة ‏وسعادته الأبديّة المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدّد خيارات الإنسان الصحيحة، وفي ضوئهما يسير في ‏سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل على أساس العلم والمعرفة فضّله الله على سائر المخلوقات، ‏واحتجّ عليهم بقوله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)([1])، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر، ويتفوّق بعضهم على بعض عند الله، إذ(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)([2])، وبهما تُسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.

ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمّة والأولياء^، تضحيات جسام كان هدفها منع ‏الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلى مبتغاه وهدفه، إلى كماله، إلى حيث يجب ‏أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلى الله بغية إرسال الرسل ‏التي تعلّم المجتمعات فقالوا: ‏ (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)([3])، فكانت الإجابة: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)([4])، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم. ‏

بل هو دعاء الأئمّة^ ومبتغاهم من الله  لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالى بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»([5]).

وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيّات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون على علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.

فهذه سيرة الأنبياء والأئمّة^ سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار؛ لأجل نشـر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم على مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.

وهذه القاعدة التي أسّسنا لها لا يُستثنى منها أيّ نبيّ أو وصيّ، فلكلّ منهم^ سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمر بين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلى المهام التي أُنيطت بهم^، كما أخبر  بذلك في قوله: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)([6])، فسيرة النبي الأكرم’ ليست كبقيّة سِيَر الأنبياء^، كما أنّ سيرة الأئمّة^ ليست كبقيّة سِيَر الأوصياء السابقين^، كما أنّ التفاوت في ‏ سِيَر الأئمّة^ فيما بينهم ممّا لا شكّ فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء على بقيّة الأئمّة^.‏

والإمام الحسين× تلك الشخصيّة القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة الذين دلّت ‏النصوص على فضلهم ومنزلتهم على سائر المخلوقات، الإمام الحسين× الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الربّاني، ‏الذي يأبى الله أن ينطفئ، الإمام الحسين× الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.‏

فمن سيرة هذه الشخصيّة العظيمة التي ملأت أركان الوجود، تعلّم الإنسان القيم المثلى التي بها حياته الكريمة، كالإباء ‏والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفيّة والعمليّة، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم ‏وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلى مجتمعات كانت ولا زالت بأمسّ الحاجة إلى هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قِبَل ‏الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم، وأفنوا أغلى أوقاتهم، وزهرة أعمارهم؛ لأجل هذا الهدف النبيل.‏

إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفيّة التي تركها× للأجيال اللاحقة ـ فضلاً عن الجوانب ‏المعرفيّة في حياة سائر المعصومين^ ـ إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليه بالمقدار المطلوب، وهي ليست ‏بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: هي أكثر ممّا تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف لتُعرَّف، بل لا بدّ ‏من العمل على البحث فيها ودراستها من زوايا متعدّدة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤوليّة المهتمّين بالشأن ‏الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛ استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع ‏الطائفة الحقّة.‏

ومن هذا المنطلق بادرت الأمانة العامّة للعتبة الحسينيّة المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكريّة ‏والعلميّة حول شخصيّة الإمام الحسين× ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولى وبالأساس بمسك هذا الملف التخصّصي، فعمدت إلى زرع بذرة ضمن أروقتها القدسيّة، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء ‏للدراسات التخصّصيّة في النهضة الحسينيّة، التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة، حيث أخذت على عاتقها مهمّة تسليط الضوء ـ ‏بالبحث والتحقيق العلميّين ـ على شخصيّة الإمام الحسين×، ونهضته المباركة، وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطّة ‏مبرمجة، وآليّة متقنة، تمّت دراستها وعرضها على المختصّين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة ‏من المشاريع العلميّة التخصّصيّة، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفِّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة ‏الحسينيّة المقدّسة.‏

كما ليس لنا أن ندّعي ـ ولم يدّعِ غيرنا من قبل ـ الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصيّة الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا ‏أنّنا قد أخذنا على أنفسنا بذل قصارى جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء×، وإيصال أهدافه ‏السامية إلى الأجيال اللاحقة.‏

المشاريع العلميّة في المؤسّسة

بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلميّة في المجال الحسيني، تمّ تحديد ‏مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ ‏منها أهميّته القصوى، ووفقاً لجدول الأولويّات المعتمد في المؤسّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر ‏العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعيّة للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي: ‏

الأوّل: قسم التأليف والتحقيق

إنّ العمل في هذا القسم على مستويين:

أ) التأليف

ويُعنَى هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينيّة التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ ‏استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء ‏الملاحظات العلميّة وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها، يتمّ طباعتها ونشرها.‏

ب) التحقيق

والعمل فيه قائم على جمع وتحقيق وتنظيم التراث الحسيني، وقد تمّ العمل على نحوين:

 الأوّل: التحقيق في المقاتل الحسينيّة، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، ‏سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، وذلك تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم ‏على رصد المخطوطات الحسينيّة التي لم تُطبع إلى الآن؛ وقد قمنا بجمع عدد كبير من المخطوطات القيّمة، التي لم يطبع كثير منها، ولم يصل إلى أيدي القرّاء إلى الآن.

الثاني: استقبال ‏الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسّسة، لغرض طباعتها ونشرها بعد إخضاعها للتقويم العلمي من قبل اللجنة العلميّة ‏في المؤسّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها، وتأييد صلاحيتها للنشر، تقوم المؤسّسة بطباعتها.‏

الثاني: قسم مجلّة الإصلاح الحسيني

‏ وهي مجلّة فصليّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، تهتمّ بنشـر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء على تاريخ ‏النهضة الحسينيّة وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانيّة والاجتماعيّة والفقهيّة والأدبيّة في تلك النهضة المباركة، وقد ‏قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلّات العلميّة الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا ‏الفكري بالبحوث العلميّة الرصينة.‏

الثالث: قسم ردّ الشُّبُهات عن النهضة الحسينيّة

إنّ العمل في هذا القسم قائم على جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبّع مظانّ ‏تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونيّة، وما إلى ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها ‏وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علمي تحقيقي في عدَّة مستويات.‏

الرابع: قسم الموسوعة العلميّة من كلمات الإمام الحسين×

وهي موسوعة علميّة تخصّصيّة مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين× في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون العمل فيها من خلال جمع كلمات الإمام الحسين× من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلميّة، والعمل على دراسة هذه الكلمات المباركة؛ لاستخراج نظريّات علميّة تمازج بين كلمات الإمام× والواقع العلمي. وقد تمّ العمل فيه على تأليف موسوعتين في آن واحد باللغتين العربيّة والفارسيّة.

الخامس: قسم دائرة المعارف الحسينيّة الألفبائيّة

وهي موسوعة تشتمل على كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين× ونهضته المباركة من أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤى، وأعلام، وبلدان، وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب الحروف الألفبائيّة، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلى شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَى فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصـريّة وأُسلوبٍ حديث، وقد أُحصي آلاف المداخل، يقوم الكادر العلمي في هذا القسم بالكتابة عنها، أو وضعها بين يدي الكُتّاب والباحثين حسب تخصّصاتهم؛ ليقوموا بالكتابة عنها وإدراجها في الموسوعة بعد تقييمها وإجراء التعديلات اللازمة عليها من قبل اللجنة العلميّة.

السادس: قسم الرسائل والأطاريح الجامعيّة

يتمّ العمل في هذا القسم على مستويين: الأوّل: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعيّة التي كُتبتْ حول النهضة الحسينيّة، ومتابعتها من قبل لجنة علميّة متخصّصة؛ لرفع النواقص العلميّة وإدخال التعديلات أو الإضافات المناسبة، وتهيئتها للطباعة والنشر. الثاني: إعداد موضوعات حسينيّة ـ يضمّ العنوان وخطّة بحث تفصيليّة ـ من قبل اللجنة العلميّة في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعيّة، وتوضع في متناول طلّاب الدراسات العليا.

السابع: قسم الترجمة

الهدف من إنشاء هذا القسم إثراء الساحة العلميّة بالتراث الحسيني عبر ترجمة ما كتب منه بلغات أخرى إلى اللغة العربيّة، ونقل ما كتب باللغة العربيّة إلى اللغات الأخرى، ويكون ذلك من خلال إقرار صلاحيّة النتاجات للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف على ذلك إذا كانت الترجمة خارج القسم.

الثامن: قسم الرَّصَد والإحصاء

يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيّات، والمواقع الإلكترونيّة، والكتب، والمجلّات والنشريّات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضيّة الحسينيّة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقيّة المؤسّسات والمراكز العلميّة في شتّى المجالات. ويقوم هذا القسم بإصدار مجلّة شهريّة إخباريّة تسلّط الضوء على أبرز النشاطات والأحداث الحسينيّة محليّاً وعالميّاً في كلِّ شهر، بعنوان: مجلّة الراصد الحسيني.

التاسع: قسم المؤتمرات والندوات والملتقيات العلميّة

يعمل هذا القسم على إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكريّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علمي بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، وتتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة على الكوادر العلميّة في المؤسّسة، وكذا سائر الباحثين والمحقّقين، وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينيّة وفق الأدوات الاستنباطيّة المعتمَدة لديهم.

العاشر: قسم المكتبة الحسينيّة التخصّصيّة

يضمّ هذا القسم مكتبة حسينيّة تخصّصيّة تعمل على رفد القرّاء والباحثين في المجال الحسيني على مستويين:

أ) المكتبة الحسينيّة التخصّصيّة، والتي تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصّصها.

ب) المجال الإلكتروني، إذ قامت المؤسّسة بإعداد مكتبة إلكترونيّة حسينيّة يصل العدد فيها إلى أكثر من ثمانية آلاف عنوان بين كتب ومجلّات وبحوث.

الحادي عشر: قسم الإعلام الحسيني

يتوزّع العمل في هذا القسم على عدّة جهات:

الأُولى: إطلاع العلماء والباحثين والقرّاء الكرام على نتاجات المؤسّسة وإصداراتها، ونشر أخبار نشاطات المؤسّسة وفعّاليّاتها بمختلف القنوات الإعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع.

 الثانية: إنشاء القنوات الإعلاميّة، والصفحات والمجموعات الإلكترونيّة في وسائل التواصل الاجتماعي كافّة.

الثالثة: العمل على إنتاج مقاطع مرئيّة في الموضوعات الحسينيّة المختلفة، مختصرة ومطوّلة، وبصورة حلقات مفردة ومتسلسلة، فرديّة وحواريّة.

الرابعة: إعداد وطباعة نصوص حسينيّة وملصقات إعلانيّة، ومنشورات حسينيّة علميّة وثقافيّة.

الخامسة: التواصل مع أكبر عدد ممكن من القنوات الإعلاميّة والصفحات والمجموعات الإلكترونيّة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتزويدها بأنواع المعلومات من مقاطع مرئيّة ومنشورات وملصقات في الموضوعات الحسينيّة المختلفة الشاملة للتاريخ، والسيرة، والفقه، والأخلاق، وردّ الشبهات، والمفاهيم، والشخصيّات.

الثاني عشر: قسم الموقع الإلكتروني

 وهو موقع إلكتروني متخصّص، يقوم بنشر إصدارات وفعّاليّات مؤسّسة وارث الأنبياء، وعرض كتبها ومجلّاتها، والترويج لنتاجات أقسامها ونشاطاتها، وعرض الندوات والمؤتمرات والملتقيات التي تقيمها، وكذا يسلِّط الضوء على أخبار المؤسّسة، ومجمل فعّاليّاتها العلميّة والإعلاميّة. بالإضافة إلى ترويج المعلومة الحسينيّة والثقافة العاشورائيّة عبر نشر المقالات المختلفة، وإنشاء المسابقات الحسينيّة، والإجابة عن التساؤلات والشبهات.

الثالث عشر: قسم إقامة الدورات وإعداد المناهج

يتكفّل هذا القسم بإعداد الدورات الحسينيّة في المباحث العقديّة والتاريخيّة والأخلاقيّة، ولمختلف الشرائح والمستويات العلميّة، وكذلك إقامة دورات تعليميّة ومنهجيّة في الخطابة الحسينيّة، كما يضطلع هذا القسم بمهمّة كبيرة، وهي إعداد مناهج حسينيّة تعليميّة وتثقيفيّة لمختلف الفئات وعلى عدّة مستويات:

الأوّل: إعداد مناهج تعليميّة للدراسات الجامعيّة الأوّليّة والدراسات العليا.

الثاني: إعداد مناهج تعليميّة في الخطابة الحسينيّة.

الثالث: إعداد مناهج تعليميّة عامّة لمختلف شرائح المجتمع.

الرابع: إعداد مناهج تثقيفيّة عامّة.

الرابع عشر: القسم النسوي

يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصّص وبأقلام علميّة نسويّة في الجانب الديني والأكاديمي على تفعيل دور المرأة ‏المسلمة في الفكر الحسيني، ورفد أقسام المؤسّسة بالنتاجات النسويّة، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبيّة، وفق الأساليب المعاصرة في ‏التأليف والكتابة.‏

الخامس عشر: القسم الفنّي

إنّ العمل في هذا القسم قائم على طباعة وإخراج النتاجات الحسينيّة التي تصدر عن المؤسّسة، من خلال برامج إلكترونيّة ‏متطوِّرة، يُشرف عليها كادر فنّي متخصّص، يعمل على تصميم أغلفة الكتب والإصدارات، والملصقات الإعلانيّة، والمطويّات العلميّة والثقافيّة، وعمل واجهات الصفحات الإلكترونيّة، وبرمجة ‏الإعلانات المرئيّة والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخرى التي تحتاجها أقسام المؤسّسة كافّة.‏

وهناك مشاريع أُخرى سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالى.‏

هذا الكتاب:

على صعيد عرفات.. (شرح دعاء عرفة)

إنّ للدعاء أهميّة بالغة وأساسيّة في حياة الفرد المؤمن، فهو روح عبادته وسلاحه الذي یقارع به الشيطان وجنده، وقد وردت آيات وروايات كثيرة بيّنت معنى الدعاء وحقيقته وخصوصيّاته وتأثيره في الفرد والمجتمع. ومن الأدعية المعروفة والمأثورة عن أهل البيت^ دعاء عرفة الوارد عن الإمام الحسين× والذي دعا به في يوم عرفة على صعيد جبل عرفات، وامتاز بجملة كبيرة من المعارف والعلوم والحقائق التي ساقها الإمام الحسين× في حالة من التضرّع والخضوع لله تعالى، حتّى عدّ هذا الدعاء مدرسة في المعارف والعلوم مضافاً إلى كونه مدرسة في التربية والتعليم. من هنا أولى العلماء اهتمامهم بهذا الدعاء بصورة خاصّة، فصارت له شروح متعددة، ومن بين تلك الشروح ما كتبه العالم العامل والمرجع الكبير سماحة آية الله العظمى الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني+ باللغة الفارسيّة، ولأهميّة هذا الشرح قامت مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصيّة في النهضة الحسينيّة بترجمته إلى اللغة العربيّة لتعمّ فائدته.

وقد ابتدأت المؤسّسة بترجمة هذا الكتاب بمباركة وموافقة خاصّة من قبل سماحة الشيخ الصافي الكلبايكاني+، ولمّا كانت الترجمة في مراحلها الأخيرة، فُجعنا بنبأ رحيل سماحته وعروج روحه إلى بارئها.

وعرفاناً من المؤسّسة بالجميل لسماحته+، وعلاقته الخاصّة بها، بل بالإمام الحسين× حيث أوصى بدفنه في الصحن الحسيني الشريف في كربلاء المقدّسة، تعكف اليوم على ترجمة ونشر كتبه الأخرى.

ولا تفارق مخيّلتنا كلمته لنا، والتي تزيدنا إصراراً وعزماً على المضي في إنجاز مشاريع المؤسّسة العلميّة، إذ قال ما ترجمته: لولا الكبر والمرض لجئت وعملت في المؤسّسة معكم؛ لأكون خادماً للقضيّة الحسينيّة.

ونسأل الله أن يجعله في أعلى عليّين مع محمّد وآله الطاهرين.

عزيزي القارئ، إنّ هذا الكتاب الذين بين يديك بالإضافة إلى شرحه لدعاء عرفة وبيانه الأبعاد المعرفيّة والتربويّة فيه بما يشمل العقيدة والأخلاق وسائر معارف أهل البيت^، قد اشتمل على مقدّمة مهمّة بيّن فيها مسائل مهمّة وضروريّة كأهميّة الدعاء وحقيقته وأبعاده وتأثيره، كما وبيّن كذلك حقيقة بعض الأمور الواردة في أدعية أهل البيت^ كطلبهم للاستغفار وما شاكل ذلك من النقاط العديدة الأخرى.

 وفي الختام، نتقدّم بالشكر والثناء للشيخ الدكتور محمّد الحلفي الذي أخذ على عاتقه ترجمة هذا الكتاب، ونسأل الله تعالى أن يبارك له ولنا في أعمالنا، إنّه سميعٌ مجيبٌ.

بسم الله الرحمن الرحيم

اَلْحَمْدُ لِلهِ مُجيبُ الدُّعَاءِ وَكَاشِفُ الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَصْفِيَاءِ وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرينَ النُّقَبَاءِ النُّجَبَاءِ سِيَّمَا مَوْلَانَا أَبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ وَعَلَى بَقِيَّةِ اللهِ وَوَارِثِ أَوْلِيَائِهِ الْمُكَرَّمِينَ بِشَرَفِ الْاصْطِفَاءِ.

قَالَ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالَى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)([7]).

قَالَ رَسُولُ اللهِ’: «الدُّعاءُ سِلاحُ الْمُؤْمِنِ وعَمُودُ الدّينِ ونُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»([8]).

وَقَالَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ×: «سُوِّسُوا إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكاةِ وَادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلاءِ بِالدُّعَاءِ»([9]).

 

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 الآن، وأنا في بداية كتابة هذه الكلمات، نعيش تصرّم الساعات الأخيرة من سنة 1410 للهجرة. ساعتان تقريباً بحسب توقيت لندن، وستحلّ الليلة الأولى من محرّم سنة 1411ﻫ، مؤذنة بموعد افتتاح المدرسة الحسينية في جميع البلاد والمدن والقرى التي يقطنها الشيعة أينما تواجدوا، ولو كانوا قلّة؛ حتى لو كان أحدهم بمفرده في أيّ نقطة من هذا العالم، فإنّه سيلتحق بتلك الفصول، بمطالعة تاريخ واقعة كربلاء الأليمة، أو بإنشاد الأشعار والمراثي والنياحة والبكاء.

فالجميع يستلهمون بحضورهم في تلك المدارس ومجالس العزاء من سيّد أحرار العالم دروس الإيمان والتضحية، ودعم الحق، ورفض الجور والركون للظالم، وإدانة صور الغطرسة والاستعباد، والسعي لنصرة المظلوم. فيحيون ذكرى نهضة ذلك الإمام الهمام وتضحياته وأصحابه المخلصين الأوفياء.

في مدينة لندن ـ عاصمة انكلترا ـ يستقبل الشيعة أيضاًشهر محرّم بإقامة المجالس انطلاقاً من هذه الليلة ـ ليلة الأوّل من شهر محرّم ـ في الأماكن والمراكز الدينية المختلفة، فيحيون تلك الشعائر باندفاع وحميّة، وقلوب مفعمة بالألم والإخلاص.

وستبدأ برامج المجمع الإسلامي العالمي في لندن ـ والذي كان مؤسِّساً وسبّاقاً في إقامة عزاء عاشوراء وجميع المناسبات، الحزينة منها والسعيدة كالأعياد الإسلامية ـ من هذه الليلة، وطبقاً لما أعلن عنه، فإنّها ستشتمل على محاضرة وتعزية، ومن ثمّ الاحتفاء بالحاضرين من المؤمنين والمؤمنات وضيافتهم.

 ولهذا وشّحوا جدران المجمع بالأقمشة السوداء المزيّنة بأبيات الشاعر والراثي المعروف محتشم الكاشاني.

وأنا المقلّ، كلّي أمل أن أوفّق أثناء وجودي في لندن للمشاركة في هذه المجالس، وأكون مع الأعزّة المخلصين الذين وُفّقوا لأداء الواجب في إقامة العزاء على أهل البيت^، عسى أن يفاض من بركة إخلاصهم على هذا المخطئ الضعيف أيضاً، وتشملني عناية سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين×.

وبما أنّ نهضة سيّد الشّهداء× قد انطلقت لإبقاء دينِ التوحيد وإزالة الشرك، إذ اصطفّ في كربلاء أهل التوحيد والعدل في مقابل أهل الشرك، حتى قيل: «اَلْعَدْلُ وَالتَّوْحِيدُ عَلَوِيّانِ وَالْجَبْرُ وَالتَّشْبِيهُ اُمَوِيَّانِ» قرّرت متوسّلاً بشهيد الموحّدين وموحّد الشّهداء أن أقدّم بضاعة مزجاة حول عشرة من مقاطع دعائه× الزاخر بمعارف التوحيد، الذي أنشأه وتضرّع بقراءته إلى الله ظهر يوم عرفة، بعيون باكية وهو في أعلى درجات الصفاء وحضور القلب.

وقبل الولوج في هذا البحر العميق اللامتناهي، سأتناول مسألتين، تحت عنواني: فضيلة الدعاء، وتوضيح مهم، ونتعرّض في الأولى إلى أهميّة الدعاء، ودوره في السلوك المعنوي والاجتماعي لحياة الإنسان، وفي الثانية إلى الإجابة على سؤال یجول في بعض الأذهان.

وبما أنّني دوّنت هذه الأسطر أثناء فترة المرض، ولعلّي حرّرت بعض أبحاثه في المستشفى دون مراجعة للكتب والمصادر اللازمة، آمل من القرّاء الأعزاء أن يغضّوا الطرف عمّا وقع فيه من نقص أو هفوة، وأن يصلحوه بأقلامهم الشريفة. 

ومِنَ اللهِ نَسْأَلُ التَّوْفِيقَ وَنَسْتَعِينُهُ وَعَلَيْهِ التّكْلَانُ.

فضيلة الدعاء

  يعدّ الحديث عن فضيلة الدعاء مع كثرة تأكيد القرآن المجيد، وتصريح الأحاديث الشريفة بفضيلته، توضيحاً للواضحات. فالدعاء، يمثّل جانباً مهمّاً من البرامج الدينيّة الإسلاميّة المتضمّنة لنواح وأبعاد مهمّة أخرى، مثل: التعليم والتربية والتزكية والتكامل في العقل والعقيدة والإيمان والأخلاق. 

فعند الدعاء يشتدّ اتّصال العبد وارتباطه بالله، وتستحكم علاقته بعالم الغيب ووجود مالك هذا العالم الذي يحتاج الكلّ إلى فيضه، شاء أم أبى، بحكم:

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)([10]).

  فالجميع خاضعون لحكمه وأمره، فيحسّون ويدركون ازدياد شعورهم واعتقادهم وإيمانهم بعلمه سبحانه وقدرته وجميع صفات كماله.

   إنّ البشر يدركون بفطرتهم الحاجة إلى الدعاء والميل إليه، وضرورة التضرّع والابتهال إلى القدرة العليا المهيمنة على قوى العالم المادي بأجمعها والخلق بأسره، وأنّ أرواحهم لن تستقرّ دون الدعاء والتوجّه إلى تلك الحقيقة الغالبة على جميع الحقائق، أوالقاهرة والحاكمة على الكل.

فهو يريد من يسمع إلى مناداته في كلّ الأحوال والظروف، وأن يكون مطّلعاً على حاجاته، وبابه مفتوح أمامه دوماً، يلتجأ إليه عند البلايا والصعاب، ويكون أمله ورجاه، عالماً بكلّ أحواله وخفايا قلبه، فلا يخفى ولا يستتر عليه شيء، منزّهاً ومبرّأً عن أيّ عجز وضعف. كما يقول القرآن المجيد:

(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)([11]).

فالدعاء ينير الضمائر المظلمة، ويبثّ الروح في النفوس المرهقة، ويجدّد نشاطها، ويجنّب الإنسان هيمنة اليأس والأفكار المشوشّة والخطيرة، وتسليةً وعزاءً له في المصائب. وفي المواقف العظيمة والمخيفة التي يحتاج فيها المرء للثبات والمقاومة والتحمّل والصبر والاستقامة، يأتي الدعاء ليسعفه ويمنحه هذه المعاني كلّها، فلا تقوى أيّ مادة، ولا أيّ رأس مال على مساعدة الإنسان وإعانته بقدر الدعاء.

حيث يبتهل الإمام السجّاد× في واحدة من حالات دعائه الخاصة ـ المبيّنة في كتب سيرة أهل البيت^ ـ متضرّعاً:

«يا مَنْ قَصَدَهُ الضَّالُّونَ فَأَصَابُوهُ مُرْشِداً وَأَمَّهُ الْخَائِفُونَ فَوَجَدُوهُ مَعْقِلاً وَلَجَأَ إِلَيْهِ الْعَائِذُونَ فَوَجَدُوهُ مَوْئِلاً، مَتَی رَاحَةُ مَنْ نَصَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ وَمَتَی فَرَحُ مَنْ قَصَدَ سِوَاكَ بِنِيَّتِهِ»([12]).

فالذين لم يشقّوا طريقهم إلى الدعاء ـ في الواقعـ محرومون من أفضل اللذائذ المعنويّة، كما ليس لهم مأوى يلجأون إليه في الحياة، مهزومون حينما تحيط بهم صعاب الحياة ومصائبها، وما أسرع أن تتداعى أرواحهم، حينما تعرض لهم أدنى حادثة، فيضطرّون لطرق أيّ باب، ويتشبّثون بأيّ شيء، ويتزلّفون لأيّ أحد.

هؤلاء هم المخاطبون بقول الشاعر:

حاجت ز خلق میطلبی اين چه گمرهی است
خاكت به
سر مگر به خدا آشنا نهای([13])

بالطبع إنّ الإحساس بالحاجة إلى الدعاء، واللجوء إليه، يقوى ويزداد عند الشدائد، والكثير يتّجه نحو الله ولو عن غير وعي، ولو لم تصدح ألسنتهم بقول: «يَا أَرْحَمَ الرَّاحمِينَ» أو «يَا مَنْ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّينَ» أو... فإنّ فطرتهم التي هي على التوحيد تصحو عادة في مثل هذه الظروف، كما يصرّح بذلك القرآن المجيد:

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )

ثمّة موضوع هام في الدعاء، وهو التفات العبد إلى فقره وفاقته وحاجته إلى إله مقتدر غني، وبتعبير آخر: معرفة الإنسان بنفسه وإلهه، فمعرفته بنفسه بأنّه لا يُعدّ شيئاً ولا يملك شيئاً:

(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا)([14]).

ومعرفته بإلهه بأن يفهم أنّ الله تعالى هو مالك جميع الخيرات، وولي جميع النعم، وقاضي كلّ الحاجات، وخالق ورازق كلّ شيء. وكلّما ازداد هذا الإحساس بالفقر وتكاملت المعرفة بغنى الله وقدرته ارتقت درجة الدعاء، واشتدّ ارتباط العبد بالله وقوى، وازداد إدراكه بحاجته إليه.  فليس سواه قاضٍ للحاجات وكافٍ للمهمّات. وعلى الجميع أن يمدّوا يد الاستغاثة إليه، فهو من يقضي العديد من حاجاتهم، ويحقق الكثير من رغباتهم دون مسألة أو طلب، وحتى دون إلتفات منهم:

«هُوَ الَّذِي يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ»([15]).

«يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا»([16]).

فغيره تعالى ليس سوى وسيلة قد عيّنها وأقرّها جلّ وعلا، كحال فقير يتوسّل بفقير مثله ويطلب حاجته منه، وكما يصوّر لنا الشاعر هذا المعنى بالأبيات اللطيفة أدناه:

گدائی را گدائی ميهمان شد
گدا بهر گدا جويای نان شد
ز مسكينان كو يك نان طلب كرد
كفی نان از پی مهمان طلب كرد
نشد كارش از آن بی
مايگان راست
كه نتوان حاجت
الّا از غنی خواست
گدايان گر كم وگر بيش باشند
همه بی
مايه ودرويش باشند
چه در وحدت چه اندر لاتناهی
دهد امكان به نفی خود گواهی
زهی در وحدت وجود وغنايش
جهان از تو غنی وبی تو درويش
([17])

 

قالَ اللهُ تَعَالَى:(  يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )([18])([19]).

وفي فضل الدعاء روايات وأحاديث كثيرة ـ كما أشير سابقاً ـ ومن بينها الحديث أدناه الحائز على أهمّية بالغة بلحاظ عظم فضيلة قراءة القرآن الكريم وثوابها العميم:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحُسَيْنِ بْنِ سَعيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عيسی، عَنْ مُعَاوِيةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: >قُلْتُ لِأَبي عَبْدِ اللهِ×: رَجُلَيْنِ افْتَتَحَا الصَّلَاةَ في سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَلا هَذَا الْقُرآنَ فَكَانَتْ تِلَاوَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دُعَائِهِ وَدَعَا هَذا أَكْثَرَ فَكَانَ دُعَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ تِلَاوَتِهِ ثُمَّ انْصَرَفَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلٌّ فِيهِ فَضْلٌ، كُلٌّ حَسَنٌ. فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ كُلّاً حَسَنٌ وأَنَّ كُلّاً فِيهِ فَضْلٌ فَقَالَ: الدُّعاءُ أَفْضَلُ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللهِ : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)([20]) هِيَ وَاللهِ الْعِبَادَةُ، هِيَ وَاللهِ أَفْضَلُ، هِيَ وَاللهِ أَفْضَلُ أَ لَيْسَتْ هِيَ الْعِبَادَةُ، هِيَ وَاللهِ الْعِبَادَةُ، هِيَ وَاللهِ الْعِبَادَةُ، أَ لَيْسَتْ هِيَ أَشَدَّهُنَّ؟ هِيَ وَاللهِ أَشَدَّهُنَّ، هِيَ وَاللهِ أَشَدَّهُنَّ، هِيَ وَاللهِ أَشَدَّهُنَّ»([21]).

ولنتأمّل ـأيضاًـفي هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين×:

«مَنْ اُعْطِيَ أَرْبَعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً: مَنْ اُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ، وَمَن اُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ، وَمَنْ اُعْطِيَ الْإِسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ اُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ»([22]).

ثمّ إنّ الإمام× يقول: «وتصديق ذلك كتاب الله تعالى، قال الله} في الدعاء:

(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)([23]). وقال في الاستغفار: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)([24]).وقال في الشكر:(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ([25]). وقال في التوبة:(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)([26])»([27]).

 في ختام هذه المقدمة يجدر بنا ـ هنا ـ التذكير ببعض النقاط:

الأولى: أنّ ما وصلنا من الأدعية المرويّة عن النبي الأكرم’والأئمة الطاهرين یعدّواحداً من أهمّ مصادر العلم والمعرفة، والتي يمكن من خلال التأمّل والتدبّر في مضامينها ومعانيها العروج لبلوغ الرفيع من مقامات العلم والسلوك. ولا يجانب الحقيقة من عدّ تربّع الكثير من هذه الأدعية على القمّة في الفصاحة والبلاغة وحسن المضمون وقداسة المعاني ولطافتها من المعجزات، وذلك لأنّ غير ذي العلم اللدُنّي لا يمكنه بيان هذه المعاني والحقائق، ومن النماذج على ذلك أدعية الصحيفة السجّادية، المعروفةبالصحيفة الكاملة، وزبور آل محمد، وإنجيل أهل البيت^ التي يجب أن يفتخر بها جميع المسلمين. كما ينبغي الإشارة إلى أنّ شرحها المسمّى رياض السالكينمن تأليف السيّد الأجلّ السيّد عليخان، هو الآخر من الآثار الممتازة، وغزيرة الفائدة، والفريدة في مجالها([28]).

وهكذا أدعية الصحيفة الثانية، والصحيفة الثالثة، والصحيفة الرابعة، والصحيفة العلويّة، وسائر الأدعية التي تشتمل عليها كتب الأدعية، مثل:البلد الأمين والمصباح للكفعمي، ومصباح المتهجّد للشيخ الطوسي، وكتب السيّد بن طاووس، وكتاب دعاء بحار الأنوار، وغيرها من الكتب، والتي هي ـفي حقيقة الأمر ـ ليست كتب أدعية وحسب، بل هي كتب معرفة وأخلاق وأدب، وتعريف بالله، وبالنبوّة والنبي، وبالإمام والإمامة.

الثانية: أنّ الدعاء بأيّ لغة وكيفيّة كان، فهو في نهاية الأمر دعاء، وإن لم تُعيّن له ألفاظ خاصّة، ويترتّب على هذا قدرة كلّ إنسان على إقامة العلاقة الدعائيّة مع ربّه بمقدار معرفته وبدون واسطة، حيث يسأل حوائجه من الله بلا حاجة للبحث عن آداب خاصة للقيام بذلك، فيفرغ كلّ ما اعتمل في صدره بين يدي ربّه، إلّا أنّ التضرّع لله لو تمّ بما وصلنا من أدعية أهل البيت^ لكان ـبلا شكّـأفضل وأكمل؛ لخلوّه عن النقص والعيّ وعدم تأدية المعنى.

فأولئك الذين يتربّعون على قمّة المعرفة هم الذين يفهمون كيف يجب أن يكون الدعاء لله، وكيف ينبغي مخاطبته، وأيّ حاجات أولى أن تُطلب منه، إذ كيف يمكن لشخص قد أحاط به جهله أن يتحدّث في الحضرة الإلهيّة كما هو لائق.

الثالثة: أنّ الدعاء محض مخاطبة لله وحديث معه، فلا يشترط فيه العلم بالحاجة أو بيانها، فتترتّب فوائد وبركات عظيمة على نفس هذا التحدّث مع الله ومناداته بأسمائه الحسنى، وتعداد نعمه، وحمده على دعائه، والتضرّع والتذلّـل إليه أيضاً. كما لا يشترط فيه أن يكون للمآرب الأخروية فقط، فهو يصلح للغايات الدنيويّة المشروعة أيضاً، بل الدعاء مستحبّ لكلّ شيء حتى ـ بحسب بعض الروايات ـ لملح الطعام.        

 الرابعة: أنّ لكمال الدعاء شروط وآداب قد جاء ذكرها في كتب الأدعية، كما أنّ هناك موانع من استجابة الدعاء ـأيضاًـيجب إزالتها، من بينها: اللقمة الحرام، قطيعة الرحم وأمور أخرى، بحسب ما جاء بيانه في الدعاء: «اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ»([29]).

حيث يعلم منه أنّ اقتضاء الدعاء للإجابة لايزول ولاينقضي، بيد أنّ تأثيره يحبس حتى يرتفع ذلك الذنب المانع من الاستجابة بالتوبة، وتأدية الحقوق لأصحابها وتلافي ما فاته بقضاء ما يجب أداءه.

وتجدر الإشارة ـأيضاًـإلى أنّ لشروط استجابة الدعاء أقسام، إذ إنّ لبعض الأوقات الشريفة، والأماكن المقدّسة، والأحوال والمواقف وأمثالها من الأمور الأخرى تأثير في سرعة استجابة الدعاء، وقد تناولتها كتب الأدعية وبسطت فيها الكلام.

 إنّ إطلالة سريعة على مؤلّفات العلماء كافية في الاطلاع على الحقائق الرفيعة والمقاصد الهامّة المنشودة من وراء الدعاء.

وآمل أن لا تنسوا ـ في مظانّ الإجابة ـ شمول هذا الضعيف المسكين المحتاج جداً جداً لمغفرة الله ورحمته وأبويه بدعائكم.

الخامسة: لاريب في ضرورة طلب جميع الحاجات من الله سبحانه، إلّا أنّ هذا لا يعني الاكتفاء بالدعاء فقط لنيل الحاجات والأمور المطلوبة التي تكون متيسّرة ومن الأشياء التي تتحقق من خلال الأسباب العادية، إذ ينبغي توفير تلك الأسباب التي قدّرها وعيّنها مسبّب الأسباب لذلك، ويرجى من الله في الوقت ذاته تأثير تلك الأسباب، كما في تلك القصة التي جرت أحداثها في زمن رسول الله’ لما ترك أحدهم ناقته حرّة دون أن يعقلها، وقال: توكّلت على الله، فقال له الرسول: «اِعْقِلْها وَتَوَكَّلْ»([30]).

كما لا ينبغي اليأس والقنوط من التوسّل لطلب الحاجات من الله جلّ وعلا حتى  في الأحوال التي تقصر فيها يد الشخص من أن تطال تلك الأسباب، ولابدّ أن يتّصف بالإصرار والالحاح في الدعاء وبلهجة صادقة، فمن يدعو لقضاء حوائج المسلمين عامّة، أو لشخص على نحو الخصوص، لابدّ أن يكون دعاؤه  جدّياً واقعياً من صميم قلبه، وحتى يتّضح هذا المعنى نقول ـمن باب المثالـ:  لو  فرض أنّ الله سبحانه أوكل قضاء الحوائج ـعامّة كانت أم خاصّةـإلى الإنسان الداعي، فإذا بخل وتوانى في بذل الوسع اللازم رغم قدرته على تقديم يد العون للمحتاجين، سيعلم حينها أنّه لم يكن صادقاً في دعائه، وحاله كالعطشان الذي يحمل بكفّه الماء ولا يشربه، ويدعو الله سبحانه أن يرويه من ظمأه.  

توضيح هام

لسائل أن يسأل ما المراد من هذه الأدعية والمناجاة المروية على ألسنة المعصومين^؟ فإن كان المراد معانيها الظاهريّة والحقيقيّة معاً، لزم منه أحد أمرين؛ كلاهما باطل ومخالف لمقام العصمة الثابت للمعصومين^ عقلاً وشرعاً، فسيرتهم وما نقلته كتب التاريخ عن حياتهم، والتزامهم التامّ والكامل بطاعة الله تعالى كلّها تمثّل أدلّة على عصمتهم دلالة قطعيّة يقينيّة، وهذان اللازمان الباطلان هما: إمّا صدور المعصية عنهم، أو الكذب والإقرار بوقوع أمر لم يقع، وهذا أيضاً يعدّ معصية وأمراً مخالفاً للعصمة. 

وتأسيساً عليه، فالأمر سيدور بين أن يكون المراد منها المعاني الحقيقيّة، وحينئذٍ لا يثبت للمعصومين ـ والعياذ بالله ـ مقام العصمة، أو أن يكون المراد هو المعاني المجازيّة، وفي هذه الحالة يتحتّم وجود قرائن صارفة عن تلك المعاني الحقيقيّة، ومعینة معنى مجازيّاً محدّداً مناسباً.

يجاب عمّا تقدّم: بأنّ أصل السؤال لم يكن وليد اليوم، إذ له سابقة قديمة، ترتبط باستغفار النبي’ الوارد في مثل قوله:

«إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَی قَلْبِي حَتَّی أَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً»([31]).

وفي بعض الآيات القرآنية الكريمة، مثل قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)([32]).

وقد انبرى العلماء الأعلام للإجابة عن ذلك، حيث إنّهم ذكروا وجوهاً ـ فيما لو حملنا الاستغفار وطلب المغفرة على المعنى الحقيقي، أي: صدور الذنب من المستغفر، وبعبارة أدقّ: على أساس دلالة الاعتذار على التقصير والاعتراف بعدم القيام بالواجب ـ من بينها الجواب المشهور المنقول عن الشيخ الجليل علي بن عيسى الأربلي، مؤلّف كتاب كشف الغمّة. ويعتمد هذا الوجه الوجيه على أساس قاعدة «حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ»، وحاصله: أنّ ما نقوم به ـنحن وأمثالناـونعدّه من المعاصي، ونستغفر منه هو ترك الواجبات وفعل المحرّمات، أمّا من كانوا في رتبة أعلى وأُفق أسمى، فإنّ فعل المكروه وترك الأولى والمستحب بالنسبة لهم يعدّ سيّئة ومعصية، وهكذا سيشتدّ الأمر بالنسبة لمن كانوا في رتبة أعلى ومقام أقرب، فهم متوجّهون إليه دائماً، ومقبلون بكلّهم عليه، فمتى انحطّوا عن تلك الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات، عدّوه ذنباً واعتقدوه خطيئة واستغفروا منه([33]).

ولكن مثل هذا الجواب رغم كفايته في رفع الإشكال عن الاستغفار وتفسير الذنب والسيئة والمعصية بتوسعة معانيها بحسب العرف والعادة وأحوال الأفراد، إلّا أنّه يصطدم بعدم قدرته على رفع الإشكال بصورة تامّة وعامّة بالنسبة لبعض العبارات الواردة في الأدعية، والتي تتضمّن الاعتراف بارتكاب السيّئات من القسم الأوّل (فعل الحرام وترك الواجب)؛ لهذا سنكتفي بتقديم جواب بهذا الخصوص، قد أُلهمنا إليه بتوفيق من الله تعالى ومَنِّه، لم يسبقنا إليه أحد بحسب معرفتنا.

 وهذا الجواب يرتكز على عدم إرادة المعنى الحقيقي من الألفاظ الواردة في هذه الأدعية، وظهورها في معنى مجازي مناسب، والذي يحتاج طبعاً إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي وقرينة معيّنة للمعنى المجازي المناسب من بين المعاني المجازية.

فالقرينة الصارفة عن المعاني الحقيقية هي:

 أوّلاً: البراهين القطعيّة العقليّة والنقليّة الدالّة على لزوم عصمة الأنبياء والأئمّة^ من الذنوب والمعاصي، وتعدّ قرينة عقليّة ومقاميّة عامّة على عدم إرادة المعنى الحقيقي.

ثانياً: القرينة الحاليّة المتمثّلة بسيرتهم الثابتة وتاريخ حياتهم، الدالّة بصورة قطعيّة على تنزّههم من الذنوب.

ثالثاً: یتضمّن بعض تلك الأدعية الإقرار والاعتراف بالذنوب والخطایا بكيفية ودرجة من الكثرة لا تتناسب وما عليه الخواصّ من أصحاب الأئمّة المعصومين^،والكثير من المؤمنين الذين يواظبون على قراءتها مع تنزّههم عمّا ورد فيها، فيُعلم بقرينة حالهم أنّ المعنى الحقيقي لهذه الأدعية غير مقصود.

أمّا القرينة المعيّنة للمعنى المجازي المناسب ـ مضافاً إلى عدم إرادة المعنى الحقيقي ـ هي ما عليه حال الداعي من التضرّع والشكر والحمد والثناء والاعتراف بالضآلة والفقر التامّ والحاجة لله الغني المتعال، وهكذا حالة الاعتذار وإظهار التذلّل والتضرّع وبيان عذر التقصير.

والبلاغة تقتضي في هذا المقام أن يجلس الشخص على بساط الاعتذار من التقصير، متشبّهاً بالذين ارتكبوا المعاصي الكبيرة، ويدعو الله مستشعراً قمّة الخشوع والخضوع والخوف والتذلّل والحياء والخجل والندم.

إنّ هذا الانكسار للخاطر، وهذا الخضوع والتضرّع، كلّما اشتدّ كان محبوباً للسالك، وبه يزداد إحساسه وشعوره بالقرب من الحقّ، ويجد أنّ داخله قد أصبح أشد إشراقاً، ويرجو أن يصطفّ مع الذين يرون أنفسهم مستحقّين للعذاب، والمشرفين على السقوط في لهوات جهنّم، فيعيش خوفهم وتنهمر منه دموع الحياء والحسرة والندامة، مثلما یخاطب الإنسان في بعض أحواله غير ذوي العقول بما يخاطب به العقلاء، فيتحدّث إلى الجبل والحجر والشجر والبحر، أو يطلب في بعض الحالات التشبّه ببعض العجماوات، وبالألفاظ التي تكون ذات موضوع له حقيقي يبيّن حقائق أعلى وأسمى أخرى، وحاله يفسّر المقصود والمراد ممّا يقول.

إنّ السالك والشخص السعيد هو من جلس على صفوة الاصطفاء، يتحدّث إلى الله بصفاء وودّ، وكلّما رأى نفسه مقلّاً، وتقصيره كثيراً، ونعم الله عليه أكبر وأعظم، من أن يرقى شكره إلى شكرها، بل يراه كفراً بالنعمة، ويشعر أنّ حقّ الله أعظم وأكبر، وأنّ غضبه وسخطه إليه أقرب، وينظر إلى نفسه أنّها أكثر استحقاقاً للعقاب والعذاب، سيصير حضوره وتقرّبه، وسيره وسلوكه، وعروجه وصعوده أكمل، وتصبح اللذّة التي تحصل له عند قراءته لدعاء كميل، وأبي حمزة، وعرفة وأدعية الصحيفة السجّادية، ومناجاة الخائفين، وحالة البكاء والأنين خوفاً من البارئ تعالى لا توصفان ولا تدركان من قبل أحد إلّا لمن عاشهما.

في مثل هذه الأحوال ثمّة أدعية لا تشعره باللذة الكافية، ولا تروي ضمأه، كتلك التي تُظهر الفاصلة قليلة بين فقره وحاجته وتقصيره، وغنى مولاه وعدم حاجته لنعمه، وتبرز استحقاقه للعذاب بمقدار أقلّ، أو التي لا تبيّن الرحمة الواسعة كما هي عليها؛ لعدم مطابقتها لحاله، مع أنّه يبتعد أكثر فأكثر عن صفوف المجرمين والمذنبين، فهو يتقّي الذنوب، وخوفه منها أشدّ من أيّ خطر آخر؛ إذ إنّه في حالة المناجاة والوقوف بين يدي الله متذلّلاً متضرّعاً معلناً تقصيره في عدم أداء الشكر متأسّفاً عن ماضيه، وهو في مقام اعتذار عبد قد أفنى عمره بالمعاصي والذنوب، محاولاً من خلال ذلك كلّه إبراز انكساره وخضوعه واعتذاره وخجله أكثر فأكثر.

هذه هي حالة أولياء الله تعالى، كلّما أشتدّ إدراكهم لعظمة الله وقدرته أصبحت تلك الأحوال ذات معنى أعمق وأبلغ، وهنا تكمن أسرار الأدعية وما فيها من تذلّل وتضرّع من قبل المعصومين^ في الحضرة الإلهيّة مع اختصاص مقام العصمة بهم، ونحن بما جنيناه على أنفسنا من أقذار وأخطاء وذنوب لا يمكننا الوصول إلى عشر أعشار تلكم الحالة من الحضور، والقرب، والتشرّف، والتوبة، والإنابة، والاعتذار النابعة من كمال العرفان.

رزقنا الله سلوك طريق معرفته وقربه والجلوس على بساط الإنابة إليه مع خواص عباده الصّالحين، وحشرنا مع موالينا وساداتنا وشفعائنا؛ محمّدٍ وآله الطّيّبين المعصومين صلواته عليهم أجمعين.؟؟؟؟؟؟

المقطع الأوّل

الرؤية الكونيّة للإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ، وَاَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ...

فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا شَيْءَ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ عَلَی كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ <([34]).

من المناسب في مستهلّ الكلام عن هذا المقطع المتضمّن لأكثر من عشرين فقرة توحيديّة وعبارة تعليميّة حول معرفة الله تعالى، أن نشير باختصار للرؤيّة الكونيّة الإسلاميّة. وبما أنّنا قمنا بكتابة مقالة مقتضبة وبسيطة إلى حدّ ما في الرؤية الكونيّة للإسلام بناء على طلب أحد الأخوة الأعزاء العاملين في المجمع الإسلامي ـ الذي اهتدى على يديه العشرات إلى الدين الإسلامي المقدّس حتى الآن ـ بغية توزيعها ونشرها بين روّاد المجمع، سنضمنها هذه المدونة بعينها ـ وإن لم تكتمل ـ على أمل أن تقع نافعة مفيدة.

الرؤية الكونية الإسلامية

 الكون بجميع عناصره وذرّاته وما في الأرض من إنسان وكائنات حيّة ونباتات ومعادن وأحجار وبحار ومحيطات ونجوم وكواكب أخرى كالقمر والشمس والمنظومات الشمسيّة والمجرّات وغيرها، كلّها تمثّل وحدة واحدة، وجميعها عبارة عن ظواهر مرتبطة ومتعلّقة ببعضها البعض. كما أنّ وجود كلّ إنسان يمثّل وحدة واحدة رغم كلّ ما يحتويه من ملايين الخلايا والكريّات والعظام واللحم والدماغ والعين والأذن واليد والرجل واللسان والقلب والرئة وغيرها من الأجزاء التي يعدّ كلّ منها واحداً مشخّصاً بنظرة استقلاليّة، وكلّها مرتبطة مع بعضها بنحو منظّم منسجم ضمن واحد أكبر، وهو وجود الإنسان.

فهذا الكون المشتمل على مليارات المليارات من الأجزاء الصغيرة والكبيرة والدقيقة والعظيمة يمثّل وحدة واحدة بكلّ ما فيه، وكلّ هذه الأجزاء المشتمل عليها مرتبطة ومتّصلة ببعضها بحیث لا يمكن انفصالها عن بعض، مع أنّ كلّ جزء منها في النظرة الاستقلاليّة واحد، فالأرض وجود والجبل وجود وهكذا، وهذه كلّها ظواهر لو نلقي نظرة إلى ماضيها سنجد أنّها لم تكن دون بداية، وهذا العالم كلّه أيضاً هو عبارة عن ظاهرة واحدة ينضوي فيها مليارات الظواهر التي لها بداية وانطلاقة. ومن البديهي أنّ هذه الظاهرة الواحدة العامّة لم تبرز للوجود من تلقاء نفسها؛ لأنّ كلّ ظاهرة تتوقّف في وجودها على علّة طبقاً لقانون العلّية، فليس لها أن تُظهِر وتوجِد نفسها، لا بمجموعها ولا بلحاظ أفرادها أو أجزائها؛ لأنّ ذلك سيستلزم وجود الظاهرة قبل المظهر، مع أنّها في الوقت ذاته غير موجودة حتى تظهر نفسها.

ولازم هذا القول هو اجتماع الوجود والعدم، في وضع واحد وزمان واحد وهو محال عقلاً.

كما أنّه لا يمكن أن يكون أيّ جزء من أجزاء هذه الظاهرة هو الموجِد والمظهِر لها كلّها؛ إذ يلزم منه أنّه موجِد لنفسه.

إذن يجب أن تكون هناك ظاهرة حتى توجِد نفسها، ويجب أن لا تكون موجودة حتى توجَد، ومعناه أنّها موجودة وغير موجودة في آنٍ واحد.

وعلى هذا النحو يسري هذا الحكم في جميع الأجزاء التي توصف على أنّها ظواهر، وكما قد قلنا إنّ الظواهر الصغيرة تشبه الظواهر الكبيرة من جميع الجهات، وهذا جار في كلّ أجزاء الكون الواحد الذي هو عبارة عن ظاهرة كبيرة، وثمّة خصوصيّة في هذه الظاهرة وتشترك فيها جميع الظواهر، وهي اتصافها بالبداية؛ ولهذا فكلّ مجموعة واحدة كبيرة من الظواهر يجب أن يكون لها موجِد ومظهِر من خارجها، وذلك هو الذات المقدّسة التي يطلق عليها اسم «الله».

وتأسيساً على هذه الرؤية الكونية يُقسّم عالم الوجود بأسره إلى قسمين: أحدهما أصل والآخر فرع، أحدهما «الله» الخالق، والآخر المخلوق؛ أحدهما المظهِر والآخر المُظهَر، أحدهما غيب والآخر ظاهر؛ أحدهما مركّب من أجزاء صغيرة وكبيرة لا تحصى، والآخر بسيط ليس له أجزاء ومنزّه عن مشابهة الفرع. هذه الحقيقة قد بيّنها القرآن الكريم في آية قصيرة بقوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ )([35]) .

إنّ الله هو الذي جعل فطرة الإنسان تميل إليه وتروم وصاله والارتباط به؛ لأنّ الإنسان يرى أنّ هذه الأجزاء الصغيرة والكبيرة المكوّنة للكون بأسره ـ ومثلها الكون ذاته ـ ليس لها من الأمر شيء، فما قد أوكل لها من قدرة واختيار ليس من عندها؛ خصوصاً عند اليأس والقنوط من السبل الظاهريّة، إذ يتوجّه قلب الإنسان عندها إلى مالك هذا الكون ويلتجأ إليه.

  فليس هناك من ينكر وجوده بصورة قطعيّة بلغ ما بلغ من العلم والمعرفة، أولا يلتجئ إليه في المواقف المهولة والصعبة؛ إنّه الله قاضي الحاجات غافر الذنوب ذو العفو والصفح، أرحم الراحمين والمطّلع على أحوال الجميع، يسمع دعاء كلّ من يدعوه، ويأنس بمن يأنس به أكثر منه، ويصبح سبحانه بالنسبة لمن يشعر بقربه في أعماقه ويناجيه، أقرب إليه من نفسه، وهو الذي ثبتت له كلّ صفات الجلال والجمال والكمال.

الوحي والرسالات السماويّة الإلهيّة

لقد هدى هذا الإله الواحد جميع عباده إليه، وإلى سبيل الرشاد بواسطة أفراد من عباده الطاهرين الخالصين والمخلصين. فإنّ رسالة أنبيائه تتضمّن خير وسعادة الجميع، فإنّهم يدعون الناس إلى عبادة الله والإيمان بوحدانيّته والقيام بالأفعال الحسنة کالحقّ والاستقامة والأمانة والعدالة والإحسان للجميع، وحبّ الخير للبشرية، ومساعدة الآخرين، والتعاون على أعمال الخير، ونصرة المظلومين، والعطف على الأطفال والمرؤوسين، وصلة الأرحام، وإطاعة القانون، والتواضع، والتسامح والرحمة حتى بالحيوانات، وتعليم الأولاد وتربيتهم، وبالنتيجة هم يدعون إلى جميع مكارم الأخلاق، وأكمل نموذج لهذه الدعوة ذلك الكتاب، كتاب الوحي وكتاب الله الذي جاء به النبي الخاتم محمد بن عبد الله’  من الله تعالى إلى الناس باسم القرآن المجيد، الذي قد وضع بين يدي البشر كلّ أنواع الهداية الضروريّة في شتّى مجالات الحياة سياسياً وأخلاقياً ...، وعلى المستوى الفردي والاجتماعي.

فدعوة الإسلام هي الدين الذي جاء به النبي محمد’،وأطلق عليه اسم الإسلام، ومعناه التسليم لله وقبول أوامره وأحكامه، وإطاعتها والعمل بها فقط دون غيره. وهذه الدعوة لو لاحظناها عقائديّاً نجدها تدعو إلى الاعتقاد بالله الواحد الأحد، والإيمان بأنبيائه وملائكته وكتبه السماويّة، والدعوة للمعاد الذي يعني الرجوع إلى الحياة في عالم آخر؛ لنيل الثواب والأجر على أعمال الخير والعقاب على أعمال الشر.

فمن خلال عقيدة المعاد يتبلور في الأفق معنى صحيح لحياة البشر في هذه الدنيا، به يتحمّل الإنسان الصعاب والمصاعب والمعاناة والآلام والأمراض، ويمنحه الأمل بأنّ الله سبحانه لم يخلق هذا العالم لغواً ولا عبثاً، فهذا الكون ـ بما اشتمل عليه من أمور تحيّر العقول، وما اكتنف عليه وجود هذا الإنسان بما لديه من استعداد وعبقريّة على تسخير كلّ شيء لخدمته ـ لن يكون أجوفاً ولا معنى له حتماً. لقد وجد البشر في هذه الدنيا للقيام بوظائف ومهام ضخمة كبيرة، متّجهاً في سيره التكاملي إلى غاية سامية رفيعة جدّاً، وسيره هذا لن يتوقّف بالموت أبداً، كما هو الأمر في انتقال الإنسان من عالم الرَحِم إلى عالم الدنيا، حيث لا ينقص منه شيء، بل إنّ ذلك قد مهّد الأرضيّة لظهور  قابليّاته وقواه الكامنة في وجوده.

الإمامة والقيادة بعد النبي الأكرم

من جملة الأمور العقائديّة التي أكّدها الإسلام مسألة القيادة والهداية واسمرارها بعد النبي’ بواسطة الأئمّة والقادة الاثنى عشر^ الذين كانوا ولازالوا متّصفين بجميع الفضائل والخصال الأخلاقيّة والعلميّة الممتازة بأكمل نحو، فرغم أنّهم ليسوا أنبياء ولا أصحاب وحي، لكنّهم مبيّنون لدعوة القرآن وحماة للدين من أن يصيبه التحريف، وهم أولوا الأمر وواجبي الطاعة بأمر الله سبحانه وتعالى.

الأوّل من الأئمة الاثني عشر هو الشخصيّة الثانية في الإسلام علي بن أبي طالب×،والثاني عشر منهم هو المهدي الموعود الحجّة بن الحسن العسكري‘، الحي الغائب عن الأنظار المدّخر لإصلاح العالم، وإقرار العدل العالمي، وإقامة دولة الإسلام العالميّة، والذي سيظهر بأمر الله حينما يتحقّق المقتضِي للظهور.

يشتمل الإسلام من الناحية العمليّة والأخلاقيّة على أرفع وأسمى أصول وأحكام حيّة وحيوية، جامعة وكافية لجميع جوانب الحياة الإنسانيّة، منذ أربعة عشر قرناً وحتى الآن.  ففي الإرشادات الصحّية والوصايا المتعلّقة برعاية النظافة والنهي عن الفحشاء، والقمار، والمجون، وسائر المحرّمات الأخرى، تأسيسٌ وترسيخ للأمن المجتمعي، إذ يتمّ من خلالها حماية المجتمع ووقايته من الكثير من الأمراض والمفاسد والاعتداءات والعداوات وإراقة الدماء.

لقد اتفقت آراء جميع الباحثين المحايدين من غير المسلمين ممّن تناولوا الإسلام بحثاً ودراسة، ولاحظوا الحضارة الإسلاميّة والحقوق التي أقرّها الإسلام للمرأة والرجل ونظرته المتساوية إليهما؛ بعيداً عن الفقر والثراء والأعراق واللغات والجغرافية، وغيرها من الميزات والخصوصيات المادّية، على نجاعة أحكام الإسلام وقدرتها على إدارة العالم بأسره اليوم وغداً.

فقد مُنع في هذا الدين الاستعباد والاستكبار والاستعلاء رسميّاً، وأُلغي بصراحة، ودعى الجميع إلى الوقوف على خطّ الحرّية والمساواة والأخوّة، والآيات والأحاديث أدناه تعرض لنا نماذج من تلكم الإرشادات والوصايا:

(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) ([36]) .

(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)([37]).

(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ)([38]).

(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ )([39]) .

(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)([40]).

روي عن رسول الله’أنّه قال: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى‏ عَجَمِيٍّ،‏ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ‏، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَی أَسْوَدَ»([41]).

وقال أيضاً:«خَصْلَتانِ لَيْسَ فَوْقَهُمَا مِنَ الْبِرِّ شَيْءٌ: اَلْإِيمانُ بِاللهِ وَالنَّفْعُ لِعِبادِ اللهِ، وَخَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوْقَهُما مِنَ الشَرِّ شَيْءٌ الشِّركُ بِاللهِ وَالضَّرُّ لِعِبادِ اللهِ»([42]).

ولو  توجهنا إلى مجال عبادة الله وبُعد العبادات، سنلحظ أنّ هذا الدين قد شرّع الأوامر والتوجيهات الهامّة على أساس إخلاص النيّة والتوحيد في العبادة، وتقع الصلاة في الدرجة الأولى، ثمّ الصوم والحجّ والبرامج الأخرى، والتي في عين عباديّتها تتضمّن تعاليم تربويّة واجتماعيّة وسياسيّة، حتى غدت موضع تجلٍّ للأخوّة والمساواة والوحدة الإسلاميّة والإنسانيّة؛ وعلى الخصوص الصلاة حيث تمّ التأكيد عليها بشدّة في القرآن المجيد، والإصرار على إبقاء هذه الرابطة بين الفرد المسلم والله سبحانه، وفي الواقع يتشرّف الإنسان في أوقات الصلاة بالحضور بين يدي الله تعالى.

إنّ الآيات القرآنيّة الكريمة والألاف من الأحاديث الشريفة المتضمّنة للتعاليم السامية والتوجيهات الرفیعة، قد أسّست لمدرسة قد كُتب فیها حول كلّ مسألة عقديّة أو عمليّة مئات الكتب في مختلف الأبعاد العلميّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والحقوقيّة والسياسيّة، بالإضافة إلى تفاسير القرآن المجيد الضخامة ـ إذ قد يبلغ بعضها العديد من المجلدات ـ وموسوعات شرح الأحاديث الشريفة، وهناك  كتب الفقه والأخلاق والسيرة أيضاً، وتتجه بوصلة بحوثها كلّها نحو بيان وتوضيح تلك المسائل  وغيرها، ولم تترك هذه الكتب أيّ نوع من التوضيحات الضروريّة لبرنامج الحياة البشريّة، وعلى الخصوص كتب الأدعية، حيث نلج عبر لسان الدعاء في أكمل مدرسة تربويّة للإسلام، إذ يتمّ في هذه المدرسة تربية وبناء أفراد ممتازين طاهرين مخلصين.

ثبّتنا الله ـ إن شاء الله ـ وجميع الذين اعتنقوا الإسلام على ذلك، وأن يكمل لنا الوفاء والالتزام والعمل بتلك التعاليم، وأن يهدي البشريّة جمعاء إلى هذا الدين المبين والصراط المستقيم الذي به هداية الإنسان المعاصر ونجاته من الحيرة والتيه، والفساد والفحشاء، والاستبداد والإلحاد.

بعد هذه الإطلالة المختصرة لرؤية الإسلام الكونيّة، نتأمل في أوّل مقطع من مقاطع دعاء عرفة الشريف:

يبتدأ الإمام× الدعاء بحمد الله والثناء عليه، مبيّناً أنّ كلّ حمد وشكر، أو جنس الحمد وحق الحمد، أو حمد الحق من الله وإليه، ويعلم من خلال وصفه× لله بتلك الصفات التي ذكرها بعد ذلك: أنّ «الله» اسم للذات المقدّسة المتّصفة بجميع صفات الكمال، ومن بينها صفة الوحدة والواحديّة والوحدانيّة، ومنزّه عن جميع النقائص والعيوب، وكلّ أنواع الفقر والاحتياج والحاجة.

وبناء عليه، فإنّ هذا الاسم (الله) لا مسمّى له غير تلك الذات الواحدة الوحيدة، وإطلاقه على غيره سيقع من تلقاء نفسه بلا مسمّى، وفي غير محلّه، وغير قابل للتصديق؛ لأنّ غيره ـ أيّاً كان ـ لا يمكنه أن يوصف بالوحدة وعدم الجزء، والواحديّة وعدم الشبيه.   

    وعلى ما تقدّم، فهذه الصفات التي ذكرها الإمام الشهيد وسيّد الشّهداء× لله تعالى ستختصّ به سبحانه، ولا يصلح ولا يحقّ لأحد أن يصف بها أيّ شخص كان. وهذه الصفات عبارة عن:

1ـ «لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ»([43]).

الله، هو من لا دافع لحكمه وقضائه. ليس هناك أحد يمكنه أن يدفع حكم تلك الذات الجامعة لكلّ صفات الكمال، ويبدو أنّ المراد من القضاء هنا بقرينة الجملة التالية، هو القضاء والحكم بزوال نعمة، أو إبعادها، أو سلبها من شخص أو أمّة، ومع أنّه ليس هناك من يستطيع معارضة القضاء والحكم الإلهي مطلقاً إلّا أنّ هذا المعنى الخاصّ قد أريد هنا للقرينة المتقدّمة الذكر؛ ومن المحتمل أن يكون المراد من القضاء هو «الموت» الذي يعدّ من مصاديق القضاء الإلهي الظاهرة أو من أظهر مصاديقه، وليس للدعاء والصدقة دفع القضاء من الأصل، وإن ورد بخصوص الدعاء والصدقة ردّهما له في الجملة؛ كما في الحديث الشريف: «اَلدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً»([44]) غير أنّ الدافع الحقيقي للقضاء  حتى في مثل هذه المواضع هو الله، وقد أشرنا في رسالة سرّ البداء إلى مسألة تأثير الدعاء والصدقة وغيرهما من الأمور في دفع البلاء، وإطالة العمر أو قصره، وسعة الرزق وأمثال ذلك.

ما يمكن بيانه هنا أنّ الإيمان بالقضاء والقدر ضروري، كإيماننا بتأثير الدعاء والصدقة وصلة الرحم وأمثال ذلك، وإن خفيت علينا تفاصیل العلاقة والارتباط التام فیما بینها ولا سیما القضاء والقدر، ولعلّه من الصعب علينا فهم تلك التفاصيل، ولربّما كان فهمها مستحيلاً. إنّ الإيمان بهذه الأمور علاوة على كونه إيماناً بالحقائق والنظام الذي قد قدّره وأقرّه الله في الكون، فإنّ له تأثيراً في صلاح حال العبد وتربيته وتكامله، إذ بدون الإيمان بهذه الأمور، وبدون ضميمة الاعتقاد باختيارية العبد والأمر بين الأمرين، يصبح أمر تربية الإنسان وتكامله متعسّراً. ذلك أنّ جميع هذه الأمور تعدّ ـعقائدياًـمن أسباب وآليّات تربية البشر التي قدّرها الله سبحانه.

فعلى الإنسان ـ في نفس الوقت الذي يكون فيه مختاراً، ويستعمل الأسباب والسبل المادّيةـأن يعتمد على الله، طالباً منه العون دوماً، غير غافلٍ عنه، فلا يغتر بالأسباب حينما يجدها محيطة به، إذ كثيراً ما تتهيّأ وتتوفّر الأسباب لقيام الإنسان بأمر ما، بحيث يصل الإنسان درجة القطع بتحقّق النتيجة، إلّا أنّه فجأة، تنفكّ عُرى الأمر، وتضعف الهمّة والعزيمة، وتذهب جميع الأتعاب أدراج الرياح.

وأحياناً قد يحصل العكس، إذ الأسباب وطبيعة الأحداث تنحدر بالإنسان نحو السقوط والانغماس، وإذا بالعناية الغيبيّة تبرز على حين غرّة، لتنقذه بصورة إعجازيّة ممّا هو فيه.

والسرّ الكبير الذي يلحظ في هذا الأمر هو توجّه العباد إلى الله تعالى، فلو أنّه سبحانه جعل الأمور تجري بأسبابها الظاهريّة، دون أن تتخلّف؛ لأُصيب الناس بالغفلة عن عالم الغيب والأسباب الغيبية، وكلا هاتين الواقعيتين تدفع بالإنسان نحو الله وعالم الغيب، والجميع بل كلّ شخص يجرب ذلك مراراً وتكراراً، ومن خلاله سيتعرّف إلى الله متى ما لم تكن روحه مريضة.

والقصص والحكايات المعبّرة في كلا هذين المجالين كثيرة، والأساس الأول لذلك يرجع الى أصل معرفة الله بفسخ العزائم، كما ورد عن أمير المؤمنين× قوله:

«عَرَفْتُ اللهَ سُبْحانَهُ بِفَسْخِ العَزائِمِ وَحَلِّ الْعُقُودِ وَنَقْضِ الْهِمَمِ»([45])([46]).

كمحصّلة نهائية نقول: إنّ الأسباب المادّية لا تقود إلى مسبّباتها دائماً، فأحياناً قد يتحقّق المأمول رغم اليأس منه، وأحياناً يحصل عكس ما تيقّن الإنسان بتحقّقه نظراً لاجتماع الأسباب المادّية والظاهريّة وانتظامها، حيث ينفرط الأمر مع توفّر كلّ ما يفضي لتحقّقه، ولهذا ندرك الوجود الإلهي وإرادته المتصرّفة.

2ـ «وَلَا لِعَطَائِهِ مانِعٌ»([47]).

  كلّ شخص يفخر بأيّ عطيّة وبكلّ نعمة تفاض عليه، ولا يستطيع أيّ أحد أن يمنع نعمةٍ أفاضها الله على شخص ما، أو يحرمه من عطائه.

 إنّ كمال صاحب الحضرة الربوبيّة ـ عزّ اسمه ـ يقتضي بداهة أن يكون «لَا دَافِعَ لِقَضَائِهِ وَلا مانِعَ لِعَطائِهِ»؛ لأنّه إن كان غير ذلك سيتصف بالعجز وعدم القدرة، ومنه يفهم أنّ هاتين الصفتين ترجعان في الحقيقة إلى صفة قدرته المحيطة بكلّ شيء، تلك القدرة الغالبة على الجميع والأعلى من كلّ قدرة، بل كلّ قدرة وقوّة إنّما هي رشحات منها، وجميعها ليست سوى علامات وأدلّة عليها، لبداهة أنّها كلّها حادثة ومسبوقة بالعدم، ما أوجب أن تكون هناك قدرة بالذّات، وكلّ قدرة مفترضة أخرى تكون من هباتها ومخلوقة لها ومستندة إليها.

3ـ «وَلَا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صَانِعٍ»([48]).

      لا صانع يقوى على الإتيان بمثل صنعه وخلقه وصنيعه ومخلوقه؛ لأنّ صنعة الصنّاع لا تخلو من النقائص، وتتكامل بلحاظها تدريجيّاً؛ وما أكثر الصنّاع الذين لا يلتفتون إلى نقصهم، بينما الصنائع الإلهيّة كاملة، لا يشوبها عيب أو نقص في حدّ ذاتها؛ كما يصرّح بذلك القرآن الكريم:

(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ )([49]).

فالصناعات الإلهيّة أبدعت دون استعانة بنموذج أو إلهام أو تخطيط من أحد، لكنّ المصنوعات البشريّة على العكس من ذلك، إذ إنّها مستلهمة ممّا عليه الصناعات الإلهيّة من أوضاع وأنظمة وآثار وخصوصيّات، وارتباط مع بعضها البعض، وترتيب وكيفيّة تأليف لأجزائها.

 وفي الصناعات البشريّة يستفاد من الموادّ والعناصر التي خلقها الله تعالى، ومن خلال التصرّف فيها ودمجها مع بعضها يتمّ تقديم المصنوع، أمّا الصناعات الإلهيّة، فإنّها في باب البدائع تبرز بخلق البسائط والموادّ والعناصر، وفي باب المركّبات بتجميع الموادّ وتركيب الأجزاء وتصوير صورها وأمثال ذلك، ممّا لا يعثر عليه في صناعة البشر أبداً.

  لا فرق في هذه المعاني سواء أن يفسّر الصنع في كلام الإمام× بمعنى المصنوع كالخلق بمعنى المخلوق، أو يفسّر الصنع والمصنوع بمعناهما المصدري كالخلق والخلقة، وحتى في هذه الصورة تبقى الفروق بين فعل الله وأفعال الآخرين
قائمة ـ
أيضاًـوعلى نفس النسق، ويبقى الله لا شريك له في فعله وصنعه؛ لا يطلب مساعدة ولا معونة من أحد، ولا يصدر من أيّ أحد مثل صنائعه وأفعاله.

إنّ هذه الجملة، إنّما هي إشارة إلى زاوية من زوايا مفهوم التوحيد الأفعالي، والذي يعني أنّ الله تعالى متفرّد وواحد فيما يصدر منه من أفعال وصنائع، فليس له شريك ولا معين في القيام بأيّ فعل، وكذلك ليس لفعله وصنيعه مثيل ولا نظير، فلا يضاهي فعل أيّ أحد فعله، ولا يصدر مثله من أحد.

4ـ «وَهُوَ الجَوادُ الوَاسِعُ»([50]).

 الجود معناه السخاء، والجواد من الصفات المشبّهة، وتعني السخي المعطاء، كثير الإنعام والإحسان، سواء طلب منه أو لم يطلب. والواسع بمعنى صاحب السعة والوسع والفرج؛ وكما قد قالوا: من لديه المكنة والقدرة على الجود والعطاء الظاهر والمستوعب للجميع هو المتصف بـ«الواسع» و«الجواد»، وفيها إشارة إلى أنّ جود الجواد كاف وواسع وشامل للجميع، وهذه الصفة في ذات الوقت الذي تعدّ من الصفات الجماليّة والفعليّة لله تعالى، تعدّ ـ طبقاً لأحد المعاني ـ صفة ذاتية له؛ لأنّ مبدأ جود الله وسخائه، كمال لذاته. إذن باعتبار صدور الجود منه، فهي من صفات الفعل وباعتبار أنّ ذاته هي مبدأ ومقتضى صدور الجود والفيض فهي من صفات الذات. وإن كان الواسع كالجواد صفة لله القادر على رفع الفقر وقضاء حوائج الجميع، وقدرته على قضاء الحوائج شاملة للجميع كما عبرّ عن ذلك في عدّة الداعي حيث قال:

«اَلْوَاسِعُ: هُوَ الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ مَفَاقِر عِبَادِهِ وَوَسِعَ رِزْقُهُ جَمِيعَ خَلْقِهِ»([51]).

سيتّسع معنى هذا الاسم الشريف ـ بناء عليه ـ ليصبح بهذه الصورة: أنّه واسع الرحمة والقدرة والسيادة والحافظيّة والرازقيّة والولاية والقيوميّة والهداية، وتصير جميع صفاته في أكمل الكمال، والإحاطة بكل الأشياء.

5 ـ «فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ»([52]).

«بدائع» جمع بديع، والبديع يطلق على مخلوقاته التي لم يخلقها من شيء، أو أنّ نظمها وتنظيمها وتصاميمها لم تستفد من نظم شيء آخر، وقد أوجدت بقدرة الله تعالى، كما يطلق على الله موجد الأشياء وأجناس البدائع. وعليه فهو من الأسماء الحسنى.

و«فاطر» أيضاً بمعنى بديع ومبدع، ومن أسماء الله الحسنى، ومن صفات الله الفعليّة، ومبدؤها صفة القدرة التي هي من الصفات الذاتيّة. وبناء عليه، يصبح مضمون هذه الجملة في وصف الله أنّه هو وفقط هو خلق أجناس الظواهر البديعة وأنواعها.

«وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ»([53]).

إنّ إتقان الصنعة وإحكامها من علائم علم الصانع وحكمته. كما قال الشاعر الفارسي:


 


فعلی بس محكم است گيتی وباشد

 


 


فعل محكم دليل حكمت فاعل([54])

 







وأنا الضئيل أنشدت قائلاً:


 


عالم كه چنين اساس محكم دارد

 


 


برنامه ودستور منظّم دارد

 


 


بر علم وقدرتش هست گواه

 


 


چيزی نه ز حدّ فزون ونه كم دارد([55])

 







إنّ ظهور هذه الصفة واضح بيّن، يعمّ جميع موجودات عالم الإمكان، من عناصر وبسائط ومركّبات، ومن جماد، ونبات، وحيوان، وإنسان، ومعادن، وأرض، وسماء، ومنظومات، ومجرّات، وكائنات مجهريّة لا ترى بالعين المجرّدة، وكلّ علوم البشر ومعلوماته التي توصّل إليها لا تتعلّق إلّا بجانب ضئيل من النظام المتقن والمحكم لهذا العالم الذي لو أراد الإنسان دراسته والإحاطة به مبتدئاً من نفسه وما يكتنف وجوده من إتقان واستحكام، لما كان عمره الطبيعي كافياً، وإن زيد فيه أضعاف مضاعفة.

واليوم يعكف العلماء على البحث والتحقيق في النظام الحاكم على كلّ وجود الإنسان بقسميه الروح والجسد، حيث يعدّ نظام كلّ منهما موضوعاً لعلم مستقلّ بالغ الأهميّة بذاته. ومبدأ هذه الصفة هو إتقان الصنع كما تُبيّن جملة الإمام× المتقدّمة.

إنّ صفة حكمة الله وعلمه اللتان تشتركان مع صفة القدرة بكونها من الصفات الكمالية ـ الأوليان جماليتان والأخيرة جلالية ـ التي تتجلّى بصنع الصانع، وإتقان الصنائع، والدقّة والضبط الحاكم في جميع مكوّنات وأجزاء عالم الإمكان.

7ـ «لَا تَخْفَی عَلَيهِ الطَّلائِعُ»([56]).

«طلائع» جمع طليعة، بمعنى العين ومقدّم العسكر، أو مقدم أيّ شيء، والظاهر أنّ المقصود هنا البداية الخفيّة، وغير المشاهدة للأشياء والحوادث والوقائع المستورة على غير الله، لكنّها لا تخفى عليه سبحانه ولا تستتر، بداهة أنّ عالمِيّته المطلقة وعلمه الشامل لكلّ الجوانب يقتضي ذلك. وهذه الصفة الذاتيّة للحق تعالى، ثابتة له دون عطيّة من أحد، فلا يمكن إخفاء شيء وحجبه عنه، وهي من الصفات الجماليّة الكماليّة.

8 ـ «وَلَا تَضيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ»([57]).

يبدو أنّ هذه الجملة جاءت مجازاً، ولو أردنا حملها على الحقيقية لابدّ أن نقول: إنّ مفهوم الوديعة شامل للودائع والأمانات المادّية التي يودعها العباد بعضهم عند بعض، والودائع المعنويّة كالأسرار والمعلومات الخفيّة التي ينقلها شخص إلى آخر على شرط أن لا يحدّث بها، ومثلها الشهادة، فهي عند الشاهد أمانة ووديعة، وهكذا العقائد الصحيحة والأعمال والمهامّ والطاعات والعبادات، فهي محفوظة عند الله سبحانه بمقتضى:

(ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)([58]).

كما نقل عن فخر المحقّقين: كلّ من يريد الثبات على العقائد الحقّة، وعدم العدول عن الحقّ إلى الباطل، أن يستحضر أصول الدين الخمسة بأدلّتها، ويودعها عند الله تعالى، حتى يردّها عليه حينما تدنو منيّته، فيقول بعد أن يستحضر العقائد في ذهنه:

«اَللَّهُمَّ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ، إِنّي قَدْ أَوْدَعْتُكَ يَقِيني هَذَا وَثَبَاتَ دِيني، وَأَنْتَ خَيْرُ مُسْتَوْدَعٍ، وَقَدْ أَمَرْتَنا بِحِفْظِ الوَدائِعِ، فَرُدَّهُ عَلَيَّ وَقْتَ حُضُورِ مَوْتي»([59]).

9ـ «جَازِي كُلِّ صَانِعٍ».

10ـ «وَرَائِشُ كُلِّ قَانِعٍ».

11ـ «وَرَاحِمُ كُلِّ ضَارِعٍ».

12ـ «وَمُنْزِلُ الْمَنَافِعِ وَالْكِتَابِ الْجَامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ»([60]).

 تعرّض الإمام× في الفقرات أعلاه إلى أفعال الله سبحانه، وعناياته بعباده أيضاً، ووصف نفسه بهذه الصفات التي هي من صفاته الفعليّة التي أُطلقت عليه باعتبار صدور تلك الأفعال منه، رغم أنّ مبدأها صفاته الذاتية، مثل العلم والقدرة.

وهو مثيب كلّ صانع، وعامل ومصلح أحوال كلّ قانع.

فمن لا يقنع بما رزقه الله ويرغب بالكثير من الرزق والتكسّب، فإنّ نفسه ستذهب حسرات في ذلك، ويكون مآله إلى الفساد، ومصيره في تباب، وعلى عكس ذلك من يتحمّل مشاقّ العمل وصعوباته في طلب الحلال الذي هو من العبادات ذات الأهميّة، راضياً بما قسم الله له، مسروراً بما حصل عليه، متجنّباً الإسراف والتبذير، ولم يعتد على الترف والبذخ، ويحذر من النفقات الإضافية التي تفوق دخله، فإنّ الله سبحانه سيقود عمله إلى النظم والصلاح والإصلاح. 

هو راحم أنين كلّ متضرّع وباكٍ، سواء كان مؤمناً أو كافراً موحّداً أو مشركاً مطيعاً أو عاصياً، وهو من يجيب ضراعة ولهفة جميع الكائنات الأخرى؛ لهذا لا ينبغي أن نتعجّب فيما لو سمعنا أنّ الله سبحانه رحم عبَدة الأصنام والكفّار في حادثة أو واقعة ما، أو أنزل غيثه رحمةً بغير المؤمنين من المخالفين بعد أدائهم صلاة الاستسقاء وتضرّعهم واستغاثتهم؛ لأنّ صدوره عنه إنّما كان بمقتضى رحمانيّته.

مضافاً إلى أنّه في هذه المواضع التي تتوجّه فيها القلوب إلى عالم الغيب، ويلتجأ الجميع إليه في حالة اليأس والقنوط وفي كلّ الأوقات بحسب الفطرة، يستجيب الله تضرّعهم واستغاثتهم حتى لا ينطفئ بصيص نور الإيمان بالغيب في فطرتهم بالمرّة، وتتهيّأ الأرضيّة ـبذلكـأكثر لهدايتهم، وفي غضون ذلك قد لا يلقى التضرّع إجابة ـأحياناً ـ بلحاظ أنّ الجواب الإيجابي لا يصبّ في مصلحة المتضرّع، أو تكون  الإجابة على فرض وقوعها غير نابعة من الرحمة به، أو أنّ فيها مخالفة لبعض السنن الثابتة والحكم الإلهيّة التي يلزم رعايتها في علم الله، ونحن عاجزون عن فهم جميع جوانبها وزواياها.  

    فمن البديهي أن يعمل الله الحكيم في مثل هذه المواطن، بل في جميعها طبق حكمته البالغة، وبما يحقّق المصالح الواقعيّة لعباده، وإنّ رحمته ولطفه وتفضّله ـ على خلاف ما نحن عليه ـ لا ينقص من حكمته شيئاً.

 أمّا الجملة التالية، فأشارت في بدايتها إلى إنزال وإرسال المنافع ـ والتي من الممكن أن تكون مصدراً ميميّاً أو اسم مكان لجميع المنافع ـ وإلى الغاية من إنزال الأمور والأشياء الموجبة للنفع والفائدة، كالمطر، ونور الشمس الذي يشرق على الأرض، والعنايات والافاضات غير المرئية، وخلاصة الآثار الربّانيّة والربوبيّة الإلهيّة الشاملة لجميع العالمين، وتتحقّق بنزول فيضه إلى الكل، وكأنّ هذا البيان يقول: إنّ الممكنات والمخلوقات لا يمكنها أن ترتقي وتبلغ الكمالات بأنواعها، وتعزّز من علاقتها بالله وتصعد إليه من تلقاء نفسها، بل فيض الله هو الذي ينزل إليها ويرتبط بها؛ ليوفّر لها أجواء الرقيّ والتكامل.

ثمّ أشار الإمام الحسين× إلى إنزال الكتاب، وعلى ما يبدو أراد به هنا القرآن الكريم لا غير، والألف واللام للعهد، والإشارة إلى القرآن الجامع الذي يؤمّن ما يحتاجه البشر من معارف، وأحكام، وأنظمة، وتوجيهات، وإرشادات ضروريّة في كلّ موضوع، ولعلّ المراد من النور الساطع هو تعاليمه المتكاملة الوضّاءة.

13ـ «وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سَامِعٌ»

14 ـ «وَلِلْكُرُباتِ دَافِعٌ»

15ـ «وَلِلدَّرَجاتِ رَافِعٌ»

16ـ «وَلِلْجَبابِرَةِ قَامِعٌ»([61]).

إنّ هذه الفقرات الأربع والتي تعود إلى صفتي العلم والقدرة، وهما من صفات الحقّ الثبوتيّة، تعرض لنا جانباً من صفات الله سبحانه، وأنّه سميع للدعوات من أيّ شخص ارتفعت، ومن أيّ مكان ارتقت؛ فسمع الله غير محدود بآلة ووسيلة حتى يتقيّد بالشروط المؤثّرة في السمع كالفواصل الزمنيّة والمكانيّة.

 فيتغير حصول السمع وعدمه وحتى كيفيّته مع طروء أيّ تغيير في أوضاع الصوت ومصدره، أو أجواء السامع والمصَوّت بالنسبة لغيره تعالى من السامعين، وهذا المعنى لا يتصوّر في حقّ الله سبحانه في استماع الدعاء؛ ذلك أنّ قدرة الحقّ تعالى على السماع مطلقة من جهته، إذ ليس لها قيد ولا حدّ ولا نهاية. أمّا من جهة الداعي فيختلف الحال، لربّما دعا الله سبحانه في ظروف وأحوال وكيفيّات مختلفة؛ بصوت منخفض أحياناً ومرتفع أحياناً أخرى، وفي ضميره وباطنه ومع نفسه، أو من خلف ستار، أو من داخل البيت، وفي الأماكن الحاوية على موانع السماع بالنسبة للناس العاديين، أو في محيط خال من الموانع.                                                                                                                

كلّ ما تقدّم وغيره، لا يؤثّر في سماع الله تعالى قيد أنملة، فهو يسمع الجميع حتى نَفَسَ النملة في قاع بئر، فهو تعالى مطّلع على نفسها رغم ضعفه، مثلما هو عالم بالأصوات المرتفعة جدّاً، بلا فرق، هذا هو اطلاع الله وعلمه.

  فمعنى قولنا: إنّ الله سميع، أي أنّه مطّلع على ما يسمعه المخلوق بآلة السمع وحاسّته، وما لا يصل إليه سمعه، ولو قلنا: إنّ الله بصير، فالمقصود منه أنّ ما نعتقد كونه من المبصرات، ولا نستطيع رؤيته والاطلاع عليه دون حاسّة البصر مثل الألوان هو يراه، ومطّلع عليه وعالم به دون حاجة إلى حاسّة أو آلة، ويرى حتى ما تعجز قوّتنا الباصرة عن رؤيته. 

فهذه الحواس: السمع والبصر والشمّ والذوق واللمس هي وسائل للعلم بالنسبة للإنسان، وأمّا علم الله سبحانهـبما أنّه كان قديماً وعين ذاته، ومنزّهاً عن التركيب والتجسيّمـكان ولايزال عالماً بكلّ شيء دون وسيلة وبلا سبب.

عقيدة المجسّمة الباطلة

يعتقد مجسّمة أهل السنّة خلاف هذه الحقيقة، حيث يجمدون على ظاهر الألفاظ! فعلى الرغم من أنّ المفترض هو ظهور هذه الألفاظ مثل: العين واليد والسمع وغيرها بالمعاني الجسميّة إلّا أنّ القرائن العقليّة تدلّ على مجازيّتها، وعدم إرادة معانيها الحقيقيّة، بل هناك قرائن حاليّة وعرفيّة تدلّ على ذلك أيضاً، مثلاً لو قيل: يد فلان تمتدّ على رؤوس الجميع، أو أنّ عينه تشاهد كلّ شيء، أو أنّ قدمه وسعت المكان كلّه، فإنّ هذه العبارات لا دلالة فيها على المعنى الحقيقي، وإنّما تدلّ على المعنى المستفاد عرفاً، وهو أنّ فلان لديه إحاطة وسلطة على الأمكنة جميعاً. 

وهذا الأمر واضح بطريق أولى بالنسبة لله تعالى. علاوة على أنّ إثبات آلة السمع أو الرؤية لله مساوٍ لسلب صفة إلهيّة عنه، وإثبات صفة سلبيّة له، ونفي للصفات الثبوتيّة، ويدلّ على ما ذكرنا الذوق والفهم العرفي والعرفاني.

إلاّ أنّ المجسّمة والحنابلة ـ حيث يجب أن يعدّ وهابية عصرنا من أشدّهم إفراطاً في إثبات الجسم لله تعالى والإيمان بالخرافات الأخرى ـ محرومون من هذا الذوق والإدراك والوعي الذي يمثّل ركناً أساسيّاً في أصول معرفة الله، ومن الخطوات الشديدة الأهميّة على سلّم الرقي والتكامل في التعرّف إليه جلّ وعلا، ويعلمون ظاهراً من الألفاظ وهم عن معانيها وحقائقها غافلون.

الصفة الأخرى التي أشير إليها في هذه الفقرات، وبدت المناسبة لها بعد فقرة «وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سَامِعٌ» هي اتصافه «وَلِلْكُرُباتِ دَافِعٌ»؛ لأنّ المقصود هنا الإلفات إلى الصفات الكماليّة الجماليّة لله تعالى، فالأدعية بصورة غالبة تتضمّن طلب دفع المخاوف والهموم والغموم والغصص، ومع أنّ مجرّد سماع الأدعية ومشاهدة أحوال العباد والمخلوقات والعلم بها كمال بنفسه، إلّا أنّ العبد الداعي قبلة دعائه قدرة الله واستطاعته على دفع المكاره، لهذا فهو دافع للكربات، ومعنى سماع الأدعية في مثل هذه الأمور هو دفعها، ويكون العبد راجياً لله تعالى، فيلتجأ ويتضرّع إليه.

ويشتمل الدعاء على طلب رفع المكانة والدرجة، والذي تشير إليه جملة «وَلِلدَّرَجاتِ رَافِعٌ»، وهذا الرفع للدرجة والمقام هو بيد الله أيضاً، فهو الرافع للدرجات، إمّا نتيجة الأدعية، أو لِحكَم وعلل أخرى. 

 وهذه الصفات كلّها من الصفات الثبوتيّة الفعليّة التي ترجع إلى صفتي العلم والقدرة الذاتيتين، إذ إنّ مقتضى العلم والقدرة المطلقتين هو القدرة على هذه الأفعال والأعمال.

ثم يشیر في قوله: «وَلِلْجَبابِرَةِ قَامِعٌ» إلى صفة أخرى من الصفات الثبوتيّة الفعليّة، وهي:« قَامِعُ الْجَبَابِرَة» والتي تندرج ضمن صفات الجلال، بأنّ الله سبحانه قالع الطواغيت والظلمة ومهلكهم وقامعهم، ويسمع الأدعية المتعلّقة بهذا الخصوص ويستجيب لها، فهو الذي يقول:

(ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ *ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)([62]).

هو من يذلّ المتعجرفين والمستكبرين، ويهدّ عروش الظلمة ويزيلها، وهذا المعنى مصداق لما تحكيه الأشعار المنسوبة إلى أمير المؤمنين×؛ تلك الأشعار التي أنشدها الإمام علي النقي× في مجلس المتوكِّل الناصبي، والتي كان لها وقع في نفس هذا الخبيث، والأشعار هي:

«باتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ

 


غُلْبُ الرِّجَالِ فَمَا أَغْنَتْهُمُ الْقُلَلُ

وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ

 


وَاُسْكِنُوا حُفَراً يا بِئْسَ مَا نَزَلُوا

نَاداهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمْ

 


أَيْنَ الْأَساوِرُ وَالتِّيجَانُ وَالْحُلَلُ؟

أَيْنُ الْوُجُوهُ الَّتي كانَتْ مُنَعَّمَةً

 


مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الْأَسْتارُ وَالْكِلَلُ؟

فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عَنْهُمْ حِینَ سَاءَلَهُمْ

 


تِلْكَ الْوُجُوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ تَنْتَقِلُ

قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْراً وَمَا شَرِبُوا

 


فَأَصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا»(1)

([63])

وأنشد الخاقاني بهذا المعنى، قائلاً:


 


گفتی كه كجا رفتند آن تاجوران اينک

 


 


ز ايشان شكم خاک است آبستن جاويدان([64])

 







17ـ «فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ»؛

18ـ «وَلَا شَيْءَ يَعْدِلُهُ»؛

19ـ «وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»؛

20ـ «وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»؛

21ـ «وَهُوَ عَلَی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»([65]).

هذه المقاطع والعبارات التوحيديّة الرفيعة جاءت كالنتيجة والمتحصّل من العبارات الستة عشرة الروحیة التي صدرت قبلها عن الإمام’؛ ومعناه أنّ من يمتلك تلك الصفات ـ من قبيل: لا لقضائه دافع  ولا لعطائه مانع، وليس مثل صنعه صانع، وغيرها من الصفات التي لا تحصى ـ لن يكون هناك إله غيره؛ لأنّ صاحب تلك الصفات يجب أن يكون متفرّداً واحداً لا نضير له، فمن لا دافع لقضائه ولا مانع لعطائه، يجب أن يكون متفرّداً في قدرته، فلا شيء يعدله ولا يساويه أو يماثله؛ فهو السميع البصير، واللطيف المطّلع، وهو القادر على كلّ شيء؛ إذ يلزم من امتلاك تلك الصفات الاتصاف بهذه الأوصاف.


 

 

المقطع الثاني: النعم الإلهية

 

 

 

 المقطع الثاني

النعم الإلهيّة


 

 

 

 


 

 

 

 


>اَللَّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِّي، وَإِلَيْكَ مَرَدِّي، إِبْتَدَاْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً ...

اَلْحَمْدُ لِلهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَصَلَّی اللهُ عَلَی خِيَرَتِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الطَّـيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلَصِينَ وَسَلَّمَ<([66]).

يتضمّن هذا المقطع ـ والذي يمثّل جزءاً كبيراً من الدعاء ـ معانٍ توحيديّة وتربويّة وأخلاقيّة ضخمة، ينبغي إمعان الدقّة البالغة فيها. وفي الوقت ذاته يشير ـ أيضاًـإلى مسائل مهمَّة تتعلّق بعلوم متعدّدة، مثل: التشريح، ومعرفة الأعضاء وفوائدها، وعلم البيئة، وعلم النفس، وعلم الأجنّة، وغيرها.

يفتتح هذا المقطع بالابتهال والتضرّع والتوسّل في الحضرة المقدّسة للبارئ تعالى، والشهادة له بالربوبيّة التي أحاطت بكلّ المخلوقات وجعلتها تحت عنايته؛ لحكمته واقتضاء في ذواتها، وهو الذي يكمل الناقص، ويصيّر الكامل أكمل.

 وبعد إقراره× بالمعاد والرجوع إليه سبحانه، طفق× يعدّد نعم الله تعالى وألطافه وعناياته في إيجاده، ويذكّر بالتأديب والتنشئة الإلهيّة له تباعاً مرحلة بعد أخرى، في تلك المراحل التي يقلّبنا فيها في العوالم المختلفة حتى يوصلنا إلى عالم الدنيا.

بعد طي تلك المراحل استمرّت تلك العنايات والألطاف الإلهيّة، فجعل الله رزقه وغذاءه لبناً مريّاً، وقد عطف عليه الحواضن بالمحبّة والحنان حينما كان طفلاً صبيّاً وحفظه من المخاطر بأنواعها، حتى إذا أخذ ينطق أتمّ عليه النعم السابغة وأنماه وربّاه روحيّاً وعقليّاً في كلّ عام، ولمّا اكتمل خلقه ألهمه معرفته، وأطلعه على عجائب حكمته، وأشهده بعين البصيرة والعبرة ما ذرأ في السماء والأرض والبرّ والبحر، ونبّهه إلى ذكره وشكر تلك النعم، فالله سبحانه قد فهّمه وألهمه وجوب شكر كلّ هذه النعم، وأن يظلّ ذاكراً له، لا يغفل عنه لحظة، مادحاً ممجّداً لعظمته وجلاله، منزّهاً إيّاه عن صفات النقص قاطبة.

في هذا المقطع من الدعاء جاء ذكر نعمة إرسال الأنبياء^، ونعمة إدراك وفهم دعوتهم، والعمل بما يوجب رضاه سبحانه وتعالى، وأشير فيه ـ كذلك ـ إلى النعم التي يتقوّم بها المعاش وأمور الحياة، من غذاء ولباس وغيرهما، وضمن إشارته× إلى جهل الإنسان وجرأته على الله، يحمده تعالى أن دلّ هذا الإنسان ـ رغم كلّ ما يصدر عنه من جهل وجرأة ـ على الأعمال التي تقرّبه إليه، ووفّقه لما يقرّبه منه زلفى، ويجعله وجيهاً عنده، إلى درجة أنّ هذا العبد الصلف لو دعاه أجابه، وإن سأله وطلب منه أعطاه. فالله له حقّ التفضّل بالنعمة على الجميع، وقد جلس الكلّ على موائد نعمه التي لا تحصى. وهو الغني عن طاعة جميع عباده، فهو الكمال المطلق والغنى المطلق، وحتى طاعة العباد له فبهدايته وتوفيقه، ووسيلة لكمالهم وتشبّههم بالأخلاق التامّة له تعالى. ومع ذلك يشكر عباده على طاعتهم له، وحينما يشكره عباده يزيد بأنعمه عليهم، كلّ ذلك حتى يُزيد نعمه على عباده، ويتمّ إحسانه وتفضّله عليهم، ويتبيّن عجز البشر وضعفهم في حضرة كبريائه ـ جَلَّتْ آلائُهُ وَعَظُمَتْ نَعْمَائُهُ ـ بعدم تمكّنهم من إحصاء أيّ نعمة، والقيام بأداء شكر أيّ نوع من عطاياه.

والحال أنّ هذه النعم والعطايا أكثر ممّا يعدّها العادّون، أو يحصيها المحصون، أو يحفظها الحافظون. ثمّ أنّك يا الله، مضافاً إلى كلّ ذلك صرفت ودرأت عنّي من الأضرار والصعاب أكثر ممّا ظهر لي من العافية والراحة والسرّاء.

ثم أردف الإمام× ذلك ببيانه لتمام العجز والقصور عن أداء شكر واحدة من تلك النعم، ويشهد بحقيقة إيمانه ويقينه وخالص توحيده وباطن مكنون ضميره، وبجميع أعضاء بدنه وعلائق مجاري نور بصره، وأسارير صفحة جبينه وخرق مسارب نفسه ومسارب سماخ سمعه، وما أطبقت عليه شفتاه وحركات لفظ لسانه وأطراف أنامله ولحمه ودمه وشعره وبشره وعصبه وعروقه وعظامه و...، بجميع حركات ركوعه وسجوده، وحال نومه ويقظته وسكونه، فإنّه× يرى أنّه لو عمّر مدى الأعصار والأحقاب، واجتهد وسعى لأن يشكر نعمة واحدة منها لما استطاع إلّا بمنّه سبحانه وعنايته، ما يوجب عليه شكراً أبديّاً جديداً، وثناءً وحمداً  عتيداً.

لست أنا وحدي، بل وجميع العادّين لا نقوى على إحصاء نعمك السالفة والآنفة عدداً !  ألست أنت المخبر في كتابك الناطق والنبأ الصادق: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)([67]).

ومن الواضح أنّ المخاطب بهذا الخطاب الإلهي لا يقتصر على أبناء البشر من حكماء وفلاسفة، والعلماء في كلّ علم وفنّ، وعلماء الكون، والخواص وجميع العامّة، وإنّما يشمل حتى شخص الرسول الأكرم’ وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وسائر الأئمّة المعصومين^،بل إنّ هذه الذوات المقدّسة هم الأكثر ـ مقارنة بمن تقدّم ذكرهم ـ إظهاراً واعترافاً وعلماً بعجزهم عن إحصاء النعم الإلهيّة؟!  وهذه هي جهة امتيازهم وأفضليّتهم على غيرهم من البشر بجميع أصنافهم.

فهم^ يدركون حاجتهم لله وافتقارهم إليه في أنفسهم أكثر من غيرهم، وإدراك فقرهم هذا لله تعالى من أعظم مقامات الإنسان، فكلّ من كان إدراكه لهذا المعنى أكثر كان قربه منه وحضوره عنده أشدّ وأقوى.

طبعاً ثمّة نقطة جديرة بالإشارة في هذا الصدد، وهي أنّ فقرهم^ لا يتساوى مع فقر الآخرين، إذ إنّ إدراك الآخرين لفقرهم لا يصل إلى عمق وسعة إدراكهم^ له؛ ذلك أنّ فقرهم^ لله تعالى ـ في الواقع ـ أكثر من غيرهم، فكلّ موجود وأيّ شخص محتاج لله بقدر استعداده وقابليّته، حيث تتناسب قدرته على الاستفادة من الألطاف الربانيّة والفيوضات الإلهيّة.

إنّ استيعاب الأفراد وقدراتهم وقابليّاتهم مختلفة؛ فهناك من ترويه قطرة ماء، وآخر لا ترويه حتى جرّة، وكلّما كان العطش أشدّ كانت الحاجة إلى الماء أكثر.

وعلى هذا الأساس، فالنبات أكثر حاجة من الجماد، والحيوان أحوج من النبات؛ لأنّ استعداده أكثر، والإنسان أشدّ من الحيوان، وعلى هذا ارتكزت دعوة الأنبياء والأئمة^للناس، كما ورد في الحديث الشريف:

«إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ‏»([68]).

فلا نخبر الجميع بكلّ شيء، كما أمرنا بذلك بحسب ما بيّنه النبي الأكرم’ أيضاً، وكانت سيرته جارية عليه، حيث جاء في الحديث:

«حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَفْهَمُونَ([69]) وَلَا تُحَدِّثُوهُمْ بِمَا لَا يَفْهَمُونَ([70]) أَ تُريدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ»([71]).

   في ختام هذا المقطع الذي أشرنا إلى نزر قليل من مطالبه الرفيعة جدّاً، والبنّاءة للإنسان ـ إذ لم نذكر منها حتى بمقدار ما فهمناه، وصدق علينا القول أنّنا ما زلنا متحيّرين في أوّل البيان، ولا نعلم من أين نبدأ وأين سينتهي بنا الحديثـيلهج الإمام× بحمد الله تعالى، ذاكراً صفاته السلبيّة، منزّهاً إيّاه عن الولد والشريك في الملك الذي قد يضادّه في ملكه، والولي من الذلّ؛ مستشهداً على ذلك بالقرآن المجيد واستدلال الحقّ تعالى في قوله: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)([72]).

بعدما أتى الإمام× بالآية أعلاه كشاهد، أشار إلى بعض الصفات الثبوتيّة، وختم هذا المقطع بحمد الله والصلاة على محمد وآله الطاهرين^.


 





 




 



المقطع الثالث: البصيرة في الدين

 

 

 

 

 

 

 

المقطع الثالث

البصيرة في الدين


 

 

 


 





 



 


 


« اَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتّی لَا اُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ...، وَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي الْآخِرَةِ وَالْاُولی»([73]).

إنّ الدعاء ودعوة الله بأسمائه وصفات جماله وجلاله، يمثّل ركناً من أركان العبوديّة لله تعالى، وتوجّهاً نحو الكمال، وأحد الوسائل المهمّة للترقّي والسير المعنوي والسفر إلى عالم الملكوت واللاهوت، فلا فاصلة تذكر بين دعاء العبد وإجابة الله له، وما على العبد سوى أن يهيّئ نفسه لاستلام الإجابة، ويعلم أنّه في أيّ مشهد عظيم ومقام رفيع ليستمع بقلبه إلى جواب الله، وإن شعر بعدم حصوله على الإجابة، وجب عليه أن يعمل على إصلاح حالته المعنويّة والأخلاقيّة، وإزالة موانع صدور الجواب أو سماعه.

أحياناً ما تكون سرعة إجابة الدعاء للحاجات المادّية والدنيويّة ـ كما يستفاد من الأحاديث الشريفةـعلامة على الاستدراج والخذلان، والتأخير في الإجابة وتلبية الحاجة من أجل بقاء العبد لوقت أكثر في مشهد الدعاء الذي هو من أعظم المشاهد.

وقد روى ابن فهد الحلّي في كتاب عدّة الداعي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

قَالَالنَّبِيُّ’: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو الله وَهُوَ يُحِبُّهُ، فَيَقُولُ لِجَبْرَئِيلَ: اقْضِ‏ لِعَبْدِي‏ هَذَا حَاجَتَهُ وَأَخِّرْهَا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ لَا أَزَالَ أَسْمَعُ صَوْتَهُ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَدْعُو الله} وَهُوَ يُبْغِضُهُ فَيَقُولُ: يَا جَبْرَئِيلُ اقْضِ‏ لِعَبْدِي‏ هَذَا حَاجَتَهُ وَعَجِّلْهَا، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ»([74]).

كما نعلم أنّ الدعاء قد يتضمّن ـ أحياناًـطلب والتماس حاجة من حوائج الدنيا أو الآخرة، وقد لا يتضمّن شيئاً من ذلك، ويكتفي العبد بالدعاء والتوسّل، وقول يا الله، يا رحمان، يا رحيم، يا خالق، يا رازق، يا قاضي الحاجات، يا كافيالمهمّات، يا سميع، يا بصير، وغيرها من أسماء الله الحسنى؛ رغم أنّه في إتيانه بهذه الأذكار، بلحاظ حال العبد والاسم الذي ينادي الله به، تُعلم حاجته وقبلة دعائه.

مثلاً السقيم والمريض ينادي: «يا شافي» و«يا سلام»، والفقير «يا غنيّ»، والجاهل «يا عليم»، والمذنب «يا غفّار» و«يا توّاب» و«يا ستّار».

فمع أنّه لم تذكر في هذا الدعاء أيّ حاجة إلّا إنّه من الواضح أنّ من ينادي «يا شافي» مريض وحاجته الشفاء، ومن ينادي «يا هادي» ضالّ وحاجته الهداية.

أقسام الدعاء

إنّ الأدعية المشتملة على بيان الحوائج والرغبات والأماني على قسمين:

القسم الأول: يشتمل على الحاجات الماديّة والدنيويّة، مثل: طول العمر، وسعة الرزق، وصحّة البدن، والعافية والسلامة في السفر، وشفاء المريض، والبركة في التكسّب والموفقيّة في العمل، والأمن والأمان، وغيرها من الأمور.

كما نعلم أنّ أغلب أدعية عامّة الناس تندرج تحت هذا القسم، ما يعني أنّهم يدعون الله لهذه الحوائج الدنيوية والماديّة، وقد دفعهم للدعاء إحساسهم بالضعف والحاجة للارتباط بقدرة القادر المتعال؛ ليستمدّوا منه المعونة، وهذا بنفسه مفيد ونافع من جهات، وموجب للأمل بالموفقيّة والتقدّم، كما يستجلب العناية الإلهيّة، ويعدّ في الوقت ذاته من العبادات؛ لأنّ مغزى ذلك هو اعتراف العبد بالعجز والضعف والفقر إلى الله تعالى، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يطلب من الله كلّ شيء وكلّ نعمة يتمنّاها، ويعلم أنّ الله مؤثّر في الوصول إلى جميع النعم حتى لو كانت الأسباب الظاهريّة للتوفيق في أمر ما مهيّأة من كلّ الجهات، فإنّ العبد العارف وصاحب البصيرة يطلبها من الله؛ لأنّه علاوة على أنّ تهيئة الأسباب لتلك الأمور وأصلها بيد الله سبحانه، فإنّ بقاءها واستمرارها حتى تحقّق المنى ـأيضاًـبعناية الله ولطفه.

يجب طلب كلّ شيء ـ كما جاء في بعض الأخبار ـ حتى ملح الطعام من الله سبحانه([75])، وهذا البرنامج له تأثير كبير في كمال النفس، والترقّي والسير السلوك المعنوي.

ومع ذلك نجدـأحياناًـفي مثل هذه الموارد من لا ينبس ببنت شفة في الدعاء إلى الله رضاً بقضاء الله وتسليماً لأمره، ويختار تحمّل صعوبات ونتائج البلاء على دفعه أو رفعه! ومثله سيّد الشّهداء× في يوم عاشوراء، حيث لم يطلب أبداً الخلاص والنجاة من تلك المصائب المفجعة؛ لأنّ معناه عدم نيله درجة الشهادة التي تترتّب عليها كلّ هذه الآثار العظيمة والبركات المتسامية في إحياء الدين الإسلامي وبقاء الشريعة، بل كان× ـ حسب بعض الروايات ـ يتهلّل وجهه نوراً، ويزداد إشراقاً ورضا بما يتجرّع كلّما اشتدّت عليه المصائب، وضاقت وأحكمت حلقاتها.

نعم! قد يقتضي الحال أحياناً الدعاء على الظالم كلعنه، وهذا يعني أنّ الدعاء على الظالم لا يخالف التسليم والرضا، ولكن الداعي يتركه خوفاً من شائبة اختلاط دواعي وأغراض أخرى، مثل: التشفّي والانتقام، وتبقى الصيحة في أعماقه تخترق السماوات لتبلغ العرش.

وأحياناً يصبح الدعاء على الظالم ضروريّاً، حينما يكون إظهاراً للحقّ وإعلاناً للكراهية والنفرة من الظالم.

والخلاصة: تتفاوت مظاهر وصور الدعاء وتختلف وفقاً للظروف والأوضاع. كما قد وصلَنا أيضاًـبحسب الروايات عن النبي الأكرم’ والأئمّة^، وهم المعلّمون الإلهيّون في مدرسة الدعاء ـ أدعية تتناسب وهذه الأحوال.

أمّا ما يقوله بعض المتصوّفة:

يک گُرُه دارم خبر از اوليا

 


كه زبانشان بسته باشد از دعا

خامُشند ونالههای زارشان

 


میرسد تا زير عرش يارشان([76])

فإنّه على إطلاقه واعتباره أسلوباً وطريقة دائميّة يخالف الطريقة الشرعيّة في السير والسلوك وسيرة رسول الله’والأئمّة المعصومين^،الذين يجب تعلّم المسائل الأخلاقيّة والعباديّة منهم، والاقتداء والتأسّي بهم فقط.

القسم الثاني: من الأدعية المشتملة على عرض الرغبات والحوائج، تلك الأدعية المتعلّقة بكمال النفس وسموّ الروح والأمور المعنويّة، وحصول المعرفة والتقرّب إلى الحضرة الإلهيّة المقدّسة، والتكامل في العبوديّة وحسن ارتباط العبد بالله، والأشياء التي متى ما ارتقى فيها الإنسان وتقدّم، تعمقت المبادئ الإنسانيّة في نفسه، وقوى واشتدّ وجهه الإلهي والرحماني، وانطلق محلّقاً بعيداً عن حَضيض العالم الحيواني نحو أوج مراتب الملكوتيّة والحقيقة الإنسانيّة والآدميّة.

لا نغالي إذا قلنا إنّ لذّة هذا الدعاء غير قابلة للوصف، وما لم يجدها ويعيشها الإنسان لن يفهمها؛ فيها قناعة الروح، واطمئنان القلب وسكينته، وصفاء الباطن وإنارته، وإزالة ظلمة القلب وغشاوته.

عندما يتنقّل الإنسان في مراتب هذا الدعاء ومنازله، يحسّ كأنّه يحصل على ما يريده ويبتغيه، وأنّ الإجابة حاضرة ومتقارنة مع الدعاء. على الإنسان أن يجتهد في هذا الدعاء، وأن لا يقول ولا يطلب شيئاً إلّا ما يعزّز ارتباطه ويقوّي علاقته بمالك هذا العالم، وهو الكمال المطلق لينقطع له ويصير إليه فقط، وكلّ مايجده في أثناء هذا الدعاء هو جمال وكمال، وكلّ ما يدركه هو حضور ووصال، وكلّما يدعو تزداد رغبته وشغفه للدعاء، فلا يشبع منه.

إنّنا في هذا المقطع من الدعاء الشريف الذي صنّفناه كمقطع ثالث نقف أمام أشرف وأعظم مقطع في الدعاء، وإنّا وإن لم نكن أهلاً لطلب هذه الحوائج ونيل هذه العطايا، فإنّ هذا الدعاء يمنحنا الأهليّة والجدارة في الواقع لنسأل ونطلب الإجابة.

إنّ الأمور التي نريدها من الله كلّها ترتبط بكمال النفس، ونموّ الفكر، وقوّة الإيمان، والحياة المعنويّة والأخرويّة؛ لأنّ الداعي يقول:

«اَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ كَأَنِّي أَرَاكَ»([77]).

الخشية والخوف والفرق بينهما

كما قد بيّن بعض أنّ الخشية والخوف، وإن كانا في اللغة بمعنى واحد إلّا أنّ الخشية من الله في الواقع هي مرتبة خاصّة من الخوف، كما يستفاد من الآية الشريفة:

(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)([78]).

حيث تحصل هذه الخشية لدى العلماء، وبحسب ما حكي عن الخواجة نصير الدّين الطوسي([79]) أنّها حالة الخوف التي تحصل عند إحساس العلماء وشعورهم بعظمة الله وجلاله، ومن البديهي أن تكون لها مراتب كثيرة ومختلفة.

والظاهر أنّ إدراك هذه العظمة لا يقتصر على طبقة خاصّة من العلماء كعلماء الدين، بل يشمل جميع العلماء في العلوم المختلفة، مثل علماء الجيولوجيا (علم طبقات الأرض) وعلم البيئة، وعلم الفضاء، وعلم الحيوان، والانثربولوجيا (علم الإنسان) بما فيها من شُعَب وفروع، إذا توصّلوا من خلال علومهم إلى قدرة وعظمة الله وجلالته، وغاصوا في بحرها العميق ومحيطها اللامحدود، وصدر الآية المتقدمة يدلّ أيضاً على هذا العموم والشمول.

  ورغم أنّه من الواجب في تحديد الفرق بين الخوف والخشية الرجوع إلى اللغة والكتب المدوّنة في الفروق اللغويّة، إلّا أنّ ذلك لم يكن ميسّراً، ومع هذا لربّما يتناسب هذين الفرقين الذين سأذكرهما مع المعنى الظاهري والعرفي لهما:

1 ـ أنّ الخشية، حالة تحصل نتيجة إدراك شيء وفهمه ومعرفته، ولكن الخوف أعمّ من ذلك، وينشأ مع احتماله أيضاً ويوجب القلق.    

2 ـ أنّ الخوف ينشأ من العلم أو احتمال لحوق ضرر، أو أذى أو ملامة أو عقاب، ونحوها من الأمور؛ ولهذا ورد في الخبر المعروف:

«وَلَا يَخافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ»([80]).

أمّا الخشية فتحصل حتى دون هذه الأسباب، كما تحصل كذلك بالعلم بعدم الضرر والأذى.

وكيفما اتفق، فإنّ معنى هاتين المفردتين مهما كان، فإنّ مخافة الله وخشيته من مقامات الموحّدين. وقد تمّت الإشارة إليهما في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، والتوصية بهما.

وننقل نماذج مختصرة من تلك النصوص الشرعيّة من آيات وأحاديث شريفة تناولت فضيلة «الخوف من الله» مؤكّدة أهمّيتها:

الخوف من الله في القرآن

أ ) (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ * ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)([81]) .

ب) (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)([82]) .

ج) (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)([83]) .

د) (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)([84]) .

الخوف من الله في الأحاديث

أ) كالحديث الذي يرويه الصدوق عن أمير المؤمنين×، أنّه سئل:

أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ}؟ قَالَ: «أَخْوَفُهُمْ‏ لِلهِ، وَأَعْمَلُهُمْ بِالتَّقْوَى، وَأَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا»([85]).

ب) وروي في أمالي الطوسي بسند متّصل بأمير المؤمنين×، أنّه قال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً وَإِنْ‏ كَانَ‏ مُحْسِناً، وَلَا يُمْسِي إِلَّا خَائِفاً وَإِنْ‏ كَانَ‏ مُحْسِناً، لِأَنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: بَيْنَ وَقْتٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا اللّٰهُ صَانِعٌ بِهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ لَا يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْهَلَكَاتِ‏»([86]).

ج) وروى في بحار الأنوار، نقلاً عن روضة الواعظين، أنّ رسول الله’، قال:

«مَنْ كَانَ بِالله أَعْرَفَ‏ كَانَ مِنَ الله أَخْوَفَ»([87]).

ونأتي هنا على ذكر نماذج من الآيات والأحاديث الشريفة ـأيضاًـالدالّة على فضيلة «الخشية»:

الخشية من الله في القرآن

أ) (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ * ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)  ([88]).

ب) (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ )([89]).

ج) (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ )([90]).

د) (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) ([91]).

إذ يستنتج من ملاحظة تفاسير الشيعة والسنة المعتبرة ورواياتهم، أنّ المراد من «خير البريّة» أمير المؤمنين× وشيعته([92]). وتأسيساً على هذا يتبيّن أنّهم أصحاب درجة عالية من الخشية، وهؤلاء الشيعة الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه أيضاً هم الفائزون بمقام الخشية. وطبعاً هذه مرتبة الكمّل من الشيعة وأتباعه× الصادقين؛ ويمكن القول إنّ مراتب ودرجات رضا الله والخشية منه تختلف وتتفاوت بحسب مراتب الإيمان والتشيّع والتأسّي به×. وَالله هُو الْعَالِم.

الخشية من الله في الأحاديث

أ) قَالَ النَّبِيُّ’: «إِذَا اقْشَعَرَّ قَلْبُ‏ الْمُؤْمِنِ مِنْ خَشْيَةِ الله تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَتَحَاتُّ مِنَ الشَّجَرِ وَرَقُهَا»([93]).

ب)  «إِنَّ الْبَاكِينَ مِنْ خَشْيَةِ الله فَفِي الرَّفيقِ الْأَعْلَی»([94]).

ج) «لَا تَبْكِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ دُمُوعِ الْعَيْنِ تُطْفِئُ بِحاراً مِنْ نارٍ»([95]).

د) قال أمير المؤمنين× في ضمن حديث له، مخاطباً نوف:

«يَا نَوْفُ، لَیْسَ مِنْ قَطْرَةٍ قَطَرَتْ‏ مِنْ عَيْنِ رَجُلٍ مِنْ خَشْيَةِ الله إِلَّا أَطْفَأَتْ بِحَاراً مِنَ النِّيرَانِ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ أَعْظَمَ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله مِنْ رَجُلٍ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله، وَأَحَبَّ فِي الله وَأَبْغَضَ فِي الله»([96]).

ثمّة فرق آخر يمكن طرحه بين الخوف والخشية، وهو ـ كما سنبيّن ذلك ـ أنّ  الخوف مع ملاحظة أسبابه وعلله من ناحية الجهات التي تهيّئ الأرضيّة لغضب الله وعذابه، لا ينبغي أن يكون موجباً لليأس وفقدان الأمل وتمكّن الخوف من الرجاء والوجل من الأمل. وهذا بخلاف المرتبة من الخوف التي نسمّيها الخشية، فكلّما ازدادت، أصبحت أكثر كمالاً وقوة، بحيث لا يتمكن اليأس من الروح ومن الرجاء.

بعدما اتضحت منزلة الخشية وأهمّيتها، وأنّها من المنازل المهمّة للعروج إلى
الحقّ ـ جلّ شأنه ـ والاتصال به؛ لأنّ هذا المنزل له مواقف ودرجات ومراتب كثيرة أيضاً بحسب إدراك أهل المعرفة لعظمة الحقّ جلّ اسمه، لهذا يطلب في هذا الدعاء النوع الأكمل منها، إذ يختلف الأفراد أيضاً في مراتب الفضل بحسب ما ذكرناه، فيطلبون ما يتلائم ومراتبهم، فتلك الخشية التي نالها صاحبها نتيجة إدراكه عظمة الله وهيبته، بحيث أصبحت معرفته كاملة، وعندها هيمنت عليه خشية الحقّ إلى درجة كأنّه يراه (وإن كانت العين الباصرة لاتراه أبداً).     

السعادة والشقاء

 من الألفاظ التي يظنّ أكثر الناس أنّهم يعرفون معناها (السعادة والشقاء)، بيد أنّه يجب القول: إنّهم في الغالب لا يعرفون معنيیهما، ولم يتوصّلوا إلى تعريف جامع كامل لهما، فبعض عدّ السعادة والشقاء من الأمور الذاتية للإنسان فقال:


گليم بخت كسی را كه بافتند سياه

 


 


به آب زمزم وكوثر سفيد نتوان كرد([97])




مستدلّاً على ذلك بظواهر بعض الأخبار، مثل:

«اَلشَّقيُّ شَقِيٌّ في بَطْنِ اُمِّهِ، وَالسَّعيدُ سَعيدٌ في بَطْنِ اُمِّهِ»([98]).

 في المقابل ذهب آخرون إلى أنّ السعادة والشقاء اكتسابيان وقابلان للتغيير.

من البديهي بطلان القول بذاتيّة الشقاء والسعادة بنحو يُكبّل فيه الشخص؛ فلا يقوى على التأثير في هذا الشأن لا إيجاداً ولا محواً ولا منعاً؛ إذ سيفرغ التكليف عن الموضوعيّة، ولا يبقى معنى لتوجيه الأمر والنهي له، ويدلّ على ذلك ضرورة الوجدان وكلّ ما قام عليه نظام الأمور، وبعثة الأنبياء والرسل، فهذه كلّها تردّ هذا القول بصراحة.

من الممكن أن يكون المراد من الخبر أعلاه، هو تلك الاقتضاءات الخاصّة لذوات الأشخاص التي تتشكّل أثناء طيّهم لمراحل نشأتهم الأولى، وتتهيّأ لهم وهم في بطون أمّهاتهم.

على أنّه يشير مثلاً إلى محروميّة بعض الأشخاص من النعم والمؤهّلات والإمكانات في هذه الدنيا، فيظلّ يكابد مشاقّ الحياة ويعاني من صعوباتها، أو بالعكس، أي: مَن أُغدقت عليه النعم وامتلأ بالمؤهّلات والقابليّات التي توفّرت مقدّماتها في عالم الرحم، بل حين انعقاد النطفة، ويمكن أن يتعدّى ذلك حتى إلى انعقاد نطفة الأب أو الجد.

وعلى هذا فمن المحتمل أن يقال في تفسير الحديث: إنّ الشقاء عبارة عن عدم توفّر ظروف وأحوال وأوضاع الحياة المطلوبة الهانئة.

والتحقيق: إنّ السعادة والشقاء من المفاهيم المشكّكة، ولهما مراتب متفاوتة شدّة وضعفاً. كما تختلف مصاديقهما بحسب المعتقدات والاستنتاجات والأذواق والأعراف المختلفة، بل قد تقع موضعاً للنفي والإثبات على أساس ذلك. إذ من الممكن أن يرى شخص أو مجتمع أو عقيدة أو عرف شيئاً ما سعادةً، ونفس هذا الشيء يعدّه شخص آخر أو مجتمع أو عقيدة أو عرف آخر شقاءً. وأحياناً قد يوصف الفرد بالسعادة أو الشقاء جهلاً بعواقب الأمور، بيدّ أنّ الأمر على العكس، كما في قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ) ([99]).

بداهة أنّ الكلام الصحيح في تعيين المفهوم اللغوي للسعادة والشقاء يقضي بالرجوع إلى اللغة وعرفِ أهلها.

وبصورة عامّة: إنّ توفّر العناصر والعوامل المؤمّنة للحياة المريحة المناسبة والمعتدلة يعدّ سعادة، كما أنّ عدم توفّر أسباب الراحة ـ في أيّ مرتبة كان ذلك ـ عُدّ بؤساً وشقاء. وهذا في الواقع من الأمور النسبيّة، يعني لو قارنّا فرداً ما بلحاظ مقدار ما يمتلكه من عوامل للسعادة مع فرد آخر يمتلك أقلّ منها أو لا يمتلكها، فتكون سعادته أو شقاؤه أقلّ أو أكثر.

وعلى سبيل المثال: فإنّ الفرد مقطوع اليد شقيّ وبائس، رغم أنّ أجزاء بدنه الأخرى سالمة، إذا قارنّاه بمن يمتلك كلا اليدين، لكنّه سعيد إن أجرينا المقارنة مع فرد مقطوع اليدين، وعلى هذا المنوال علّنا لا نجد سعادة مطلقة ولا شقاء كذلك؛ لأنّ كلّ شخص قد يكون فاقداً لبعض مستلزمات الرفاهية لسبب ما، وفي مقابله من توفّرت لديه أغلب مستلزمات الرفاهية من نعم ومواهب، ومع كل ذلك يبقى الحكم بسعادة أو شقاء الأشخاص بلحاظ توفّر امتلاك بعض المواهب وفقدانها حكماً ظاهريّاً ليس حقيقيّاً؛ لاحتمال أن يكون خيره وسعادته بعدمها، وشقاؤه وبؤسه بتوفّرها.

«إِنَّ مِنْ عِبادِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَی وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَی غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبادِيَ الْمُؤْمِنينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلی غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ»([100]).

إذن حكمنا هذا بالسعادة أو الشقاء لا يتعدّى كونه حكماً ظاهريّاً غير قطعي، نعم، قد يقع الحكم بذلك قطعيّاً في بعض المواضع، كمن يعتبر ويتَّعض ممّا عليه الآخرون، فهو سعيد قطعاً، ومن يتكبّر ويعاند ولا يتّعظ من الآخرين فهو في عداد الأشقياء حتماً؛ كما أنّه من الممكن أن تُفسّر السعادة والشقاء على أساس التوفيق والخذلان، والقول: إنّ الأرضيّة المناسبة للرقي تتوفّر لبعض، فيتوجّه تدريجيّاً نحو الخير والموفقيّة في حياته، ويعود هذا بالطبع إلى أسباب من قبيل حسن الاختيار، أو نتيجة لأعمال الآخرين كالأبوين مثلاً، بينما هناك من يسعى ويجدّ، ولكنّه لا يصل إلى نتيجة. هذه الموفقيّة إن كانت تنبع من صميم الواقع، ولم تكن موفقيّة بالخطأ، فهي سعادة، وأمّا الإخفاق ـ بظهور الموانع من تحقّق المقصود أو فقدان بعض المؤهّلات ـ غير المتوقّع أو غير القابل للدفع، فيما لو كان مضرّاً بحال البشر بصورة واقعيّة، فهو خذلان وشقاء.

وكيفما كان، فإنّ الموفقيّة للقيام بأيّ عمل من أعمال الخير سعادة وتوفيق، كما أنّ الابتلاء بأيّ عمل قبيح وسيّء فهو بؤس وشقاء، وهذا ما تصرّح به بعض آيات القرآن الكريم بأنّ الشقي من استحقّ العذاب والخلود في نار جهنّم، والسعيد من نجى من العذاب والعقاب وكان من أهل الجنّة:

(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ * ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ * ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ *   ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ )([101]).

والآن لنرى كيف يصف الإمام× السعادة والشقاء في هذا الدعاء، وقد جعل× المعنى القرآني للسعادة والشقاء نصب عينيه، وهو المعنى الواقعي لهما، إذ السعادة بغير هذا المعنى مؤقّتة وغير حقيقيّة، ومشوبة بالشقاء والعناء والمرارة، كما نقرأ في هذا الدعاء:

«مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَمَا الَّذي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ»([102]).

إنّ السعادة بهذا المعنى الواقعي والحقيقي تحصل نتيجة التقوى واجتناب معصية الله، والعمل بأوامره ونواهيه تعالى. فلا يتسلّط عليه الشيطان؛ لهذا يطلب الإمام× من الله السعادة بقوله: «اللهم...، وأسعدني بتقواك»، ومنه يفهم أنّ السعادة الحقيقة لا تحصل دون سبب وكسب وسعي من العبد، رغم أنّ التوفيق إلى ذلك يجب أن يُطلب من الله سبحانه، ويعلم أنّ التقوى واجتناب المعاصي من الله أيضاً، بيد أنّ سعي العبد وعمله له دخالة في ذلك، فالعبد العارف لايرى نفسه في مقام العبوديّة، ويعلم أنّ كلّ شيء من الله، ويتبيّن من هذه الجملة ومن الجملة التالية لها بوضوح حقيقة الشقاء الناجم عن المعاصي. الشقيّ والبائس الحقيقي هو من كان عاصياً ومتعدّياً على القوانين الإلهيّة، ويظلّ على هذه الحال حتى يموت، فيستحقّ العذاب المخلّد. 

وبناء على ما تقدّم، فالسعادة الحقيقيّة تكمن في نيل رضا الله، والفوز بالقرب منه، والالتحاق بالأولياء والأنبياء^، والسير على طريقهم ومتابعة خطاهم، وما لم يبلغ الإنسان هذه المنزلة ـ مهما نال من موفقيّة ورفاهيّة ماديّة وجسميّة ـ فإنّه لا يجد نفسه موفّقاً وسعيداً. فقط وفقط يشعر الإنسان بالسعادة في ظل نعمة الإيمان واليقين والرضا والتسليم. السعادة التي تُطلب من الله في هذا الدعاء بهذه الكيفيّة:

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي وَيَقِيناً (صَادِقاً) حَتَّی أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي وَرَضِّنِي مِنَ الْعَيْشِ بِمَا قَسَمْتَ لِي»([103]).

وخلاصة البحث هي: إنّ السعادة الحقيقيّة تكمن في الإيمان بالله، وإدراك المعارف اليقينيّة، وبلوغ مقام التوكّل والتفويض والتسليم والرضا، والتي تعدّ من أركان الإيمان بحسب ما روي عن الإمام علي×، حيث قال:

«اَلْإِيمَانُ لَهُ أَرْكانٌ أَرْبَعَةٌ: اَلتَّوَكُّلُ عَلَی اللهِ، وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَى اللهِ، وَالرِّضا بِقَضاءِ اللهِ، وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِ اللهِ}»([104]).

من الواضح بداهة أنّ هذه المنازل والمراتب مقترنة بالعمل والالتزام بالتكاليف الإلهيّة اقتراناً لا يقبل الانفكاك، وكما أسلفنا أنّ درجات هذه السعادة الخالدة والحقيقيّة تختلف وتتفاوتـأيضاًـبحسب مراتب المعرفة وميزان الأعمال الصالحة للأشخاص، وصولاً إلى مراتب الأنبياء والأولياء. والشقاء ـ الناجم عن عدم الإيمان وترك العمل الصالح ـ هو الآخر له مراتب متفاوتة أيضاً.

اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ السُّعَدَاءِ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْأَشْقِيَاءِ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرينَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

الجزء الثالث من هذه الفقرة، قد جاء فيه:

«وَخِرْ لِي فِي قَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتَّى لَا اُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ»([105]).

وفي شرح هذه الجملة تواجهنا مسألة القضاء والقدر الإلهيين، والتي تعدّ بحقّ من المسائل المعقّدة جدّاً، إذ إنّ إدراكها وفهمها يصعب على الأكثر، بل على الجميع، ما خلا عدّة مؤيّدة من عند الله سبحانه. لهذا وجب الحديث فيها اعتماداً على ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن أهل البيت^ والمُحكمة وغير المتشابهة فقط، دون الإحالة على العقل أو الاستناد إلى الأخبار الضعيفة أو المتشابهة غير المطمئنّة، وغير المصونة عن التحريف والضلال. 

من الممكن أن يراد من (القدر) تلك المؤهّلات والمتطلّبات والخصائص التي جعلت في قرارة الأشياء منفردة أو مركّبة وممتزجة مع بعضها، وتترتّب عليها الآثار، وطبعاً هذا تابع لحجم وقدر كلّ شيء بالنسبة لنفسه ولسائر الأشياء، وهذا بحث لا يمكن التعمّق فيه وبلوغ نهايته أبداً، ولا يمكن فكّ ارتباط كلّ هذه المركّبات والبسائط، وفعلها وانفعالاتها مع بعضها بشكل تامّ وكامل.

كما أنّه من الممكن أن يكون المراد من (القضاء) وقوع هذا التأثير والتأثّر بحكم إلهي، وبعناية من البارئ تعالى، ولازم ذلك إمكان عدم وقوعها. وبعبارة أخرى: إنّ مفهوم الإيمان بالقضاء هو أن نترك الأمور إلى تقدير الله، ولا نرى أنّ الله ـ والعياذ باللهـبمعزل عن إدارة أمور الكائنات ومستقلاً عنها، ونصبح مثل اليهود الذين وصفهم القرآن الكريم بقوله:

(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)([106]).

قال اليهود إنّ الله غير قادر بعد الخلق على التغيير في الخلقة، ولن يأتي بشيء من العدم للوجود، فلعنهم الله، وغلّ أيديهم بسبب قولهم هذا، فيداه (قدرته ورحمته) مبسوطتان.

فتقدير الله هو أن تكون البداية بالنطفة فالعلقة، ثمّ العلقة مضغة، و...، أو البذور تنفلق وتنمو، ومن بذور القمح ينبت القمح، ومن بذور الشعير شعيراً، ولكن لولا العناية الإلهيّة لم تتحقق هذه الأمور، كما جاء في القرآن الكريم:

(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)([107]).

ففعليّة الخلقة الإلهيّة محفوظة، وكما في قوله تعالى:

(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)([108]).

فتتدخل العناية الإلهيّة بالفعل في كلّ مكان، وأحياناً يكون القضاء حتميّاً، وأحياناً أخرى غير حتمي: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ )([109]).

وهنا يطفح البحث حول مسألة (البداء) على السطح أيضاً؛ المسألة التي ترتبط بصحّة الدعاء، وتأثير الصدقة، وصلة الرحم، والأعمال الحسنة والسيّئة في مصير الإنسان، وقد بحثناها في رسالة سرّ البداء، ومع ذلكـوكما قيلـ إنّ الإحاطة بجميع زوايا هذه المسائل غير ميسّر لنا، ويكفي فيه الاعتراف بالعجز، والإيمان إجمالاً بالقضاء والقدر والبداء، وتأثير الأعمال في الحياة وحوادثها ودفع البلايا أو نزولها، وطول العمر أو قصره، وأمثال هذه الأمور. وهذا التأثير والآثار ممكنة الفهم والإدراك بشكل إجمالي وبصورة عامّة، كما أنّ ذلك لا يتنافى في الوقت ذاته مع علم الحقّ وقدرته المطلقين، والإيمان بهذه الأمور كلّها لا يكون مثل الإيمان بوقوع الأمور المحالة والمتناقضة، ولهذا نحن اختصرنا الكلام هنا، ومع ما قلناهـرغم كونه مختصراً وغير كاملـنقرّ ونعترف بأنّنا حتى لو رمنا التفصيل، فسوف لن نبلغ عمقه أيضاً، وكما قد بيّنه أمير المؤمنين×حينما سئل عن كيفيّة القضاء والقدر، قال×:

«طَريقٌ مُظْلِمٌ فَلا تَسْلُكُوهُ، وَبَحْرٌ عَمِیقٌ فَلَا تَلِجُوهُ، وَسِرُّ الله فَلا تَتَكَلَّفُوهُ»([110]).

ولنا أن نقول: إنّنا ندرك المفهوم الإجمالي لهذا الدعاء فقط، ونفهم أنّه على مستوى رفيع وبنّاء، ويجب على الإنسان الوصول إلى تلك النتيجة التي مفادها عدم محبّة الإنسان تأخير ما عجّل الله، ولا تعجيل ما أخّر.

من البديهي عندما يرى الإنسان أنّ الله سبحانه هو المختار والحاكم في كلّ ما يجري عليه من قضاء، ويعرف أنّ كلّ تقدير منه ـ فهو الذي بيده تقدير أمور جميع الكائنات ـ ومنه يلتمس الخير والبركة في القضاء والقدر، فإنّه سيوكل إليه كلّ الأمور، معتقداً أنّ كلّ حادثة ستقع في أيّ زمن من الأزمان، فإنّ وقوعها في وقتها المناسب، ولن يكون لديه أيّ تذمّر أو سخط من تقديمها وتأخيرها؛ رغم أنّه قبل وقوعها کان یدعو بأيّ نحو يريد، ودعاؤه مستجاب بمقتضى الحكمة، ولكنّه بعد حصولها يستقرّ في منزل الرضا، ولا ينبس ببنت شفة اعتراضاً أو سخطاً.

وجال في خاطري كلام لمولى المتقين وأمير المعرفة والفصاحة والبيان، وكان ابنعبّاس يقول بشأنه: ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله’  كانتفاعي بكلام كتبه إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَسُوءُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ، وَلْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَی مَا فَاتَكَ مِنْهَا، وَمَا نِلْتَ مِنْ دُنْياكَ فَلَا تُكْثِرْ فِیهِ فَرَحاً، وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلَا تَأْسَ عَلَيهِ جَزَعَاً، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ»([111]).

الجزء الرابع في هذا المقطع من الدعاء هو:

«اَللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنَايَ فِي نَفْسِي، وَالْيَقِينَ فِي قَلْبِي، وَالْإِخْلَاصَ فِي عَمَلِي، وَاجْعَلْ لِي ـيَا إِلَهِيـالدَّرَجَةَ الْعُلْيَا فِي الْآخِرَةِ وَالْاُولَى»([112]).

غنى الروح والحقيقة الإنسانيّة

نُقل في بعض الروايات عن الرسول’أنّه قال:

«خَيْرُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»([113]).

وفي حديث آخر مروي عنه’ أيضاً­:

«لَيْسَ الْغِنَی عَنْ كَثْرَةِ الْعَرْضِ، وَإِنَّما (لَکِنَّ) الْغِنَی غِنَی النَّفْسِ»([114]).

ما لم يشعر البشر بالغنى في صميم نفسه وروحه وحقيقته، فإنّه يظلّ فقيراً لا يغنيه شيء ولو ملك الدنيا بأسرها، ويطلب المزيد والمزيد، وما يزال يشعر بالفقر كما كان قبل أن يملك كلّ ما لديه من ثروة وأموال، ويشعر بالحاجة إلى أكثر ممّا عنده، كما يصف رسول الإسلام الكريم’ حال هذا الإنسان بقوله:

«لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ مَالٍ (مِنْ ذَهَبٍ) لَابْتَغَى إِلَيْهِ ثَانِياً، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثاً، وَلا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرابُ»([115]).

كناية عن عدم قناعة الإنسان، وأنّه لا يشبع من جمع المال، كما أنّه لا توجد نهاية لحرصه، ولو كان يكفيه بضعة ملايين ليعيش هو وأبناؤه  ـ وفقاً للحسابات الاعتياديّةـفإنّه يطلب الملايين والملايين ويستمرّ في الرغبة والطلب. 

هذه نتيجة غنى المال، لا توفّر الطمأنينة للبشر، ولا يشعر بالشبع في أيّ درجة من درجاتها، ويظلّ حبيس فقره وحاجته كما كان. ولا يختلف عن ذلك غنى المنصب والرئاسة، فحاله هكذا أيضاً. طبعاً كما يبدو أنّ الغنى العلمي يسير على نفس هذا المنوال بحسب الظاهر، لكن حقيقته هي كشف لمواضع الفقر بشكل أكبر، والالتفات للمجهولات، بل ومجهوليّة بعض المعلومات وتعقيدها بنحو أشدّ وأزيد.

إنّ هذا الفقر غاية في الأهمّية، والشعور به يعدّ مقدمة ومدعاة للتحرّك العلمي، وانطلاقة للبحث والدراسات، ولسنا بصدد بحثه الآن، إنّما يرتكز بحثنا في غنى النفس الذي يُلتمس في هذا الدعاء من الله تعالى، إذ الإنسان ما لم يصل إليه، فإنّه لايزال يرى نفسه فقيراً ومستعدّاً لبيع نفسه بأيّ شيء من متاع الدنيا، ويعيش القلق دوماً؛ خوفاً من فقدان ما عنده من مال ومقام، يراها كلّها في هاوية الضياع، فلربّ سرقة واحدة تكفي للقضاء على كلّ ثروته، ولربّ ضليع بارع يزيحه عن مقامه ويرميه من على منصبه.

والخلاصة: إنّ هذا الغنى يتبدّل إلى فقر بالسرقة وغيرها من الأسباب الأخرى، على عكس غنى النفس الثابت والدائم؛ فلا يقوى أحد على سلبه أو سرقته.

إنّ غنى النفس عن قليل من الحرص والطمع يحصل بالقناعة والتوكّل والاعتماد على الله، وعدم الاعتناء بالدنيا ومالها ومنالها، وكلّما كانت ثقة الإنسان بالله أكبر كان غناه في نفسه وعلوّ همّته أشدّ؛ فلا يقدم على عمل فيه ذلّة ومهانة، ويعيش بنشاط وبعد نظر، دون خوف أو قلق من زوال النعم، وكلّما كان غناه في نفسه ضعيفاً، قلّت نزعته الإنسانيّة، وضمر عنده الوجدان الإنساني.

والسرّ في أنّ غنى النفس إلى هذا الحدّ الكبير من المكانة والأهمّية وصيانة شرف الإنسان، هو أنّ البشر منذ بدايته يرى نفسه ناقصاً، فيسعى خلف كماله، وما جرّب وسيلة أو طريقة إلّا وعاد يرى النقص من جديد، وحاله كشخص يبحث عن ضالّة، وكلّما رأى شيئاً ظنّه هي.

فعلى سبيل المثال: لو أنّ فلّاحاً تصوّر في البداية أنّ امتلاكه لهكتارين أو ثلاثة من الأرض مع الآلات الزراعيّة يكفيه، ولا يبقى محلّ للحاجة ولا للقلق. وعندما يمتلك ذلك، ويتوفّر لديه كلّ ما تمنّاه، يشعر بعده أنّه محتاج إلى ما هو أكثر، ولم يبلغ ضالّته بعد، فيتخيّل أنّه سيجد ضالّته ـالطمأنينة الروحيّة وراحة البال وعدم القلقـفيما لو أصبحت لديه مزرعة، ثمّ إن تحقق له ما تمنّاه وصار بين يديه لا يشعر بالقناعة أيضاً، ويرى أنّه لم ينقص شيء من عيوبه ونقائصه، فيرغب بامتلاك قرية أو قرى متعدّدة، وببلوغه ذلك ـأيضاًـيرى نفسه عين ذلك الإنسان الأوّل المحتاج لكلّ شيء ولكلّ شخص، فمازال ناقصاً تجبره حاجته وفقره على السعي والجدّ والعمل، إلّا أنّ كلّ ما كان يسبّب له القلق باقٍ على حاله.   

ولكنّه لو وصل إلى مقام معرفة نفسه ومعرفة موجده وخالقه، وأدرك أنّ الجميع في حاجة إليه وهو غنيٌ عنهم، وأنّ كلّ مَن وجده وعرفه وصل إلى كلّ شيء، ولا كمال أفضل من العبوديّة له، والاعتماد والتوكّل على تدبيره وتقديره، سيردّد مع أمير المؤمنين× هذا الدعاء:

«إلَهِي كَفَی بِي عِزّاً أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْداً، وَكَفَی بِي فَخْراً أَنْ تَكُونَ لِي رَبّاً، أَنْتَ كَما اُحِبُّ، فَاجْعَلْني كَمَا تُحِبُّ»([116]).

عندما يصل إلى هذه الحالة لن تقهره أيّ قدرة ماديّة، ولا تبهره أيّ ثروة أو منصب أو حرس وخدم وبهرجة. فهو يرى نفسه غنيّاً عن الأرض والسماء، وأنّ الجميع يقفون إلى جواره، وبمرتبته في الفقر والحاجة، وبقراءته (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ )([117]) يعلن عن عدم حاجته إلى ما سواه سبحانه، لهذا يقول:

«یَا نَفْسُ...صَانِعِي وَجْهاً وَاحِداً يَكْفِیكِ الْوُجُوهُ»([118]).

فضيلة اليقين

بعدما انتهى الإمام× من الدعاء بغنى النفس، انتقل إلى طلب آخر، وهو أن يجعل الله اليقين في قلبه.

طبعاًـوکما أشیر إليهـفإنّ سيّد الشّهداء× قائد أرباب اليقين وغنى النفس وأهل الإخلاص في العمل وسيّدهم، وقد ظهرت وتجلّت تلك الصفات والمقامات والمنازل في كربلاء ويوم عاشوراء؛ بما لا يمكن تصوّر ما هو أعلى وأرفع وأسمى منه.

في مثل ذلك المشهد العظيم، استطاع بيقينه الراسخ أن يتلقّى جميع تلك المصائب والفجائع والآم، فراق الشباب والأحبّة بروح زاخرة بالطمأنينة والاعتماد على الله سبحانه، فلم يؤثّر ذلك على عزيمته وإرادته ولو بمقدار ذرّة، الأمر الذي حيّر الأعداء وأدهشهم؛ لأنّه لم يسمح لغبار الاضطراب والقلق بالاقتراب من حياض وقاره وثباته، فراح يصدح في مكّة بكلّ يقين، قائلاً:

«خُطَّ الْمَوْتُ عَلَی وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلادَةِ عَلَی جيدِ الْفَتاةِ»([119]).

ومن سرّ يقينه إظهاره الاشتياق للقاء جدّه رسول الله’ وأبيه أمير المؤمنين، وأمّه سيّدة نساءالعالمين، وأخيه الإمام الحسن المجتبى^،أخذ يقول:

«وَمَا أَوْلَهَني إِلی أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلی يُوسُفَ»([120]).

كان جازماً بالشهادة، متيقّناً منها؛ لهذا كان يعلن عنها دائماً، ففي مكّة المعظّمة قال×:

«وَخُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّواوِيسِ وَكَرْبَلاءَ »([121]).

وأحياناً يقول×:

«فَإِنِّي لَا أَرَی الْمَوْتَ إِلَّا سَعادَةً، وَ(لَا) الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً»([122]).

ويقول في يوم عاشوراء:

«أَلَا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، يَأْبَى اللّٰهُ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ‏ وَطَهُرَتْ وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ مِنْ أَنْ تُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ‏»([123]).

تحكي لنا جميع مشاهد الإباء لدى سيّد الشّهداء×، والامتناع عن بيعة يزيد حتى نيله الشهادة، صوراً سامية من أعلى مراتب اليقين التي لم يلامسها غبار التزلزل والضعف، وفي لحظات الوداع أمر× أهل بيته بالصبر بكلّ إيمان واطمئنان، وصار يعدهم بأنّ: «رَحْمَة اللهِ ونُصْرَتهُ لَا تُفَارِقُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ »([124]).

لقد تجلّت قوّة اليقين هذه بأروع صورها لدى جميع أنصاره، وهم أبناؤه وأخوته وأصحابه، وقد برز ذلك على لسان عقيلة قريش السيّدة زينب÷في مجلس يزيد، حينما راحت تعلن وبشكل قطعي عن بقاء دين الله والوحي النازل على جدّها محمد’، وذهاب جهود يزيد ومساعيه من أجل إبادة الاسلام أدراج الرياح، ما يحتّم أن يُطلق على كتاب مقتل الحسين× ووقائع عاشوراء: كتاب الإيمان والصبر والشهادة والصمود في مقابل الباطل، كتاب اليقين، وكتاب الإخلاص، ولربّما كان الأولى كتابة كتاب مستقلّ لكلّ واحد من تلك العناوين المستوحاة من وقائع كربلاء.

هذا الإمام الهمام، وأسوة اليقين والإيمان يطلب من الله سبحانه في هذا الدعاء أن يجعل اليقين في قلبه. لا يمكننا أن نفهم ما هو ذلك اليقين الأكثر من اليقين الذي كان بين جنباته، وماذا يريد؟! لعلّ معنى هذا الدعاء هو نفس ذلك المعنى الذي ذكره بعض في تفسير: (ﭧ ﭨ ﭩ )([125])؛ منأنّ المقصود هو طلب الثبات والبقاء على الهداية، أو لأنّ جميع النعم هي من إفاضة الله وهباته، ودوامها وبقاؤها بعناية الحقّ تعالى وإفاضته كذلك، ولابدّ من تواتر فيضه واستمراره حتى تبقى تلك النعم، ومنها نعمة اليقين والهداية والإيمان والإخلاص، والإمام المظلوم× يدرك أكثر من أيّ شخص مدى ارتباط بقائه والنعم الظاهريّة والمعنويّة بالعناية الإلهيّة، ويعلم تماماً أنّ فيضه لو انقطع آناً لتحوّل كلّ شيء إلى لا شيء؛ لهذا أراد× من الله اليقين، ويقرّ ويعترف أنّ يقينه وجميع النعم المسبوغة عليه وبقاءها لاتستغني عن عطائه وفيضه تعالى لحظة واحدة.  

أمّا بالنسبة لأصل اليقين، فيجب أن يُعلم أنّ اليقين من مقامات ومنازل الصدّيقين، والمقرّبين، والمتّقين، وقد اشتملت الخطبة الهماميّة لأمير المؤمنين× على وصف المتّقين ويقينهم، حيث قال:

«فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآها، فَهُمْ فيها مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآها، فَهُمْ فيها مُعَذَّبُونَ»([126]).

روي في كتاب الكافی الشريف عن الإمام الصادق×، أنّه قال:

«إِنَّ رَسُولَ الله’ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، فَنَظَرَ إِلَى شَابٍّ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يَخْفِقُ وَيَهْوِي بِرَأْسِهِ، مُصْفَرّاً لَوْنُهُ، قَدْ نَحِفَ‏ جِسْمُهُ‏، وَغَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله’: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ الله مُوقِناً. تعجّب النبي’ من كلامه، وقال له: «لكلّ يقين حقيقة، فما حقيقة يقينك؟».

فقال: إنّ يقينيـيا رسول اللهـهو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم. وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون، على الأرائك متّكئون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مصطرخون، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي.

فقال رسول الله’ لأصحابه:

«هَذا عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمانِ»،

وقال للشاب:

«اَلْزِمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ».

قال الشاب:

«اُدْعُ الله لِيـيَا رَسُولَ اللهـأَنْ اُرْزَقَ الشَّهادَةَ مَعَكَ»

 فدعا له رسول الله’، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات’، فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر([127]).

ومن أمثال الرواية أعلاه الخبر المرويّ عن أمير المؤمنين×،أنّه قال:

«لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقيناً»([128]).

يُعلم من ذلك أنّ اليقين أكمل مراتب الإيمان والتصديق والاعتقاد بالله وجميع العقائد الحقّة، بنحو لا يبقى مجال لشائبة احتمال الخلاف فيها، ويجعل ابن آدم في اجتناب الذنوب والفرار من المعصية كفرار الهارب من آلاف الحيوانات المفترسة للبشر، المتعقّبة له، والتي يراها خلفه بأمّ عينه، وفي مقام الإطاعة والعمل بالفرائض والواجبات راغباً مسارعاً كالذين عشقوا الدنيا فسارعوا لنيل منافعها وفوائدها التي يرونها محقّقة الحصول، بل ينبغي أن يكون أثر الإيمان بالله ويوم الحساب في إرغام الإنسان للقيام بالأعمال الحسنة والخيرة، وفي كبت الإنسان ومنعه من الأعمال السيّئة والقبيحة، أشدّ وأعظم بدرجات ومراتب من ذلك.

والخلاصة: إنّ مراتب فضيلة الأفراد بحسب درجات يقينهم، والأجر والثواب على الأعمالـأيضاًـبحسب اختلاف مراتب يقين الأشخاص، كما نقل عن أمير المؤمنين× أنّه:

«قَدْ سَمِعَ × رَجُلاً مِنَ الْحَرُورِيَّةِ يَتَهَجَّدُ وَيَقْرأُ، فَقالَ: نَوْمٌ عَلَی يَقينٍ خَيْرٌ مِنْ صَلَاةٍ فِي شَكٍّ»([129]).

لما سمع الإمام×ذلك الرجل من الحروريَّة ـ وهم خوارج النهروان الذين اجتمعوا اعتراضاً على أمير المؤمنين في صحراء حَروراء قريباً من الكوفة ـ يصلي صلاة الليل ويقرأ القرآن، أراد× أن يوضّح أنّه لا فائدة في عبادة دون معرفة بإمام الزمان، فقال جملته المتقدّمة مبيّناً أنّ النوم على يقين واعتقاد بإمامالزمان، والخليفة بالحقّ أفضل من الصلاة في حالة من الشكّ والريبة؛ لأنّ إمام الزمان مبدأ تعليم العبادات وكيفيّتها، وأحد أركان الدين ، فمن شكّ فيه لا تصحّ صلاته ولا قراءته للقرآن.

والنقطة الملفتة هنا، أنّ الإمامالحسين×يطلب من الله سبحانه أن يجعل اليقين في قلبه، مع أنّه من المعلوم أنّ مكان اليقين هو القلب وباطن الإنسان، وعليه لعلّ مراده× أن لا يكون من أولئك المدّعين لليقين باللسان، وقلوبهم فارغة من اليقين، فيصبح مصداقاً لهذه الآية:

(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)([130]).

لأنّ الكثير يدّعون اتصافهم بهذه الصفات! وما أسرع أن ينفضح أمرهم في مواضع العمل ومواطن الاختبار، وتتكشّف حقيقة دعواهم!

كما حصل في «معركة أُحد»، حيث كان هناك الكثير من مشاهير الصحابة يظهرون أنفسهم على أنّهم مقرّبون من النبي’، ويعدّون أنفسهم من حماة الإسلام، ولكنّهم سرعان ما فرّوا حينما مال عليهم العدو؛ خوفاً على أنفسهم، تاركين الرسول’ وحيداً بين الأعداء؛ لينقذوا أنفسهم من الهلكة! وكان من بينهم (عثمان) ومعه جماعة، حيث فرّوا إلى تل أعوصـموضع قريب من المدينةـوأقاموا هناك ثلاثة أيّام، ثمّ عادوا إلى رسول الله’، وما كان من النبي’ صاحب الخلق العظيم، إلّا أن عاتبهم بلطافة وإكرام، حيث قال لهم:

«لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فيها عَريضَةً»([131]).

أمّا علي بن أبيطالب× وعدّة آخرين من الصحابة، لم يَهنوا وراحوا يدافعون عن الوجود المقدّس للنبي’، وقد أصيب أمير المؤمنين× بالعديد من الجراحات، ورغم ذلك صمد بنحو أدهشـبحسب الرواياتـحتى جبرئيل، وجعله يتعجّب من مواساة علي× للنبي’، وراح يقول:«يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ الْمُوَاسَاةُ!».

قال النبي’: «إنَّهُ مِنّي وَأَنَا مِنْهُ».

فقال جبرئيل: «وَأَنَا مِنْكُمَا».

وفي هذا الموضع سُمع صوت يقول:

«لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفِقَارِ وَلَا فَتَی إِلَّا عَلِيٌّ»([132]).

وفي فاجعة كربلاء المؤلمة تجلّى سرّ هذا الأمر ـ تطابق اللسان والقلب ـ إلى درجة أدهشت العقول وحيّرتها، فيقين سيّد الشّهداء× هو نفسه لما رحل من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى كربلاء، وفي لحظات الشهادة، ما تزحزح عن العقيدة التي كان يحملها، رغم ما لاقاه من الصعاب والمصائب ـ التي تثني كلّ واحدة منها أعظم الشجعان وتركعه أمام عدوّه ـ ولم يستسلم، وامتنع عن قبول اقتراحات أولئك الناس غير المؤمنين؛ لأنّه كان على يقين بصحّة وحقّانية وحقيقة الطريق الذي سلكه، وبطلان طريق الأعداء.

وكان يقين كلّ واحد من أبنائه× وأخوته وأبنائهم وجميع أهل البيت^وأصحابه وأنصاره، مضرباً للمثل في كمال اليقين.

كل هؤلاء كان بإمكانهم الخلاص من هذه المهلكة والنجاة من تلك المعركة المفجعة والمرعبة، بالحصول على الرخصة من الإمام×،متوسّلين بالحجج الكثيرة والمبرّرات المتعدّدة، ولاسيما إن تحقق ذلك بإذن الإمام×، لكن رجال الله وأولياءه وعلى الرغم من رخصة الإمام’لهم، حيث أحلّهم من بيعته، اختاروا ـ بعد تلك الابتلاءات الشديدة ـ اقتحام مواضع الخطر المنتهية بالشهادة بشكل قطعي ومسلّم.

فهذا مسلم بن عوسجة، انبرى ليجيب الإمام×،ناطقاً بلسان حال جميع أولئك الأبطال، فقال:

«وَالله لَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُحْرَقُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُذْرَى يُفْعَلُ ذَلِكَ بِي سَبْعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَلْقَى حِمَامِي‏ دُونَكَ، وَكَيْفَ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ قَتْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ هِيَ الْكَرَامَةُ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا أَبَداً»([133]).

وقال زهير بن القين:

«وَالله لَوَدِدْتُ أَنِّي قُتِلْتُ ثُمَّ نُشِرْتُ ثُمَّ قُتِلْتُ حَتَّى أُقْتَلَ هَكَذَا أَلْفَ مَرَّةٍ وَأنَّ الله يَدْفَعُ بِذَلِكَ الْقَتْلَ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنْ أَنْفُسِ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَانِ‏ مِنْ‏ أَهْلِ بَيْتِكَ»([134]).

وهكذا كانت مقولة أولئك الأصحاب وإلهيي البصيرة والمعرفة والإيمان، وتحدّثوا بما يشبه هذا الكلام بين يدي ابن النبي’، وقالوا:

«وَاللهِ، لَا نُفارِقُكَ، وَلَكِنَّ أَنْفُسَنَا لَكَ الْفِدَاءُ، نَقِيكَ بِنُحُورِنَا وَجِبَاهِنَا وَأَيْدِينَا، فَإِذَا نَحْنُ قُتِلْنَا كُنَّا وَفَيْنَا وَقَضَيْنَا مَا عَلَيْنَا»([135]).


 

الإخلاص في العمل

من الأمور التي طُلبت في هذا الدعاء «الإخلاص في العمل»، وهي مرتبة فوق مرتبة اليقين، أو أعلى مراتب اليقين. من البديهي أنّ هذه المرتبة هي مرتبة الإخلاص المطلق والمنزّه عن جميع الشوائب من الرياء والدواعي الأخرى، وإلّا فإنّ الإخلاص في العملـأيضاًـله مراتب ودرجات؛ حاله في ذلك حال اليقين والإيمان.

وأعلى مرتبة هي تلك المرتبة في العمل التي يكون فيها قصده فقط وفقط الله، وحبّ الله، ورضا الله، والقرب منه، دون دخالة داع آخر كالجنّة والرضوان والنعيم والثواب والحور والغلمان، ولا الأمان من جهنّم وعذابها والنيران، ونعم ما قيل بالفارسية:


صحبت حور نخواهم كه بود عين قصور

 


 


با خيال تو اگر با دگری پردازم([136])




كما روي عن الإمام الصادق×أنّه قال:

«إِنَّ الْعُبَّادَ ثَلاثَةٌ: قَوْمٌ عَبَدُوا اللهَ} خَوْفاً، فَتِلْكَ عِبادَةُ الْعَبيدِ، وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللهَ تَبارَكَ وَتَعالی طَلَبَ الثَّوابِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأُجَراءِ، وَقَومٌ عَبَدُوا اللهَ} حُبّاً لَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرارِ، وَهِيَ أَفْضَلُ الْعِبادَةِ»([137]).

بداهة أنّ هذه المراتب الثلاثة للعبادة مشتملة على مرتبة الصحّة، وخالية من الشرك في العبادة المنهي عنه، كما ورد في القرآن الكريم:

(ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ )([138]).

ولكنّ الإخلاص الأكمل، في عبادة الأحرار وأهل المعرفة، الذين لا يريدون من الله إلّا الله، ولا يطلبون غير القرب منه على أيّة حال وفي أيّ مكان كانوا، وهم يترنمون بمضمون هذا الشعر:


ای آنكه لاف میزنی از دل كه عاشق است

 


 


طوبی لک ار زبان تو با دل موافق است

غلمان وحور كی طلبد مرد حقشناس

 


 


شهوتپرست كی بود آنكس كه عاشق است([139])




في هذه المرتبة يصل سير الإنسان وصعوده إلى مقام ومرتبة يرى فيها نفسه فارغاً عن التفكير في العذاب والعقاب أو الجزاء والثواب.

في هذا المشهد لا يرى العارفـلا الصوفي والمحتال من أصحاب الطريقة والأقطاب ـمكاناً وموضعاً بعيداً عن الله، فالمكان الذي لا يرى فيه الله تعالى لا يحضره؛ حتى لا يتعذّب بالبعد والنأي عنه والحرمان من مشاهدة جلاله وجماله.

من المناسب أن نأتيـهناـعلى ذكر إحدى النساء العارفات ـ وأقصد أمّي الحنونة ـ السيدة فاطمة بنت المرحوم آية الله الآخوند الملا محمد علي الگلپايگانيـأداءً لبعض حقوقها وأنحاء تربيتها ولاسيما الروحية، فلن أنسى أبداً بكاءها بحرقة عند قراءة دعاء كميل وأبي حمزة وزيارة عاشوراء وأشباه ذلك، وعند قراءة الأشعار البنّاءة والتربويّة، والمناجاة مع الله سبحانه. من جملة الأشعار التي كانت تردّدها في تلك الحالات الخاصة لها مع الله، هذين البيتين:

 


گفتیكهتوراعذابخواهمفرمود

 


 


مندرعجبمكهدركجاخواهدبود

آنجاكهتويیعذابنبودآنجا

 


 


وآنجاكهتونيستیكجاخواهدبود([140])




بداهة أنّ الله تعالى بمعيّة علمه التام وقدرته الكاملة في كلّ مكان وآن، ومع كلّ أحد، وعلىه؛ لا يخلو مكان منه. وبما أنّ حضوره تعالى وألطافه الخاصّة وتوفيقه وظهور أسمائه وصفاته ورحمته ولطفه تشمل الجميع، امتازت قلوب العارفين والذاكرين بما ورد في الحديث:

«لَا يَسَعُنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي، وَلَكِنْ يَسَعُنِي‏ قَلْبُ‏ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ ‏»([141]).

وجاء أيضاً في الحديث القدسي:

«أَنَا جَليسُ مَنْ ذَكَرَني»([142]).

 فالمواضع التي لا يكون الله تعالى فيها مع الإنسان هي القلوب الغافلة عن ذكره، والحالات الشيطانيّة البعيدة عنه، وأمثال هذه المواضع.

مراتب الإخلاص

أمّا مراتب الإخلاص، فأوّل مرتبة منها هي: خلوّ العمل من الرياء، وقصد الإراءة للغير طلباً للشهرة بين الناس واستمالة لقلوبهم، أي أن يكون خالصاً منزّهاً، فإذا وجد ثمّة مقدار ضئيل من الرياء أبطل العمل، وصيّره هباء منثوراً. طبعاً قد يبدو تنزيه العمل من الرياء أمراً سهلاً يسيراً، ولكنّه في الواقع شاقّ وصعب، لا يقوى عليه غير المخلصين الموحّدين.

فقد روي عن الرسول الأكرم’، أنّه قال:

«إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ‏ الْأَصْغَرُ. قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ‏ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: « الرِّياءُ»([143]).

وروي عنه’ في حديث آخر:

«الشِّرْكُ فِي النَّاسِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ‏ النَّمْلِ‏ عَلَى الْمِسْحِ الْأَسْوَدِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ»([144]).

وجاء في حديث ثالث أيضاً:

«اَلشِّرْكُ في اُمَّتي أَخْفَی مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَی الصَّفَا»([145]).

 وظاهر الخبر إطلاق الشرك، فيشمل حتى الإطاعة العمياء للمستكبرين والأقوياء، وللحزب والبرامج والقوانين غير الإلهيّة، والأنظمة من صنيعة البشر، والخضوع لأصحاب المناصب والمراتب حتى لذوي المناصب الدينيّة، الحاكية كلّها عن حالة من التملّق والتزلّف.

وقد نُقل في كتاب الكافي الشريف رواية عن الإمامالصادق×،قال فيها:

«لو أنّ قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله’، ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركين. ثمّ تلا هذه الآية: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)([146])، ثمّ قال أبو عبد الله×:عليكم بالتسليم»([147]).

وهذا الشرك يسري في مراتب مخفيّة، مثل التواضع للأغنياء وأصحاب الأموال، رجاء الحصول منهم على نفع أو ثروة؛ لأنّ الشرك والإخلاص في العمل كلاهما له درجات ومراتب.

كما ورد في الحديث:

«مَنْ أَتَی غَنِيّاً، فَتَوَاضَعَ لِغِنَاهُ، ذَهَبَ ثُلْثَا دِينِهِ»([148]).

نظراً إلى أنّ الرياء يطلق عليه الشرك الخفي، فمن المحتمل أن يكون المراد من الشرك في الأحاديث المتقدمة خصوص الرياء.

وكيفما كان فإنّ الروايات في ذمّ الرياء مستفيضة، بل متواترة، وعلاوة على بطلان العمل بسبب الرياء، فإنّ العمل العبادي الريائي، حرام ومن الذنوب الكبيرة، وأمّا غير العبادي، فهو وإن لم يكن حراماً لكنّه خلاف التوحيد الكامل للموحّدين، رغم أنّ العمل وإن لم يقصد فيه الرياء بصورة مستقلة ـ بل كان بضميمة قصد القربة ـ لا يقع مقبولاً وعدّ رياءً، ولا يستحق عليه العامل أجراً ولا ثواباً.

وهنا ينبغي التنويه إلى ضرورة الالتفات في مسألة الرياء والإخلاص في العمل إلى الأحكام الفقهية أيضاً، فكما قيل بأنّ الرياء بأيّ نحو وأيّ مقدار نفذ إلى العبادة صيّرها باطلة، حتى وإن تألّفت تلك العبادة من عدّة أجزاء مترابطة مع بعضها، بحيث تشكّل بمجموعها الكلّي المأمور به، فإنّه لو تحقّق الرياء في جزء صغير منها كما لو كان المدّ في قوله (ﭲ ﭳ )([149])، سيبطل ذلك، ومعه تبطل الأجزاء الأخرى كلّها.

وأمّا الضمائم الأخرى لنيّة العبادة كالصلاة والصوم، أو ما يصطلح عليه بالضمائم الراجحة أو المباحة، وهي أعم ممّا كان عباديّاً أو غير عبادي، ففي حالة تعلّقها بنفس عنوان الصلاة كصلاة الظهر في الزمان الفلاني، أو المكان الفلاني، مثل المسجد، فإن قصد بفعله امتثال كلا الأمرين، سيقع صحيحاً وخالياً من الإشكال، بل يكفي قصد أحد الأمرين أيضاً، إلّا أن يكون قصد امتثال الأمر بحقيقة المأمور به، مثل صلاة الظهر، مقيّداً بوقوعه في زمان أو مكان خاص على أن يكون راجحاً، فإن تحقق الامتثال وحصول القربة بهذا النحو المقيّد بامتثال الأمر في ضمن جزء خاص سيكون محل إشكال.

وإذا لم يتعلق بنفس عنوان الصلاة، وأفترضنا الصلاة تنطبق على كلا العنوانين، فإن كانت نية ذلك العنوان ليست تابعة لنية الصلاة، بل نية ذلك العنوان ملحوظة بشكل مستقل أو مشتركة مع الصلاة بنحو تكون فيه جزء الداعي، وليس للصلاة داعوية مستقلة، ففي هذه الحالة يكون تحقق امتثال أمر الصلاة محل اشكال، بل لا يحصل الامتثال. 

أمّا بالنسبة للضمائم المباحة فقط، فوجودها في النيّة والإخلاص الشرعي والفقهي لا يكون مضرّاً حينما تكون تابعة صرفاً لنيّة العبادة.

هذه نبذة مجملة حول الأحكام الفقهيّة لنيّة العبادة، والتي تُبحث بشكل مفصّل وتُبيّن فروعها في الفقه، وما ذكرناه مجرّد إشارة مقتضبة خالية عن البحث والتفصيل.

كيفما كان، فإنّ الكلام يطول ويطول في مسألة إخلاص النيّة، إذ إنّ حصول مراتبها العالية صعب وعسير، ولا يتحقّق لأيّ أحد. فكما هو مشهور عن رجل عرف بعبادته ومواظبته على صلاة الجماعة وسعيه الحثيث على الحضور في الصف الأوّل منها، لما يمتاز به من ثواب أكثر من الصفوف الأخرى، وحصل يوماً ما، أنّه اضطرّ للصلاة في الصفوف الأخرى غير الصف الأوّل، فشعر عندها بعدم الارتياح، وتخيّل أنّ سبب انزعاجه هذا ليس لضياع ثواب الصف الأوّل من يده، وإنّما لما في الصف الأوّل من وجاهة ظاهريّة وتقدّم على الأخرين، وعليه، لم تكن نيّته طوال هذه السنوات خالصة، ولهذا عمد إلى قضاء صلاته التي مرّت في كلّ تلك السنوات.

طبعاً ما تقدّم حكاية، وعلينا أن ندرك ضرورة أن يكون الإنسان دقيقاً جدّاً للوصول إلى الإخلاص في النيّة، متّهماً نفسه دائماً، ويعلم أنّ الإخلاص في العملـ وعلى  الخصوص لو كان في جميع الأعمالـلا يتحقّق بهذه السهولة، فالمراقبة والمشارطة لازمين. وما جاء في الحديث:

«مَنْ أَخْلَصَ لِلهِ أَرْبَعينَ يَوْماً فَجَّرَ اللهُ يَنابيعَ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلبِهِ عَلی لِسانِه»([150]).

وإن بدا سهلاً هيّناً، غير أنّ أهل التقوى ورياضة النفس والعصاميين والكمّل في الأخلاق، يدركون مدى صعوبة إزاحة جميع الدواعي والبواعث غير الإلهيّة، وتجنّبها لأربعين صباحاً، بل وصعوبتها حتى لأربع وعشرين ساعة.

وعندما يكون للإخلاص في العمل لأربعين صباحاً أو لأربعين يوماً فقط، كلّ هذا التأثير العظيم والجوهري، فماذا لو تمّ ذلك لأربعين سنة، أو العمر كلّه؟! الله أعلم كم ستكون له من الآثار الجليلة والثمرات الهامّة.

 ثواب الأعمال أيضاً يختلف بحسب الإخلاص في النيّات؛ إذ من الممكن أن يكون ثواب شخص وأجره على عمل صغير أعظم بكثير من عمل آخر يبدو كبيراً جدّاً، إذ إنّ إنفاق دينار واحد من قبل فرد قد يكون أرضى عند الله من إنفاق فرد آخر مليون دينار.

وكما ذكر بعضـوالعهدة علىهـأنّه وبعد تصدّق أمير المؤمنين×بخاتمه في سبيل الله وهو راكع، ومن ثمّ نزول قوله تعالى:

(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)([151]).

قام بعضٌ بالتصدّق بسبعين خاتماً؛ عسى أن تنزّل بشأنه آية!

فمن البديهي أن لا يكرم مثل هذا الإنفاق الذي يطلب من ورائه الوجاهة والتقدير بنزول آية بشأنه؛ لأنه خال عن الإخلاص، وإن تصدّق بدل السبعين بسبع مئة خاتم، فلن تنزّل بحقّه كلمة أو حتى حرف واحد فضلاً عن نزول أية.

يجب تعلّم الإخلاص في العمل من أمير المؤمنين علي×، فإنّ إنفاق علي× كان لله، ولم يكن بهدف إكرام النبي’،أو شخص آخر له، أو من أجل أن ينزّل الله آية بشأنه.

فهو مع العظمة التي هو عليها عند الله وإخلاصه في عمله، لا يرى نفسه مستحقّاً للتقدير والثناء مقارنة بما أُغدق عليه من النعم الإلهيّة. كيف لا؟! وهو قد تعلّم الإخلاص ممّن كان على درجة من العبادة والطاعة حتى خاطبه الحقّ تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ )([152]).

فكان الردّ:

«مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ».

إنّ نيّته الخالصة تنبع من معرفته، وعدم رؤيته لغير الله سبحانه، فليس إلّا هو، وفقط منه الطلب، وإليه الرغبة، وأمّا غيره فلا معنى للطلب منه، ولا الرغبة إليه. لهذا كانت ضربة واحدة منه يوم الخندق أفضل من عبادة الجنّ والإنس أو كلّ الأمّة إلى يوم القيامة([153]).

طبعاً لا تقتصر وجوه أفضليّة هذه الضربة على ما ذكرنا، فهناك وجوه أخرى متينة وقويّة، من أهمّها ما يستفاد من كلام رسول الله’ في تلك المبارزة بين أمير المؤمنين علي×وعمرو بن عبد ودّ، حيث قال:

«بَرَزَ الْإِيمانُ كُلُّهُ إِلَی الشِّركِ كُلِّهِ»([154]).

ما الأساس الذي قامت عليه هذه الأفضليّة؟

 من البديهي أنّ إخلاص أمير المؤمنين× وسيّد المخلصين وإمام الموحّدين، أكمل مراتب الإخلاص وأعلى درجاته. عندما لا يكون هناك طمع ولا خوف في الإيمان وتركه، غير الله ومن الله، كان هو أوّل من أجاب دعوة النبي’ بإخلاص واعتنق الإسلام، رغم أنّ هذا التعبير غير ملائم إلى حدّ ما مع حقيقة أنّ علياً×كان مؤمناً بالله ورسوله’ قبل البعثة في العوالم السابقة؛ ومع الحقيقة التي ذكرت في الروايات الصحيحة والمعتبرة عنه× أيضاً، حيث قال:

« أنا أوّل من صلّى مع رسول الله ’»([155]).

ولا تتناسب مع الحقيقة الظاهرة في أنّه× كان يسمع صوت الوحي في قول النبي’ له:

«إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَی مَا أَرَی، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبيٍّ»([156]).

إنّ جميع مشاهد ومواقف أمير المؤمنين× في عصر النبي’، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، كانت مشاهد إخلاص وصدق وإيمان بالله سبحانه وتعالى.

وهكذا موقف أهل البيت والأئمّة الطاهرين^ كلّ منها يظهر إخلاصهم في سبيل الله.

فأدعيتهم وأحوالهم المختلفة كلّها تعبير عن الحقيقة المذكورة في الآية الكريمة:

(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ )([157]).

ومن المظاهر البارزة لهذا الإخلاص، استعداد سيّد الشهداء× لنيل الشهادة دون قيد أو شرط، إذ من البديهي أنّ الإنسان الذي يسلّم قلبه لموت محقّق، واستشهاد أكيد في سبيل مقصده وهدفه ومحبوبه، ويُقدِم على الموت بقدميه، مرحّباً به مع إمكان حفظ حياته، يكون قد أظهر بذلك أعلى وأسمى علامة للإخلاص، فالإمام الحسين× وأصحابه كلّهم ضحّوا بالنفوس، واستقبلوا الموت وعانقته أرواحهم.

أولئك العظماء الذين وصفهم الحسين× بقوله: «فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى، ولا خيراً من أصحابي»([158])، يتسابقون للشهادة، ومن وُفّق لنيلها منهم يوصي الآخرين بالشهادة في طريق الحسين×، وهذا الشعر المنسوب للإمام×، وإن لم يكن له فإنّ مضمونه يحكي عن حالته التي كان عليها، وكأنّي به يقول:

تَرَكْتُالنَّاسَطُرّاًفيهَواكَا

 


وَأَيْتَمْتُالْعِيَالَلِکَيْأَرَاكَا

وَلَوْقَطَّعْتَنِيفِيالْحُبِّإِرْباً

 


لَمَا حَنَّالْفُؤادُإِلَیسِوَاكَا

وكم هو جميل الوصف الوارد في هذين البيتين بحقّ أصحاب سيّد الشهداء×:

قَوْمٌ إِذَا نُودُوا لِدَفْعِ مُلِمَّةٍ
لَبِسُوا الْقُلُوبَ عَلَى الْدُّرُوعِ وَأَقْبَلُوا

 


وَالْقَوْمُ بَيْنَ مُدَعَّسٍ وَمُكَرْدَسِ
يَتَهَافَتُونَ عَلَى ذَهَابِ الْأَنْفُسِ([159])

اَلسَّلَامُ عَلَی الْحُسَيْنِ، وَعَلَی عَليِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلَی أَوْلَادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلَی أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

إلفات إلى نقطة هامة

من الأمور التي يلزم الاهتمام بها في باب إخلاص النيّة، هو: إخلاص النيّة عند أداء العبادات، وكلّ عمل تكون غاية الإنسان منه رضا الله تعالى والتقرّب منه، ولا يتحقّق فيما لو قصد منه فوائده غير القريبة ومعطياته المادّية والدنيويّة؛ وعلى سبيل المثال: لو صام قاصداً ما يترتّب على الصوم من نتائج صحّية فقط، أو ضمّ قصده هذا إلى قصد القربة لله، فإنّ عمله لا يكون صحيحاً. طبعاً هناك الكثير من الأحكام فيها مثل هذا النوع من الحِكَم والفوائد الدنيويّة الجسميّة والمادّية، ولا يوجد في الشريعة حكم لا يتضمّن جلب مصلحة أو دفع مفسدة، وما ينبغي على الإنسان أنّه إذا أراد الأجر والتقرّب إلى الله تعالى لابدّ أن يأتي بالعمل بقصد الطاعة، وامتثال أمر الله تعالى. وعلى هذا لا نجد العبد الواقعي في مقام إطاعته وامتثاله لمولى الكائنات يسأل عن الفلسفة والفائدة الكائنة من وراء الأمر، ولا شأن له بذلك أساساً. 

لاريب أنّ في العلم بفلسفة الحكم وحكمته فائدة علميّة، ومنفعة في تقوية الإيمان والاعتقاد بأحكام الشرع وزيادة في المعرفة واليقين، ولكن شرط العبوديّة في مقام الامتثال والطاعة عدم المسألة عن غرض المولى وغايته من العمل؛ لأنّ ذلك يتنافى مع كمال الإخلاص والعبوديّة، فهنا كلّما كان التسليم والانقياد أشدّ كان العمل أكمل وعلامة العبوديّة أرفع وأسمى. 

كما أنّ الخليل إبراهيم× عندما أبلغ ابنه بأمر الله تعالى بالـ(ذبح) أجابه مباشرة ودون تأخير: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ)([160]).

لم يسأل عن الفلسفة والحكمة والمصلحة من وراء ذبحه، وإنّما أجاب من لحظته إفعل ما أُمرت به.

واحدة من خصوصيّات إيمان أمير المؤمنين’ التي امتاز بها عن غيره من الصحابة، هي أنّه كان يعيش التسليم التام والمحض إزاء أوامر الرسول’ وقراراته، ممتثلاً للأمر دون سؤال، بينما هناك من الصحابة من يُعمِل ذوقه ورأيه الشخصي، محاولاً إبراز وجوده إلى درجة الاعتراض، وردّ أمر النبي’ بكلّ جرأة وصلافة، وقلّة أدب وعدم تسليم.

علي× كان فانياً في حقيقة الرسول الأكرم’ وروحه، وكمال علمه وعمله وشخصيّته، ومؤمناً واقعيّاً بقوله: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)([161])، وفي أعلى مرتبة للإخلاص، ملتزماً ومتقيّداً بضوابط العبوديّة وشروطها.

المتبقي من المقطع

المتبقّي من الدعاء في هذا المقطع تضمّن طلب النور في البصر والبصيرة في الدين، والاستفادة من الجوارح والتمتّع بها، وأمور أخرى، ولعلّ من أهمّها البصيرة القلبيّة والوعي الباطني والعلم والضمير الحي، ممّا يتأتّى بتوفيق الله نتيجة التفكّر في آثار القدرة الإلهيّة، والعبادة والإطاعة والتوجّه؛ لأنّ جذور ذلك موجودة في فطرة الإنسان، وهي:

(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)([162]).

  ولكن هذه الفطرة لابدّ من تنميتها بقبول الهداية العقليّة والشرعيّة. إذ بهذه البصيرة يشاهد الكمّل من الناس باطن الأشياء التي تُرى بالبصر الحسّي والعين الباصرة. فحينما يرى الآخرون ظاهر الأشياء في هذا العالم، يشاهد أولئك باطن هذا العالم وغيبه، ورؤيتهم تنفذ من المحسوس لتعبُرَ إلى المعقول، فيعرفون الله، ويأخذون الدروس والنصائح ممّا يشاهدونه.

وكما قال أمير المؤمنين×:

«إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَی بَاطِنِ الدُّنْيا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَی ظَاهِرِهَا»([163]).

هذه البصيرة إن أخذت بالاتساع فإنّها ستجعل أفق فكر الإنسان ودرجته أعلى وأرفع وأكثر حيويّة، فالبصر الحقيقي ما كان توأماً مع هذا الوعي، وإلاّ أصبح الإنسان مصداقاً لهذه الآية:

( ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)([164]).

يرى بعينه ولكنّه لا يدرك ولا يفهم، كالبهيمة التي تجد نفسها وسط مرج صحراوي مليء بالبرسيم، لا تفهم سوى الاجترار، فلا تفكّر بأيّ شيء، فلا تعرف العشب ولا خواصّه أو مضارّه، ولا من جاء به ومَن أنبته، وكلّ همّها الأكل لا غير، فلا العشب يَعِظُها ولا البستان ولا الحقول الخضراء تَنصَحها، ولا تعرف شيئاً عن بداية نشأته، ولا عمّا يؤول إليه مصيره.

لقد أكّد القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بشكل واسع على يقظة الضمير، ووعي الباطن، وصحوة الشعور. وكلّ شخص كان أعمى البصيرة في هذه الدنيا يُحشر في تلك الدنيا أعمى أيضاً، كما جاء في قوله تعالى:

(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ )([165]).

هذا العمى ليس عمى العين المادّية، بل عمى عين القلب وبصر الباطن، وفي آية أخرى يقول:

(ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ * ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ *ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)([166]).

 يطلب الإمام×ـكذلكـفي هذا الدعاء: أن يجعل سمعه وبصره الوارثين منه.

وهذه الرغبة والحاجة ورد ذكرها أيضاً في أدعية أخرى، والظاهر أنّ المقصود بها: لا تسلبني العقل والبصيرة والإدراك والفهم حتى اللحظة الأخيرة من حياتي، وأن يبقى وعيي وإدراكي حتى بعدما تسلبني جميع قواي وأعضائي؛ لأنّ الإنسان في هذه الصورة سيبقى حاكماً على نفسه، مختاراً إلى آخر عمره، على عكس ما لو سُلب عقله وفهمه، فسيكون أمره بيد الآخرين. إنّ الحياة بدون نعمة العقل والوعي تصبح ـ رغم ما في النظام العام من مصالح وحكمـبلا محتوى، وفارغة من السير والسلوك المعنوي، والسعي لكسب الأجر والثواب.

 


 

المقطع الرابع: الرعاية الربوبية والخوف من الله

 

 

 

 

 

 

 

المقطع الرابع

الرعاية الربوبيّة والخوف من الله

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 


«اَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً... لَكَ الْعُتْبَى لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى قَبْلَ ذَلِكَ»([167]).

أحياناً يتوسّل الإنسان في سبيل تحقيق رغباته وحوائجه من الآخرين بتذكيرهم بالأواصر والعلاقات الحميدة القائمة فيما بينهم وبينه، ترغيباً لهم في تحقيق طلباته أو تناسباً لحالهم وشأنهم؛ فيذكّر بما تلقّاه منهم وما قدّمه لهم. والخلاصة: أنّه ينبّه إلى الحقوق التي كانت بينهم وقد راعاها بدوره، مناشداً الطرف الآخر وحاثّاً إيّاه بأن يقابله بالمثل، فيحسن إليه ويحقّق له مطالبه.

طبعاً ذكر الإحسان الذي يقوم به الإنسان للآخرين ليس مقبولاً أخلاقيّاً، ولا يخلو من شوائب المنّ والعُجب والتعظيم، وشرط الأدب والخلق الرفيع نسيانه واحتقاره، ولكن التذكير به قد يصبح مناسباً لبعض الدواعي، كترغيب الطرف المقابل بالقيام بما عليه.

وبعبارة أخرى: إن قصَدَ بذكر الإحسان والفضل، المنّ والفخر والمباهاة وتعظيم نفسه وتحقیر الآخر وأمثال ذلك، كان أمراً غير محمود. ولا مانع من ذلك فيما لو نشأ من دواعي صحيحة ومشروعة، بل قد يكون راجحاً في بعض الموارد. هذا هو السائد بين الأفراد أنفسهم.

أمّا بين العبد وربّه، والمخلوق والخالق؛ فالعبد كلّه فقر وعوز واحتياج لله من رأسه إلى أخمص قدميه، والله كلّه غنى وعدم حاجة إلى أيّ أحد وإلى أيّ شيء. واحد أحد قادر غنيّ بالذات، فماذا يتبقّى للعبد من إحسان وفضل له على الله حتى يذكّر به حينما يكون في مقام الدعاء وطلب الحاجات؟! عبد فقير بالذّات، لا يملك شيئاً، ولا يمكنه أن يعطي لله شيئاً، فالله هو المعطي، وهو الرازق، وهو الخالق، وهو الكريم وذو الإحسان، وهو الستّار والغفّار، وهو العليم، وهو العالم، وهو الرحيم، وهو الرحمن، وهو الشافي، وهو المحسن. وخلاصة الكلام: إنّ جميع صفات الكمال والأسماء الحسنى مختصّة بذاته الجليلة، وجماله الجميل.

أيّ سابقة هذه التي يذكرها العبد مع هذا الإله المتفرّد والمتّصف بكلّ الصفات الجيّدة؟! تنعّمه بنعمه وهباته وعطاياه وأفضاله، أو نعمة خلقه ووجوده، أو نعمة بصره وسمعه، أو نعمة اعتدال جسمه وروحه، أو نعمة العافية والحفظ من البلايا، أو نعمة الهداية، أو نعمة التوفيق للإحسان، أو نعمة الجمال واعتدال الجسد، أو نعمة الغذاء والماء والثياب، أو نعمة الغنى عن غيره، أو نعمة الستر على الخطايا والزلّات، وآلاف الآلاف من النعم الأخرى التي نجد في هذا الدعاء عدداً منها كنموذج على ذلك.

أكثر العباد ليس لهم سابقة مع الله غير تلقّي العطايا والتنعّم بالهبات، وعدم أداء حقّ شكرها، بل وكفرانها؛ ورغم أنّ الحكمة ومعرفة الله وعبادته وشكر نعمه هي من سوابقه أيضاً، ولكنّها هيـأيضاًـمن نعمه وهباته وعطاياه؛ إضافة إلى سائر النعم الأخرى التي يتمتّعون بها.  

ذكر الله ومعرفته مبعث لطمأنينة الروح والنفس، فبذكر الله يتخلّص العبد من نار الحيرة واليأس والقنوط، وتصبح الحياة باغتنام تلك النعم وآلاف النعم الأخرى ممتعة وذات معنى.

 ولو افترضنا أراد عبدٌ التوجه لله بهذا الفقر المتمحّض بالضعف والحاجة والفاقة، والحضور بين يدي الله، داعياً إيّاه، طالباً منه ما أهمّه من حاجاته، سائلاً إيّاه شموله بغناه، وهو بمنتهى الحاجة والعوز، والأماني تغطيه من رأسه إلى أخمص قدمه، ليس له على الله دين كما قيل، لا على مستوى اللغة ولا غيرها.

فإن كان عارفاً بالله فإنّه بدل أن يأتي على ذكر سوابقه مع الله ـ التي لا توجب حقّاً على الله أبداً، وإنّما هي نفسها سبب لثبوت حقوق أخرى لله على العبد ـ سيستذكر أيادي الله عليه، ونعم الله وبركاته التي شملته، فيدعو الله بأسمائه الحسنى، وأنّه أرحم الرّاحمين، وقاضي الحاجات، وكافي المهمّات، سريع الرّضا، الرزّاق، اللطيف، المنعم، المفضل، المكرم، المعطي، قديم الإحسان، ويتضرّع إليه، ويلحّ في طلب حوائجه كمن كان دائناً ويصرّ، ويرى أنّ مقابله ملزم على القيام بذلك، هكذا ينبغي أن يطلب حاجته من الله المنزّه عن أيّ إلزام من قبل الآخرين ؛ لأنّ صاحب هذه الأسماء والصفات هو فقط ولا غير، وليس أمام عبده سبيل إلّا طرق بابه، وعرض حاجته بين يديه، وهو بمقتضى هذه الأسماء والصفات التي من جملتها الإرادة والقدرة والسلطة اللامتناهية، يستمع إلى دعاء عبده، ويكون قريباً منه، ويعلم حوائجه، ومحال على الله أن لا يسمع عبده، ولا يكون قريباً منه، ولا يعرف أحواله.   

فيطلب العبد من الله بهذه الأسماء والصفات وتلك النعم الإلهيّة المسبوغة عليه الآن وفيما مضى. ويعلم الجميع أنّ الكلّ طالب لله، ولا مطلوب لهم غيره، فهو مطلوب الجميع بالذات، كما أنّ الكرم والإحسان والرحيميّة والرحمانيّة والمنعميّة، وجميع الصفات ذاتيّة له؛ لأنّه حتى الصفات الفعليّة ستنتهي أيضاً إلى إحدى تلك الصفات الذاتيّة.     

وعلى هذا الأساس، فإنّ العبد العارف بالله على علم تام بضرورة أن يرفع يديه إليه بالدعاء، فهو الكريم الرحيم الغفور الودود.


كَرَمش نامتناهی نعمش بیپايان

 


 


هيچ خواهنده از اين در نرود بیمقصود([168])




ومستمسكه في ذلك، هو وصف الله تعالى نفسه بهذه الصفات، حتى يلتمسه عباده، ويطلبون ويرجون منه، وهو يعطيهم ويفيض عليهم.

(ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ )([169]).

ولاريب ولا شك أنّ الله لا يخلف وعده، فالداعي حين يقدم نحو بابه متمسّكاً بذلك يدعوه متيقّناً من الإجابة.

بعد هذه المقدّمة التي كانت طويلة نوعاً ما، يعلم بشكل جلي شأن هذا المقطع من دعاء عرفة الخاصّ بالتمسّك بنعم الله تعالى.

فإنّ الإمام× في هذا المقطع من الدعاء يحمد الله ويثني عليه؛ لأنّه هو خالقه الذي أنعم عليه، وجعله سميعاً بصيراً، وخلقه معتدلاً سويّاً رحمة به، بيد أنّه غني عن خلقه.

طبعاً إنّ نعمة استواء الخَلق والخُلق واحدة من أكبر نعم الله، ومن الآيات الكبرى الدالّة على العلم والحكمة واستقامة الخلق، ويتكفّل علم تناسب الأعضاء ـ وهو علم ممتع ولطيف ـ ببيان هذه الجنبة، حيث يلفت إلى دقائق ونقاط عجيبة جدّاً.  

بداهة أنّ هناك الكثير والكثير جدّاً من الأمور في حياة الإنسان مازالت مجهولة، رغم كلّ هذه المعلومات الهائلة التي توصّلت لها البشريّة حول تناسب الأعضاء ومدى الدقة التي أُعملت فيها. والأهمّ من هذا كلّه مسألة ارتباط هذه الأعضاء بالروح والنفس والحقيقة الإنسانيّة.

والحاصل: إنّ كلّ ما كان لازماً للإنسان، أو يلزم منحه إيّاه، قد منح له تعالى، وهكذا المخلوقات الأخرى من حيوان ونبات وغيرهما، فإنّها كلّها تامّة وكاملة الوجود، بحيث يُشاهد تناسب الأعضاء والأجزاء فيها، بل في العالم بأسره، كما جاء في القرآن المجيد على لسان موسى× في جوابه على سؤال فرعون، حين قال:

(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ )([170]).

أجاب موسى×:

(ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ )([171]).

وقصد بالهداية هنا إمّا التكوينيّة فقط، وإمّا التكوينيّة والتشريعيّة.

وكم هي جميلة ومناسبة للمقام تلك الأشعار التوحيديّة التي أنشدها والدي([172]) المرحوم آية الله محمد جواد الصافي+ في بيان نظم وتناسب أجزاء العالم:

خداوند قديم فرد بیچون

 


فرحبخشيده دلهای محزون

چنان داده نگارش اين جهان را

 


كه بِه هرگز نيايد زان گمان را

از او عالم شده انسان منظّم

 


كه نه در او زياد ونه در او كم([173])

الرعاية الربوبيّة

الإمام الشهيد× وكأنّه يذكر مقدّمات أو وجوهاً لإجابة دعائه، فيستذكر الرعاية والألطاف الربوبيّة بشأنه:

«رَبِّ بِمَا بَرَأْتَني فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِي، رَبِّ بِمَا أَنْشَأْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي، رَبِّ بِمَا أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَفِي نَفْسِي عَافَيْتَنِي رَبِّ...»([174]).

يا لها من جمل جذّابة مبهجة للروح. وكم هو ممتع للضمير مناداة الله والثناء عليه بمثل هذه الكلمات.

والحقيقة هي أنّنا لا نؤدّي شكر نعمة الإمامة والهداية والولاية للأئمة^ أبداً؛ ذلك أنّنا لو لم نهتد لإمامتهم لما كان لنا أن ندرك جميع هذه المعارف التي ورد جانباً واسعاً منها في هذا الدعاء. فأخذ الإمام× يدعو قائلاً:

«ربّ، بما برأتني فعدّلت فطرتي.

ربّ، بما أنشأتني فأحسنت صورتي.

ربّ، بما أحسنت إلي وفي نفسي عافيتني.

ربّ، بما كلاتني ووفّقتني.

ربّ، بما أنعمت عليّ فهديتني.

ربّ، بما أوليتني ومن كلّ خير أعطيتني.

ربّ، بما أطعمتني وسقيتني.

ربّ، بما أغنيتني واقنيتني.

رب، بما أعنتني وأعززتني.

ربّ، بما ألبستني من سترك الصافي ويسّرت لي من صنعك الكافي».

 بعد هذه الخطابات الجذّابة والعرفان بالجميل، التي يعدّ كلّ منها غذاء للروح وقوّة للعقل، وبعد بيان هذه الأمور والألطاف الإلهيّة، والإقرار بنعمه تعالى، والاعتراف بالضآلة التي هي من أسباب استجابة الدعاء، يفتتح مطالبه بطلب الصلوات على محمد وآل محمد^؛ لأنّها دعاء مستجاب ـ فهي بلحاظ بعض معانيها، دعاء لعامّة البشر، بل لخصوص أمّته’ وشخص الداعي ـ يقتضي استجابة سائر الأدعية، طبق صريح الآية الكريمة:

(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ )([175]).

إنّ الصلوات مأمورٌ بها في الجملة، واستحبابها وتأكيد رجحانها المطلق، ثابت ومسلّم، وفضائلها وفوائدها كثيرة، وقد ورد الترغيب بها في الأحاديث الشريفة المرويّة في كتب الشيعة والسنّة، وبخصوص كيفيّتها جاء الأمر بذكر (الآل) بحيث إنّ التشهّد في الصلاة الواجبة لو فرغ من الصلاة على النبي وعلى آله^، لنقصت الصلاة وبطلت، بل قد نهي عن الصلاة على النبي دون ذكر آله، لكنّه من المؤسف جدّاً ما جرت عليه سيرة أبناء العامّة بتركهم الصلاة على آل النبي، مخالفين بذلك رواياتهم وأمر النبي’، واقتصارهم في الكلام والكتابة بعد ذكر النبي على قول «صلى الله عليه وسلّم» بدون «وآله»، والتمسّك بهذه الطريقة وهذا النهج المعوج، قدحٌ برسول الله’، وتجهّم له، واتّباع وطاعة لمعاوية وبني أميّة والنواصب.

فيا من تدّعي حبّ أهل البيت^، ولا تناصبهم العداء، ولست ممّن يقول:

السنّي لا يكون سنّياً إن لم يكن لديه قليل من بغض أهل البيت!  لماذا تتمسّك بهذه الشعارات الباطلة والمهينة لمقام الرسالة والنبوّة؟!

 ومن المؤسف كذلك أنّهم يحرصون بعد قراءتهم للقرآن المجيد على الاكتفاء بقول: «صَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ»، ويأبون عن ذكر صفة: «العَلِيّ» رغم أنّ ما ورد في القرآن المجيد هو (ﭩ ﭪ)([176])، وما ذلك إلاّ لأنّ اسم الإمام علي× مطابق لاسم العلي.

إن استطاع هؤلاء المبغضون لأهل البيت^ أن يحذفوا العلي، فليحذفوه ـ وأنّى لهم ذلك ـ من أسماء الله الحسنى، وكذلك من إحدى وعشرين آية من القرآن الكريم، مثل قوله:

(ﭨ ﭩ ﭪ )([177]).

(ﮂ ﮃ ﮄ )([178]).

(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ) ([179]).

 (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)([180]).

على هؤلاء الذين يصرّون على الالتزام والمواظبة على مثل هذه التصرّفات العدائيّة لأهل البيت والعترة الطاهرة^ أن يضعوا بحسبانهم ما قاله النبي’ لعلي×:

«لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنافِقٌ»([181]).

وما روي عن شخصيّة بارزة من صحابة النبي’، وهو جابر بن عبدالله الأنصاري، حيث قال:

«مَا كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقينَ إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيّاً»([182]).

وقول بعض الأصحاب بشأن هذه المسألة:

«كُنَّا نُبَوِّرُ أَوْلَادَنَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللّٰهِ’ بِحُبِّ عَلِيٍّ»([183]).

على هؤلاء المبغضين للإمام علي× الالتفات إلى أنّ تمسّكهم بهذه السيرة وهذه الطريقة المجانبة للحقّ، وإصرارهم عليها، يفضي بضرورة مراجعتهم لطهارة مولدهم.

على أيّة حال، فإنّ (الصلوات) أحد الأذكار المهمّة ذات الفضل والفضيلة البالغة، وقد أُلّفت الكتب فيها، وفي معنى صلاة الله عليهم، وفي الصورة المتنوّعة للصلوات المأثورة، وأقوال العظماء والبلغاء نظماً ونثراً.

في المقاطع المقبلةسنعيد الحديث ـأيضاًـفي هذا الصدد، لكن الغرض هنا هو أنّ الصلاة على النبي’ وآله^ ذكر لله والرسول وأهل البيت^ ودعاء لهم، وطلب للصلاة من الله عليهم. وعلى أساس ما حقّقناه، وما تمّت الإشارة إليه، وهو أنّ الأدب والتعظيم والدعاء كما يوجب مزيداً من ارتفاع درجاتهم الساميَّة، كذلك يعدّ في نفس الوقت دعاء للمصلّي عليهم، بل ولغيره أيضاً، إذ كلّما صلّى عليهم أكثر زاد الفيض الإلهي على الناس وعلى الخلق. مضافاً إلى هذه الجهات، فإنّها توجب استجابة الأدعية الأخرى التي يُدعى بها بعدها، كما ورد في الروايات، قريب من هذا المضمون: «من كانت له إلى الله} حاجة، فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإنّ الله} أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط، إذ الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه»([184]).

وكيفما كان، فقد شرع بعد الصلوات بالدعاء وطلب الحاجات، وأخذ يدعو الله على أن يعينه على بوائق الدهور وصروف الليالي والأيام، والنجاة من أهوال الدنيا وكروب الآخرة، وأن يكفيه شرّ ما يعمل الظالمون وما يخاف ويحذر، وأن يحرسه في نفسه ودينه، ويحفظه في سفره وفي أهله وماله، ويدعو لهم بالبركة والرزق، والإحساس بالذلّة في نفسه وتعظيمه في أعين الناس، وأن لا يخزيه الله بسريرته، وأن لا يسلب منه نعمه، وأن لا يكله إلى غيره؛ لأنّه عبده، وهو خالقه.

 فإنّك إن وكلتني إلى غيرك، وغيرك تحت رعايتك لن يكون بعطفك وحنانك ورحمتك وإحسانك، تريد خيري وما فيه صلاحي، لا تغيب عنّي ولا يغيب حالي عنك، فأنت عالم بما فيه خيري ومنفعتي، وما فيه ضرري وأذاي، وليس ذلك كلّه إلاّ لك أنت.

إلى من تكلني؟ إلى قريب فيقطعني، أم إلى بعيد فيتجهّمني، أم إلى أولئك المستضعفين لي؟ فكلّ من وكلتني إليه، وجعلت له الولاية عليّ إن لم يكن تحت رعايتك وحمايتك الخاصّة، فإنّه لا يقوى على ذلك؛ لأنّه مثلي محتاج لمن يرعاه، كما أنّه لن يكون حامياً وحارساً موثوقاً مصوناً عن الخطأ والاشتباه.

فاشملني بعنايتك، ولا تكلني إلى نفسي، ولا إلى غيري ممّن لم يكن من عمّال إرادتك، ولا يمتلك معنى حمايتك إن أصبحت في كنفه. 

الخوف من غضب الله

مسألة أخرى وردت في هذا المقطع من الدعاء، وهي الخوف من الله، وأنّ العبد العارف بالله يجب أن يكون دائماً في حالة خوف من غضب الله، حَذِراً في تصرّفاته؛ مخافة أن يصدر منه ما يستوجب غضبه تعالى الذي لا طاقة للسماء والأرض وجميع الخلق على تحمّله، كما جاء في دعاء كميل:

«وَهَذَا مَا لَا تَقُومُ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ»([185]).

إنّ غضب الله لا يشبه غضب العباد الذي ينشأ من الأحاسيس والانفعالات المتشدّدة الافراطيّة والأحقاد التي لا مقياس ولا حدّ ولا حصر لها. غضب الله غضب الحقّ، فلو تصرّف شخص بنحو جعله عرضة لغضب الله تعالى، فمعناه أنّه قد بلغ من الطغيان والغطرسة مرحلة في غاية الخطر.

قد يرتكب الإنسان أحياناً معصية في ظروف خاصّة، كما يقول سنائي بالفارسية: «بيابان بود وتابستان وآب سرد واستسقا»([186])، لكنّه بعدها يخجل من نفسه، ويرى العار بأمّ عينه، ويتمنّى لو أنّه لم يرتكب ذلك الذنب ـ بأيّ نحو كان ـ ولم تتلوّث ثيابه بوصمة العار، مثلما جاء في دعاء أبي حمزة:

«إِلَهِي لَمْ أَعْصِكَ حِينَ عَصَيْتُكَ وَأَنَا بِرُبُوبِيَّتِكَ جَاحِدٌ، وَلَا بِأَمْرِكَ مُسْتَخِفٌّ، وَلَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَلَا لِوَعِيدِكَ مُتَهَاوِنٌ، لَكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ‏ وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي،‏ وَغَلَبَنِي هَوَايَ، وَأَعَانَتْنِي‏ عَلَيْهَا شِقْوَتِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمُرْخَى عَلَيَّ»([187]).

فهذا العاصي لم يستخفّ بأمر الله، ولم ينكر ألوهيّة الله ولا عقابه تعالى، ولم يعصه لعدم اعتنائه، ولا لأنّه لم يكترث لتحذير الله ووعيده؛ وإنّما طغت غريزته وضعف أمامها في ظرف خاصّ، وغلبه الشيطان وهوى النفس، وما تزال سريرته سريرة المؤمنين لمّا ارتكب تلك المعصية.

من الواضح أنّ مثل هذه الذنوب لا يمكن الادّعاء بأنّها توجب العذاب، وتكون مصداقاً لقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)([188])؛ لأنّ مرتكبها يتوب، ويشعر بالندم، ويستغفر الله ما دام حيّاً.

وأحياناً يحدث العكس، يعني: أن يستخفّ الشخص بأمر الله، ولا يكترث لعذاب الله، وليس لديه من الدواعي الإلهيّة ما يحجزه عن ارتكاب الذنب، فمثل هذا النوع من الذنوب من الممكن ـ وفي بعض الحالات حتماً ـ يستلزم غضب الله.

وأوضحت الأحاديث، هاتين الحالتين هكذا:

«إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَرَى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ صَخْرَةٍ يَخَافُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرَ يَرَى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ‏ ذُبَابٌ‏ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ‏»([189]).

فالکافر يرتكب المعاصي دون تردّد، ولا يشعر بعدها بندم أو قلق.

أعزائي! يجب الحذر من غضب الله والخوف منه، واجتناب موجباته، وهي الذنوب، فقد جاء في الرواية: « إنّ الله خبّأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبّأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً، فلعلّ رضاه فيه، وخبّأ سخطه في معصيته، فلا تحقرن من المعصية شيئاً، فلعلّ سخطه فيه، وخبّأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحداً، فلعلّه ذلك الولي»([190]).

كما يجب اجتناب تحقّق غضب الله بمثل كظم الغيظ وإطفاء نائرة الغضب، كما يعبّر الشاعر(والعهدة عليه):

گفت عیسی را يكی هشيار سر

 


چيست در گيتی ز جمله صعبتر

گفت ای جان صعبتر خشم خدا

 


كه از آن دوزخ همی لرزد چو ما

گفت از خشم خدا چه بود امان

 


گفت كظم غيظ خود اندر جهان

من نديدم در جهان جستجو

 


هيچ اهليت به از خلق نكو([191])

نظراً لأهمّية غضب الله سبحانه، فلو لم يحلّ على الإنسان غضب الله، فلا يهمّه غضب غيره ولا يبالي به، وهذا ما ورد في الدعاء:

«إِلَهِي فَلَا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلَا اُبَالِي سِوَاكَ»([192]).

ما يستوجب طلب النجاة من غضب الله، ولو كان في ذلك غضب الجميع:  

«سُبْحَانَكَ غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي»([193]).

ولعلّ معنى هذا الكلام هو: وانزّهك واسبّحك غير أنّ عافيتك أوسع؛ لأنّها تصونني عن غضب الآخرين.

 ثمّ تابع الدعاء متضرّعاً:

«فَأَسْأَلُكَـيَا رَبِّـبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَكُشِفَتْ([194]) بِهِ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، أَنْ لَا تُمِيتَنِي عَلَی غَضَبِكَ، وَلَا تُنْزِلْ بِي سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبَی لَكَ العُتْبَی حَتَّی تَرْضَی قَبْلَ ذَلِكَ»([195]).

فيسأل الله بنور وجهه، ولعلّ المراد من الوجه نفس ما قيل في تفسير: (ﮄ ﮅ ﮆ)([196])، بأن الوجه هو ذات ذي الجلال، ويحتمل الإشارة إلى ظهور علم وقدرة ذات الباري تعالى، الذي به أنار الأرض والسماوات، وأزال عنها الظلمات، ويحتمل أيضاً أنّه النور الذي به أصلح أمر الأوّلين والآخرين، ولعلّ المراد به النبي الأكرم’، ويحتمل أن يكون المراد كلّ عالم الخلق  باعتباره فعلاً إلهيّاً؛ إبداعاً وخلقاً.

كلّ واحد من هذه الوجوه مخالف لظاهر الدعاء بنحو من الأنحاء. كما لا يستظهر احتمال أن يكون المراد من النور هو فيض الوجود، والمراد من الظلمات ظلمات عدم الأشياء.

والحقّ أنّه لا يصحّ البتّ بصورة قطعيّة في تعيين المراد من مثل هذه الجمل التي ترد وسط الأدعية والروايات ظاهرة الدلالة، كالآيات المتشابهة التي ترد في وسط الآيات المحكمة. ولا يؤمن الوقوع بالخطأ والزلل عند تأويل ظاهرها اعتماداً على بعض المسالك والآراء كما هو دأب الصوفيّة وبعض الفلاسفة.

نعم، إن كانت الأدعية أو الروايات ظاهرة الدلالة، فهي ستقوم بتفسير وتوضيح معنى تلك الروايات، باعتبارها مرجعاً معتبراً، وإلّا فإنّ احتمال أيّ معنى للفظ مادام غير ظاهر فيه عرفاً ولا يفيده من تلقاء نفسه، لا يكون معتبراً، ولا يتعدّى عالم الاحتمالات. وكيفما كان، فإنّ الإمام× توسّل إلى الله بهذه الجملة من الدعاء، والتي معناها واضح بالنسبة له، بهذا النور الموصوف بهذه الصفات، سائلاً أيّاه أن لا يميته وهو غاضب عليه، ولا ينزل عليه سخطه: 

«لَكَ الْعُتْبَی لَكَ الْعُتْبَی حَتَّی تَرْضَی قَبْلَ ذَلِكَ»([197]).

 

 

 

 

 


 



المقطع الخامس: حرم الرحمة

 

 

 

 

 

 

المقطع الخامس

حرم الرحمة

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 


«لَا إِلَهَ اِلَّا أَنْتَ رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ... وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرَائِمَ مِنَحِكَ لَا اُحْصِيهَا»([198]).

يشرع هذا المقطع بالإقرار لله بالتوحيد والوحدانيّة من خلال هذه الأوصاف، بأنّه صاحب البلد الحرام (مكّة المكرّمة)، والمشعر الحرام، والبيت العتيق (الكعبة المعظّمة)، حيث يتّضح من خلال ما تضمّنته هذه الأوصاف من تعظيم وتبجيل وتكريم لمكّة وللمشعر والبيت، مطالب ومعارف كثيرة؛ لمعرفتها تأثير بالغ في كمال الروح، واطمئنان النفس، وتربية الإنسان، وتنمية قواه الفكريّة، وهي في ذات الوقت مربّية ومبهجة ومطهّرة للروح. 

 فكلّ ما في هذا المقطع يصبّ في قناة معرفة الله سبحانه، وبيان نعمه، وتربيته الكاملة، ورعايته وألطافه. وقد وصف الله} بأوصاف نشير أدناه إلى بعضها:

ـ بحلمه، يعفو عن الذنوب العظيمة.

ـ بفضله، يتمّ النعم ويكمّلها.

ـ بكرَمَه، يعطي الجزيل.

ـ يا عدّتي في الشدّة.

ـ وصاحبي في الوحدة.

ـ ووليّ نعمتي.

ـ ومنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان (والمراد به إمّا القرآن بأكمله، أو سورة الفرقان فقط)، ومنزل كهيعص، وطه، ويس، والقرآن الحكيم.

ـ وكهفي وملجأي حين تعييني السبل، وتغلق بوجهي الطرق رغم كثرتها، وأعجز عن سلوكها، وتضيق عليّ الأرض مع سعتها، ولولا رحمتك لكنت من الهالكين.

ـ وتقيل عثرتي وتسترني، ولولا سترك لكنت من المفضوحين.

ـ ومؤيّدي بالنصر على أعدائي، ولولا نصرتك إيّاي لكنت من المغلوبين.

ـ يا من خصّ نفسه بالسموّ والرفعة، فأولياؤه بعزّه يعتزّون.

ـ يا من جعلت له الملوك طوق المذلّة على أعناقهم، فهم من سطواته خائفون.

ـ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وغيب ما تأتي به الأزمنة والدهور.

ـ يا من لا يعلم كيف هو إلّا هو، ولا يعلم ما هو إلّا هو.

ـ يا من أرسل الرياح مبشّرات بين يدي رحمته.

ـ يا بدئ يا بديعاً لا ندّ له.

ـ يا دائماً لا نفاد له.

ـ يامن قلّ شكري له، فلم يحرمني.

 ـ وعظمت خطيئتي، فلم يفضحني.

ـ ورآني على المعاصي فلم يشهرني.

ـ يا من حفظني في صغري، يا من رزقني في كبري.

ـ يا من أياديه عندي لا تحصى، ونعمه لا تجازى؛ لأنّ المثاب لا يمكنه أداء حقّ المثيب خارج قدرته؛ مع غنى المثيب عنه وتنزّهه عن أيّ منفعة.

ـ يا من يعارضني بالخير والإحسان، وأعارضه بالإساءة والعصيان.

ـ يا من هداني للإيمان من قبل أن أعرف شكر الامتنان.

ـ يا من دعوته مريضاً فشفاني، وعرياناً فكساني.

ـ وجائعاً فأشبعني، وعطشاناً فأرواني.

ـ وذليلاً فأعزّني.

ـ وجاهلاً فعرّفني.

ـ ووحيداً فكثّرني، وغائباً فردّني.

ـ وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأني.

ـ وأجاب دعوتي، وستر عورتي، وغفر ذنوبي.

ـ ومن لا يعدّ أحد نعمه ومننه، ولا يحصيها.

هذه وغيرها من النعم الأخرى والصفات والأسماء الحسنى التي ذكرت في هذا المقطع، يوجب تكرارها والتأمّل والتفكّر فيها المزيد من المعرفة، والتوجّه إلى المبدأ، وتمنح الإنسان قوّة القلب والاطمئنان، وسكينة الروح، والحيويّة والتفاؤل، والنضج الإيماني، والنموّ الفكري.

لقد أتى الإمام× على ذكر أكثر هذه الأسماء والصفات والنعم بصيغة الخطاب، وأمّا ضوائقه وفقره وفاقته فجاء بها بضمير المتكلّم.

من الجلي أنّ ما نكتبه لا يعدو عن كونه استنتاجات من كلام الإمام×، وهي لا تعبّر عن مراده أبداً؛ لأنّ بياننا ـ وخصوصاً أنا الفقير قليل البضاعةـقاصر عن بيان رغباته ومراده، فكيف به مع أهداف الإمام× وغاياته العميقة التي يطال منها كلّ بمقدار فهمه وإحاطته العلميّة وبصيرته ومعرفته.

ومع ذلك يجب الوقوف عند كلّ جملة من جمل الدعاء، وكلّ فقرة من فقراته، وإمعان النظر والدقّة فيها، ونعلم ما تحمله هذه الأدعية من معارف ثرّة، تجعل منها بحقّ مصادر للمعرفة والتربية.

يجب أن نصف الله كما وصفه هؤلاء العظماء، وندعوه كما دعوه، وينبغي علينا بما لدينا من قدرة أن نراعي التوقيفيّة في الدعاء والمناجاة مع الله سبحانه، وأن نتحدّث إليه بالاصطلاحات القرآنيّة المأخوذة من النبي والأئمّة الطاهرين^، ونتجنّب الاصطلاحات المصطنعة والمختصّة باتباع فلاسفة اليونان، ومدّعي العرفان الكاذب، والشعراء والمتصوّفة؛ مخافة أن ندعو الله بأسماء غير مفهومة، أو باصطلاحات خاصّة لفرقة ما، أو متضمّنة للشرك والاتّحاد والحلول والأمور الباطلة.

إنّ طريقة معرفة الله والمنهج التعليمي الصائب هو ما كان عليه الأنبياء والرسل^ الذين بعثوا لدعوة الجميع من الخواصّ والعوامّ. فبدل أن نقضي العمر في مطالعة بعض الكتب الفلسفيّة أو العرفانيّة ـ المليئة بما لم نكلّف ببحثه، ولا الغور فيه، بل نهينا عن البحث والتعمّق في الكثير منه ـ يجب مطالعة كتاب الخلق والخليقة، وكما أَلفتَ إليه القرآن الكريم، حيث أمر بالتفكّر في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار وغيرها، والاستعانة بمطالعة الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة في تنمية المعرفة وإكمالها.

هذا هو الطريق الذي يتمكّن الجميع من سلوكه والوصول من خلاله إلى الله، سواء الراعي؛ وهو يرعى أغنامه في الصحراء، أم كبار العلماء على اختلاف صنوفهم من الأنسنة والحيوان والفلك و..، فيزيدون من معرفتهم. طريق سعته بعدد أنفاس الخلائق والكائنات في الأرض والسماء: «عَدَدُ الطُّرُقِ إِلَی اللهِ بِعَدَدِ نُفُوسِ الْخَلائِقِ».

قَالَ اللهُ تَعَالَى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ )([199]).

وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)([200]).

وأكثر حتى من أوراق الشجر الخضراء التي تمثّل كلّ واحدة منها كتاباً في معرفة الخالق. وأوسع من مليارات المليارات ومئة بليون خليّة من خلايا أبدان ملايين البشر والحيوانات والدواب. ذلك الطريق الذي قبلته الفطرة الطاهرة وتتقبّله.

الطريق الذي تكلّل أنبياء الله في سلوكه بالنجاح في هداية الناس إلى الله، وآمنت به مليارات الأمم، وما كان ليؤمن واحد بالألف من هذا العدد أبداً لو اعتمد الفكر الفلسفي وأقوال الفلاسفة المتضادّة والتناقضة والمعقّدة في تبليغ الدين.  

ذلك أنّ لغة الفيلسوف لم تصطنعها أمّة إلهيّة، ولم يوجدها مجتمع موحّد، بينما لغة الأنبياء والتي كانت أقواها وأتقنها وأنفذها لغة القرآن المجيد ولغة رسالة خاتم الأنبياء’ وأوصيائه^، تلك اللغة التي أنجبت هكذا أمّة، اتصفت بالثبات والمقاومة والصمود لأربعة عشر قرناً؛ متحدّية آلاف الحوادث والمؤامرات والحملات المرعبة والمجازر، فظلّت صامدة ثابتة، بل وتزداد يوماً بعد آخر سعة وعظمة.

إذا اجتمع الفلاسفة اليونانيّون والإسلاميّون الأوّلون والآخرون كلّهم على قلب واحد وبلغة واحدة، لن يستطيعوا أن يصنعوا بلغتهم الفلسفيّة أمّة أصغر وأصغر بمراتب من تلك الأمم، ويظهرون عجزهم، ويعلمون أنّ تلك الاستدلالات واللغة لا تصنع الإيمان، ولا الالتزام، وإن كانت مؤثّرة وفعّالة إلى حدّ ما، فإنّها لا تتجاوز الحدود الوجوديّة للفيلسوف نفسه، والقصّة التي اشتهرت بين ابن سينا وتلميذه بهمنيار خير شاهد على هذه الحقيقة.

إنّ الدعوة بلسان الوحي، ومن خالق الإنسان والمطّلع على جميع أوضاعه الباطنيّة والروحيّة، سيكون أثرها عامّاً جماعيّاً. طبعاً هذا لا يعني أن لا يكون هناك أفراد يبحثون عن الأعذار، وكما عبّر عنهم القرآن بموتى القلوب والموتى([201]) لبرّروا تصرّفاتهم التلقائيّة دون قيود وضوابط، وكلّما حاول الدعاة ثنيهم عن التعلّق بظواهر الحياة الدنيا ومتعها الفانية، والتوجّه إلى بواطنهم، لا يجدون منهم آذاناً صاغية، بل يغمضون أعينهم، ولربّما قاموا أحياناً بإثارة الشبهات والشكوك ـ والكثير جدّاً من هؤلاء ينتمون إلى المدارس الفلسفيّة السوفسطائيّة وغيرهم ـ لمواجهة الحقائق.

وبهذا تكون دعوة الأنبياء لهذه الطائفة إتماماً للحجّة عليهم، ولا ينشدون إيمانهم، كما ورد في القرآن المجيد:

(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)([202])، وقوله: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) ([203])، والمقصود قطع العذر.

إنّ دعوة الأنبياء وإنذارهم من أجل الوصول إلى نتائج إيجابيّة مختصّ بذوي الفطرة الحيّة، كما جاء التعبير القرآني:

(ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ )([204]).

(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) ([205]).

والحاصل: إنّ السلوك لله والخطى على طريق معرفته لا يستقيم بغير هذه الطرق الواضحة قرآنياً وعلى لسان الوحي والنبوّة والولاية، والتي هي طرق عامّة قائمة على أساس المنطق، ومقبولة لدى جميع الأذهان، بخلاف غيرها من الطرق التي لا تفيد الهداية العامّة للبشريّة جمعاء، مع أنّها ليست آمنة ومحصّنة من الانحراف والوقوع في المتاهات التي تحيل الوقت والعمر إلى تباب. وعليه، إذا انحرف الشخص فحتماً سيكون هو المسؤول عن ذلك، وليس معذوراً كائناً من كان، وإلى أيّ درجة بلغ من الفلسفة أو ما يسمّى بالتصوف.


 


منآنچهشرطبلاغاستباتوبرگفتم

 


 


توخواهازسخنمپندگير وخواهملال([206])

 







 


 


 


المقطع السادس: لسان حال العباد

 

 

 

 

 

 

 

المقطع السادس

لسان حال العباد

 


 


 

 

 


«يَا مَوْلَايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ ...، وَإِنْ تَعْفُ عَنّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ»([207]).

 ما يدفعنا إلى التأمّل والاهتمام بهذا المقطع تضمّنه لبيان بعض شؤون الألوهيّة والربوبيّة لله تعالى، وبعض صور وحالات فقر العبد وفاقته وحاجته إليه، والتذلّل في حضرته، والتضرّع إلى الله القادرِ القاهرِ الغني، واستذكار نعم الله ربّ العالمين على هذا العبد المحتاج، إلى درجة أن أعطاه كلّ ما لزمه وما يلزمه، وبلغ به إلى درجة أن أصبح لائقاً للتصرّف بعالم التكوين بإذن الله تعالى، ومسبّباً وعاملاً لمشيئة الله وإرادته، يسمع بسمع الله، وينظر بعين الله، ويتكلّم بكلام الله.   

لسانه لسان الحقّ، ويده يد الحقّ، وعينه عين الحقّ، ويكون مصداقاً لهذه الآية:

(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)([208]).

فتصدر منه الأفعال الإلهيّة بيد أنّه مخلوق لم يدّع حلولاً، ولا اتحاداً. 

جاء في الحديث القدسي أنّه:

«مَا يَتَقَرَّبُ‏ إِلَيَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَيْ‏ءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَأنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوافِلِ (بالنَّافِلَةِ) حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ إِذاً سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ؛ إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ‏»([209]).

والآن نستعرض فقرات الدعاء تلك المتضمّنة للأفضال والنعم الإلهيّة على العباد، ولنقرأها بدقّة.

«یَا مَوْلَايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ...  

ـ أنت الذي أنعمت.

ـ أنت الذي أحسنت.

ـ أنت الذي أجملت.

ـ أنت الذي أفضلت.

ـ أنت الذي أكملت.

ـ أنت الذي رزقت.

ـ أنت الذي وفّقت.

ـ أنت الذي أعطيت.

ـ أنت الذي أغنيت.

ـ أنت الذي أقنيت.

ـ أنت الذي آويت.

ـ أنت الذي كفيت.

ـ أنت الذي هديت.

ـ أنت الذي عصمت.

ـ أنت الذي سترت.

ـ أنت الذي غفرت.

ـ أنت الذي أقلت.

ـ أنت الذي مكّنت.

ـ أنت الذي أعززت.

ـ أنت الذي أعنت.

ـ أنت الذي عضدت.

ـ أنت الذي أيّدت.

ـ أنت الذي نصرت.

ـ أنت الذي شفيت.

ـ أنت الذي عافيت.

ـ أنت الذي أكرمت.

ـ تباركت وتعاليت، فلك الحمد دائماً، ولك الشكر واصباً أبداً».

في هذه الفقرات ـ وكما قرأنا ـ یعترف الداعي بكلّ هذه الألطاف الإلهيّة، وإحسان الله بعباده، وأنعمه المفاضة عليهم، محاولاً تعدادها بالتفصيل حتى لا يغفل عنها، ولا ينسى الله في جميع هذه الظروف والأحوال التي يكون فيها مشمولاً بلطفه وعنايته ورحمانيّته ورحيميّته.

في كلّ واحدة من هذه الفقرات يتمّ تجديد المعرفة بواحدة أو أكثر من الصفات أو الأسماء الحسنى، فيجدد معرفته ويزيدها طراوة.

 وحتى تتّضح الأبعاد المتنوّعة لهذا الدعاء، وتتبيّن معاني جُمَله، سنذكّر على نحو الفهرسة ببعض الأسماء الحسنى التي أُطلق أكثرها على الله سبحانه بلحاظ صدور فعل خاصّ منه، بهذه الكيفيّة:

«اَللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی ذُو الْمَنِّ وَالْإِنْعَامِ وَالْإِحْسَانِ، وَهُوَ الْجَمِيلُ الْمُفَضِّلُ، الْمُكَمِّلُ، الرَّزّاقُ، الْمُوَفِّقُ، الْمُعْطِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُقْنِي، وَالْآوِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، الْعَاصِمُ، السَّتَّارُ، الْغَفَّارُ، الْمُقِيلُ، الْعَزِيزُ، الْمُعِينُ، الْمُؤَيِّدُ، النَّاصِرُ، الشَّافِي، الْمُعَافِي، الْمُكْرِمُ، الْمُتَعَالِي».

وعند التأمّل سنجد أنّ إطلاق هذه الأسماء ـ والتي كلّها أسماء حسنى ـ على الله كان بلحاظ الأفعال الصادرة منهـسبحانهـالتي تمّت الإشارة إليها في فقرات هذا الدعاء.

كما نقرأ في هذا الدعاء بعض الفقرات المتعلّقة بالعبد واعترافه بأخطائه وزلّاته وقصوره في مقام العبوديّة والطاعة لله، وطلبه العفو والصفح حيث جاء فيه:

«ثُمَّ أَنَا ـيَا إِلَهِيـالْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْهَا لِي أَنَا الَّذِي أَسَأْتُ ... .

ـ أنا الذي أخطأت.

ـ أنا الذي هممت. ( لارتكاب المعاصي)

ـ أنا الذي جهلت.

ـ أنا الذي غفلت

ـ أنا الذي سهوت.

ـ أنا الذي اعتمدت.

ـ أنا الذي تعمّدت. ( في ترك طريقك)  

ـ أنا الذي وعدت، وأنا الذي أخلفت.

ـ أنا الذي نكثت.

ـ أنا الذي أقررت.

ـ أنا الذي اعترفت بنعمتك عليّ وعندي، وأبوء بذنوبي، فاغفرها لي يا من لا تضرّه ذنوب عباده، وهو الغني عن طاعتهم، والموفِّق مَن عمل صالحاً منهم بمعونته ورحمته.

«فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي وَسَيِّدِي»([210]).

  بعد معرفتنا بالله تعالى عن طريق أوصافه وأسمائه الحسنى التي وردت في الجمل المتعلّقة بمعرفة الله، يأتي الدور لهذه الجمل لنتعرّف إلى أنفسنا وموقعنا ومكانتنا من الله جلّ وعلا، واضعين نعمه وأياديه بالحسبان. وبحصول هذه المعرفة للنفس لدى الإنسان يتحقّق له أساس الكمال والسير والترقّي نحو الملكوت الأعلى، والقرب من الباري تعالى. 

في هذا السلوك الواعي، يكون الإنسان على إلتفات تامّ بأنّ جميع ما حصل له من توفيق وناله من خير وأُفيض عليه من نعم، بل كلّ ما لديه هو منه سبحانه، ولابدّ أن يطلب المعونة منه، ويكون هو موضع سؤله، فالكلّ فقراء محتاجون إليه، إذ ليس سواه ستّار للعيوب، وغفّار للذنوب.

وفي ذيل هذه الاعترافات، يتمّ مرّة أخرى إبداء تمرّدات العبد وتصرّفاته المخالفة لأوامر الله ونواهيه، والاعتراف والإقرار بها. وفي الواقع إنّ العبد يحاول من خلال هذا الإقرار بسوء صفحته عند الله طلب العفو والعذر منه، قائلاً:

«إِلَهِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأَصْبَحْتُ لَا ذَا بَرَاءَةٍ لي فَأَعْتَذِرَ، وَلَا ذَا قُوَّةٍ فَانْتَصِرَ، فَبِاَيِّ شَيْءٍ اسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلَايَ، أَ بِسَمْعِي، أَمْ بِبَصَرِي، أَمْ بِلِسانِي، أَمْ بِيَدِي، أَمْ بِرِجْلِي، أَ لَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلَايَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ».

«يَا مَنْ سَتَرَني مِنَ الْآبَاءِ وَالْاُمَّهَاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالْإِخْوانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي، وَمِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونِي، وَلَوِ اطَّلَعُواـيا مَوْلايَـعَلَيَّ مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي اِذاً مَا أَنْظَرُونِي، وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي»([211]).

ثمّ يُظهر الخضوع والمذلّة والمسكنة في الحضرة الإلهيّة، مؤكّداً علمه اليقيني بسؤال الله له عن عظيم ما ارتكبه، ولعلّ فيه إشارة إلى عدم مساءلته عن غير العظائم والأمور الكبيرة، أو إن تمّت مساءلته لا تكن بصرامة وبتشدّد في الاستنطاق، أو أنّ مساءلة الجميع ليست حتميّة، فثمّة أشخاص يُعفى عنهم، أو أمور يُعفى عنها، بخلاف الأمور الكبيرة والعظيمة، فإنّه سيتمّ السؤال عنها إن مات الإنسان دون توبة وتلاف لما فاته.

في هذه الفقرات تجسيد للعدل الإلهي، فإنّ عدله قائم كيفما عومل العبد، فإن عذّبه فبما أرتكبه العبد من الذنوب، وإن عفا عنه فبحلمه وجوده وكرمه تعالى؛ ذلك أنّه الحكم العدل الذي لا يجور، ولو عامل العبد العاصي بعدله لكان فيه هلاكه وخسرانه قطعاً، ولهذا ندعو:

«رَبَّنا عَامِلْنَا بِفَضْلِكَ وَلَا تُعَامِلْنَا بِعَدْلِكَ»

وفي مقام نيل عنايته وفضله تعالى، نقول:

«يَا كَرِيمُ يَا قَدِيمَ الْإِحْسَانِ وَيَا غَفَّارُ وَيَا جَوَادُ».

و نلتجأ في الدعاء على الظالم إلى اسمه العادل.


 


المقطع السابع:  سلامة الدين

 

 

 

 

 

المقطع السابع

سلامة الدين

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 


«لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ... وَأَسْعِدْنَا بِطَاعَتِكَ سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»([212]).

يشتمل هذا المقطع على كلمة التوحيد «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» مكررة اثنتي عشرة مرّة، إقراراً بالوحدانيّة لله، وتنزيهاً وتقديساً له من الشرك ومن كلّ نقص، علاوة على أنّ هذه الكلمة قد وردت في هذا الدعاء في مواضع أخرى أيضاً.

وعلى الرغم من أنّ أشهر وأفضل كلمة في مقام الإقرار بعقيدة التوحيد، هي هذا التهليل (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) حتى عرف واشتهر بكلمة «التوحيد». وهناك الكثير من الروايات قد وردت في فضلها، حيث جاء في الحديث الشريف: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَ أَفْضَلَ النَّاسِ ذَلِكَ‏ الْيَوْمَ‏ عَمَلًا إِلَّا مَنْ زَادَ»([213]).

وفي الحديث القدسي المعروف والمشهور بسلسلة الذهب؛ باعتبار أنّ الإمامالرضا×، روى تلك الرواية عن آبائه الطاهرين^، عن جدّه النبي’، عن جبرئيل، عن الله تعالى، أنّه قال:

«لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حِصْنِي، فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي»([214]).

كما أنّ الإقرار بالتوحيد بواسطة صيغ أخرى، مثل: «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» كاف أيضاً.

وأمّا السرّ وراء تكرار تلك الكلمة هنا، وكذا السر في الترغيب بتكرار كلمة التوحيد دائماً وفي كلّ يوم، هو ذلك الأثر الذي يحصل للنفس نتيجة تكرار هذا الإقرار، خصوصاً حينما يكون مع حضور القلب والتوجّه إلى المعنى، الأمر الذي يوجب أن يرى الإنسان نفسه في حالة حضور دائم، فلا يرى نفسه غائباً وخافياً على الله، ويراه بالمشاهدة القلبيّة.

وبشكل عام، فإنّ فوائد تكرار الأذكار والاستمرار بها والمواظبة عليها كثيرة جدّاً؛ وهل يتصور شيء أفضل للسان من الاشتغال بذكر الله والتهليل، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والصلوات، والمناجات، والدعاء وقراءة القرآن؟!

من الواضح أنّ روح هذه الأذكار، هو الذكر القلبي، خصوصاً عندما يريد الإنسان أداء واجب إلهي، أو ترك أحد محرّماته، ففي هذه الحالة تتأكد أهميّة الذكر، إذ إنّه موجب للحثّ والترغيب على طاعة الله واجتناب معصيته، ولهذا فسّرت بعض كتب التفسير قوله تعالى من سورة العنكبوت: (  ﯪ ﯫ ﯬ)([215])بأنّه ذكر الله في مثل هذه الحالات؛ لأنّ ذكر الله يقتضي البصيرة والتنّبه واستنهاض الفطرة ويقظة الضمير.

كما يقول تعالى في سورة الأعراف:

(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)([216]).

أي: يتحوّل باطنهم الشيطاني بعد ذكر الله فوراً إلى رحماني. وعلى هذا يتبيّن أنّ آثار الذكر الخفيّ والقلبي كثيرة وأساسيّة، ولكن لا يعني ذلك الاكتفاء بها؛ باعتبار أنّ توقّف الحكم بالإسلام والإيمان في الشريعة على الإقرار اللساني، وهذا الإقرار والاعتراف واجب، ومن دونه لا يحكم بإسلام أحد. إنّ الإلزام بأداء البرامج الشرعيّة من صلاة وصوم وحجّ وغيرها، متضمّن لهذا الإقرار والاعتراف من الأساس، ومن يرى الكفاية بالذكر القلبي والغنى عن هذه البرامج العباديّة، فقد وقع في الكفر المسلّم، الموجب للخروج من الدين أو البقاء خارجه.

إذن فالذكر اللساني لازم أيضاً ـ كما في هذا الدعاء وجميع الأدعية ـ وآثاره وبركاته عميمة، ومن بينها أنّه موجب لإعلان كلمة الحقّ، وإظهار الإسلام والتوحيد.

وبحسب قول الفخر الرازي أنّ الجهر بـ«بسم الله» كان مذهب علي بن أبي طالب’، وقد ثبت بالتواتر، وكحجّة على تأسّيه به وترجيح رأييه، يقول:

«مَنِ اقْتَدَی فِي دينِهِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبي طالِبٍ فَقَدِ اهْتَدَی» ([217]).

ولا منقبة للعبد أعلى وأكمل من كونه ذاكراً لله بالتعظيم، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، يقول: «يَا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرينَ»([218]).

يقول الفخر الرازي في ضمن استدلاله على الجهر ببسم الله:

«مَنِ اتَّخَذَ عَلِيّاً إِمَاماً لِدِينِهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَی فِي دِينِهِ وَنَفْسِهِ» ([219]).

إضافة إلى أنّ الإجهار بالتكبير والتهليل، إعلان عن الدين ووجود الإسلام، وتعظيم للشعائر، وموجب لحزن المشركين وتعاستهم، وتفاؤل المؤمنين وتشجيعهم وخوفهم القلبي من الله، وكما يقول تعالى:

(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)([220]) .

وفي آية أخرى يقول عزّ من قائل:

(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ )([221]).

وظاهر لفظ «ذكر» هو باللسان أيضاً، وعلى فرض كونه أعمّ، فلا يمكن تصور عدم حاجة أحدهما إلى الآخر.

وتجدر الإشارة هنا إلى موضوع آخر لا يخلو من فائدة، وهو أنّ بعض ولربّما الكثير، يرى أنّ كلمة التوحيد ومثل كلمة: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» و«لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» إنّما هي للإقرار بالتوحيد في العبادة، وأنّه لا معبود يستحقّ العبادة غير الله سبحانه؛ لاعتقادهم بأنّ المراد من «الاِله» هو المعبود، وما كان شائعاً في الجاهليّة لدى عبدة الأصنام، هو عبادتهم لغير الله، فلقد كانوا مشركين في العبوديّة فقط، دون الذات الإلهيّة والصفات الأخرى المختصّة بالله؛ من خالقيّة وقدرة، فلا يرون الأصنام شريكة له فيها.

وبناء على هذا، فإنّ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» هي للإعلان عن نفي أيّ معبود غير الله، وتعني بتعبير آخر: «لَا مَعْبُودَ إِلَّا اللهُ».

وقالوا في الحجّة على ذلك: والدليل على أنّهم ليسوا مشركين لا في الخالقية ولا في الذات، ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:

(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)([222]).

مثل هذا المعنى قد اتخذه الوهابيّة ذريعة لتوسعة معنى الشرك وإدراج مثل: مخاطبة الأنبياء والأولياء والاستشفاع بهم، وإقامة الأبنية على قبورهم! وبهذه الحجّة تذرّعوا لتخريب الكثير من المعالم التاريخيّة المهمّة للإسلام، والتي كانت مشاهد حاضرة وحيّة على صحّة تاريخ الإسلام، وأفقدوا التاريخ دعائمه وركائزه التي كان يمتلكها من شواهد وأدلّة وأمارات خارجيّة تشهد على صحّته في كثير من المواضع. وعملاً بهذه الطريقة وهذا البرنامج ـ الذي تمّ العمل به بأمر من صنّاع المذاهب الانجليز وبدعم من أسيادهم الحاليين (الأمريكان) ـ ارتكبوا جنايات بشعة، وحمّلوا الإسلام والمسلمين خسائر فادحة، لم يكن للاستعمار القدرةـأبداًـعلى تحقيقها بصورة مباشرة دون التخفّي بغطاء الإصلاح([223]).

 وفي الردّ على هذا الكلام ـ والذي مفاده: أنّ كلمة التوحيد تتضمّن الإقرار بالتوحيد في العبادة فقط، وأنّ بعض البرامج والسلوكيّات المشروعة التي جرت عليها سيرة المسلمين منذ عصر الرسالة إلى اليوم شركيّة ـ نقول:

أوّلاً: إنّ مجرّد عدم إنكار مشركي العرب لله، لا يمكن أن يكون دليلاً على أنّ المعنى اللغوي لكلمة «اِله»، هو «المعبود»، وحصر كلمة التوحيد وشعار الإسلام الثابتة للعالمين حتى قيام القيامة بنفي أي معبود غير الله، إنّ هذه الكلمة الطيّبة على اختصارها وبساطتها، مشحونة بالحقائق التوحيديّة، ولا يمكن حصرها في جهة وزاوية واحدة.

ثانياً: المفهوم المطابقي لكلمة (إله) ليس المعبود، ويشهد على ذلك أيضاً الاستعمالات القرآنيّة لهذه المفردة، مثل:

(ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ)([224]).

إنّ أهل البصيرة يعلمون أنّ هذا التعبير صحيح بالنسبة للأمر الواقعي الذي له خارج وتحقّق عيني، كما يصحّ أن يقال: خالقكم خالق واحد، أو رازقكم واحد، والرازق والخالق والقادرِ المطلق، ليس متعدّداً؛ لأنّ معنى ذلك هو: أنّه لا يوجد في الخارج أكثر من رازق وخالق واحد، ولا يكون ممكناً أيضاً، ويبقى معبودكم واحد، رغم أنّ كلّ ما يعبده الناس يعدّ معبوداً؛ لأنّ أمر العبادة يعود لهم أنفسهم. 

 والسرّ فيما يقال: من أنّ معبودكم واحد مع أنّ لديكم أكثر من معبود، فلأن المعبود من العناوين الانتزاعية التي تطلق على إبراز نهاية التذلّل والخضوع لمن ينطبق عليه عنوان الخالقيّة والرازقيّة والمالكيّة المطلقة لعالم الكون، أي أنّه ينتزع من هذا كلّه عنوان: «المعبود».

وبناء على هذا، لا تندرج الواحديّة في المعبوديّة، وإن لزم أن يكون معبود الجميع واحد وإله واحد. كما لا يندرج مفهوم المعبوديّة في الواحديّة؛ يعني أنّ الله واحد، سواء كان معبوداً من قبل أحد أم لا، وكلّ شيء أو شخص عُبد، فهو معبود، سواء كان واحداً أم لم يكن كذلك.

وعلى ما تقدّم، فإنّ المفهوم المنطقي والصحيح للآية: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ)([225]) هو: أنّ إلهكم وخالقكم والمنعم عليكم، منعم واحد وإله واحد، ونتيجته: أنّ الله واحد، والخالق واحد، والرازق واحد.

أمّا بالنسبة لإطلاق تلك الأسماء التي تنسب لله تعالى بلحاظ عمل العبد الاختياري تجاهه ـ والتي من الممكن أن تصدر من العبد تجاه غير الله أيضاً، كقول أنّه واحد ـ ليس اطلاقاً صحيحاً. نعم، التكليف بوجوب عبادته فقط من قبل العبد دون غيره، صحيح ومعقول؛ لأنّ غيره لا يستحقّ العبادة، كما جاء في القرآن الكريم:

(ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ )([226]).

ولكن هذا لا يستوجب أن يكون المدلول المطابقي لكلمة «إله» هو المعبود، وهناك شواهد قرآنيّة كثيرة تدلّ على أنّ المدلول المطابقي لكلمة «إله» ليس هو المعبود، ومن تلك الآيات:

أ) (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)([227]).

وكما تلاحظون فإنّ الآية بغاية الظهور في عدم دلالتها على اندراج المعبود في مفهوم الإله دون الذات المقدسة ووصف الخالقية.   

ب) (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ )([228]).

ج)  (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ )([229]).

عند التأمّل نجد بداهة خروج هذا البيان والخطاب عن صفة الاحتجاج المنطقيّ والمبرّر؛ فيما لو كان المراد من كلمة «إله» هو المعبود.

د) (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)([230]).

من الواضح أنّ الفساد المشار إليه في الآية ناجم عن تعدّد الآلهة فيما لو كان المراد من كلمة (إله) هو (الله) أي ذات الله الخالق، وأمّا إن أُريد به تعدّد المعبود، لاسيما لو كان جماداً وأمثال ذلك، فلا ينتج عنه فساد السماوات والأرض.

وكم هو جميل وتامّ ما صرّح به السيّد محمد أبو العزائم المصري، حين قال: «اَلْإِلَهُ هُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ، الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ، وَالْإِلَهُ هُوَ مَنْ يَأْلَهُ النَّاسُ إِلَيْهِ جَميعاً، وَأَنَا أَقُولُ: اَلْإِلَهُ هُوَ خَالِقُ الْكُلِّ، وَكُلُّ شَيْءٍ، وَرَازِقُ الْجَمِيعِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَهُ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ، إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُميتُ، وَهُوَ عَلَی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»([231]) .

ثالثاً: إنّ احترام المقابر، ورفع الأبنية عليها، وتقبيل الأضرحة، ومناداة الأموات، والاستشفاع بأرواح الأنبياء والأولياء^، كلّها لا تمتّ إلى عبادة غير الله بشيء، وإلّا لوجب أن تُدرج في عبادة غير الله أفعال وتصرّفات أخرى، من قبيل: استلام الحجر الأسود وتقبيله، والطواف في البيت، وهكذا الصلاة في مقام إبراهيم×، والتعبّد في حجر إسماعيل، مع أنّ هذه الأمور عبادة لله تعالى بلا شكّ أو شبهة، وعلى الرغم من أنّها عبادة لله سبحانه، فهي تتضمّن في نفس الوقت الاحترام والتعظيم للخليل إبراهيم ومقامه، وللنبي إسماعيل وهاجر ومدفنهما.

إذن فكما أنّ قول: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)([232]) ليس أمراً بالشرك وعبادة غير الله، فهكذا الحضور في مشاهد الأنبياء والأولياء×، والانشغال بالدعاء والصلاة لا يعدّ شركاً أيضاً، وتهديم تلك المشاهد وتخريبها محرّم. ومثلما الطواف في البيت واستلام الحجر وتقبيله ليس شركاً، فهكذا الذهاب إلى المشاهد والتجمّع فيها، وتقبيل الأضرحة ليس شركاً، ولا يلحق أدنى ضرر بالإخلاص في العبادة.  

إنّ البرامج المتعارفة في المشاهد المشرّفة، والتي تقام تعظيماً وتكريماً لأصحابها، لا تخرج عن الإقسام الثلاثة التالية:

1ـ أن يكون لهذه البرامج أساس ومأخذ شرعي من الكتاب والسنّة، باعتبارها مستحبّة أو مأثورة من الشرع، وفي الإتيان بها إطاعة لله لرجحانها الشرعي، وبهذه الصورة من البديهي أن يكون مثل الطواف والسعي بين الصفا والمروة مشروعة وعبادة، وإن تضمّنت تعظيم الأموات والتبرّك بقبورهم.

2ـ أن لا يكون لها مأخذ شرعي، ويقدم الشخص على القيام بها مع علمه بعدم ارتباطها بالشرع، بل مع علمه بعدم ورودها في الشرع، ويأتي بها على أنّها أمراً مشروعاً ومحبوباً لله تعالى، وفي هذه الصورة يكون حراماً وبدعة.

3ـ أن يأتي بها الشخص مع عدم العلم بورودها من قبل الشارع، أو يأتي بها مع علمه بعدم ورودها من قبل الشارع؛ إشباعاً لأحاسيسه وارضاءً لميوله، كمن يقبّل جدار بيت معلّمه، أو أستاذه، أو تراب قبر أبيه، ويشمّه ويضع رأسه عليه، سواء في حياته أو بعد موته([233]). هذه الأمور لا هي عبادة، ولا هي منهيّاً عنها، وكلّ ما لم يكن فيه رجحان شرعي فهو مباح؛ إذ لم يقم دليل شرعي على حرمة تقبيل جدران بيت الصديق أو الأستاذ أو ضريح النبي أو الولي، وحال من يفعل ذلك كمن تصفه هذه الأبيات الشعريّة([234]):

أَمُرُّ عَلَى الدِيارِ ديار لَيْلى
وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي

 


اُقَبِّلُ ذَا الجدار وَذَا الْجِدَارا
وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا


ولا عجب أن يعتبر الوهابي ـ الذي لا تتجاوز معرفته الظواهر، مع جهله وعناده أو عمالته للاستعمار ـ هذه الأفعال والمناظر شركاً وعبادة لغير الله، لكن من امتلأ وجوده حبّاً للنبي وأهل بيته^ أو تعظيماً ـ وعرفاناً للمعلّم ورعايةً لحقّه ـ فإنّه سيحبّ ويعشق كلّ ما يتعلّق بهم؛ يقبّل حتى تراب مدينة طيبة، ويكحّل عيونه بتراب أيّ موضع يحتمل أنّ تكون قدم النبي’ قد وصلته، فكيف بمشاهدهم التي هي من المصاديق الظاهرة والبارزة لهذه الآية:

(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ)([235]).

أليست هذه البيوت هي بيوت النبي وأهل بيته^، وتلك الأماكن الشريفة التي أقدمت الفرقة الوهابيّة الإنجليزيّة ثم الأميركيّة على تخريبها.

فلقد روى كبار علماء أهلالسنّة، مثل: ابنمردويه، والحاكم الحسكاني، والسيوطي، وبأسانيد متعدّدة، عن أنس بن مالك وبريدة، عن أصحاب رسول الله’، أنّ النبي’ قرأ هذه الآية:

(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ...)،

فقام رجل وقال: يا رسول الله، أيّ بيوت هذه؟

قال: «بيوت الأنبياء».

فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ ـ وأشار إلى بيت علي وفاطمة ـ قال: «نَعَمْ مِنْ أَفَاضِلِهَا»([236]).

إنّ شرط التولّي وأثر حبّ الله ونبيّه’ وأهل بيته^ ـ الذي تمّ تأكيده بشدّة ـ هو إظهار المحبّة والشوق لهم، والتحيّة والتسليم عليهم، وقراءة الزيارة، ومدحهم والثناء عليهم، في مشاهدهم وفي غيرها من المواقع الأخرى.

من المتيقّن أنّ الملائكةـأيضاًـستحضر هناك وبهذه الحماسة والأشواق، حيث تعدّ تلك الأماكن مواطن استجابة للدعاء أكثر من غيرها. ولكن هؤلاء اللئام، وكأنّهم قد أبدلوا معنى قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) بقول: «فِي بُيُوتٍ أَمَرَ اللهُ أَنْ تُهْدَمَ وَتُخْرِّبَ».

دفع الله عن المسلمين فتنة هؤلاء العملاء والمسلمين الجهلة، وأنقذهم منها بإهلاك أمريكا، وتمزيق شراكها وحبائلها، وإزاحتها عن صدور بلاد المسلمين.

نكتفي بهذا المقدار من التوضيح والشرح حول هذا الموضوع، إذ لا يناسب هذا الكتاب أكثر من هذا، كما أنّ القرّاء المحترمين يمكنهم الاطلاع أكثر على تفاصيل هذا الموضوع بنظرة علميّة من خلال مراجعة كتابينا: (إلهيّات در نهج البلاغه، وسفرنامه حجّ)، هذا فضلاً عن عشرات الكتب القيّمة، والأكثر تفصيلاً وعمقاً منهما، والتي ألّفها العلماء والفضلاء من الشيعة والسنّة ردّاً على الوهابيّة.

نرجع لنتابع الحديث مرّة أخرى حول مضمون الدعاء وهذه الخطابات التوحيديّة، حيث نجد أنّ كلّ هذه الخطابات التي تمثّل الإقرار بوحدانيّة الله تعالى وتوحيده، تُختم بجملة مثل: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) ويضمّ التسبيح إلى الإقرار بالتوحيد. 

ولربّما يقال: إنّها مثل ذكر العام بعد الخاص؛ لأنّ (التسبيح) أعمّ من الإقرار بالتوحيد وأوسع مفهوماً، رغم أنّ موضوعيّة الإقرار بالتوحيد بشكل صريح ومختصّ بوحدانيّة الله تعالى، له أهميّة وفضيلة أكثر وأشدّ، وخصوصاً إذا جاء بلفظ التهليل.  أمّا مفهومه فهو أخصّ من التسبيح؛ لأنّ التسبيح معناه الإقرار بأنّ الله سبحانه منزّه ومبرّأ عن كلّ نقص، وحتى عن صفات النقص من وجود الشريك، والجهل، والعجز، والتركيب، وغيرها، لكنّ الإقرار بالتوحيد هو إقرار بنفي الشريك، ونفي الآلهة غير الله. إنّ هذا الذكر بهذا التركيب مقتبس من القرآن المجيد، والجملة الأولى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)([237]) تمثّل الذكر اليونسي بحسب تصريح القرآن المجيد، ذلك أنّ النبي يونس× (ذو النّون) أخذ ينادي الله تعالى به لمّا ابتلي بتلك الظلمات، واستجاب الله له، وخلّصه من ذلك الغمّ. وبناء على هذا، فهو مقتبس عيناً من القرآن المجيد، والأذكار التي تلته مقتبسة من هذا الذكر القرآني.

ولعلّ النكتة تكمن في أنّ القائل لتلك الأذكار يبيّن ضمناً حالات ارتباطه المختلفة بالله؛ وواحدة منها: بيان أنّ لسانه يلهج دوماً بذكر الله، مقرّاً بوحدانيّته في جميع أحواله، من استغفار وخوف ورجاء ورغبة وسؤال، و...

والنكتة الأخرى هي: أنّ جميع حالات العبد شاهد ودليل وبرهان على تسبيح الله وتنزيهه عن كلّ نقص وعيب، وتقدّسه عن الفقر والحاجة. وهذه الأحوال إنّما هي وصف للعبد وأحواله التي تعرض عليه.

فالظلم قد يصدر من العبد، لكن صدوره من الله محال، وهو منزّه عنه. 

وهكذا الاستغفار وطلب العفو ـ الذي ينتج إثر الندامة والأسف على ما ارتكبه من   الذنوب ـ مختصّ بالعبد دون الله تعالى؛ لأنّه منزّه عن كلّ قبيح وخطأ، ومبرّأ عن الندامة والأسف وأمثالها.

وبهذا التوضيح، تبين أنّ الخوف والأمل والرجاء والرغبة والسؤال وطلب الحاجة كلّها من صفات العبد والعوارض والأحوال التي تعتريه، والله جلّ وعلا منزّه عنها جميعاً.

كما يمكن أن يكون في إقرار العبد مضافاً إلى تسبيحه المقالي، إشارة إلى تسبيحه الحالي أيضاً؛ فعندما يظهر بلسانه التوحيد، ويعلن عن يقينه واعتقاده بوحدانيّة الله، مكبّراً مهلّلاً مستغفراً مسبّحاً، فإنّ حاله هو الآخر يشهد بتهليل الله وتسبيحه.

كما قال بعض في تفسير قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ )([238]).

وقوله: ( ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)([239]).

والآيات الأخرى التي تدلّ بصورة عامّة على تسبيح الجمادات والنباتات:

من أنّ المراد هو التسبيح التكويني لها، بأنّ وجودها وتكوّنها دليل على وجود الله وتنزّهه عن النقائص، والذي لم يرتضه الكثيرون بالطبع، بل يرونه كاشفاً عن قلّة في المعرفة. وهذه الطائفة تقول:


 به ذكرش هرچه بينی در خروش است

 


 


دلی داند كه اين معنا بهگوش است

نه بلبل بر گلش تسبيحخوانی است

 


 


كه هر خاری به تسبيحش زبانی است([240])




ويتمسّكون بقصّة حنين جذع النخلة، وظواهر بعض الآيات لاسيما قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)([241]).

وبالذهاب إلى القول بأنّ التسبيح التكويني هو ما نفهمه، دون التسبيح المقالي إذ لا يمكننا سماعه ولا فهمه.

ويأتون ببعض فقرات دعاء كميل كشواهد على ذلك، كالتي تضمّنت شهادة الأعضاء والجوارح على أعمال الإنسان؛ لوضوح أنّ جعل شيء شاهداً، متفرّع على كونه ذا شعور وإدراك.

واستدلّوا بتسبيح الحصـى([242])، ونطق الضبّ([243]) بالشهادة على رسالة سيّد المرسلين’.

وبآية: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)([244])، وآیة: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)([245])، وآيات أخرى.

 وهكذا استدلّوا بروايات، كخبر البزنطي عن الإمامالرضا×.

والنتيجة: إنّهم يعتقدون بأنّ لتلك الأشياء إحساس وشعور. ويردّدون قول طائر الگلپايگاني:


هر آنكس زنگ بزدايد ز مرآت ضمير خود

 


 


ببيند جمله هستی را به ذكر ايزد يكتا

همه عاشق به روی او همه مايل بهسوی او

 


 


همه خرّم به بوی او واو از جمله ناپيدا([246])




وهناك الكثير من كلمات الأعلام في هذا المضمار، تشتمل على الاستدلال بالآيات مرّة، وبالأحاديث أخرى وبالنظم والشعر ثالثة. وبما أنّني لست في مقام تحقيق هذا الموضوع، فقد اكتفيت فقط بالإشارة إلى هذين النوعين من الرؤية، حيث إنّ أوّلاهما أسهل وأوضح بالنسبة لأكثر الأذهان، وهي ذات المعنى الذي يذكره سعدي في هذه الأبيات من الشعر:


برگ درختان سبز در نظر هوشيار

 


 


هر ورقش دفتری است معرفت كردگار([247])




فالجميع آيات تكوينيّة إلهيّة.

قَالَ الله تَعالَی:(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ * ﮢ ﮣ) ([248])، وَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ )([249]).

والظاهر أنّ دعوات القرآن المجيد والأحاديث للتفكّر في الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة، أكثرها أو كلّها تتعلّق بالتفكّر في تكوينها وعجائب وغرائب خلقتها، أمّا لو كان قبول التسبيح المقالي للجمادات بالنسبة للبعض صعب جدّاً، فإنّ القبول بامتلاك الحيوانات للشعور والإحساس والضمير وإدراك وجود الله بمقدار ما تمتلكه من استعداد ليس أمراً صعباً، وتدلّ عليه أيضاً بعض الآيات والروايات، ولكنّنا هنا، وكما بيّنا سابقاً، لسنا في مقام بسط الكلام.

والأفضل والأنسب أخذ العبر والدروس من أمير المؤمنين×:

«سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَی مِنْ خَلْقِكَ، وَمَا أَصْغَرَ عِظَمَهُ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ، وَمَا أَهْوَلَ مَا نَرَی مِنْ مَلَكُوتِكَ، وَمَا أَحْقَرَ ذلِكَ فِيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ، وَمَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا، وَمَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الْآخِرَةِ»([250]).

وهنا نردّد مع أمير المؤمنين× قول هذه العبارات بألسنتنا فقط، إذ لا يمكننا أبداً إدراك ما عليه الإمام من معرفة رفيعة، وإحاطة بعظمة عالم الخليقة، ويردّدها كلّ شخص بمستوى أفق معرفته وفكره، في مقام إجلال الله تعالى وإقراره بعظمته.

وكما جاء في وصف الآيات الإلهيّة، فإنّك لو سألت أيّ شخص عن وصف الميكروب أو النملة أو الحيوان أو الإنسان أو المنظومة الشمسيّة، فإنّ الجميع سيجيبون، ولكن أجوبتهم ستتفاوت وتختلف فيما بينها بلحاظ تقصّي الشخص ومطالعته وتحرّيه، فكيف سیکون الأمر فيما لو أظهر الأعلم من الجميع عجزه في وصف كمالها، ويقرّ بعجزه في مقام بيان حقيقة حياة الموجودات الحيّة!

وهنا كلّما أردنا منع اليراع من الكتابة لم نتمكن، وكأنّه قد خرج عن قدرتنا، وكلّما لوينا عنقه إلى جهة ما، سار بنا نحو جهات ونقاط أخرى من المعارف الإلهيّة، التي لا تنتهي بجهات أربع أو نقاط أربع، وإنّما نقاط لا تعدّ، وجهات لا تحصى. 

لهذا سنضع القلم لدقائق؛ حتى نفرغ أنا والقرّاء الأعزاء خلال هذه البرهة من جولان الكلام والفكر في هذه الأبحاث ـ رغم أنّها دقيقة جدّاً وعذبة ومبهجة ـ حتى نستطيع أن ننهي هذه المسألة رعاية للاختصار، إن شاء الله تعالى.

وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

يختم الإمام× هذه الأذكار والتسبيحات بهذا الذكر والتسبيح:

«لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ رَبِّي وَرَبُّ آبَائِيَ الْأَوَّلِينَ»([251]).

حيث يقرّ الإمام× بربوبيّة الله له ولآبائه وأجداده^. وفي الواقع يحمد الله على نعمة التربية الكاملة التي شملتهم وشملته، وينزّه الله تعالى عن الحاجة إلى ربّ ومربّي؛ لأنّ التربية تلزم للناقص حتى يتكامل، وللكامل ليرقى ويصبح أكمل، أو لأنّ بها يتمّ إظهار للقابليات والخواص الكامنة في بواطن الأشياء، وإيصالها للفعليّة. لكنّ الله وهو أكمل الكاملين وربّ العالمين منزّه ومبرّأ عن فقدان أيّ كمال، أو أنّه لم يبلغ في أيّ كمال المرتبة العليا والمطلقة فيه.

إنّ الممكنات والمخلوقات جميعها محتاجة للتربية، كلّ بحسب حاله، والمربّي للكلّ يجب أن يكون كاملاً غنيّاً، وإلّا لكان هو محتاج للمربّي أيضاً، وعندها يلزم الدور أو التسلسل، وبطلانهما ثابت ومسلّم. وقمنا نحن أيضاً بشرح ذلك وتوضيحه في كتاب (إلهيّات در نهج البلاغه).

مضافاً لما تقدّم، هناك نوع من التربية تكويني وغير اختياري، يقع تحت تأثيره كلّ من الإنسان والحيوان والنبات والمعدن، مثل تربية الشمس أو الرياح أو الأمطار، وتأثير كلّ المتغيّرات في حركة ونموّ موجود ما، بحيث لا تستند تلك التربية والتنشئة لها، ولا قصد ولا نيّة فيما لديها من آثار.  

فمثلاً الشمس لا تشرق بقصد ذلك، ولا الماء يقصد التأثير في النبات والحيوان والإنسان، إلّا أنّ الجميع يتمتّع بحالة وكيفيّة ومقدار مناسب، لا يمكن حصوله دون قصد وإرادة من مجموع فعل الفاعل، وبناء على هذا، فهو فعل ربّ العالمين وتربيته، كما قال موسى× لفرعون:

(ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ )([252]).

إنّ بحث العنايات الإلهيّة في تربية النبات، والحيوان، والإنسان، واسع جدّاً جدّاً، ومع كلّ هذا التطوّر والانتعاش والرقيّ البشري في مجال كشف أسرار هذه التربية والتأثير والتأثّر في هذا العالم، والتي تحصل جميعها بإذن الله تعالى، لكنّنا ما زلنا ندور في أوّليات هذا البحث.

في بداية هذا الدعاء بيّن الإمام× مقداراً من التربية الإلهيّة في خلق الإنسان.

مسألة الاصطفاء

 إنّ الملاحظة التي تجدر الإشارة إليها في هذا المقام، هي أنّ الإمام× لعلّه ناظر في هذه الجملة: «رَبِّي وَرَبُّ آبَائِيَ الْأَوَّلِينَ»، حيث لم يقل: «رَبُّنَا وَرَبُّ آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ» إلى العنايات الإلهيّة الخاصّة التي شملته وآباءه وأجداده: إبراهيم، وإسماعيل، ونوح والآخرين، ولاسيما النبي’ وأمير المؤمنين×؛ لأنّ هذه العنايات والألطاف كان لها دور مؤثّر في تكوين شخصيّة عظيمة مثل شخصيّة الإمام الحسين×، فكان حريّاً بالالتفات إليها.

فكان آباؤه من آدم× حتى الخاتم’ تحت العناية الإلهيّة الخاصّة، حيث اصطفاهم من بين خلقه، كما قال تعالى:

(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ )([253]).

ونصل هنا إلى مسألة الاصطفاء الإلهي التي وردت كذلك في آيات أخرى، مثل قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)([254]) التي أنكرها بعض المثقفين الجهلة بالاصطلاحات!

بعد هذه الأذكار يبرز الإمام× ثناءه وحمده وتمجيده وإخلاصه لله في توحيده، وإقراره بآلائه، معدّداً إيّاها، معترفاً بعدم قدرته على إحصائها لكثرتها وسبوغها وتقادمها، وما زال سبحانه يتعهّده بها منذ بداية خلقه، وأوّل عمره، حيث أبدل عوزه وفقره وفاقته إلى غنى، وفرّج عنه الكرب، ودفع عنه العسر، ومنّ عليه بالعافية في البدن، والسلامة في الدين، ولو رفده على قدر ذكر نعمتك جميع الأوّلين والآخرين لما قدر هو ولا هم على ذلك.

تقدّستَ وتعاليتَ من ربّ كريم عظيم رحيم، لا تُحصى آلاؤك، ولا يلبغ أحد ثناؤك، ولا تكافىء نعماؤك.

فتجب المسألة من صاحب الكرم والغنى والعفو والمغفرة والرحمانيّة واللطف وجميع صفات الكمال، وطلب الحاجات منه والإقرار ـأيضاًـبالعجز والقصور في مقام التمجيد، والحمد، والشكر، والثناء.

فمهما سار الأنبياء والأولياء، ولو بسرعة الضوء وقطعوا بلايين السنين الضوئيّة، بل وأطول من ذلك، فحالهم بالنتيجة، سيكون مثل خاتم الأنبياء’ الذي طوى أكثر من ذلك بكثير، وفي نهاية سيره ـ الذي لا يمكننا تصوّره ـ راح يقول:

«أَنَا لَا أُحْصِي‏ ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»([255]).

ويقول:

«مَا عَرَفْناكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ، وَمَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ»([256]).

بهذا يعلم حال الآخرين من الأنبياء والأولياء والناس.

لذا فإنّ الإمام× وبعد هذا الثناء والشكر والحمد، وبيان عجزه من إحصاء النعم الإلهيّة، انتقل إلى الطلب والمسألة، مخاطباً ربّ العزّة والجلالة بقوله:

«صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ ـ أي استمر في عطائك، وإن كان ما تعطيه فوق العدّ والإحصاء، ولا تحرمنا من فيض جودك أبداً ـ وَأَسْعِدْنَا بِطَاعَتِكَ، سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»([257]).

 


 

المقطع  الثامن:  الصفات الفعليّة والجماليّة

 

 

 

 

 

 

المقطع الثامن

الصفات الفعليّة والجماليّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 


«اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ ...، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»([258]).

في هذا المقطع يأتي الحديث ـ أيضاًـعن الثناء والحمد لله وصفاته الفعليّة والجماليّة، فهو: من يجيب المضطرّين، ويغيث المكروبين، ويكشف السوء عن المهمومين، ويشفي السقيم، ويغني الفقير. ويجبر الكسير ويرحم الصغير، ويعين الكبير، وليس دونه ظهير، ولا فوقه قدير، وهو العلي الكبير.

ومطلق المكبّل الأسير، ورازق الطفل الصغير، وعصمة الخائف المستجير.

طبعاً ذكر الإمام× لهذه النعوت والصفات مخاطباً الذات الأحديّة ـ عزّ اسمه ـ بأدوات الخطاب، باعتبار أنّ هذه الخطابات تتضمّن توحید الله وتفرّده في هذه الأفعال.

فإن ادّعى مدّع: بأنّ جميع هذه الأفعال أو بعضها، قد تصدر من غير الله تعالى، ولو بدرجة ما، كإعانة الكبير والعطف على الصغير والرحمة به، فكيف يُتصوّر التوحيد في هذه الأفعال؟

ونجيب عن ذلك بوجوه؛ لربّما یکفي واحد منها للردّ على ذلك، أو بها كلّها:

الوجه الأوّل: إنّ جميع من تصدر عنهم هذه الأفعال محتاجون في القيام بها إلى الله سبحانه، فرغم أنّها تصدر عنهم بإرادتهم واختيارهم إلّا أنّهم غير قادرين على الإتيان بها دون الاستعانة بالأسباب والوسائل التي منّ الله بها عليهم، إذ بدون هذه القابليّات والوسائل لم يكن الإنسان ليقوى على القيام بتلك الأعمال الحسنة والنافعة.

وإن قيل: بحسب ما تقدّم، ينبغي أن تُنسب جميع الأعمال حتى السيّئة
والقبيحة ـ والعياذ بالله
ـإلى الله سبحانه؛ باعتباره مسبّب الأسباب، بينما يصـرّح
 القرآن الكريم بأنّ:
(ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ)([259]).

يجاب: أنّ هذا هو الحقّ، فمسبّب كلّ الأسباب هو الله تعالى، فهو سبحانه قد خلق كلّ العالم بما فيه من قوى وأجزاء، وكلّ ما فيه لا يخرج عن حدود قدرته وتقديره، ولعلّ هذا هو المقصود من قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)([260]).

أمّا الوجه في إسناد أعمال الخير الصادرة منّا إليه سبحانه، وعدم إسناد أعمال الشرّ كذلك إليه، بل تسند إلينا، هو أنّ أحد الأفعال الإلهيّة منح الإنسان الإرادة والاختيار؛ وجعله قادراً على استعمال جميع الوسائل والمؤهّلات المفاضة عليه من الله، من أجل سلوك طريق الكمال، والسير إلى الله، حتى يتحقّق الغرض الأصلي والنهائي من الخلق.

وتأسيساً على هذا، عندما يمتلك الإنسان الوسائل والقابليّات والقوى، كقوّته على التمييز بين الخير والشر، وانتخابه الخير في الطريق الصحيح نتيجة ذلك، لابدّ وأن يُسند إلى الله، وهكذا كلّ خير يصدر من الإنسان، فإنّه سيسند إلى الله، وتكون حريّة اختيار العبد كحريّة الأجير الذي وفّرت له كّل الإمكانيّات اللازمة للبناء من تصاميم وأدوات وغيرها، فإن قام الأجير بوظيفته على أحسن صورة، وعمل طبقاً للتصاميم المشار إليها في الخريطة، سيقال لك أنت من شيّد هذا البناء مع وجود مئات العمّال المشاركين في عمليّة البناء، أمّا لو لم يقم الجميع بما أُريد منهم طبقاً للخريطة، وعمدوا إلى استعمالها في بناء أو عمل آخر، فلا يُنسب إليك رغم أنّك من هيأ الخريطة ووفّر متطلّبات البناء، وأنت من استأجر العمّال، فكيف لو كان ذلك العمل على خلاف رغبتك تماماً، فهل يا ترى يُنسب هذا العمل إليك؟!   

 طبعاً هذا المثال غير موصل وقاصر جدّاً عن تقريب المعنى، وكما يقول الشاعر الفارسي:

ای برون از فكر وقال وقيل من

 


خاک بر فرق من وتمثيل من([261])

كانت الغاية ممّا تقدّم هي التوضيح، وبيان أنّ أعمال الخير وما يقع في الطريق المستقيم، وضمن إطار حركة العالم الواضحة، يُنسب إلى الله تعالى، ويقابلها أعمال الشرّ التي يرتكبها البشر، وما يصدر عن الإنسان إثر انحرافه عن الطريق المستقيم الفطري والبرامج والغايات الإلهيّة، وإن كان لا يستطيع فعل ذلك دون نعم الله وهباته، ومنها الإرادة والحريّة في التصرّف، فلا شكّ أنّه يُسند إلى الإنسان نفسه.

الوجه الثاني: الوحيد القادر على مثل هذه الأفعال بصورة مطلقة، بحيث یستطیع إغاثة كلّ مضطرّ، وإعانة كلّ ضعيف، ويغني كلّ فقير، ويشفي كلّ مريض، ويصدق عليه خطاب: «يَا مُغِيثَ الْمُضْطَرّ،ِ وَيَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ، وَيَا مُعِينَ الضَّعِيفِ، يَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ» حقيقةً، وعلى نحو الاستغراق لجميع الأفراد، هو الله تعالى، الذي وسعت رحمته كلّ طفل صغير، وهيّأ له كلّ سبل الرحمة والعطف والعناية اللازمة، ومن بين الآلاف من تلك الألطاف، جعله اللبن يدرّ من ثدي الأم، وأفاض عليها الحنان والعطف بما لا يوصف.

أمّا الآخرون ـ أيّاً كانوا ـ مهما عطفوا على أطفال، وأغنوا فقراء، وقوّوا ضعفاء، فإنّ ذلك يبقى محدوداً وضيّقاً، حتى حنان الأم وعطفها فهو مختصّ بطفلها، فهي «رَاحِمَةُ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ» لا «رَاحِمُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ» لعجزها عن مثل هذا الأمر.

ولو أنّنا نُلقي نظرة إلى الجانب الآخر، سنجد أنّ اتصاف الله بهذه الصفات، وإسناد تلك الأفعال إليه، إنّما يتمّ بشكل جامع كامل، ومن كلّ النواحي والجهات، على عكس ما عليه الآخرون.

مثلاً حنان الأم ورحمتها وعطفها بولدها لا يتجاوز إرضاعه ورعايته والمحافظة عليه، وهذه الأمور رغم أهمّيتها بحيث رفعت منزلة الأم ومكانتها إلى درجة سامية جدّاً؛ لكنّها كيفما كانت تبقى محدودة، أمّا حنان الله وعطفه على الطفل، فهو أوسع وأشدّ منها، إذ إنّه سبحانه مضافاً إلى جعله أمّ الطفل ـ التي تتولّى شؤونه ـ في غاية الرقّة والحنان والعطف عليه، قد وفّر له الغذاء المناسب وهو في رحم أمّه، وهو من جعل اللبن بهذه الكيفيّة، وخلق ثدي الأم بهذه الصورة؛ حتى يستطيع الطفل الارتضاع بسهولة.  

 يتبيّن من الملاحظة الآنفة الذكر أنّ راحم الطفل الصغير هو الله أرحم الراحمين أيضاً، الذي وسعت رحمته الجميع وبشكل تامّ وكامل.

 وعليه، إنّ من فقد أحد هذين الوصفين: (الشموليّة والعموم) في أيّ صفة من تلك الصفات، فإنّها لا تطلق عليه بنحو الحقيقة، وليس هناك من اجتمعت في صفاته ميزتي الاستغراق والتمامية، غير الله جلّ وعلا؛ لهذا يجدر بنا حصر هذه الصفات ـ التي لا يصحّ إطلاقها على نحو الحقيقة إلّا علیه ـ به، وقصرها عليه، وأمّا على غيره فتطلق من باب المجاز والمسامحة في التعبير.  

وبناء على ما تقدّم، فإنّ وجه استنتاج الحصر من دعاء: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ وَ...» منطقي وعرفاني تماماً، كما يدلّ عليه ظاهر الدعاء أيضاً.

الوجه الثالث: وهو قريب جدّاً من الوجه الأوّل، وتوضيحه: إنّ هذه
الأسماء ـ بغض النظر عن شمولية وجامعيّة معانيها ـ كلّما أطلقت واستعملت دون قيد أو إضافة إلى شيء ما([262])، كان المخصص لحصر الإطلاق الحقيقي لها على الله، بأنّ قدرته تعالى على هذه الأفعال بالذات، وأمّا قدرة العبد فاكتسابيّة وبالعَرض ومن عند الله سبحانه، وبناء على هذا، فكما أنّ قدرة العبد بالغير لا بالذات، فدوامها وبقاؤها ليس بالذات أيضاً، فاتصافه بإعانة الكبير والعطف على الصغير، وأمثال ذلك ممّا يتفرّع على صفة القدرة، سوف لن يكون بالذات أيضاً، ومثلما لا يكون إطلاق كلمة قادر على من لا تكون قدرته ذاتيّة ـ بحيث لا يتمكّن من المحافظة عليها ـ إطلاقاً تامّاً ومطلقاً، هكذا الأمر بالنسبة لإطلاق هذه الأسماء على غير الله تعالى، فسيكون من باب المجاز والتسامح في التعبير.

هذا فيما لو كان إطلاق هذه الأسماء بلحاظ اتصاف الذات بمبدئها كلّها، وهي القدرة؛ إمّا بالذات أو بالعرض، وأمّا لو كان إطلاق هذه الأسماء بلحاظ فعليّتها وتلبّس الذات بمبدأ المشتقّ، وصدور الرحمةـمثلاًـبالصغير، فكذلك يكون إطلاقها على الذات التي تكون مناط صدور الرحمة منها ـ وهو قدرتها على الرحمة ـ ذاتيّاً له أوفق وأصدق ممّن تكون قدرته على الترحّم بالغير لا بالذات.

والنتيجة أنّه ليس من المدح والثناء بمكان أن يقال للشخص: يا قادراً لا بقدرة منه، بل بقدرة غيره. وعلى خلافه أن يقال: يا من قدرته من ذاته، وهو قادر بذاته، فإنّه كمال المدح والثناء.

من الواضح أنّ الأمر يعود في مقام مدح الله تعالى ووصفه بصفات
الكمال ـ الأعمّ من الذاتيّة والفعليّة
ـإلى ذات الله، ولوحظ كونها بالذات لا بالغير، وأن يكون ذلك الوصف أو الفعل من الوجوه التي تفرّد الله بها. 

أقدّم اعتذاري للقرّاء الكرام من الإطالة، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى نقطة بالغة الأهمّية، وهي أنّه لو أشكل شخص قائلاً: كيف لكم ادّعاء تفرّد الله بهذه الأفعال، واختصاصها به، وتزعمون أنّ بعض جمل الدعاء تشير إلى هذا المعنى، مثل: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ...».

وقوله في نفس هذا المقطع من الدعاء: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفَی، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَی»([263]).

وأنّ من جملة أسماء الله الحسنى: «أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، أَسْمَعُ السَّامِعينَ وَأَبْصَرُ النَّاظِرينَ»، وأمثال ذلك.

مع أنّ المخلوقات تشارك الله تعالى فيها، وإن اختصّت المرتبة الكاملة منها بالله سبحانه.

وفي الجواب نقول: إنّ الصفات تقع على قسمين:

القسم الأوّل: الصفات الحقيقيّة الذاتيّة كالعلم والقدرة. وفي الواقع أنّ المخلوق في مثل هذه الصفات ليس شريكاً للخالق؛ أي أنّ حقيقة علم المخلوق مثله في كونه ليس خالقاً، وهي غير حقيقة علم الخالق، ورغم أنّنا لا نعرف حقيقة علم الخالق لكنّنا نعلم بأنّه منزّه عن مشابهة المخلوق في الذات والصفات أيضاً. 

وعلى هذا الأساس، فإنّ إطلاق لفظ (عالم) على الخالق والمخلوق، إمّا من قبيل الاشتراك اللفظي، أو الاشتراك المعنوي في معنى إجمالي للعلم؛ يصدق على علم الخالق والمخلوق، وساكت عن حقيقته، نظير (الوجود) و(الموجود) على القول بجواز إطلاقهما على الله تعالى، وعدم قولنا بالتوقيفيّة في أسماء الله الحسنى، أو أن نكون من القائلين بأنّ (الموجود) من المأثورات الشرعيّة، فنضطرّ إمّا للقول بأنّه مشترك لفظي ـ كما ذهب إليه بعض الحكماء ـ أو مفهوم إجمالي وانتزاعي يصدق على كلّ شيء متحقّق في الخارج. وإن اخترنا غير ذلك، وذهبنا إلى ما ذهب إليه بعض الحكماء، من القول بأنّ الوجود من المفاهيم المشكّكة والتي لها مراتب، يلزم أن يكون المخلوق شريكاً للخالق في حقيقة ذاته؛ رغم قولهم أنّ حقيقة وجود العلّة مغاير لحقيقة المعلول، وأنّ بينهما تغايراً ذاتيّاً.

لأنّه سيقال: أنتم تزعمون أنّه ليس هناك شيء في دار التحقّق سوى (الوجود)، وأنّه هو الأصيل، والماهية اعتباريّة، فهل وجود الخالق ووجود المخلوقات على سبيل الاشتراك اللفظي أو أنّه على سبيل الاشتراك المعنوي؟ فإنّ كان الأوّل ـ الاشتراك اللفظي ـ لزم تعدّد (المتحقّقات) الموجودات في الخارج كما هو مشاهد؛ وإن كان الثاني ـ الاشتراك المعنوي ـ يسأل حينها عن حقيقة القدر المشترك بين تلك الموجودات المعروفة والموصوفة بالوجود، ما هي؟

فإن كان ـ القدر المشترك ـ أمراً انتزاعياً وغير حقيقي أيضاً، لزم منه تعدّد الوجودات والتحقّقات الخارجيّة أيضاً، خلافاً للقول بإصالة الوجود.

وإن كان حقيقيّاً، وكان تشخّص الأفراد بالمراتب، لزم اشتراك المخلوق مع الخالق في حقيقة الذات، وتركيب كلّ واحد منهما ممّا به الاشتراك وما بهالامتياز.

وإذا ادعيتم أنّ «ما به الاشتراك» هو الأصيل والحقيقي، وتعنون الوجود، و«ما به الامتياز» اعتباري وليس حقيقيّاً، فهذا يعني قبولكم باشتراكهما في تمام الحقيقة.

وبعبارة أخرى: قد أنكرتم التعدّد بين الخالق والمخلوق، وقلتم بوحدة الوجود أو الوجود الواحد، رغم عدم تعبيركم بوحدة الموجود، وقولكم بتعدّده. ولأنّكم ترون أنّ هذا التعدّد اعتباري وغير حقيقي، ولا تصرّحون بصورة رسمية بأنّ المتحقّق واحد، ولابدّ من تحقّق نفي التعدّد، لم تتركوا فرقاً حقيقيّاً يذكر بين الخالق والمخلوق.

والخلاصة: إمّا أن تقولوا بوجود ما به الاشتراك وما به الامتياز في الخالق والمخلوق، فعلاوة على القول بالتركيب، تعدّون الخالق والمخلوق مشتركين في جزء من حقيقة الذات، وإن لم تروا ما به الامتياز حقيقيّاً، فمعناه أنّكم تقولون باشتراك المخلوق والخالق في تمام الحقيقة، ولا ترون تعدّداً حقيقيّاً في الوجود أصلاً، ولا فرق بين الخالق والمخلوق إلّا بالاعتبار.

رغم أنّكم تتهمون كلّ من لا يرى ما ترون بعدم فهمه لمغزى كلامكم، وجعلتموه حكراً على من لديه ذوق التألّه، إذ سيفهمه ويصدّق به تلقائيّاً، أو لا أقل لا ينكر فهمه.

والقضيّة هي أنّكم بهذا المنهج الذي تسلكونه في معرفة الله، وطبقاً لهذا المبدأ الذي تعتقدون به، لا شيء يتصف بالوجود وراء المتحقّقات ولا وراء وصفنا هذا بالخالق وذاك بالمخلوق أو المخلوقات، مع كون الوجود هو الأصل في التحقق وهو المتحقق الحقيقي.

ولو لم نقل بعدم انسجام ما تقدّم مع ما بيّنته آيات القرآن المجيد ودعوة الأنبياء القائمة بأسرها على أساس الفرق التامّ بين الخالق والمخلوق؛ وأنّ ذات الخالق غير ذات المخلوق، وأنّهما يختلفان عن بعضهما بالذات، وما حدثنا به الأنبياء والقرآن الكريم عن الإله وصفاته من الإرادة والاختيار والخلق والإبداع؛ حيث يشترك ويتساوى الجميع في فهمه، فعلى الأقل سندعي أنّ كيفية الانسجام غير مفهومة.

 وعلى سبيل المثال: إنّ ما يفهم من الخالق غير ما يفهم من مصطلح العلّة الأولى، وهكذا المخلوق والمعلول ليس لهما معنى واحد، وما ترشد إليه تلكم المصطلحات ليس نفس ما ترشد إليه كلمات الأنبياء. 

كما أنّهم يعتقدون بأنّ وراء الأمور المتحقّقة خارجاً شيء باسم الوجود الواقعي والحقيقي، وعدّوه أصلاً، وأنّ الأمور الخارجيّة اعتباريّة.

وبتعبير آخر: حصروا المتحقّق والواقعيّة والخارجيّة بذلك، وقالوا إنّ حقيقة الخالق المنزّهة عن الإدراك هي ذاك، ناهيك عن تفسيرهم للعلاقة بين الخالق والمخلوق بالارتباط بين العلّة والمعلول، أو ما شابه ذلك، وهذا كلّه لا يتطابق مع ما يفهم من آيات القرآن القائمة على تنزّهه تعالى عن صفات المخلوقين وغيريّته عنهم، وأنّ امتلاك الأشياء للواقعيّة بشيئيتها لا بلحاظ شيء زائد عليها باسم الوجود، ولا يتطابق مع صفات الله، ولا مع أسمائه، مثل البديع والمبدع. وفي الحقيقة إنّ ما اشتمل عليه الفكر الفلسفي والمدارس الفلسفيّة لإفلاطون وأرسطو والفارابي وأنصار الفلاسفة من اختلافات وأقوال مشتتة حول المصطلحات الإلهيّة، لا يتفق مع منهج ومسار دعوات الأنبياء ووصاياهم، وإرشادات القرآن المجيد الميسّرة.

وأمّا تلك الفئة من الفلاسفة التي ظهرت في أوساط المسلمين، وعلى الخصوص بين الشيعة وأهل المعرفة والاطلاع على مدرسة أهل البيت^، الذين قاموا ببيان عقائد هذه المدرسة السليمة والنزيهة ووضّحوها، فإنّ كلّ ما لديهم مقتبس من أنوار وحي القرآن والرسالة المحمّدية، وتوجيهات الأئمّة الطاهرين^، وإلّا فإنّ الاكتفاء بتلك المصطلحات والتعابير دون الرجوع إلى الوحي محفوف بمخاطر الانحراف الهائلة والعريضة، وسيكون المسؤول عن ذلك كلّه الفرد نفسه الذي اتخذ أقوال أولئك  وآراءهم أساساً ومرتكزاً، واعتمد في سيره وسلوكه وبحثه وتحقيقه وتعليمه وتعلّمه على تلك المدارس والمذاهب والاصطلاحات المخترعة، التي لم تقتبس من لسان الوحي.

ومثلهم أولئك الذي كان لهم دور في نشر هذه الآراء والأفكار من عصر المأمون إلى اليوم، وهم ينظرون إليها نظرة إعجاب واهتمام، وعلى العكس تماماً من تعاملهم ونظرتهم لمعارف أصحاب الأئمّة^ والمحدّثين ورواة علومهم، حيث لا يرون لهم أيّ فضيلة، بل راحوا يعمدون إلى تأويل النصوص على خلاف ظواهرها العرفيّة، فإنّ هؤلاء مسؤولون، ووجودهم مدعاة للقلق، فيُخشى أن تتأثّر الحوزات العلميّة ومعارف الإسلام الخالصة بتلك المصطلحات، حتى يغدو العارفون بتلك المصطلحات هم مراجع المسلمين في المعارف والعقائد وتفسير القرآن وشرح الأحاديث، ويفتح باب التأويل على مصراعيه في الاصطلاحات الإسلاميّة والآيات والأحاديث، وتطبيقه وفقاً لبعض المسالك والمدارس.

عذراً للإطالة والابتعاد عمّا كنّا فيه، فلقد أخذ بيدي إلى ذلك شعوري بخطورة الموضوع وأهميّته.

 والمتحصّل من كلّ ما ذكرناه أنّه: مثلما لا يوجد تشابه وتماثل في الذات بين المخلوق والخالق، وكونهما متغايرين بالذّات، كذلك في الصفات الحقيقيّة الذاتيّة لا يوجد أيّ تشابه واشتراك بين الخالق والمخلوق. والله تعالى منزّه عن أن يكون له شريك في الذات والصفات الحقيقيّة الذاتيّة، والتي من أبرزها صفة الأحديّة، أي: عدم تجزّأ الذات وعدم تركّبها، حيث تعود الكثير من الصفات التوحيديّة إلى ذلك، ورغم أنّ الصفات الثبوتيّة تعدّ من الصفات السلبية، كما ورد في الشعر المعروف:


 


نه مركّب بود وجسم ونه مرئی نه محلّ

 


 


 


بیشريک است ومعانی تو غنی دان خالق([264])






بحسب ما يقتضيه وجوب نفي التركيب عن الذات، ولكنّ الصحيح أنّ الواحديّة وعدم التركيب ثابتة للذات، ويجب إثبات ذلك لله سبحانه. وكيفما كان فإنّ نفي التركيب يستلزم إثبات البساطة والواحديّة أيضاً، كما أنّ إثبات الواحديّة والبساطة يستلزم نفي التركيب أيضاً «وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الْإِصْطِلاحِ».

تعدّ مسألة عدم التركيب من مسائل التوحيد ذات الأهمّية البالغة، بحيث يلزم من إنكارها الصريح وإثبات التركيب للذات ـ كما في الأشياء الخراجيّة المركّبة ـ المخالفة لإجماع المسلمين، وإنكار ضرورة من ضرورات الدين الإسلامي.

فالمجسّمة من العامّة مثل الحنابلة والفرقة الوهّابيّة القائلون بالتجسيم، يثبتون لله يداً وعيناً ورجلاً وغيرها من الأعضاء.

وذهب بعضهم ـ ظنّاً منهم النجاة من الوقوع بالكفر الناشيء نتيجة القول بالتركيب ـ إلى القول: بأنّهم مع إقرارهم بثبوت جميع هذه الأعضاء والجوارح والظواهر التي تثبت الجسميّة، إلّا أنّهم لا يتحدّثون عن كيفيّة تلك الأعضاء بالنسبة لله، ويختارون السكوت إزاء ذلك. 

لا نريد هنا مناقشة هذه الفرقة الجاهلة؛ لأنّ أصل بطلان التجسيم من الواضحات، وأمّا الظواهر التي تمسّك بها أولئك الجهلة، فهي مثل:

أ) (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)([265]).

ب) (ﯰ ﯱ ﯲ)([266]).

ج) (ﯩ ﯪ)([267]).

د) (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)([268]).

ﻫ) ( ﯚ ﯛ ﯜ)([269]).

و) (ﰂ ﰃ)([270]).

وأمثال هذه الآيات، وهي جميعها ظاهرة بأمر على خلاف ما ظنّه هؤلاء، وهو سعة العلم، والقدرة، والعناية وجميع صفاته الكماليّة، وأمثال هذه التعبيرات كثيرة جدّاً في كلمات الأدباء والفصحاء.

وتمسّك آخرون بأحاديث؛ إمّا تعود لهذه المعاني، وإمّا أنّها من الأحاديث الموضوعة والروايات التي رواها أمثال أبي هريرة وغيره من الوضّاعين. ولا يسعنا المقام لبسط الكلام وتفصيله في هذا الموضوع.

 يجب أن نذكّر بأنّ العلّة الرئيسة التي تنبع منها جميع هذه الانحرافات، وينشأ منها سوء فهم الفِرَق المختلقة، هو عدم تمسّكهم بوصايا أهل البيت^ وإرشاداتهم، فلو أنّهم تمسّكوا بذلك، وعملوا بصريح حديث الثقلين المتواتر، والروايات المتواترة الأخرى، ورجعوا في فهم معارف الإسلام وتفسير القرآن إلى أهل البيت^، ما ضلّوا أبداً، كما وعد النبي الأكرم’ بذلك، ولكنّهم أضاعوا السبيل لمّا تركوا العترة التي لا تفترق عن القرآن بحسب قول النبي’ حتى يردا عليه الحوض([271])، واتبعوا فلاناً وفلاناً ممّن لا حجيّة شرعيّة لكلامهم؛ لا في العقائد ولا في التفسير ولا في الأحكام الشرعية، وسلكوا بهم سبلاً تتوافق مع سياسات السلطة الحاكمة، أو من عند أنفسهم لأنفسهم، وأضلّوهم السبيل.

فحتّى مثل الشيخ محمد عبده، ورغم علمه التامّ بأنّ نهج البلاغة كلام أمير المؤمنين×، ولا يعتريه في ذلك أيّ شكّ أو شبهة، لم يستفد ممّا ورد فيه من علوم ومعارف إلهيّة، وسلك في مواضع مهمّة وعديدة طريق الباطل الذي عبّده أسلافه!

على أيّة حال، إنّ التجسيم باطل، وأمّا بالنسبة  لكفر المجسّمة فلا تترتّب عليهم أحكام الكافر فقهيّاً فيما لو أقروا بالشهادتين، ولم يعلم التفاتهم إلى اللوازم الباطلة المترتّبة على القول بالتجسيم، بحسب قول بعض الفقهاء، ويبدو أنّ الأولى عدم الحكم بالكفر ظاهراً، بل وعدم التوجّه لمسألة التجسم واقعاً؛ بمعنى أنّه لو أقرّ شخص بالشهادتين وأحديّة الله ووحدانيّته، ولم يكن لديه التفات إلى أنّ الله ليس بمركّب ولا بجسم، كفى في الحكم بإسلامه، بل وكفى في إيمانه إقراره بالولاية، وعُدّ من أهل النجاة بلحاظ العقيدة.   

ما یتنافى مع الإسلام والإيمان هو الاعتقاد بالتركيب عن التفات وتوجّه إلى ذلك، أو عدم الاعتقاد بتنزّه الله تعالى عن التركيب. أمّا بالنسبة لأحكام الإسلام فإنّها تدور مدار الإقرار بالشهادتين، مادام لم ينكر ضرورة من ضروريّات الدين، ومنها نفي التركيب عن ذات الله تعالى، ولسنا في هذا المقام بصدد بيان الحكم الفقهي لهذا الموضوع، ونُرجع القارئ العزيز إلى الكتب الفقهيّة.

أمّا بالنسبة لصفة التفرّد والأحديّة والواحديّة، وأنّه لا شريك له ولا نظیر ولا شبيه، ورغم أنّها من الصفات الحقيقيّة والواقعيّة ـ ومعنى ذلك أنّ عدم وجود شريك لله أمر واقعي، كاستحالة أن يكون شريك للباري، هو أمر واقعي أيضاً ـ لكنّها ليست مثل صفة العلم والقدرة والأحديّة، إذ لا يكون أخذ شيء أو عدمه وإثبات شيء أو نفيه، مؤثراً في اتصاف الذات بها، أمّا بالنسبة لصفة الأحديّة والواحديّة، وعدم الشبيه فإنّ لعدم الشبيه والشريك والنظير دخالة في صدقها، كما يتضمّن مفهومها نفي الشريك والمثل والنظير أيضاً.     

«فَهُوَ الْوَاحِدُ الْمُطْلَقُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ».

ولهذا لزم عند الإقرار بالتوحيد نفي الآلهة غير الله، ومع أنّ صفة عدم الشبيه والشريك والنظير ليست من الصفات الذاتيّة، لكنّ الإقرار بها معتبراً في الحكم بالإسلام، فما لم يقرّ الشخص بذلك، وينطق بكلمة التوحيد الدالّة على نفي الآلهة الأخرين، ونفي الشريك والنظير لله، وإن كان مقرّاً معترفاً بها في قلبه، فهو كافر ما لم يكن معذوراً من الإقرار القولي، وإن كان فرض وجود عذر مطلق يمنع من النطق بكلمة التوحيد ولو في السرّ والخفاء فرض نادر، بل بعيد عن الواقع.

القسم الثاني من صفات الله تعالى: وهو الصفات الحقيقيّة غير الذاتيّة. وهذه الصفات مثل صفة التفرّد، وعدم الشريك والشبيه، والتي قد أشير إليها في القسم الأوّل لمناسبة، ومثل صفة الخالقيّة، والرازقيّة، والراحميّة، والرحمانيّة، والرحيميّة، والربّانيّة، والسميعيّة، وغيرها من الأسماء والصفات الأخرى، وقد أُقيم برهان عقلي أو نقلي أو كليهما على استحالة الشريك، ونفي النظير والبديل في كلّ واحد من هذه الصفات والأسماء، ففي كلّ صفة من تلك الصفات لن يكون له شريك بأيّ معنى من المعاني، وبأيّ نحو من الأنحاء، مثل صفة الأحديّة والتوحيد وعدم الشبيه، فقد دلّ  الدليل العقلي على استحالة أن يكون لله شريك، دلالة قطعيّة وتامّة، والدليل السمعي ـأيضاًـثابت على تنزّه الله تعالى عن الشريك والشبيه.

وهكذا في مثل الخالقيّة والرازقيّة، وبنحو عامّ في جميع أفعاله تعالى وصفاته الفعليّة، لا شريك له؛ لا بمعنى أنّ الأفعال الإلهيّة تصدر عنه بمساعدة أو بمشاركة غيره، فهو مستقلّ لا یشارکه أحد في أيّ فعل من أفعاله، ولا بمعنى أنّه قد فوّض أمر الخلق والرزق إلى المخلوق، وتنحّى تعالى عن تدبير الأمور.

نعم، قد يحصل شيء من ذلك، وتُوكل بعض المهام إلى مثل الملائكة ـ باعتبارهم عمّال إرادة الله سبحانه ـ أو الأنبياء والأولياء، ولكن لا يتمّ شيء من ذلك خارج التدبير والتقدير الإلهيين، كما لا يكون مستقلاً ودون إذن من الله تعالى. فمثلاً ورد في القرآن المجيد قوله تعالى:

(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)([272]).

ولكنّه ورد فيه أيضاً في مواضع أخر، مثل قوله:

(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)([273]).

(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)([274]).

(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ )([275]).

حيث تمّ في كلّ واحدة من هذه الآيات الثلاث إسناد مهمّة توفّي الأنفس للملائكة ولملك الموت. والجمع بين هذه الآيات الثلاث والآية الأولى واضح ظاهر؛ ففي الآية الأولى نسب توفّي الأنفس إلى الله تعالى باعتبار أنّ الملائكة هم المكلّفون بقبض الأرواح، والمنفّذين لإرادة الله، وحملة أوامره، والشاهد على ذلك الآية الشريفة:

(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)([276]).

فلو لم يصدر الأمر من الله سبحانه، ولو لم يكن الله تعالى قد أعطى القدرة للملائكة على قبض الأرواح والقيام بالأعمال الأخرى، لعجزت الملائكة عن فعل ذلك. 

وعلى العموم، فلنا بخصوص ذلك القسم من الصفات الحقيقيّة غير الذاتيّة ـ وهي الصفات الفعليّة التي يكون اتّصاف الذات بها منوطاً بصدور فعل من الأفعال ـ أن نقول: هذه الأفعال إمّا أن تكون لها أسباب ظاهريّة لتصرّف البشر الاختياري، أو لا؟ فإن لم تكن لها أسباب ظاهريّة فإنّ الله متفرّد في فعلها بكلا المعنيين، بأن لا يكون له معين أو شريك في القيام بها، ومثل هذه الأمور لم يكلها أيضاً للغير دون أن يكون أمرها وتدبيرها بيده تعالى، وبخصوص التدخّلات والأفعال التي تصدر من الآخرين كالملائكة والأنبياء والأولياء، فرغم أنّ ذلك يقع باختيار منهم، إلّا أنّه لا يخرج عن حدود وإطار التقدير والتدبير الإلهيين، وضمن أداء المهام والبرامج الغیبیّة، وحتى بالنسبة لمعجزات الأنبياء،فإنّها لا تخرج عن هذه الدائرة، وحصولها بإذن الله تعالى وتدبيره، كما قال تعالى بشأن عيسى بن مريم÷:

(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)([277]).

وإن كانت الأسباب الظاهريّة لفعل ما، قد وُضعت تحت اختيار الإنسان، فصدور الفعل منه سواء كان عن طاعة وامتثال لأمر الله، أو عن تمرّد وعصيان، لا يتنافى مع التوحيد. نعم، وقوع ذلك الفعل من دون الأسباب الظاهريّة يدخل في دائرة الأفعال الإلهيّة، وطبقاً للشرح المتقدّم لا يصدر عن غيره إلّا بأن يعطي الله للإنسان القدرة بأن يصدر ذلك الفعل من غير الله في إطار تلك القدرة وذلك التدبير والإذن الإلهي.

لهذا فإنّ ذلك القسم من الأفعال التي تحصل دون أسباب عادية وظاهريّة تسند إلى الله ورسله، الأعمّ من الملائكة والأنبياء والأولياء، مثل: إغاثة المضطرّ، وشفاء المريض، وهكذا جميع الأمور التي تقع دون عناية غيبيّة، وفي حصولها وفقاً للأسباب الظاهريّة خرق للعادة، سواء كان بتسبيب الأسباب الطبيعيّة بصورة غير اعتياديّة، أم كان المسبَّب وقع دون سبب اعتيادي.

أمّا وقوع هذه الأفعال بواسطة الأسباب الاعتياديّة التي تحت اختيار الإنسان والمسخّرة له، يصح إسنادها للإنسان ولله تعالى، فيما لو لم تقع في طريق المعصية والتمرّد على أمر الله؛ باعتبار أنّ جميع هذه الأفعال من أيّ شخص صدرت، فإنّها قابلة للإسناد إلى الله سبحانه فقط.

مثلاً أن يقال: إلهي أنت مجيب كلّ مضطر، أو أنت قاضي حاجة كلّ محتاج؛ لأنّ أسباب مثل هذه الأفعال وإن صدرت من غيره، فجميعها بتسبيبه تعالى، وحتى قدرة الاختيار التي يمتلكها الإنسان، والتي تعدّ من مقدّمات وأسباب وقوع المسبّب، هي كذلك من العطايا والهبات الإلهيّة بتقديره وتدبيره تعالى.   

لهذا فجميعها تسند إلى الله فقط، ولا يجوز إسنادها إلى غيره (بشكل عام)، كما أنّ إسنادها مجزّأةً وبصورة منفردة إلى الله تعالى، يصحّ بنفس هذا اللحاظ، وهو أنّ جميع الأسباب بيده، وتعود إليه.

أمّا بلحاظ الفعل، فإنّ خطاب: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ»([278]).

يكون بليغاً مؤدّياً للمعنى حينما تكون (الألف واللام) للعهد، والتي يبدو أنّها في مثل هذا الدعاء على خلاف الظاهر.

كما تجوز أيضاً نسبة الأفعال التي یقوم بها الإنسان له بصورة مستقلة، رغم أنّ الوجه في إسنادها لله تعالى سيكون أقوى؛ باعتباره سبحانه هو مسبّب جميع الأسباب التي تقف وراء وقوعها، وبهذا اللحاظ يمكن إسناد كلّ واحد من تلك الأفعال إلى فاعلها، لهذا يُتضرّع إلى الله سبحانه بقول:   

«اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجَابَ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفَی...»([279]).

وبهذا اللحاظ الذي يشاهد فيه إسناد أفعال العباد إلى أنفسهم، نقول: الله أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأسرع مَن أجاب، وأَوسع مَن عَفَى، ولا يتنافى هذا مع ذلك المعنى التوحيدي الذي يفهم من عبارة: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ».

آمل أنّي بهذا التوضيح المفصّل والواسع، بقلمي ولساني القاصر، أكون قد
بيّنت ـ
إلى حدّ ماـجانباً من الحقائق والمعارف التي اشتملت عليها عبارات الدعاء. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ.

المتبقّي من هذا المقطع من الدعاء حتى نهايته، يتضمّن إبراز التضرّع والخضوع والمسكنة بين يدي البارئ تعالى، والحمد والثناء والشكر والمسألة والصلاة على محمد وآل محمد^، وطلب حوائج الدنيا والآخرة والمهمّات بأفضل بيان، فحين التضرّع بها يخشع القلب، ويخضع البدن، ويتّسع أفق عرفان الداعي، وترتقي بصيرته الدينيّة، ويتهيّأ لتلقّي الإفاضات الغيبيّة، وبلوغ الدرجات العالية.

...فداك روحي يا سيّد المظلومين، وسيّد الشهداء، وقبلة الأحرار، ومحبوب الموحّدين، ومقتدى المضحّين!

إنّ الإنسان ليبقى متحيّراً؛ ماذا يقول! وماذا يكتب! في وصفه لأحوال الإمام× في هذا الدعاء؟! حتماً وأبداً ليس بمقدورنا أن ندرك تلك الحالات الربّانية، ولا نقوى على وصفها، والله! «مَا لِلتُّرَابِ وَرَبِّ الْأَرْبَابِ» حقّاً لم يكن ذلك مقدوراً لفهمي، ولكلّ من هو مثلي.

 من دواعي فخري واعتزازي، أن أُعدّ حارساً (كلباً) أقف على باب أحد مجالس العزاء في الحسينيّات والمساجد، أو أسير خلف مواكب العزاء المتنقّلة هنا وهناك؛ إحياءً لمصيبة ذلك الإمام العظيم، ويُتحنّن عليّ بكسرة خبز، وحينها سأرفع رأسي مفتخراً ليعانق القمر في كبد السماء بل ليتعدّاه.   

اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَعَلَی الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلَامُ اللهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

أيّها الإمام العزيز، أنت من رأيت الله بعين قلبك، وقلت في حضرته المقدّسة، وأنت على يقين تام:

«لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤُولٌ، وَلَا سِوَاكَ مَأْمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي، ووَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّیْتَني، وَفَزَعْتُ إِلَيْكَ فَکَفَیْتَنِي»([280]).

أيّ وثوق واعتماد على الله أعلى وأشدّ من وثوق الإمام الحسين× واعتماده عليه يوم عاشوراء؟! هو من لاقى في صبيحة يوم عاشوراء كلّ تلك المصائب ـ التي تتداعى أمام أقلّها وأصغرها رباطة جأش أشجع الشجعان، ويفقد صلابته ـ بكلّ عزم وأنفة واطمئنان وثقة بالله، وقد ضمّن الإمام× ذلك بدعائه في تلك اللحظات، قائلاً:

«اَللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَأَنْتَ رَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ...»([281]).

أيّ رجاء وطمأنينة أعظم وأرفع من موقف الإمام× في ذلك اليوم، وهو يرى بأمّ عينه كيف أنّ أعزّ أناس وأشرف بشر؛ وأعني: أهل بيته وأصحابه، أصبحوا فريسة تنهش أجسادهم آلاف السيوف والسهام والرماح بيد أعدائه القساة السفّاحين! ويشاهد مصير أعفّ وأفضل نساء في العالم، ووقوعهن في أسر هذه الطغمة، ويسمع صيحات عطش أطفاله المقرحة للقلوب، وهو يقاسي ألم فراق أبنائه وأخوته وأصحابه وأحبّته الواحد تلو الآخر، وقد ظنّ مَن في معسكر الأعداء أنّهم يضيّقون عليه حلقة صبره وتمنّعه وثباته، ولكنّه رغم هول ذلك الموقف بقي جبلاً أشمّ، فلم يُحدث كلّ ذلك لا في نفسه ولا في نفوس أهل بيته ولا أصحابه أيّ ضعف أو تزلزل في مواصلة الطريق وأداء المهمّة الكبرى لحفظ الإسلام ومعالم التوحيد.

حتماً كان قلب الإمام× في يوم عاشوراء مركزاً لنزول تجلّيات الحقّ، وكانت عناية الله في ذلك اليوم أكثر من أيّ يوم آخر، ترعى هكذا عبد والهٍ حائر، فكان الله تعالى ناصراً ومعيناً للحسين، وأصبحت كربلاء يومها ميداناً لتجسيد أكبر وأعظم صور الفخر ومعالم العزّة في عالم الإنسانيّة، وبذلك الإيمان والصبر وتلك الهمّة والرضا والتسليم الذي أظهره سيّد الشّهداء×، فَسّر بوضوح قوله تعالى في الآية الكريمة: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ )([282]).

دعاء عرفة يفسّر لنا هذه الآية أيضاً، إذ إنّ دعاء عرفة قد جسّد العلم، والمعرفة، وقمّة الإيمان، وتقبّل الإمام× للشهادة في سبيل الله يوم عاشوراء بشوق وشغف، وبأيّة كيفية؟! بكيفيّة لم يسبق لها مثيل في العالم كلّه، ولن يكون.

وفي ختام بياني لهذا المقطع أقدّم أبياتاً من الشعر، خطرت لي أثناء سفري وخلال نقاهتي من المرض أهديها للمجمع الإسلامي، والحضور الشيعة المخلصين المحبّين لسيّد الشهداء×، عسى أن تنال القبول والرضا: 

روانِ عالم امكان حسين است
جمال
الله واسمالله اعظم
به ابراهيم وموسی ومسيحا
به زهرا وعلی نور دو عين است
ابوالاحرار وآقای شهيدان
ز بحر قدرت بی
انتهائی
به ملك عشق وتجريد وتوكّل
خدا را فيض اكمل نور سرمد
بهجمع قدسيان در عرش وكرسی
نهان اسم المولی والحقّ
در اوج آسمان صبر وايثار
به ماه ونيّر اعظم ضيابخش
به رستاخيز فردای قيامت
ندای دين واسلام وولايت
اَلا ای دردمند خسته
زار
به
 صحرای بلا آنكس كه گرديد
به راه حقّ وحفظ دين توحيد
به ميدان ثبات واستقامت
از آن حريّت واز آن شجاعت
به لطف آن
‌‌که «لطفی» دارد اميد

 


جهانِ بينش وعرفان حسين است
ظهور اسم
الرّحمان حسين است
ولیّ صاحب
الاحسان حسين است
به ختم
الانبيا جانان حسين است
ولیّ اعظم يزدان حسين است
فروزانگوهر رخشان حسين است
ولیّ مطلق وسلطان حسين است
دليل وحجّت وبرهانحسين است
سخناز عزّت وشأن حسين است
عيان وباطن قرآن حسين است
يگانه اختر تابان حسين است
جمال نورافشان حسين است
شفيع معصيت
كاران حسين است
بلندآوا ز ايمان حسين است
دوای درد بی
درمان حسين است
تنش
در خاك وخون غلتانحسين است
شهيد خنجر عدوان حسين است
يگانه فارِس ميدان حسين است
خِرَد مبهوت وحيران حسين است
اميد قلب مظلومان حسين است
([283])




 




 


 

المقطع  التاسع: أبحاث أخلاقية وعقائدية هامّة

 

 

 

 

 

المقطع  التاسع

أبحاث أخلاقيّة وعقائديّة هامّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 





 



 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 






 



 



المقطع  التاسع: أبحاث أخلاقية وعقائدية هامّة

«اَللَّهُمَّ وَنَقِّنَا وَسَدِّدْنَا، وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنَا، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ... وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»([284]).

في بداية هذا المقطع من الدعاء يسأل الإمام× النقاء والتسديد والاستقامة وقبول تضرّعه من الله سبحانه.

والنقطة التي من المناسب الإشارة إليها هنا، هي أنّ مقصود الداعي من طلبه التوفيق والتسديد والنقاء، وأمثال هذه الأمور، ليس الاكتفاء بالدعاء دون سعي وجدّ ومثابرة، وإنّما المقصود مواصلته العمل المحاط بالعنايات الإلهيّة، عسى أن تكون جهوده ومساعيه مثمرة ومباركة، وإلّا فمن لا يعمل ولا يسعى، ويتكاسل ويتلف أوقاته بمشاغل البطّالين، ولا يستثمر الفرص المتاحة له، مع استطاعته ذلك، حيث منّ الله عليه بالقدرة على تحصيل رغباته وأمانيه وأهدافه، فإنّ دعاءه لن يكون حقيقيّاً، فطلب الطهارة من الذنوب يجب أن يكون مصحوباً بالتوبة النصوح، والندم على ما ارتكبه من المعصية، والعزم على تركها، وعدم العود إليها، فمن يسأل هذه الأمور حقيقة من الله تعالى، لابدّ أن يعيش التوبة والإنابة والأوب والرجوع إلى الحقّ تعالى، وطلب المغفرة منه، وتسديد العصمة من الزلل والذنوب، ويستيقظ شعوره الديني والوجداني، لائماً نفسه على الذنوب.

طبعاً يزداد التوفيق نتيجة هذه الحالات الطاهرة، والإقبال على العبادات والطاعات التي تنبع من الإيمان المحض والنيّة الخالصة، كما أنّ الخذلان هو حصيلة المعصية والاستخفاف بالأوامر الإلهيّة.  

مسألة العلم الإلهي

تتمّ الإشارة خلال هذا المقطع إلى علم الله، واطّلاعه التامّ على أحوال العبد وأعماله، وما في ضميره:

«يَا مَنْ لَا يَخْفَی عَلَيْهِ إِغْمَاضُ الْجُفُونِ، وَلَا لَحْظُ الْعُيُونِ، وَلَا مَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَکْنُونِ، وَلَا مَا انْطَوَتْ عَلَیْهِ مُضْمَراتُ الْقُلُوبِ، أَلَا کُلُّ ذَلِكَ قَدْ أَحْصَاهُ عِلْمُكَ، وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ»([285]).

إنّ مسألة العلم الإلهي بالأمور سواء الجزئيات أم الكليات، والماضي والحاضر والمستقبل أم الخفي والظاهر، تعدّ من أهمّ المسائل في معرفة الله، والتي لا تكتمل المعرفة الإلهيّة من دونها، بل لا تتحقّق، ويمكن القول: إنّ المعرفة بالله من أيّ طريق كانت، لا يمكن حصولها دون المعرفة بعلم الله أيضاً.

صفة العلم من أهمّ صفات الله تعالى، حيث يعود إليها الكثير من الأسماء الحسنى والصفات الإلهيّة الأخرى، وتعدّ من شعبها، وبحسب الآية الشريفة:

(ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ)([286]).

والمقصود من خلق السماوات والأرضين وتنزّل الأمر بينهن، هو العلم بأنّ الله على كلّ شيء قدير، وأنّ علمه محيط بكلّ شيء. وقد أكّد القرآن الكريم سعة علم الله سبحانه في آيات كثيرة جدّاً، كما في قوله تعالى:

أ) (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ )([287]).

ب) (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ  ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)([288]).

ج) (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ )([289]).

د) (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ)([290]).

وآيات عديدة أخرى.

إنّ كلّ هذا العالم ـ من حيث المبدأـوكتاب التكوين، والخلقة وأنظمتها المتقنة غير القابلة للإحصاء، لا تخرج عن علم الله وإحاطته، وحتى في الموجود الواحد كالإنسان، فمع ما توصّل إليه من تقدّم وتطوّر علمي، ما تزال البحوث والدراسات وتقصّي الحقائق في الأنظمة والحِكَم الإلهيّة المحيطة بوجود الإنسان قائمة.  

وكم هو جميل ما أنشده والدي المرحوم  آية الله محمد جواد الصافي&:

جهان بااينهمه وضع منسّق
خدا داناست بر اشيا كما هی
چنان داده نگارش اين جهان را
از او عالم شده انسان منظّم
نموده خلق هر چيزی كه بايد

 


دليل دانش حقّ است الحقّ
دهد هر ذرّه بر علمش گواهی
كه بِهْ هرگز نيايد زان گمان را
كه نه در آن زياد ونه در آن كم
جهان آراسته انسان كه شايد
([291])

 وكتاب التشريع أي القرآن المجيد، مثل كتاب التكوين في الدلالة على علم الله وحكمته، ذلك أنّ جميع آياته والموضوعات المطروحة فيه تناولت المعرفة والمعرفة الإلهيّة، وأخبار الأنبياء والأمم الماضية، والإرشادات والوصايا الأخلاقيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والماليّة والعباديّة، وأدلّة المعاد والأمور الأخرى، وكلّها كاشفة وحاكية عن علم الله وحكمته. 

إنّ الإيمان بعلم الله وحكمته، هو أساس كلّ القناعات والمعتقدات المهمّة الأخرى، ومنشأ الوجدان الديني ورؤى القلب الخفيّة في الأفراد، التي تمنعهم من ارتكاب الذنوب في الخفاء والخلوات، وتأثير هذه القوّة الأمنيّة والشرطة الباطنيّة في التزام الأشخاص ورعايتهم للآداب والقوانين والنظام وحقوق بعضهم بعضاً والابتعاد عن الظلم واجتناب الخيانة والسرقة والفحشاء وجميع المعاصي، أشدّ وأقوى من القوّة الأمنيّة والشرطة الظاهريّة بأضعاف.      

وفي النهاية لا تتوفّر لديهم بيانات ولا إحصائيات، ولا يمكن أن تتوفّر، إذ ليس من المقدور معرفة كم مؤمناً ارتكب هذا العمل القبيح، أو أقدم على ذلك الفعل السيّء، والذي يبلغ الملايين بطبيعة الحال، ولا سلوكهم للطرق الخاطئة، ولا تصنيف أحاديثهم إلى ما يندرج تحت عناوين مثل: الكذب والغيبة واشعال الفتنة، كما لم يكن ذلك لمرّة واحدة وفي يوم واحد حتى ينتهي الأمر، إنّما في كلّ يوم وفي كلّ ساعة، ولكن إيمانهم بعلم الله المحيط ووجدانهم العرفاني، صار مانعاً وجنةً لهم من كلّ ذلك.    

فما يتحقّق للمجتمع عن طريق الإيمان بعلم الله وقدرته من تأثير في صنع الوجدان الديني، وفي حصانة الإنسان ضدّ الأعمال المخالفة، لا يمكن حصوله عن أيّ طريق آخر أبداً.   

لاحظوا ما أفاده ـ بالمضمون ـ أحد رجالات المسيحيّة الواعين، حيث قال في ضمن كلام طويل له تمجيداً وتعظيماً للرسول الأكرم’، وما قدّمه من عطاء ضخم للمجتمع الإنساني:

نحن الأميركيّين، ونتيجة لملاحظة ضرر المسكّرات والمشروبات الكحوليّة، توصّلنا إلى ضرورة تشريع قانون للمنع والحدّ منها، ومعاقبة الذين يتعاطونها([292])، ولهذا السبب تمّ سجن عدد، وتغريم آخرين، وبالنتيجة لم نوفّق، وهزمنا، واضطررنا إلى لغو ذلك القانون، لكن نبي الإسلام  أبلغ عن طريق الوحي الإلهي من الله في مقام بيان الرسالة بتحريم الخمر، ومنع الناس تعاطيها، ومنذ ذلك اليوم حتى الآن، وبعد 14قرناً، وهذا الحكم مازال محترماً بين مئات ملايين المسلمين في كلّ عصر وزمان، والأكثريّة منهم المتاخمة للإجماع في كلّ العالم،  يجتنبون تناولها ومعاقرتها بشدّة، رغم أنّ الكثير منهم لم يطّلع على مضارّ ومخاطر المسكرات، فكان من نتائج هذا الحكم الذي لا يمكن إجراؤه حاليّاً إلّا عن طريق الشرطة الباطنيّة، نجاة مئات الآلاف طوال هذه السنوات من الموت المؤكد مقارنة بالدول الأخرى التي تنتشر فيها حانات الخمور دون أيّ قيود تذكر، حيث من المسلّم به أنّ خسائرها الناجمة عن ذلك تبلغ عشرات الآلاف.

وفي ختام حديثه يقول: إذن تعالوا جميعاً لنلقي تحية إجلال على محمّد’.

هذا هو تأثير الإيمان بإله عالم قدير، والذي لا توجد في الدنيا قوّة يمكنها أن تحلّ محلّه في السيطرة على غرائز البشر، وحتّى المعلومات والاطّلاع الكامل على مضارّ ما يشرب، لا يجدي نفعاً، ولا يقع مؤثّراً ـأيضاًـفي اجتناب الناس وامتناعهم عنها.

ونفس أهل الاطّلاع إن لم يتعاطوه أكثر من الآخرين، فليسوا بأقلّ منهم؛ كما قد قرأت في إحدى الصحف اعتقال شخص في أميركا بجريمة عدم رعايته لقوانين المرور؛ لأنّه كان سكراناً، وبعد التحقيق في المسألة اتّضح لهم أنّ هذا الرجل الذي كان في غاية السكر، هو رئيس جمعيّة محاربة المسكرات!

صفات الله عين ذاته

ثمّة نقطة يجدر بنا أن نذكّر بها هنا، وهي: أنّ صفة علم الله عين ذاته، فالله تعالى منزّه عن أن تكون صفاته الحقيقيّة زائدة على ذاته، كما هو حال الإنسان والملائكة. وبناء على هذا يصبح الحديث عن حقيقة العلم الإلهي حديثاً عن حقيقة ذات البارئ، وهو من فضول القول الذي قد نُهي عنه؛ لأنّ المحيط، لن يكون محاطاً والمخلوق لن يدرك كنه الخالق.

وقد تحدّث الفلاسفة كثيراً عن حقيقة العلم بصورة عامّة، وعلم البارئ تعالى بصورة خاصّة، حتى بلغت أقوالهم المختلفة إلى عشرة أقوال. والطريق الذي ما كان ينبغي أن يسلكوه، ولا يمكن ـأصلاًـسلوكه، سلكوه بحسب ظنّهم، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَهُ عُلُوّاً كَبِيراً ([293]).

و«كُلَّمَا مَيَّزْتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ فِي أَدَقِّ مَعَانِيهِ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مِثْلُكُمْ، مَرْدُودٌ إِلَيْكُمْ، وَالْبَارِي تَعَالَی وَاهِبُ الْحَيَاةِ، وَمُقَدِّرُ الْمَوْتِ، وَلَعَلَّ النَّمْلَ الصِّغَارَ تَتَوَهَّمُ أَنَّ لِلهِ تَعَالَی زُبَانِيَتَيْنِ أَيْ قَرْنَيْنِ، فَإِنَّهُمَا كَمَالُهَا، وَتَتَصَوَّرُ أَنَّ عَدَمَهُمَا نُقْصَانٌ لِمَنْ لَا يَكُونَانِ لَهُ، وَلَعَلَّ حَالَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ كَذَلِكَ فِيمَا يَصِفُونَ اللهَ تَعَالَی بِهِ»([294]).

وهكذا ورد في الحديث:

«إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي الله، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى عَظَمَتِهِ، فَانْظُرُوا إِلَى عَظِيمِ‏ خَلْقِهِ‏»([295]).

هناك الكثير من الكلمات والخطب والأدعية المأثورة عن أهل البيت^ حول علم الله وسعته، بحيث لو جُمعت مع بعضها لصارت عدّة مجلّدات.

أخذ الإمام× في نهاية هذه المجموعة من الجمل المتعلّقة بعلم الله سبحانه، يلهج بتسبيح الله وتنزيهه وحمده وتمجيده، في حين أنّ وجوده مليء بإدراك عظمة وسعة علم البارئ تعالى وحلمه، قائلاً:

«سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ([296]) عُلُوّاً كَبِيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ([297])، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَجْدُ وَعُلُوُّ الْجَدِّ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ، وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعامِ، وَالْأَيادِي الْجِسامِ، وَأَنْتَ الْجَوادُ الْكَرِيمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ»([298]).

بعد هذا الثناء والتسبيح والإقرار بالنعم الإلهيّة، يسأل الله جلّ وعلا، ويطلب حاجته بقوله:

«اَللَّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلَالِ، وَعَافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي، وَآمِنْ خَوْفِي، وَأَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ»([299]).

يسأل من الله تعالى في هذه الجملة سعة الرزق الحلال، والعافية في الدين والبدن، وأن يؤمن خوفه، والعتق والفكاك من النار. ومن المعلوم أنّ كلّ واحدة من هذه الحاجات في عداد الحوائج الدينيّة والدنيويّة المهمّة.

الرزق الحلال

إنّ أصل الرزق الحلال من الموضوعات التي أولتها الشريعة أهمّية كبيرة، وهناك قسم كبير من الفقه يتناول أحكام الأطعمة والأشربة والمكاسب المحرّمة والمباحة، وأمثال ذلك من المسائل.

ففي رواية عن الإمام الباقر×، عن رسول الله’، قال:

«اَلْعِبَادَةُ سَبْعُونَ جُزْءَاً، أَفْضَلُهَا طَلَبُ الْحَلَالِ»([300]).

فطلب الرزق الحلال من العبادات المهمّة، ومن الأمور الموجبة للأجر العظيم.  حتّى ورد في حديث عن الإمام الصادق×، أنّه قال:

«اَلْكَادُّ عَلَی عِيَالِهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ»([301]).

وعن الإمام الصادق×، قال أيضاً:

«إِنَّ اللهَ} يُحِبُّ الْمُحْتَرِفَ الْأَمِينَ»([302]).

إنّ تناول الطعام الحلال ـمضافاً إلى أنّه خال عن المسؤولية شرعاً ـله تأثير وضعي في حسن النيّة وطهارة باطن الإنسان، كما أنّ اللقمة الحرام هي الأخرى لها آثارها السيّئة أيضاً.

من الأمور التي سيسأل عنها الإنسان، ماله من أين كسبه، وفي أيّ موضع أنفقه. كما ورد في حديث يرويه الشيعة والسنة عن رسول الله’، أنّه قال:

«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّی يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»([303]).

وهكذا في حديث آخر:

«تَرْكُ لُقْمَةِ الْحَرَامِ أَحَبُّ إِلَی اللهِ مِنْ صَلَاةِ أَلْفَيْ رَكْعَةٍ تَطَوُّعَاً»([304]).

عافية الدين والبدن

العافية في الدين والبدن واحدة من الحوائج التي سألها الإمام في هذه الجملة من الدعاء، حيث إنّ لكلّ منهما أهمّية كبيرة مع شدّة ارتباطهما، وإذا امتلكهما شخص نال سعادة الدنيا والآخرة.

العافية في البدن عبارة عن الصحّة والسلامة من الأمراض، ونقص الأعضاء، وكمال الخلقة واستوائها، والتي تعدّ من النعم الإلهيّة الكبيرة عند ملاحظة كثرة الأمراض، وأنواعها وأقسامها، حيث تعدّ السلامة من كلّ واحد منها نعمة برأسها، وأغلب الناس غافلون عن شكر هذه النعمة؛ لغفتلهم عن نفس تلك النعم، أو لأنّهم أساساً لايعرفونها؛ ذلك لأنّ الاطّلاع على هذه النعم يتطلّب اطّلاعاً كاملاً على علوم متعدّدة؛ كلّها ذات صلة بجسم الإنسان من اللحم والجلد والعظم والعروق والشحم والدم والمفاصل والخلايا والأعضاء والجوارح الظاهرة والباطنة، والتي حتى لو افترضنا اطّلاع شخص عليها جميعها، فإنّه سيبقى قاصراً عن معرفتها التامّة، وعن أداء شكرها؛لأنّ هذه العلوم غير مكتملة.

يستشعر الناس قيمة نعمة الصحّة والسلامة حينما يعانون من الأمراض أكثر من أيّ وقت آخر، ومع ذلك يغفلون عن نعمة سلامتهم من ملايين الأمراض الأخرى التي لم يُبتلوا بها، وهكذا قيل: «اَلنِّعْمَةُ مَجْهُولَةٌ مَا دَامَتْ مَحْصُولَةً، فِإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ»([305]).

وهذا من باب: تُعْرَفُ الْأَشْيَاءُ بِأَضْدَادِهَا.

وإلى هذا الأصل تمّت الإشارة في كلام الإمام× في بدايات الدعاء بقوله:

«ثُمَّ مَا صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي ـاللَّهُمَّـمِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعَافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ»([306]).

عافية الدين وأقسامها

أمّا العافية في الدين، وهي ذات الأهمّية الأكثر ـ وإن لم تكن متوفّرة ستصبح العافية في البدن مدعاة للاحتجاج على العبد، واستحقاقه التوبيخ والعقاب أكثر ـ تقع على أقسام ثلاثة:

1ـ عافية الفكر والعقيدة.

2ـ عافية الأخلاق.

3ـ عافية العمل.

1ـ عافية الفكر والعقيدة

عافية الفكر والعقيدة، هي أن تكون معرفة الشخص بالله وصفاته وأسمائه الحسنى، والملائكة، ومسائل نبوّة الأنبياء، والوحي والإمامة، وخصوصاً خاتم الأنبياء’ وأوصيائه وخلفائه، والمعاد، وكلّ الأمور العقائديّة، سالمة من الانحرافات، نقية طاهرة من البِدَع والشبهات، لا تخرج عن الخطّ الذي رسمه الأنبياء، خصوصاً  الخاتم’، واكتسبها كلّها وفق المعايير والضوابط العقليّة والنقليّة الصحيحة، مؤمناً بما أنزل على محمد بن عبدالله’، الأعمّ من الأصول والفروع، ولديه إيمان راسخ حتّى بأدقّ تفاصيل الأمور العقائديّة، وأصغر فرع من الفروع والأحكام الشرعيّة والعمليّة، جاعلاً ميوله النفسيّة في كلّ الأمور تابعة للشرع.

 من البديهي أنّ مجرّد الانحراف وإنكار موضوع مسلّم من موضوعات الدين الإسلامي، يؤدّي إلى الطعن في شخصيّته، كما قد يوجب كفره. 

والعجب ممّن يعجب بإسلام عمر وأمثاله وسابقتهم في الإسلام وصحبتهم للنبي، دون التفات إلى أفعالهم ومواقفهم.

وأقول:

أوّلاً: إنّ الصحبة بمجرّدها لا تصلح أن تكون دليلاً على الإيمان؛ لأنّ الصحابة بحكم القرآن المجيد، وبحسب أخبار الحوض المتواترة، كان كثير منهم إمّا مرد من البداية على النفاق وتظاهر بالإسلام، أو انحرف عن الحقّ بعد رحيل النبي’.

ثانياً: هؤلاء الأشخاص لم تكن لهم مواقف ومناصب مهمّة، وبحسب قول أحد العظماء: إنّ هذين الرجلين لم يذكر التاريخ أنّهما قتلا فرداً واحداً من الأعداء في أيّ معركة من المعارك، مضافاً إلى أنّ مواقفهم السيّئة أكثر وأشهر من ذلك، أَوَ ليس منهم أولئك الذين فرّوا من ساحة الجهاد ـ كما قيل قبل هذا أيضاً ـ وتركوا رسول الله’ وحده في معركة أحد، وأخذوا يفكّرون بترتيب الصلح مع الكفّار والعودة إلى الكفر! 

ثالثاً: لا يلزم في مسألة الكفر والانحراف الفكري والعقائدي إنكار جميع العقائد أو الأحكام، إذ يكفي إنكار مورد واحد للخروج عن الإسلام. لهذا فإنّ الشخص الذي يعترض على النبي’ علناً في صلح الحديبية، ولم يقبله([307])، أو لا يقبل حكم الله في مسألة متعة الحجّ، رغم سماعه من لسان النبي’([308])، حريّ بأن يُشكّك في إسلامه؛ لأنّ الإيمان بالنبي’ ورسالته، يجب أن يكون مطلقاً، وإنكار كلّ واحد من هذين الحكمين مع سماعهما من النبي’ لا ينسجم بأيّ نحو من الأنحاء مع الإسلام، والأنكى من ذلك كلّه ردّه على النبي’ في مسألة الوصيّة، حين قال’:

«عليَّ بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً، لن تضلّوا بعده أبداً» ([309]).

ولكنّه خالف كلام النبي’، ومنع من تحقّقه، بمقولته الخبيثة والمهينة بحقّ رسول البشرية’، الذي قال الله تعالى في شأنه:

(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)([310]).

حيث آذى رسول الله’، وهو في تلك الحالة الصعبة، حين أطلق كلمته السيّئة في حضوره، واصفاً إيّاه بأنّه يهجر، ووقع نتيجة ذلك اختلاف كبير([311]).

 

والحاصل: إنّ السلامة الفكرية والعقديّة، لا يمكن تحقّقها من خلال إنكار الثوابت الإسلاميّة.

2ـ عافية الأخلاق

وهي عبارة عن اتصاف الإنسان بالأخلاق الإسلاميّة التي بيّنها القرآن المجيد والأحاديث المرويّة عن النبي والأئمّة^، مثل: الصبر، والزهد، والتواضع، والصدق، والسخاء، والشجاعة، والعدالة، والرحمة، والحلم، والعفّة، والمروّة، والحرّية، والفتوّة، والعفو، والإيثار، وصلة الرحم، ورعاية حقّ الجوار، وحقّ الأب والأم، والمواساة، والإحسان، والإنصاف، وكظم الغيظ، وصدق الوعد، والتفويض، والتوكّل، والرضا، والتسليم، وجميع الصفات الحميدة ومكارم الأخلاق، التي يوصي بها ويحثّ عليها القرآن المجيد، والأحاديث الشريفة، والأدعية.

وبحسب الحديث المعروف: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِاُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»([312]).

إنّ تعاليم الإسلام هي الأكمل والأنجع في بناء الإنسان، ولهذا فإنّ الكثير من الحكماء ممّن يطلقون على علم الأخلاق اسم الحكمة العمليّة، لا يدلون بدلوهم فيها؛ نظراً لاعتقادهم بأنّ نصائح الإسلام وإرشاداته في هذا الموضوع، لم تُبق لذي مقال مقالاً، ولا لمتكلّم كلاماً.

لقد نقلت كتب الشعر والأخلاق أشعاراً وحكايات عن بعض المسلمين الذين تربّوا وترعرعوا في كنف الإسلام، حيث تُصوّر مدى غنى المسلمين وتمتّعهم بالأخلاق الحسنة، ومفاخرهم في ذلك، بما لا يفوقه تصوّر. 

فشخص النبي الأكرم’ الذي خاطبه الحقّ تعالى بقوله:

(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ )([313]).

كانت أخلاقه الكريمة أحد العوامل الرئيسة في نفوذ دعوته’ بين الناس في الجاهليّة، ولم يكن بالحسبان أبداً أن يحصل في عاداتهم وسلوكهم أدنى تحوّل وتبدّل.

وهكذا أهل بيته^ أمير المؤمنين وسائر الأئمّة الطاهرين^، كانوا جميعاً النموذج الأسمى والمَثَل الأكمل للأخلاق الانسانيّة، وهذا ما يعترف به العدو والصديق، وهذه الأخلاق سرّ ورمز محبوبيّتهم غير الاعتياديّة في قلوب الناس.

هُمُ الْقَوْمُ فَاقُوا الْعَالَمِينَ مَنَاقِباً
هُمُالْقَوْمُ مَنْ أَصْفَاهُمُ الْوُدَّ مُخْلَصاً

 


مَحَاسِنُهُم تُجْلَی وَآثَارُهُم تُرْوَى
تَمَسَّكَ في اُخْرَاهُبِالسَّبَبِ الْأَقْوَى([314])

وهم كما قال صادقُهُم، وكلُّهم صادقُون^:

كُنَّا نُجُوماً يُسْتَضَاءُ بِنَا
نَحْنُ الْبُحُورُ الَّتي فِيهَا لِغَائِصِکُمْ
مَنْ شَذَّ عَنَّا فَبَرْهُوتٌ مَكَانَتُهُ
مَسَاكِنُ الْخُلْدِ وَالْفِرْدَوْسِ تَمْلِكُهَا

 


وَلِلْبَرِیَّةِ نَحْنُ الْيَوْمُ بُرْهَانٌ
دُرٌّ ثَمينٌ وَيَاقُوتٌ وَمَرْجَانٌ
وَمَنْ أَتَانَا فَجَنَّاتٌ وَرِضْوَانٌ
وَنَحْنُ لِلْقُدْسِ وَالْفِرْدَوْسِ خُزَّانٌ([315])

3ـ عافية العمل

العافية في العمل، وهي عبارة عن رعاية الإنسان التامّة لأحكام الشرع المقدّس في أعماله الفرديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والماليّة، وهكذا في العبادات والواجبات والفرائض، والتزامه الدقيق بتلك الأوامر والنواهي التي ملئت بشكل رئيسي كتب الفقه، واجتنابه المعاصي والذنوب، متدرّعاً بالتقوى، لا يتسامح حتى بالنسبة للذنوب الصغيرة، فيكون حذراً منها كما هو الحال مع الذنوب الكبيرة، ويعمل كما يصفه الشاعر عبدالله بن محمد المعتز [ابن المعتزّ] بقوله:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا
وَاصْنَعْ کَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْ
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً

 


وَكَبِيرَهَا فَهُوَ التُّقَى
كِ یَحْذَرُ مَا یَرَى
إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحِصـى([316])

الأمان من الخوف والعتق من النار 

المسألتان السادسة والسابعة في هذه الفقرة من الدعاء، هما تأمين الخوف وعتق الرقبة من النار، وكلّ واحدة منهما تعدّ من أهمّ المقاصد والغايات، ومن نالها لم يشعر بغصّة ولا بغمّ.

 بالنسبة إلى معنى تأمين خوفه، ليس هو بلوغه حالة يزول عندها خوفه من الله؛ لأنّ المؤمن يجب أن يعيش دائماً بين الخوف والرجاء، إذ إنّ الخوف من الله ومن مواقف يوم القيامة؛ من علائم الإيمان، ومقامات الصدّيقين.

فقد ورد في أحوال الإمامالحسن المجتبى×، أنّه:

«كَانَ إِذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ بَكَی، وَإِذَا ذَكَرَ الْقَبْرَ بَكَی، وَإِذَا ذَكَرَ الْبَعْثَ وَالنُّشُورَ بَكَی، وَإِذَا ذَكَرَ الْمَمَرَّ عَلَی الصِّرَاطِ بَكَی، وَإِذَا ذَكَرَ الْعَرْضَ عَلَی اللهِ تَعَالَی ذِكْرُهُ شَهَقَ شَهْقَةً يُغْشَی عَلَيْهِ مِنْهَا، وَكَانَ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ}، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ اضْطَرَبَ إِضْطِرَابَ السَّلِيمِ، وَسَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذَ بِهِ مِنَ النَّارِ»([317]).

يصبح المعنى المحتمل من طلب الأمن من الخوف على أساس هذه الرؤية، ناظر إلى أحد حالتي الخوف أدناه:

الأوّلى: حالة الخوف الناشئ من الموت والاحتضار، وطلب البشارة بالأمان، كما يوضّح القرآن الكريم:

(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)([318]).

وفي آية أخرى يقول:

(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ(بواسطة المكاشفات والرؤى) ﭡ ﭢ   ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ)([319]).

وروى ثقة الإسلام شيخنا الكليني، عن سدير الصيرفي، قال: سألت الإمامالصادق×: «جعلت فداكَ يابنَ رسول اللهِ، هل يكرهُ الْمُؤمن علی قَبضِ روحه؟

قال: لا والله، إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت : يا وليّ الله، لا تجزع، فو الذي بعث محمداً، لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينك فانظر. قال: ويمثّل له رسول الله’ وأمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمّة من ذرّيتهم^ فيقال له: هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة^ رفقاؤك، قال: فيفتح عينه، فينظر، فينادي روحه مناد من قبل ربّ العزّة فيقول: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ  (إلى محمد وأهل بيته)ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ  (بالولاية) ) ([320]) (بالثواب) (ﭫ ﭬ ﭭ )([321]) (يعني محمداً وأهل بيته) (ﭯ ﭰ)([322]). فما شئ أحبّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي» ([323]).

الثانية: طلب الأمان يوم القيامة من أهوال ومخاوف ذلك اليوم، والذي وصفته بعض الآيات، مثل: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)([324]).

والأحاديث التي تشير إلى ما سيحصل لأهل الإيمان والأعمال الصالحة، ومن جملتها ما روي بشأن فضيلة إدخال السرور على قلب المؤمن، كما ورد في الرواية عن الإمامالصادق×، حيث قال في ضمن حديث طويل:

«إذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدم أمامه، كلّما رأى المؤمن هولاً من أحوال يوم القيامة، قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله}، حتى يقف بين يدي الله}، فيحاسبه حساباً يسيراً، ويأمر به إلى الجنّة والمثال أمامه، فيقول له المؤمن: يرحمك الله، نعم الخارج خرجت معي من قبري، وما زلت تبشّرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله} منه لأبشّرك »([325]).

وهذا الحديث من الأحاديث التي فيها دلالة على تجسّم الأعمال الذي يستفاد من بعض آيات القرآن المجيد.

وآخر فقرة في هذا المقطع من الدعاء، هي:

«اَللَّهُمَّ لَا تَمْكُرْ بِي، وَلَا تَسْتَدْرِجْنِي، وَلَا تَخْدَعْنِي، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»([326]).

ولتوضيح الطلبات في الدعاء أعلاه، ننوّه على أنّ الأفعال كالمكر والخداع والاستهزاء وغيرها، لا تصدر من الله تعالى؛ لتنزّهه عن مثل هذه الأفعال.

والمراد من نسبة هذه الأفعال إلى الله، كما قال المفسّرون في تفسيرهم لمثل الآيات التي تطرقت لهذا المعنى، كقوله تعالى:(ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ )([327]).

وقوله: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ )([328]).

وهو أنّ الله} لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع، ولكنّه} يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، ويرجع ذلك عليهم، وبدل الانتفاع من النعم الإلهيّة بالصورة الصحيحة، ومن ثمّ شكرها، ينسون الله نتيجة إقبال الدنيا وتتابع النعم المغدقة عليهم، فيغترّون ويصرفونها في المعاصي، ويكفرون بوليّ نعمتهم الحقيقي، ويحسبون تلك النعم باقية خالدة، ولا يرونها عطيّة وهبة من الله، كما قالها قارون:(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)([329]).

عندها يرى الإنسان أنّ كلّ ما لديه من النعم من صحّة بدنه وجاهه وماله ومنصبه، قد تحقّقت نتيجة كفاءته وعلمه ومعرفته وتدبيره.

وبعبارة أخرى: إنّ ردّة فعل خداعهم ومكرهم واستهزائهم أمر واقعيّ وحقيقي، لا مكراً ولا حيلة، لكنّ أولئك ينخدعون ويغترّون بذلك. ومثلها حالة الاستدراج، فعندما يصرّ العبد على المعصية، ولا يتأثّر بالتنبيه والحجج التّامة والمواعظ النافذة، ولا بما يمرّ به من ضائقات، أو سلب لبعض النعم، أو الابتلاء بالأمراض والمصائب ـ التي تعدّ في بعض الحالات كالسياط لتنبيه بعض الأشخاص ـ ولا يعود إلى الطريق الصحيح، ولا يصحوا من غفلته، فستُسلب منه عناية الحقّ بهدايته، ومنعه من الانغماس في ارتكاب الذنوب، وتدوم رفاهيته وتنعّمه وعيشه الرغيد، وبدل أن يشكر ما لديه من النعم، يكفُر بها! ويغترّ بحاله المشابهة لحال المترفين وأهل الدنيا! دون أن يلحظ ما سيؤول إليه مصيره، وماينتظره من عاقبة سيّئة؛ ظانّاً دوام تلك النعم والممتلكات، وعدم زوالها وانقطاعها المرافق للطغيان والجموح.  

فقد ورد في القرآن المجيد:(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)([330]).

هذه نتيجة الاستدراج؛ ومع ذلك يعاد تنبيهه وتحذيره بأن لا يزداد طمأنينة حينما يرى النعم تغدق عليه دون انقطاع، بينما يقضي أوقاته مخالفاً لربّه، عاصياً لأوامره، إذ قد تكون ثمرة زيادة النعم استحقاق العذاب.

ونقل الراغب الأصفهاني في المفردات، رواية عن أمير المؤمنين×، قال فيها:

«مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُكِرَ بِهِ، فَهُوَ مَخْدُوعٌ عَنْ عَقْلِهِ» ([331]).

ومضمونه: أنّ مَن وُسّع عليه في دنياه وعاش مرفّهاً مرتاحاً، ولم يفهم أنّ ذلك كان من باب الامتحان وإتمام الحجّة عليه، فإنّه قد خُدع في عقله وقلّة بصيرته.

لهذا يطلب الإمام × في هذه الفقرة من الدعاء أن لا يبتلى بالاستدراج، ويكون متيقّظاً ملتفتاً معتبراً ممّا يصيبه من الأمراض والمصائب والمتاعب وغيرها، وأن يدرأ عنه شرّ فسقة الجنّ والإنس.


 


المقطع  العاشر: الدعاء ترجمان القلب

 

 

 

 

 

المقطع العاشر

الدعاء ترجمان القلب

 

 

 

 

 

 

 

 

 





 



 


 

 

 

 

 

 






 



 


 

 


«يَا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ، يا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ، وَيَا أَسْرَعَ الْحَاسِبِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ الْمَيَامِينَ ... يَا رَبِّ يَا رَبِّ»([332]).

أخذ يتضرّع الإمام إلى الله سبحانه بهذه الجمل بصوت عالٍ، رافعاً رأسه وبصره نحو السماء، والدموع جارية على خدّيه.

إنّ للبكاء والعويل دور في بناء النفسما يقضي بلزوم اغتنامها بصورة جادّة، حيث يعيش الإنسان في بعض حالات الدعاء لحظات من التوجّه والبكاء والنحيب والتبرّم؛ نتيجة إحساسه بالبعد عن مقام الأنس بالباري ـ عزّ اسمه ـ والحرمان من عنايته وألطافه الخاصّة، إذ كلّما اقترب العبد من الله أكثر أشتدّ ولهه، والتهبت في نفسه نار الشوق للحضور بين يديه، ويصبح للقرب أكثر طمعاً. وفي عین الوصال یرى نفسه ما زال بعيداً يتلظّى بنار الفراق، متلذّذاً بهذا الشعور، فيزداد وصاله واتصاله أكثر فأكثر.

 من كان محروماً نتيجة عدم معرفته، سيكون أشدّ حرماناً من لذّة الاحتراق بلسعات الفراق والبكاء والأنين والحنين وإبراز شوق الوصال، فهو لا يقوى على فهم هذه المعاني؛ لأنّه مأنوس بحالة بُعده وابتعاده، وهي من أرذل الحالات، وقلبه مبتهج بهذا الجهل الكبير والأساسي، ولا يعلم أنّ:


اسير لذّت تن ماندهای وگرنه تو را

 


 


چو عيشهاست كه در ملک جان مهيّا نيست([333])




هنيئاً لأصحاب القلوب المنكسرة للإحساس بالبعد والهجران في لحظات القرب والالتفات، يبكون على محبوبهم الذي طلبوه ووجدوه، وما زالوا يبحثون عنه ويريدونه.

هنيئاً لأولئك العباد الباكين المتضرّعين الذين يأنّون خوفاً من الله، وأبدانهم مرتجفة كالسعفة في مهب الريح لإدراكهم مقام عظمة الله، أو فَرَقاً من عذابه.

يبدو أنّ للبكاء أثناء الدعاء ـ والذي يُمثّل في الواقع روحه ولبّه ـ الأثر البالغ جدّاً في استجابته، مضافاً إلى الأثر الإعجازي له في إعادة الداعي إلى مكانته، وتكميل روحه وتطهيرها.

إنّ للبکاء خلال الدعاء خوفاً ووجلاً من الله، واستذكاراً للفرص الضائعة والعمر الذي انقضى في غمرات الغفلة، مروراً على التقصير والتواني والزلّات والأخطاء والمعاصي والآثام والإقرار بها، فضيلة عظيمة وأثراً كبيراً في طلب المغفرة والعفو عن المعاصي، وعلامة على الحضور في حضرة القرب الربوبي والوصول إلى الرضا الإلهي وقبول التوبة.

فقد ورد في حديث عن الإمامالصادق×، أنّه قال:

«إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُكَ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاكَ، وَوَجِلَ قَلْبُكَ، فَدُونَكَ دُونَكَ، فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ»([334]).

وقال العلّامة المجلسي& في مرآة العقول: «إذا ظهرت تلك العلامات فعليك بطلب الحاجات، والاهتمام في الدعاء للمهمّات، فقد أقبل الله عليك بالرحمة، وتوجّه نحوك للإجابة» ([335]).

ونقل كتاب الكافي الشريف رواية عن الإمام الصادق×، قال فيها:

«مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَلَهُ كَيْلٌ وَوَزْنٌ، إِلَّا الدُّمُوعُ، فَإِنَّ الْقَطْرَةَ تُطْفِئُ بِحَاراً مِنْ نَارٍ، فَإِذَا اغْرَوْرَقَتِ الْعَيْنُ بِمَائِهَا، لَمْ يَرْهَقْ وَجْهاً قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ، فَإِذَا فَاضَتْ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَی النَّارِ، وَلَوْ أَنَّ بَاكِياً ـ خوفاً من الله أو أسفاً وحسرة على فراقه ـ فِي اُمَّةٍ لَرُحِمُوا»([336]).

 وفي رواية أخرى يقول×:

«فَلَوْ أَنَّ عَبْداً بَكَی فِي اُمَّةٍ، لَرَحِمَ اللهُ} تِلْكَ الْاُمَّةَ بِبُكَاءِ ذَلِكَ الْعَبْدِ»([337]).

وعن الإمام الباقر× ـأيضاًـأنّه قال:

«مَا مِنْ قَطْرَةٍ أَحَبُّ إِلَی اللهِ} مِنْ قَطْرَةِ دُمُوعٍ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ مَخَافَةً مِنَ اللهِ، لَا يُرَادُ بِهَا غَيْرُهُ»([338]).

وهكذا في المأثور عن الإمام الصادق×، أنّه قال:

«كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عَيْنٌ غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، وَعَيْنٌ سَهِرَتْ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ»([339]).

وهذه الحالة ـ البكاء ـ مطلوبة ومحبوبة إلى درجة حتى إن لم يكن بك بكاء، حاول التباكي، كما نصّت الرواية على ذلك: «إِنْ لَمْ تَكُنْ بِكَ بُكَاءٌ فَتَبَاكَ»([340]).

وهكذا قال الإمام الصادق×:

«إِنْ لَمْ يَجِئْكَ الْبُكَاءُ فَتَبَاكَ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْكَ مِثْلُ رَأْسِ الذُّبابِ فَبَخٍ بَخٍ»([341]).

هناك الكثير من الروايات والأحاديث قد تناولت هذا الموضوع، ولكن الملاحظة الجديرة بالإشارة هي أنّ الغاية من كسب الفيض، تكمن في حصول هذه الحالات الشريفة التي يصبح فيها العبد في الحقيقة فزعاً مرعوباً من ذنوبه ومعاصيه، عازماً على تلافي ما مضى، منيباً تائباً توبة نصوحاً، وإلّا فإنّ مجرّد البكاء خوفاً من الذنوب مع إصراره على ارتكابها لا يجدي نفعاً، رغم أنّه قليلاً ما يصل الإنسان إلى هذه الحالة من الخوف والفرق وجلاً من الذنوب، دون أن يحدث أيّ تغيير في سلوكيّاته وتصرّفاته القبيحة.

وبخصوص عدم الاكتفاء بمحض البكاء، هناك رواية عن الإمام زين العابدين×، قال فيها:

«لَيْسَ الْخَوْفُ مَنْ بَكَی وَجَرَتْ دُمُوعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللهِ، وَإنَّمَا ذَلِكَ خَوْفٌ كَاذِبٌ»([342]).

بهذا التوضيح والعرض ـ وإن اشتمل على الإطالة في الكلام بحسب نظر بعض القرّاء الأعزّاء ـ لفضائل وفوائد البكاء خوفاً من الله سبحانه، ندركإجمالاً وبقدر فهمنامقام ودرجة حضور الإمام الهمام المظلوم سيّد الشهداء وقائد الأحرار في حضرة المحبوب الحقيقي جلّت عظمته، وأنّه مقام ومشهد لا يبلغه شخص أبداً ما لم يكن في قمّة المعرفة بالله تعالى.   

والآن نأتي على ملاحظة فقرات هذا المقطع، ونشرع من الصلاة على النبي’ التي يسألها الإمام× في هذه الحالة من التضرّع والبكاء.

فضيلة الصلوات

 الصلوات على النبي وآله^ من الأذكار المهمّة جدّاً، وذات الفضيلة البالغة، إذ ورد الأمر بها في القرآن الكريم، حيث قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)([343]).

ولو عطفنا على بيان فضيلتها في الكتب الحديثيّة عند الشيعة والسنّة، سنجدها تزخر بالروايات المتواترة معنويّاً، فضلاً عن تحقق التواتر الإجمالي فيها أيضاً، وسنذكر بعض الروايات الواردة عن أهل البيت^ في الموسوعات الحديثيّة، تيمّناً وتبرّكاً:

أ) عَنْ أَبي عَبْدِ اللهِ×، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ’: مَنْ صَلَّی عَلَيَّ صَلَّی اللهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ»([344]).

ب) عبدُ اللهِ بنِ سنَان، عن أَبي عبد اللهِ×، قال: سمعتهُ يقولُ: «قالَ رَسُولُ اللهِ’: اِرفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ، فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِالنِّفَاقِ»([345]).

ج) عن أَحدهما‘، قال: «مَا فِي الْمِيزَانِ شَيْءٌ أَثْقَلَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ»([346]).

د) عن عبد السلامِ بنِ نعيمٍ، قال: قلتُ لأَبِي عبد اللهِ×: إِنِّي دَخلتُ البيت ولم يحضُرنِي شيءٌ من الدعَاءِ إِلَّا الصلاةُ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، فقال: «أَمَا إِنَّه لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجْتَ بِهِ»([347]).

وبخصوص أثر الصلوات في استجابة الدعاء، ورد في الحديث:

«لَا يَزَالُ الدُّعَاءُ مَحْجُوباً حَتَّی يُصَلَّى عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»([348]).

وفي الرواية أدناه قريب من هذا المضمون:

عن أَبي عبد اللهِ×: «كُلُّ دُعَاءٍ يُدْعَی اللهُ} بِهِ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ، حَتَّی يُصَلَّى عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»([349]).

وقد أوصى الإمام الصادق× من يسأل الله حاجة بالبدء بالصلوات، حيث قال:

«مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَی اللهِ} حَاجَةٌ، فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بالصَّلَاةِ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، فَإِنَّ اللهَ} أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ الطَّرَفَيْنِ وَيَدَعَ الْوَسَطَ؛ إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ لَا تُحْجَبُ عَنْهُ»([350]).

وبشأن صيغة الصلوات وكيفيّتها، فهي بحسب روايات أهل البيت^ يجب أن يضمّ إليها الآل أيضاً، ونهي عن إسقاط هذه الضميمة.

وفي حديث آخر: سمع الإمامالصادق× رجلاً متعلّقاً باستار الكعبة المعظّمة، يقول: «اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ»، فقال له الإمام×:

«يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَبْتُرْهَا، وَلَا تَظْلِمْنَا حَقَّنَا، قُلْ: اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ»([351]).

وفي تشهّد الصلاة، تعدّ الصلوات على الآل، کالصلوات على النبي’ من أجزاء الصلاة، وتركها عمداً، موجب لبطلان الصلاة كبقيّة الأجزاء. ومن البديهي كفاية أيّ لفظ في ضمّ الصلوات على الآل، مثل: «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ» و«صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ» و«اَلصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ» وأشباهها؛ وإن كان الاحتياط في تشهّد الصلاة يقضي بالإتيان بالصلوات المأثورة، وأشهر كيفيّاتها: «اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ».

وقد وردت الصلوات في الأدعية الطويلة بكيفيّات كثيرة جدّاً، مذكورة في كتب الأدعية، وقد روي لقراءة بعضها ثواباً وأجراً عظيماً.

والحاصل: إنّ جميع أرباب الموسوعات والصحاح والسنن، رووا أحاديث متواترة، تدلّ على وجوب ضمّ الآل إلى الصلوات على النبي’، ومن جملتهم السيوطي في الدرّ المنثور، عند تفسير قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ)، حيث نقل بطرق متعدّدة عن: الإمام علي×، وكعب، وابن عبّاس، وإبراهيم، وطلحة، وأبي سعيد الخدري، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي هريرة، وزيد بن أبي خارجة، وبريدة، وابن مسعود. وعن أنس، رواها بدون كلمة «على»([352]).

وفي كنزالعمّال روى عن: علي×، ح 3993، وعن طلحة، ح3994، وعن أنس، ح 3998 ([353]) وعن ابن مسعود، ح4005، وعن كعب، ح4006([354]) و19891([355])، وعن عائشة، ح4014، ([356]) وعن أبي‌‌سعيد، ح19889([357])، وعن زيد بن خارجة، ح19890([358]) وعن أبيمسعود، ح19888، وعن أبي مسعود الأنصاري 19892([359]).

وقد روي الأمر بضمّ الآل للصلوات مستفيضاً، بل متواتراً في كتب العامّة؛ في مسانيدهم، وصحاحهم، وسننهم؛ ومن بينها ما روي في صحيح البخاري عن كعب بن عجره في الجزء الثاني([360]) وفي الجزء الثالث، عند تفسير الآية: (ﭲ ﭳ ﭴ...)([361])، والجزء الرابع كتاب دعوات (باب الصّلاة علی النبيّ ـ صلي الله عليه وآله وسلّم ـ) بهذا المضمون: سألنا النبي’ كيف نصلّي عليك؟ قال: «اَللَّهُمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ...»([362]).

وفي صحيح مسلم نقل ـأيضاًـفي كتاب الصلاة (باب الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ بعد التشهّد)، بسنده عن أبي مسعود الأنصاري، وبثلاث طرق عن كعب بن عجره، هذه الكيفيّة للصلوات مع ضميمة: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ...»([363]).

وفي سنن أبی داوود ـ أيضاًـفي كتاب الصلاة (باب الصَّلاة عَلَی النَّبيّ بعد التشهّد) روى حديث كعب بطرق ثلاثة، ونقل حديث أبيمسعود الأنصاري أيضاً([364]).

مضافاً إلى رواية حديث آخر بسند أبي مسعود، عن عقبة بن عمرو، جاء فيه:

قولوا: «اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْاُمِّيِّ وَعَلَی آلِ مُحَمَّدٍ»([365]).

وروى ابنماجه في سننه حديث كعب أيضاً، وروى عن عبدالله بن مسعود كذلك صلوات طويلة تضمّنت ما ورد من الأمور في سائر الروايات الآنفة الذكر([366]).

وفي مسند أحمد روى عن طلحة نفس ألفاظ حديث كعب، وهكذا روى عن عقبة بن عمرو نفس اللفظ، وهو: «اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الْاُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»([367]).

وعنه أيضاً في الصفحة (119) والصفحة (241) بطريقين، ونقل عن كعب في (243 و244) ([368]) نفس اللفظ المروي عنه في جميع الروايات.

وهكذا نقل عن أبي مسعود الأنصاري نفس هذا اللفظ([369])، عن بريدة الخزاعي:

«اَللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَعَلَی آلِ مُحَمَّدٍ...»([370]).

ومثلهم روى الحميدي في مسنده خبر كعب([371]).

وروى الترمذيـأيضاًـخبر كعب في باب (مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ)([372])، وروى في كتاب التفسير خبر أبي مسعود، ح3221.

وروى النسائيـأيضاًـفي باب (كِيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ)، عن كعب بثلاثة طرق، وجاء في لفظ الطريق الثالث «وآل محمد» دون «على»، وعن طلحة بثلاثة طرق، وعن أبي مسعود بطريق واحد([373]).

مع كلّ هذه الروايات الصحيحة المرويّة في أصحّ الكتب عند السنة؛
لكنّهم ـ وللأسف
ـوكما قلنا سابقاً، لم يراعوا ذلك، بل جروا على العكس، وأنّ التزامهم بترك الصلاة على الآل، لا تفسير له غير العناد، وعدم الاعتناء بمقام الرسالة، والإهانة والسخرية بأمر الرسول الأعظم’، والأشد أنّهم حتّى في نفس هذه الأبواب التي نقلوا فيها هذه الأحاديث قاموا بحذف الصلوات على (الآل)! أو ليس هذا تأكيد وإعلان منهم بمخالفة ما أوصى به النبي’، وامتناعهم عن الصلوات على الآل؟! وهل يُتصوّر لهذا الموقف معنى آخر يا ترى؟!فحتى المعادي لآل النبي إن كان مؤمناً برسالته ظاهراً، لا يجرؤ على إبراز معارضته الصريحة لأمر النبي بهذا النحو!

فما هو المتوقّع أكثر من ذلك من أناس يأبون عن الإقرار لله بعلوّ المرتبة والشأن، بذكر اسمه المبارك «العَلِیّ» ملتزمين بعدم الإتيان به بصورته القرآنيّة التي نزل فيها؛ لا لعلّة سوى أنّ اسم أمير المؤمنين× علي أيضاً!

وهؤلاء بعنادهم هذا لمقام النبوّة، وبكلّ ما يقولونه ويفعلونه بحقّ نبيّهم، فإنّهم لا يصلون إلى تلك الجسارة العظيمة، وإساءة الأدب المشحونة بالكفر والتنكّر لمكانة صاحب الرسالة الكبرى، بقول عمر: «يهجر» فلو لم تصدر عنه تلك الإهانة الوقحة في ذلك الموقف العظيم تجاه نبي الله’، ولم ينطق بتلك الكلمة الخبيثة، ولم يقل يهجر! أو التعبير المصحّح من قبل بعض السنّة، قال: «غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ»([374]) والذي يؤدّي نفس المعنى السابق أيضاً، فلو أنّه لم يتعامل بهذا النحو مع مقام النبوّة، لما تجرّأ  أتباعه على القيام بهذه التصرّفات، بحيث إنّهم يحذفون الآل حتى من عنوان باب الصلوات الذي يضمّ الأحاديث الموجبة لذكر الآل.

كلّ منصف حينما يلاحظ هذا العناد والإصرار والتصرّفات والسلوكيّات السيّئة، سيفهم ماذا فعلت السياسة بأهل البيت^، وكيف عمدت إلى إخفاء فضائلهم المسلّمة، وبدل أن تنشر أحاديثهم مُنعت من النشر، وأُبدلت بالأخبار المجعولة في حقّ خصوم النبي’ وأهل بيته^.

على أيّة حال، فهم رغم رفعهم لشعار محبّة أهل البيت، وصلواتهم على النبي «صلى الله عليه وآله وسلّم» في كلّ موضع دون (وآله) ـطبعاًـقولاً وكتابةً!  فإنّهم ـ حتماًـلو وجدوا ولو واحداً بالألف من هذه التأكيدات، أو خبراً واحداً ضعيفاً جدّاً، ومطعوناً في سنده في شأن معاوية وبنيأميّة وآل مروان، لتمسّكوا والتزموا به، وجعلوه سنّة مؤكدة! أمّا والأمر جاء بخصوص أهل بيت الرسالة؛ عترة النبي’، فإنّهم تركوا كلّ تلك الأخبار المعتبرة ومضامينها وتأكيداتها خلف أظهرهم، ولم يخرّجوا حتى روايات أهل البيت  وأحاديثهم في كتبهم، وانكبّوا على تدوين ونقل أخبار النواصب، والخوارج، والمرجئة، والظلمة، ومؤيّدي أسوء الحكومات المستبدّة الظالمة.

فَإِنَّا لِلهِ وإِنَّا إِليهِ راجعُونَ، هذِهِ مُصيبةٌ ما أَعظمَهَا وأَعظمَ رَزِيَّتهَا فِي الْإِسلامِ، ونعْمَ مَا قيلَ:

قَضِيَّةٌ أَشْبَهُ بِالْمَرْزِئَة

 


هَذَا الْبُخَارِيُّ إِمَامُ الْفِئَة

بِالصَّادِقِالصِّدِّيقِمَا احْتَجَّ فِي

 


صَحِيحِهِ وَاحْتَجَّ بِالْمُرْجَئَة

وَمِثْلِ عِمْرَانَ بْنِ حَطَّانَ أَوْ

 


مَرْوَانَ وَابْنِ الْمَرْأَةِ الْمُخْطِئَة

إِنَّ الْإِمَامَ الصَّادِقَ الْمُجْتَبَى

 


بِفَضْلِهِ الْآيُ أَتَتْ مُنْبِئَة

أَجَلُّ مَنْ فِي عَصْـرِهِ رُتْبَةً

 


لَمْ يَقْتَرِفْ فِي عُمْرِهِ سَيِّئَة

قُلَامَةٌ مِنْ ظُفْرِ إِبْهَامِهِ

 


تَعْدِلُ مِنْ مِثْلِ الْبُخَارِي مِئَة([375])

وأذكر هناـتيمّناًـهذين البيتين من الشعر للشافعي؛ لبيان لزوم ووجوب الصلوات على الآل^ في الفرائض اليوميّة أيضاً:

يَا أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ حُبُّكُمْ

 


فَرْضٌ مِنَ اللهِ فِي الْقُرْآنِ أَنْزَلَهُ

كَفَاكُمْ مِنْ عَظِيمِ الْفَخْرِ أَنَّكُمْ

 


مَنْلَمْيُصَلِّعَلَيْكُمْلَا صَلَاةَ  لَهُ([376])

وأنقل هذه الأبيات الصلواتية اللطيفة من أحد كتب الشوافع الموسوم بـ(رشفة الصَّادی من بحار فضائل النبیّ الهادی ) تَوَسُّلاً بِهِمْ؛ لِيجعلَ اللهُ تَعَالی عَاقبةَ أَمْري خَيراً، ويجعلَني من شيعَتِهِم وموَاليهِم:

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَی النَّبِيِّ وَآلِهِ

 


أَزْكَی الصَّلَاةِ وَخَيْرَهَا وَالْأَطْيَبَا

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَی النَّبِيِّ وَآلِهِ

 


مَا لَاحَبَرْقٌفِي الْأَبَاطِحِ أَوْ خَبَا

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَی النَّبِيِّ وَآلِهِ

 


مَا قَالَ ذُو كَرَمٍ لِضَيْفٍ مَرْحَباً

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَی النَّبِيِّ وَآلِهِ

 


مَا أَمَّتِ الزُّوَّارُ طيبَةَ يَثْرِبَا

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَی النَّبِيِّ وَآلِهِ

 


سُفُنِ النَّجَاةِ الْعِزِّ أَصْحَابِ الْعَبَا

وَاجْعَلْهُمْ شُفَعَائَنَا يَوْمَ اللِّقَاءِ

 


فِي الْحَشـر إِذْ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَا([377])

بقيّة هذا المقطع من الدعاء

بعد هذه الخطابات المشحونة بالحمد والثناء والمسألة والصلوات على محمد وآل محمد^، بيّن حاجته وسؤله بهذه الكيفيّة:

«أسألك اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرّني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فكاك رقبتني من النار».

یتبیّن وفقاً لهذا المقطع من الدعاء، ضرورة أن يكون جلّ همّ الإنسان وسعيه، نيل السعادة الأُخرويّة، والنجاة من العذاب ونار جهنّم، والنجاح والفوز بالثواب والقرب الإلهي، ولا يبدّلها بجميع نعم الدنيا لو تيسّرت له؛ لأنّ الدنيا وجميع نعمها مؤقّتة وزائلة، وكيفما كانت ستنقضي أيّامها بين إقبال وإدبار، ولكن ما لا يطاق ولا يُتحمّل هو عذاب الله وغضبه وفراقه والبعد عن رحمته.

كيف للإنسان الذي لا يتحمّل القليل من بلايا الدنيا ومحنها، أن يصبر ويتحمّل عذاب الله الذي لا تطيقه السماوات والأرضون؟! وكيف الصبر وأمامَنا يوم جاء في وصفه:

(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ )([378]).

(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ )([379]).

(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)([380]).

(ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)([381]).

(ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ )([382]).

(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)([383]).

(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)([384]).

أيّها القارئ العزيز، إنّ ملاحظة هذه الآيات وغيرها، تأخذ بأفهامنا لإدراك عظمة اليوم الذي ينتظرنا، والذي سنبلغه شئنا أم أبينا، ما يحتّم علينا إنقاذ أنفسنا من نار جهنّم وسعيرها؛ النار التي عُدّ الخلاص منها في هذا الدعاء حاجة لا يضرّ مع تحقّقها الحرمان من أيّ شيء آخر، وإن لم ينجو منها فلا فائدة ترجى من أيّ شيء ناله، ولا نفع في أيّ لذة ونعمة أُغدقت عليه.

فلا أمان من هذه النار التي تعدّ الشمس بحرارتها وإحراقها نموذجاً من تلك الحرارة اللاهبة التي وصفها قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)([385]) إلّا بالإيمان والعمل الصالح، والولوج في حِصن التوحيد وولاية أهل البيت^، ومخالفة الهوى والنفس الأمّارة، والتوبة، والإنابة، والعبادة، والإطاعة، والتذلّل، والتضرّع، وكسب التقرّب إلى الله، والسير على طريق النبي والأئمّة الطاهرين^، والقيام بالفرائض والواجبات، وترك المحرّمات وما نُهي عنه.

فالعقل السليم يقضي بأنّه حينما يُلاحظ كلّ هذا الوعد والوعيد والإنذار والتهديد من قبل الأنبياء^ وتحذيرهم الشديد، وما ورد في القرآن المجيد ـ كتاب الوحي المعجزـمع اليقين بالقيامة والمعاد والحساب والجزاء، وأنّه لا عبث ولا لعب في خلق الإنسان والمخلوقات كافّة، فإنّ صاحب اليقين الذي قطع من خلال إخبارات الأنبياء الذين ثبتت نبوّتهم بالمعجزات الظاهرة الواضحة، بمسألة الحشر والنشر والحساب والكتاب، يرى ـعقلاًـوجوب إنقاذ نفسه من هذه المهلكة، ولا يكون من حطب جهنّم، ويبني نفسه ويصنعها بما أمر الله تعالى، فخير الدنيا والآخرة بذلك.

أمّا بالنسبة للشخص غير المتيقّن، فإنّه على الأقلّ يحتمل ذلك؛ لعدم حصول اليقين بالخلاف لأيّ صاحب عقل سليم، فليس هناك عاقل يستطيع إنكار عالم الغيب ودعوة الأنبياء بصورة جزميّة، دون أن يحتمل صحّة تلك الدعوات وصدقها.

فلو احتمل شخص قبل آلاف السنين وجود الميكروبات والكائنات المجهريّة والمنظومات الشمسيّة والمجرّات، حيث لم تكتشف بعد، فسيكون الناس على قسمين بين منكر وبصورة قطعيّة وهم قليلو العقل والفهم، وبين من يحتمله ويراه ممكنا لا يصح إنكاره عملاً بمقولة: «ذَرْه فِي بُقْعَةِ الْإِمْكَانِ»([386])، وهم العقلاء وأرباب الفكر والمنطق.

وحالياً هناك الكثير من الأشياء التي ينشد معرفتها البشر من خلال بحوثهم العلميّة والتقنيّة العميقة، رغم عدم تيقّنهم من وجودها؛ لا يدفعهم إلى السعي والبحث عنها سوى الاحتمال.

نعم، من الممكن أن يدّعي بعض الأشخاص الذين لا يؤمنون بما هو خارج عن المادّة والإدراك الحسّي بقولهم: نحن لم نتوصّل بحسب أبحاثنا العلميّة والتقنيّة إلى وجود الروح أو الملائكة، أو لم ندرك كيفيّة تأثير الصدقة في دفع البلاء، وصلة الرحم في إطالة العمر، لكنّهم ـ وهم لا يؤمنون بغير الحواسّ والمحسوسات، حيث إنّ المعيار عندهم للتصديق بوجود الأشياء هو الحسّ ـ لا يمكنهم القول بأنّنا أدركنا وأحسسنا بعدم الروح والملائكة مع ما لها من التأثير والتأثر غير المادي؛ لأنّ هذه الأمور لا تدرك بالحس.     

من الفروق المهمّة التي تميّز المادّي والملحد عن المؤمن بالله والموحّد، هو أنّ المادّي والملحد لا يمكنه أن يصل إلى الإيمان واليقين بإنكار الإله؛ لأنّه لا يستطيع إقامة البرهان على ذلك، بينما المؤمن بالله وعالم الغيب يمتلك الإيمان واليقين، كما يمكنه إقامة البرهان والدليل على ما يؤمن به بشكل معقول ومنطقي.   

بناء على هذا، ونظراً إلى أنّ أكثر خطوات البشر وتحرّكاتهم تمرّ عبر طرق ومنعطفات خطيرة، تحفّها المصالح وجلب المنافع، أو دفع المضارّ والمفاسد، طرحت مسألة العذاب والعقاب والمؤاخذة الإلهيّة من قبل الأنبياء^؛ لإخافة البشر وتحذيرهم مع إيمانهم بذلك، وعندها تصبح المسؤوليّة المعقولة تجاه ذلك هي قبولهم دعوة الأنبياء وإطاعتهم، دفعاً لاحتمال الخطر، واحتراماً لما صدر عنهم من الأوامر والنواهي.

ولعمري، كيف أنّنا نأخذ كامل حذرنا ونحتاط عندما يخبرنا أحدهم بأنّ الطريق الذي تسلكونه فيه لصوص أو حفر وآبار، حتى لو كان المخبر مجهولاً، وكذا الحال بالنسبة لوصايا الطبيب وإرشاداته مع احتمال خطئه، حيث نجهد أنفسنا من أجل سلوك طريق  يوجب الاطمئنان بالنجاة والفوز، بينما لا نكترث ولا نولي أهميّة لكلّ التحذيرات التي أطلقها أكرم الناس وأطهرهم كالأنبياء والرسل وأوصيائهم، والعلماء وأهل الصلاح والنقاء، ولا نسعى إلى اجتناب معصية الله؛ طلباً للسلامة والأمن من الضرر والخسران الأخروي الخالد وإن كان على مستوى الاحتمال. على الرغم من أنّه على فرض المحال بعدم وجود عالم غيب وحساب وكتاب، سيكون الكلّ سواء؛ الصالح والطالح والعادل والظالم والمحسن والمسيء. وعلى فرض وجود عالم ـ وهو كذلك ـ حيث دلّ عليه العقل والحكمة من وراء الخلق، والأدلّة العقليّة والنقليّة، سيكون الخسران نصيب الملحدين والعصاة حينئذٍ.

كما نُقل عن الإمام الصادق× في أحد حواراته مع أحد كبار الملحدين، قوله له:

«إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء، وهو على ما يقولون، يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر على ما تقولون، وليس كما تقولون، فقد استويتم أنتم وهم!»([387]).

ويحمل هذان البيتان من الشعر، المنسوبان لأمير المؤمنين×، هذه المعاني:

قَالَ الْمُنَجِّمُ وَالْحَکِیمِ([388]) كِلَاهُمَا
إِنْ صَحَّ قَوْلُكُمَا فَلَسْتُ بِخَاسِرٍ

 


لَنْ يُحْشَرَ الْأَجْسَادُ قُلتُ إِلَيْكُمَا
إِنْ صَحَّ قَوْلِي فَالْخَسَارُ عَلَيْكُمَا([389])

 


 





 




 




 

 

 

 

 

 

 

الكلمة الختامية للدعاء

الكلمة الختامية للدعاء


 





 




 






 



 


 


بحسب رواية الشيخ الجليل الكفعمي في البلد الأمين([390])، والعلّامة المجلسي في كتاب زاد المعاد([391])، أنّ هذا الدعاء ينتهي  بالكلمات التالية([392]):

«لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ».

ينتهي الدعاء بالإقرار بالتوحيد ونفي الشريك، بعد طلب الخلاص والعتق من النار، ويبدو أنّ ذلك من المناسب جدّاً، من خلال ملاحظة حديث سلسلةالذهب والحديث القدسي: «كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حِصْنِي، وَمَنْ قَالَهَا دَخَلَ حِصْنِي، وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي»([393]).

كما يكشف تكرار نداء «يا ربّ» ـ في الدعاء ـ المقترن بالبكاء والأنين والدموع الجارية، عن حضور خاصّ في حضرة البارئ تعالی وقبول الدعاء، وأنّ الزيادة في تكرار ذلك توجب حضوراً أكثر وخشوعاً أشدّ وخضوعاً أقوى، ويغدو الإنسان بالله أعرف وأقرب، وعن نفسه أبعد وأنأى.

اللهمّ! متّعنا بمثل هذه الحالات الحماسيّة المبهجة والمشحونة بالإقبال والتوجّه إليك.  

اللهمّ! اجعل لذّة التعرّف إليك، والدعاء والمناجاة وعرض الحاجات والفقر والمسكنة في حضرتك وبين يديك، في ذائقة باطننا وأرواحنا أحلى وأطعم من ذي قبل.  يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا اَللهُ...

بِعَوْنِ اللهِ وَتَوْفيقِهِ انتهى هنا كلامنا. وأشكر الله سبحانه وتعالى لشمولي بلطفه وعنايته، وأنا في مدينة لندن للعلاج، حيث وُفّقت لأكون على تماس مع هذا الدعاء الشريف بحسب إدراكي الضئيل والناقص، ولم يحرمني وأنا في حالة المرض من لذّة ذكره، أوّلاً. وثانياً: لنجاح العلاج ـ الذي تألّف من ثلاث عمليات جراحيّة ـ ونجاعته؛ إذ إنّه سبحانه هو مسبّب كلّ الأسباب، وتأثير الأسباب بأسرها تحت رعايته وبتقديره وإرادته ومشيئته، وكلّ النعم تنتهي إليه، وكلّ الأسباب تُصنع بلطفه وعنايته.

 فَالْحَمْدُ كُلُّهُ لَهُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ.


 


إِلَهِي لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي أَنْتَ أهْلُهُ

 


 


عَلَى نِعَمٍ مَا كُنْتُ قَطُّ لَهَا أَهْلاً

 


 


مَتَى ازْدَدْتُ تَقْصِيراً تَزِدْني تَفَضُّلاً

 


 


کَأَنِّي بِالتَّقْصِيرِ أَسْتَوْجِبُ الْفَضْلَا([394]).

 







وبما أنّ أحد الأسباب المهمّة لتوفيقي في تأليف الكتب التي دوّنتها بعد رعاية مسبّب الأسباب ـ جلّت حكمته ـ وشمولي بلطفه، هي زوجتي الجليلة، العلويّة المكرّمة، سليلة بيت الفقاهة والسيّادة، حيث إنّها إضافة إلى تحمّلها إدارة البيت وعناء تمريضي ـ إذ إنّني كابدت المرض والسقم والمعالجة والمداواة لأكثر من أربعين سنة ـ كانت تقوم بمساعدتي في كتابة كلّ نتاجاتي العلميّة بما يتيسّر لها، وما انفكّت طوال الوقت عن حثّي وتشجيعي على مواصلة عملي ـ وكلّ أملي ورجائي بأن يعفو الله المتعالي بلطفه عمّا شاب كتاباتي وآثاري العلميّة من النواقص الكثيرة، وأن يتقبّلها خالصة لوجهه، تامّة من كلّ زلل ـ أن يسجّل في صحيفة أعمالها ثواب مساهمتها هذه ومشاركاتها إيّاي في جميع مؤلّفاتي نظماً ونثراً، وأن يشمل بذلك أبي وأمي اللذان تجشّما عناء تربيتي وتعليمي، واهتمامهما بكمالي من الطفولة حتى الشيخوخة، ويغدق عليهما من رحمته الواسعة.

لَا عَذَّبَ اللهُ اُمّي إِنَّهَا شَرِبَتْ
وَكَانَ لِي وَالِدٌ یَهْوَى أَبَا حَسَنٍ

 


حُبَّ الْوَصِيِّ وَغَذَّتْنِيهِ بِاللَّبَنِ
فَصِرْتُمِنْذِيوَذَاأَهْوَىأَبَا حَسَنٍ

تذكير هام: بعد الرجوع من السفر تمّت إعادة النظر في هذه الأبحاث المدوّنة، وقد أضيف إليها بعض الأمور بشكل مختصر، مثل مصادر الروايات. وقد صادف يومها أربعينيّة الإمام الحسين×ـ روحي لتراب مقدم خدّام مشهده الفداء ـ وقد اقترنت نهاية الأبحاث مقترنة مع مناسبة تخصّ المولى أبي عبد الله الحسين×.

وَمَا تَوْفِیقي إِلَّا بِاللهِ وَآخِرُ دَعَوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لطف الله الصافي (غَفَرَ اللهُ لَهُ جَرَائِمَهُ وَآثَامَهُ)

لندن، صفر 1411ﻫ.ق


 





 



 



 


دعاء عرفة

 

 

 

 

 

 

 

 

دعاء عرفة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 





 



 


 






 



 


 


ﭑ ﭒ ﭓ

اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ، وَاَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ، لَاتَخْفَی عَلَيْهِ الطَّلائِعُ، وَلَا تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ، جازِي كُلِّ صانِعٍ، وَرائِشُ كُلِّ قانِعٍ، وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ، وَمُنْزِلُ الْمَنافِعِ وَالْكِتابِ الْجامِعِ بِالنُّورِ السّاطِعِ، وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ، فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا شَيْءَ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ عَلَی كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبِّي، وَإِلَيْكَ مَرَدِّي، إِبْتَدَاْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ ثُمَّ أَسْكَـنْتَنِي الْأَصْلابَ، آمِناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِينَ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْبٍ إِلَی رَحِمٍ فِي تَقَادُمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الْماضِيَةِ وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأفَتِكَ بِي، وَلُطْفِكَ لِي، وَإِحْسانِكَ اِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ، الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ، وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لَكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدَی الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي، وَفِيهِ أَنْشَأتَنِي، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي، بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وسَوابِغِ نِعَمِكَ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْني، وَأَسْكَـنْتَنِي فِي ظُـلُماتٍ ثَلاثٍ، بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ، لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي، ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدَی إِلَی الدُّنْيا تـامّاً سَوِيّاً، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلا صَبِيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ، وَكَفَّلْتَنِي الْاُمَّهَاتِ الرَّواحِمَ، وكَلَأْتَنِي مِنْ طَوارِقِ الْجَانِّ، وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحِيمُ يا رَحْمنُ، حَتَّی إِذَا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالْكَلامِ، أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الْإِنْعامِ، وَرَبَّيْتَنِي زائِداً فِي كُلِّ عامٍ، حَتَّی إِذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي، أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وَأَيْقَظْتَنِي لِما ذَرَأْتَ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ، وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ، وَأَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ، وَفَهَّمْتَنِي ما جاءَتْ بِهِ رُسلُكَ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ، ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّری، لَمْ تَرْضَ لِي يا إِلهِي نِعْمَةً دُونَ اُخْری، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْواعِ الْمَعاشِ، وَصُنُوفِ الرِّياشِ، بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ الْقَدِيمِ إِلَيَّ، حَتَّی إِذا أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي إِلی ما يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ، وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي لَدَيْكَ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي، وَإِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالٌ لِأَنْعُمِكَ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِئٍ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مَجِيدٍ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ، فَأَيَّ نِعَمِكَ يا إِلهِي اُحْصِي عَدَداً وَذِكْراً، أَمْ أَيَّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً، وَهِيَ يا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعادُّونَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَاْتَ عَنِّي.

اَللَّهُمَّ مِنَ الضُّـرِّ وَالضَّـرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعافِيَةِ وَالسَّـرَّاءِ، وَأَنَا أَشْهَدُ يا إِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيمانِي، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقيني، وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي، وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي، وَأَسارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفْسِي، وَخَذارِيفِ مارِنِ عِرْنِينِي، وَمَسارِبِ سِماخِ سَمْعِي، وَما ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ، وَحَرَكاتِ لَفْظِ لِسانِي، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمِي وَفَكِّي، وَمَنابِتِ أَضْراسِي، وَمَساغِ مَطْعَمِي وَمَشْرَبِي، وَحِمالَةِ اُمِّ رَاْسِي، وَبَلُوعِ فارِغِ حَبائِلِ عُنُقِي، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ صَدْرِي، وَحَمائِلِ حَبْلِ وَتِينِي، وَنِياِطِ حِجابِ قَلْبِي، وَأَفْلاذِ حَواشِي كَبِدِي، وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ أَضْلاعِي، وَحِقاقُ مَفاصِلِي، وَقَبْضُ عَوامِلِي، وَأَطْرافُ أَنامِلِي، وَلَحْمِي، وَدَمِي، وَشَعْرِي، وَبَشَرِي، وَعَصَبِي، وَقَصَبِي، وَعِظامِي، وَمُخِّي  وَعُرُوقِي، وَجَمِيعُ جَوارِحِي، وَمَا انْتَسَجَ عَلَی ذلِكَ أَيـامَ رِضاعِي، وَما أَقَلَّتِ الْأَرْضُ مِنِّي، وَنَوْمِي، وَيَقْظَتِي، وَسُكُونِي، وَحَرَكاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَی الْأَعْصارِ وَالْأَحْقابِ لَوْ عُمِّرْتُها أَنْ اُؤَدِّيَ شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إِلَّا بِمَنِّكَ، الْمُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ أَبَداً جَدِيداً، وَثَناءً طارِفاً عَتِيداً، أَجَلْ، وَلَوْ حَرَصْتُ أَنَا وَالْعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ أَنْ نُحْصِيَ مَدَی إِنْعامِكَ سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرْناهُ عَدَداً، وَلا أَحْصَيْناهُ أَمَداً، هَيْهاتَ أَنّی ذلِكَ، وَأَنْتَ الْمُخْبِرُ فِي كِتابِكَ النّاطِقِ، وَالنَّبَأِ الصّادِقِ (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها)، صَدَقَ كِتابُكَ اَللَّهُمَّ وَإِنْباؤُكَ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دِينِكَ، غَيْرَ أَنِّي يَا إِلهِي أَشْهَدُ بِجَهْدِي وَجِدِّي، وَمَبْلَغِ طاعَتِي وَوُسْعِي، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً: اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ فَيُضادَّهُ فِيمَا ابْتَدَعَ، وَلا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فِيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ، (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ)  وَتَفَطَّرَتا، سُبْحانَ اللهِ الْواحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، اَلْحَمْدُ لِلهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَصَلَّی اللهُ عَلَی خِيَرَتِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الطَّـيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الْمُخْلَصِينَ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ اندفع فِي المسألة، واجتهد فِي الدّعاء، وَقال ـوَعيناه سالتا دموعاًـ:

اَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتّی لَا اُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ، وَلَا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ .

اَللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ فِي نَفْسِي، وَالْيَقِينَ فِي قَلْبِي، وَالْإِخْلاصَ فِي عَمَلِي، وَالنُّورَ فِي بَصَرِي، وَالْبَصِيرَةَ فِي دِينِي، وَمَتِّعْنِي بِجَوارِحِي، وَاجْعَلْ سَمْعِي وَبَصَرِيَ الْوَارِثَيْنِ مِنِّي، وَانْصُرْنِي عَلَی مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي فِيهِ ثارِي وَمَآرِبِي، وَأَقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي

اَللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتِي، وَاسْتُرْ عَوْرَتِي، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَاخْسَأْ شَيْطانِي، وَفُكَّ رِهانِي، وَاجْعَلْ لِي يا إِلهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي الْآخِرَةِ وَالْاُولی.

اَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي سَمِيعاً بَصِيراً، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَنِي فَجَعَلْتَنِي خَلْقاً سَوِيّاً رَحْمَةً بِي، وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّاً.

رَبِّ بِما بَرَاْتَنِي فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِي، رَبِّ بِما أَنْشَاْتَنِي فَأَحْسَنْتَ صُورَتِي، رَبِّ بَما أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَفِي نَفْسِي عافَيْتَنِي، رَبِّ بِما كَلَأْتَنِي وَوَفَّقْتَنِي، رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَهَدَيْتَنِي، رَبِّ بِما أَوْلَيْتَنِي وَمِنْ كُلِّ خَيْر أَعْطَيْتَنِي، رَبِّ بِما أَطْعَمْتَنِي وَسَقَيْتَنِي، رَبِّ بِما أَغْنَيْتَنِي وَأَقْنَيْتَنِي، رَبِّ بِما أَعَنْتَنِي وَأَعْزَزْتَنِي، رَبِّ بِما أَلْبَسْتَنِي مِنْ سِتْرِكَ الصّافِي، وَيَسَّرْتَ لِي مِنْ صُنْعِكَ الْكافِي، صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَعِنِّي عَلَی بَوائِقِ الدُّهُورِ وَصُرُوفِ اللَّيالِي وَالْأَيـامِ، وَنَجِّنِي مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُوبَاتِ الْآخِرَةِ، وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّـالِمُونَ فِي الْأَرْضِ.

اَللَّهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِنِي، وَما أَحْذَرُ فَقِنِي، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي، وَفِي أَهْلِي وَمالِي فَاخْلُفْنِي، وَفِيما رَزَقْتَنِي فَباركْ لِي، وَفِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي، وَفِي أَعْيُنِ النّاسِ فَعَظِّمْنِي، وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَسَلِّمْنِي، وَبذُنُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي، وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِنِي، وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِنِي، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْنِي، وَإِلی غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي.

إِلهِي إِلی مَنْ تَكِلُنِي، إِلی قَرِيبٍ فَيَقْطَعُنِي، أَمْ إِلی بَعِيدٍ فَيَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلَی الْمُسْتَضْعَفِينَ لِي، وَأَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أَمْرِي، أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي، وَهَوانِي عَلی مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي.

إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا اُبالِي سِواكَ، سُبْحانَكَ غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، فَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ وَالسَّماواتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظلُماتُ، وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، أَنْ لا تُمِيتَنِي عَلی غَضَبِكَ، وَلا تُنْزِلَ بِي سَخَطِكَ، لَكَ الْعُتْبَی لَكَ الْعُتْبَی حَتَّی تَرْضَی قَبْلَ ذلِكَ، لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرامِ، والْمَشْعَرِ الْحَرامِ، والْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أَلَّذِي أَحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ، وَجَعَلْتَهُ لِلنّاسِ أَمْناً، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يا مَنْ أَسْبَغَ النَّعْماءَ بِفَضْلِهِ، يا مَنْ أَعْطَی الْجَزِيلَ بِكَرَمِهِ، يا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يا صاحِبِي فِي وَحْدَتِي، يا غِياثِي فِي كُرْبَتِي، يا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي.

يا إِلهِي وَإِلهَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَرَبَّ جَبْرَئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ، وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقانِ، وَمُنَزِّلَ كهيعص وَطه وَيس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِيَ الْمَذاهِبُ فِي سَعَتِها، وَتَضِيقُ بِيَ الْأَرْضُ بِرُحْبِهَا، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكِينَ، وَأَنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَوْلا سَتْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَاَنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلی أَعْدائِي، وَلَوْلا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ.

يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، فَأَوْلِياؤُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلی أَعْناقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ، (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ) وغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الْأَزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ إِلَّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ، يا مَنْ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَی الْماءِ، وَسَدَّ الْهَواءَ بِالسَّماءِ، يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الْأَسْماءِ، يا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أَبَداً، يا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي الْبَلَدِ الْقَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ، وجَاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبُودِيَّةِ مَلِكاً، يا رادَّهُ عَلَی يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنِ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، يا كاشِفَ الضُّـرِّ وَالْبَلْوَی عَنْ أَيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهِيمَ عَنْ ذِبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَفَناءِ عُمْرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيی، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً يا مَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، يا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرائِيلَ فَأَنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَونَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقِينَ، يا مَنْ أَرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يا مَنْ لَمْ يَجْعَلْ عَلی مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ، يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَتِهِ يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ.

يا اَللهُ يااَللهُ يا بَدِيءُ، يا (بَديعُ) بَدِيعاً لا نِدَّ لَكَ، يا دائِماً لا نَفادَ لَكَ، يا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتی، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلی كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي، وعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي، وَرَآنِي عَلَی الْمَعاصِي فَلَمْ يَشْهَرْنِي، يا مَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي، يا مَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي، يا مَنْ أَيادِيهِ عِنْدِي لا تُحْصَی، وَنِعَمُهُ لا تُجازَی، يا مَنْ عارَضَنِي بِالْخَيْرِ وَالْإِحْسانِ وَعارَضْتُهُ بِالإِساءَةِ وَالْعِصْيانِ، يا مَنْ هَدانِي لِلْإِيمانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الْإِمْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي، وَعُرْياناً فَكَسانِي، وَجائِعاً فَأَشْبَعَنِي، وَعَطْشاناً فَأَرْوانِي، وَذَلِيلاً فَأَعَزَّنِي، وَجاهِلاً فَعَرَّفَنِي، وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي، وغائِباً فَرَدَّنِي، وَمُقِـلّاً فَأَغْنانِي، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي، وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأَنِي فَلَكَ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ، يا مَنْ أَقالَ عَثْرَتِي، وَنَفَّسَ كُرْبَتِي وَأَجابَ دَعْوَتِي، وَسَتَرَ عَوْرَتِي، وَغَفَرَ ذُنُوبِي، وَبَلَّغَنِي طَلِبَتِي، وَنَصَرَنِي عَلی عَدُوِّي، وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمَ مِنَحِكَ لَا اُحْصِيها.

يَا مَوْلايَ، أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ دائِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً أَبَداً.

ثُمَّ أَنَا يا إِلهِي الْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي، أَنَا الَّذِي أَسَأْتُ، أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنَا الَّذِي هَمَمْتُ، أَنَا الَّذِي جَهِلْتُ، أَنَا الَّذِي غَفَلْتُ، أَنَا الَّذِي سَهَوتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أَنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ، أَنَا الَّذِي وَعَدْتُ وَأَنَا الَّذِي أَخْلَفْتُ، أَنَا الَّذِي نَكَثْتُ، أَنَا الَّذِي أَقْرَرْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدِي، وَأَبُوءُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي، يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، والْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلهِي وَسَيِّدِي.

إِلهِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، ونَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَراءَةٍ لِي فَأَعْتَذِرُ، وَلا ذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ، أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسانِي أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجْلِي، أَ لَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي، وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ، يا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الْآباءِ وَالْاُمَّهاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي، وَمِنَ الْعَشائِر وَالْإِخْوانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي، وَمِنَ السَّلاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونِي، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلَيَّ مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إِذاً ما أَنْظَرُونِي، وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي، فَها أَنَا ذا يا إِلهِي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدِي خاضِعٌ ذَلِيلٌ حَصِيرٌ حَقِيرٌ، لا ذُو بَراءَةٍ فَأَعْتَذِرُ، وَلا ذُو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ، وَلا حُجَّةٍ فَأَحْتَجُّ بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءً وما عَسَی الْجُحُودُ، وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ يَنْفَعُنِي، كَيْفَ وَأَنَّی ذلِكَ، وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ، وَعَلِمْتُ يَقِيناً غَيْرُ ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلِي مِنْ عَظائِمِ الْاُمُورِ، وَأَنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لا تَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبِي، فَإِنْ تُعَذِّبْنِي يا إِلهِي فَبِذُنُوبِي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ.

لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْخائِفِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْوَجِلِينَ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرّاجِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّـلِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الْمُكَبِّرِينَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِيَ الْأَوَّلِينَ.

اَللَّهُمَّ هذا ثَنائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً، وَإِخْلاصِي لِذِكْرِكَ مُوَحِّداً، وَإِقْرارِي بِآلائِكَ مُعَدِّداً، وَإِنْ كُنْتُ مُقِرّاً أَنِّي لَمْ اُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبُوغِها وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إِلی حَادِثٍ، مَا لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُنِي بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَنِي وَبَرَأْتَنِي مِنْ أَوَّلِ الْعُمْرِ مِنَ الْإِغْناءِ مِنَ الْفَقْرِ  وَكَشْفِ الضُّـرِّ وَتَسْبِيبِ الْيُسْرِ وَدَفْعِ الْعُسْرِ وَتَفْرِيجِ الْكَرْبِ وَالْعافِيَةِ فِي الْبَدَنِ وَالسَّلامَةِ فِي الدِّينِ، وَلَوْ رَفَدَنِي عَلی قَدْرِ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ جَمِيعُ الْعالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ما قَدَرْتُ وَلا هُمْ عَلَی ذلِكَ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ عَظِيمٍ رَحِيمٍ، لا تُحْصَی آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ، ولا تُكافَی نَعْماؤُكَ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ، وَأَسْعِدْنا بِطاعَتِكَ، سُبْحانَكَ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ.

اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ الْمَكْرُوبَ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الْفَقِيرَ، وَتَجْبُرُ الْكَسِيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ، وَتُعِينُ الْكَبِيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ، وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، يا مُطْلِقَ الْمُكَبَّلِ الاَسِيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يا عِصْمَةَ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَعْطِنِي فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ، أَفْضَلَ ما أَعْطَيتَ وَأَنَلْتَ أَحَداً مِنْ عِبادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُولِيها، وَآلاءٍ تُجَدِّدُها، وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُها، وَكُرْبَةٍ تَكْشِفُها، وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُها، وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها، وَسَيِّئَةٍ تَتَغَمَّدُها، إِنَّكَ لَطِيفٌ بِما تَشاءُ خَبِيرٌ، وَعَلَی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اَللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفَی، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَی، وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ، يا رَحْمنَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤُولٌ وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَنِي، وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيتَنِي .

اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ، وَعَلَی آلِهِ الطَّـيِّبِينَ الطّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ، وَهَنِّئْنا عَطاءَكَ، وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرِينَ، وَلِآلائِكَ ذاكِرِينَ، آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ.

اَللَّهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِيَ فَسَتَرَ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطَّالِبِينَ الرّاغِبِينَ، وَمُنْتَهَی أَمَلِ الرَّاجِينَ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وَوَسِعَ الْمُسْتَقِيلِينَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً.

اَللَّهُمَّ إِنّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ، أَلَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَمِينِكَ عَلَی وَحْيِكَ، اَلْبَشِيرِ النَّذِيرِ، اَلسِّراجِ الْمُنِيرِ، أَلَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَی الْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظِيمُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَی آلِهِ الْمُنْتَجَبِينَ الطَّـيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، فَإِلَيْكَ عَجَّتِ الْأَصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ، فَاجْعَلْ لَنَا اللَّهُمَّ فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ نَصِيباً مِنْ كُلِّ خَيْر تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُورٍ تَهْدِي بِهِ، وَرَحْمَةٍ تَنْشُرُها، وَبَرَكَةٍ تُنْزِلُها، وَعافِيَةٍ تُجَلِّلُها، وَرِزْقٍ تَبْسُطُهُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اَللَّهُمَّ أَقْلِبْنا فِي هذَا الْوَقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورِينَ غانِمِينَ وَلا تَجْعَلْنا مِنَ الْقانِطِينَ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطائِكَ قانِطِينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبِينَ، وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرُودِينَ، يا أَجْوَدَ الْأَجْوَدِينَ وَأَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، إِلَيْكَ أَقْبَلْنا مُوقِنِينَ، وَلِبَيْتِكَ الْحَرامِ آمِّينَ قاصِدِينَ، فَأَعِنّا عَلَی مَناسِكِنا، وَأَكْمِلْ لَنا حَجَّنا، وَاعْفُ عَنَّا وَعافِنا، فَقَدْ مَدَدْنا إِلَيْكَ أَيْدِيَنا، فَهِيَ بِذِلَّةِ الْإِعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ.

اَللَّهُمَّ فَأَعْطِنا فِي هذِهِ الْعَشِيَّةِ ما سَأَلْناكَ، وَاكْفِنا مَا اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ، وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فِينا حُكْمُكَ، مُحِيطٌ بِنا عِلْمُكَ، عَدْلٌ فِينا قَضاؤُكَ، إِقْضِ لَنَا الْخَيْرَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ.

اَللَّهُمَّ أَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظِيمَ الْأَجْرِ وَكَرِيمَ الذُّخْرِ وَدَوامَ الْيُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أَجْمَعِينَ، وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الْهالِكِينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنَّا رَأْفَتَكَ وَرَحْمَتَكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اَللَّهُمَّ اجْعَلْنا فِي هذا الْوَقْتِ مِمَّنْ سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ، وَتابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ، وَتَنَصَّلَ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ.

اَللَّهُمَّ وَنَقِّنا وَسَدِّدْنا وَاقْبَلْ تَضَـرُّعَنا يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يا مَنْ لا يَخْفَی عَلَيْهِ إِغْماضُ الْجُفُونِ، وَلا لَحْظُ الْعُيُونِ، وَلا مَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَكْنُونِ، وَلا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ الْقُلُوبِ، أَلا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أَحْصاهُ عِلْمُكَ وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ، سُبْحانَكَ وَتَعَالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالْمَجْدُ وَعُلُوُّ الْجَدِّ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعامِ، وَالْأَيادِي الْجِسامِ، وَأَنْتَ الْجَوادُ الْكَرِيمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ.

اَللَّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ، وَعَافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي، وَآمِنْ خَوْفِي وَأَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ.

اَللَّهُمَّ لا تَمْكُرْ بِي، وَلا تَسْتَدْرِجْنِي، وَلا تَخْدَعْنِي، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.

ثمّ رفع رأسه وبصره إلى السماء، وعيناه ماطرتان كأنّهما مزادتان، وقال بصوتٍ عالٍ:

يَا أَسْمَعَ السَّامِعِينَ، يَا أَبْصَرَ النَّاظِرِينَ، وَيَا أَسْرَعَ الْحاسِبِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ الْمَيامِينَ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ حاجَتِيَ الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي، أَسْأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَا رَبِّ يا رَبِّ([395]).


 


 

 

 

 

 

 

 

توضيح مهمّ

 لعدم الإشارة إلى ذيل دعاء عرفة

 

 

 


 





 



 


 

 

 


 





 



 



توضيح مهمّ لعدم الإشارة إلى ذيل دعاء عرفة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

إنّ دعاء عرفة الشريف المروي عن سيّد الشهداء×، والمتفق عليه في جميع كتب الأدعية، ينتهي بجملة «وَأَنْتَ عَلَى‏ كُلِّ شَىْ‏ءٍ قَدِيرٌ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ» ولكن المقطع الذي يبدأ من عبارة «إِلَهِي‏ أَنَا الْفَقيرُ ‏في غِنَايَ، فَكَيْفَ لَا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي» وينتهي بقوله «اَلْحَمْدُ لِلهِ وَحْدَهُ»، كان محلّ نقاش وبحث وتساؤل، من أنّ هذا المقطع هل أُلحق بالدعاء، أو أنّه جزء لايتجزأ منه؟

قال المحدّث القمّي ـ بعد قوله ياربّـفي مفاتيحه: >إلى هنا تمّ دعاء الحسين× في يوم عرفة، على ما أورده الكفعمي في كتاب البلد الأمين، وقد تبعه المجلسي في كتاب زاد المعاد، ولكن زاد السيد ابن طاووس في الإقبال([396])بعد: يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ هذه الزيادة<([397]).

والحاصل: إنّنا نروم أن يتّضح هذا الموضوع، ونعرف هل أنّ هذا القسم جزء من الدعاء ومن إنشاء سيّد الشّهداء×، أو أنّه قد أضيف أو ألحق به.

طبعاً هناك فرق كبير بين أن يكون الدعاء من إنشاء الإمام المعصوم×، أو من إنشاء شخص آخر، مهما كان ذو شرف ومقام ومكانة علميّة وعمليّة، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الدعاء لو صدر من النبي أو الإمام لكنّا على يقين بأنّ مضامينه المتعلّقة بالعقائد والأحكام الإلهيّة، ومعارف الملك والملكوت وعالم الغيب وغيرها، مطابقة للواقع تماماً، والداعي يستطيع أن يناجي ربّه بتلك الخطابات والألفاظ والعبارات؛ حمداً وثناءً، مسبّحاً مهلّلاً منزّهاً لله تعالى، داعياً إيّاه بذلك.

وعلى خلافه إن أنشئ الدعاء من قبل الآخرين، ولم يطابق الأدعية الصادرة عن المعصومين^ في الكيفيّة والأسلوب والمضمون الرفيع، حيث لا يستطيع الإنسان أن يدعو به على طمأنينة من أمره؛ لأنّ مضمونه إن لم تُؤيّد مطابقته للأدعية العالية والمعارف المأثورة عن أهل البيت^، والمستقاة من القرآن الكريم، يبقى في حيّز الشكّ، ويظلّ احتمال مخالفته للواقع قائماً؛ فقراءة هذا الدعاء حتى بالنسبة لمن أنشأه ليس دعاءً حقيقيّاً، وحالته كمن ينادي شخصاً باسم غير اسمه! وما أكثر أن يتضمّن معنى مخالفاً للواقع، بل قد يكون كفريّاً. وهذا فرق مهم وجوهري.

 إذن يمكن القول: إنّ هكذا أدعية توقيفيّة، فينبغي تأييد مضمونها من قبل الوحي وما اتصل به (مدرسة القرآن والعترة)، وعليه فلا يجوز قراءة نصوص الدعاء غير المأخوذة مباشرة عن المعصوم، أو المتيقّن والمعلوم مطابقتها مئة بالمئة للنصوص المأثورة المرويّة عن المعصوم. طبعاً هذا الكلام لايعني عدم جواز الدعاء لقضاء الحوائج الخاصة، والأمور العاديّة، وطلب الرزق، وشفاء المرضى، وغفران الذنوب، والسلامة، وزيادة اليقين، إذ لكلّ شخص، وبكلّ لغة أن يدعو الله بها، طلباً للنجاة من البلايا، فالجميع يطلبون العون والنجاة من الله تعالى بالفطرة:

(ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) ([398]).

ليست هذه الحالات ولا هذه الأدعية محلّ حديثنا؛ وإنّما غايتنا تلك الأدعية التي يكون فيها العبد في مقام الثناء والشكر والحمد والتمجيد والتنزيه، وإبراز التوحيد والمبادئ العرفانيّة السامية.

فإنّ هذه الأدعية توقيفيّة، ولو أنشأها غير المعصوم ودون اقتباس تامّ من المعصوم، أو إلهام ظاهر من القرآن والأحاديث والأدعية الصحيحة، مدّعياً أنّه وصل إلى ما لم يصل إليه الآخرون، وأنّ الدعاء والمضمون الذي أتى به بكراً لا مصدر له ولا سابقة، فهو قد وقع في الخطأ دون شك، إن لم يكن قد انحدر وهوى في وادي الكفر.  

وعلى هذا، يُعلم مدى الخطأ والغرور لدى أولئك الأشخاص الذين يبدعون أدعية ومناجاة من عند أنفسهم، ولا يقف الأمر عند انشغالهم بها وحسب، بل يُحرمون من الحقائق التي تتضمّنها الأدعية المستوحاة من فيض قراءة: ما ورد في القرآن من الأدعية والمناجاة، مثل: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)([399])، وغيرها الكثير الكثير، وما ورد من الأدعية المأثورة عن أهل البيت^.

وللأسف الشديد، نرى بعض المغرورين والقاصرين في زماننا ينشرون نصوصاً للأدعية والمناجاة من عندهم؛ إمّا مليئة بالعيوب والزلّات والانحرافات عقائديّاً ومعرفيّاً، وينبغي منع طباعتها ونشرها، وإمّا ضعيفة البناء قبيحة المعاني والمضامين، ونشرها لا يتناسب أبداً مع ثقافة أهل البيت^ الرفيعة وطريقتهم الدقيقة.

وبعبارة مقتضبة: إنّ ترك كلّ هذه الأدعية الجامعة والصحيحة ـ والتي بين أيدينا منها فقط عن الإمام زينالعابدين× غير صحيفته الكاملة، صحف أخرى، كالصحيفة الثانية والثالثة والرابعة، المشتملة على المعاني والعلوم العالية، والإرشادات العميقة، والعرفان الصحيح الوحياني ـ واللجوء إلى إنشاء الأدعية وابتداعها، يعود إمّا للجهل المفرط، أو سوء الاعتقاد، أو الغرور التام.

وعلى أيّة حال، نعود إلى حديثنا الأوّل، والإجابة عن السؤال المتعلّق بذيل دعاء عرفة، حيث قلنا: إنّ هذا المقطع لم يذكره المجلسي في زاد المعاد، ولا الكفعمي في البلد الأمين، والآن نتساءل هل أنّ هذا المقطع كان من إنشاء الإمام×، وبالتالي يصبح محتواه معتبراً ومسنداً، أو لا؛ فلا يبقى له اعتبار؟

وفي الإجابة يجب القول: إنّ الرأي الأدقّ والأصحّ في مثل هذه الموارد، هو رأي الأستاذ الخبير في فنون أساليب الروايات والأدعية، العلّامة المجلسي&؛ فقد صرّح في بحار الأنوارـبعد نقله هذا الدعاء الشريف عن إقبال الأعمالـقائلاً:

«أَقُولُ: قَدْ أَوردَ الكَفعميُّ+ أَيضاً هذا الدعاءَ فِي البلدِ الأَمين، وابنُ طَاووسَ في مصبَاحِ الز ائِرِ كَما سبقَ ذكرهما، ولَكن لَيسَ في آخِرِهِ فِيهِما بِقَدْرِ وَرَقٍ تقرِيباً، وهو مِنْ قولهِ: إِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ فِي غِنايَ ... إِلى آخِرِ هَذَا الدُّعاءِ»([400]).

ومعناه: أنّ الكفعمي في البلد الأمين، وابنطاووس في مصباح الزائر، نقلا هذا الدعاء دون هذا المقطع، كما قد خلت منه أيضاً بعض النسخ القديمة من كتاب إقبال الأعمال. علاوة على أنّ عبارات هذا المقطع لا تتلائم ولا تنسجم مع سياق وأسلوب أدعية الأئمّة المعصومين^، بل تتوافق مع ذوق الصوفيّة، ولهذا السبب ذهب بعض الأفاضل للقول: إنّ هذا القسم قد أضافه بعض الصوفيّة إلى الدعاء، وأدرجوه فيه، وألحقوه به.

والخلاصة: إنّ هذه الزيادة إمّا أنّه قد أوردوها جماعة من الصوفيّة في بعض الكتب، ونقلها ابن طاووس في إقبالالأعمال غفلةً، أو أوردها بعض الصوفيّة مباشرة في كتاب إقبالالأعمال، والاحتمال الأخير هو الأظهر؛ نظراً لما أشرنا إليه من خلوّ بعض نسخ إقبال الأعمال ومصباحالزائر القديمة منه([401]).

وأنا أؤيّد هذا الاحتمال، وهو أنّ هذه الزيادة قد أُدرجت في الدعاء من قبل الصوفيّة، أو من قبل من لديهم ميول إلى التصوّف، والمؤيّد لهذا الاحتمال وجود هذا المقطع في كتاب صغير تبلغ صفحاته (119) صفحة باسم «الحكم العطائيّة» منسوب لأحد الصوفيّة المتوفّى في (709هـ)، بينما كانت وفاة السيّد ابن طاووس في (664هـ).

وعلي أيّة حال، فالأمر كما أشار إليه العلّامة المجلسي، أنّ صياغة العبارات والمطالب لا تتلاءم مع ما جرت عليه الأدعية والمناجاة المأثورة عن أهل البيت^، بل ولا حتّى مع أسلوب القسم الأوّل من هذا الدعاء، بحيث يبدو واضحاً أنّهما من مصدرين. إذ المطالب والمعارف التي مصدرها الكتاب والسنّة وأقوال أهل البيت^ ونهج البلاغة والكافي الشريف و...، تختلف تماماً عن تلك التي مصدرها التصوّف الخالي عن أيّ دعامة، ولايستند إلى ركن رصين. ولا شك ولاريب أنّ المنبع الأصل والأصيل هو ذاك المنبع المتصل بالوحي، ودعامته والدليل على حقّانيّته النبوّات الحقّة، ومعجزات الأنبياء من آدم حتى الخاتم’.

 إنّ ثقافة المعرفة الإلهيّة، والمسائل المعرفيّة، ومسائل ربط الحادث بالقديم، والبيان الصحيح للتوحيد وصفات الجلال والجمال المستفادة من القرآن المجيد والروايات، تختلف أساساً عن تلك الثقافة التي مصدرها (مِنْ عِنْدي) لمدّعي الكشف والشهود. ونقاط الافتراق بين هاتين الثقافتين كثيرة جدّاً، بل قد تنتهي بعض المسالك إلى نفي الصانع.

بالنسبة للمطالب والحقائق الخارجة عن متناول العقل والفطرة السليمة، لا يصح فيها اعتماد أيّ رأي قائم على الكشف والشهود ما لم يبتن على الآيات المحكمة والروايات، ولو لم يعارض الشرع بحسب الظاهر، يبقى لا أساس له، ولا يصلح الركون إليه، وهكذا حال المسائل المتعدّدة التي يطرحها الفلاسفة أو الصوفيّة كما يصطلح عليه، أو مصممي المذهب الثالث المستحدث أخيراً، فكلّها فاقدة للاعتماد، وإن لم تتعارض مع خطّ الأنبياء ودعوتهم.

ولو تأمّلنا في مضامين هذا المقطع الملحق بدعاء عرفة الشريف، سنجد بعضاً منها يخالف الذوق السليم، ويتنافى مع الآيات والأحاديث، ومن باب المثال لنسلّط الضوء على الجمل الآتية:

الجملة الأولى: «إِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ فِي غِنَايَ، فَكَيْفَ لَا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي»([402]).

 إنّ فقرِ الغني، وفقرِ الفقيرِ كلاهما من فقر الممکن إلى الواجب والذاتي. كما أنّ غنى الفقير بالذّات وفقره كلاهما عارض وغير ذاتي، وظاهر هذه الجملة هو الاستدلال بالفقر الذاتي للغني على الفقر الذاتي للفقير العرضي، وهذا من المعاني العجيبة بأن يستدلّ لإثبات الفقر الذاتي للفقير بالفقر الذاتي للغني؟! أفهل كان الفقر الذاتي للغني أظهر من الفقر الذاتي للفقير، والفقر الذاتي للفقير أخفى من فقر الغني؟!  أو أنّ الفقر الذاتي للفقير مشكوك بينما الفقر الذاتي للغني معلوم؟! وخلاصة القول: إنّنا لم نجد لهذه الجملة معنى منطقيّاً معقولاً.

الجملة الثانية: «إِلَهِي ‏أَنَا الْجَاهِلُ فِي ‏عِلْمِي‏، فَكَيْفَ لَا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي»([403]).

 وهذه الجملة كسابقتها غير معلومة المعنى أيضاً. فما هو المراد يا ترى من المجهوليّة في الجهل؛ هل هي مجهولة حتى يستدلّ عليها؟! من الطبيعي أنّ الشخص الذي يصدق عليه أنّه جاهل في حال علمه، سيصدق عليه أنّه جاهل من باب الأولويّة عندما يكون في جهل مطلق! وعلى أيّة حال، فالمراد منها غير معلوم، وليس سوى تلاعب في الألفاظ.

الجملة الثالثة: «إِنْ ظَهَرَتِ الْمَسَاوِي‏ مِنِّي‏ فَبِعَدْلِكَ»([404])، حيث كان من المناسب بدل عدلك مثل:(فَبِتَقْدِيرِكَ) أو (بِقَضَائِكَ وَقَدَرِكَ) أو(بِقُصُورِي وَتَقْصِيرِي) أو(ضَعْفِي) أو(جَهَالَتِي) و....

الجملة الرابعة: «هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَیْكَ بِفَقْرِي‏ إِلَيْكَ، وَكَيْفَ‏ أَتَوَسَّلُ إِلَیْكَ بِمَا هُوَ مَحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ»([405]).

كيف يصبح هذا المضمون سليماً؟! والفقر المطلق ومطلق الفقر هو ما تُنزّه عنه ذات الغني المطلق، وهي منزّهة عنه، إذ من المحال أن ينفذ ذلك إلى ساحة قدس الغني المطلق، وأمّا الفقر المضاف إلى الغير فهو منسوب وجوداً أو عدماً إليه، ونفيه عن الله و«غَيْرُ مَنْ يَتَّصِفُ بِهِ وَاجِباً کَانَ أَوْ مُمْکِناً» مثل السالبة بانتفاء الموضوع، و«سَلْبُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الشَّیْءُ عَنْ غَيْرِهِ الَّذِي لَا يَتَّصِفُ بِهِ». وبأيّة حال، فإنّه يستحيل الاتّصاف الإلهي بالفقر، ومَا يَستحيل أَن يَصلَ إليهِ، لا يمنعُ مِنْ جعلِ فَقرِي وسيلةً إِلى الإِستمدادِ والإِستعانةِ منهُ.

 والحاصل: إنّ الجملة غير تامّة من حيث المضمون، ولو جاءت الجملة بهذا النحو «إِلَهِي أَشْکُو إِلَیْكَ حَالِيَ الَّذِي لَا يَخْفَی عَلَيْكَ» لبدت ألطف.

وفي جملة أخرى: «إِلَهِي عَلِمْتُ بِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَتَنَقُّلَاتِ الْأَطْوَارِ، أَنَّ مُرَادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي کُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَا أَجْهَلَكَ فِي شَيْءٍ»([406]).

من البديهي أن يكون لاختلاف الآثار والآيات وصُوَر الحقائق والمخلوقات ـ حيث
 إنّ ملايين الأوراق تتمايز عن بعضها حتى ما كان منها على شجرة واحدة، وهكذا الاختلاف في أنواع الحيوانات والنباتات والأفکار والرؤى بما يخرج تصوّره عن قدرتنا
 ـ أثره الكبير والواسع في الإرشاد والالفات إلى عِظَم قدرة الله وسعة علمه وحكمته، فكلّ ما ذكرناه من المخلوقات لو أنّها خلقت على منوال واحد؛ لتأخر تفطُّن الإنسان إلى وجود خالقها جدّاً، وكيفما كان، فلا كلام في هذه المسألة، فإنّ ما جاء في آي القرآن:  (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ)([407]) حقّ وحقيقة.

أمّا المراد من «أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي کُلِّ شَيْءٍ» فهو أن نعتقد بأنّ كلّ شيء آية له، وبرؤية كلّ شيء لا نبقى في جهل عنه، أو أن نتعرّف إليه في كلّ شيء، ونزيح الجهل عن وجوده الحقيقي في كلّ شيء؛ وهذا معنى آخر، ينبثق من وحدة الوجود، وإن كان هو المراد، فمن المسلّم به أنّه ليس من كلام الإمام، ولا من سنخ كلمات الأئمة^، ولا من هدي القرآن الكريم.

وإجمالاً يستفاد من بعض مقاطع هذا الدعاء إظهاره للاستدلال من المخلوق على الخالق، ومن الآيات على الله ـ مع ما أولاه له القرآن والروايات ونهج البلاغة من أهميّة بالغة، وتأكيده الشديد، وعدّه أساس فهم الدعوة إلى الله ومعرفته ـ أنّه إمّا بلا قيمة ومكانة أساساً، أو قليل القيمة، وهذا المعنى مردود حتماً، ولا يمكن قبوله بأيّ شكل من الأشكال. 

دراسة وتقييم كتاب الحكم العطائيّة

الحکم العطائيّة فی المناجات الإلهيّة، قد ضمّن مع كتاب آخر اسمه الحکمالعطائيّة في الطبعة الثانية لـ(المکتبة العربيّة بدمشق) في (119) صفحة لأحد صوفيّة العامّة، يدعى أحمد بن محمد بن عبد الکريم بن عطاء الله السکندري، المتوفّى في (709هـ). ولدي نسخة من الطبعة الثانية لهذا الكتاب، وهي مشتملة على قسمين: القسم الأوّل بنفس ذلك الاسم (الحکم العطائيّة فی المناجات الإلهيّة)، ويشتمل على (264) حكمة ـ كما يدعى ـ وعبرة قصيرة (کلمات قصار)، وأربع مكاتبات. وبنظري لا ترقى أهمّيتها إلى ما يصفها به أهل العرفان، وأصحاب المشرب الصوفي، بل لا تعدو أن تكون عاديّة وبمستوى متوسّط، مضافاً إلى أنّ بعض مضامينها هابطة، وجملها متهافتة، وكثيراً ما تخالف ظواهر الشرع.

وكيفما كان، أين هذه الجمل والكلمات من آلاف الكلمات القصار المرويّة عن الرسول’، والمأثورة عن أمير المؤمنين× في نهج البلاغة، وعن سائر الأئمّة^؟! ومع وجود تلك الكلمات وتلك الحكم المأثورة عن العظماء، لا يبقى موضع لغيرها. فمن يستضيء بالشمس كيف له أن يتركها إلى نور مصباح؟! والمؤسف جدّاً أنّ عدم اطلاع هؤلاء القوم أو تعصّبهم لما ورثوه من أسلافهم، دفعهم للاستماع إلى كلام هذا الصوفي أو ذاك، والقناعة به.

وكان من الضروري أن نأتي على ذكر عبق من تلك الكلمات والتي هي آية في الاعجاز إلاّ أنه لا مجال لذلك. 

نعم، القسم التالي بعد هذه المناجاة، قد أطلق عليه (المناجات الإلهيّة) وهو نفس ذيل دعاء عرفة، وقد جزّأه فقرة فقرة، فکانت الفقرة الأولى منه هذه الجملة: «اِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ...»، وإلى آخره، حيث أوصله إلى خمسة وثلاثين مقطعاً، ثمّ شرع بالقسم الثاني المسمّى بـ(الحکمالعطائيّة الصغری) وهو ليس أفضل ولا أنظم من الکبرى.

بأيّة حال، لانقصد إطالة الکلام، وإلّا لذكرنا فقرات من هذه الحكم المزعومة حتى يُعلم مدى ما حرم منه هؤلاء القوم من فوائد جليلة ومنافع عظيمة لبعدهم عن عرفان القرآن والعترة.

ومن عجائب هذا الكتاب خلوّه من الصلوات على محمد وآل محمد^ على طوله، سواء منه قسم (المناجات الإلهيّة) أم غيرها من الأقسام، بل ولا أثر فيه حتى للصلوات البتراء؛ فقط في بعض المواضع ـ والتي لا تتعدّى العشرة ـ جاء ذكر رسول الله’، وبعده جملة «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ولا يعلم أنّها إضافة من منشئ عباراته، أو هي في الواقع من الكاتب.





 



المصادر والمراجع


 

المصادر والمراجع

·       القرآن الکریم.

1. الإتحاف بحبّ الأشراف، عبد الله بن محمد الشبراوي (ت1172ﻫ)، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة ـ إيران، 1363ش.

2. الآحاد والمثاني، أحمد بن عمرو بن الضحاك (ابن أبي عاصم) (ت287ﻫ)، دار الدرایة، 1411ﻫ.

3. الاختصاص، محمد بن محمد المشهور بالمفيد (ت413ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1414ﻫ.

4. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، محمد بن محمد المشهور بالمفيد (ت413ﻫ)، دار المفید، بیروت ـ لبنان، 1414ﻫ.

5. الاستذکار، یوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي (ت463ﻫ)، دار الکتب العلمیة، بيروت ـ لبنان، 2000م.

6. الإشارات، حسین بن عبد الله بن سینا (ت428ﻫ)، نشر البلاغة، قم المقدّسة ـ إيران، 1375ش.

7. أعلام الدین في صفات المؤمنین، الحسن بن أبي الحسن الدیلمي (المتوفى في القرن الثامن)، مؤسّسة آل البیت^ لإحیاء التراث، قم المقدّسة ـ إيران.

8. أعیان الشیعة، محسن الأمین العاملي (ت1371ﻫ)، دار التعارف، بيروت ـ لبنان، 1403ﻫ.

9. إقبال الأعمال، السیّد علي بن موسی بن طاووس (ت664ﻫ)، دار الکتب الإسلامیة، طهران ـ إيران، 1409ﻫ.

10. الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، دار الثقافة، قم المقدّسة ـ إيران، 1414ﻫ.

11. الأمالي، محمد بن علي الصدوق (ت380ﻫ)، مؤسّسة البعثة، قم المقدّسة ـ إيران، 1417ﻫ.

12. أوصاف الأشراف، الخواجه نصیر الدين الطوسي (ت672ﻫ)، نشر علم، طهران ـ إيران، 1376ش.

13. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار^، محمد باقر المجلسي (ت1111ﻫ)، دار إحیاء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1403ﻫ.

14. البدایة والنهایة، إسماعیل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت774ﻫ)، دار إحیاء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1408ﻫ.

15. البلد الأمین والدرع الحصین، إبراهیم بن علي الکفعمي (ت905ﻫ)، مؤسّسة الأعلمي، بیروت ـ لبنان، 1418ﻫ.

16. تاج العروس من جواهر القاموس، السیّد محمد مرتضی الحسیني الزبيدي (ت1205ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1414ﻫ.

17. تاریخ الأُمم والملوك، محمد بن جریر الطبري (ت310ﻫ)، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، 1403ﻫ.

18. تاریخ مدینة دمشق، علي بن الحسن المعروف بابن عساکر (ت571ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1415ﻫ.

19. تحف العقول عن آل الرسول’، الحسن بن علي المعروف بابن شعبة الحراني (المتوفى في القرن الرابع)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1404ﻫ.

20. تذکرة الخواص، یوسف بن حسام الدین المعروف بسبط ابن الجوزي (ت654ﻫ)، مكتبة الشریف الرضي، قم المقدّسة ـ إيران، 1418ﻫ.

21. تفسیر الصافي، محسن بن مرتضی الفیض الکاشاني (ت1091ﻫ)، مکتبة الصدر، طهران ـ إيران، 1415ﻫ.

22. تفسیر القمّي، علي بن إبراهیم القمّي (ت307ﻫ)، تحقیق: السیّد طیب الموسوي الجزائري، دار الکتاب، قم المقدّسة ـ إيران، 1404ﻫ.

23. التفسیر الکبیر، محمد بن عمر الفخر الرازي (ت606ﻫ)، مکتب الإعلام الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1413ﻫ.

24. تفسیر فرات الکوفي، فرات بن إبراهیم الكوفي (ت307ﻫ)، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران ـ إيران، 1410ﻫ.

25. تفسیر نور الثقلین، عبد علي بن جمعة الحویزي (ت1112ﻫ)، انتشارات إسماعیلیان، قم المقدّسة ـ إيران، 1412ﻫ.

26. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104ﻫ)، مؤسّسة آل البیت^ لإحیاء التراث، قم المقدّسة ـ إيران، 1414ﻫ.

27. تهذیب الأحکام، محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، دار الکتب الإسلامیة، طهران ـ إيران، 1346ش.

28. التوحید، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1398ﻫ.

29. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، مكتبة الشریف الرضي، قم المقدّسة ـ إيران، 1368ش.

30. الجامع الصغیر في أحادیث البشیر النذیر، جلال الدین السیوطي (ت911ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1401ﻫ.

31. الجامع لأحکام القرآن (تفسیر القرطبي)، محمد بن أحمد القرطبي (ت671ﻫ)، دار إحیاء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1405ﻫ.

32. الجواهر السنیة في الأحادیث القدسیة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت1104ﻫ)، مکتبة المفید، قم المقدّسة ـ إيران، 1384ﻫ.

33. جواهر العقدین في فضل الشرفین، علي بن عبد الله السمهودي (ت911 ﻫ)، مطبعة العاني، بغداد ـ العراق، 1407ﻫ.

34. جوهرة الکلام، محمود القراغولي البغدادي.

35. حقّ الیقین في معرفة أُصول الدین، السیّد عبد الله شبّر (ت1242ﻫ)، انتشارات أنوار الهدی، قم المقدّسة ـ إيران، 1424ﻫ.

36. الخصال، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1403ﻫ.

37. خصائص الأئمّة^، محمد بن الحسین الشريف الرضي (ت406ﻫ)، العتبة الرضوية المقدّسة، مشهد ـ إيران، 1406ﻫ.

38. الدرّ المنثور في التفسیر بالمأثور، جلال الدین السیوطي (ت911ﻫ)، مكتبة المرعشي النجفي، قم المقدّسة ـ إيران، 1404ﻫ.

39. دیوان أشعار، بدیل بن علي الخاقاني (ت595ﻫ).

40. دیوان الإمام علي× (الأشعار المنسوبة له×)، محمد بن الحسین البیهقي الکیدري (المتوفى في القرن السادس)، انتشارات أُسوة، طهران ـ إيران، 1381ش.

41. ذیل تاریخ بغداد، محمد بن محمود بن النجار البغدادي (ت643ﻫ)، دار الکتب العلمیة، بيروت ـ لبنان، 1417ﻫ.

42. رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي، السیّد أبو بکر بن شهاب الدین العلوي الحضرمي (ت1303ﻫ)، دار الکتب العلمیة، بيروت ـ لبنان، 1418ﻫ.

43. روضة المتقین في شرح مَن لا یحضره الفقیه، محمد تقي المجلسي (ت1070ﻫ)، مؤسّسة کوشانپور للثقافة الإسلامية، قم المقدّسة ـ إيران، 1406ﻫ.

44. روضة الواعظین وبصیرة المتعظین، محمد بن الفتال النیسابوري (ت508ﻫ)، منشورات الشریف الرضي، قم المقدّسة ـ إيران، 1375ش.

45. الروضة في فضائل أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب×، سديد الدين شاذان بن جبرئیل القمّي (ت660ﻫ)، مکتبة الأمین، قم المقدّسة ـ إيران، 1423ﻫ.

46. ریاض السالکین في شرح صحیفة سیّد الساجدین، علي خان بن أحمد المدني الشیرازي (ت1120ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1415ﻫ.

47. زاد المعاد، محمد باقر المجلسي (ت1111ﻫ)، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، 1423ﻫ.

48. سبل الهدی والرشاد في سیرة خیر العباد، محمد بن یوسف الصالحي الشامي (ت942ﻫ)، دار الکتب العلمیة، بيروت ـ لبنان، 1414ﻫ.

49. سفینة البحار ومدینة الحِکم والآثار، عباس القمّي (ت1359ﻫ)، دار الأُسوة، طهران ـ إيران، 1416ﻫ.

50. سنن ابن ماجة، محمد بن یزید القزویني المعروف بابن ماجة (ت275ﻫ)، دار ‌‌الفکر، بيروت ـ لبنان.

51. سنن أبي داوود، سلیمان بن الأشعث السجستاني (ت275ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1410ﻫ.

52. سنن الترمذي، محمد بن عیسی الترمذي (ت279ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1403ﻫ.

53. السنن الکبری، أحمد بن الحسین البیهقي (ت458ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1416ﻫ.

54. سنن النسائي، أحمد بن شعیب النسائي (ت303ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1348ﻫ.

55. سیر أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي (ت748ﻫ)، مؤسّسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، 1413ﻫ.

56. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار^، القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التمیمي المغربي (ت363ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1414ﻫ.

57. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید المعتزلي (ت656ﻫ)، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378ﻫ.

58. شواهد التنزیل، عبید الله بن أحمد المعروف بالحاکم الحسکاني (ت506ﻫ)، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران ـ إيران، 1411ﻫ.

59. صحیح البخاري، محمد بن إسماعیل البخاري (ت256ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان، 1401ﻫ.

60. صحیح مسلم، مسلم بن الحجاج النیسابوري (ت261ﻫ)، دار الفکر، بيروت ـ لبنان.

61. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السیّد علي بن موسی بن طاووس (ت664ﻫ)، مطبعة الخیام، قم المقدّسة ـ إيران، 1399ﻫ.

62. العتب الجمیل على أهل الجرح والتعديل، محمد بن عقیل العلوي (ت1350ﻫ)، نشر الهدف.

63. عدّة الداعي ونجاح الساعي، أحمد بن فهد الحلي (ت841ﻫ)، مکتبة وجداني، قم المقدّسة ـ إيران.

64. علل الشرائع، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، المکتبة الحیدریة، النجف الأشرف ـ العراق، 1385ﻫ.

65. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، أحمد بن علي المعروف بابن عنبة الحسیني (ت828ﻫ)، المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف ـ العراق، 1380ﻫ.

66. عمدة عیون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، یحیی بن الحسن الأسدي المعروف بابن البطریق (ت600ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1407ﻫ.

67. عوالي اللآلئ العزیزیة في الأحادیث الدینیة، محمد بن علي المعروف بابن أبي جمهور الأحسائي (ت880ﻫ)، مطبعة سیّد الشهداء، قم المقدّسة ـ إيران، 1403ﻫ.

68. عیون أخبار الرضا×، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، 1404ﻫ.

69. عیون الحِکم والمواعظ، علي بن محمد اللیثي الواسطي (المتوفى في القرن السادس)، دار الحدیث، قم المقدّسة ـ إيران، 1376ش.

70. الغدیر في الکتاب والسنّة والأدب، عبد الحسین الأمیني (ت1392ﻫ)، دار الکتاب العربي، بيروت ـ لبنان، 1397ﻫ.

71. فروق اللغات، السیّد نور الدین بن نعمة الله الجزائري (ت1158ﻫ)، دار الکتب العلمیة، النجف الأشرف ـ العراق، 1380ﻫ.

72. الفصول ‌‌المهمّة في معرفة الأئمّة^، علي بن محمد بن أحمد المالکي المعروف بابن الصباغ (ت855ﻫ)، دار الحدیث، قم المقدّسة ـ إيران، 1422ﻫ.

73. الکافي، محمد بن یعقوب الكليني (ت329ﻫ)، دار الکتب الإسلامية، طهران ـ إيران، 1363ش.

74. الکامل في التاریخ، علي بن محمد المعروف بابن الأثیر (ت630ﻫ)، دار صادر، بيروت ـ لبنان، 1386ﻫ.

75. کشف الغمّة في معرفة الأئمّة^، علي بن عیسی الأربلي (ت693ﻫ)، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، 1405ﻫ.

76. الکشف والبیان في تفسیر القرآن (تفسیر الثعلبي)، أحمد بن إبراهیم الثعلبي (ت427ﻫ)، دار إحیاء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1422ﻫ.

77. کفایة الأثر في النصّ علی الأئمّة الاثني عشر^، علي بن محمد الخزاز القمّي (ت400ﻫ)، انتشارات بیدار، قم المقدّسة ـ إيران، 1401ﻫ.

78. کنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت975ﻫ)، مؤسّسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، 1409ﻫ.

79. کنز الفوائد، محمد بن علي الکراجکي (ت449ﻫ)، مکتبة المصطفوي، قم المقدّسة ـ إيران، 1369ش.

80. اللهوف في قتلی الطفوف، السیّد علي بن موسی بن طاووس (ت664ﻫ)، انتشارات أنوار الهدی، قم المقدّسة ـ إيران، 1417ﻫ.

81. المبسوط، محمد بن أحمد السرخسي (ت483ﻫ)، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، 1406ﻫ.

82. مثیر الأحزان، محمد بن جعفر بن نما الحلّي (ت465ﻫ)، المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف ـ العراق، 1369ﻫ.

83. مجمع البیان في تفسیر القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت548ﻫ)، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، 1415ﻫ.

84. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بکر الهیثمي (ت807ﻫ)، دار الکتب العلمیة، بيروت ـ لبنان، 1408ﻫ.

85. محاسبة النفس، إبراهیم بن علي الکفعمي (ت905ﻫ)، مؤسّسة قائم آل محمّد#، قم المقدّسة ـ إيران، 1413ﻫ.

86. مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سلیمان الحلّي (المتوفى في القرن التاسع)، المطبعة الحیدریة، النجف الأشرف ـ العراق، 1370ﻫ.

87. مدینة معاجز الأئمّة الاثني عشر ودلائل الحجج علی البشر، هاشم الحسیني البحراني (ت1107ﻫ)، مؤسّسة المعارف الإسلامیة، قم المقدّسة ـ إيران، 1413ﻫ.

88. مرآة الجنان وعبرة الیقظان في معرفة ما یُعتبر من حوادث الزمان، عبد الله بن أسعد الیافعي الیمني (ت768ﻫ)، دار الکتب الإسلامیة، القاهرة ـ مصر، 1413ﻫ.

89. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول’، محمد باقر المجلسي (ت1111ﻫ)، دار الکتب الإسلامیة، طهران ـ إيران، 1404ﻫ.

90. المراجعات، السیّد عبد الحسین شرف الدین الموسوي (ت1377ﻫ)، الجمعیة الإسلامیة، بیروت ـ لبنان، 1402ﻫ.

91. مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن الحسین المسعودي (ت345ﻫ)، دار الهجرة، قم المقدّسة ـ إيران، 1409ﻫ.

92. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، میرزا حسین النوري الطبرسي (ت1320ﻫ)، مؤسّسة آل البیت^ لإحیاء التراث، بیروت ـ لبنان، 1408ﻫ.

93. المستدرك علی الصحیحین، الحاکم محمد بن عبد الله النیسابوري (ت405ﻫ)، دارالمعرفة، بیروت ـ لبنان.

94. المسترشد في إمامة أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب×، محمد بن جریر الطبري الإمامي (المتوفى في القرن الخامس)، مؤسّسة کوشانپور للثقافة الإسلامية، 1415ﻫ.

95. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل الشیباني (ت241ﻫ)، دار صادر، بیروت ـ لبنان.

96. مسند الحمیدي، عبد الله بن الزبیر الحمیدي (ت219ﻫ)، دار الکتب العلمیة، بیروت ـ لبنان، 1409ﻫ.

97. مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعي (ت454ﻫ)، مؤسّسة الرسالة، بیروت ـ لبنان، 1405ﻫ.

98. مشکاة الأنوار في غرر الأخبار، علي بن الحسن الطبرسي (المتوفى في القرن السابع)، انتشارات دار الحدیث، 1418ﻫ.

99. مصباح المتهجّد، محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، مؤسّسة فقه الشیعة، بیروت ـ لبنان، 1411ﻫ.

100. المصباح، إبراهیم بن علي الکفعمي(ت905ﻫ)، مؤسّسة الأعلمي، بیروت ـ لبنان، 1403ﻫ.

101. معارج الوصول إلی معرفة فضل آل الرسول، محمد بن یوسف الزرندي (ت750ﻫ).

102. معاني الأخبار، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1361ش.

103. المعجم الأوسط، سلیمان بن أحمد الطبراني (ت360ﻫ)، دار الحرمین، 1415ﻫ.

104. المعجم الکبیر، سلیمان بن أحمد الطبراني (ت360ﻫ)، دار إحیاء التراث العربي، 1404ﻫ.

105. مفاتیح الجنان، الشيخ عباس القمّي (ت1395ﻫ).

106. مفردات ألفاظ القرآن، الحسین بن محمد الراغب الأصفهاني (ت502ﻫ)، نشر الکتاب، 1404ﻫ.

107. مقتل الحسین×، موفّق بن أحمد الخوارزمي (ت568ﻫ)، مکتبة المفید، قم المقدّسة ـ إيران.

108. مکارم الأخلاق، الحسن بن الفضل الطبرسي (ت554ﻫ)، منشورات الشریف الرضي، 1392ق.

109. مَن لا یحضره الفقیه، محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ)، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، 1404ﻫ.

110. مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت588ﻫ)، المکتبة الحیدریة، النجف الأشرف ـ العراق، 1376ﻫ.

111. مناقب الإمام أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب×، محمد بن سلیمان الکوفي (المتوفى في القرن الثالث)، مجمع إحیاء الثقافة الإسلامية، قم المقدّسة ـ إيران، 1412ﻫ.

112. مناقب علي بن أبي طالب×، أحمد بن موسی بن مردویه الأصفهاني (ت410ﻫ)، دار الحدیث، قم المقدّسة ـ إيران، 1424ﻫ.

113. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، میرزا حبیب الله الخوئي (ت1324ﻫ)، المکتبة الإسلامية، طهران ـ إيران، 1400ﻫ.

114. ناسخ التواريخ در أحوالات حضرت سیّد الشهداء×، میرزا محمد تقي سپهر (ت1297ﻫ)، کتابفروشي إسلامیة، طهران ـ إيران، 1343ش.

115. نزهة الجلیس ومنیة الأدیب الأنیس، السیّد عباس بن علي المکي الحسیني الموسوي، المکتبة الحیدریة، قم المقدّسة ـ إيران، 1417ﻫ.

116. النصّ والاجتهاد، السیّد عبد الحسین شرف الدین الموسوي (ت1377ﻫ)، مطبعة سیّد الشهداء×، قم المقدّسة ـ إيران، 1404ﻫ.

117. النصائح الکافیة لمن یتولّی معاویة، محمد بن عقیل العلوي (ت1350ﻫ)، دار الثقافة، قم المقدّسة ـ إيران، 1412ﻫ.

118. نظم درر السمطین في فضائل المصطفی والمرتضی والبتول والسبطین^، محمد بن یوسف الزرندي (ت750ﻫ)، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین× العامّة،  أصفهان ـ إيران، 1377ﻫ.

119. النهایة في غریب الحدیث والأثر، مبارك بن محمد بن الأثیر (ت606ﻫ)، انتشارات إسماعیلیان، قم المقدّسة ـ إيران، 1364ش.

120. نهج البلاغة، خطب الإمام علي بن أبي طالب×، جمع الشریف الرضي (ت406ﻫ)، تحقیق وشرح: محمد عبده، دار المعرفة، بیروت ـ لبنان، 1412ﻫ.

121. الوافي، محسن بن مرتضی الفیض الکاشاني (ت1091ﻫ)، مکتبة الإمام أمیر المؤمنین× العامّة، 1406ﻫ.

122. ینابیع المودّة لذوي القربی، سلیمان بن إبراهیم القندوزي (ت1294ﻫ)، دار الأُسوة، 1416ﻫ.


 





 



 


 


 


 

 


المحتويات

المحتويات

 TOC \o "1-3" \h \z \u

مقدّمة المؤسّسة. PAGEREF _Toc154926440 \h 7 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400340030000000

المقدّمة. PAGEREF _Toc154926459 \h 23 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400350039000000

فضيلة الدعاء. PAGEREF _Toc154926460 \h 25 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360030000000

توضيح هام. PAGEREF _Toc154926461 \h 33 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360031000000

المقطع الأوّل:الرؤية الكونيّة للإسلام. PAGEREF _Toc154926464 \h 39 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360034000000

الرؤية الكونية الإسلامية. PAGEREF _Toc154926465 \h 41 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360035000000

الوحي والرسالات السماويّة الإلهيّة. PAGEREF _Toc154926466 \h 44 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360036000000

الإمامة والقيادة بعد النبي الأكرم’... PAGEREF _Toc154926467 \h 45 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360037000000

عقيدة المجسّمة الباطلة. PAGEREF _Toc154926468 \h 61 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400360038000000

المقطع الثاني:النعم الإلهيّة. PAGEREF _Toc154926471 \h 65 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370031000000

المقطع الثالث:البصيرة في الدين. PAGEREF _Toc154926474 \h 73 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370034000000

أقسام الدعاء. PAGEREF _Toc154926475 \h 76 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370035000000

الخشية والخوف والفرق بينهما. PAGEREF _Toc154926476 \h 80 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370036000000

الخوف من الله في القرآن. PAGEREF _Toc154926477 \h 82 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370037000000

الخوف من الله في الأحاديث.. PAGEREF _Toc154926478 \h 82 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370038000000

الخشية من الله في القرآن. PAGEREF _Toc154926479 \h 83 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400370039000000

السعادة والشقاء. PAGEREF _Toc154926480 \h 86 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380030000000

غنى الروح والحقيقة الإنسانيّة. PAGEREF _Toc154926481 \h 95 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380031000000

فضيلة اليقين.. PAGEREF _Toc154926482 \h 98 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380032000000

الإخلاص في العمل. PAGEREF _Toc154926483 \h 107 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380033000000

مراتب الإخلاص... PAGEREF _Toc154926484 \h 110 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380034000000

إلفات إلى نقطة هامة. PAGEREF _Toc154926485 \h 118 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380035000000

المتبقي من المقطع. PAGEREF _Toc154926486 \h 119 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380036000000

المقطع الرابع:الرعاية الربوبيّة والخوف من الله.. PAGEREF _Toc154926489 \h 123 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400380039000000

الرعاية الربوبيّة. PAGEREF _Toc154926490 \h 130 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400390030000000

الخوف من غضب الله.. PAGEREF _Toc154926491 \h 135 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400390031000000

المقطع الخامس: حرم الرحمة. PAGEREF _Toc154926494 \h 141 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400390034000000

المقطع السادس:لسان حال العباد. PAGEREF _Toc154926497 \h 151 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003400390037000000

المقطع السابع:سلامة الدين. PAGEREF _Toc154926500 \h 159 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500300030000000

مسألة الاصطفاء. PAGEREF _Toc154926501 \h 180 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500300031000000

المقطع الثامن:الصفات الفعليّة والجماليّة. PAGEREF _Toc154926504 \h 183 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500300034000000

المقطع  التاسع:أبحاث أخلاقيّة وعقائديّة هامّة. PAGEREF _Toc154926507 \h 209 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500300037000000

مسألة العلم الإلهي. PAGEREF _Toc154926509 \h 212 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500300039000000

صفات الله عين ذاته. PAGEREF _Toc154926510 \h 216 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310030000000

الرزق الحلال. PAGEREF _Toc154926511 \h 218 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310031000000

عافية الدين والبدن. PAGEREF _Toc154926512 \h 220 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310032000000

عافية الدين وأقسامها PAGEREF _Toc154926513 \h 222 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310033000000

المقطع العاشر:الدعاء ترجمان القلب.. PAGEREF _Toc154926516 \h 233 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310036000000

فضيلة الصلوات.. PAGEREF _Toc154926517 \h 239 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310037000000

بقيّة هذا المقطع من الدعاء. PAGEREF _Toc154926518 \h 248 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500310038000000

الكلمة الختامية للدعاء. PAGEREF _Toc154926520 \h 255 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320030000000

دعاء عرفة. PAGEREF _Toc154926522 \h 261 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320032000000

توضيح مهمّ. PAGEREF _Toc154926523 \h 275 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320033000000

لعدم الإشارة إلى ذيل دعاء عرفة. PAGEREF _Toc154926524 \h 275 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320034000000

توضيح مهمّ لعدم الإشارة إلى ذيل دعاء عرفة. PAGEREF _Toc154926525 \h 277 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320035000000

دراسة وتقييم كتاب الحكم العطائيّة. PAGEREF _Toc154926526 \h 285 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320036000000

المصادر والمراجع. PAGEREF _Toc154926528 \h 287 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500320038000000

المحتويات.. PAGEREF _Toc154926530 \h 301 08D0C9EA79F9BACE118C8200AA004BA90B02000000080000000E0000005F0054006F0063003100350034003900320036003500330030000000

 



([1]) البقرة: آية31.

([2]) المجادلة: آية11.

([3]) البقرة: آية129.

([4]) آل عمران: آية164.

([5]) الكفعمي، إبراهيم، المصباح: ص280.

[6]([6]) البقرة: آية253.

([7]) غافر: آية60.

([8]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص468. الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا×: ج1، ص40. الحاکم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك: ج1، ص492؛ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج7، ص38.

([9]) نهجالبلاغة: ج4، ص35، الحکمة 146. الشريف الرضي، محمد بن الحسين، خصائص الأئمّة^: ص105. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج93، ص22.

([10]) الرعد: آية15.

([11]) الحديد: آية4.

([12]) ابن شهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص248. البحراني، هاشم، مدينة معاجز الأئمّة الاثنی عشر^: ج4، ص380، 392ـ393. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج46، ص40.

([13]) ومضمون هذا البيت: يامن يطلب حاجته من الخلق، إنّك في غاية الضلال والتعاسة! أَوَ ما تعرف أنّ الله هو القادر على كل شيء؟!

([14]) الأعراف: آية188.

([15]) ابن شاذان القمّي، شاذان بن جبريل، الروضة في فضائل أمير المؤمنين×: ص20.

([16]) الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص70، 331، 599.

([17]) مضمون هذه الأبيات: فقير يستضيف فقيراً طالباً منه الخبز، فيذهب ذلك الفقير إلى مجموعة من الفقراء ليطلب له الخبز منهم، فلم ترتفع هذه المشكلة؛ إذ فاقد الشيء لا يعطيه، والفقراء المساكين كلّهم محتاجون إلى الغني. فالممكنات كلّها فقيرة إلى الله تعالى ومحتاجة إليه}.

([18]) الحميد، ويحتمل في معناه أن يكون المراد به المحمود أو الحامد.

([19]) فاطر: آية15.

([20]) غافر: آية60.

([21]) الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحکام: ج2، ص104؛ ابن فهد الحلي، أحمد، عدّة الداعي: ص35؛ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج6، ص438.

([22]) نهج البلاغة: ج4، ص33، الحکمة 135.

([23]) غافر: آية60.

([24]) النساء: آية110.

([25]) إبراهيم: آية7.

([26]) النساء: آية17.

([27]) نهجالبلاغة: ج4، ص33ـ34، الحکمة 135.

([28]) انظر: المدني الشيرازي، علي خان، رياض السالکين.

([29]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج2، ص707. الكفعمي، إبراهيم، المصباح: ص555. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء کميل.

([30]) الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج4، ص77؛ ج5، ص417. ابن أبي عاصم، أحمد بن عمرو، الآحاد والمثاني: ج2، ص215. الطبرسي، علي، مشکاة الأنوار: ص551.

([31]) ابن الأثير، مجد الدين، النهاية: ج2، ص335؛ ج3، ص403 (باب الغين مع الياء). المحدّث النوري، ميرزا حسين، مستدرك الوسائل: ج5، ص375.

([32]) الفتح: الآيتان1ـ2.

([33]) الأربلي، علي بن أبي الفتح، کشف الغمّة في معرفة الأمّة: ج3، ص47ـ48.

([34]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339 ـ340؛ المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173ـ174؛ المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([35]) الطور: آية35.

([36]) آل عمران: آية64.

([37]) الحجرات: آية13.

([38]) القصص: آية13.

([39]) النحل: آية90.

([40]) فصّلت: آية34.

([41]) الأميني، عبد الحسين، الغدير: ج6، ص187.

([42]) ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص35.

([43]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173. المحدّث القمي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([44]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص470. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج7، ص27.

([45]) ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج19، ص84.

([46]) جدير بالذكر: أنّ فسخ العزيمة يحدث أحياناً نتيجة خلل يقع في الشروط، أو نتيجة بروز مانع هنا أو هناك، وأحياناً نتيجة ما يلهم به الشخص من أمور تنفذ تلقائيّاً إلى تفكيره، وتتسبّب في فسخ عزيمته، وهذا المعنى يستفاد من بعض الآيات والروايات أيضاً، وليس هنا محلّ التطرّق لتفاصيلها.

([47]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173؛ المحدّث القمي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([48]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([49]) الملك: آية3.

([50]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين×في عرفة.

([51]) ابن فهد الحلي، أحمد، عدّة الداعي: ص311.

([52]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([53]) المصادر السابقة.

([54]) يشير الشاعر في هذا البيت إلى أنّ خلق هذا العالم متقن ومحكم، وهذا الاتقان خير دليل على حكمة الفاعل.

([55]) ومعنى هذين البيتين: أنّ العالم يبتني على أساس متقن، وله برنامج وقانون منظّم، ويشهد هذا على علمه وقدرته، فلا نقص ولا زيادة فيه.

([56]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص173. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([57]) المصادر السابقة.

([58]) آل عمران: آية195.

([59]) المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان (بعد دعاء العديلة).

([60]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص339. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص174. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([61]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص340. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص174. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([62]) الشعراء: الآيات 205ـ207.

([63]) المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب: ج4، ص11. سبط ابن الجوزي، تذکرة الخواصّ: ص323 (فصل في ذكر الهادي). ابن کثير، إسماعيل، البدایة والنهاية: ج11، ص20. بالطبع فإنّ هذه الأبيات قد نُقلت في مصادر أخرى مع اختلاف يسير، انظر: اليافعي اليمني، عبد الله بن أسعد، مرآة الجنان: ج2، ص160. الحسيني الموسوي المكّي، العبّاس بن علي، نزهة الجليس: ج2، ص131. الشبراوي، عبد الله بن محمد، الاتحاف بحب الأشراف: ص200. القراغولي البغدادي، محمود بن وهيب، جوهرة الكلام: ص152. وقال في المصدر الأخير: إنّ الأشعار أعلاه كانت مكتوبة في قصر سيف بن ذي يزن الحميري، وكان كتب قبلها هذه الأبيات أيضاً:

أُنْظُرْ مَا تَرَی أَيُّهَا الرَّجُلُ

 


وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ قَبْلِ تَنْتَقِلُ


وَقَدِّمْ الزَّادَ مِنْ خَيْرٍ تَسـرُّ بِهِ

 


فَكُلُّ سَاكِنِ دَارٍ سَوْفَ يَرْتَحِلُ


وَانْظُرْ إِلَی مَعْشـرٍ بَاتُوا عَلَی دَعَةٍ

 


فَأَصْبَحُوا فِي الثَّرَى رَهْناً بِمَا عَمِلُوا

بَنَوْا فَلَمْ يَنْفَعِ الْبُنْيانُ وَادَّخَرُوا

 


مَالاً فَلَمْ يُغْنِهِمْ لَمَّا انْقَضَی الْأَجَلُ

 

([64]) الخاقاني، أفضل الدين، ديوان الأشعار، قصايد، رقم 168. وقد أشار الشاعر إلى حقيقة الموت والعودة إلى بطن هذه الأرض التي خلق منها الإنسان، موضّحاً ذلك عبر السؤال عن حال أولئك التجّار والمتموّلين أين أصبحوا فيما بعد؟!

([65]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص340. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص174. المحدّث القمي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([66]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص342. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد، ص174ـ176. المحدّث القمي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([67]) إبراهيم: آية34.

([68]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج1، ص23؛ ج8، ص268. الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص504. ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص37.

([69]) يعلمون ـ خ ل.

([70]) يعلمون ـ خ ل.

([71]) الحلّي، حسن بن سليمان، مختصر بصائر الدرجات: ص100.

([72]) الأنبياء: آية22.

([73]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص342. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص176. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([74]) ابنفهد الحلّي، أحمد، عدّة الداعي: ص25.

([75]) السرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط: ج30، ص273. المتقي الهندي، علي، کنز العمال: ج2، ص65.

([76]) مضمون هذين البيتين: أعرف فريقاً من أولياء الله، لا يدعون الله أبداً، وهم صامتون، ولكنّ عويلهم يصل إلى تحت العرش.

([77]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص342. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص176. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([78]) فاطر: آية28.

([79]) بما أنّه عند تدويني لهذا الكتاب ـ وكما بيّنت سابقاً ـ لم تكن المصادر في متناول يدي، فاكتفيت بنقل مضمون كلام المحقّق الطوسي. وبعد العودة من السفر راجعت المصادر، وتبيّن أنّ حاصل كلام المحقّق ـ حسب نقل فروق اللغات للجزائري ـ هو:

إِنَّ الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ وَإِنْ كانا في اللُّغَةِ بِمَعْنى واحِدٍ، إِلّا أَنَّ بَيْنَ خَوْفِ اللهِ وَخَشْيَتِهِ في عُرْفِ أَرْبابِ الْقُلُوبِ فَرْقاً، وَهُوَ: أَنَّ الْخَوْفَ تَأَلُّمُ النَّفْسِ مِنَ الْعِقَابِ الْمُتَوَقَّعِ بِسَبَبِ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالتَّقْصِيرِ فِي الطَّاعَاتِ، وَهُوَ يَحْصُلُ لِأَكْثَرِ الْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَراتِبُهُ مُتَفَاوِتَةً جِدّاً، وَالْمَرْتِبَةُ الْعُلْيَا مِنْهُ لَا تَحْصُلُ إِلّا لِلْقَلِيلِ.

وَالْخَشْيَةُ: حَالَةٌ تَحْصُلُ عِنْدَ الشُّعُورِ بِعَظَمَةِ الْخَالِقِ وَهَيْبَتِهِ وَخَوْفِ الْحُجُبِ عَنْهُ، وَهَذِهِ حَالَةٌ لَا تَحْصُلُ إِلَّا لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَی حَالِ الْكِبْرِيَاءِ، وَذَاقَ لَذَّةَ الْقُرْبِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ) فَالْخَشْيَةُ: خَوْفٌ خَاصٌّ، وَقَدْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا الْخَوْفَ، انْتَهَى.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْفَرْقَ أَيْضاً قَوْلُهُ تَعَالى يَصِفُ الْمُؤْمِنِینَ:( ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)حَيْثُ ذَكَرَ الْخَشْيَةَ في جَانِبِهِ سُبْحَانَهُ وَالْخَوْفَ فِي جَانِبِ الْحِسَابِ.الجزائري، نور الدين بن نعمة الله، فروق اللغات، باب الخاء: ص95 ـ 96.

وقد نقل العلّامة المجلسي هذا المضمون وبهذه العبارات في بحار الأنوار، عن أوصاف الأشراف للمحقّق الطوسي (الخواجة نصير الطوسي، أوصافالأشراف، ص143 ـ144. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج67، ص360). والظاهر أنّ الجزائري في فروق اللغات أخذها عن بحار الأنوار.

([80]) نهج البلاغة: ج4، ص18، الحکمة 82. الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص315. المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج1، ص297. ابنعساکر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج42، ص510.

([81]) النازعات: الآيتان 40ـ41.

([82]) النور: آية37.

([83]) الدهر: آية7.

([84]) الرحمن: آية46.

([85]) الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص479. الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار: ص199. الصدوق، محمد بن علي، من لايحضره الفقيه: ج4، ص383.

([86]) الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص208.

([87]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج67، ص393.

([88]) فاطر: الآيتان27ـ28.

([89]) يس: آية11.

([90]) البيّنة: آية7.

([91]) البيّنة: آية8.

([92]) فرات الکوفي، تفسير فرات: ص583ـ585. الحاکم الحسکاني، عبيد الله بن أحمد، شواهد التنزيل: ج2، ص459ـ474. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان: ج10، ص795؛ السيوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور: ج6، ص379.

([93]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج67، ص394.

([94]) المحدّث القمّي، عبّاس، سفينةالبحار: ج1، ص353، باب فضل البكاء.

([95]) المصدر السابق.

([96]) المصدر السابق: ج1، ص354، باب فضل البكاء.

([97]) مضمون هذا البيت: إذا حيكت سجادة أحد باللون الأسود، فلا تصبح بيضاء، وإن غسلتها بماء زمزم والكوثر.

([98]) الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين: ج2، ص18. (ورد هذا الحديث بتعابير مختلفة في الكتب الحديثیّة لدى الشيعة والسنّة).

([99]) البقرة: آية216.

([100]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص352، ح8 ، باب مَن آذى المسلمين واحتقرهم. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، الجواهر السنيّة: ص121. المجلسي، محمد تقي، روضةالمتقين: ج1، ص311.

([101]) هود: الآيات 105ـ 108.

([102]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص226.

([103]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص76. الکفعمي، إبراهيم بن علي، المصباح: ص294، القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، أدعية أسحار شهر رمضان.

([104]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص47. الطبرسي، أبو الفضل علي، مشکاةالأنوار: ص52. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج15، ص185ـ186.

([105]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص342. المجلسی، محمد باقر، زاد المعاد: ص176؛ المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([106]) المائدة: آية64.

([107]) الواقعة: الآيتان 58ـ59.

([108]) الواقعة: الآيتان 63ـ64.

([109]) الرعد: آية39 .

([110]) نهجالبلاغة: ج4، ص69، الحكمة 287. الفتّال النيشابوري، محمد، روضة الواعظين: ص40. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج1، ص210، 218. ج5، ص124، 126. ج64، ص111.

([111]) نهج البلاغة: ج3، ص20، كتاب 22.

([112]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص342. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص176. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([113]) المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص: ص343. الکراجکي، محمد بن علي، کنز الفوائد: ص97؛ المحدّث القمّي، عبّاس، سفينة ‌‌‌البحار: ج6، ص676.

([114]) ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل: ج2، ص243، 261، 315؛ 390، 539ـ540؛ ابنشعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص57. الفتّال النيشابوري، محمد، روضة الواعظين: ص456؛ الطبرسي، أبو الفضل علي، مشکاةالأنوار ص230. المحدّث القمّي، عبّاس، سفينة البحار: ج6، ص677.

([115]) السيوطي، عبد الرحمن، الجامع الصغير: ج2، ص436. وانظر: الهيثمي، علي، مجمع الزوائد: ج10، ص243ـ244.

([116]) الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص420: الفتال النيشابوري، محمد، روضةالواعظين: ص109. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج74، ص400؛ ج91، ص92.

([117]) الحمد: آية5.

([118]) الکفعمي، إبراهيم، محاسبة النفس: ص181.

([119]) ابننما الحلّي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص29. الأربلي، علي بن عيسى، کشف الغمّة: ج2، ص 239. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص366.

([120]) المصادر السابقة.

([121]) المصادر السابقة.

([122]) الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم‌‌الکبير: ج3، ص115. ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص245. ابنعساکر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص218. ابنشهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص224.

([123]) ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف: ص59.

([124]) سپهر، محمد تقي، ناسخ التواريخ: ج6، جزء2، ص360.

([125]) الحمد: آية6.

([126]) نهج البلاغة: ج2، ص161، الخطبة 193.

([127]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص53.

([128]) ابن شهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص317. الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيونالحکم والمواعظ: ص415. ابن شاذان القمّي، شاذان، الروضة في فضائل أمير المؤمنين×: ص235. الأربلي، علي بن عيسى، کشف الغمّة: ج1، ص169، 289.

([129]) نهجالبلاغة: ج4، ص22 ، الحكمة 97.

([130]) الفتح: آية11.

([131]) المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج1، ص84. ابن اثير الجزري، علي بن أبي الكرم، الکامل: ج2، ص158. الأربلي، علي بن عيسى، کشفالغمه: ج1، ص193.

([132]) الصدوق، محمد بن علي، عللالشرائع: ج1، ص7. ابنالأثير الجزري، علي بن أبي الكرم، الکامل: ج2، ص154.

([133]) المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص92. الفتّال النيشابوري، محمد، روضة الواعظين: ص184.

([134]) المصدران السابقان.

([135]) الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص318. ابنکثير، إسماعيل، البدايةوالنهاية: ج8، ص191.

([136]) مضمون هذا البيت: لا أريد حور العين، فإنّ انشغالي عنك بغيرك هو عين القصور.

([137]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص 84. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج1، ص 62.

([138]) الكهف: آية110.

([139]) مضمون هذين البيتين: يامن تدّعي العشق طوبى لك، إن كان لسانك يوافق قلبك، إنّ المحبّ الحقيقي لا يريد الغلمان ولا حور العين، فهو ليس عبداً لشهواته.

([140]) مضمون هذين البيتين: قلتَ إنّني سأعذّبك، وأنا في حيرة أين سيكون العذاب؟!

  وأنت المحيط بكلّ شيء ولا يوجد عذاب أينما كنت!

([141]) ابن أبيجمهور الأحسائي، محمد بن علي، عوالي اللئالي: ج4، ص7.

([142]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص496. الصدوق، محمد بن علي، التوحيد: ص182. الصدوق، محمد بن علي، عللالشرائع: ج1، ص284؛ ابنفهد الحلّي، أحمد، عدّة الداعي، ص235، 238.

([143]) ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل: ج5، ص428ـ429. الهيثمي، علي، مجمعالزوائد: ج1، ص102؛ ج10، ص222. ابنفهد الحلّي، أحمد، عدّة الداعي: ص214.

([144]) ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص487. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج69، ص298ـ299.

([145]) الهيثمي، علي، مجمع الزوائد: ج10، ص223. السيوطي، عبد الرحمن، الجامع الصغير: ج2، ص84ـ85. المتقي الهندي، علي، کنز العمال: ج3، ص475ـ476، 816ـ817. المحدّث النوري، حسين، مستدركالوسائل: ج1، ص113.

([146]) النساء: آية65.

([147]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج1، ص390.

([148]) نهجالبلاغة: ج4، ص50، الحکمة 228. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمعالبيان: ج4، ص64. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج70، ص170.

([149]) الحمد: آية7.

([150]) ابن فهد الحلي، أحمد، عدّة الداعي: ص218. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج67، ص249.

([151]) المائدة: آية55. اتفق عامّة المفسّرين وخاصّتهم على أنّ المراد في الآية الشريفة هو الإمام علي×.

([152]) طه: الآيتان1ـ2.

([153]) القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة: ج1، ص412.

([154]) الکراجکي، محمد بن علي، کنز الفوائد: ص137. ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج13، ص261. ابن طاووس، علي بن موسى، الطرائف: ص60. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج20، ص215. ج39، ص1. ج108، ص288.

([155]) القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج1، ص177ـ178. ابن شهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص291، 297ـ298.

([156]) نهج البلاغة: ج2، ص158، الخطبة 192.

([157]) الأنعام: آية162.

([158]) أبو مخنف الأزدي، لوط بن يحيى، مقتلالحسين×: ص107.

([159]) ابنعنبة الحسيني، أحمد بن علي، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ص357؛ ابنطاووس، علي بن موسى، اللهوف: ص67. الأمين العاملي، محسن، أعيانالشيعة: ج1، ص603. سپهر، محمد تقي، ناسخ التواريخ: ج6، جزء2، ص215.

([160]) الصافّات: آية102.

([161]) النجم: الآيتان 3ـ4.

([162]) الروم: آية30.

([163]) نهج البلاغة: ج4، ص101، الحكمة 432.

([164]) الأعراف: آية179 .

([165]) الإسراء: آية72.

([166]) طه: الآيات124ـ126.

([167]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص343. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص176ـ177. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([168]) مضمون هذا البيت: إنّ كرمه لا ينتهي، ونعمه لا تحصى، ولن يكون خائباً من طرق هذا الباب.

([169]) غافر: آية60.

([170]) طه: آية49.

([171]) طه: آية50.

([172]) وهو العلامة المجاهد الفاضل الجليل آية الله الشيخ محمد جواد الصافي المتولد في ٢٧ شعبان المعظم من عام ١٢٨٧ ه‍ المتوفى في ٢٥ رجب من عام ١٣٧٨ ه‍، وقد ترجم له العلامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني في (نقباء البشر).

([173]) مضمون هذه الأبيات: إنّ الله تعالى قديم، فرد ليس كمثله شيء، وهو من يفرّج الهمّ عن القلوب الحزينة، خلق العالم بنحو لا يتصوّر أفضل منه، وسوّاه بنحو لا تجد فيه نقصاً أو زيادة.

([174]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص342. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص176. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([175]) الأحزاب: آية56.

([176]) البقرة: آية255.

([177]) البقرة: آية255.

([178]) مريم: آية57.

([179]) مريم: آية50.

([180]) الزخرف: آية4.

([181]) الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص306. الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط: ج2، ص337. ج5، ص87. الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع: ج1، ص145؛ المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج1، ص40.

(1) الكوفي، محمد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين×: ج2، ص480. القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج1، ص153.

(2)‌‌ الکوفي، محمد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين×: ج2، ص480؛ الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط: ج2، ص328؛ ج4، ص264. القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج1، ص153. الهيثمي، علي، مجمعالزوائد: ج9، ص132.

([184]) الکليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص358، ح16.

([185]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج2، ص708. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء کميل.

([186]) معنى هذه الجملة: الصحراء والصيف والاستسقاء والماء العذب، ماذا يفعل الإنسان؟

([187]) الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص589. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.

([188]) الزمر: آية71.

([189]) الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص527. الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، ص460. الديلمي، حسن بن محمد، أعلامالدين: ص191.

([190]) الأربلي، علي بن عيسى، کشفالغمّة: ج2، ص361. ابنالصبّاغ المالکي، علي بن محمد، الفصول المهمّة: ج2، ص598. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج15، ص313.

([191]) مضمون هذه الأبيات: سئل عيسى× عن أصعب الأشياء في الدنيا؟ فقال: غضب الله تعالى الذي ترتعش منه النار. ثمّ سئل: بماذا يتحقّق الأمن من غضب الله؟ فأجاب بكظم الغيظ، فما رأيت في العالم شيئاً أفضل من الخلق الحسن.

([192]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص343. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص177. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([193]) المصادر السابقة.

([194]) وانکشفت خ ل.

([195]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص343. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص177. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([196]) الرحمن: آية27.

([197]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص343. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص177. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([198]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص343ـ344. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص177ـ78. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([199]) الكهف: آية109.

([200]) لقمان: آية27.

([201]) النمل: الآيتان80 ـ81. الروم: الآيتان52ـ53.

([202]) الأنفال: آية42.

([203]) النساء: آية165.

([204]) يس: آية70.

([205]) يس: آية11.

([206]) مضمون هذا البيت: وما علينا إلّا البلاغ، سواء علينا أن تتعظ أو تحزن من كلامنا.

([207]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص344ـ345. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص178ـ179. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([208]) الأنفال: آية7.

([209]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص352ـ353. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، الجواهر السنيّة: ص121. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج4، ص72.

([210]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص344ـ345. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص179. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([211]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص345. المجلسي، محمد باقر، زادالمعاد: ص179. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([212]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص345ـ346. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص179ـ180. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([213]) الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال: ص4. الصدوق، محمد بن علي، التوحيد: ص30. الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص594. الطبرسي، الحسن بن الفضل، مکارمالأخلاق: ص310.

([214]) الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال: ص6ـ7. الصدوق، محمد بن علي، التوحيد: ص25. الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا×: ج1، ص144ـ145.

([215]) العنکبوت: آية45.

([216]) الأعراف: آية201.

([217]) الفخر الرازي، محمد، التفسير الكبير: ج1، ص205.

([218]) المصدر السابق: ج1، ص204.

([219]) المصدر السابق: ج1، ص207.

([220]) الزمر: آية45.

([221]) الأنفال: آية2.

([222]) لقمان: آية25.

([223]) كما يعلم الجميع ما قام به الانجليز من أجل زرع التفرقة في العالم الإسلامي، حيث استغلّوا هذه الحربة ـ الأديان المبتكرة التي طوّرتها يد السياسة ـ كثيراً، وكانوا السبب الرئيس للفرقة والاختلاف.

في إيران ورغم أنّ البابيّة وتشكيلها وانقسامها فيما بعد وفي وقت مبكّر إلى البابيّة الأزليّة والبهائيّة وغيرهما، من صنيعة الروس، وهم من تسبّب في ظهور هكذا فرق، إذ كان لهم نفوذ في المدرسة الشيخيّة، ولاسيما في شخصيّة باسم (السيّد كاظم الرشتي) وتلاميذه، وابتكروا هذا المذهب (البابيّة)، ولكنّ الأمر تحوّل فيما بعد لتتدخّل السياسة الانجليزيّة وتضعها تحت عباءتها، ولاسيما الفرقة البهائيّة؛ لتستفيد منها في التجسّس وتنفيذ المخطّطات السياسيّة، وفعلاً لقد خدمت هذه الفرقة الانجليز إبّان فتح فلسطين في الحرب العالميّة الأولى، وتسبّبت بضرر المسلمين، فبعدما اغتصب الانجليز هذه الدولة الإسلاميّة، لقّبوا (عبّاس الأفندي) ابن حسنعلي بهاء بـ(سِرّ) وهو من الألقاب التي تمنحها الحكومة الانجليزيّة لمن يخدمها عن طريق الجنرال (النبي). ومن ثمّ ـ وكما نعلم ـ تحوّلت هذه الفرقة الجاسوسيّة لتصبح بيد أمريكا، وتشاركها في تحقيق أهدافها وغاياتها الاستعماريّة والمعادية للإسلام، وقدّموا مختلف الخدمات لأسيادهم في نقاط متعدّدة، خصوصاً في إيران، فقد نفذ جواسيس البهائيّة إلى قصر الشاه الخائن وجميع الأماكن الهامّة، وارتكبوا خيانات كبرى في حقّ الدولة والشعب. ولهذا عندما انتصرت الثورة الإسلاميّة، وتشكّلت الجمهوريّة الإسلاميّة، وعُزل هؤلاء الجواسيس من وظائفهم، ونالوا جزاءهم ـإلى حدّ ماـعلى خياناتهم وسرقاتهم من بيت المال وغيره، أخذ النظام الأمريكي وشخص الرئيس ريغان يذرف عليهم دموع التماسيح، وكان قلقاً جدّاً وهو يراقب هذه الأحداث عن كثب؛ لأنّه أدرك عظم خسائرهم وفادحتها نتيجة قطع أيادي بهائيّته، ومنعهم من النفوذ والتدخّل في أمور الدولة. ولو قلنا إنّ قلق أمريكا من منع مواصلة البهائيّة تجسّسهم لصالح الغرب ولا سيما الصهيونيّة في كلّ منطقة الشرق الأوسط والدول الإسلاميّة والعربيّة، أعظم وأشدّ من قلقها على الرهائن الأمريكان، لما كان قولنا مبالغاً فيه.

كيفما كان، فإنّ هذه الفرقة ومثلها فرقة القاديانيّة والإسماعيليّة الأقاخانيّة ـ وإن كان تاريخ ظهور الفرقة الأخيرة أسبق من البهائيّة والقاديانيّة ـ كانت من عناصر ومأجوري الانجليز وأمريكا ولا زالت.

والفرقة الوهّابيّة والنظام السعودي الذين تسلّموا الحكم بواسطة الانجليز، تعاونوا معهم لإسقاط الحكومة العثمانيّة وتفكيك الدولة، الأمر الذي كان مانعاً من تسلّط الاستعمار وهيمنته على جميع الأراضي التي كانت تدار من قبل النظام العثماني آنذاك، وتأكّدوا أفضليّتهم عند مقارنتهم مع (الشريف حسين) الذي قدموا له الوعود، لكنّه كان ينحو إلى إحياء الخلافة من جديد، كما أنّه يخالف فكرة اللامركزيّة باطناً، فالوهابيّة وآل سعود كانوا على توافق تام معهم، وعلى استعداد للخيانة وتخريب الحرمين الشريفين، ومحو الآثار التاريخيّة، وتفريغ تلك الأماكن ممّا لا يقبل الإنكار من المشاهد والشواهد التي تحكي تاريخ الإسلام، وارتكاب كلّ جناية تصبّ في مصلحة الاستعمار؛ لهذا حكّموهم على منطقة الحرمين الشريفين، وإلى هذا اليوم مازال جيش أمريكا والانجليز وفرنسا والدول الغربيّة الأخرى وأتباع الصهيونيّة ومؤيّدوها يحمون آل سعود، وفي الواقع يحافظون على نفوذهم ومصالحهم في المنطقة باحتلالهم للسعوديّة، والتصريح والإعلان رسميّاً أمام العالم بحمايتهم للنظام السعودي الذي لولا دعم وحماية أمريكا له لما بقي في الحكم ساعتين، وأنّ السعوديّة قاعدة ومنطلق دول الكفّر ضد الإسلام والمسلمين. «إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».

([224]) الكهف: آية110.

([225]) الکهف: آية110.

([226]) الكهف: آية110.

([227]) المؤمنون: آية91.

([228]) القصص: آية71.

([229]) القصص: آية72 .

([230]) الأنبياء: آية22 .

([231]) أبوالعزائم المصري، محمد، تفسير أسرار القرآن، ج2، ص34.

([232]) البقرة: آية125.

([233]) نُقل أنّ المرحوم آية الله الآخوند الخراساني لمّا تشرّف بزيارة مدينة سامرّاء، بعد سنوات من وفاة آية الله الميرزا الشيرازي ـ رحمة الله عليهما ـ أقبل إلى بيت الميرزا، وقبّل حلقة الباب وبكى.

([234]) هذا الشعر إمّا لمجنون ليلى أو قيل على لسانه.

([235]) النور: آية36.

([236]) ابن مردويه الأصفهاني، أحمد بن موسى، مناقب علي بن أبيطالب×: ص284. الحاکم الحسکاني، عبيد الله بن أحمد، شواهدالتنزيل: ج1، ص534. السيوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور: ج5، ص50.

([237]) الأنبياء: آية87.

([238]) الإسراء: آية44.

([239]) النور: آية41.

([240]) مضمون البيتين: وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده، ويفقه هذا كلّ قلب سليم، لا كلّ طائر يسبّح الله تعالى فقط، بل كلّ شوكة تسبّحه تعالى.

([241]) الإسراء: آية44.

([242]) البحراني، هاشم، مدينة معاجز الأئمّة الاثنى عشر: ج2، ص346.

([243]) الخزّاز القمّي، علي بن محمد، کفايةالأثر: ص172ـ173. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج36، ص342ـ343.

([244]) البقرة: آية74.

([245]) الحشر: آية21.

([246]) مضمون الشعر: من زكّى نفسه يرى العالم كلّه مترنّماً بذكر الله تعالى، كلّ العالم يعشقه ويميل إليه ويفرح بعطره، ولكن لا تدركه الأبصار.

([247]) مضمون الشعر: أوراق الأشجار الخضراء في نظر الواعي المتيقّظ، كلّ منها يمثّل كتاباً لمعرفة الله تعالى.

([248]) الذاريات: الآيتان20ـ21.

([249]) يوسف: آية105.

([250]) نهج البلاغة: ج1، ص210، الخطبة 109، ابن أبيالحديد، عبد الحميد، شرح نهجالبلاغة: ج7، ص194. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج4، ص318.

([251]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص345. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص180. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([252]) طه: آية50.

([253]) آل عمران: آية33.

([254]) فاطر: آية32.

([255]) ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل: ج1، ص96، 118، 150. ج6، ص201. ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن علي، عوالي اللئالي: ج4، ص114. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج68، ص23. ج82، ص170. ج90، ص159. ج94، ص228. المحدّث النوري، حسين، مستدرك الوسائل: ج4، ص321.

([256]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج68، ص23. المجلسي، محمد باقر، مرآةالعقول: ج8، ص146.

([257]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص346. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص180. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([258]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص346. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص180ـ181. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([259]) النساء: آية79.

([260]) النساء: آية78.

([261]) مضمون بيت الشعر: أفّ لي من تشبيهي إيّاك بشيء، أنت أكبر من أن تُدرك وتُوصف بلساني القاصر.

([262]) وبغضّ النظر عن كون الله تعالى هو مسبّب الأسباب، وأنّ جميع هذه الأفعال ـ   بالرغم من عدم صدورها عنه بلا واسطة ـ مسندة إليه؛ لأنّ جميع الوسائط والأسباب هي خلقه، والتأثير والتأثّر والفعل والانفعال، إنّما يتمّ بتقديره، وكلّ أفعال الخير والأعمال التي تقع ضمن المسير المستقيم لهذه الأسباب والمسبّبات، مستندة إليه.

([263]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص346.

([264]) مضمون هذا البيت: أنّه تعالى ليس مركّباً ولا جسماً، ولا هو مرئي، ولا محلّ له ولا شريك، وهو الخالق الغني.

([265]) المائدة: آية64.

([266]) الزمر: آية67.

([267]) الفجر: آية22.

([268]) الفتح: آية10.

([269]) التوبة: آية40.

([270]) الطور: آية48.

([271]) الفيض الکاشاني، محمد محسن، الوافي: ج24، ص494.

([272]) الزمر: آية42.

([273]) النحل: آية32.

([274]) النساء: آية97.

([275]) السجدة: آية11.

([276]) الأنعام: آية61.

([277]) آل عمران: آية49.

([278]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص346. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص180. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([279]) المصادر السابقة.

([280]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص346. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص180. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الامام الحسين× في عرفة.

([281]) المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص96. ابنعساکر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص217. ابن الأثير الجزري، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج4، ص60. ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص333. الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج3، ص301. الزرندي الحنفي، محمد بن يوسف، نظم دررالسمطين: ص216.

([282]) البقرة: آية30.

([283]) مضمون هذه الأبيات:

ـ إنّ الحسين× هو روح عالم الإمكان وعالم المعرفة والعرفان.

ـ هو جمال الله واسمه الأعظم ومظهر اسمه الرحمن.

ـ هو ولي الإحسان لإبراهيم وموسى وعيسى^.

ـ هو روح خاتم الأنبياء ونور عيني علي والزهراء عليهم الصلاة والسلام.

ـ هو ولي الله الأعظم أبو الأحرار وسيّد الشهداء.

ـ هو الدرّ المضيء في بحر القدرة الإلهيّة.

ـ هو السلطان في مملکة العشق والتوکّل على الله تعالى.

ـ هو الفيض الأكمل والنور الأبدي لله تعالى والبرهان والدليل إليه وحجّته.

ـ وملائكة الله تعالى في العرش يتكلّمون عن عزّة الحسين×.

ـ هو مظهر اسم المولى والحقّ وظاهر القرآن وباطنه.

ـ هو النجم الوحيد المتلألئ في سماء الصبر والإيثار.

ـ هو من تستضيء الشمس والقمر بنور وجهه الشريف.

ـ هو الشفيع للعاصين يوم القيامة.

ـ وصوت الإسلام والولاية المرتفع من إيمان الحسين×.

ـ يا أيّها المتعب المتألّم، إنّ الحسين هو الدواء لدائك.

ـ هو ذلك الشخص الذي تلطّخ جسمه بدمه في الفلوات.

ـ هو الشهيد في طريق حفظ دين التوحيد.

ـ هو الفارس المتفرّد في ساحة الاستقامة والجهاد.

ـ هو من حارت العقول بفهم شجاعته وحرّيته تلك.

ـ هو رجاء قلوب المظلومين، وأنا أرجو لطفه وعنايته.

([284]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص347. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص181ـ182. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([285]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص347؛ المجلسی، محمد باقر، زاد المعاد: ص181ـ182. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([286]) الطلاق: آية2.

([287]) الأنعام: آية59.

([288]) الرعد: الآيتان 8ـ9.

([289]) غافر: آية19.

([290]) البقرة: آية255.

([291]) مضمون هذه الأبيات:

ـ العالم المتّسق هو الدليل على علم الله تعالى.

ـ إنّ الله هو العالم بالأشياء كما هي، وتشهد الذرّات عليه.

ـ خلق العالم بنحو لا يُتصوّر أفضل منه.

ـ وسوّاه بنحو لا تجد فيه نقص ولا زيادة.

ـ خلق كلّ شيء والعالم، كما هو شأنه.

([292]) لم أذكر مصدراً لذلك؛ لأنّني أكتب هذه الأسطر دون مراجعة للكتب والمصادر؛ نظراً لموضع إقامتي الحالي.

([293]) إشارة إلى الآية 43 من سورة الإسراء.

([294]) شبّر، عبد الله، حقّ اليقين: ص71ـ72.

([295]) الفيض الکاشاني، محمد محسن، الوافي: ج1، ص374.

([296]) فالظالمون ينكرون علم الله وحلمه، أو مثل بعض الفلاسفة الذين ينكرون علمه بالجزئيّات، أو الرأي الآخر الذي يتنافى مع تنزّهه تعالى وتقدسه.

([297]) ومن المحتمل أن يكون المراد هو أنّ لازم حمد الله وشكره والثناء عليه بصفاته الجماليّة والجلاليّة والإقرار بكماله، تسبيحه والشهادة والإقرار بتنزّهه تعالى وتقدّسه عن أيّ نقص وخلل.

([298]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص347. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص182. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([299]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص347ـ348. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص182. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([300]) الکليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص78، ح6. الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحکام: ج6، ص324.

([301]) الکليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص88، ح1. ابن فهد الحلّي، أحمد، عدّة الداعي: ص72. المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار: ج93، ص324. ج 100، ص13.

([302]) الکليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص113، ح1.

([303]) الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجمالکبير: ج11، ص84. القاضي، المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج2، ص508. ابنمردويه الأصفهاني، أحمد بن موسى، مناقب علي بن أبي طالب×: ص364. ابن البطريق، يحيى بن الحسن، عمدة عيون صحاح الأخبار: ص58. الهيثمي، علي، مجمع الزوائد: ج10، ص346.

نقل الطبراني ـأحد كبار محدّثي أهل السنّة في القرن الثالث والرابعـعن أبي الطفيل، وعن أبي برزه، وهو أيضاً من مشاهير أصحاب النبي|، أنّ النبي| قال:

«لَا يَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنْ جَسَدِهِ فِیمَا أَبْلَاهُ، وَعُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّ أَهْلِ الْبَيْتِ‏. فَقيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، فَمَا عَلامَةُ حُبِّكُمْ؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلی مِنْكَبِ عَلِيٍّ×». الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط: ج2، ص348.

وروى الشريف السمهودي ـ أحد كبار علماء أهل السنّة ـ هذا الحديث عن أبي برزة في القسم الثاني المشحون بفضائل أهلالبيت^ من كتابهجواهر العقدين، بهذه الألفاظ:

قالَ: «قالَ رَسُولُ اللهِ| وَنَحْنُ جُلُوسٌ ذَاتَ يَوْمٍ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَزُولُ قَدَمٌ عَلَی قَدَمٍ يَوْمَ الْقِيامَةِ حَتَّی يَسْأَلَ اللُه} عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فيِما أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِمَّا كَسَبَهُ وَفِيما أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّنا أَهْلَ الْبَيْتِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا آيَةُ حُبِّكُمْ؟ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَی رَأْسِ عَلِيٍّ، وَهُوَ جَالِسٌ إِلی جَانِبِهِ، وَقَالَ: آيَةُ حُبِّي حُبُّ هَذَا مِنْ بَعْدِي».السمهودي، علي بن عبد الله، جواهرالعقدين: ج2، ص225ـ226.

([304]) ابن فهد الحلّي، أحمد، عدّة الداعي: ص 128.

([305]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص33.

([306]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص347. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص175. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([307]) القمّي، علي بن إبراهيم، تفسير القمّي: ج2، ص312. الفيض الکاشاني، محمد محسن، تفسير الصافي: ج5، ص35. ج6، ص491.

([308]) المتقي الهندي، علي، کنز العمّال: ج16، ص519.

([309]) ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل: ج1، ص355. البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج1، ص37. ج4، ص31، 66. مسلم النيشابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج5، ص76. المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج1، ص184. الطبري الإمامي، محمد بن جرير، المسترشد: ص681.

([310]) النجم: الآيتان3ـ4.

([311]) ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل: ج1، ص324ـ326. البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج5، ص137ـ138. ج7، ص 9. ج8، ص 161. الطبري الإمامي، محمد بن جرير، المسترشد: ص381ـ382.

([312]) ابن سلامة القضاعي، محمد، مسند الشهاب: ج2، ص193. البيهقي، أحمد بن الحسين، السننالکبري: ج10، ص192. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستذکار: ج8، ص576.

([313]) القلم: آية4.

([314]) الزرندي الحنفي، محمد بن يوسف، معارج الوصول: ص25. ابن الصبّاغ المالکي، علي بن محمد، الفصولالمهمّه: ج1، ص161. الأميني، عبد الحسين، الغدير: ج2، ص311.

([315]) ابن شهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبیطالب: ج3، ص397. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج47، ص26.

([316]) الثعلبي، أحمد بن محمد، الکشف والبيان: ج1، ص142 القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن: ج1، ص162. الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدی والرشاد: ج1، ص421.

([317]) الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، ص244. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج43، ص331، ب16، ح1.

([318]) النحل: آية32.

([319]) يونس: آية64.

([320]) الفجر: آية28.

([321]) الفجر: آية29.

([322]) الفجر: آية30.

([323]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج3، ص127ـ128.

([324]) الأنبياء: آية103.

([325]) الکليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص190، ح 8.

([326]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص347. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص182. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([327]) البقرة: آية15.

([328]) آل عمران: آية54.

([329]) القصص: آية78.

([330]) الروم: آية10.

([331]) الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات: ص471، مادّة مكر.

([332]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبالالأعمال: ج1، ص347ـ348. المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص182. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمامالحسين× في عرفة.

([333]) مضمون بيت الشعر: لو لم تبق أسير اللذّات المادّية في العالم لما فاتتك اللذّات الملكويتيّة.

([334]) الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص82؛ ابن فهد الحلّي، أحمد،عدّة الداعي: ص154. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج7، ص73.

([335]) المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول: ج12، ص39.

([336]) الکليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص481، ح1.

([337]) المصدر السابق: ج2، ص482.

([338]) المصدر السابق: ج2، ص482.

([339]) المصدر السابق: ج2، ص481.

([340]) المصدر السابق: ج2، ص483.

([341]) المصدر السابق: ج2، ص483ـ484.

([342]) ابن فهد الحلّي، أحمد، عدّة الداعی: ص163ـ164. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج90، ص335.

([343]) الأحزاب: آية56.

([344]) الکليني، محمد بن يعقوي، الکافي: ج2، ص492. الفيض الکاشاني، محمد محسن، الوافی: ج9، ص1518. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج7، ص194.

([345]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص493. الصدوق، محمد بن علي، ثوابالأعمال: ص159. الطبرسي، الحسن بن الفضل، مکارم الأخلاق: ص312. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج7، ص191ـ192.

([346]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص494.

([347]) المصدر السابق: ج2، ص492.

([348]) المصدر السابق: ج2، ص491. الطبرسي، الحسن بن الفضل، مکارمالأخلاق: ص274.

([349]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص493.

([350]) المصدر السابق: ج2، ص494. الطبرسي، الحسن بن الفضل، مکارمالأخلاق: ص275. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج7، ص95.

([351]) الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج2، ص495. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائلالشيعة: ج7، ص202.

([352]) السيوطي، عبد الرحمن، الدرّ المنثور: ج5، ص215ـ218.

([353]) المتقي الهندي، علي، کنزالعمّال: ج2، ص275، 277.

([354]) المصدر السابق: ج2، ص279.

([355]) المصدر السابق: ج7، ص484.

([356]) المصدر السابق: ج2، ص282ـ283.

([357]) المصدر السابق: ج7، ص483.

([358]) المصدر السابق: ج7، ص483ـ484.

([359]) المصدر السابق: ج7، ص483ـ484.

([360]) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج4، ص 118.

([361]) المصدر السابق: ج6، ص27.

([362]) المصدر السابق: ج7، ص156.

([363]) مسلم النيشابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج2، ص16.

([364]) أبو داوود السجستاني، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود: ج1، ص221.

([365]) المصدر السابق: ج1، ص222.

([366]) ابن ماجة القزویني، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجة: ج1، ص293ـ294.

([367]) ابن حنبل، أحمد، مسند ابن حنبل: ج4، ص119.

([368]) المصدر السابق: ج4، ص241.

([369]) المصدر السابق: ج5، ص274.

([370]) المصدر السابق: ج5، ص353.

([371]) الحميدي، عبد الله بن الزبير، مسند الحميدي: ج2، ص310ـ311.

([372]) الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج1، ص301ـ302.

([373]) النسائي، أحمد بن شعيب، سنن النسائي: ج3، ص47ـ48.

([374]) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج5، ص127ـ138. مسلم النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج5، ص76، وغيرها من المصادر الروائيّة والتاريخيّة عند الشيعة والسنّة.

([375]) ابن عقيل العلوي، محمد، النصائح الکافية: ص119. ابن عقيل العلوي، محمد، العتبالجميل: ص38. الأمين العاملي، محسن، أعيانالشيعة: ج1، ص667. حيث تُبيّن هذه الأشعار عناد هذه الفئة، وكيف أنّ البخاري يترك استدلال الإمام الصادق× الذي ملأ علمه نواحي العالم الإسلامي، ويحتجّ بكلمات لجماعة من المرجئة، أمثال عمران بن حطّان ومروان.

([376]) الزرندي الحنفي، محمد بن يوسف، معارجالوصول: ص25. الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدی والرشاد: ج11، ص11. شرف الدين الموسوي، عبد الحسين، النص والاجتهاد: ص81. شرف الدين الموسوي، عبد الحسين، المراجعات: ص85.

([377]) العلوي الحضرمي، أبو بكر، رشفة الصادی: ص75.

([378]) الحجّ: آية2.

([379]) الشعراء: الآيتان88ـ89.

([380]) القارعة: الآيتان4ـ5.

([381]) عبس: الآيات34ـ36.

([382]) إبراهيم: آية48.

([383]) إبراهيم: الآيتان49ـ50.

([384]) الكهف: الآيات47ـ49.

([385]) الهمزة: الآيتان6ـ7.

([386]) ابن سينا، حسين بن عبد الله، الإشارات: ج3، ص418، النمط العاشر فی أسرار الآيات.

([387]) الصدوق، محمد بن علي، التوحيد: ص126ـ127.

([388]) الطّبیب، خ ل.

([389]) البيهقي الکيدري، محمد بن الحسين، ديوان الإمام علي×: ص520؛ الخوئي، حبيب الله، منهاج البراعة: ج15، ص312.

([390]) الکفعمي، إبراهيم، البلد الأمين: ص285.

([391]) المجلسي، محمد باقر، زاد المعاد: ص182.

([392]) ذكر ابن طاووس& في كتاب إقبال الأعمال لهذا الدعاء بعد قول: «يا رَبِّ يا رَبِّ» فقرات أخرى أيضاً، ولنا توضيحات بخصوص ذلك في آخر الكتاب. انظر: ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص348.

([393]) الأربلي، علي بن عيسى، کشفالغمّة: ج3، ص101ـ102.

([394]) انظر: ابن النجّار البغدادي، محمد بن محمود، ذيل تاريخ بغداد: ج5، ص125. الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج15، ص579.

([395]) الکفعمي، البلدالأمين، ص251ـ258؛ المجلسي، زاد المعاد، ص173ـ182؛ المحدّث القمي، مفاتيح الجنان دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([396]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص348.

([397]) القمي، عباس، مفاتيح الجنان: ص.424.

([398]) الأنعام: الآيتان40ـ41.

([399]) آل عمران: آية147.

([400]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص227.

([401]) المصدر السابق: ج95، ص227ـ228.

([402]) ابنطاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص348. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص225. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([403]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص348. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص225. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([404])المصادر السابقة.

([405])المصادر السابقة.

([406]) ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص348. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج95، ص225. المحدّث القمّي، عبّاس، مفاتيحالجنان، دعاء الإمام الحسين× في عرفة.

([407]) لقمان: آية27.