أتقدّم بهذا الجهد إلى..
سفير الحسين×..
مسلم بن عقيل× وأهل بيته الأوفياء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلى الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلى غايته الحقيقيّة وسعادته الأبديّة المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدّد خيارات الإنسان الصحيحة، وفي ضوئهما يسير في سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل على أساس العلم والمعرفة فضّله الله على سائر المخلوقات، واحتجّ عليهم بقوله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[1]، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر، ويتفوّق بعضهم على بعض عند الله، إذ (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[2]، وبهما تُسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.
ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمّة والأولياء^، تضحيات جسام كان هدفها منع الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلى مبتغاه وهدفه، إلى كماله، إلى حيث يجب أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلى الله} بغية إرسال الرسل التي تعلّم المجتمعات فقالوا: (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[3]، فكانت الإجابة: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[4]، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم.
بل هو دعاء الأئمّة^ ومبتغاهم من الله} لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالى بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»[5].
وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيّات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون على علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.
فهذه سيرة الأنبياء والأئمّة^ سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار؛ لأجل نشـر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم على مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.
وهذه القاعدة التي أسّسنا لها لا يُستثنى منها أيّ نبيّ أو وصيّ، فلكلّ منهم^ سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمر بين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلى المهامّ التي أُنيطت بهم^، كما أخبر بذلك في قوله: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)[6]، فسيرة النبي الأكرم’ ليست كبقيّة سِيَر الأنبياء^، كما أنّ سيرة الأئمّة^ ليست كبقيّة سِيَر الأوصياء السابقين^، كما أنّ التفاوت في سِيَر الأئمّة^ فيما بينهم ممّا لا شكّ فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء على بقيّة الأئمّة^.
والإمام الحسين× تلك الشخصيّة القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة الذين دلّت النصوص على فضلهم ومنزلتهم على سائر المخلوقات، الإمام الحسين× الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الربّاني، الذي يأبى الله أن ينطفئ، الإمام الحسين× الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.
فمن سيرة هذه الشخصيّة العظيمة التي ملأت أركان الوجود، تعلّم الإنسان القيم المثلى التي بها حياته الكريمة، كالإباء والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفيّة والعمليّة، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلى مجتمعات كانت ولا زالت بأمسّ الحاجة إلى هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قِبَل الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم، وأفنوا أغلى أوقاتهم، وزهرة أعمارهم؛ لأجل هذا الهدف النبيل.
إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفيّة التي تركها× للأجيال اللاحقة ـ فضلاً عن الجوانب المعرفيّة في حياة سائر المعصومين^ ـ إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليه بالمقدار المطلوب، وهي ليست بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: هي أكثر ممّا تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف لتُعرَّف، بل لا بدّ من العمل على البحث فيها ودراستها من زوايا متعدّدة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤوليّة المهتمّين بالشأن الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛ استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع الطائفة الحقّة.
ومن هذا المنطلق بادرت الأمانة العامّة للعتبة الحسينيّة المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكريّة والعلميّة حول شخصيّة الإمام الحسين× ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولى وبالأساس بمسك هذا الملف التخصّصي، فعمدت إلى زرع بذرة ضمن أروقتها القدسيّة، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصيّة في النهضة الحسينيّة، التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة، حيث أخذت على عاتقها مهمّة تسليط الضوء ـ بالبحث والتحقيق العلميّين ـ على شخصيّة الإمام الحسين×، ونهضته المباركة، وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطّة مبرمجة، وآليّة متقنة، تمّت دراستها وعرضها على المختصّين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة من المشاريع العلميّة التخصّصيّة، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفِّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة الحسينيّة المقدّسة.
كما ليس لنا أن ندّعي ـ ولم يدّعِ غيرنا من قبل ـ الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصيّة الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا أنّنا قد أخذنا على أنفسنا بذل قصارى جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء×، وإيصال أهدافه السامية إلى الأجيال اللاحقة.
المشاريع العلميّة في المؤسّسة
بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلميّة في المجال الحسيني، تمّ تحديد مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ منها أهميّته القصوى، ووفقاً لجدول الأولويّات المعتمد في المؤسّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعيّة للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:
الأوّل: قسم التأليف والتحقيق
إنّ العمل في هذا القسم على مستويين:
أ ـ التأليف
ويُعنَى هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينيّة التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلميّة وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها، يتمّ طباعتها ونشرها.
ب ـ التحقيق
والعمل فيه قائم على جمع وتحقيق وتنظيم التراث الحسيني، وقد تمّ العمل على نحوين:
الأوّل: التحقيق في المقاتل الحسينيّة، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، وذلك تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم على رصد المخطوطات الحسينيّة التي لم تُطبع إلى الآن؛ وقد قمنا بجمع عدد كبير من المخطوطات القيّمة، التي لم يطبع كثير منها، ولم يصل إلى أيدي القرّاء إلى الآن.
الثاني: استقبال الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسّسة، لغرض طباعتها ونشرها بعد إخضاعها للتقويم العلمي من قبل اللجنة العلميّة في المؤسّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها، وتأييد صلاحيتها للنشر، تقوم المؤسّسة بطباعتها.
الثاني: قسم مجلّة الإصلاح الحسيني
وهي مجلّة فصليّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، تهتمّ بنشـر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء على تاريخ النهضة الحسينيّة وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانيّة والاجتماعيّة والفقهيّة والأدبيّة في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلّات العلميّة الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلميّة الرصينة.
الثالث: قسم ردّ الشُّبُهات عن النهضة الحسينيّة
إنّ العمل في هذا القسم قائم على جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبّع مظانّ تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونيّة، وما إلى ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علمي تحقيقي في عدَّة مستويات.
الرابع: قسم الموسوعة العلميّة من كلمات الإمام الحسين×
وهي موسوعة علميّة تخصّصيّة مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين× في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون العمل فيها من خلال جمع كلمات الإمام الحسين× من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلميّة، والعمل على دراسة هذه الكلمات المباركة؛ لاستخراج نظريّات علميّة تمازج بين كلمات الإمام× والواقع العلمي. وقد تمّ العمل فيه على تأليف موسوعتين في آن واحد باللغتين العربيّة والفارسيّة.
الخامس: قسم دائرة المعارف الحسينيّة الألفبائيّة
وهي موسوعة تشتمل على كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين× ونهضته المباركة من أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤى، وأعلام، وبلدان، وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب الحروف الألفبائيّة، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلى شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَى فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصـريّة وأُسلوبٍ حديث، وقد أُحصي آلاف المداخل، يقوم الكادر العلمي في هذا القسم بالكتابة عنها، أو وضعها بين يدي الكُتّاب والباحثين حسب تخصّصاتهم؛ ليقوموا بالكتابة عنها وإدراجها في الموسوعة بعد تقييمها وإجراء التعديلات اللازمة عليها من قبل اللجنة العلميّة.
السادس: قسم الرسائل والأطاريح الجامعيّة
يتمّ العمل في هذا القسم على مستويين: الأوّل: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعيّة التي كُتبتْ حول النهضة الحسينيّة، ومتابعتها من قبل لجنة علميّة متخصّصة؛ لرفع النواقص العلميّة وإدخال التعديلات أو الإضافات المناسبة، وتهيئتها للطباعة والنشر. الثاني: إعداد موضوعات حسينيّة ـ يضمّ العنوان وخطّة بحث تفصيليّة ـ من قبل اللجنة العلميّة في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعيّة، وتوضع في متناول طلّاب الدراسات العليا.
السابع: قسم الترجمة
الهدف من إنشاء هذا القسم إثراء الساحة العلميّة بالتراث الحسيني عبر ترجمة ما كتب منه بلغات أخرى إلى اللغة العربيّة، ونقل ما كتب باللغة العربيّة إلى اللغات الأخرى، ويكون ذلك من خلال إقرار صلاحيّة النتاجات للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف على ذلك إذا كانت الترجمة خارج القسم.
الثامن: قسم الرَّصَد والإحصاء
يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيّات، والمواقع الإلكترونيّة، والكتب، والمجلّات والنشريّات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضيّة الحسينيّة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقيّة المؤسّسات والمراكز العلميّة في شتّى المجالات. ويقوم هذا القسم بإصدار مجلّة شهريّة إخباريّة تسلّط الضوء على أبرز النشاطات والأحداث الحسينيّة محليّاً وعالميّاً في كلِّ شهر، بعنوان: مجلّة الراصد الحسيني.
التاسع: قسم المؤتمرات والندوات والملتقيات العلميّة
يعمل هذا القسم على إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكريّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علمي بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، وتتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة على الكوادر العلميّة في المؤسّسة، وكذا سائر الباحثين والمحقّقين، وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينيّة وفق الأدوات الاستنباطيّة المعتمَدة لديهم.
العاشر: قسم المكتبة الحسينيّة التخصّصيّة
يضمّ هذا القسم مكتبة حسينيّة تخصّصيّة تعمل على رفد القرّاء والباحثين في المجال الحسيني على مستويين:
أ ـ المكتبة الحسينيّة التخصّصيّة، والتي تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصّصها.
ب ـ المجال الإلكتروني، إذ قامت المؤسّسة بإعداد مكتبة إلكترونيّة حسينيّة يصل العدد فيها إلى أكثر من ثمانية آلاف عنوان بين كتب ومجلّات وبحوث.
الحادي عشر: قسم الإعلام الحسيني
يتوزّع العمل في هذا القسم على عدّة جهات:
الأُولى: إطلاع العلماء والباحثين والقرّاء الكرام على نتاجات المؤسّسة وإصداراتها، ونشر أخبار نشاطات المؤسّسة وفعّاليّاتها بمختلف القنوات الإعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع.
الثانية: إنشاء القنوات الإعلاميّة، والصفحات والمجموعات الإلكترونيّة في وسائل التواصل الاجتماعي كافّة.
الثالثة: العمل على إنتاج مقاطع مرئيّة في الموضوعات الحسينيّة المختلفة، مختصرة ومطوّلة، وبصورة حلقات مفردة ومتسلسلة، فرديّة وحواريّة.
الرابعة: إعداد وطباعة نصوص حسينيّة وملصقات إعلانيّة، ومنشورات حسينيّة علميّة وثقافيّة.
الخامسة: التواصل مع أكبر عدد ممكن من القنوات الإعلاميّة والصفحات والمجموعات الإلكترونيّة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتزويدها بأنواع المعلومات من مقاطع مرئيّة ومنشورات وملصقات في الموضوعات الحسينيّة المختلفة الشاملة للتاريخ، والسيرة، والفقه، والأخلاق، وردّ الشبهات، والمفاهيم، والشخصيّات.
الثاني عشر:قسم الموقع الإلكتروني
وهو موقع إلكتروني متخصّص، يقوم بنشر إصدارات وفعّاليّات مؤسّسة وارث الأنبياء، وعرض كتبها ومجلّاتها، والترويج لنتاجات أقسامها ونشاطاتها، وعرض الندوات والمؤتمرات والملتقيات التي تقيمها، وكذا يسلِّط الضوء على أخبار المؤسّسة، ومجمل فعّاليّاتها العلميّة والإعلاميّة. بالإضافة إلى ترويج المعلومة الحسينيّة والثقافة العاشورائيّة عبر نشر المقالات المختلفة، وإنشاء المسابقات الحسينيّة، والإجابة عن التساؤلات والشبهات.
الثالث عشر: قسم إقامة الدورات وإعداد المناهج
يتكفّل هذا القسم بإعداد الدورات الحسينيّة في المباحث العقديّة والتاريخيّة والأخلاقيّة، ولمختلف الشرائح والمستويات العلميّة، وكذلك إقامة دورات تعليميّة ومنهجيّة في الخطابة الحسينيّة، كما يضطلع هذا القسم بمهمّة كبيرة، وهي إعداد مناهج حسينيّة تعليميّة وتثقيفيّة لمختلف الفئات وعلى عدّة مستويات:
الأوّل: إعداد مناهج تعليميّة للدراسات الجامعيّة الأوّليّة والدراسات العليا.
الثاني: إعداد مناهج تعليميّة في الخطابة الحسينيّة.
الثالث: إعداد مناهج تعليميّة عامّة لمختلف شرائح المجتمع.
الرابع: إعداد مناهج تثقيفيّة عامّة.
الرابع عشر: القسم النسوي
يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصّص وبأقلام علميّة نسويّة في الجانب الديني والأكاديمي على تفعيل دور المرأة المسلمة في الفكر الحسيني، ورفد أقسام المؤسّسة بالنتاجات النسويّة، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبيّة، وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة.
الخامس عشر: القسم الفنّي
إنّ العمل في هذا القسم قائم على طباعة وإخراج النتاجات الحسينيّة التي تصدر عن المؤسّسة، من خلال برامج إلكترونيّة متطوِّرة، يُشرف عليها كادر فنّي متخصّص، يعمل على تصميم أغلفة الكتب والإصدارات، والملصقات الإعلانيّة، والمطويّات العلميّة والثقافيّة، وعمل واجهات الصفحات الإلكترونيّة، وبرمجة الإعلانات المرئيّة والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخرى التي تحتاجها أقسام المؤسّسة كافّة.
وهناك مشاريع أُخرى سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالى.
الهيئات وأصحابها
لا يخفى على المتتبّع أنّ أحد ثمار نهضة الإمام الحسين× هو إقامة المجالس الحسينيّة، وإحياء منبر الرسول الأعظم’، الذي هو مشعل الهداية ومنارة العلم والمعرفة، وقد أخذ هذا النوع من المجالس يتطوّر ويتكامل، سواء على مستوى المعلومة، أو ذكر المصيبة، أو طريقة العرض والطرح، كما لا يخفى اهتمام أهل البيت^ بمثل هذه المجالس، والتأكيد عليها، بل إنّهم أوّل من أقامها، وأمر بها، فعن الإمام الصادق× أنّه قال لفضيل: «تجلسون وتحدّثون؟ قال: نعم، جعلت فداك، قال : إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا .يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده، فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»[7].
وبعد أن أصبحت هذه المجالس ظاهرة ثقافيّة وحضاريّة، احتاجت إلى اهتمام وتنظيم وترتيب أكثر من ذي قبل؛ كونها توسّعت وتنوّعت وانتشرت في مختلف بلدان العالم، من هنا كانت الضرورة قاضية بأن تشكّل هيئات لتنظّم عمل وترتيب وإنجاح تلك المجالس، فإنّ المجلس الذي كان يحضر فيه أفراد غير الذي يحضر فيه العشرات، وغير الذي يحضره المئات، وغير الذي يحضره الألوف ومئات الألوف، كما أنّه من الجهة الرسميّة والقانونيّة في بعض الأماكن هناك حاجة إلى تعريف صاحب الموكب والمجلس والجهة المقيمة له بصورة هيئة تتبنّاه، وكذا من الجهة المادّية حيث إنّ المجالس العامرة والكبيرة فيها أدوات وحاجيّات وأثاث كثير، كلّ هذه الأمور بحاجة إلى مجموعة من الأفراد يديرونها وينظّمونها ويحافظوا عليها، ولأجل ذلك تشكّلت الهيئات على مختلف أنواعها لإدارة مشروع المجالس الدينيّة بشكل عام، وإظهارها بأحسن المظاهر. وهذه المجالس بهيئاتها وحضّارها تجمعهم واجبات فقهيّة وأخلاقيّة واجتماعيّة، حاول المؤلّف في هذا الكتاب تسليط الضوء على تلك الآداب التي لا بدّ أن يكون عليها المجلس، والتي لا بدّ أن يتحلّى بها صاحب الهيئة والحضور. وقد استطاع الكاتب أن يبيّن جملة وافرة من تلك الآداب في هذا الكتاب من خلال الاعتماد على روايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيت^.
إضافات في الترجمة:
قد أُضيفت للترجمة العربيّة مجموعة من الأمور:
1ـ تمّ إضافة عناوين جديدة لبعض الفقرات، وقد وضعت بين قوسين ().
2ـ تمّ استخراج الروايات من المصادر الأصليّة، مع إبقاء المصادر الثانويّة التي اعتمدها المؤلّف.
3ـ تمّ تعديل نصوص الروايات وفقاً لما موجود في المصدر الأصلي الأولي، عدا نصوص اللافتات التي اقترحها المؤلّف.
4ـ بعض النصوص ـ وهي قليلة جدّاً ـ مصدرها الوحيد مصدر ثانوي، تمّ إبقاؤها كما هي.
وفي الختام نتمنّى للمؤلّف دوام الموفقيّة والسداد في خدمة القضيّة الحسينيّة، كما ونقدّم الشكر والثناء للشيخ الدكتور محمّد الحلفي الذي أخذ على عاتقه ترجمة هذا الكتاب، ونسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أعمالنا، إنَّه سميعٌ مجيبٌ.
اللجنة العلمية في
مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أمير المؤمنين×: «وإنّ لكلّ شيء سيّداً وسيّد المجالس مجالس الشيعة»[8].
إنّ هناك أنواعاً مختلفة لمجالس شيعة أهل البيت^، وعادة ما تتنوّع وتتأطّر في مجالس الفرح والسرور ومجالس الحزن والعزاء على آل محمّد^، ومجالس تعليم العقائد والأحكام والأخلاق، والمجالس التي يجتمعون فيها لتداول أمور شخصيّة فيما بينهم. إلّا أنّه يبرز من بين هذه المجالس أجمع ـ بشكل واضح ـ تلك المجالس والتجمّعات التي يُنعى ويُؤبّن فيها سيّد الشهداء×، فهي الأكثر رواجاً وشيوعاً عن غيرها، والتي اصطُلح عليها بالمجالس أو الهيئات، ويطلق على المشاركين فيها اسم الحسينيّين أو المعزّين.
ومن الملاحظ أنّه لا تخلو قرية أو مدينة يقطنها الشيعة في أيّ مكان من العالم من تلك المجالس والهيئات، بل أينما عاش مجموعة من الشيعة وتقاربت منازلهم ـ وإن اختلفت الدول التي ينتمون إليها واللغات التي يتحدّثون بها ـ فإنّ أوّل عمل يقومون به هو تشكيلهم هيئة لأجل إقامة المراسم والطقوس الدينيّة المختلفة، وعلى الخصوص مجالس عزاء الإمام الحسين×، وهذا ما تشهد له اليوم الدنيا بقارّاتها الخمس، ودول العالم أجمع بلا استثناء.
ويتمّ التعرّض في هذه المجالس إلى كافّة أبعاد الفكر الشيعي ـ بطريقة ممزوجة ـ ببركة ما يلقى من على أعواد المنابر وما يُتلى من القصائد الرثائيّة؛ بدءاً بالقرآن والعقائد والإجابة عن الشبهات الموجّهة للشيعة، وانتهاءً بالأحكام الشرعيّة والمسائل الأخلاقيّة، والمادّة الرئيسة فيها هو الاسم المبارك والمقدّس لسيّد الشهداء×، حيث يهيمن عليها ظلّه المصطبغ بأريج التشيّع والذي يفوح منه شذى عطر الولاية ليلامس شغاف الأرواح.
وبالنظر لرواج هذه المجالس في جميع أنحاء العالم، ودلالتها على المذهب وكشفها عن معالمه، ينبغي منّا أن نلقي عليها نظرة فاحصة عميقة، سواء بلحاظ كيفيّة إقامتها أو آداب المشاركة فيها، وبرعايتنا لضوابطها نصبح ممّن يصدق عليه كلام أمير المؤمنين×، حيث جاء فيه: «فأعينوني بمناصحة»[9]، وممّن عمل بكلام الإمام الصادق×، حيث ورد عنه: «كونوا لنا زيناً»[10]، وخشية أن لا نكون زيناً لهم، بل شيناً عليهم، قال×: «لا تكونوا علينا شيناً»[11].
عزيزي القارئ، هذا الكتاب الذي بين يديك يقع على قسمين أو فصلين: الأوّل: المجالس، والثاني: روّادها أو الحسينيّون. وسنسلّط الضوء فيهما على الآداب والصفات الحميدة واللائقة التي ينبغي أن تسود المجالس، ويتمتّع بها روّادها وخدمتها، وكيفيّة تحقيق ذلك.
الفصل الأوّل: ويرتبط بنفس المجلس، وفيه مبحثان:
أوّلهما في معنى المجلس وفضائله وقيمه ومبادئه، وثانيهما في الآداب والأخلاقيّات التي تليق بهكذا تجمّع مقدّس.
الفصل الثاني: يتعلّق بالشخص الحاضر نفسه، وفيه ثلاثة مباحث:
الأوّل: في المسائل العقائديّة التي يؤمن بها المشارك في المجلس.
الثاني: في الضوابط الفقهيّة والأحكام اللازمة لأهل المجلس.
الثالث: المعايير الأخلاقيّة التي يجب رعايتها من قبل المشارك.
على أمل أن ترتقي الروح المعنويّة وتُحفظ في مجالسنا بمراعاة تلك الأمور، وتزداد الرغبة وتشرق على القلوب من خلال التزام المعزّي وعمله بوظائفه، وأينما ومتى ما أقيم المجلس مع توفّر ما ذكرناه سيكون مقبولاً عند مولانا أبي عبد الله الحسين×، ونحفظ بذلك كرامة الشيعة وعزّتهم في أعين جميع الشعوب والمذاهب والأديان في العالم.
قم ـ عبد الحسين النيسابوري
الفصل الأوّل
كيف يجب أن تكون المجالس الحسينيّة؟
المبحث الأوّل: المجلس الحسيني
بعد بيان مفهوم المجالس الحسينيّة وخصوصيّاتها ومتطلّباتها وكذا المشاركين فيها، سننتقل إلى بيان فضائلها.
يطلق هذا اللفظ عند الشيعة على الجماعة الذين يجتمعون إظهاراً لحبّهم لأهل بيت العصمة والطهارة^، ويتألّف عادة من أربعة أركان، وهي: البرنامج(الكيفيّة)، المكان، الزمان، المشاركون
حيث يذكر في هذه المجالس أحوال المعصومين^ وما جرى عليهم من المصائب، ثمّ يأتي دور النعي، وبعدها اللطميّة ونحوها بحسب ما هو معتاد في تلك المنطقة.
كما يشكّل توضيح الآيات القرآنيّة وبيان الأحكام الشرعيّة والأخلاق الإسلاميّة وذكر القصص الدينيّة جانباً من برامج تلك المجالس، مضافاً إلى البرامج الأخرى التي تُعدّ جزءاً من الفعّاليّات والنشاطات المتعارفة فيها، من قبيل: قراءة القرآن وزيارة عاشوراء أو الجامعة الكبيرة، وحديث الكساء أو زيارة آل ياسين، ودعاء كميل والتوسّل والندبة. وتنتهي هذه المجالس بحسب العادة بفقرة تقديم الطعام.
2ـ المكان
ليس هناك مكان خاصّ للمجلس، إذ من الممكن إقامته في أضرحة المعصومين^ وأولادهم وفي المساجد والحسينيّات والسرادق، وحتّى في المنازل والمدارس، بل حتّى في وسائل النقل كالحافلات والسفن والطائرات، فهذه الأماكن جميعها تعدّ أماكن لإقامة المجالس، لسهولة إجراء البرامج فيها. وخلاصة القول: إنّ مكان المجلس هو كلّ ما اجتُمع فيه انطلاقاً من الداعي والسبب المتقدّم ـ ذكر أهل البيت وإظهار الحبّ لهم^ ـ سواء كان ذلك في الصحراء أم غيرها، وسواء كان الحضور جلوساً أم مشاةً.
ليس هناك زمان خاصّ أيضاً للمجلس، فمع استثناء الأيّام الخاصّة بشهادة المعصومين وولاداتهم، وبعض الأزمنة المعيّنة مثل ليلة الجمعة وأيّام الزيارة ونحوها، يبقى زمن إقامة المجلس انسيابيّاً يشمل كلّ زمن يمكن أن يقام فيه المجلس، ليلاً كان أم نهاراً، دون خلل في إجراء المراسم.
فكلّ جماعة لهم أن يخصّصوا ساعة في اليوم للمشاركة في المجلس سواء من ساعات الليل أم النهار بحسب ما تقتضيه أعمالهم ومشاغلهم وأوقات استراحتهم، وهذا يبدأ من أذان الصبح، وأحياناً يقترن مع طلوع الشمس، ويستمرّ حتّى الظهر، وقد يأتي وقته مقارناً للظهر، كما ويمتدّ ذلك أيضاً إلى ساعات بعده.
وقد تعقد بعض المجالس في العصر أو بعد المغرب ويستمرّ حتّى منتصف الليل، ولعلّ بعضها قد تقام حتّى بعد منتصف الليل كما نلاحظ ذلك في بعض الرحلات العباديّة لزيارة أضرحة المعصومين^ والأماكن المقدّسة.
إنّ المجلس بمثابة سفينة نجاة وركوبها مباح للجميع، الرجال في مجالس الرجال والنساء في مجالس النساء، وليس هناك سنّ معيّن للحضور في المجالس، كما لا توجد هناك أيّ اعتبارات خاصّة للشخصيّات الاجتماعيّة، إذ تتكسّر كلّها على صخرة محبّة أهل البيت^، ويجلس الجميع على صعيد واحد، وتصفى القلوب وتطهر، ويقدّم لهم الطعام ببركة أهل البيت^ دون أن يلحظ نوع الطعام ولونه وطعمه.
الهيئة هي مجالس الشيعة الحيويّة والتي تحظى بعناية خاصّة من قبل المعصومين الأربعة عشر^، وهي بالنسبة لكلّ شيعي بمثابة مصدر عقيدته ومنطلق قناعاته، ومحلّ تجديد العهد مع محبوبه. وأدناه سنسلّط الضوء على 16 بعداً من المبادئ التي تتعلّق بهذه المجالس:
إنّ هذه المجالس تقام بأمر الله تعالى ورسوله’ وأهل البيت^ عبر الحثّ على الاجتماع لأمور الدين، وتجاذب أطراف الحديث عن الولاية والإمامة، ويسمّي النبي’ هذه المجالس برياض الجنّة، حيث يقول: «إذا رأيتم روضة من رياض الجنّة فارتعوا فيها، قيل: يا رسول الله، وما الروضة؟ فقال: مجالس المؤمنين»[12].
ويعرب الإمام الصادق× عن حبّه لمجالس إحياء أمر أهل البيت^، إذ ورد عنه: «تجلسون وتتحدّثون؟ قال: قلت: نعم، جعلت فداك، قال: تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا»[13].
2ـ المجالس مظانّ رحمة أهل البيت ^
المجلس كأنّه وادٍ للرحمة يتوسّع باسم آل محمّد^، ويعني الدخول إلى حرم الأمن الإلهي للتزكية والتطهّر، وبعبارة أخرى: حضور المجلس يعني التسجيل في مدرسة الحبّ والفداء والدفاع عن الولاية والإمامة.
كما يضفي حضور المجالس شعوراً بأنّه نحو من أداء الأجر للرسالة، وإجابةً للنداء الإلهي الذي ما زال يصدح: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[14]، واستجابةً لدعوة الضيافة الإلهيّة في بيوت أصحابها أئمّة الهدى، التي يرتّل إذن الدخول إليها على باب الحسين×، ونجاةً من الفتن طبقاً لقول أمير المؤمنين×: «من ركب غير سفينتنا غرق»[15]، إذ إنّ التوسّل بأهل البيت^ وتعلّم إرشاداتهم ووصاياهم والعمل بها يؤدّي إلى النجاة في الآخرة، وسبباً للخلاص من همّ الدنيا وغمّها، وبهجةً للروح في هذا العالم، وعلى مشارف هذه البيوت الجليلة يقف هناك الهلاك والضلال والهاوية.
إنّ المجلس تجلّ لاثنين من فروع الدين، وهما التولّي والتبرّي، فبنفس المقدار الذي يُظهر الإنسان فيه محبّته لمكانة أهل البيت^ المقدّسة، تتحقق الكراهيّة والنفرة من أعدائهم، فما البكاء على مظلوميّة أهل البيت^ إلّا عبارة عن إعلان النفرة والمقت لأولئك الذين تسبّبوا بتلك المظلوميّة.
فالاحتشاد لعزاء أحبّاء الله سبحانه يعادل اللعنة وإبراز البراءة ممّن قتلهم سمّاً أو بالسيوف، فمن وضع قدمه في المجلس كأنّما حمل على عاتقه راية التبرّي والتولّي، معلناً ذلك بأعلى صوته.
إقامة المجلس عبارة أخرى عن تعظيم الشعائر التي ذكرها القرآن الكريم بقوله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [16]، وتتّضح أكثر فيما لو جمعناها مع قول أمير المؤمنين×: «نحن الشعائر»[17]، وهذا معناه أنّ مجالس أهل البيت^ عبارة عن شعارات صادحة بالأسماء المقدّسة؛ محمّد وعلي وفاطمة وأبنائهما على مستوى الدنيا بأسرها، ولافتات التشيّع تحمل على عاتقها التعريف بأهل البيت^ ونصرتهم في جميع أنحاء العالم.
من الدوافع التي تحفّز على إقامة تلك المجالس تلبية نداء: «اللهم انصر من نصره» الذي أعلن عنه الرسول الأكرم’ يوم الغدير، وكما يقول أمير المؤمنين×: «فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا»[18].
ومن المناسب هنا أن نعبّر عن كلّ ذلك: بأنّ المجلس يعني أنس أتباع أهل البيت^ وتسلّيهم، ومؤدّاه تعزيز الألفة والمحبّة وتقويتها بين الشيعة، كما يعني أيضاً اتّحاد الشيعة وانسجامهم ووحدتهم قلباً وقالباً، إذ المجلس اجتماع للقلوب المتحرّقة والمكمدة، ومنبع المعرفة بأحوال محبّي أهل البيت^.
6ـ تسلية وعزاء لقلب السيّدة الزهراء
عندما أخذ أمير المؤمنين× ـ في ليالي السقيفة الظلماء ـ بيد الحسنين ترافقهم الزهراء المهضومة بالطواف على بيوت الأنصار طالباً منهم النصرة والمدد، لم يكن هناك من ينتهض لهم سوى عدّة أشخاص، أمّا اليوم وكأنّ المجالس تقام استجابة لتلك الدعوات التي أطلقتها الزهراء في ليالي المدينة الحالكة، وتسلية لقلبها الحزين، تلك السيّدة المظلومة التي تضجّروا حتّى من سماع صوت بكائها وأنينها المرتفع من بيت أحزانها، وفي ذلك قال الإمام الصادق×:
«إنّ فاطمة لتبكيه وتشهق...، فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها...، أما تحبّ أن تكون فيمن يُسعدُ فاطمة؟!»[19].
إقامة المجلس عبارة أخرى عن استجابة لنداء: «هل من ناصر ينصرني؟!» الذي ارتفع وسط لمعان السيوف وبريق الرماح والأجساد المقطّعة المضرّجة بالدماء. فانطلق من المولى أبي عبد الله الحسين× وأشعّة الشمس تلفح وجهه في صحراء كربلاء.
عندما نكون جلوساً في المأتم وكأنّنا نرجع القهقرى أربعة عشر قرناً لنرى أنفسنا حضوراً يوم عاشوراء إلى جوار المنحر، معلنين بدموعنا وآهاتنا لسيّد الشهداء× أنّنا وإن لم نحضر كربلاء لمؤازرته ولكنّنا نصرخ بأنّا لن نتركك وحيداً أبداً. وكم هو جميل خطابنا لأبي عبد الله الحسين× في الزيارة الرجبيّة حين نقول: «لبّيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري»[20].
فالمجلس بمنزلة الوقوف في معسكر أهل البيت^ لمواجهة أعدائهم، وتمثيلاً للولاء لسيّد الشهداء×، واستذكاراً لأبي الفضل العبّاس وعلي الأكبر وعلي الأصغر، كما يعني العطش والجوع والغربة ووحدة الإمام الحسين× وحرق خيامه. وبكلمة مقتضبة المجلس ذرف الدموع الساكبة لقلب معتصر في كربلاء.
المجلس هو ذلك المكان المقدّس الذي تتنزّل فيه ألطاف الدموع المنسكبة على مظلوميّة أهل البيت^ ولا سيّما سيّد الشهداء×، هذا هو المكان الذي تحدّق به أنظار الإمام الحسين× من عليائه بجوار العرش دونما يحجبه شيء، قال الإمام الصادق× في ذلك:
«وإنّه (الحسين×) ليرى من يبكيه فيستغفر له»[21].
هاهنا موضع نزول الرحمة التي تروي النفوس من سحاب الدموع الهاطلة، وبهذا يسأل الإمام الصادق× أحد أصحابه: «أفما تذكر ما صُنع به؟ قلت: نعم، قال×: فتجزع؟ قلت: إي ـ والله ـ وأستعبر لذلك، حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، قال×: رحم الله دمعتك»[22].
المجلس هو تجديد العهد مع بيعة الغدير، ذلك البيان الذي أمر الرسول 120.000مسلم أن يبلّغوه لمن لم يحضر، فقال: «فليبلّغ الحاضر الغائب»[23]، والذي لم يف به سوى عدّة قليلة من كلّ تلك الجموع الغفيرة. أمّا اليوم فالأمر قد انعكس وأصبحت هذه المجالس من أبرز مبلّغي هذه الوصيّة وهذا البيان الإلهي المعلن عنه في يوم الغدير، فالمجالس التي تقام استذكاراً لمظلوميّة أهل البيت^، تلفت الأنظار إلى يوم الغدير والبيعة فيه، وإلى الرأس المرفوع على القناة في كربلاء حتّى لا يداخل توهّج وإشعاع هذا المصباح شائبة ضعف أبداً.
10ـ تجمّع للدعاء لإمام العصر والزمان #
المجلس هو عبارة عن اجتماع المعزّين المقتدين بإمام عزائهم المهدي#، وعندها تنطلق ألسنتهم بترتيل ما على الشيعي أن يكون عليه وهو:
«فلئن أخّرتني الدهور، وعاقني عن نصـرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً، حتّى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتياب»[24].
إذاً يجب القول: إنّ المجلس مقرّ ومعسكر إعداد جنود صاحب الزمان# ليوم الانتقام من صنّاع فاجعة كربلاء الأليمة.
وذلك أنّ الراعي الرئيس للمجلس هو بقيّة الله# والمنتقم والطالب بثأر الله، ويصبح من المناسب جدّاً أن لا يُغفَل عن الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره في مثل هذه المجالس، ونرفع أيدينا راجين من الله سبحانه وملتمسين منه أن يحفظ إمام زماننا، إذ يعدّ الدعاء له واحدة من وظائفنا في زمن الغيبة، كما يوصي سلام الله عليه شيعته بقوله:
«أكثروا من الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ ذلك فرجكم»[25].
فلا بدّ من النظر إلى مسألة الفرَج بنحو خاصّ كما يرى الإمام الصادق×، حيث قد استشهد بما جرى على بني إسرائيل بقوله: «فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون أن يخلّصهم من فرعون، فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة»، وأكمل الإمام× كلامه بتطبيق ذلك على واقع الشيعة في زمن الغيبة، وقال أبو عبد الله×: «هكذا أنتم لو فعلتم لفرّج الله عنّا، فأمّا إذا لم تكونوا فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه»[26].
إنّ الدعاء بالفرج هو طاعة وامتثال للأمر الإلهي، واستجابة لدعاء 124.000 نبي، وتكريماً وإجلالاً لأتعاب رسول الله وأمير المؤمنين والسيّدة الزهراء وأئمّة الهدى^. إنّ الدعاء بالفرج لهو مشاركة في عمل الخير والبركة، وطلباً للعدالة التي ستتحقق بعد الظهور، ومساهمة في ثواب الانتقام من قتلة أبي عبد الله×، وفي المقابل سيتحفنا بدعاء إمام العصر والزمان كلّما زدنا دعاء له.
فعلينا أن نعلم أنّنا كلّما دعونا أكثر نكون قد أظهرنا المحبّة لإمامنا بشكل أشدّ وأخلص، وأثبتنا من خلال ذلك تديّننا. يوماً ما سأل علي بن جعفر الإمام الهادي×: أيّنا أشدّ حبّاً لدينه؟ فأجاب×: «أشدّكم حبّاً لصاحبه»[27].
11ـ تعلّم محاسن كلام أهل البيت ^
لعلّ المجلس
من أفضل وأبرز الأماكن التي يتمكّن الناس من خلالها التعرّف على علوم أهل البيت^ ومعارفهم.
ففي الواقع هناك سوق لتجارة الآخرة يجسّده الاستماع للروايات والأحاديث حول
التوحيد والنبوّة والإمامة ومعرفة أوامر الله والرسول والأئمّة بخصوص الأحكام
وآداب العشرة والمعاشرة، وعندها سينطبق قول الإمام الرضا×:
«...فإنّ الناس
لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا...»[28].
فحقيقة المجلس اجتماع عقد بأمر الإمام× وأقيم طاعة وامتثالاً له×، وهنا يقول الإمام الباقر×:
«تزاوروا في بيوتكم فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا»[29].
ولو عبّرنا عن المجالس بأنّها تقوم بدور حفظ المعتقدات لم يكن مغالاة، إذ من خلال تعلّم العقائد المستدَلّة بالآيات والروايات التي تلقى من على المنابر، وتبحث مع الالتفات إلى ما يطرحه الخطباء والمحاضرون والتأمّل فيه نكون قد هيّأنا أنفسنا لثبات عقائد الاثنى عشريّة الحقّة والإجابة عن شبهات المخالفين، ونصبح أكثر استعداداً، وقال الإمام موسى بن جعفر× حول ذلك:
«من أعان محبّاً لنا على عدوّنا فقوّاه وشجّعه... بعثه الله تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان»[30].
وهنا نجد من الضروري الإشارة إلى أنّ الدروس الفكريّة التي تلقى في المجالس إنّما تكون لبعض الناس من باب التذكير والتثبيت لما مرّ عليه سابقاً من دروس دينيّة، وبالنسبة لبعض آخر بداية للمعرفة والفهم، ولنا أن نأتي بتعبير جامع فنقول: إنّ المجلس هو الموضع الذي يُتعرّف فيه على الصـراط المستقيم، ويتمّ تمييزه عن غيره من طرق الضلال وسبل الانحراف، وفيه نطّلع على صفات المؤمنين ونميّزها، ونعرف ما كانت عليه سيرة أصحاب الأئمّة الأطهار^ والعلماء والصالحين، ونحفظ حرمتهم وجلالة شأنهم.
فما المجلس في الحقيقة والواقع إلّا درس للرجولة والإيثار والحبّ الخالص للخير والوفاء والتقوى والثبات على الدين والإيمان والاستقامة والعلم ومعرفة طرق التعامل والأخلاق في مدرسة أهل البيت^، وإلى جانب ذلك تعدّ المجالس قلاعاً للدفاع عن أهل البيت^ تقف سدّاً منيعاً بوجه مزاعم المتقوّلين.
وليس هذا فحسب، فإنّ المجلس موضع اختبار وامتحان وصيرورة الفكر والمعتقد والسلوك على المحك، وهل هي ما زالت تسير طبقاً للأوامر الإلهيّة دون ميل عنها، أو ابتُليت بترك الجادّة خلال مسيرتنا نحو الجنّة؟!
المجلس بمثابة المعلّم والممرّن على خدمة أهل هذا البيت الطاهر^، ومن ذلك سنتعلّم العبوديّة لله وكيفيّة خدمة موالينا الأئمّة الأطهار^. فالرجال منّا يأخذون هذا الدرس من قنبر غلام أمير المؤمنين×، والنساء من فضّة خادمة السيّدة الزهراء‘، اللذان كانا يفتخران بخدمتهما لأهل البيت والوقوف على أبوابهم^، وهم يرفعون شعار: «ونصرتي لكم معدّة»[31]، ملتمسين من ساداتهما الكرام أن لا يحرمونهما من مدعاة الفخر الأبدي هذا.
فأصحاب المجلس يتعلّمون أنّ خدمة المعصومين^ وشيعتهم لا تقتصر على إطار المجلس وحسب، وإنّما يحملون على أكتافهم أيّ خدمة تناط بهم وفي أيّ مكان وزمان وبأيّ نحو كان، ويعملون على أدائها بأتمّ صورة وأعلى درجة، وينتظرون واجبهم الآخر والخدمة التالية بفارغ الصبر.
إنّ المجلس يجمع المحتاجين والمعوزين في بيت آل النبي^، وهم يشعرون بالفخر والعزّة؛ لأنّهم يمتلكون وسيلة هي الأعظم والأقرب إلى الله سبحانه، والله تعالى يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [32].
وقال النبي| حول هذه الآية: «نحن الوسيلة إلى الله»[33]، وقال أمير المؤمنين× تطبيقاً لها: «أنا وسيلة الله»[34]، وقال الإمام الصادق×: «اللهم آت محمّداً وآل محمّد الوسيلة»[35]، وورد عن الإمام الرضا×: «إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله»[36].
عندها يصبح المجلس مفعماً بذكر الأسماء المباركة للرسول وآله^، ويتحوّل إلى محلٍّ لاستجابة الدعاء والعروج في سماء الملكوت، وموضع للمناجاة وبثّ الهموم والأحزان مع الله سبحانه وأوليائه، وملجأ لمحبّي أهل البيت^ وبلسم لآلامهم، ومرهم لجراحاتهم، وتشعر أرواحهم بالسكينة والاطمئنان، ويُفكّ جانباً من عقد ابتلاءاتهم، وبهذا يستحق المجلس بأن يوصف بأنّه: بيت أمل المكروبين من محبّي أهل البيت^.
عندما يذكر اسم آل محمّد^ بداية المجلس يدفعنا للقول حينها: إنّ المجلس يعني إطاعة ما أمر به الله تعالى ورسوله وأهل البيت^، وهذا بحدّ ذاته يعني أنّ المجلس محلّ بناء النفس وإعادة صياغتها بالابتعاد عن المعاصي والذنوب، وتصفيتها وتزكيتها من الشوائب والأدران، فالمجلس يعني ترك الذنوب والقيام بالأعمال الصالحة، ويعني محلّ الصمود ومقاومة هوى النفس وتغليب طاعة الله تبارك وتعالى.
المجلس بحقٍّ هو عبارة عن تعلّم الصبر من حياة الأئمّة الأطهار^ وأولادهم ومن لهم صلة بهم، مثل السيّدة زينب، بل يمكننا القول: إنّ المجلس محلّ نيل التقوى وتقويتها وتعزيز أسسها في القلوب، حيث قال الإمام الباقر×:
«فوالله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه... من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي... وما تُنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع»[37].
يجب أن نعلم أنّ هكذا موضع له كلّ هذا الشأن الروحي العظيم لن ينجو من حملات الشياطين سعياً وراء القضاء على قداسته، وأوضح الإمام الصادق× ذلك بقوله:
«لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور، فما يقصد فيها إلّا أولياءنا».
إنّ دوام وبقاء كلّ فئة وكلّ جماعة من البشر واستمرارها متقوّم بالأخلاق، فعندما يحتشد جماعة في المجلس إلى جانب بعضهم بعضاً باسم معلّمي البشر، وأعني المعصومين الأربعة عشر^، فمن الضروري أن تطغى عليهم الأخلاق الحسنة؛ حتّى يتعرّف الآخرون على سيرة الأئمّة^ عن طريقهم، وجاء وصف ذلك على لسان الإمام الصادق× بقوله:
«شيعتنا جزء منّا خُلقوا من فضل طينتنا، يسوؤهم ما يسوؤنا، ويسرّهم ما يسرّنا»[38].
إلامَ يرشدنا كلام إمامنا هذا؟ وكأنّما يريد أن يُفهمنا أنّ المجلس صلة لرحم محبّي أهل البيت^، إذ إنّهم خُلقوا من ماء وتراب واحد، وكأنّهم مع بعضهم بعضاً بمثابة عائلة واحدة.
فعندما نجلس في موضع يسمّى بالمجلس، والذي يعدّ في الوقت ذاته محطّة لأهل البيت^، فإن لم نتمتّع بأخلاق حميدة ويبدر منّا ما يؤذي الآخرين، فمعنى ذلك أنّنا قد آذينا أصحاب المجلس وهم آل محمّد^ وأوجعنا قلوبهم، وكسرنا قلب من هو مخلوق من طينتهم^. وعلى العكس فيما لو كان المشاركون في المجلس وخدمته على أعلى مستوى من الأخلاق والسلوك فإنّهم سيحفظون كرامة مجلس آل الله وشرفه، ويصبح لهم دور في بقائه واستمراره، ويُسرّون الأئمّة الأطهار^ المطّلعين على تلك المجالس التي تقام تحت أعينهم.
إنّ المجالس بيوت أحزان القلوب المفجوعة، وفيها تعلو أصوات المعزّين بالمناجاة مع الله سبحانه وأهل البيت^، فالمجلس وإن كان عبارة عن احتشاد جماعة لهدف خاصّ، ولكنّه في عين ذلك عبارة عن خلوة مع النفس ومع الله وأهل البيت^، وكلّ ما يأتي ذكره فيه حول أهل البيت^ يعدّ ذكراً لله سبحانه؛ باعتبارهم أهل الله وليس لديهم حديث غير الله، ولم يدعونا إلى غير طريق الله سبحانه. إذاً فكلّ ما يؤتى به في المجلس عبادة ومثول بين يدي الله سبحانه، واندكاك في حضرة قدس الربّ تعالى، فقد قال النبي|:
«ذكر الله عبادة، وذكري عبادة، وذكر علي عبادة، وذكر الأئمّة من ولده عبادة»[39].
تعالوا لننهل من معقل مناجاة القلوب الصادقة، ونمدّ سماط قلوبنا أمام أقرب عباد لله سبحانه؛ لأنّنا نعلم أنّ مجلس أهل البيت^ هو أكثر الأماكن طمأنينة وسكوناً، فلنُبد فيه حاجاتنا الدنيويّة والآخرويّة ونستعرضها، فمن الحتمي أن لا نخرج من هناك خالييّ الوفاض أبداً.
كلّ مجلس يقام في شرق الأرض وغربها تحكمه مجموعة من الضوابط والقوانين بما يتناسب مع محتواه الفكري والطبقة المشاركة والفاعلة والموضع الذي يقام فيه، وبما أنّ المجلس الذي نحن بصدد الحديث عنه مآله لأهل البيت^ صار من الضروري ملاحظة الأبعاد العقديّة للمجلس والأجواء الفكريّة للمشاركين ممّن تربّوا ونشؤوا وتشرّبت نفوسهم بثقافة الغدير والفاطميّة وعاشوراء، وأمّا مكان وزمان المجلس ففي أغلب الأحيان تتحقق إقامته في أيّام أفراح أهل البيت^ وأحزانهم والمصائب التي جرت عليهم.
وسنذكر فيما يلي مجموعة من الضوابط والمعايير والعادات الخاصّة المتعلّقة بالمجلس، والتي تؤدّي مراعاتها إلى إضفاء جوّ خاصّ يمكن من خلاله تحقيق تأثيره المرجو في الحاضرين، وحتّى في الأشخاص الذين يشاهدونه أو يسمعونه فيما بعد. وهذه الضوابط تشمل الأجهزة والآلات المستخدمة، وترتيب المكان ونظم الأشياء، وكيفيّة التعامل فيما بين أهل المجلس أنفسهم، وهناك بعض الملاحظات الضروريّة المتعلّقة بهامش المجالس، وغير ذلك.
ما يتمّ نصبه من لافتات وعبارات منقوشة في المجلس يجب أن يراعى فيها المعطى التربوي لمفاهيمها التي يفتقر إليها أهل المجلس بلحاظ محتواها العلمي ونظمها والدقّة في صفها وأماكن تعليقها.
يجب أن تُستخدم لافتات وشعارات وكتابات تتناسب مع أيّام الشهادة أو الولادة حينما يحاول القائمون على المجلس تزيينه للفرح في المناسبات المفرحة، أو جعله متّشحاً بالسواد في المناسبات الحزينة، فلا بدّ أن تكتب أحاديث منسجمة مع المناسبة، إضافة إلى اختيار تصاميم فنّية جذّابة ومؤثّرة في النفوس والأذهان، على أن لا تُنصب تلك اللوحات والكتابات في مواضع يُتّكأ عليها أو نحو ذلك، ممّا قد يسبّب إساءة أو إهانة لما تضمّنته من أسماء مباركة.
وإليك بعض النصوص الحديثيّة النافعة والمفيدة لما تتضمّنه من مغزى رفيع؛ ليتمّ نصبها على جدران المجالس والأماكن المهمّة فيها:
ـ يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً [40].
ـ أدين الله بالبراءة ممّن قاتلك[41].
ـ السلام على قتيل العبرات وأسير الكربات[42].
ـ السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله الحسين[43].
ـ ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا[44].
ـ إنّ الحسين لينظر إلى زوّاره ومن يبكيه[45].
ـ أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلّا بكى[46].
ـ الحسين عبرة كلّ مؤمن[47].
ـ مُروا شيعتنا بزيارة الحسين×[48].
ـ اللهم اجعلني عندك وجيهاً بالحسين في الدنيا والآخرة[49].
ـ اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود[50].
ـ السلام على الحسين المظلوم الشهيد[51].
ـ قال الصادق×: «نفس المهموم لنا المغتمّ لظلمنا تسبيح»[52].
ـ قال الصادق×: «من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»[53].
ـ قال الحسين×: «أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر»[54].
ـ قال الرضا×: «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون»[55].
ـ قال الصادق×: «ما من باك يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله’ وأدّى حقنا»[56].
ـ قال الصادق×: «حقّ الحسين× فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم»[57].
ـ قال رسول الله|: «إنّ للحسين محبّة مكنونة في قلوب أوليائه»[58].
ـ قال الصادق×: «يا عبّاس، لعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات»[59].
ـ قال رسول الله|: «مكتوب عن يمين العرش: إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»[60].
أحد الأمور المهمّة في المجلس والتي تضفي عليه رونقاً خاصّاً الترتيب المناسب لأثاث المجلس ووضعه بالشكل المريح للحضور بدنيّاً وروحيّاً. ولا بدّ من تهيئة الوسائل الضروريّة لإقامة المجلس ونظمها بصورة لا تؤدّي إلى وقوع خلل في أثناء المجلس قد يتسبّب في عدم تركيز الحضور وتشتيت أذهانهم.
يجب جعل المنبر في موضع يمكّن الخطيب من الإشراف التامّ على أنحاء المكان وزواياه بحيث يمكنه مشاهدة أكثر المخاطبين، إضافة إلى تغطية المنبر بقطعة قماش تتناسب مع أيّام الفرح أو أيّام الشهادة.
يجب تنظيم مكبّرات الصوت بصورة تجعل حديث الخطيب وكلماته تصل الأسماع بشكل واضح وإلى كلّ نواحي المجلس، فلا يكون الصوت منخفضاً إلى حدٍّ يبعث على السأم والنعاس، ولا مرتفعاً يصكّ الآذان ويتسبّب بالإزعاج، كما يلزم وضع شاشات وعارضات في أماكن خاصّة لتأمين أكبر قدر وأوسع مجال لرؤية الخطيب من قبل الحضور.
ولا بدّ قبل البدء بالمجلس من اختبار وفحص الأجهزة وصيانتها حيث الفرصة سانحة؛ حتّى لا تسبّب خللاً ما في أثناء المجلس فيما لو أصابها عطل أو خلل، إذ سيؤثّر حينها كثيراً على انتباه الحضور، أو قد يكون العطل ممّا لا يمكن إصلاحه بتلك العجالة، كما يلزم تنظيم صوت المكبّرات الخارجيّة بشكل لا يكون مزعجاً للجيران.
يفترض بإنارة المجلس أن لا تبعث على النوم ولا تؤذي العيون، وحتّى في الحالات التي يتمّ فيها إطفاء المصابيح لا بدّ من ترك مقدار كاف من الإضاءة للتعرّف على الأشياء ولا سيّما للخطيب والرادود.
ولا بدّ من وضع علامات توضيحيّة على أزرار الكهرباء لتشخيصها؛ حتّى لا يقع من كان على عاتقه مسؤوليّة إنارة المصابيح وإطفائها في الحيرة أو الخطأ حينما يقوم بذلك خلال المجلس.
يجب أن تكون الأوعية المستخدمة لتقديم الطعام وغيره تتلاءم وقدسيّة المجلس واحترامه من جهة، ومن جهة أخرى مع كيفيّة الاستفادة بلحاظ الشكل واللون وغير ذلك، وأن لا تكون غالية جدّاً بحيث تدفع إلى التساؤل وإثارة الأقاويل، فيلزم أن يكون جمالها طبيعيّاً ولا يبلغ درجة البهرجة، يعني يجب أن يكون الشكل واللون متناسباً مع مجلس أهل البيت^.
ومنها أنظمة التدفئة والتبريد في المجلس، حيث يلزم تنظيمها بما يتناسب وجوّ المجلس وحضوره، فلا تكون شديدة أو مرتفعة في غير الحاجة إلى ذلك ولا بالعكس، ممّا قد يفقد التركيز أو يبعث على النعاس أو الإصابة بالمرض.
وإن كان هناك طير في قفص فلا بدّ من إبعاده عن مكان المجلس، وهكذا يجب رفع الصور العائليّة والصور الخاصّة حتّى لا تقع عليها الأبصار.
الأماكن اللازمة لإقامة المجلس تتضمّن ما يقام عليه المجلس مع مجموعة من الأماكن المجاورة للأمور الضروريّة الأخرى ذات الصلة بالمجلس.
إنّ سعة المجلس عادة تتناسب مع عدد الحضور، ولو لوحظ ذلك لكان أفضل، ويجدر الالتفات هنا إلى أنّ المجلس إن كان عامّاً وأعلن عنه بشكل واسع لا بدّ من إعداد وتهيئة مكان يتناسب وحجم المشاركين.
ومنها المطبخ، وهنا لا بدّ من تخصيص مكانه بعيداً؛ حتّى لا تصل الأصوات المتعالية فيه ـ عادة ـ إلى المجلس، كما لا يصح جعل طريق موزّعي الشاي والماء من أمام المنبر، وينبغي أن يتمّ نقل كلّ الأمور اللازمة قبل شروع المجلس.
ولا بدّ أن يعدّ مكان خاصّ لتأمين الأحذية، أو تهيئة أكياس لحملها، وتخصيص موضع لدورة المياه يتناسب مع عدد حضور المجلس.
لا بدّ أن يقف جماعة من الخدّام خارجاً ليقوموا بتنظيم وقوف السيّارات والمحافظة عليها، حتّى لا يتسبّب وقوف السيّارات بمضايقات للجيران وأصحاب المحال التجاريّة المجاورة للمجلس؛ مخافة أن ينجرّ الأمر إلى حدوث مشاحنات ـ لا سمح الله ـ تسيء إلى سمعة المجلس والقائمين عليه.
إنّ رعاية نظافة المجلس والأماكن المحيطة به إضافة إلى كونه عملاً بأمر الإسلام بالنظافة فإنّه يستوجب نشاطاً في الروح والجسم، ويزيد الرغبة في الحضور إلى هذه الأماكن الشريفة.
ويبدأ الاهتمام بالنظافة انطلاقاً من داخل المجلس ومفروشاته إلى المطبخ ووسائله وخزانة الأحذية وأماكن السقاية، وحتّى ما يحيط بالمجلس من الخارج، وهكذا على كلّ من يريد الحضور في المجلس أن يهتمّ بنظافة ملبسه وهندامه، وأن يتطيّب ـ وهو عمل جيّد ـ على أن يكون مناسباً، لا يزكم به أنوف الآخرين، ولا بدّ من الحذر من بروز كلّ ما يثير الاشمئزاز؛ إذ قد ترتسم في المخيّلة صورٌ مزعجة، والمفروض أن تتداعى الخواطر الحسنة والتصوّرات الجيّدة حين يأتي ذكر المجالس وأجوائها.
إنّ المجلس هو بيت الله سبحانه وأهل البيت^، وعادة ما يرافق إقامة المجالس وإلقاء الخطب والمحاضرات وقراءة أبيات النعي إقامة الصلاة والدعاء والزيارة أيضاً، بل إنّ هذه الفعّاليّات جزء لا يتجزّأ من هكذا مجالس.
من المناسب تجديد العهد في كلّ جلسة بأعظم ذكرى مدوّنة للأنبياء، وأعني القرآن الكريم، بتلاوة آيات من سوره الكريمة.
ثمّ نشرع المجلس بقراءة زيارة عاشوراء، أو دعاء التوسّل، أو حديث الكساء، أو زيارة الجامعة الكبيرة، حتّى نشعر بحضور آل محمّد^ في المجلس. ويُتجنّب في أثناء الزيارة والدعاء قراءة المصيبة أو الإتيان بالأشعار المبكية، والأولى أن تقرأ قبل الزيارة أو بعدها. وعند بلوغ الفقرة الأخيرة من زيارة عاشوراء لا بدّ من تهيئة تربة للسجود حتّى لا نؤخّر الناس عن الإتيان بالسجدة.
ويقرأ دعاء كميل في ليالي الجمع، وفي صباحها دعاء الندبة، وتقرأ في المناسبات الخاصّة ما يتعلّق بها من أدعية وزيارات، وعلينا حين قراءة الأدعية والزيارات أن لا نضيف لها شيئاً بحيث لو كان على نحو الجزئيّة لعدّ من البدع. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن تكون كرّاسات الأدعية والزيارات جديدة ليست بالية ممزّقة، ويُعمد إلى تبديلها وتجديدها بصورة مستمرّة.
من المناسب جدّاً أن يخصص مكان في المجلس لإقامة الصلاة حتّى لا تتأخّر صلاة أحد، ويولى اهتمام خاصّ بالصلاة في أوّل وقتها والأذان لها، ويسعى القائمون على المجلس الإتيان بها جماعة متى ما أمكن ذلك.
وتكون التُرب في متناول الجميع، ويُهتمّ بسلامتها ونظافتها، ويُخصص لها مكان مناسب؛ لأنّ اسم الحسين× والتراب الحسيني قرينا المجلس، بل لصيقاه.
في هذا المضمار يجب ملاحظة مجموعة من الأمور المتعلّقة بما يُقدّم في المجلس من جهات مبيّنة أدناه:
توزيع الماء لا بدّ أن يتمّ في حالة من السكوت والهدوء ودون ضوضاء وضجّة، ولو أمكن أن يتمّ خارج المجلس لكان أجود.
كما يلزم تهيئة مكان خاصّ يثبّت بجوار المنبر يوضع فيه قدح الماء الساخن؛ ليتسنّى للخطيب أن يرتشف منه أثناء الخطبة، ومتى بدأ الخطيب المجلس يُمنع التوزيع سواء كان ماء أو شاياً أو غيرهما.
عادة ما يتمّ تقديم الماء الساخن أو الشاي قبل أن يرتقي الخطيب المنبر، ولا بدّ من استخدام أقداح نظيفة.
ولا يُغفل عن الاعتماد على أشخاص ذوي خبرة عالية في إعداد الشاي؛ حتّى يُقدّم شاياً ذا طعم طيّب للحضور.
ومن الضروري الالتفات إلى أنّ توزيع الشاي وجمع الأقداح الفارغة أثناء المحاضرة أو اللطميّة عادة ما يسبّب خللاً؛ لهذا صار من الأفضل تقديم الشاي وما شاكله قبل أو بعد ذلك.
كما يُتجنّب التجمّع في المطبخ والمرافق الخدميّة الأخرى من قبل غير المتصدّين لبعض تلك المهامّ، ولا سيّما إذا لم تفصلها عن مكان المجلس مسافة معتدّ بها؛ حتّى لا تنفذ الأصوات إليه وتتسبّب في تشتيت تركيز الخطيب والمستمعين، فإنّه ممّا يؤثّر سلباً على المجلس والنتائج المرجوّة منه.
ولا يخفى أنّ ما يُقدّم للحضور يجب أن يتناسب مع زمان المجلس وما يكتنفه، فلا تُقدّم العصائر ونحوها في الشتاء مثلاً، ولا المثلّجات في يوم عاشوراء وهو يوم عزاء ومصيبة.
يستفاد من ماء الورد في المجالس التي تقام للولادات أو في الأيّام العاديّة، فهو من جهة أفضل عطر، ومن جهة أخرى قلّما يوجد من لديه حساسيّة منه.
وإن بُخّر المكان بالحرمل فيجب أن لا يغطّي فضاء المجلس بأكمله، ممّا قد يتسبّب للجميع ـ ولا سيّما الخطيب ـ بضيق التنفّس.
كما يُحذّر من إشعال أعواد البخور وأنواعه الكيميائيّة؛ لأنّ أكثر الناس يتحسّسون منها.
ويتجنّب المدخّنون التدخين في المجلس والأماكن المحيطة به أو الملاصقة له؛ للروائح غير الجيّدة التي تفوح من السجائر، إضافة إلى ما فيه من مضار صحيّة.
يلزم على المعنيّين بتهيئة الطعام أن لا يدّخروا جهداً في انتقاء المواد والمكوّنات الرئيسيّة لطبخ أفضل طعام وأجوده، كما عليهم أن يولوا أهميّة بالغة في طريقة تقديم الطعام للمشاركين بما يتناسب وشأن مجلس أهل البيت^.
فيجب الاستفادة من أفضل المواد وأحسنها حدّ الإمكان، كما يجب الدقّة في حفظ وخزن البقوليات.
ولا بدّ من الحذر عند فرم اللحوم أن لا تفرم معها العظام، بل وتستل من اللحم بتأنّ، ولكي يصبح مذاق الطعام لذيذاً وفوائده أكثر ينبغي أن تُفصل العظام وتسلق لثلاث ساعات، ولا يضاف لها الملح حتّى تفرز ما احتوته من كالسيوم، ثمّ يضاف ذلك الماء إلى المرق حتّى يصبح ملائماً.
وعلينا توخّي الحذر عند إضافة الملح، فلا بدّ من حلّه أوّلاً في الماء سواء كان حجريّاً أو مسحوقاً، ثمّ إضافة المحلول المتكوّن من الماء والملح إلى المرق أو الرز؛ حتّى لا يختلط ما قد يشتمل عليه من أحجار ناعمة مع حبّات الرز أو المرق. ولا بدّ من الصبر قليلاً قبل أن تملأ الصحون والأوعية بالطعام حتّى تقلّ حرارته شيئاً ما، ويُعمل على تقديم الطعام بنحو واحد وبكيفيّة واحدة.
وحتّى يتناول الحُضّار الطعام لا بدّ من مدّ سماط أمامهم بحيث يشعرون أنّهم على المائدة، ومتى ما أمكن تقديم الطعام بالصحون والأوعية المتعارفة سيكون أفضل حتّى يتمكّن بعض الأفراد من تحصيل أجر المشاركة في عمليّة غسلها، وإلّا فلا بدّ من استخدام الصحون المصنوعة من مواد نباتيّة.
وعند توزيع الطعام لغير الحضور تبرز هناك أولويّة لمجاوري المأتم، فذلك ممّا يبعث على احترامهم للمجلس وتعاونهم مع المعنيّين.
لو أنّ المشاركين في المجلس يرون ضرورة رعاية الضوابط والآداب الخاصّة بالمجلس ويطبّقونها بحذافيرها لحُلّت الكثير من المعضلات التي قد تواجه المعنيّين والمتصدّين لإدارة المجلس بسهولة، ويمكن خلاصة ما هو بحاجة إلى رعاية والتفات بما يلي:
إذ ينبغي أن يعلم المعنيّون بأنّ توفير هذه المقدّمات وتهيئة الأرضيّة إنّما الغاية منه تسهيل عمليّة الحضور والمشاركة في ذلك المجلس بأيسر صورة. وعليه فلا بدّ من معرفتهم للمطلوب منهم وهو التواجد في داخل المجلس ليزداد رونقاً، لا أن يحتشدوا خارجه ويملؤوا الأزقّة والطرق المجاورة. فبغضّ النظر عن إمكان التواجد خارج الأماكن المخصّصة للمجلس فإنّ هناك محذوراً آخر قد يترتّب على التجمهر خارج المجلس وهو ما يسبّبه من مضايقة للمارّة والجيران.
بما أنّ رسالة الهيئة والمجلس الحسيني ليست سوى تعليم الدين والإرشاد إليه والهداية له، فمن الجدير بالذكر أن يدعو كلّ واحد ـ بعد إذن صاحب المجلس ـ رفيقه إلى المجلس على أن لا يغفل عن معرفة أخلاقه ومعتقداته وملاحظة قابليّاته بعد مقارنتها مع ما يطرح في المجلس عادة.
المجلس ملك لجميع أفراده، بل يتعلّق بكلّ محبّي أهل البيت^، وينبغي من الجميع عدم التواني في تقديم أيّ معونة ومساعدة سواء كانت على مستوى فكري بالنسبة لذوي الاختصاص، أو على مستوى عملي استعداداً للمجلس.
يجب الاستفادة من كلّ ذي تخصّص وخبرة عمليّة أو علميّة، بلحاظ تنوّع الاحتياجات وتعدّدها، الأمر الذي يتطلّب من المعنيّين استشارة الأشخاص المهرة والحاذقين لإدارة الأمور وجعلها في نصابها الصحيح، فينتفعوا أكثر من الأفكار حين اجتماعها، يقول الإمام الباقر× في ذلك: «ومن شاور الرجال شاركها في عقولها»[61].
يجدر بالمشاركين في المجلس أن يتكفّلوا بنظم أمور المجلس بأنفسهم، فيتجنّبوا كلّ ما يشتّت انتباه الخطيب والجمهور، وهذا يلقي على الآباء والأمّهات مهمّة مراقبة الأطفال حين تواجدهم في مجالس أهل البيت^، فيجبرونهم على السكوت قدر الممكن، كما يُعلّمونهم النظم ورعاية الهدوء والاستماع.
فإن كانوا صغاراً جدّاً لا بدّ أن يهيّئوا لهم ما يشغلهم من طعام وأمثاله، ولا يصح جلوسهم قرب المنبر حتّى لا يكونوا بمرأى من الحضور؛ لئلّا يتسبّب ذلك بالتفات المتحدّث أو السامعين إليهم، فالأفضل أن يجلسوا قرب الباب فمتى ما احتاجوا للخروج من المجلس ـ مثلاً ـ فإنّه لا يؤثّر في فعّاليّات المجلس ونظمه وترتيبه.
إنّ الشباب زهور قد تفتّحت توّاً، فإن اشتدّ عودهم عقائديّاً أصبحوا فيما بعد دعامة قويّة في وجه أعداء التشيّع، وهذا يتطلّب منّا اهتماماً خاصّاً بهم في المجالس، وعلينا أن نرفع من مستوى قدرة تحمّلنا عند التعامل معهم؛ بغية الاستفادة من نشاطهم وحماسهم وقابليّاتهم في خدمة أهل البيت^ حتّى لا تذهب سدى، وها هو الإمام الصادق× يقول لأحد تلاميذه: «عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير»[62].
ينبغي انتخاب المرشدين والمنظّمين للمجلس ممّن يتمتّع بأخلاق حسنة وقدرة على التحمّل، مخافة أن تصدر منه إساءة للمشاركين ولو من قبيل الإشارة باليد والعين أو ارتفاع الصوت ونحو ذلك، دفعاً لما من شأنه أن يؤدّي إلى عدم رضا الإمام×؛ لأنّ الحضور ضيوفه ويجب احترامهم وتقديرهم.
الخطبة وارتقاء المنبر جزء لا ينفك عن أيّ مجلس، ولكن من الجدير بصاحب المجلس والهيئة المشرفة أن يطلبوا من الخطيب تسليط الضوء على علوم أهل البيت^ وطبقاً للآيات والروايات، والتطرّق للأحكام الشرعيّة الابتلائيّة، ويقصر بحثه في أيّام الولادة والشهادة على تلك المناسبة وعلى سيرة صاحب تلك الذكرى.
ما يطرح تحت هذا العنوان قد يقتضي أحياناً الترك وأحياناً أخرى العمل، وهكذا قد تكون بعض الآداب فرديّة وأخرى جماعيّة، وبين هذا وذاك يمكن توضيحها كالتالي:
الدخول للمجلس لا يفترق عن الدخول لأيّ مكان مقدّس، فله آدابه الخاصّة، منها: أن تكون الغاية عند الشخص ـ وهو يحثّ الخطى متّجهاً إلى المجلس ـ هي رضا الله سبحانه، ويحافظ على نيّته هذه إلى آخر لحظة يقضيها في المجلس، وهكذا ممكن أن يجعل الدافع من مشاركته في المجلس القيام بوظيفته في زمن غيبة إمام العصر وانتظاراً لفرجه#.
ويا حبّذا أن يكون الداخل على وضوء وطهارة، على أن يختار الوقت المناسب للذهاب إلى المجلس ولا يؤخّره إلى ما بعد إتمام جميع الأعمال الدنيويّة فيكون عند وصوله للمجلس لم يتبقّ منه إلّا لحظات معدودة فقط، وذلك لضرورة التواجد من البداية حتّى النهاية؛ ليشارك في جميع الفعّاليّات من دعاء وزيارة ومحاضرة ولطميّة ورثاء، والتي تمثّل كلّ واحدة منها غذاء للروح لا يحلّ الآخر محلّه ولا يسدّ مسدّه.
كما لا ينبغي الاستفادة من اسم قائم آل محمّد# من أجل النهوض والتوسعة في المكان، وتعديل جلوس الحضور، وملء الفراغات وما شاكل ذلك، نظراً لعظمة هذا الاسم واحتراماًوصيانة لحرمته.
لا بدّ على الداخل أن يلاحظ تراكم الحضور وزخمهم في المجلس، فيسعى إلى ملء الفراغات المتخلّلة بين الجالسين، وينبغي أن تُترك مسافة بين الحضور ومدخل المجلس، ويتركّز الجلوس قريباً من المنبر وحوله حتّى يفسح المجال للداخلين الجدد.
ولا بدّ من احترام الحاضرين، والتعامل معهم بالسويّة وعدم التفريق بينهم في أمر ما؛ لأنّهم جميعاً ضيوف أهل البيت^.
كما يجب مراعاة قدسيّة المجلس في كيفيّة الجلوس وطريقة التحدّث مع الآخرين وحتّى في النظر إليهم، مضافاً إلى ضرورة السكوت والانتباه للمتحدّث وعدم القيام بما يشتّت تركيزه وتركيز الآخرين ببعض الحركات غير المسؤولة.
من الضروري عند الدخول للمجلس أن يكون الجوّال مغلق دائماً؛ إذ يعدّ الردّ على المكالمات أو الرسائل عبر الجوّال من أبشع التصرّفات التي تكشف عن عدم احترام المجلس والمتحدّث، وأمّا إن بلغ الأمر إلى درجة اللعب بالجوّال واستعماله بما ليس ضروريّاً، فسيعدّ ذلك إهانة وغفلة عن عظمة وقدسيّة آل الرسول^ الذين أقيم المجلس باسمهم، وهذا ما يحتّم على المعنيّين أن ينبّهوا لذلك، ويعلّقوا لافتة تشير إلى ضرورة إطفاء الجوّال.
هذا وينبغي عدم الانشغال بتاتاً لا بقراءة دعاء ولا مطالعة كتاب أو مجلّة أو رسالة هاتفيّة منذ بداية المجلس، وبالخصوص وقت المحاضرة المنبريّة.
ومن الغريب والعجيب ما يقوم به بعض الأفراد حيث يؤخّرون قراءة الدعاء إلى حين شروع المجلس معتبرين ذلك فرصة مناسبة، والأنكى من ذلك من يحضر معه كتاباً ليطالعه خلال المحاضرة، ولربّما استلّ منه أثناءها بعض المعلومات المهمّة.
يجب الحضور إلى المجلس بما يتناسب والمناسبة من الملابس التي يُحفظ بها احترام المجلس وقدسيّته، وتُصان كرامته، ويُراعى شأنه عند أصحاب المجلس ـ أعني محمّد وآل محمّد^ ـ .
وهكذا الحال بالنسبة للمعنيّين بالشؤون التنظيميّة ومن يتكفّلون بمسألة تقديم الطعام والشراب للحضور، رعاية وصيانة لحرمة المكان والحضور أثناء التضييف والجلوس والنهوض والانحناء.
يجب أن نعتبر المجلس خيمة أهل البيت^، فلا ننطق ولا نستمع فيها إلّا ما يرضي الله تعالى، ونتجنّب الغيبة واستماعها، والكذب والإصغاء إليه، ونرى أنّ سوء الظن بالآخرين وإهانتهم أمر لا يليق بشأن أهل المجالس وخدّامها.
يجب أن يتعاون الجميع لتهيئة الأرضيّة المناسبة وتوفير الظروف الملائمة لإقامة المجلس، فلا شكّ أنّنا ومن خلال الانسجام الفكري والقلبي سنطوي مراحل الإعداد للمجلس من نواحيه المتعدّدة بسرعة، ولا يحدث خلاف ولا اختلاف بخصوص نوع العمل الذي يقع على مسؤوليّتنا؛ لأنّنا جميعاً خدّام بيت وأسرة واحدة، وهذا يحتّم علينا أن نبدي استعدادنا التامّ لكلّ ما يتعلّق بخدمات المجلس من نظم وتنسيق ـ كتعليق اللافتات وتهيئة الأجهزة الصوتيّة ـ إلى الإتيان بالمقدّمات خارج المجلس، مثل: إعداد وسائل الطبخ وتقديم المساعدة فيه عند الحاجة.
وبخصوص مسألة المساعدة علينا ملاحظة أمرين وجعلهما نصب أعيننا، وهما:
الأوّل: إن صدر منّا وعد بشيء فعلينا الوفاء به، والثاني: إن تكفّلنا القيام بمهمّة ما فعلينا القيام بها بأحسن صورة.
ومتى ما لاحظنا خللاً في الأمور المتعلّقة بالمجلس حينها يفترض بنا ما يلي:
أوّلاً: أن لا نشيعه، ونكتفي بوضعه بين يدي المسؤول للقيام باللازم.
ثانياً: علينا أن نعلم أنّه قد بُذلت جهود كبيرة من أجل إصلاح وتنظيم الأمور في جميع جوانب المجلس؛ ليخرج بأفضل حلّة، ولم يكن بالإمكان أكثر من ذلك؛ لذا لا يصح أن ننظر للأشياء بعين النقد والانتقاد.
ثالثاً: فيما لو كان هناك من يمتلك الخبرة والتخصّص والتجربة فله التدخّل وإصلاح الخلل، ولكن بعد الحصول على إذن من أصحاب المجلس، وهكذا فيما إذا احتاج إلى من يعينه في ذلك.
يجب أن نكون على حذر من مناشئ الخلاف والفرقة ودواعي العداء والنزاعات بين أصحاب الهيئات والمواكب، وإن أوقع الشيطان بينهم ـ لا سامح الله ـ فلا بدّ من الوقوف بوجه ذلك بالكلمة الطيّبة وإظهار المحبّة وحالة الاتّحاد والتوكّل على الله تعالى والتوسّل بأهل البيت^ والعمل على تذويب وإزالة الأسباب التي أدّت إلى تلك الخلافات، ونمنع من تفشّيها واتّساع رقعتها.
ومن الضروري
هنا التنبيه إلى ما تزرعه بعض الألفاظ والعبارات من ضغينة، أو ـلا أقل ـ تُهيّء
الأرضيّة لها، وبتجنّب تلك الألفاظ وصون اللسان عنها تأمن وتُحفظ المجالس من
النزاع والتنازع، ومن بين تلك الألفاظ قول: مجلسنا، وموكبنا، وجماعتنا، ورادودنا،
وخطيبنا، وأمثال ذلك ممّا يوحي بالانعزال، وهنا لا بدّ أن يكون في قرارة أنفسنا
إعانة كلّ من يبذل جهداً في الرفع من شأن المجالس وهيبتها ورونقها، ولا نصبح حجر
عثرة، ولا ندع مجالاً لنفوذ الأفكار الهدّامة ـ مثل أنّ فلاناً من أصدقائنا
أو لا ـ إلى أوساطنا.
وخير مثال على ذلك موقفنا فيما لو صادفنا في الطريق موكباً ـ أو قل: جماعة من المعزّين ـ بأن لا ننظر إلى أسفل اللافتة؛ للتعرّف إلى صاحب الموكب ومدى علاقته بنا، وإنّما ننظر إلى الأعلى لتبرق في أعيننا حروف اسم صاحب العزاء: أبو عبد الله الحسين×، فاطمة الزهراء‘...
9ـ تبرّعات الناس للمجلس ومشاركاتهم
من العطايا التي تُقدّم بصورة مباشرة لأهل البيت^ وتحوطها هالة من القداسة ما تجود به نفوس الناس من هدايا وعطايا للمواكب والهيئات، وهو ما أوصونا^ به. وأرى من المناسب قبل الدخول في بيان الآداب والأخلاق التي تزيّن عمليّة جمع التبرّعات أن نستذكر بعض الروايات في هذا المقام:
1ـ عن المفضّل بن عمر قال: دخلت على أبى عبد الله× يوماً ومعي شئ، فوضعته بين يديه، فقال: «ما هذا؟» فقلت: هذه صلة مواليك وعبيدك، قال: فقال لي: «يا مفضّل، إنّي لأقبل ذلك، وما أقبل من حاجة بي إليه، وما أقبله إلّا ليُزكّوا به».
ثمّ قال:
سمعت أبي يقول: «من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قلّ أو كثر لم ينظر الله إليه يوم القيامة إلّا أن يعفو الله عنه»[63].
2ـ قال الإمام الصادق×: «لا تدعوا صلة آل محمّد^ من أموالكم، من كان غنيّاً فعلى قدر غناه، ومن كان فقيراً فعلى قدر فقره، ومن أراد أن يقضي الله أهمّ الحوائج له فليصل آل محمّد^ وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله»[64].
3ـ قال أبو عبد الله×: «من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال الله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[65]»[66].
4ـ قال الإمام الصادق×: «ما من شئ أحبّ إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإنّ الله ليجعل له الدرهم في الجنّة مثل جبل أحد»[67].
بعد ملاحظة الروايات المتقدّمة يُفترض بنا أن ندقّق في النقاط التالية:
أـ علينا أن لا نعيّن للمتبرّع مبلغاً أو نحدّد له سقفاً لما يروم تقديمه من الهدايا، وبالطبع فإنّ هذا لا يمنع من ذكر الديون والنواقص الضروريّة التي يحتاجها المجلس، حتّى يتبرّع كلّ شخص بما يمكنه عن علم واطّلاع بمقدار الحاجة.
ب ـ من أجل حثّ الآخرين على التبرّع يلزم عدم ذكر اسم من تبرّع بمبلغ كبير، ومتى ما أُريد التشجيع على التبرّع يعبّر بأنّ هناك تبرّعات جزيلة كانت لبعض المؤمنين.
ج ـ لا يؤخذ من الأفراد حياءً أو كرهاً، كأن يقال لهم: كم أسجّل لكم؟ أو فلان تبرّع بمبلغ كذا كم ستعطي أنت؟ فإنّ هذه الجمل وأمثالها قد تؤدّي إلى هتك الحرمة وقلّة الاحترام، وهذا ما تشمئزّ منه نفوس أهل البيت^ ولا يرتضونه أبداً.
في هذا المضمار يتحتّم علينا الالتفات إلى ثلاث مسائل، وهي:
الأولى: حملات التضليل العقائدي من قبل الأعداء، والثانية: الأخلاق السيّئة وهي من أعداء الداخل، والثالثة: عدم الاعتناء بالشؤون الداخليّة للمجلس.
تعدّ الوهابيّة وما تحوكه من مؤامرات تضليليّة وتزييف وافتراءات وتهم فارغة ومن سار على نهجها من أشدّ الأعداء، فمنذ ظهور هذه الفرقة وحتّى الآن يقفون في النقطة المقابلة للعزاء؛ معلنين حنقهم وحقدهم على المجالس ومراسم الزيارة، ولطالما تقوّلوا على ذلك بما يبعث على الفرقة وتشويه الحقائق.
فلا غرو أن يشنّ عدوّ من خارج المذهب الحرب على واحدة من مقدّساتنا ولا عجب في ذلك، ولكن ما هو مهمّ وضروري بالنسبة لنا هو الالتفات إلى مدى رسوخ شبهاتهم في أذهان الشباب، فهم ما انفكوا يثيرون الشبهات في جميع الأوقات وكلّما سنحت لهم الفرصة.
وهذا ما يحتّم علينا بذل الجهود الحثيثة في سبيل توعية شبابنا وتنميتهم فكريّاً، لا سيّما بعد ما وصل إليه العالم اليوم من تطوّر وتقدّم في عالم التواصل وبرامجه، وغزارة ما فيه من تحرّكات مظلّلة خلقها الأعداء. وأصدق وصف لما نقوم به في مثل هذه الظروف هو الدفاع عن كيان المجالس الدينيّة بكلّ قوّة.
هناك من يعيش في الوسط الشيعي أو قد اصطبغ بتلك الصبغة ـ كما يبدو ـ إلّا أنّه ونفاقاً منه يعمل على نشر شبهات الوهابيّة بين أوساطنا بأساليب خدّاعة ومفبركة، وحقّ أن يطلق على مثل هؤلاء أعداء الداخل، والذين يصعب جدّاً تحديدهم في بعض الأحيان.
فمثل هؤلاء يكونون على اطّلاع تامّ بمشكلات شبابنا وما تنطوي عليه نفوسهم، وهذا يمنحهم قدرة في تحديد طرق النفوذ إلى أفكارهم ومكنوناتهم؛ ليصل بهم الأمر إلى التشكيك بقدسيّة العزاء الحسيني وعظمته الناشئتين ـ في الحقيقة ـ من عظمة أهل البيت^، فيبادرون إلى تحميل سلوكيّات تفوح منها روائح السخريّة والاستهزاء على التعازي.
ولربّما وجدنا جماعة ممّن يدّعون الثقافة والوعي يرَون أنفسهم أعلى وأرفع شأناً من أن يشاركوا في تلك المجالس، وغير آبهين بما لها من نتائج وآثار إيجابيّة في حفظ الإسلام ومذهب أهل البيت^ من جهة، وغفلتهم من جهة أخرى كذلك عن كونها تمثّل مصدر الهداية للسواد الأعظم من المجتمع.
فمن المناسب جدّاً، بل من الضروري ترك التعامل مع نشاطاتهم من تزوير وتزييف بطريقة هجوميّة، وإنّما نسعى إلى بحثها علميّاً أو نناقشها مع رجالات العلم، ونوصد الباب بوجه استغلالهم الفرص لألقاء شبهاتهم دون أن يسمحوا لأحد بالإجابة عنها.
عدم الاعتناء بالشؤون الداخليّة للمجلس
بعد درء خطر حملات الأعداء من الخارج والمنافقين من الداخل والشعور بالاطمئنان تصل النوبة إلى التوجّه لمشاكل الأصدقاء التي تنشأ من أخطاء صغيرة أو كبيرة، وتكون متعمّدة أحياناً وغير متعمّدة أحياناً أخرى، ولكنّها إجمالاً تعدّ إساءة لمكانة المجلس وهيبته فيما لو ألقينا عليها نظرة من الخارج، أمّا بنظرة من الداخل فتعدّ هتكاً لحرمة المجلس وتشكيكاً بقدسيّته.
وأدناه نشير إلى بعض النماذج:
أ ـ إثارة الخلافات الشخصيّة
يجب أن يعلم الحضور والخَدَمَة أنّ قدسيّة المجلس أعلى وأرفع من أن يصبح محلاً لعرض ومناقشة المشاكل الخاصّة، مخافة أن يتحوّل المجلس إلى مسرح للتحاسد واستثارة الضغائن وإيغال الصدور وفكّ العقد، وفي هذا إزاحة للقلوب والأفكار عن حالة الحزن والاغتمام وذرف الدموع من ناحية، ويتحوّل المأتم ومجلس اللطم والبكاء على سيّد الشهداء× إلى معترك للخصومات الشخصيّة من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة يعدّ ذلك غاية عدم الاحترام للمجلس وصاحبه.
ب ـ سوء الأدب
مراعاة الأدب في المجلس وحفظ حرمة الآخرين وعدم تجاوز الحدود من الأسس التي تبتني عليها إقامة المجالس والمشاركة فيها، وتأتي بعدها في الدرجة الثانية مسألة تعلّم الأدب واحترام الآخرين إذ هي الأخرى من واجبات المجلس أيضاً.
ج ـ النصح الفوضوي
من الأسس الرئيسة في التشيّع صون اللسان والرفق في نصح الناس وإرشادهم، وعند بيان المعتقدات لهم لا بدّ أن نستعين بلغة جذّابة وعبارات محبّبة للنفوس.
إذ إنّ بعض النصائح اللاذعة والنواهي الحادّة لا يقف تأثيرها السلبي عند حدود عدم الاكتراث بالمعارف والأوامر الدينيّة وعدم الاعتقاد بها وحسب، وإنّما قد يتحوّل أحياناً إلى مدعاة للإعراض عن المجالس، وما كان هذا شأنه لا يخرج عن كونه ضرراً واضحاً بكلّ المقاييس.
د ـ الأساليب المنافية لوصايا أهل البيت^
يجب أن يكون المجلس بجميع أبعاده الفكريّة والعمليّة كما أراد منّا الأئمّة المعصومون^، ونحرص أن لا نتقدّم عليهم ولا نتأخّر عنهم خطوة واحدة، ونجسّد الصورة المثلى لطاعتهم، ولا نضيف من آرائنا ووجهات نظرنا شيئاً، وهذا ما نبّهنا عليه النبي الأكرم’ بقوله:
«فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلّموهم ولا تتقدّموهم ولا تخلّفوا عنهم، فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم، لا يزايلونه ولا يزايلهم»[68].
فولايتنا لأهل البيت^ وبراءتنا من أعدائهم يجب أن تتحقّقا فقط وفقط طبقاً لأوامرهم^؛ خشية أن يؤدّي ادّعاء المحبّة الزائدة لدى بعض إلى تفاقم الأمر وترك وصايا أهل البيت^ خلف أظهرهم، فحذّرنا النبي| من الضلالة والضياع والتشتّت فيما إذا تنصّلنا عن طاعة الأئمّة المعصومين^، حيث أمرنا بقوله:
«فتمسّكوا بهما لا تضلّوا، ولا تقدّموهم فتهلكوا، ولا تخلّفوا عنهم فتفرّقوا»[69].
هـ ـ عدم الدقّة في قراءة الزيارة والدعاء والمراثي
يجب أن نتوخّى الدقّة عند قراءتنا الأدعية والزيارة، ونأتي بعين العبارات التي حُفظت على مدى أربعة عشر قرناً، وعلينا أن نلتفت إلى أنّ زيادة جملة أو كلمة يعدّ تصرّفاً في كلام المعصوم× ونسبة ما لم يقله إليه ولو كانت الزيادة حرفاً، ومثل هذا لا يعدّ ذنباً فحسب، وإنّما يضع الإنسان في مواجهة خليفة الله سبحانه. ولا بدّ من إعمال الدقّة ذاتها في الأشعار التي تُقرأ لذرف الدموع، ولا يُغفل كذلك عن ضرورة الاطمئنان بصدور كلّ ما ينسب لآل النبي^ بأن يكون موثّقاً مسنداً أو لسان حال لأمر واقعي.
و ـ الإشكاليّة في أنحاء اللطم
مع ملاحظة «يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا»[70] يجب أن تكون مجالس عزاء أهل البيت^ وفرحهم تليق بشأنهم ومكانتهم، ما يعني ضرورة إقامة المجالس بالنحو الذي أمر به أهل البيت^، لا بالطريقة التي نحبّها ونرغب بها؛ مخافة أن تتسلّل إليها أنحاء لا تنسجم والموازين الشرعيّة، والأسوء من ذلك ما لو استفيد من الموسيقى والألحان الغنائيّة، والأكثر سوءاً ما لو قلّد فيها ما هو شائع بين أهل اللهو واللعب. كما يجب أن نعلم أنّها أحياناً قد تسري عن عمد أو غفلة من مجلس إلى آخر، ثمّ تشتهر قليلاً قليلاً حتّى يعتاد عليها الناس ويزول ما فيها من قبح، عندها سيحمل أوّل مروّج لها وزرها ووزر جميع من عمل بها، وتسوّد بها صحيفة أعماله.
عادة ما تتمّ تسمية الهيئات والمواكب الحسينيّة بأسماء لها ارتباط ما بآل محمّد^، وقد يقع الاختيار على أحد أسماء المعصومين^ كهيئة الحسين×، وقد يكون الاسم أحد الموضوعات المرتبطة بالحسين× مثل هيئة خيام الحسين×، كما قد تستبدل كلمة هيئة بكلمات أخرى ذات دلالة، مثل: محفل أو مجلس أو مجمع.
ويعود انتخاب كلّ اسم ـ في الحقيقة ـ إلى إبراز المحبّة لآل النبي^، وليس هناك فرق بين الأسماء المباركة للمعصومين^ وآلهم في هذا المجال.
وما يجب أن يلاحظ في عمليّة تنوّع التسمية هذه هو السعي لإحياء أسماء جميع أحبّاء النبي|، ونعبّر عن محبّتنا لهم وتعظيمنا لشأنهم وقدسيّتهم بعبارات أدبيّة محبوكة بإتقان. ومن المناسب هنا التنبيه إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار قدسيّة الهيئات وشأن أصحابها الأطهار^ في عمليّة اختيار العبارات واللافتات وحتّى في ضرب ختم الهيئة أو الموكب.
ومن دواعي توخّي الدقّة في الاختيار مخافة أن يؤدّي تقليد اسم هيئة ما إلى النزاع والفرقة؛ لأنّ كلّ هيئة تمثّل عضواً من هيئات ومواكب العزاء في العالم، ويجب على الجميع رعاية حقوق بعضهم بعضاً على أنّ كلّ هيئة بمثابة فرد من أفراد العائلة الكبيرة المتمثّلة بالهيئات والمواكب الحسينيّة. وحتّى تلك الهيئات غير المعروفة اسماً ورسماً المستمرّة بنشاطاتها وبرامجها تعدّ هي الأخرى من الأبناء الخدومين في هذه العائلة المقدّسة. ومن الجيّد أن نمرّ على ذكر مجموعة من أسماء الهيئات التي اختيرت بمحبّة وشوق بالغين، ونتّخذها قدوة في استخراج أسماء للهيئات والمواكب وتخصيصها بها، ومن تلك الأسماء:
هناك من يختار عنواناً كلّيّاً، مثل: «الأربعة عشر معصوماً»، و«أهل البيت^»، و«آل محمّد^»، ويطلقه على هيئته كـ(هيئة محبّي أهل البيت^)، وأحياناً تُستبدل كلمة (محبّي) بكلمات أخرى قريبة منها في المعنى، مثل: عُشّاق أو معزّي أهل البيت^ ونحوها.
ونجد هناك هيئات ومواكب قد تسمّت باسم أحد المعصومين^، وهناك من اختار اسم النبي|، من قبيل: الرسول الأكرم’، وخاتم الأنبياء|.
وطائفة أخرى نجدها قد اختارت لنفسها اسماً من أسماء أمير المؤمنين× الجميلة، مثل: حيدر الكرار، وأبا الحسن، وعلي بن أبي طالب، ووليد الكعبة. ومن الهيئات والمواكب من قد أبرزوا احتراماً خاصّاً لوالد أمير المؤمنين×، وأطلقوا اسمه على هيئاتهم ومواكبهم.
وتبرّكت بعض الهيئات بأسماء الزهراء‘النورانيّة، مثل: هيئة فاطمة الزهراء، والصدّيقة الشهيدة، وشفيعة يوم الجزاء، وريحانة النبي، وبنت الرسول. وجماعة انتخبوا اسم ابنها السقط ـ محسن ـ ليكون علماً لهيئاتهم ومواكبهم.
وبعض الهيئات اتّخذت من سبطي رسول الله’ اسماً لها، أي: الحسنين÷، والسبطين. ومنهم من اختار اسماً من أسماء الإمام الثاني× تيمّناً به، مثل: الإمام المجتبى، والإمام الحسن، والسبط الأكبر، وشبه الرسول، وكريم أهل البيت^، وغريب المدينة.
وأمّا التسمية الأكثر شيوعاً للهيئات والمواكب ما كان منها باسم القلب المكمد الذي أقرح مصابه جفون أهل البيت^، أي: قتيل العبرة الحسين الشهيد×، حيث استعانوا بأسمائه وألقابه×، بل وكلّ ما كان له ارتباط بكربلاء أيضاً، وكلٌّ منهم يسعى إلى إظهار المحبّة له وتقديس مقامه الشامخ. ومن تلك الأسماء: هيئة أبي عبد الله الحسين، وسيّد الشهداء، والمظلوم العطشان، وخامس أهل العبا، وثار الله. وهناك من اختار أسماء ذات دلالة على الخدمة لسيّد الشهداء×، مثل: خادم الحسين، وعشّاق ثار الله، وحسينيّون، ومصباح الهدى، وسفينة النجاة.
بعد ذلك يأتي الدور للأئمّة الأربعة^ المدفونين في البقيع، وهناك من يطلق على موكبه اسمهم جميعاً، مثل: محبّي أئمّة البقيع. وبعض انتخب اسم أحدهم، مثل: هيئة الإمام السجاد، وهيئة سيّد الساجدين، وهيئة زين العابدين، ومثل: هيئة الإمام الباقر، وهيئة باقر العلوم، ومثل: هيئة الإمام الصادق، وصادق آل محمّد.
وبعض قد اختار اسم الإمامين المدفونين في الكاظمية÷، فسمّى هيئته أو موكبه بالكاظمَين، ومنهم من سمّى موكبه بأحدهما÷، كهيئة موسى بن جعفر، وباب الحوائج، والإمام الكاظم، وأيضاً مثل: هيئة جواد الأئمّة، وابن الرضا، والإمام محمّد التقي.
وأُطلق على بعض الهيئات أسماء وألقاب الإمام الثامن×، مثل: هيئة علي بن موسى الرضا، وثامن الحجج، وغريب خراسان.
وهكذا الأمر بالنسبة للإمامين العاشر والحادي عشر÷، مثل: هيئة العسكريّين، وهيئة الإمام الهادي، والإمام علي النقي، وهيئة الإمام العسكري. وأمّا الإمام صاحب العصر والزمان# بقيّة الله الأعظم ـ أرواحنا فداه ـ فقد أُطلقت ألقابه على بعض الهيئات والمواكب، مثل: هيئة الإمام المنتظر، وبقيّة الله، وولي العصر، وصاحب الزمان، وهناك من أتى ببعض التعبيرات المرتبطة به#، مثل: المنتظرون للظهور، أو المنتظرون للفرج، ونحو ذلك.
أسماء المخدّرات من أهل البيت ^
بعد تبرّك الهيئات والمواكب بأسماء المعصومين الأربعة عشر^ يأتي في المرتبة التالية التيمّن بأسماء مخدّرات أهل البيت^ ونسائهم الزاكيات الطواهر، فمن أصحاب الهيئات من أطلق على هيئته اسم أمّ المؤمنين السيّدة خديجة الكبرى‘، وبعض انتقى اسم أمّ الزهراء‘ وزوجة الرسول’.
وانتخب آخرون اسم بطلة كربلاء زينب الكبرى‘، واستخدموا عناوين من قبيل: هيئة السيّدة زينب، وشريكة الحسين×، والحوراء زينب. وهناك من فضّل الانتساب لها فاختار اسم زينبيّون، كما زيّن اسم أمّ كلثوم ـ البنت الثانية للزهراء البتول‘ ـ أسماء بعض الهيئات والمواكب. كما انتخب آخرون الاسم الطاهر لفاطمة قم‘ ـ أخت الإمام الثامن× ـ فأطلقوا على هيئاتهم أسماء مشتقّة من ذلك، مثل: هيئة أخت الرضا، والسيّدة المعصومة، وكريمة أهل البيت^، وفاطمة المعصومة.
كما تيمّن بعض باسم طفلة الحسين× التي حضرت كربلاء وعانت الأسر ولكنّها لم تعد للمدينة، كمجمع معزّي السيّدة رقيّة، ودمعة رقيّة، وروضة رقيّة، ورقيّة بنت الحسين، وشهيدة خرابة الشام. وآخرون قد اختاروا اسم أختها السيّدة سكينة.
من الأسماء التي شاع وضعها للهيئات والمواكب أسماء شهداء كربلاء؛ إبرازاً للمحبة لهم، وقبل الجميع تتقدّم أسماء شهداء بني هاشم، بل وأطلق بعض هذا الاسم نفسه على هيئته أو موكبه، والاسم الآخر اللافت من بين شهداء كربلاء هو اسم قمر بين هاشم× وما تعلّق به، مثل: هيئة أبي الفضل العبّاس، وأبو فاضل، وقمر بني هاشم، وكاشف الكرب، وكفيل زينب، والسقّاء، وأبو القربة. وهكذا شاع أيضاً في تسمية الهيئات والمواكب الاسم المبارك لأمّ البنين‘. وهناك من أطلق على هيئته مسمّيات تعود لموضوعات ترتبط بأبي الفضل×، من قبيل: هيئة العلقمي، وهيئة كفّ العبّاس، وخيمة العبّاس، وراية العبّاس، ولواء العبّاس.
ويأتي كذلك اسم علي الأكبر× والذي عادة ما يختاره الشباب، وأحياناً يطلقون أسماء ذات دلالة على شبهه بالرسول الخاتم|.
وتزيّنت الكثير من المواكب والهيئات باسم عبد الله الرضيع وما دار حوله، نحو: رضيع الحسين، وهيئة الطفل الرضيع، وبعض يسمّيه: علي الأصغر ويطلق هذا الاسم على هيئته، كما قد نلحظ اسم أمّه الرباب على لافتة بعض المواكب أو الهيئات.
ولم تخلو أسماء المواكب والهيئات كذلك من أسماء ولدي الإمام الحسن المجتبى×، مثل: هيئة القاسم بن الحسن، وهيئة عبد الله بن الحسن.
تنسجم أذواق بعض أصحاب الهيئات والمواكب مع التسميات المفهوميّة، وقد اختار بعض المفاهيم الكلّيّة منها، مثل: دار البكاء، ودار العزاء، وهيئة الدموع.
وبعض آخر ذهب إلى المفاهيم التي يتداعى منها بعض الأحداث الخاصّة التي وقعت يوم كربلاء، من قبيل: هيئة المقتل، وهيئة الفرات، وهيئة المخيّم، وهيئة محرّم، وهيئة الأربعين. وهناك من اختار اسماً يدلّ على الأماكن التي وقعت فيها الأحداث، مثل: هيئة كربلاء، وهيئة نينوى، وهيئة غريب الطف، وهيئة التلّ الزينبي.
واحدة من المسائل المهمّة التي ينبغي رعايتها في الهيئات هي كيفيّة إنهاء المجلس، وهو أمر يجب الاهتمام به من قبل إدارة الجلسة ومن قبل المشاركين والحضور أيضاً.
بداية ينبغي على إدارة المجلس أن تراعي توقيت الجلسة، فلا تجعلها تمتدّ طويلاً بما يخرج عن المألوف ممّا يبعث على الإرهاق والكسل، ويصبح المجلس في معرض النقد والاعتراض، ولعلّ هناك من يمنعه الحياء من التفوّه ببعض العبارات الانتقاديّة إلّا أنّه قد يعبّر عن امتعاضه بعدم الحضور في الأيّام اللاحقة.
فالمهمّ تحقيق أهداف المجلس، وخلاصتها التقرّب إلى الله باسم أهل البيت^، فمن الضروري الحفاظ على الغاية والهدف المنشود واستمرار الرغبة في الحضور لدى الجميع، عبر رعاية قابليّة الجميع وقدرة تحمّلهم سواء من كان منهم شيخاً كبيراً أم طفلاً صغيراً، وسواء امرأة أم رجلاً.
يجب أن يعلم الجميع أنّ أعمال خَدَمَة المجلس لا تنتهي بنهاية المجلس، بل هناك أعمال أخرى تنتظرهم، تبدأ من لحظة انتهاء المجلس وخروج الحضور منه، ولعلّهم لا ينتهون منها حتّى وقت متأخّر جدّاً، وبناء عليه يتحتّم على الحضور المغادرة بعد انتهاء برامج الهيئة مباشرة؛ حتّى يشرع الأعضاء بالقيام بواجباتهم ليعدّوا المكان ويهيّئوه لليوم التالي، وبرعاية النقاط الست أدناه ستتّضح أهميّة هذه المسألة بشكل كبير:
أ ـ إنّ صاحب المجلس قد أرهق نفسه في سبيل إقامة المجلس، وهو بعد كلّ ذلك بحاجة للاستراحة، وهكذا الأمر بالنسبة لخدّام الحسينيّة والهيئة؛ حتّى يستعدّوا لليوم التالي.
ب ـ لعلّ أسرة صاحب المجلس تنتظر انتهاء المجلس حتّى تعود إلى حياتها الطبيعيّة وتشعر بالراحة.
ت ـ إنّ عوائل المشاركين في المجلس تنتظر عودتهم، وقد يصيبها القلق عند التأخّر في العودة، كما أنّ أعضاء الهيئة كذلك لا بدّ من رجوعهم مبكرين إلى بيوتهم.
ث ـ بما أنّ الهدف الرئيس من المجلس هو التوسّل بأهل بيت العصمة والطهارة^، وقد انتهى فما لحقه من الجلسات عادة ما تنجرّ إلى الغيبة وسوء الظن والقيل والقال، أو لا أقل سيتطرّق فيها إلى موضوعات لا فائدة منها بتاتاً، وبناء عليه ينبغي التفرّق قبل أن ينجرّ الحديث لمثل تلك المسائل.
ج ـ أحياناً قد تنجرّ الجلسات الإضافيّة إلى السهر والتأخّر في النوم، وبالتالي يؤدّي إلى فوات وقت صلاة الصبح.
ح ـ قد تتسبّب الجلسات الإضافيّة إلى التأخّر في النوم، وقد يؤدّي هذا بدوره إلى ترك الذهاب إلى العمل في الوقت المحدّد صبيحة اليوم التالي، الأمر الذي قد ينتج عنه مشاكل أخرى، من قبيل: الإخراج من العمل ونحوه.
كيف يجب أن يكون روّاد المجالس الحسينيّة؟
المبحث الأوّل: معتقدات الحسيني
المبحث الثاني: أحكام الحسيني
المبحث الثالث: أخلاق الحسيني
كيف يجب أن يكون روّاد المجالس الحسينيّة؟
يعدّ الاعتقاد العامل الأوحد الذي يُحرّك مجموعة ما للاجتماع والعمل في الهيئة سويّة، وهذا المعتقد المُلهِم هو محبّة أهل البيت^ وولايتهم والبراءة من أعدائهم ومقتهم، وبسببه ومن أجله اجتمعوا في ذلك المكان، حيث يُقيمون العزاء والاحتفالات، مبتغين من وراء ذلك ترسيخ وتأصيل هذه العقيدة الإلهيّة في أنفسهم وأرواحهم وقلوبهم.
وفي نظرة خاطفة نجد من المناسب القول: إنّ كلّ عالم التشيّع عبارة عن هيئة كبيرة، والتي يشكّل حضّارها محبّي أهل البيت^ بما فيهم خدمة المواكب والهيئات وجميع المشاركين فيها. وهذه الهيئة الكبرى تتقسّم إلى مجموعات صغيرة، تضمّ في حناياها صبغة الشيعة الاعتقاديّة، حيث تتجلّى بصورة جماعات صغيرة هنا وهناك في المدن والقرى، وفي المساجد والحسينيّات والسرادق، محتفظة بأسمائها.
وحاليّاً لزام علينا بيان الرؤى والمعتقدات التي يجب أن تسود أفكار المشاركين في المجالس، حتّى يكون أحرى بالمتصدّي لهذا الشأن أن يكمل أو يصلح سجلّه العقدي قبل كلّ شيء، بالنحو الذي علّمنا إيّاه أصحاب المجالس الحقيقيّين، وهم الأئمّة المعصومون^ وما يتأمّلوه منّا، وتبرز تلك الرؤى العقديّة في بعدين: فكري وعملي، وسنسلّط الضوء عليهما فيما يلي:
إنّ عزّتنا وجاهنا رهن بمكانة أهل البيت^، وتلك الأماكن التي أُطلق عليها اسم مجالس وهيئات ليس لها مالك غير أهل بيت الرسالة^، وهذا يعني أنّ الذين يدخلون تلك الأماكن إنّما يدخلونها بسبب العقيدة، تلك الأماكن التي يتفجّر ذكر الله تعالى من جوانبها، ولا يحقّ لأيّ فكرة على الضدّ من الصراط الإلهي المستقيم أن تدنو منه، ووفقاً لذلك فإنّ البناء الفكري والعقدي للهيئة ذو جوانب ينشأ من اجتماعها رسم ملامح تديّن أهل تلك الهيئة أو الموكب، وسنذكر هنا المعالم الفكريّة العامّة لأصحاب الهيئات والمواكب:
1ـ الحسيني يعتصم بسفينة النجاة
من بين صيحات وضوضاء المعتقدات التي تعالت في عصرنا المزدحم بالأفكار المتضاربة وجد الحسيني ضالّته بمعتقده الذي يمثّل سفينة النجاة، وما وضع قدميه في المجلس إلّا بهذه النيّة، فقال الرسول الأكرم|:
«إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق»[71].
فمتى ما شعر الحسيني بوجوده في سفينة النجاة فإنّه سوف لن يخالف مبتغاه أبداً، إذ ليس من المعقول أن يؤذي الإنسان من أحسن إليه وأنقذه من الغرق والهلاك.
وإلامَ يلجأ الحسيني في آخر الزمان وقد أطبقت عليه الفتن التي فاقت كثرتها عدد حبّات رمل الصحاري وقطر المطر؟! وإلى أين يكون مفرّه إلّا إلى محمّد| وآله^، وبذلك يكون قد وقف على باب من تلكم الأبواب التي لم ولن يصدر منها خطأ أبداً، ويعد ّ من متّبعي الأئمّة المعصومين^، ويسعى ويجدّ في سبيلهم.
يجدر بنا الإشارة هنا بشكل مختصر إلى ما حدث قبل ما يقرب من ثمانين سنة، حتّى يكشف لنا أهميّة التمسّك بأهل البيت^ والوقوف على بابهم والتوسّل بهم، وذلك لمّا سافر سادن الروضة الحسينيّة إلى الهند، وحلّ ضيفاً في منزل أحد العلماء الكبار هناك والمسمّى: سيّد فرزند علي، وفي يوم ما أقبل رجل هندوسي إلى السيّد وقال له: حدثت لي مشكلة وسمعت أنّك تستطيع مساعدتي.
فسأله السيّد: وما هي مشكلتك؟ قال: أنا متّهم بالقتل العمد ولم أستطع إثبات براءتي، بالرغم من أنّني قد وكّلت محامياً خبيراً من إنكلترا، وقد دفعت له 25 ألف روبية حتّى الآن، ولكنّه في النتيجة لم يستطع إثبات براءتي، والآن مُنحت فرصة أخيرة لمدّة أسبوع، فإن لم أستطع إثبات براءتي فعليّ أن أهيّء نفسي لخشبة الإعدام، أنا إنسان متموّل، ولديّ كامل الاستعداد بأن أهديك نصف ثروتي في مقابل فضلك هذا.
بعدما سمع السيّد كلمات الرجل الهندوسي قال: ما سمعته صحيح، نحن عندنا هكذا سيّد، ولكن يجب عليك أن تذهب أنت إليه، فردّ الرجل الهندوسي متعجّباً: وكيف لي أن أتشرّف بلقائه؟! قال السيّد: إذا انتصف الليل ارتد ملابس طاهرة، واذهب إلى مقبرة الشيعة، وأقبل نحو ذلك السيّد الشريف هناك وناده: (يا بن الحسن، يا بن الحسن)، واستمر في ندائه حتّى يأتيك، وإن حضر قدّم له شكوتك، حينها ستحلّ مشكلتك.
بعد أسبوع جاء ذلك الرجل الهندوسي والفرحة تغمره ممتنّاً مبرزاً لشكره الوافر للسيّد، قائلاً له: لقد حُلّت المشكلة، وقال وقتها:
ذهبت منتصف الليل ـ بعدما ارتديت ملابس نظيفة ـ إلى مقبرة الشيعة، وأخذت أصيح وأصرخ مضطرّاً (يا بن الحسن يا بن الحسن) لخمس ساعات تقريباً، وأخذ الفجر يسفر قليلاً قليلاً، وبدأ الشعور باليأس والإحباط يتملّكني، قلت لنفسي: «لعلّ صوتي لم يصل إلى مسامع السيّد، لعلّني لم أكن موفّقاً في إلفات نظر السيّد إليّ»، وبينما أنا غارق في تلك الأفكار المحبطة فجأة أبصرت عيناي نوراً، وتراءى لي راكب وسط ذلك النور، وصار يقترب منّي لحظة بعد لحظة، لم أكن أرى وجهه، كانت شدّة النور تمنعني من النظر إليه، وحتّى حصانه كان كلّه نوراً أيضاً، ولم يكن بمقدوري سوى النظر إلى حوافره.
عندما وصل إليّ ناداني باسمي، وقال: «ما تريد منّي؟» قلت: سيّدي أنا لا أعرفك، قال: «أنا من كنت تناديه لخمس ساعات»، فقلت له حينها: إن كنت أنت ذلك السيّد واقعاً فإنّك تعلم مشكلتي حتماً، وفهمت من النور المنبثق من ذلك النور أنّه قد ابتسم، عندها قال: «قد حُلّت مشكلتك، قدّم نفسك يوم الاثنين للمحكمة دون أدنى خوف، لقد وقّعنا حكم براءتك، خذ الحكم واخرج».
ثمّ لمّا أراد الذهاب قلت: سيّدي لديّ سؤال، قال: قل، سألته: لماذا يعيش الشيعة في الهند بهذا المستوى من العسر والفقر وأنت تمتلك كلّ هذه القدرة؟! أجاب إجابة جازمة: «متى طرقوا بابنا مثلك ولم يسمعوا منّا جواباً؟!»[72].
2ـ الحسيني خادم للإمام الحسين ×
الإنسان المفعم بالحماسة الحسينيّة يستضيء بنور الحسين× الذي لا يطفأ أبداً، فهو يخاطبه في زيارته: «عبدك وابن عبدك وابن أمتك»، فمتى ما عاش هذا المعنى واختلج في نفسه وفكره فإنّه سيشكّل عنده نقطة انبعاث للسعي في سبيل عدم الحرمان من تنشّق عطر سادته الكرام والاصطباغ بصبغتهم، ويكون زيناً لهم لا شيناً عليهم.
منذ نعومة أظفارنا ونحن نقف على باب أهل البيت^ وكبرنا على ذلك، وأمّهاتنا قد سقتنا وأروتنا اسم الإمام الحسين× مع اللبن، فمنذ البداية ونحن خدّام لهذا البيت، وأمضينا شبابنا على أبوابهم، على أمل أن يأتي ذلك اليوم الذي ندخل مجلسهم حاملين على رؤوسنا تاج الخدمة لهم، فكيف بمن نشأ على هذه الحال أن يغفل عن ذلك ولو للحظة، ولا يسعى لنيل رضاهم؟!
فتلك الأفكار تأخذ بلبّ الخادم وتقوده نحو مكان الخدمة فيلجه بقلب واثق مطمئن، لا سيّما وأنّه قد ضحّى بالغالي والنفيس، وأفنى عمره في تلك الخدمة، ويمكن لنا أن نعرب عن هذا النمط من التفكير بالتمثيل التالي:
إنّ أولئك الذين قضوا أعمارهم في خدمة أهل البيت^ يماثلون (جون) الذي قضى عمره في خدمة أبي عبد الله× حتّى جاء اليوم الذي أُريق دمه في سبيل مولاه×.
فشيوخ الخدمة هم من خدم منذ نعومة أظفاره في بيت المولى، وقد أطاع وامتثل دون اعتراض أو كسل، وهو المنفّذ لأوامر أبي عبد الله الحسين× والعامل بنصائحه وإرشاداته، وأخيراً: إنّ الخدمة المديدة تعني بذل الوسع لذرف الدموع أكثر وأكثر.
فشيخ الخدمة قد ابيضّ شعره في محبّة مولاه أبي عبد الله الحسين× وحرقة على مصيبته، والهرم في الخدمة يعني التفجّع على مولاه المخضّب بالدماء، والهيام في ذكر مولاه في جميع الأوقات بقلب مكمد، إنّ الخادم هو ناعي كربلاء.
شيخ الخدمة هو ذلك الأب الذي قضى عمره منيراً لبيته كلّ يوم بنداء «السلام عليك يا أبا عبد الله»، وهو النموذج والقدوة لشباب الهيئة والموكب. فهرم الإنسان في خدمة المولى أبي عبد الله× معناه الاعتدال والوسطيّة ومداراة الناس، والتديّن؛ إذ إنّه لطاما أوصل الليل بالصباح منادياً: يا أبا عبد الله، يا بن الزهراء.
نعم، الشيخوخة في الخدمة تعني أن يقضي الإنسان عمره، أيّامه ولياليه، وعلى مدى سنوات طويلة إلى جوار إبريق الشاي في مجلس عزاء سيّد الشهداء×، يعدّ ويهيّئ الشاي، ومن ثمّ يحمل الأكواب في الصينيّة ويطوف بها على المعزّين ترحاباً بهم، كما تعني الطبخ وقضاء العمر إلى جوار القدور التي تتّقد النار تحتها، وكما يلفح لهيبها وجهه هكذا النار المستعرة في صدره على مولاه، وتعني قضاء عمره في أمانات الأحذية يمسحها ويلمّعها متمنّياً من وراء ذلك كلّه أن يأتي يوم ويرى فيه إمامه صاحب العصر#.
والهرم في الخدمة لا يقف معناه عند ما ذكرناه وإنّما يعني الرجولة والنبل والوقوف عند باب المجلس ليرحّب بجموع المعزّين مرتدياً شالاً وملابس سوداء، لا يفتّ بعضده برد الشتاء ولا حرّ الصيف متحمّلاً آلام الظهر والقدمين، يحثّ عبر ذلك الشباب ويشدّ همّتهم لخدمة أهل البيت^.
وفي النتيجة يعني أنّه نذر حياته كلّها للإمام الحسين×، وأنّه سيبقى طوال عمره وحتّى لحظاته الأخيرة، وفكره وذكره نيل رضا مولاه أبي عبد الله الحسين×، ويغمر قلبه الأمل بقدوم صاحب الزمان# ليكون فداء لتراب مقدمه، وينال بذلك شرف الجلوس بحضرته.
الحسيني يسعى إلى إصلاح ما بينه وبين ربّه، فعليه أن يظهر الارتباط بالله سبحانه خلال تواجده وهو متّشح بالسواد متردّداً على مجلس عزاء أهل البيت^ وخصوصاً سيّد الشهداء×. وهذا ما يفرض علينا مراقبة تصرّفاتنا وذهابنا ومجيئنا وعاداتنا في الأكل والتحدّث، ولا يصدر منّا ما يعدّ انتهاكاً لحرمة هذا المكان المقدّس، أو ما يتّخذ ذريعة بيد المهرّجين.
قال أمير المؤمنين×:
«من أصلح فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ أصلح الله تبارك وتعالى فيما بينه وبين الناس»[73].
فالحسيني يُنسب إلى مكان يتمّ فيه تعليم المعارف الدينيّة وعلوم أهل البيت^، وهذا لا يتأتّى منه معنى غير الصراط الإلهي المستقيم، فهو يتردّد بين منازل وخيام أهل البيت^ في الأرض، حاملاً رايتهم بيده وعلمهم على كاهله، تلك البيوت التي يتنزّل فيها النور الإلهي. إذاً وقبل كلّ شيء لابدّ من إحياء ذكر ربّ العالمين في فكر الفرد الحسيني.
فالحسيني يسعى للاقتداء بسلمان وأبي ذر وقنبر، باعتباره قد وضع حبل العبوديّة لمن أوجب الله طاعتهم في رقبته، فهو يرى نفسه عبداً للمعصومين^، وفي عداد المنسوبين لأئمّة الهدى^ محالّ التقى والإخلاص والنور. وبالطبع فإنّ ذكر الله تعالى يُعلم من مدى امتثال أوامره، حيث يرى الحسيني أنّ الله تعالى ناظر إليه دائماً، وهو في محضره لا يغيب عنه لحظة واحدة، قال رسول الله|:
«من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن»[74].
4ـ الحسيني شاكر للخالق والمخلوق
إنّ الحسيني قد حطّ رحل إقامته عند باب بيت أهله، الذين قد عانوا الأمرّين وتحمّلوا الكثير من الصعاب في سبيل الله، وكانوا مع تقلّب تلك الأحوال شاكرين لله سبحانه. فيلزم على الحسيني أن يكون كذلك أيضاً شاكراً لله سبحانه راض بما أعطاه وبما لم يعطه.
فبما أنّ الحسيني تعبير آخر عن كونه مصداقاً لتلميذ أهل البيت^، وجب عليه أن يؤمن بهذا الأمر ويعمل به في حياته أكثر من غيره، معتبراً بمولاه الإمام الحسين× الذي كان يلهج لسانه أثناء لحظاته الأخيرة: «إلهي رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك». فيجب أن يعلم أنّ عطايا الله نِعَم وفي عدمها حكمة، فهو مشمول برحمة الله في كلا الصورتين، وهذه قاعدة قرآنيّة وأصل من أصوله التي شيّدها الحقّ، حيث قال:
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[75].
وبعد شكر الخالق يأتي الدور لشكر المخلوق، بأن نقدّر جهود وأتعاب الآخرين، ولا نبخسهم أدنى عمل يقومون به لأجلنا، فقد قال الرسول الأكرم|:
«... فيقول الله: أي عبدي، إنّي أنعمت عليك فلم تشكر نعمتي، فيقول: أي ربّ، أنعمت عليّ بكذا فشكرتك بكذا، وأنعمت عليّ بكذا وشكرتك بكذا، فلا يزال يحصي النعم ويعدّد الشكر، فيقول الله تعالى: صدقت عبدي، إلّا أنّك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه، وإنّي قد آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتّى يشكر سائقها من خلقي إليه»[76].
فمن النعم الكبيرة التي تستحقّ شكراً خاصّاً من قبل الإنسان طهارة المولد والحياة الطيّبة، وقد قال الإمام الباقر× بهذا الخصوص: «من أصبح يجد برد حبّنا على قلبه فليحمد الله على بادئ النعم، قيل: وما بادئ النعم؟ قال: طيب المولد»[77].
الحسيني هو الإنسان التائب والمبادر للتوبة كلّما صدر منه ما يخالف أمر الله سبحانه ووصايا المعصومين^، فيسبق ندمه كفّارة ذنبه الذي ارتكبه، ويتضرّع نادماً في ساحة القدس الإلهي، مستذكراً كلام مولاه أمير المؤمنين× حين قال: «ما من الشيعة عبد يقارف أمراً نهينا عنه فيموت حتّى يبتلي ببليّة تمحّص بها ذنوبه إمّا في ماله، وإمّا في ولده، وإمّا في نفسه حتّى يلقى الله وما له ذنب، وإنّه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدّد به عليه عند موته»[78]، وهكذا قال×: «التوبة تستنزل الرحمة»[79].
دئماً ما يعتصر قلب الحسيني حرقة وشفقة على مذهب أهل البيت^، مبدياً استعداده للدفاع عن سبيل الله سبحانه وفي سبيله، مخافة أن يصير عرضة لابتداع مبتدع بقلمه أو لسانه، أو يجرأ على النيل من حرمة مقدّساته.
فالحسيني لشدّة تحرّقه هذه على دين الله تعالى صار من حملة لواء الهداية البارزين، فهو يراقب تصرّفاته ليرفع نقاط ضعفه؛ وذلك لعلمه بأنّ الشيطان يتربّص به حتّى يستغلّ ضعفه وهفواته فيغدو فريسة له، وهذا ما يفرض على الحسيني مواجهة تلك الرذائل، ومن ثمّ يستبدلها بالفضائل والملكات الحميدة.
7ـ الحسيني متعطّش لعلوم أهل البيت ^
تنشأ العلاقة بالمجلس والهيئة من المعرفة بأهل البيت^، حيث يسعى الحسيني لزيادة معرفته على الدوام، ولا يرتوي ببلوغ أيّ درجة نالها، إذ ما زال السبيل معبّداً للرقي والتطوّر والقرب من الله تعالى أكثر فأكثر، وفي هذا المقام نستذكر قول الإمام الصادق×:
«لست أحبّ أن أرى الشباب منكم إلّا غادياً في حالين: إمّا عالماً أو متعلّماً، فإن لم يفعل فرّط، وإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثِم...»[80].
وعلى هذا يجب القول: إنّ الحسيني يحرص على تعلّم أحكام الدين والقرآن ومعارف أهل البيت^؛ ليصبح في مأمن من الوساوس والهواجس أوّلاً، وثانياً يجد ضالّته وشفاء قلبه واطمئنان نفسه في ذلك، حيث يقول أمير المؤمنين×:
«ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووساوس الريب»[81].
وبغضّ النظر عن أثر الاستماع للخطب والمحاضرات في رفع المحصّلة العلميّة يستطيع الحسيني اتّباع أسهل الطرق من أجل تحقيق ذلك وهو مطالعة الكتب المفيدة، حيث يمكنه حملها والانتفاع بها في شتّى الظروف، فقد قال الإمام الصادق×:
«يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم»[82].
فيلزم على الإنسان الحسيني أن لا يفارق المطالعة حول حياة أهل البيت^ والمسائل الشرعيّة طوال السنة، ومتى ما واجهته معضلة ما لجأ إلى أهلها طلباً للإجابة. وما أحسن أن نصطحب معنا قلماً وورقة لنكتب خلاصة المحاضرة، أو ـ لا أقل ـ النقاط المهمّة فيها حديثيّاً أو تاريخيّاً، وندوّن القصص الجديدة التي لم تطرق سمعنا.
التوكّل على الله سبحانه والاعتماد عليه والثقة به من الأمور التي ينبغي أن يتدرّب عليها الخادم الحسيني، ويصبح أمله ورجاه بالله القادر المتعال في أمور حياته المختلفة بعيداً عن ظواهر هذه الدنيا وبهرجتها الخدّاعة، فيشعر بالاطمئنان القلبي عند القيام بأعمال المجلس وتوفير احتياجاته، إذ إنّ ما يقوم به لله وفي سبيل الله ، فقد قال أمير المؤمنين×:
«التوكّل على الله نجاةٌ من كلّ سوء، وحرزٌ من كلّ عدوّ»[83].
9ـ الحسيني متعقّل وطالب للحقيقة
إنّ الطريق الصحيح للحياة يعبّد بتفعيل العقل ـ أكبر جوهرة وهبها الله سبحانه للإنسان ـ ونكون دائماً باحثين عن الحقيقة، فأمير المؤمنين× بيّن ذلك بقوله:
«الحقّ لا يعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله»[84].
فممّا لا شكّ فيه أنّ التديّن والعمل على بلوغ الكمال المطلوب من اللوازم العقلائيّة للتفكّر، وهذا ما جاء في كلام أمير المؤمنين×، حيث قال:
«العاقل يطلب الكمال»[85].
وهكذا قال×:
«هبط جبرئيل على آدم× فقال: يا آدم، إنّي أُمرت أن أُخيّرك واحدة من ثلاث، فاخترها ودع اثنتين، فقال له آدم: يا جبرئيل، وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم: إنّي قد اخترت العقل، فقال جبرئيل للحياء والدين: انصرفا ودعاه، فقالا: يا جبرئيل، إنّا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما وعرج»[86].
ومن أبرز مصاديق وعلامات إعمال العقل وإثارة دفائنهاستفادة الإنسان من تجارب الآخرين في القادم من عمره، قال أمير المؤمنين×:
«العقلُ حفظ التجارب، وخيرُ ما جرّبت ما وعظك»[87].
كما يعدّ أيضاً عدم تكرار الأخطاء السابقة من علامات العقل، وفي ذلك قال أمير المؤمنين×: «من عقل اعتبر بأمسه واستظهر لنفسه»[88].
بناء على ما تقدّم ذكره في البعد الفكري لمعتقدات الفرد الحسيني، جاء الدور لبيان التصرّفات والسلوكيّات التي من الضروري اتّصاف سلوك الحسيني بها، إذ هي بمثابة تجلٍّ لتلك الرؤية الكونيّة وذلك النمط من التفكير، ونأتي هنا على ذكر مجموعة من تلك التصرّفات أدناه:
1ـ الحسيني داعية لأمر أهل البيت ^
يُفترض بالحسيني أن يكون النموذج الأمثل في تطبيق جميع ما صدر من أهل البيت^ من وصايا وإرشادات، ويصبح قدوة للآخرين؛ لأنّه يعمل في أعظم مؤسّسة، ويجب أن يكون سلوكه ونزعته سلوك من يدعو للدين الإسلامي المبين ومن يروم إحياء أمر الأئمّة الأطهار^.
فيشمّر عن ساعديه للدفاع عن أمر أهل البيت^ بما تعلّمه من مجالس العزاء لسنين طويلة بعمله وسلوكه وقوله، ويتحوّل إلى داعية ومروّج للدين والولاية؛ يتحيّن الفرص لتذكير الآخرين بما أدركه وفهمه في المواطن المختلفة، ولا يُستثنى من ذلك حتّى الأطفال، حيث يقول الإمام الصادق×:
«علّموا صبيانكم من علمنا»[89].
إذاً يجدر بنا القول: إنّ الحسيني تلميذ في مدرسة الأئمّة^، عارف بسيرتهم^، طيّب الذكر عند الله ورسوله وأهل بيته^، مريد لهم، مضحّ في سبيلهم، فدائي لهم، قد شُغف وأُغرم بالله ورسوله وأهل البيت^، جندي يقف على أهبة الاستعداد للخدمة دفاعاً عن الدين والولاية.
إنّ الطاعة المحضة لموالينا أهل البيت^ هو الشعار الرئيس لديننا ومذهبنا، وعلى الحسيني أن يكون مطيعاً لأوامر مواليه، متجنّباً ما نهوا عنه، فلا يرى لنفسه استقلاليّة في الرأي ووجهات النظر، بحيث لا يضع قدمه في موضع، ولا يخطو خطوة في أموره الحياتيّة إلّا على أساس أحكام الدين ومعارفه.
ما يُتوقّع من الحسيني هو أن يكون مالكاً لدموعه مختاراً مسلّطاً عليها، ومن خلال التربية الصحيحة يتمكّن من ذرفها على مصائب أهل البيت^، إذ نقرأ في الدعاء: «اللهم إنّي أعوذ بك من عين لا تدمع»[90].
وإذا ما رجعنا إلى ما أُسّست عليه الهيئة واتّخذته هدفاً لها ـ وهو مشاركة أهل البيت^ بأفراحهم وأحزانهم بحسب المناسبات ـ فإنّنا سنخرج بنتيجة مفادها عظم حجم ومقدار الدموع المتوقّع أن تذرف عليهم صلوات الله وسلامه عليهم في المجلس من قبل الجميع، وخصوصاً أهل المجلس وخدّامه، وهذا أبو ذر يقول:
«إنّكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكّان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم ـ والله ـ حتّى تزهق أنفسكم»[91].
ويقول الإمام الرضا× لابن شبيب:
«إن بكيت على الحسين× حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً»[92].
ويقول الإمام الصادق×:
«على مثل الحسين× تُلطم الخدود وتُشقّ الجيوب»[93].
جاء الدور الآن إلى بيان ما يؤدّي إلى قساوة القلب وحبس الدمع؛ ليبتعد عنه الخادم الحسيني ويُحذّر منه؛ حتّى تتهيّأ الأرضيّة المناسبة لذرف الدموع، أدناه نأتي على ذكر مجموعة من تلك العوامل التي تبعث على القساوة وتتسبّب بها، وهي:
1ـ كثرة الكلام في غير ذكر الله.
2ـ كثرة الذنوب.
3ـ طول الأمل.
4ـ الاستماع للموسيقى.
5ـ طلب الصيد.
6ـ النظر إلى البخيل.
7ـ كثرة المال.
8ـ إهالة التراب على الميّت من ذوي الأرحام.
9ـ ترك العبادة.
10ـ مجالسة الضالّين عن الإيمان والمتعدّين على الأحكام.
11ـ مجالسة الأنذال والفجرة.
12ـ الضحك الكثير.
13ـ النظر للأجنبيّة.
14ـ الحسد.
15ـ الطمع والحرص على الدنيا.
16ـ التهاون في الصلاة.
17ـ إساءة الأدب مع الوالدين.
18ـ كثرة الأكل.
19ـ النظر إلى ما في أيدي الناس.
20ـ اليمين الكاذبة.
21ـ الألفاظ النابية
22ـ عدم المبالاة بالطهارة والنجاسة.
23ـ مجالسة أهل الدنيا.
24ـ عدم الاكتراث بحلّيّة الطعام وحرمته.
25ـ الإسراف.
26ـ البخل.
27ـ الخيانة في الأمانة.
28ـ عدم أداء حقّ المظلوم.
29ـ الإعانة على الظلم.
30ـ التوق لزخارف الدنيا والتعلّق بها.
31ـ النفاق والمكر.
32ـ سوء الأخلاق.
33ـ العنف والصرامة في التعامل مع الزوجة والأولاد ومن تحت اليد.
34ـ عدم الاهتمام بالحيوانات المدجنة.
35ـ إهدار الماء.
36ـ حسن الأخلاق مع أهل المعاصي.
37ـ عدم الاهتمام بمسجد المحلّة.
وفي المقابل هناك ما يجلي القلب ويرفع عنه القساوة، ويجعل صاحبه مؤهّلاً للعِبرَة والعَبرة، وجاء ذكره في كلمات أهل البيت^، وهو:
1ـ ذكر الموت.
2ـ قراءة القرآن.
3ـ الاستغفار.
4ـ الإكثار من التفكّر والبكاء من خشية الله.
5ـ الاستماع للموعظة والعمل بها.
6ـ مجالسة العلماء.
7ـ معاشرة ذوي الفضائل.
8ـ إطعام المساكين.
9ـ المسح على رؤوس الأيتام.
10ـ ذكر الله.
11ـ خدمة محبّي أهل البيت^.
12ـ خدمة مدرسة أهل البيت^.
13ـ تصبّب العرق في طاعة الله وأهل البيت^.
14ـ خدمة زوّار الأئمّة الأطهار^، ولا سيّما أبي عبد الله الحسين×.
15ـ كثرة الصلوات على محمّد وآل محمّد.
16ـ قلّة الأكل أو بمقدار معيّن.
17ـ القناعة والرضا بما قدّر الله سبحانه.
18ـ ذكر فضائل ومناقب أهل البيت^ ومصائبهم.
ويجب أن نعلم أنّنا كلّما اشتدّت علاقتنا ومعرفتنا ومحبّتنا للأئمّة^ وتعمّقت ازدادت دموعنا التي نذرفها في ولاداتهم سعادة، وأيّام شهاداتهم حزناً وحسرة، وكانت أغزر معنى وأرفع قيمة.
المبحث الثاني
ويدور الحديث هنا حول رعاية الأوامر الإلهيّة التي يُعبّر عنها عادة بالفقه، حيث سنشرع بداية ببيان الروحيّة التي يُفترض هيمنتها على شخصيّة الفرد الحسيني المتديّن والملتزم بأحكام الله، ثمّ نردفها ببيان معالمها الظاهريّة التي تمثّل تجسيد التديّن العملي بالنسبة له.
1ـ البعد الفكري للأحكام الشرعيّة
يجب أن يرى الحسيني أنّ في رعاية أحكام الدين والقوانين الإلهيّة المتعلّقة بالفرد والمجتمع وصونها تمام مصلحته، دون أن يجد في ذلك أدنى شكّ. وهذا ما يفرض عليه الشعور بالمسؤوليّة تجاه فقه آل محمّد^، والعمل دون أيّ تقصير في ذلك، وحاليّاً نأتي على ذكر موقفين مهمّين للتمسّك بالأوامر والإرشادات الإلهيّة:
يجب أن يصبح الأداء الدقيق للواجبات التي تشكّل فروع الدين العشرة والإتيان بها في الوقت المحدّد لها من الالتزامات الدينيّة للفرد الحسيني، سواء أكانت من الأعمال العباديّة كالصلاة والصوم والحج، أم من الحقوق الماليّة كالخمس والزكاة، أو أنّها من الواجبات الاجتماعيّة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الواجبات العقديّة كالتولّي والتبرّي.
وينشأ هذا الالتزام والتقيّد من المنطلق الديني والعقدي له واطمئنانه التامّ بالله} بحيث لا يمكنه أبداً عدم الاكتراث بذلك، انطلاقاً من اعتقاده بضرورة امتثال جميع أوامر الباري تعالى؛ لأنّه يوماً ما سيقف للمساءلة أمام ميزان العدل الإلهي.
يجب أن تكون التقوى والخوف من الله هما المهيمنان والحاكمان على قلب الحسيني، بحيث يمتنع عن المحرّمات الإلهيّة، ما كان منها يتعلّق بالأمور الشخصيّة أو الاجتماعيّة، فيرى ما نهى الله عنه كأنّه سمّ زعاف، ونتيجة ارتشاف مقدار منه ليست سوى الهلاك في الدنيا والآخرة.
وتشرع هذه المراقبة من المأكل والمشرب، ويرقى إلى المعاملات والبيع والشراء، والابتعاد عن جميع المحرّمات المتعلّقة بأعضاء بدن الإنسان واحدة واحدة، وفي جميع الأمور الحياتيّة للبشر، إذ الغفلة ولو لحظة واحدة عن النواهي الإلهيّة ستفتح أبواب جهنّم، فكيف سيكون الحال مع تكرار الذنب حتّى زال قبحه وصار الإنسان لا يشعر بالخجل حين ارتكابه.
إذاً وقبل أن يبلغ الأمر هذا الحدّ يجب أن نزرع في وجودنا روح المخافة من الله سبحانه، ونعمل على حفظ هذه الحالة وتقويتها وتعزيزها في نفوسنا.
2ـ البعد العملي للأحكام الشرعيّة
يصل الدور بالحسيني الذي يمتلك إقبالاً ونشاطاً ونفساً توّاقة لطاعة الأوامر الإلهيّة إلى الالتزام العملي بها وتطبيقها، وهنا يأتي السؤال: عن أيّ الأبعاد يجب أن يركّز عليها عمليّاً حتّى تشتدّ الصبغة الإلهيّة في نفسه، ويصبح قدوة للآخرين بذلك؟ وحول هذا نذكر بعض النماذج:
الصلاة ـ هذه المفردة الجميلة التي أُطلق عليها ركن الدين ـ تمثّل في واقعها مظهر ولوحة التديّن والعلاقة بالله سبحانه، وهذا ما يحتّم على الحسيني أن يأتي بها كاملة بأتمّ وأصحّ صورة، ويتلافى ما فاته، ويصبح ذلك جزءاً من حياته اليوميّة، إذ تُؤدّى في كلّ يوم، وليست مرّة واحدة، وإنّما خمس مرّات في اليوم.
وقبل كلّ شيء يجب على الحسيني أن يولي اهتماماً بالغاً بكيفيّة أدائها وشروط صحّتها، ولا سيّما شرط حضور قلبه فيها؛ حتّى يشيّد عمود دينه بأقوى وأمتن ما يمكن.
ثمّ التقيّد والالتزام بأدائها في أوّل الوقت؛ ليعرب عن عبوديّته الواقعيّة لربّه الكريم، فقد قال الإمام الصادق×:
«أوّل الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله، والعفو لا يكون إلّا من ذنب»[94].
ويكشف لنا هذا الحديث عن اتّصاف تأخير الصلاة بالقصور والنقص في أداء التكليف بحيث يحتاج للعفو من قبل الله سبحانه.
ونقطة مهمّة أخرى يجب عدم الغفلة عنها، وهي عدم الاكتفاء بالمقدار الواجب من الصلاة، إذ من الضروري أن يضع الحسيني ضمن اهتماماته والتزاماته تعقيبات الصلوات اليوميّة والصلوات المستحبّة أيضاً، فلا يُترك تسبيح الزهراء‘ بعد الصلوات الواجبة، لما فيه من مضاعفة الثواب آلاف المرّات، إضافة إلى الأدعية والأذكار التي رويت عن أئمّتنا المعصومين^ لتُقرأ كتعقيبات للصلوات، فيجب أن يواظب عليها هي الأخرى بعد الصلاة قدر الإمكان، وبخصوص أهميّة تسبيح الزهراء‘ ورد عن الإمام الصادق× قوله:
«إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة‘ كما نأمرهم بالصلاة، فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقى»[95].
ومن النقاط المهمّة الأخرى التي يفترض بأصحاب الهيئات الاهتمام والعمل بها أداء الصلوات الفائتة أو التي وقع فيها خلل؛ حتّى يتلافوا ما مضى ويُقبلوا على الله سبحانه بوجوه وصحائف بيضاء، كما لو يقضوا كلّ يوم مقداراً من صلواتهم الفائتة، ولا ينسوا ما فاتهم من الصوم كذلك حتّى يقضوه في أيّام الشتاء القصيرة، فيكونون بذلك قد أدّوا ما عليهم من الدين في حقّ الله ، ويقدموا على الله بسمعة طيّبة وحياة نزيهة وماض مشرق.
والأعلى من ذلك درجة هو قيام الليل وإحياؤه بالصلاة وتلاوة القرآن والمناجاة والذي لا يتسنّى إلّا بالتخطيط له وتهيئة المقدّمات كالنوم المبكر وتناول القليل من الطعام، وعدم إضاعة الوقت، وهذا سيدرّ علينا بالبركة الواسعة والنعم الكثيرة، قال الإمام الصادق×:
«الشتاء ربيع المؤمن، يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه»[96].
إنّ القرآن الكريم كلام الربّ تعالى وأرفع الكتب السماويّة، الذي وصفه جميع المعصومين^ بالقانون الأبدي للبشر، علاوة على الاهتمام الخاصّ الذي يولونه له، وتأكيدهم الشديد على قراءته والعمل بما جاء فيه.
والآن يأتي دور تعظيم الفرد الحسيني للقرآن الكريم وبلورته في حياته العمليّة، بأن يجعل له برنامجاً يوميّاً لقراءة مقدار منه؛ ليضفي على حياته نوراً وضياءً يمشي به في الناس، قال الرسول الأكرم|:
«إنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره، واتّسع أهله، وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا»[97].
إنّ الفرد الحسيني هو الذي يجعل كلمات المعصومين^ وأحاديثهم في أولويّات أعماله وبرامجه وتصرّفاته في كلّ شؤون حياته، بداهة شعور كلّ شيعي بأنّ ذلك من أبرز مهامّه وواجباته في الحياة فكيف بالحسيني منهم، وهذا ما يحتّم عليه علميّاً التوسعة من اطّلاعه، وأن يلحظ الاهتمام من قبله بنصائحهم وإرشاداتهم في مفاصل حياته عمليّاً، وقد قال النبي|:
«تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا فإنّ الحديث جلاء القلوب»[98].
4ـ الحسيني آمر بالمعروف وناه عن المنكر
بُنيت الهيئة وأُقيم المجلس طبقاً لمرام أهل البيت^، وما دام الحال هذا فلا بدّ من اتّصاف أهل المجلس وخدّامه بقابليّة الإنصات والاستماع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ويعتبرون أنفسهم هم مسؤولون كذلك عن تذكير الآخرين وتنبيههم حين الغفلة، يقول أمير المؤمنين×:
«فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق وأمن كيده»[99].
ولا يخفى أنّ عمليّة الأمر والنهي يجب أن تتمّ بعد التفكير والتأمّل والتدقيق وتهيئة الأمور، وضرورة أن يكون المتحدّث مطّلعاً على الموضوع بصورة كاملة، ويعمد إلى طرحه بلسان ذرب؛ حتّى تصبح فرص التأثير أكثر، ويصل احتمال الضرر إلى أدون درجاته.
ولا يقف الأمر بالمعروف عند حدّ من الحدود، فهو يبدأ من الأسرة؛ الزوجة والأطفال، إلى الزقاق، ويستمر إلى السوق ومحلّ العمل.
5ـ الحسيني من أهل الدعاء والتوسّل
إنّ ما يجري في المجلس لا يخرج عن كونه إمّا دعاءً أو توسّلاً ـ طبعاً نحن نحضر في المجلس وهدفنا أن نوجد نحواً من الارتباط بالله سبحانه وأهل البيت^ ـ ولهذا فمن المستبعد جدّاً أن يطلق شخص على نفسه أنّه من أهل المجالس والحسينيّين وهو لا يعير اهتماماً للدعاء والتوسّل، وهذا هو السبب الذي يقف وراء حالة الاطمئنان التي تشعر بها القلوب هناك، قال الإمام الصادق×:
«عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار»[100].
كما أنّ حالة العبوديّة لله هي الحاكمة على الحسيني، كذلك يجب أن لا تفارقه التقوى ومراعاة أوامر الله سبحانه وأحكامه في مرحلة العمل ولو لحظة، فهو يعلم أنّ أولياءه يرجون التقوى من مواليهم وأتباعهم بشدّة، ويعتبرون طهارة الموالين من طهارتهم.
وفي ذلك قال الإمام الصادق×:
«والله إنّي لأحبّ ريحكم وأرواحكم، فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد، واعلموا أنّ ولايتنا لا تنال إلّا بالعمل والاجتهاد... أنتم شيعة الله، أنتم أنصار الله... أنتم الطيّبون ونساؤكم الطيّبات»[101].
وهنا الإمام الصادق× ينبّهنا في حقيقة الأمر إلى أنّنا عباد طاهرون لله، وهذا يتطلّب أن يكون عملنا لائقاً بشأن إلهنا}، وهنا ستُعرف التقوى الواقعيّة وتتميّز عن الظاهريّة، فقد قال أمير المؤمنين×:
«إنّ لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، و...»[102].
يجب أن تنشأ أخلاق أهل المجالس من بواطنٍ طاهرة، وسرائر نقيّة، وعنها تتفتّق أخلاقهم الظاهريّة، وهنا سنسلّط الضوء على معالم أخلاق الحسيني على الصعيدين: الفكري والعملي.
إنّ الأخلاق تجسيد ظاهري لجمال الإنسان، إذ تنبثق من الفكرة التي ترى التمسّك بتلك الأخلاق من الأمور الضروريّة واللازمة، علاوة على ذلك فإنّ الكثير من الأخلاق والملكات لها منشأ داخلي في المرحلة الأولى، ثمّ تظهر آثارها فيما بعد، وهذا ما يدفعنا إلى بناء النفس وصناعتها من الداخل وتأديبها بالأخلاق في جميع النواحي وعلى كافّة المستويات؛ ليتّضح الحال وفقاً للمثل القائل: (الإناء ينضح بما فيه)، وأدناه نتعرّض لمجموعة من تلك الأخلاق:
1ـ الحسيني يتّصف بمكارم الأخلاق
الخطوة الأولى التي يجب أن يضعها الحسيني نصب عينيه هي العمل على تهذيب النفس بجميع الفضائل، دون التركيز على فضائل خاصّة منها، فهو يريد العمل بكلام إمامه الصادق×: «كونوا لنا زيناً»[103]، ولكن كيف تُكتسب مكارم الأخلاق؟ وكيف يتسنّى التخلّق بها؟ وهنا يعطينا أمير المؤمنين× مفتاح ذلك بقوله:
«إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم»[104].
وفي عبارة أخرى من كلمات الإمام الصادق× جاء فيها: «لا تكونوا علينا شيناً»[105]، وفي هذا المضمار يأتي كلام الإمام الصادق× يوضّح فيه ما يأمله من شيعته، حيث قال:
«ليس منّا ـ ولا كرامة ـ من كان في مصرٍ فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحدٌ أورع منه»[106].
من الأوصاف التي تضفي على الإنسان قيمة وترفع من مكانته الوفاء بالوعد، وكثيراً ما يحدث مثل هذه المسألة في الأعمال التي تتعلّق بالخدمة الحسينيّة، وفي هكذا أحوال سيعرب عن شخصيّته وأدبه، وقد قال الرسول الكريم|:
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد»[107].
من صفات محبّي أهل البيت^ امتلاك نفوسهم عند سورة الغضب، فالخادم وصاحب المجلس عليه أن لايغضب، ولا يبدو على ملامحه أدنى علائمه، مهما أبصرت عيناه من أمور تثير الغضب، ولا سيّما أثناء المجالس وأمام الآخرين، فليس له إلّا أن يُطفئ نار غضبه، ويرعى حرمة المجلس ومن فيه، قال الإمام السجاد×:
«إنّه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه»[108].
وفي عبارة جميلة أخرى للإمام السجاد× يثني فيها على حالة الصبر وقابليّة التحمّل حين الغضب، يقول فيها:
«ما تجرّعت جرعة أحبّ إليّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها»[109].
والنقطة المهمّة والحسّاسة التي تبرز من تجرّع الغيظ هي عدم شعور الإنسان بالهزيمة، وأنّه فعل ما يرضي الله}، وفي ذلك قال الإمام الصادق×:
«ما من عبد كظم غيظاً إلّا زاده الله عزّاً في الدنيا والآخرة»[110].
هناك الكثير من الأخلاقيّات التي تُعين الإنسان في معترك حياته ومنعطفاتها، تنشأ عن خلق التسامح في مواجهة التصرّفات والسلوكيّات غير المسؤولة، وقدرته على تحمّل الصعاب والمشاكل، والصبر إزاء كلّ ما لا يلائم النفس، وكم هو ضروري أن تصبح أجواء الهيئات والمواكب والحسينيّات مفعمة بذلك، إذ لو خلا الجوّ منها سيتضاعف احتمال بروز عقبات تحيل الثواب هباءً منثوراً، قال أمير المؤمنين×:
«الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خُلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك»[111].
وحاليّاً علينا أن نحدد معالم المعنى الدقيق للصبر والتحمّل من كلام أمير المؤمنين×، حيث قال:
«الصبر أن يحتمل الرجل ما ينوبه، ويكظم ما يغضبه»[112].
وهذا يعني التخلّق بالأخلاق الحميدة؛ لأنّ المؤمن عادة ما يكون بشره في وجهه وحزنه في قلبه، ومعنى حسن السلوك والبشاشة ـ رغم ما يقاسيه ويكابده ـ أنّه لا يرى الآخرين شركاء له في همومه وأحزانه، فلا يرغب في جعل لحظات تواجده بينهم نكداً.
وبما أنّ الخادم يقضي معظم أوقاته مع الحضور، وجب عليه أن يتعلّم كيف أصبح أهل البيت^ بأخلاقهم مضرباً للأمثال، وصاروا نتيجة ذلك سبباً لهداية الناس حتّى الأعداء منهم، وهذا هو ما جاء على لسان النبي الأكرم|: «الق أخاك بوجه منبسط»[113].
فإنّ لقاء الآخرين بوجه بشوش يحكي عمّا يتّسم به ذلك الإنسان من سموّ في الروح وسعة صدر وشهامة، ويكون ذلك باعثاً لرغبة الجميع في التعامل مع من يتّصف بتلك الصفات، قال أمير المؤمنين×:
«بشرُكَ يدُلّ على كَرَم نفسك»[114].
وعبّر أمير المؤمنين× عن حسن الخلق بسعته، وهذا ما قد يحكي عن شدّة التحمّل الذي يمتلكه من يتعامل مع أناس بأمزجة مختلفة وفي مواقف متنوّعة، وعندها سيصبح هكذا تحمّل مدعاة للاطمئنان والراحة في الدنيا بجوانبها المختلفة، حيث قال×:
«وصول المرء إلى كلّ ما يبتغيه من طيب عيشه وأمن سربه وسعة رزقه بحسن نيّته وسعة خلقه»[115].
وفي كلام آخر جاء وصف الأخلاق بشكل جميل، حيث عدّها زينة لصاحبها، إذ قال أمير المؤمنين×: «من حَسُنَت خليقتُهُ طابَت عشرتُهُ»[116].
وكم هو جميل أن يصبح الخادم وصاحب المجلس مقدّراً ومحبوباً في أعين الجميع نتيجة أسلوبه الخلوق وتعامله الرفيع وطيب سريرته، مظهراً بذلك سعة صدره ونبله وعزّته للجميع، وهكذا سيكون مرّة أخرى مصداقاً لـ«كونوا لنا زيناً»[117].
الخادم لن ينسى ـ أبداً ـ عفو مولاه الإمام الحسين× عن خطأ الحرّ حين تغاضى عنه، فلا بدّ أن يقتدي بهذا الخُلق العظيم، ويصبح العفو ديباجة أعماله، حتّى يتّصف بسعة الصدر، وتصير سجيّته العفو عن الأخطاء وقبول عذر المعتذر برحابة وطيب خاطر، قال الرسول الأكرم|: «من كثُر عفوه مدّ في عمره»[118].
إنّ الاستقامة في الفكر والعمل مظهر من مظاهر الإخلاص وصدق النيّة، ولا بدّ للحسيني أن يصبح باطنه وظاهره سيّان، ويثبت صدقه للجميع في القول والعمل، وهذه النظرة الصادقة سيلازمها تجاوز العقبات وعبور التحدّيات واستمالة احترام الآخرين، وفي هذا الشأن قال أمير المؤمنين×:
«الصادق على شفا منجاةٍ وكرامةٍ، والكاذب على شُرُفِ مهواةٍ ومهانةٍ»[119].
على الحسيني أن لا يدع منفذاً للحسد يسلكه للولوج إلى خلجات نفسه، أي: أنّه متى وقع نظره على ما يتمتّع به غيره وما بلغه من الكمال والرفعة والسموّ فإنّه سينتابه الفرح والسرور، دون ظهور أدنى أثر سلبي في روحه، وإن لم يكن كذلك فمعناه أنّ دينه على شفا جرف هار تكاد النار أن تلتهمه، كما قال الإمام الصادق×:
«إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»[120].
وبالطبع فإنّه متى ما كان شروع رحلة ترقّيه وتكامله وتعاليه من مثل هذه الأمور، عندها سيكون سعيه جديراً بالإعجاب، حيث يطلق على هذه الحالة الغبطة، وقال الإمام الصادق× فيها:
«إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط»[121].
مهما كانت عزيمة الإنسان على إزالة الرذائل عن نفسه قويّة، راغباً في رفع عيوبه، عليه أن يسعى إلى قبول النصح من الآخرين، ويقوم بتحليلها بدقّة، وإن لم يشخّصها جميعاً فإنّه لا أقل يكتفي بإضافة بعض الأمور إلى ملفّ تزكيته لنفسه.
فلا يدع الغرور أن يتملّكه أبداً، ولكي يحقّق ذلك عليه أن لا يوصد الباب أمام نصائح الآخرين المشفقين، فقد قال أمير المؤمنين×:
«من قبل النصيحة سلم من الفضيحة»[122].
لا أن يكتفي بقبول النصيحة وإنّما عليه التدقيق في أخطاء الآخرين، وبواعث ندمهم، إذ سيدّخر من خلال ذلك يوميّاً عشرات الدروس والعبر دون حاجة إلى نصيحة من أحد، قال أمير المؤمنين×:
«السعيدُ مَن وُعِظَ بغيرهِ، والشقيُ من انخدع لهواهُ»[123].
والأهمّ ممّا تقدّم أن يمتلك الإنسان واعظاً له من نفسه، بحيث يصبح قادراً على محاكمة نفسه وتحديد ما هو جيّد وما هو سيّء ممّا يصدر عنها، دون أن تكون هناك في البين نصيحة مشفق أو درس أو عبرة، وبالتالي يتمكّن من تربيتها، قال الإمام الباقر× في ذلك:
«من لم يُجعل لله له من نفسه واعظاً فإنّ مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً»[124].
إنّ غيرة الإنسان على عرضه وعلى الآخرين تُعدّ واحدة من الأسس الأولى للإنسانيّة، حتّى بلغ الحال أن أصبحت واحدة من صفات الحقّ تعالى، فقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق× قوله:
«إنّ الله تبارك وتعالى غيور، يحبّ كلّ غيور، ولغيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها»[125].
وفي هذا الخصوص يقول النبي|:
«كان إِبراهيمُ× غَيُوراً وأنا أَغْيَرُ مِنْه، وجَدَعَ الله أَنْفَ مَنْ لا يغَارُ منَ المؤمنِينَ والمسْلمِينَ»[126].
فيجب أن يكون الحسيني غيوراً على عائلته هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى عليه أن يرعى شرف الناس ويصونه، ويتعامل من منطلق الغيرة والشرف مع أولئك الذين قد يستغلّون الفرص في الظروف المختلفة، فينبّه من يتهاون من الرجال والنساء في مثل هذه المسائل التي قد تبعث على الذنب أو تُعدّ الأرضيّة له، ويجسّد الحسيني بذلك مظهر الغيرة التي يفتخر بها النبي الأكرم|.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الإفراط والتفريط في الغيرة ليس أمراً حسناً، كما أنّه ليس هناك ضابطة تؤطّر الغيرة حتّى يتمحور معناها حولها غير الأوامر الإلهيّة، كما قال الإمام الصادق×: «لا غَيرَةَ في الحلال»[127]، ومن مضارّ الغيرة إن كانت في غير محلّها ما ذكره أمير المؤمنين× بقوله:
«إيّاك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة منهنّ إلى السُقم»[128].
لا شكّ أنّ الحياء لا يختصّ بالنساء دون الرجال، ولا يتّصف المجتمع بالعفّة إلّا عندما يتّصف كلا الطرفين بذلك، ويتمّ رعايته من قبل الجميع، وكأنّ عدم الحياء معناه ترك الإيمان والفضائل، حيث يقول أمير المؤمنين×: «الحياء مفتاح كلّ خير»[129]، وقال الإمام الصادق×: «لا إيمان لمن لا حياء له»[130].
نعم، لا بدّ أن تبرز حالة الحياء بشكل أكبر عند النساء؛ لأنّ المجتمع رهن بالدرجة الأولى بحياء النساء ووقارهن، حيث سيعيش المجتمع حينها في مأمن من الآثار الفتّاكة والكثيرة بالتزامهن وتعفّفهن وتحجّبهن، يقول النبي|:
«الحياء عشرةُ أجزاءٍ، تسعة في النساء وواحدٌ في الرجال»[131].
وأوّل مَعلمٍ للحياء يتجلّى في المرأة بحفظها للحجاب، كما طرحه القرآن الكريم بصراحة في قوله:
(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ...وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ...)[132].
وخاطب الحقّ تعالى خاتم الأنبياء في آية أخرى بقوله:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[133].
وقال أمير المؤمنين× حول هذا:
«صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها»[134].
فمن الجوانب الجديرة بالإشارة في خضمّ هذا الموضوع أنّ المرأة المتديّنة علاوة على حجابها وتستّرها عند الخروج من البيت يلزمها عدم التطيّب مطلقاً، ولو كان نتيجة استخدام الصابون المعطّر الذي يبقى أثره وتفوح رائحته، فقد قال النبي|:
«أيّة امرأةٍ تطيّبت وخرجت من بيتها فهي تُلعن حتّى ترجع إلى بيتها»[135].
ومن مظاهر الحياء الأخرى عدم تحدّث المرأة مع غير محارمها دون ضرورة، إذ على الرجل والمرأة المواليّين أن يعلما بأنّ هناك فرقاً بين المحرم وغير المحرم يبدأ من التحدّث، ولهذا يجب هنا الاكتفاء بمقدار الضرورة، وبعدها لا بدّ من إسدال ستر الحياء؛ ليمنع من تحوّل العلاقة بغير المحرم وصيرورتها كالعلاقة بالمحرم، قال الإمام الصادق×:
«نهى رسول الله أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات ممّا لا بدّ لها منه»[136].
ووفقاً لوصايا المعصومين^ هذه، يبدو أنّ الأفضل في استضافة النساء في المجالس أن تكون بعهدة النساء أيضاً ـ قدر الإمكان ـ ولا حاجة لتدخّل الرجال، وإن لم يكن الأمر متيسّراً فلا بدّ من إيكال المهمّة لبعض الرجال المحارم فقط لا غير، وإن لم يتوفّر محارم يُعتمد على بعض المسنّين، على أن يكون تواجدهم بين النساء بمقدار الضرورة.
وهكذا بالنسبة لممرّ دخول النساء وخروجهن، لا بدّ أن يكون منفصلاً عن أماكن تردّد الرجال، ويتمّ اختيار مكان للمجلس النسوي بنحو لا تبلغ منه أصوات النساء ولا حتّى همهمتهن إلى مسامع الرجال.
إنّ المرأة الحسينيّة ليس من شأنها المباهاة والخيلاء، ولبس الجواهر والحلي، إذ لا بدّ من احترام مجلس أهل البيت^ وصونه، هذا أوّلاً، وثانياً حتّى لا تحترق قلوب اللواتي لا يمكنهنّ ارتداء ما يضاهي تلك الحلي والجواهر، الأمر الذي قد يتسبّب بالخلافات في داخل أُسرهن.
بعدما أخذنا بالحسبان الموازين والقواعد الفكريّة والنظريّة الحاكمة على أخلاق الحسيني، وصل بنا الحديث في هذا المقام إلى أن نبيّن الأخلاق العمليّة للحسيني، وأدناه مجموعة من النقاط ذات العلاقة بأجواء المجالس والهيئات التي يلزم رعايتها:
من الضروري إضفاء العدالة على التصرّفات والسلوكيّات، وجعلها مهيمنة على جميع شؤون الحياة، سواء ما يتعلّق بالحكم على الآخرين وما يتوقّعه الإنسان منهم أو ما يتعلّق بإصلاح النفس، فما يحبّه لنفسه عليه أن يحبّه للآخرين، وما يراه لائقاً للآخرين يراه لائقاً لنفسه كذلك، قال أمير المؤمنين×:
«ألا إنّه من يُنصف الناسَ من نفسه لم يزده اللهُ إلّا عزّاً»[137].
من عادة الإنسان الصالح أن يختار أصدقاء صالحين؛ لأنّه سيُنسب إليهم، ومن خلالهم يُتعرّف إلى شخصيّته وخُلقه ومعتقده، وهذا ما يفرض على الخادم الحسيني وصاحب المجلس الدقّة في اختيار الصديق، وعليه يلزم عدم التسرّع في ذلك حتّى لا يكونوا منشأ للحكم عليه نتيجة قول أو فعل غير لائق يصدر منهم، وهنا من الممكن أن نطرح ضابطة يتمّ من خلالها الانتخاب الحسن والجيّد، وهي الصداقة على محبّة الله، والتي يبيّن كلام أمير المؤمنين× حدودها بقوله: «وأحبب الإخوان على قدر التقوى»[138].
عندها يطالعنا كلام أمير المؤمنين× في بيانه لعلامات الصديق الجيّد، حيث قال:
«خير إخوانك من دعاك إلى صدق المقال بصدق مقاله، وندبك إلى أفضل الأعمال بحسن أعماله»[139].
الاستشارة وما يتبعها من الانسجام الفكري عادة ما تكون مفتاحاً لحلّ الخلافات، ولا سيّما إن كانت المسألة مهمّة ولا تتعلّق بالفرد بل بالجماعة، إذ إنّ لكلّ فكر أو عقل القدرة على العثور على آليّة من الممكن أن لا يتوصّل إليها الآخر، فعندما تجتمع عدّة أفكار حول مسألة ما سيتبيّن الخلل عندها بنحو أفضل، وسيصبح إيجاد الحلول أسهل بعد ضمّ تلك الأفكار إلى بعضها، قال أمير المؤمنين×:
«من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها»[140].
وكلّما حصل تبادل في وجهات النظر فسيتبعه التعاضد والمؤازرة والتعاون، ويرى الجميع أنفسهم أنّهم قد شاركوا في حلّ المشكلة، وقد قال الإمام المجتبى×: «ما تشاور قومٌ إلّا هُدوا إلى رشدهم»[141].
إنّ قناعة الإنسان بما منّ الله به عليه يدفع بحياته نحو ما يرضي الله سبحانه، وتهيّئ الأرضيّة إلى تحقيق ذلك، ومعناه أنّ الخادم لأهل البيت^ ليس أمامه طريق للتقرّب إلى الله سبحانه وأهل البيت^ سوى القناعة حتّى لا ينشغل بالدنيا أكثر من المطلوب، ولا يصبح مضطرّاً لعمل أيّ شيء من أجلها، فقد قال أمير المؤمنين×:
«ثمرة القناعة الإجمال في المكتسب والعزوف عن الطلب»[142].
الاتّصاف بالمحبّة والرأفة من الضروريّات الأخلاقيّة للحسينيّين وخدمة أهل البيت^، حتّى تبرز هذه الخصلة عند الحاجة فيأخذ بعطفه وحنانه بيد العجزة والضعفاء، فقد قال أمير المؤمنين×:
«ارحموا ضعفاءكم، واطلبوا الرحمة من الله} بالرحمة لهم»[143].
ومن صور العطف والرحمة ـ أيضاً ـ إسعاد الناس والأنس والألفة بهم، وتطييب قلوبهم الكسيرة، وإحياء مثل هذه الأحاسيس والمشاعر في أجواء الهيئات والمواكب ضروري جدّاً، قال النبي|:
«خير المؤمنين من كان مألَفَةً للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يألِفُ ولا يُؤلَفُ»[144].
وهنا تكون مسألة إبراز المحبّة والعطف والحنان حاضرة، وعلى الحسيني أن يرى نفسه مكلّفاً بأن يكون له قدم السبق في ذلك، الإمام الصادق× يقول:
«إنّ المُسلمَينِ يلتقيان، فأفضلهما أشدُّهما حبّاً لصاحبِهِ»[145].
ممّا يلزم على الحسيني الاهتمام به بشكل آني وعلى دوام الساعة حفظ اللسان في شؤونه المتعدّدة، وشتّى تعاملاته المختلفة مع الناس، إذ يقول أمير المؤمنين×:
«اللسان سبعٌ إن خلّي عنه عَقَرَ»[146].
وتبدأ الدقّة في صون اللسان من التحلّي بآداب الاحترام في كيفيّة التعامل مع الناس مباشرة حتّى يصل إلى تجنّب الغيبة والنميمة والكذب والتهمة. وعندها يجب أن ندرك قيمة الحسيني الذي راعى ذلك وحفظ لسانه في الظروف المختلفة والحالات المتنوّعة، حيث أصبح بذلك مظهراً للإنسان الشيعي الكامل، ويحفظ كرامة أهل البيت^ وشرفهم.
كرم الحسيني وسخاؤه ـ ولا سيّما فيما يتعلّق بأمور الهيئة والمجلس ـ يزيح العديد من المشاكل، ويذلّل الكثير من المصاعب التي قد تقف حجر عثرة بوجه العمل، فهذه الخصلة ـ السخاء ـ ملكة وخلق يحبّه الله تعالى ويحبّه الناس، ويترتّب عليه خير الدنيا والآخرة بحسب قول رسول الله|:
«السخيُّ قريبٌ من الله، قريبٌ من الجنّة، قريبٌ من الناس، بعيد من النار»[147].
الافتتاح بالتحيّة والسلام من أجمل البدايات للحوار والشروع بالتحدّث إلى الآخرين؛ إذ تفوح من ذلك المحبّة، ومآلها جذب النفوس، وتهيئة القلوب، وانشراح الصدور. وحتّى يبدو الحسيني أنّه زين للنبي| ومن السائرين على هداه لا بدّ أن يكون سبّاقاً للتحيّة والسلام أينما حلّ وارتحل، معلناً ذلك للجميع، فقد قال أمير المؤمنين×:
«السلام سبعون حسنةً، تسعةٌ وستون للمبتدئ وواحدةٌ للرادّ»[148].
يجب أن يكون الحسيني من ذوي الهمم العالية وأصحاب الأهداف السامية، بحيث لا تتأثّر حياته الخاصّة سلبيّاً بتواجده في وسط الخدّام والانشغال بمتطلّبات العمل، فلا يصدر منه خلل نتيجة ذلك، إذ إنّ سرّ النجاح يكمن في القيام بكلّ عمل في وقته، فلا يؤدّي القيام ببعض الأعمال إلى وقوع الحيف على بعضها الآخر، فيأخذ كلّ منها نصيبه دون خلل يذكر، وها هو الرسول’ يبيّن رضا الله تعالى عمّن يتكسبون من الحلال، حيث قال:
«من أكل من كدّ يده حلالاً فتح له أبواب الجنّة يدخلُ من أيّها شاء»[149].
ونجد في المقابل أيضاً تأكيداً شديداً ضدّ البطالة؛ لأنّها منطلق الفتنة والافتتان، قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم×:
«إنّ الله تعالى ليبغض العبد الفارغ»[150].
وكان رسول الله’ إذا أعجبه أحد يسأله: «ألك حرفة؟» فإن أجابه بالنفي، قال: «لقد سقطت من عيني»[151]، وسبب ذلك أنّ من لم تكن لديه حرفة سيستأكل بدينه.
ويرى أمير المؤمنين× أنّ صاحب الحرفة الأمين في عمله محبوباً عند الله سبحانه:
«إنّ الله يحبّ العبد المحترفَ الأمينَ»[152].
لا بدّ أن يكون احترام الحسيني لوالديه ـ سواء في أجواء الهيئة أو الأجواء العائليّة ـ بشكل مشهود حتّى يتّخذه الآخرون نموذجاً يُحتذى به، قال أمير المؤمنين×: «برّ الوالدين أكبر فريضةٍ»[153]، وقال الرسول الأكرم|:
«رضى الله كلّه في رضى الوالدين، وسخطُ الله في سخطهما»[154].
فلا شكّ ولا ريب أنّ حدّ رضاهما هو الرضى الإلهي، وإن لزم من رضاهما مخالفة لأوامر الله سبحانه وتعالى عندها سيزول اعتباره وتسقط قيمته، قال الإمام الرضا×:
«برّ الوالدين واجب وإن كانا مُشركَينِ، ولا طاعة لهما في معصية الخالق»[155].
وفي حديث آخر نلاحظ ذكر جانب من حقوق الوالدين حينما سأل رجل النبي الأكرم|: ما حقّ الأب على ابنه؟ أجاب|:
«لا يسمّيه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله، ولا يستسبّ له»[156].
إنّ بيت الحسيني هو هيئة بحدّ ذاتها، وما عليه أن يتقيّد به وهو في الهيئة والموكب عليه كذلك التقيّد به وهو في بيته وبين أفراد أسرته، فيتصرّف مع أسرته بما فيه رضا الله تعالى ورسوله وأهل البيت^، والأسرة قد تُلحظ تارة بما أنّها مؤلّفة من جميع من هم في البيت ويعتبرون عائلة الرجل، وتلحظ تارة أخرى ويُقصر النظر فيها إلى الزوجة وحسب، قال الإمام الصادق×:
«مَن حَسن بِرّهُ بأهل بيته زيدَ في رزقهِ»[157].
والنبي’ يصف نفسه بهذا الخصوص، حيث قال:
«خيرُكُم خيرُكُم لأهله، وأنا خيرُكُم لأهلي»[158].
وقال’ كذلك حول مساعدة العائلة: «خدمة العيال كفّارة للكبائر، ويطفئ غضب الربّ، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات»[159].
وفي المقابل، لطالما قد ذمّ الرسول| أولئك الذين لا يراعون حقوق العائلة، حتّى لعنهم بقوله|:
«ملعونٌ ملعونٌ من ضَيّع من يَعولُ»[160].
لا فرق في ضرورة مراعاة الحسيني ـ سواء أكان رجلاً أم امرأة ـ حقوق الآخر لبناء أسرة محكمة الدعائم مترابطة الأواصر، الأمر الذي يُهيّئ الأجواء النفسيّة للتعلّق بالله سبحانه وأهل البيت^ والقرب منهم، ومن باب النموذج نذكر قول الرسول الكريم|:
«قولُ الرجلِ للمرأةِ إنّي أحبّكِ لا يذهبُ من قَلبها أبداً»[161].
وفي مقام آخر يذكر أمير المؤمنين× نموذجاً ثان لكيفيّة التعامل مع الزوجة، حيث قال×:
«داروهُنّ على كلّ حالٍ، وأحسنوا لهنّ المقال لعلّهنّ يُحسنِّ الفعالَ»[162].
ومن هنا يتّضح أنّ طريق نيل السعادة يتمّ فقط وفقط بمراعاة الضوابط الشرعيّة وما أمر الله به سبحانه لحفظ الأسرة. وبحسب ذلك فإنّ المرأة الخادمة في المجالس لا يحقّ لها الخروج من البيت دون إذن زوجها، كما ليس لها أن تتردّد على المسجد أو الهيئة دون علم زوجها والاستئذان منه، فرسول الله| يقول:
«ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»[163].
الأبناء ـ بنات كانوا أم بنين ـ لهم حقوق على الوالدين، وبرعاية خادم أهل البيت^ لحقوقهم يكون قد تقدّم ـ في الواقع ـ خطوات في تربية جيل المستقبل وإعداده، إذ إنّ احترام الأولاد يلزمه التربية الصحيحة لهم، وعلينا أن نعتبر أولادنا هم من سيحمل راية الدين ومذهب أهل البيت^ فيما بعد، فهم الذين سيحيون مجالسهم ويواصلون مسيرتهم المعطاءة، وحاليّاً نستعرض مجموعة من التوجيهات الدينيّة التربويّة، التي تعلّمنا كيفيّة التعامل مع الأبناء، حيث يقول الرسول الأكرم|:
«أكرِموا أولادَكُم، وأحسِنوا آدابَهُم يُغفر لكُم»[164].
وتعدّ نظرة الأبوين العادلة والمتساوية للأولاد والمفعمة بالمحبّة من الركائز المهمّة والمؤثّرة في عملية التربية، وقد قال النبي|:
«اعدلوا بينَ أولادكُم كما تُحبّون أن يَعدِلوا بينكم في البرّ واللطف»[165].
وكم هي جميلة أساليب التربية التي طرحها ديننا الحنيف في تربية الأولاد، إذ قد جاء في رواية عن النبي| أنّه قال:
«رحم الله من أعان ولده على برّه»، قال الراوي: فقلت: كيف يُعينه على برّه؟ قال’: «يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به»[166].
ومن التوصيات التي أكّدها ديننا إظهار المحبّة للأبناء وإبرازها، وعدم جعلها حبيسة النفس، قال رسول الله|:
«من قبّل ولَدهُ كتب الله له حسنةً، ومن فرّحه فرّحهُ الله يوم القيامة، ومن علّمهُ القرآن دُعي بالأبوين فكُسيا حُلّتين تضيءُ من نورهما وجوه أهل الجنّة»[167].
والنتيجة هي أنّ رحمة الله تعالى قد ارتبطت بمحبّة الأبناء حتّى قال الإمام الصادق×:
«إنّ الله لَيَرحمُ العبدَ لشدّةِ حُبّه لولدِه»[168].
كما تُعدّ تسمية الأبناء بأسماء أهل البيت^ أحد مظاهر محبّتهم^، والابتعاد عن أعدائهم، وقال الإمام الصادق× في الإجابة عن سؤال السائل: جعلت فداك، إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال×: «إي والله، وهل الدين إلّا الحبّ؟!»[169].
14ـ الحسيني من أهل صلة الأرحام
من المهامّ والوظائف الضروريّة التي تقع على عاتق كلّ إنسان يدّعي ارتباطه بأهل البيت^ ويعدّ نفسه من خدّامهم وحاملي رايتهم أن يصل أرحامه، مراعياً للموازين الشرعيّة، صائناً للمعتقدات، محافظاً على العفّة والشرف، فقد قال النبي|:
«إنّ أعجل الخير ثواباً صلة الرحم»[170].
وكذا قال|:
«أوصي الشاهد من أمّتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كان منه على مسير سنة، فإنّ ذلك من الدين»[171].
ولكثرة ما يترتّب على صلة الرحم من فوائد في الدنيا والآخرة يقول الإمام الباقر×:
«صلة الأرحام تُزكّي الأعمال، وتُنمي الأموال، وتدفعُ البلوى، وتُيسّرُ الحساب، وتُنسئُ في الأجل»[172].
15ـ الحسيني يجلّ الآخرين ويحترمهم
إنّ تعامل الحسيني مع الآخرين ـ سواء كانوا علماء أم خطباء، من شيوخ الخَدَمةِ أم الرواديد، وسواء كانوا حضوراً عاديّين أم من أصدقائه أم من أهل المجلس ـ لا بدّ أن يأخذ وتيرة واحدة، ويجب أن تحوطه المحبّة الخالصة والأدب الرفيع، علاوة على الخلق والأدب الذي تعلّمه من انتسابه لأهل البيت^، فقد قال الإمام الصادق×:
«إن أُجّلت في عمركَ يومينِ، فاجعل أحدَهُما لأدَبِك؛ لتستعين به على يومِ موتكَ»[173].
وقد وصف أمير المؤمنين× الأدب بالاكتسابي، حيث قال: «مَن قعدَ بهِ نَسَبُهُ نهَضَ به أدبه»[174]، ويبيّن أمير المؤمنين× لنا الآليّة في تعلّم الأدب السامي والخلق الرفيع في كيفيّة التعامل بقوله:
«جالس العلماءَ يزدد علمُك، ويَحسُن أدبُك، وتزك نفسُكَ»[175].
ويشيد الإمام الباقر× بمراعاة معالم الأدب والأخلاق الحميدة بقوله:
«عظّموا أصحابَكم ووقّروهُم، ولا يتجهّم بعضُكم بعضاً»[176].
في هذا الإطار نجد القمّة في أسلوب الحياة وطريقتها يمثّلها سلوك رسول الله| وتعامله مع الخاصّة والعامّة، وسيرته العمليّة المباركة، إذ يُعدّ أفضل برنامج للعشرة مع الآخرين، حيث جاء في جانب من أخلاقه أنّه|:
«كان يُكرمُ من يدخل عليه حتّى رُبّما بسط ثوبه، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحتَهُ»[177].
يولي الحسيني جاره الاهتمام من ناحيتين: الأولى بأن لا يتسبّب له بالإزعاج والإيذاء، والثانية أن يتحمّل ما قد يصدر منه من مشاكل محتملة.
بالنسبة للناحية الأولى فإنّ كلّ من كان ينوي إيذاء جاره عليه أن يضع نفسه في ميزان كلام النبي|، حيث قال:
«ليس من المؤمنينَ مَن لم يأمَن جارُه بوائقهُ، ومَن كانَ يؤمنُ بالله واليوم الآخرِ فلا يؤذي جارَهُ»[178].
أمّا بالنسبة للناحية الثانية فلا بدّ للحسيني من رفع قابليّته وقدرة تحمّله وتصبّره إن صدر ما يسيء من جاره، وهذا ما أشار إليه الإمام الكاظم×:
«ليس حُسنُ الجوار كفّ الأذى، ولكنّ حُسنَ الجوار صبرُك على الأذى»[179].
تمتاز الأخوّة في الله والمنضوية تحت اسم أهل البيت^ بلذّة خاصّة، ولا سيّما إن ضرب اسفينها في أجواء الهيئة، كما أنّ سلوك الحسيني في أماكن العمل يجب أن يتّصف بالإخلاص والصدق إلى حدّ يصبح قدوة للآخرين، وبالخصوص في هذا العصر الراهن الذي يضجّ بالفتن والمكائد الكثيرة التي فاقت حبّات الرمل وحصى الصحاري والفيافي، وهذا يفرض علينا توخّي درجة عالية من الدقّة في التعامل مع الأصدقاء والإخوة في الله سبحانه، وفي انتخاب الصديق الجيّد، قال أمير المؤمنين×:
«صحبة الولي اللبيب حياةُ الروح»[180].
ويحذّرنا× من العجلة في اختيار الصديق، إذ قال: «لا تثق بالصديقِ قبلَ الخبرة»[181].
ويستعرض لنا الإمام الصادق× مجموعة من السبل التي بها يتمّ امتحان الصديق واختباره، حيث يقول×:
«لا تسمّ الرجل صديقاً سمة معرفة حتّى تختبره بثلاث: تُغضبه فتنظر غضبه يُخرجُهُ إلى الباطل، وعندَ الدينار والدرهم، وحتّى تُسافرَ مَعَهُ»[182].
ويصف أمير المؤمنين× الصديق السيّئ بكلمة واحدة: «صاحب السوء قطعةٌ من النار»[183].
وفي بيان ذلك وتفصيله، قال الإمام الصادق×:
«الإخوانُ ثلاثة: فواحدٌ كالغذاء الذي يحتاج إليه كلّ وقتٍ فهو العاقل، والثاني في معنى الداء وهو الأحمق، والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب»[184].
18ـ الحسيني موضع ثقة الناس واعتمادهم
لا بدّ للحسيني ـ وبالخصوص مسؤولي الهيئات والمواكب ـ أن يكونوا ممّن قد ربّى نفسه وصنع شخصيّته بشكل قويم، حتّى يصبح محلّ ثقة الناس واعتمادهم، وأن يراقب تصرّفاته بدقّة حتّى لا يسلب منه ذلك، وقد فصّل أمير المؤمنين× الكلام بهذا الشأن، حيث يقول:
«من نَصَب نفسَه للناس إماماً فليبدأ بتعليمِ نفسه قبلَ تعليمِ غيره، وليكُن تأديبُهُ بسيرته قبلَ تأديبه بلسانه، ومعلّمُ نفسه ومؤدّبُها أحقُّ بالإجلال من مُعلّمِ الناس ومؤدّبهم»[185].
ويعلّمنا الإمام الصادق× ركيزة مهمّة جدّاً، وهي أن تدعو أعمالُنا الناس قبل ألسنتنا، وهذا ما وضّحه× بقوله:
«كونوا دعاةً لنا بغيرِ ألسنتكُم، ليَرَوا منكُم الوَرَعَ والاجتهادَ والصلاةَ والخيرَ، فإنّ ذلك داعيةٌ»[186].
وقد أشار النبي الأكرم| إلى نتيجة التعامل الحسن مع الناس من قبل المسؤولين، وكيف أنّه سيزرع لهم في النفوس والقلوب الاحترام والتعظيم والتبجيل، إذ قال|:
«من ولي شيئاً من أمور أُمّتي فحسنت سريرتُهُ لهم رزقه الله تعالى هيبتَهُ في قلوبهم»[187].
19ـ الحسيني من أهل التعاون والمؤازرة
في الواقع أنّ جميع الناس هم عبارة عن عائلة كبيرة، فلو أنّ أفرادها تعايشوا وتعاملوا مع بعضهم بعضاً بشفقة وعطف ورحمة لن يعاني بعدها أيّ شخص على وجه الأرض مشكلة أبداً، وما إن تبدو حتّى تأخذ بالتلاشي والاضمحلال بسرعة، قال رسول الله|:
«الخلق عيال الله فَأَحَبُّ الخلقِ إلى الله من نفعَ عيال الله»[188].
هناك أصل لا بدّ من الالتفات إليه قبل البدء بالعمل، وهو التفاؤل أو النظرة الإيجابيّة عن الناس، والتعامل معهم برحمة، وهذا ما أخبرنا به الله سبحانه، وجعل رحمته سبحانه تتنزّل على أساسه، يقول أمير المؤمنين× في ذلك:
«أبلَغُ ما تُستدرُّ به الرحمةُ أن تُضمِرَ لجميعِ الناسِ الرحمة»[189].
ينبغي على الحسيني الانتفاع من جميع لحظات عمره بالبرمجة والتخطيط، حتّى لا يهدر الفرص ويتلوّى ندماً على ضياعها، يقول أمير المؤمنين×: «المؤمنُ مشغولٌ وقتُهُ»[190]، كما ينبّهنا من الجانب الآخر إلى عدم إضاعة الفرص واغتنامها بقوله×: «إضاعةُ الفُرصةِ غُصّة»[191].
وهذا ما يفرض التزام الصمت أثناء المجلس من قبل الجميع، حتّى يتحقّق المقدار الأكبر من الفائدة استغلالاً لتلك الفرصة، فلا تشغلهم الأحاديث الجانبيّة التي لا نفع من ورائها عن الاستماع لمعارف أهل البيت^ وما جرى عليهم من المصائب.
عادة ما تكون هناك علاقة صداقة تجمع أصحاب المجلس والخدمة فيه، عزّز أواصرها حبّ أهل البيت^ والولاء لهم، ومثل هؤلاء عادتهم الإحسان لإخوتهم في كلّ مكان وزمان، لا يفرّقون بين أصدقائهم، فالجميع عندهم سواسية، ولا يعيرون أهميّة للثروة وعدمها، ولا للمنصب وعدمه في ذلك، فيكتسبون الحسنات بصداقتهم الواقعيّة ومصداقيّتهم الخالصة.
22ـ الحسيني يتجنّب الكلام العبثي
رغم أنّ التحدّث والكلام يحلّ الكثير من المشاكل المحيطة بنا في الدنيا، إلّا أنّنا لو ألقينا نظرة عامّة فسنجد أنّ غالبيّة الكلام العبثي لا تخرج عن إحدى حالتين: إمّا باطلة ولا فائدة فيها، وإمّا ناشئ من الشرّ، وطبقاً لهذا يأتي كلام النبي|:
«السكوتُ ذهب، والكلامُ فضّة»[192].
وهذا ما يحبّذ للحسيني التقليل من الكلام والإكثار من العمل، فلا يتكلّم بباطل، ولا يكون ثرثاراً، وإنّما ينتقي عند التحدّث الكلمات انتقاء، قال النبي|:
«إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنّه يلقّى الحكمة، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل»[193].
ولهذا يجب التفكير بداية بنتيجة الكلام، ثمّ النطق به، قال رسول الله|:
«من حُسنِ إسلام المرء تركُهُ الكلام فيما لا يعينه»[194].
23ـ الحسيني غاضّ للطرف طاهر اليد
إنّ الحسيني إنسان صالح لوالديه وأهل محلّته وللهيئة التي يعمل فيها، ويثبت ذلك بطهارة سريرته خلال حياته اليوميّة، فهو مالك لزمام عينه ويده وأذنه وجميع جوارحه، صائناً لها من ارتكاب المعاصي، فقد أطّر كلّ وجوده بأوامر الله سبحانه ووصايا المعصومين^، فلا يدع أيّاً منها أن يتجاوز ويتخطّى حدوده، حيث لا يفارق فكره ومخيّلته قول الرسول|: «النظرُ سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس»[195]، وقد بيّن لنا الإمام الصادق× الأثر الطبيعي للعفّة والطهارة بقوله:
«عِفّوا عن نساء الناسِ تعفّ نساؤكم»[196].
هناك صفتان جميلتان يجب أن تجتمعا في الحسيني حتّى ينال اعتماد الناس وثقتهم بشكل كامل، وهما: الأولى أن لا يتعقّب عيوب الآخرين ويتتبّعها، والثانية أن لا يشيعها وينشرها، إذ ينبغي عليه أن يضع نصب عينيه صفة ستّار العيوب التي اتّصف بها الحقّ تعالى، وتجلّت في أهل البيت^، فيستر عيوب الناس، ويغضّ الطرف عن نقائصهم، قال أمير المؤمنين×:
«من نَظَرَ في عيب نفسه اشتغَل عن عيبِ غَيره»[197].
كما يجب أن نعلم أنّه ليس هناك إنسان ـ عدا المعصوم ـ خال من السقطات والعيوب والنقائص، فيلزمنا التغاضي عن عيوب الناس إن اطّلعنا عليها، وغضّ الطرف عنها بشهامة وشرف، فالتفاخر على الآخرين للعلم بعيوبهم ومباهاتهم بذلك مرض لا علاج له، بل يتسبّب بأضرار عظيمة، كيف ولعلّ الكثير من تلك العيوب نحن مبتلون بها أيضاً وقد سترها علينا الآخرون.
يقول رسول الله|:
«ومن سمع فاحشة فأفشاها كان كمن أتاها، ومن سمع خيراً فأفشاه كان كمن عمله»[198].
ويشير أمير المؤمنين× في هذا المضمار إلى نقطة ضعف أولئك الذين يُحبّون إشاعة العيوب، حيث قال:
«ذوو العيوبِ يُحبُّونَ إشاعةَ مَعايِبِ الناس؛ لِيتّسِعَ لهُمُ العُذرُ في معايِبِهِم»[199].
واحدة من ضروريّات العمل في الهيئة التي يجب أن يتحلّى بها الخَدَمَة هي المحافظة على الأموال العامّة، وصيانتها من التلف والتبذير والاندثار، سواء في ذلك مسؤولي الهيئة أم الحضور؛ لأنّ أموال الهيئة تعود لأهل البيت^، ويجب أن نكون رعاة وأمناء جيّدين لها، بل ولا بدّ أن نحافظ عليها حتّى أكثر من أموالنا الخاصّة، يقول الله: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)[200].
وقد بيّن لنا الإمام الصادق× ضابطة الابتعاد عن الإسراف بقوله:
«مَن أنفَقَ شيئاً في غير طاعة اللهِ فهوَ مبذّر، ومن أنفقَ في سبيل الخير فهو مُقتصدٌ»[201].
إنّ رعاية الحسيني لمأكله ومشربه نوعاً ومقداراً لها تأثير كبير على سلامة جسمه وصحّته البدنيّة، علاوة على تأثيرها في روحه وقلبه وصحّته النفسيّة، قال الرسول الكريم|:
«لا تُميتوا القلوبَ بكثرة الطعام والشرابِ»[202].
وأشار الإمام الباقر× إلى القساوة التي تحصل نتيجة امتلاء المعدة بالطعام، وكراهة الحقّ سبحانه لتلك الحالة بقوله×:
«ما مِن شيء أبغض إلى الله من بَطنٍ مملوءٍ»[203].
واحدة من المسائل التي ينبغي مراعاتها من قبل الخُدّام في الهيئات والمواكب هي الاهتمام بمظهرهم الخارجي، سواء اللباس أو الوجه وقصّة الشعر وما يلازم ذلك، بأن لا يتشبّهوا بالكفّار والفسقة، وينأوا بمظهرهم عن شيعة علي×.
فيجب القدوم بمظهر أنيق، يليق بالمناسبة التي يقام لأجلها المجلس من ولادة أو شهادة، فكما نهتمّ كثيراً بمظهرنا وملبسنا حينما نروم المشاركة في بعض المؤتمرات الكبيرة، أو الدخول إلى بعض الأماكن المهمّة، علينا الاهتمام كذلك بأناقة مظهرنا عند مجيئنا إلى الهيئات والحسينيّات والتي يجب أن نعدّها من أهمّ الأماكن، فيحرص الحسيني على أن يهتمّ بشعره ووجهه وأظفاره، وأن تكون لائقة بشأنه، وهكذا الملابس والحذاء والخاتم، ولا يغفل عن نغمة جوّاله أن تكون مناسبة لمكان يتردّد فيه اسم النبي محمّد وآله^، وحتّى لون المسبحة وطولها ونوعها يجب أن يراعى أيضاً.
يجب أن يلتزم الإنسان العقائدي ومن هو في عداد أهل المجالس والهيئات بالنظافة علاوة على الطهارة، خصوصاً عند دخول المساجد والهيئات، لضرورة احترام تلك الأماكن المقدّسة، وارتداء الثياب اللائقة بشأن الفرد المحبّ لأهل البيت^.
والمقصود هو النظافة والملابس المرتّبة الناصعة وإن كانت قديمة، وقد حثّ الإسلام على التزيّن والتجمّل واعتبره عملاً محبوباً، حيث دعا القرآن الكريم الناس إلى ذلك عند الحضور في المساجد بقوله تعالى:
( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )[204].
ويؤكّد ذلك أيضاً قوله سبحانه:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [205].
29ـ الحسيني وديع لا يصدر منه الأذى
من مهامّ الحسيني أن يُرجى خيره في جميع أفعاله، ويؤمن شرّه في شؤون حياته كلّها، حيث تمنعه روح التضحية والإيثار عن التفكير بمصالحه فقط ولو على حساب غيره وإيذائه، قال الإمام الصادق× في وصف المؤمن: «كفى الناسَ شرّه»[206].
فالحسيني يغلق منافذ الشرّ المختلفة من نفسه تجاه الآخرين، فلا يلدغ أحداً بلسانه، ولا يسئ لأحد بكلمة نابية لا يحسُن قولها، ويتجنّب إيذاء الآخرين بأيّ مؤاربة أو ازدواجيّة، ويخشى من ازعاج الآخرين بمثل دخان السجائر أو الروائح كرائحة الثوم. ومتى ما واصلنا المسير على هذه الطريق الواضحة ـ دفع الشرور عن الآخرين ـ سيدرك تماماً كلّ شخص منّا كيف له أن يقي الآخرين شرّه ويمنحهم خيره.
من آفات القيام بالأعمال الخيريّة حالة المباهاة والتنافس غير العقلائي، بدءاً من الخدمة في الهيئة وانتهاءً بالعزاء بجميع تفاصيله؛ لأنّ كلّ ما فيه من أمور هي مدعاة للفخر والاعتزاز من قبل الجميع.
فقد أوجب الله سبحانه محبّة المعصومين^ وولايتهم، ولا ننتظر أن يسبقنا أحد للقيام بتلك المهمّة، وإنّما نقوم نحن باللازم، ولن نقصّر بذلك أبداً ولو لم يكن سوانا.
وفي الختام نردّد جميعاً:
يا آل رسول الله إنّ نصرتنا لكم معدّةٌ
حصلنا على الأجر مسبقاً، وحان الآن وقت العمل والمثابرة
فغاية مُنى الخادم أن يبقى إلى جوار سيّده
ولمّا سمح لي أن أخدم في مجلسه فهذا يعني أنّه ما قلاني
إذ من عادة الأسياد أن يصحبوا عبيدهم معهم أينما حلّوا وارتحلوا
أُعطيت صكّ السيادة بخدمتك
عُوّدت من الصغر على ولايتك
وآخر كلامنا هو الدعاء الذي ستحالفه الإجابة إن أردف بتأمين الإمام.
ونحن هنا يا سيّدي
نتوسّل إليك أن ترفع يديك وتقول لأجلنا: آمين.
والسلام على من نادى: (يا حسين)
والحمد لله ربّ العالمين
* القرآن الكريم.
1. إرشاد القلوب، الحسن بن محمّد الديلمي(القرن الثامن الهجري)، الطبعة الثانية، نشر: الشريف الرضي، مطبعة: أمير، قم، 1415هـ.ق/ 1374هـ.ش.
2. آشناي غريب، للمؤلّف، التاريخ بلا، الطبعة بلا.
3. أمالي الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي الصدوق(ت381هـ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة ـ مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
4. الأمالي، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(ت460هـ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة، مؤسّسة البعثة، دار الثقافة.
5. البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمّد بن عبد الله الزركشي (ت794هـ)، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، مؤسّسة: دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الأولى، 1376هـ/1957م.
6. بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري(ت553 هـ)، المكتبة الحيدريّة النجف الأشرف، الطبعة الثانية، 1383هـ.
7. تحف العقول عن آل الرسول^، الحسن بن علي الحرّاني(ت القرن الرابع الهجري)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1404هـ.ق/1363هـ.ش.
8. تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت460 هـ)، حقّقه وعلّق عليه: السيّد حسن الموسوي الخرسان، المطبعة: خورشيد، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1364ش.
9. جامع أحاديث الشيعة، حسين الطباطبائي البروجردي(ت1380هـ)، المطبعة العلميّة، قم، 1399هـ.
10. الخصال، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي الصدوق(ت381هـ)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم المقدّسة ـ إيران، 1403 هـ.ق /1362هـ.ش.
11. روضة الواعظين، الفتّال النيسابوري(ت508هـ)، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف، العراق، 1386هـ.
12. رياض الأبرار، نعمة الله الجزائري(ت1112هـ)، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1427هـ.
13. شجرة طوبى، محمّد مهدي الحائري(1369هـ)، منشورات المكتبة الحيدريّة، الطبعة الخامسة، 1385هـ.
14. عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال،عبدالله ابن نور الله البحراني(ت1130هـ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي#، قم، الطبعة الأولى، 1413هـ.
15. عيون الحكم والمواعظ، كافي الدين أبو الحسن علي بن محمّد بن الحسن بن أبي نزار الليثي الواسطي، تحقيق: الشيخ حسين الحسني البيرجندي، نشر: دار الحديث، المطبعة: دار الحديث، قم ـ إيران، الطبعة الأولى، 1418هـ.
16. غاية المرام، المفلح بن الحسن الراشد الصيمري (ت القرن التاسع الهجري)، دار الهادي، 1420هـ.
17. غرر الحكم، أبو الفتح عبد الواحد بن محمّد الآمدي(ت550هـ).
18. فوائد المشاهد، جعفر التستري(1303هـ).
19. فيض القدير شرح الجامع الصغير، محمّد عبد الرؤوف المناوي (1031هـ)، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ 1994م.
20. قرب الإسناد، أبو العبّاس عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع القمي الحميري(القرن الثالث الهجري)، حقّقه وقدّم له: محمّد باقر الكرماني، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، مطبعة مهر، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأولى، 1413 هـ.
21. الكافي، أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الأعور الرازي الكليني السلسلي البغدادي(ت 328 أو 329هـ)، قدّم له: الدكتور حسين علي محفوظ سنة 1374 هـ، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الخامسة، 1363 هـ.ش.
22. كامل الزيارات، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي(ت367هـ)، قدّم له: محمّد علي الغروي الأوردباري، تحقيق: العلّامة عبد الحسين الأميني، نشر: دار المرتضويّة، النجف الأشرف ـ العراق، الطبعة الأولى، 1356هـ.ش.
23. كتاب سليم بن قيس، سليم بن قيس الهلالي الكوفي(ت76هـ)، تحقيق: محمّد باقر الأنصاري الزنجاني، نشر: دليل ما، مطبعة: نگارش، قم ـ إيران، الطبعة الأولى، 1422هـ.ق/1380هـ.ش.
24. كمال الدين وتمام النعمة، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي الصدوق(ت381هـ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة ـ إيران، 1405 هـ.ق/1363هـ.ش.
25. مدينة المعاجز، هاشم البحراني(ت1107هـ)، مطبعة بهمن، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم ـ إيران ، الطبعة الأولى، 1413هـ.
26. مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي(ت1320هـ)، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1408هـ/ 1987م.
27. مصباح المتهجّد، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(ت460هـ)، تحقيق: علي أصغر مرواريد، الناشر: مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1411هـ/1991م.
28. معاني الأخبار، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي الصدوق(ت381هـ)، تصحيح: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي، قم ـ إيران، 1379هـ.
29. مكارم الأخلاق، الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي(ت 548 هـ)، منشورات الشريف الرضي، قم ـ إيران، الطبعة السادسة، 1392هـ.
30. من لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي الصدوق(ت381هـ)، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1392 هـ.
31. مناقب آل أبي طالب^، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي حبيشي السروي المازندراني(ت 588 هـ)، قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدّة نسخ خطيّة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، نشر وطبع: محمّد كاظم الكتبي ـ صاحب المكتبة والمطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق، 1376هـ/1956م.
32. نهج البلاغة، تعليق وفهرسة: صبحي الصالح، تحقيق: فارس تبريزيان، قم ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1425هـ /2004م.
33. وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي(ت1104هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1414هـ.
34. ينابيع المودّة لذوي القربى، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي(ت1294هـ)، تحقيق: علي جمال أشرف الحسيني، دار الأُسوة، طهران ـ إيران، الطبعة الأولى، 1416هـ.
[1] البقرة: آية31.
[2] المجادلة: آية11.
[3][3] البقرة: آية129.
[4] آل عمران: آية164.
[5] الكفعمي، إبراهيم، المصباح: ص280.
[6] البقرة: آية253.
[7] الحميري، عبد الله، قرب الإسناد: ص36.
[8] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص213، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج7، ص204.
[9] الشريف الرضي، نهج البلاغة: ج1، ص231، تحقيق: صبحي الصالح.
[10] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص484، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج65، ص151.
[11] المصدر نفسه.
[12] الحلّي، ابن إدريس، مستطرفات السرائر: ص635، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص188.
[13] الصدوق، محمّد بن علي، مصادقة الأخوان: ص32، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج10، ص392.
[14] الشورى: آية23.
[15] الآمدي، أبو الفتح عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 7893.
[16] الحج: آية34.
[17] القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة لذوي القربى: ج2، ص451.
[18] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص635، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج10، ص114.
[19] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص170، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص208.
[20] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص403.
[21] المصدر نفسه: ص206، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج25، ص276.
[22] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص204، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص290.
[23] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج2، ص247.
[24] المشهدي، محمّد بن جعفر، المزار: ص501، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص238.
[25] الصدوق، محمّد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة: ص485، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص92.
[26] العياشي، محمّد بن مسعود، تفسير العياشي: ج2، ص154، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج4، ص118.
[27] علي بن جعفر الصادق×، مسائل علي بن جعفر: ص341، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج50، ص152.
[28] الصدوق، محمّد بن علي، معاني الأخبار: ص180، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص30.
[29] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص22، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص144.
[30] ابن طاووس، اليقين: ص9، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص10.
[31] المفيد، محمّد بن محمّد، المزار: ص81، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج86، ص330.
[32] المائدة: آية35.
[33] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج25، ص23.
[34] الزركشي، البرهان: ج1، ص469.
[35] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج94، ص164.
[36] المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص252، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج91، ص5.
[37] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص74، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص175.
[38] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص299، الطبري، عماد الدين محمّد، بشارة المصطفى: ص196، الصيمري، المفلح بن الحسن، غاية المرام: ج16، ص72، الديلمي، الحسن بن محمّد، إرشاد القلوب: ج2، ص257.
[39] المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص224، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج36، ص37.
[40] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص166.
[41] المصدر نفسه.
[42] المصدر نفسه: ص225.
[43] المصدر نفسه: ص330.
[44] المصدر نفسه: ج44، ص290.
[45] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص103.
[46] الجزائري، نعمة الله، رياض الأبرار: ج1، ص185.
[47] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص280.
[48] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص121.
[49] الطوسي، محمّد بن الحسن، مصباح المتهجد: ج2، ص774.
[50] المصدر نفسه.
[51] الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص113.
[52] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص226، الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: 115.
[53] الحميري، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد: ص18. البحراني، عبد الله بن نور الله، عوالم العلوم: ج17، ص527.
[54] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص137. ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص87.
[55] النيسابوري، محمّد بن الفتّال، روضة الواعظين: ج1، ص169. ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص96.
[56] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص206.
[57] المفيد، محمّد بن محمّد، المزار: ص27، ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص122.
[58] التستري، جعفر، فوائد المشاهد: ص191.
[59] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص441.
[60] البحراني، هاشم بن سليمان، مدينة المعاجز: ج4، ص52.
[61] الشريف الرضي، نهج البلاغة: ص500، تحقيق: صبحي الصالح. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72 ص104.
[62] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج8 ، ص93، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص236.
[63] العياشي، محمّد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1 ص184، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج93، ص216.
[64] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص514، النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج7، ص254.
[65] التوبة: آية103.
[66] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص537.
[67] المصدر نفسه: ص557.
[68] الهلالي الكوفي، سليم بن قيس، كتاب سليم: ح11. الصدوق، محمّد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة: ص278.
[69] الهلالي الكوفي، سليم بن قيس، كتاب سليم: ح8.
[70] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص204. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج10، ص114.
[71] الصفار، محمّد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص317، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص120.
[72] آشناي غريب، للمؤلّف: ص11ـ16.
[73] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص307، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج15، ص298.
[74] الصدوق، محمّد بن علي، معاني الأخبار: ص399.
[75] إبراهيم: آية7.
[76] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص450، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج7، ص224.
[77] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص562، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج27، ص146.
[78] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص635، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج10، ص114.
[79] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص43، النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج12، ص129.
[80] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص303.
[81] البرقي، أحمد بن محمّد، المحاسن: ج1، ص62، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص145.
[82] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج1 ص52، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص150.
[83] الأربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج3، ص138، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص79.
[84] النيسابوري، محمّد بن الفتّال، روضة الواعظين: ص31، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج40، ص126.
[85] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 579.
[86] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص11.
[87] الشريف الرضي، نهج البلاغة: رسالة31، تحقيق: صبحي الصالح.
[88] المصدر نفسه: خطبة 106.
[89] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج15، ص197.
[90] الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص335، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج83، ص187.
[91] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص74. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص219.
[92] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص192، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص286.
[93] الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج8، ص325. وسائل الشيعة: ج22، ص402.
[94] الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه: ج1، ص217.
[95] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج3، ص343. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج82، ص328.
[96] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص308. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج101، ص414.
[97] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2 ص610. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج89، ص200.
[98] البرقي، أحمد بن محمّد، المحاسن: ج2 ص341. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص152.
[99] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص51. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج65، ص351.
[100] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص467.
[101] المصدر نفسه: ج8، ص212.
[102] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص483. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج67، ص282.
[103] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص484. بحار الأنوار: ج65، ص151.
[104] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 2417.
[105] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص484. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج65، ص151.
[106] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص78. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج67، ص300.
[107] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص364. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج74، ص149.
[108] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص112.
[109] المصدر نفسه: ص109.
[110] المصدر نفسه.
[111] الشريف الرضي، نهج البلاغة: الحكمة 424، تحقيق: صبحي الصالح.
[112] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص56.
[113] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص103. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص171.
[114] النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج8، ص453.
[115] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 4766.
[116] المصدر نفسه: 3072.
[117] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص484. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج65، ص151.
[118] الكراجكي، محمّد بن علي، كنز الفوائد: ص56. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72، ص395.
[119] الشريف الرضي، نهج البلاغة: خطبة 86، تحقيق: صبحي الصالح.
[120] الكليني، الكافي، محمّد بن يعقوب، ج2، ص306.
[121] المصدر نفسه: ص307. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج11، ص293.
[122] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص447.
[123] الشريف الرضي، نهج البلاغة: ص117، تحقيق: صبحي الصالح، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج74، ص291.
[124] المفيد، محمّد بن محمّد، الأمالي: ص28، المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص173.
[125] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص535.
[126] المصدر نفسه: ص536.
[127] المصدر نفسه: ص538.
[128] المصدر نفسه: ص537.
[129] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 1340.
[130] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج6، ص460.
[131] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص439. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج100، ص244.
[132] النور: آية31.
[133] الأحزاب: آية59.
[134] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص303. النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج14، ص255.
[135] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5 ص519. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج20، ص161.
[136] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص510. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج73، ص329.
[137] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص144. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72، ص33.
[138] المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص226. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج17، ص187.
[139] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 5022.
[140] الشريف الرضي، نهج البلاغة: ص500، تحقيق: صبحي الصالح. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72، ص104.
[141] ابن شعبة الحرّاني، محمّد بن الحسن، تحف العقول عن آل الرسول^: ص233. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص105.
[142] الآمدي،عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 6179.
[143] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص622. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج64، ص298.
[144] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص622.
[145] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص127. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج66، ص250.
[146] الشريف الرضي، نهج البلاغة: 479، تحقيق: صبحي الصالح. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج68، ص290.
[147] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج2 ص15. النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج7، ص13.
[148] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج73، ص11.
[149] المصدر نفسه: ج100، ص9.
[150] الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه: ج3، ص169. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج17، ص58.
[151] المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج2، ص372.
[152] الصدوق، محمّد بن علي، الخصال: ص621. وسائل الشيعة: ج17، ص11.
[153] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص195. النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج15، ص178.
[154] الحائري، محمّد مهدي، شجرة طوبى: ج2، ص378.
[155] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج2 ص132. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص72.
[156] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج 2، ص159.
[157] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص104.
[158] الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه: ج3، ص555. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج14، ص122.
[159] النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج13، ص49.
[160] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص12. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج100، ص13.
[161] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص569. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج20، ص23.
[162] الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه: ج3، ص554. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج20، ص180.
[163] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص327. الطباطبائي البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة: ج18، ص47.
[164] الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق: ص222. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج21، ص476.
[165] الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق: ص220.
[166] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج6، ص50.
[167] المصدر نفسه: ص49. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج7، ص304.
[168] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج6، ص50. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج21، ص36.
[169] العياشي، محمّد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1، ص168. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج27، ص95.
[170] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص152. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص121.
[171] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2 ص151. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص105.
[172] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول^: ص299.
[173] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص150.
[174] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: 443.
[175] المصدر نفسه: ص223.
[176] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص173. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص254
[177] ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص127. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج16، ص228.
[178] الطبري محمّد بن جرير، دلائل الإمامة: ص66، النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج12، ص81.
[179] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكاقي: ج2 ص667. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج12، ص122.
[180] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 5839.
[181] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص522.
[182] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص646. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص180.
[183] الليثي الواسطي، علي بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ: ص303.
[184] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول^: ص323. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص238.
[185] الشريف الرضي، نهج البلاغة: ص480، تحقيق: صبحي الصالح. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج16، ص151.
[186] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص78.
[187] الكراجكي، محمّد بن علي، كنز الفوائد: ص56. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72، ص359.
[188] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص164. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج71، ص316.
[189] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 4209.
[190] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج64، ص305.
[191] الشريف الرضي، نهج البلاغة: ص489، تحقيق: صبحي الصالح. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج68، ص218.
[192] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج68، ص294.
[193] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول^: ص397. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج75، ص312.
[194] المفيد، محمّد بن محمّد، الأمالي: ص34. النوري الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل: ج9، ص34.
[195] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج101، ص38.
[196] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص238.
[197] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول^: ص93.
[198] الصدوق، محمّد بن علي، ثواب الأعمال: ص286. الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج8، ص609.
[199] الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم: 5198.
[200] الإسراء: آية27.
[201] العياشي، محمّد بن مسعود، تفسير العياشي: ص288. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72، ص302
[202] الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق: ص150. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج63، ص331.
[203] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج6، ص270. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج63، ص331.
[204] الأعراف: آية31.
[205] الأعراف: آية32.
[206] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص235.