إنّ نشر المعرفة، وبيان الحقيقة، وإثبات المعلومة الصحيحة، غاياتٌ سامية وأهدافٌ متعالية، وهي من أهمّ وظائف النُّخب والشخصيات العلمية، التي أخذت على عاتقها تنفيذ هذه الوظيفة المقدّسة.
من هنا؛ قامت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة بإنشاء المؤسّسات والمراكز العلمية والتحقيقية؛ لإثراء الواقع بالمعلومة النقية؛ لتنشئة مجتمعٍ واعٍ متحضّر، يسير وفق خطوات وضوابط ومرتكزات واضحة ومطمئنة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ القضية الحسينية ـ والنهضة المباركة القدسية ـ تتصدّر أولويات البحث العلمي، وضرورة التنقيب والتتبّع في الجزئيات المتنوّعة والمتعدّدة، والتي تحتاج إلى الدراسة بشكلٍ تخصّصـي علمي، ووفق أساليب متنوّعة ودقيقة، ولأجل هذه الأهداف والغايات تأسّست مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، وهي مؤسّسة علميّة متخصّصة في دراسة النهضة الحسينية من جميع أبعادها: التاريخية، والفقهية، والعقائدية، والسياسية، والاجتماعية، والتربوية، والتبليغيّة، وغيرها من الجوانب العديدة المرتبطة بهذه النهضة العظيمة، وكذلك تتكفّل بدراسة سائر ما يرتبط بالإمام الحسين×.
وانطلاقاً من الإحساس بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتق هذه المؤسّسة المباركة؛ كونها مختصّة بأحد أهمّ القضايا الدينية، بل والإنسانية، فقد قامت بالعمل على مجموعة من المشاريع العلمية التخصّصية، التي من شأنها أن تُعطي نقلة نوعية للتراث، والفكر، والثقافة الحسينية، ومن تلك المشاريع:
1ـ قسم التأليف والتحقيق: والعمل فيه جارٍ على مستويين:
أـ التأليف:والعمل فيه قائم على تأليف كتبٍ حول الموضوعات الحسينية المهمّة، التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما ويتمّ استقبال الكتب الحسينية المؤلَّفة خارج المؤسّسة، ومتابعتها علميّاً وفنّياً من قبل اللجنة العلمية، وبعد إجراء التعديلات والإصلاحات اللازمة يتمّ طباعتها ونشرها.
ب ـ التحقيق: والعمل فيه جارٍ على جمع وتحقيق التراث المكتوب عن الإمام الحسين× ونهضته المباركة، سواء المقاتل منها، أو التاريخ، أو السيرة، أو غيرها، وسواء التي كانت بكتابٍ مستقل أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (الموسوعة الحسينيّة التحقيقيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم على متابعة المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلى الآن؛ لجمعها وتحقيقها، ثمّ طباعتها ونشرها. كما ويتمّ استقبال الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسّسة، لغرض طباعتها ونشـرها، وذلك بعد مراجعتها وتقييمها وإدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشـر من قبل اللجنة العلمية في المؤسّسة.
2ـ مجلّة الإصلاح الحسيني: وهي مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تهتمّ بنشـر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسليط الضوء على تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية، والفقهية، والأدبية، في تلك النهضة المباركة.
3ـ قسم ردّ الشبهات عن النهضة الحسينية: ويتمّ فيه جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة، ثمّ فرزها وتبويبها، ثمّ الرد عليها بشكل علمي تحقيقي.
4ـ الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين×: وهي موسوعة تجمع كلمات الإمام الحسين× في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلمية، ووضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علميّة ممازجة بين كلمات الإمام× والواقع العلمي.
5ـ قسم دائرة معارف الإمام الحسين×: وهي موسوعة تشتمل على كلّ ما يرتبط بالنهضة الحسينية من أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤى، وأسماء أعلام وأماكن، وكتب، وغير ذلك من الأُمور، مرتّبة حسب حروف الألف باء، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلى شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعى فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، ومكتوبةٌ بلغةٍ عصـرية وأُسلوبٍ سلس.
6ـ قسم الرسائل الجامعية: والعمل فيه جارٍ على إحصاء الرسائل الجامعية التي كُتبتْ حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، كما ويتمّ إعداد موضوعات حسينيّة تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.
7ـ قسم الترجمة: والعمل فيه جارٍ على ترجمة التراث الحسيني باللغات الأُخرى إلى اللغة العربيّة.
8ـ قسم الرصد: ويتمّ فيه رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في الفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب، والمجلات والنشريات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسّسات والمراكز العلمية بمختلف المعلومات.
9ـ قسم الندوات: ويتمّ من خلاله إقامة ندوات علميّة تخصّصية في النهضة الحسينية، يحضـرها الباحثون، والمحقّقون، وذوو الاختصاص.
10ـ قسم المكتبة الحسينية التخصّصية: حيث قامت المؤسّسة بإنشاء مكتبة حسينيّة تخصّصية تجمع التراث الحسيني المطبوع.
11ـ قسم الموقع الإلكتروني: وهو قسمٌ مؤلّفٌ من كادر علمي، وكادر فنّي؛ يقومان بنشر وعرض النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسّسة، كما يقوم بتغطية الجنبة الإعلامية للمؤسّسة.
12ـ قسم المناهج الدراسية: ويحتوي على لجنة علمية فنّية تقوم بعرض القضية الحسينية بشكل مناهج دراسية على ناشئة الجيل، على شكل دروس وأسئلة بطرق معاصرة ومناسبة لمختلف المستويات والأعمار؛ لئلّا يبقى بعيداً عن الثورة وأهدافها.
13ـ القسم النسوي: ويتضمن كادراً علمياً فنياً يعمل على استقطاب الكوادر العلمية النسوية، وتأهيلها للعمل ضمن أقسام المؤسّسة؛ للنهوض بالواقع النسوي، وتغذيته بثقافة ومبادئ الثورة الحسينية.
وهناك مشاريع أُخرى سيتمّ العمل عليها قريباً إن شاء الله تعالى.
وتأسيساً على ما سبق حرصت المؤسّسة على فتح أبوابها لاستقبال الكتب الحسينية التخصّصيّة، ومتابعتها متابعة علميّة وفنّية من قبل اللجنة العلمية المشرفة في المؤسّسة، وفي هذا السياق قام قسم الترجمة باختيار مجموعة من الكتب الحسينية القيمة والمكتوبة باللغة الفارسية لغرض ترجمتها ـ داخل القسم، أو بالتعاقد مع مترجمين محترفين ـ ومنها كتاب: (انقلاب كربلا از ديدگاه اهل سنت)، أي: (نهضة الحسين× في المنظور السني) لمؤلفه الشيخ الدكتور عبد المجيد الناصري الداودي، وقد قام بترجمته الدكتور أنور الرصافي، فكان هذا الكتاب القيّم الماثل بين يديك عزيزي القارئ.
وقد ركّز المؤلف بحثه حول مسألة مهمّة وحيويّة وهي رؤية أهل السّنة لنهضة الإمام الحسين× من خلال عرض المصادر التي يعتمدون عليها في فهم وتقييم تلك الواقعة العظيمة حيث إنّ تلك المصادر تشكّل في الأعم الأغلب منافذ المعرفة للوصول إلى الوقائع التاريخيّة والأحداث المهمّة في ذلك الزمان.
وفي الختام نتمنّى للمؤلِّف والمترجم دوام السداد والتوفيق لخدمة القضية الحسينية، ونسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أعمالنا، إنّه سميعٌ مجيبٌ.
اللجنة العلمية في
مؤسّسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
مقدمة المؤلف
نظرة إلى مصادر عاشوراء عند أهل السنة
لقد استحوذت معرفة المصادر والمراجع على أهمّية كبيرة في الأبحاث العلمية ولا سيما التاريخية منها والموضوعات المشابهة لها، ولامناص لأي بحثٍ سواء أكان في صدد وصف الحوادث الماضية، أم كان في مقام تحليلها وبيان أسبابها، سوى الرجوع إلى المصادر وتهذيبها؛ بهدف الاعتماد على مصادر رئيسة ذات قيمة علمية وموضوعية، والإعراض عن تلك المصادر والمراجع غير الرئيسة أو السقيمة، التي لاتخلو من شوائب الانحياز وتحريف الحقائق وقلبها، بدل أن ينصب همّها على كشف الحقيقة والواقع.
إنّ معرفة عاشوراء عند علماء أهل السنة رهن بالمصادر التي يعتمدون عليها، وهم ـ كسائر الفرق الإسلامية ـ يعتمدونفيتفسير حادثة عاشوراء والثورة الحسينية وتحليلها على مراجعة المصادر والأسانيد المتعلّقة بهذه الحادثة المهمّة والمعتبرة لديهم، من هنا يكتسب البحث والتقييم الدقيق والمنهجي لهذه المصادر تأثيراً كبيراً في معرفة آراء أهل السنة حول عاشوراء، وتقييمهم لتلك النهضة العظيمة، وفي معرفة مَن اهتدى إلى هذا السبيل ممَّن زاغ عنه من أتباع المذاهب.
بالطبع أنّ ما يخضع هنا للتقييم والبحث العلمي هو تلك المصادر والمراجع التي حظت بقبول أهل السنة أو راجت في أوساطهم، ممّا أتاح للباحثين وضعها تحت مجهر المعايير العلمية، والضوابط المعتمدة، وكشف نقاط قوّتها وضعفها، مع الأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات العلمية والتاريخية والرجالية لهذه المصادر.
إلّا أنّ هذا لايعني أنّ هذه الأسانيد التي سوف نبحثها تختصّ بأهل السنة دون سائر الفرق الإسلامية كالإسماعيلية أو الزيدية.
يمكن تقسيم مصادر عاشوراء ـ بنحوٍ إجمالي ـ إلى قسمين:
قسمٌ أشار إلى بيان حادثة عاشوراء والظروف التي رافقتها بصورة مباشرة.
وآخر أشار إليها بصورة غير مباشرة والتي سوف نتناولها فيما بعد.
ومن الواضح أنّ الحديث جرى في القسم الأوّل من المصادر، عمَّن كان له حضور في عاشوراء عام (61هـ) من الرواة وشهدوا أحداثها، وهذا ما يرفع من صحّة هذه المصادر والوثوق برواتها، ويفسح لها المجال لعدّها من أفضل مصادر واقعة عاشوراء، رغم إمكان خطأ الراوي وتعصّبه وتحامله وسهوه وغيرها.
ومن المؤسف القول بأنّ آثار أغلب الرواة الذين شهدوا عاشوراء ونقلوا وقائعها قد عفى عليها الدهر واندثرت، إلّا أنّه من حسن الحظ وقعت بعض تلك الآثار بيد المؤرّخين ودوّنوها في ثنايا كتبهم، من هنا يكون المراد من المصادر الأُولى والأصيلة الروايات التي نقلتها المصادر التاريخية وغير التاريخية عن الرواة الذين شهدوا الحادثة ووصلت إلينا.
و الواقع أنّ هذه الروايات والتقارير المنقولة عن عدّة رواة قد دوّنها المؤرِّخون والمحدِّثون وعلماء الأنساب والرجال، ونقلوها في كتبهم، ويشكّل البحث العلمي المنهجي لأنواع النقول والرواة وتهذيبها وتنقيحها وفرز الأخبار الصحيحة عن الضعيفة والسقيمة جزءاً من الجهود التي ينبغي أن ترافق عملية البحث والتحقيق.
من المؤسف ـ كما مرّت الإشارة ـ أنّ المقاتل التي دوّنت نهضة عاشوراء بصورة مستقلّة لم تسلم من تطاول الزمان ونوائب الحدثان، ممّا يقتضي اللجوء إلى المصادر التاريخية؛ لنرى ما هو موقفها من هذه الحادثة المروعة في تاريخ الإسلام.
وبصورة عامّة يمكن وضع المصادر التاريخية في عرضها لحادثة عاشوراء على طائفتين:
فطائفة منها قامت بنقل المقاتل التي كانت بحوزتها مع حفظ أسانيدها، الأمر الذي انتهى إلى نقل تفاصيل تلك الحادثة.
وطائفة أُخرى قامت بإيجاز الحدث أو نقله بالمعنى، أو استخلاص تقارير من المقاتل التي كانت بحوزتها بعيدةً عن الموضوعية، وإليك تفصيل كلّ منها:
يعدّ مقتل أبي مخنف أوّل ما وصل إلينا من تقرير مدوّن وقديم استأثر باهتمام المصادر التاريخية الرئيسة، وقد جمعه ودوّنه لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الكوفي (90 ـ 157هـ) في القرن الثاني، وكان من أشهر مؤرِّخي القرن الثاني؛ حيث كتب في موضوعات شتّى، كالسقيفة، والرِّدّة، والشورى، والجمل، وصفين، والحرَّة، ومحاصرة ابن الزبير في مكة، وإقدام عسكر يزيد على حرق الكعبة، والأحداث التي سبقتها، كمقتل حجر بن عدي، وهلاك معاوية وغيرها[1]، كانت آثاراً نادرة وقيمة، ولكنّها مع الأسف قد تلف معظمها سوى كتاب (مقتل الحسين×) الذي لم يبق كمقتل بل جمع من المصادر التاريخية التي نقلت عنه.
وعلى الرغم من تضارب الآراء حول مذهب أبي مخنف، ولكن الكتاب الذي خلّفه، أي: (مقتل الحسين×) أصبح مرجعاً لكثير من المؤرخين والباحثين من مختلف النحل ومن بينهم أهل السنة[2]، إذ لا مناص لهم ـ حين الحديث عن خلافة يزيد بن معاوية، وما اقترفه من جرائم شنيعة في كربلاء ـ عن نقل أكثره أو مجمله من مقتل أبي مخنف أو اختيار مقاطع ونقل محتواها.
وكثيراً ما كان محمد بن جرير الطبري وهو أشهر المؤرخين عند أهل السنة (المتوفى عام 310 هـ) ينقل عن مقتل أبي مخنف أحداث كربلاء، فنقل عنه ما يربو على (97) رواية مع أسانيدها، وهذا من أكثر النقول تفصيلاً عن هذا المقتل.
وقد راعى أبو مخنف الأمانة والدقّة العلمية حين نقلِه وقائعَ عاشوراء والأحداث التي دارت فيها؛ إذ نقل بواسطة واحدة عن شهود أو عدّة رواة لكلّ حادثة، ممَّن لديهم اطلاع واسع عليها، ومن جملة الرواة عقبة بن سمعان ـ مولى الرباب زوج الإمام الحسين× ـ الذي رافق الإمام× من المدينة وحتى استشهاده ثمّ وقع في الأسر وبقي حياً إلى أن خُلّيَ سبيله.
وينقل أبو مخنف ما جرى في المدينة بواسطة واحدة عن عقبة بن سمعان، وأمّا حوادث الكوفة ومجرياتها حين حضور مسلم بن عقيل والتحوّلات التي شهدتها الكوفة بعد استشهاده، يرويها عن اثني عشر راوياً كانوا من أتباعه في الكوفة، وهؤلاء كانوا ممَّن شهد الأحداث ونقلها.
وقد نقل حركة الإمام الحسين× عند توجّهه إلى الكوفة بأمانة ودقّة علمية وموضوعية عالية، فعلى سبيل المثال نقل حوادث مكة عن ستة رواة رافقوا الإمام×، ونقل الحوادث التي جرت ما بين مكة وكربلاء عن اثني عشر راوياً كان لهم حضور مع الإمام×، وأهم مقطع لمقتل أبي مخنف هو شرح أحداث يوم عاشوراء ووقائع كربلاء التي نقلها عن (28) راوياً قد سمعوها ونقلوا أخبارها، ومنهؤلاء المذكورين أربع وعشرون راوياً كانوا في جند عمر بن سعد وسائر الروايات عن الإمام السجاد والباقر÷.
وممَّن نقل عنه هو حميد بن مسلم الذي كان من المقرّبين لعمر بن سعد وقد رافق خولي الذي كان يحمل الرأس الشريف إلى الكوفة، بأمر من عمر بن سعد بهدف إخبار ذويه عن سلامته ومصرع الحسين×.
ويعدّ حميد بن مسلم من أهمّ رواة أبي مخنف في مقتل الحسين× وهو يجاري عقبة بن سمعان في دقّته وفي سعة معلوماته ونقله تفاصيل الأحداث.
يمكن دراسة مقتل أبي مخنف الذي يتمتّع بخصوصيات فريدة من جهات عديدة، مع الأخذ بنظر الاعتبار المعايير العلمية، والمؤشّرات المطروحة في ضبط الوقائع والبحث التاريخي، ولذا روى عنه مؤرِّخو كلا الفريقين؛ نظراً لمزاياه العلمية وأسانيده الدقيقة[3].
وإليك بعض تلك الخصوصيات:
ما يعنينا في مقتل أبي مخنف هو أخبار الرواة وقول الشهود، فهو ينقل عن الشهود الذين ينتمون إلى المعسكرين المتخاصمين وكانوا على علم واطمئنان بالموضوع، وقلّما يعكس وجهة نظره تجاه الأحداث إيجابيةً كانت أم سلبية، ولا ينبس ببنت شفة تجاه المشاركين في حادثة عاشوراء مدحاً أو ذماً، فهو يدوّن كلّ ما سمعه وركن إليه، ويحيل المدح والقدح إلى القرّاء، كما أنّ نوع الأخبار والتعبير المتداول فيها كان بعيداً عن الانحياز.
من الواضح أنّه قد تتوارد أخبار عديدة وقد تكون متناقضة بشأن حادثة ما، وكان أبو مخنف لاينتقي الأخبار في نقله بل كان يقدم على نقل أخبار مختلفة دون أي ترجيح في البين، هذا الأمر أصبح مثاراً للشك في مذهبه، فقد ذهب بعض إلى تشيّعه والبعض الآخر إلى تسنّنه، والجدير بالذكر أنّ كلا الفريقين يعتمدون عليه في النقل، مثلاً: نقل أبو مخنف أنّ عمر بن سعد كتب إلى عبيد الله بن زياد يقترح عليه فكرة توصّل إليها مع الحسين×:
1 ـ العودة إلى الحجاز.
2 ـ الاستجابة لبيعة يزيد ويضع يده بيده.
3 ـ اللجوء إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين.
ثمّ ينقل خبراً ثانٍ في الموضوع ذاته هكذا: عن عبد الرحمن بن جندب، عن عقبة بن سمعان، قال: «صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، ولم أُفارقه حتى قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّروه إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس»[4].
كما يشاهد أيّ محقّق مواطن أُخرى من التناقض والذي يبدو منه وضع بعضها، إلّا أنّه نقلها لأجل الحفاظ على الأمانة والموضوعية.
رغم أنّه كان من مؤرِّخي العراق وله باعٌ طويل في شؤون هذا القطر، إلّا أنّه اقتصر على نقل الأقوال حتى أنّه لم يكتفِ بأخبار شهود عيان لفاجعة عاشوراء، بل إنّه قسّم تلك الحادثة العظيمة إلى مقاطع، واعتمد في كلّ مقطع على شهود عيان موثوق بهم لأجل بيان الحقائق، فمثلاً: لجأ إلى ضبط الحوادث التي جرت على مسلم بن عقيل في الكوفة ممَّن حضر معه وكان في ركابه، كما نقل ما قام به عمر بن سعد وخطبه ورسائله ومواقفه ممَّن كانوا معه، ونقل خطب ومواقف سيّد الشهداء× من أقرب الشهود الذين كانوا برفقته.
من خصوصيات أبي مخنف في مقتل الحسين× هو إدراكه العميق لأحداث عاشوراء، وكان على علم ووعي وبصيرة بأنّ ثورة كربلاء ستكون ذات أبعاد واسعة فريدة في تاريخ الإسلام، ولهذا أقدم على ضبط تفاصيل الأحداث والقضايا المتعلِّقة بها بموضوعية، ولهذا السبب أصبح مقتله حافلاً بالتفاصيل اللازمة حول الموضوع.
ومن الخصوصيات الأُخرى هي تتبّعه الواسع بهدف التحرّي عن الحقيقة وكسب المعلومات حيث لم يكتفِ بالسماع وضبط الأخبار والبيان الإجمالي غير المسند، بل خاض في تفاصيل الأحداث وما تعلّق بها من مسائل.
ثمّة أخبارٌ متضاربة وردت في موضوع الثورة الحسينية، وقد صنّف فيها المحقّقون والباحثون كتباً ورسائل ومقالات، وفي هذا الخضم قامت ثلّة منهم ليست بالقليلة ببيان مسائل عرفانية، أو قضايا كلامية تمتّ إلى ذلك الموضوع في إطار تدوين تاريخي، كما خطّت ثلّة أُخرى خطوات أبعد من ذلك عبر بيان موارد غير قابلة للإثبات، ولاتنسجم ومكانة آل محمد(صلى الله عليه وآله)، وأقرب ما تكون إلى الخرافة.
ومن خصوصيات مقتل أبي مخنف هي اتخاذه لمنهج علمي في كتابة التاريخ، ورعاية العقلانية في نقل الأحداث، حتى أنّه لايمكن أن نلمس فيها موارد ونكات غير طبيعية وبعيدة عن العقل، وبالطبع هذا الأمر لا يعني نفي الكرامات، فقد نقل أبو مخنفأخباراً حاكية عن كرامات للحسين×، فقدكتب عند بيان علّة هلاك عبد الله بن حوزة التميمي أنّه «وقف أمام الحسين، فقال: يا حسين يا حسين، فقال له الحسين: ما تشاء؟ قال: أبشِر بالنار، قال: كلّا، إنّي أقدم على ربٍّ رحيم وشفيعٍ مطاع، مَن هذا؟ قال له أصحابه: هذا ابن حوزة، قال: ربّ حزه إلى النار. قال: فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه، وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض، ونفر الفرس فأخذه يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ شجرة حتى مات»[5].
وهذه الأخبار قد رواها رواة بصورةٍ ظاهرها الاختلاف، إلّا أنّها لاتُستبعد عقلاً، وقد نقلها جميعها كما أنّها قد تختلف مع بعض ما نقله المتقدّمون من الفريقين عن وقوع حوادث غير طبيعية في عاشوراء.
عاش أبو مخنف ما بين الأعوام (90 ـ 157 هـ)، ولم تفصله عن زمان وقوع فاجعة كربلاء عام 61هـ هوة سحيقة، وفي الواقع كان معاصراً للعديد من الشهود، وحتى المشاركين في تلك الفاجعة، فما يزال هناك عدد منهم على قيد الحياة، وإن كان لا يتجاوز أصابع اليد، عندما أخذ أبو مخنف يخطّ حوادث عاشوراء ويدوّن مقتل الإمام الحسين×، ويُعدّ هذا الأمر في ذاته من خصوصياته المميَّزة.
7 ـ إحاطته العلمية ومكانة أُسرته
من جملة خصوصيات أبي مخنف التي رفعت شأن كتاب (مقتل الحسين×) هو إحاطته العلمية ومكانة أُسرته، فقد كان له باعٌ طويل في الحديث، حتى عرف بأنّه شيخ المحدِّثين في الكوفة كما عدّه البعض من فقهاء القرن الثاني، وكالوا المديح لأسرته، وكان جدّه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين×، وتولّى إمارة أصفهان، وكان زعيم قبيلة الأزد، وهذه الخصوصيات ألقت بظلالها على خلفياته العلمية، وإتقانه الآثار وضبطه الأحداث [6].
إنّ أصل مقتل أبي مخنف ـ كماتقدّم ـ قد عاثت به يد الدهر على غرار سائر آثاره العلمية، ولم يصلنا، إلّا أنّه يمكن العثور عليه في الآثار التاريخية اللاحقة، كما يمكن العثور على أجزاء منه في ثنايا كتاب تاريخ الأُمم والملوك، وهو أثر معروف لمحمد بن جرير الطبري.
وبالطبع فإن الطبري لم يعتمد حين نقله لحوادث عاشوراء على نقل مقتل أبي مخنف فقط، بل اعتمد أيضاً على رواة وروايات أُخرى، فقد نقل عن عمار الدهني قبل أن ينقل ما رواه أبو مخنف، كما نقل عدّة روايات عن هشام حول الأحداث التي جرت في الشام والتي نقلها أبو مخنف بإيجاز، وبذلك كشف عن أبعاد أُخرى لهذه الحادثة التاريخية.
ومن الواضح أنّ نقل الطبري عن مقتل أبي مخنف يكشف عن المكانة الرفيعة لهذا المقتل إزاء نقل حادثة عاشوراء عند هذا المؤرِّخ المشهور عند أهل السنة، على الرغم من أنّه لايمكن الوقوف على أنّ ما نقله، هل كان مقتل أبي مخنف برمّته، أو بعض الموارد التي كان ينتقيها حسب عادته أو يوجزها[7]؟
تيار تاريخي آخر يوافـق أبا مخنف
ثمّة طائفة أُخرى من المصادر التاريخية حول عاشوراء اعتمد عليها أهل السنة، لم ينقل فيها الرواة مباشرةً وبالتفصيل، كما لم يرد فيها ذكرلأبي مخنف، إلّا أنّ التأمّل فيها يدلّ بالجملة على نقل حادثة عاشوراء باختصار، وتصرف طفيف بالاعتماد على مقتل أبي مخنف وسائر الرواة.
ولا يختلف نقل هذه المصادر كثيراً عن نقل أبي مخنف المستند والموضوعي، سوى في الإجمال والتفصيل، أو الكشف عن بعض الزوايا الغامضة.
ويعد أبو حنيفة الدينوري (المتوفى 282 هـ) من علماء ومؤرِّخي أهل السنة الذي نقل أحداث النهضة الحسينية، فقد تطرّق إلى بيان استشهاد الإمام الحسين× في الأخبار الطوال، مثلما ورد في مقتل أبي مخنف مع فارقٍ ضئيل تمثّل في نقل محتوى رسالة الإمام إلى أشراف البصرة، ونزول الإمام بكربلاء في يوم الأربعاء الأوّل من المحرم، ونزول عمر بن سعد بكربلاء في اليوم الثالث من المحرم، وتسلّم الإمام كتاب مسلم، كما أنّه لم ينقل خطبة الإمام الحسين× بعد صلاة العصر بأصحاب الحر بن يزيد بذريعة تشابهها مع خطبته الأُولى.
وثمّة إشكالٌ آخر يرد على الكتاب، وهو أنّه لم ينقل خطب الإمام في طريقه من مكة إلى الكوفة، كما أنّه وقع في خطأ لما ذكر أنّ أحد أبناء الإمام الحسين× هو عمر بن الحسين ويحتمل أنّه هو عمر بن الحسن، وذكر ما جرى بعد شهادة سيّد الشهداء× باختصار شديد دون نقل مصادره، وربّما نقل محتواه عن أبي مخنف بشيء من التسامح، على الرغم من عدم استبعاد وجود مصدر آخر غير مقتل أبي مخنف.
ولابن قتيبة المروزي الدينوري (223 ـ 276هـ) كتاب الإمامة والسياسة[8]، حيث ذكر فيه مقدمات قيام الإمام الحسين× وبيان حادثة عاشوراء، ولكنّه وقع في تناقضات وأخطاء فاحشة لاحصر لها، لا تُكتشف إلّا من خلال مراجعة مصادر معتبرة كمقتل أبي مخنف.
كما أشار أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفى279هـ) في باب ترجمة الحسين بن علي× إلى قيام عاشوراء، ويتّضح من خلال مطالعة وتقييم ما نقله اعتماده على أخبار أبي مخنف، نعم تبدو من بعض الموارد أنّه نقل عن غير أبي مخنف، نظير زيادة عطايا أهل الكوفة على يد ابن زياد بأمر من يزيد بن معاوية، أو جمع أهل النخيلة ودعوتهم للانضمام إلى معسكر ابن سعد.
وعلى أي حال يمكن القول بأنّ البلاذري في (أنساب الأشراف) قد اعتمد على مقتل أبي مخنف حين نقل أخبار شهادة الإمام×، نعم نقلُه لخبر منع ابن عمر الإمام× من التوجّه إلى الكوفة يدلّ على أنّه اعتمد على مصدرٍ آخر غير أبي مخنف، مع أنّه لا يبلغ مقتل أبي مخنف كمّاً وكيفاً[9].
كما تطرّق أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي (المتوفى284هـ) في تاريخه المشهور (تاريخ اليعقوبي) باختصار إلى قيام الإمام الحسين× واستشهاده، والمورد الوحيد الذي يميّزه عن مقتل أبي مخنف هو سرده لخطبة الإمام علي بن الحسين÷ في الكوفة، حيث ذمّ أهل الكوفة، قائلاً: «تنوحون وتبكون من أجلنا فمَن ذا الذي قتلنا؟!»[10].
هذا النصّ لم يورده أبو مخنف، أمّا في سائر الموارد فليس ثمّة اختلاف يُذكر مع ما نقله أبو مخنف في مقتله[11].
مع إجراء تقييم ومقارنة بين ما أورده أبو مخنف وبين المؤرِّخين بعده، مثل: الطبري، واليعقوبي، والمسعودي، والدينوري، والبلاذري، يتضّح أنّ هذه المصادر متّفقة فيما بينها وليس ثمّة اختلاف في نقل وقائع عاشوراء، رغم أنّ مقتل أبي مخنف يشكّل العمود الفقري لتلك المصادر، كما أنّ بعض المؤرِّخين مثل عز الدين ابن الأثير الذي صنّف كتاب (الكامل في التاريخ) اقتدى بالطبري، قد نهج منهجه في اعتماده الكامل على مقتل أبي مخنف عند بيان واقعة كربلاء، وكان أصل مقتل أبي مخنف ما يزال موجوداً في زمانه؛ ذلك لأنّه بعدما نقل مقاطع من المقتل ذكر عبارة (آخر المقتل) وهو شاهد على أنّه استعان بأصل المقتل، على غرار ما فعل الطبري، حيث نقل عن أبي مخنف دون تغيير[12].
لقد لاقى تاريخه إقبالاً واسعاً عند أهل السنة، وهذا الإقبال يتعلّق بمزايا الكتاب من حيث التفصيل والإسناد والموضوعية، حتى أصبح محطّاً لاعتماد أغلب مصنفي الكتب التاريخية الذين أعقبوه، فينقلون عنه ويأتون بخلاصة لذلك.
وهذا ما قام به ابن مسكويه وابن الأثير وابن كثير[13].
ويمكن أن نتلمس مقتل أبي مخنف في سائر المصادر التاريخية كمقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني (المتوفى356هـ)، والفتوح لابن أعثم الكوفي (المتوفى314هـ) وآخرين، وقد أحجمنا عن ذكرهم بسبب اتّهامهم بالتشيع من قبل بعض أهل السنة.
تأمل في رواية عمار الدهني الموضوعة
من جملة الأخبار المشكوكة بل الموضوعة التي تسرّبت إلى المصادر التاريخية المختلفة ممّا أدّى إلى سوء فهم ونشوء تعارض بين أخبار حادثة عاشوراء في المصادر التاريخية رواية عمار الدهني، هذا الخبر على طوله أورده الطبري في سلسلة أخباره وأسانيده عن شهادة الإمام الحسين× وواقعة عاشوراء، ولم يكن نقله في موضع واحد، بل في عدّة مواضع متفرّقة عبر نقل مقاطع عديدة منه أدّت في النهاية إلى استنتاج متناقض وفهم خاطئ لحادثة عاشوراء.
هذا الخبر مع أنّه مسند إلى الإمام الباقر× أحد شهود فاجعة كربلاء، إلّا أنّه لايخلو من إشكالات؛ إذ يطلب عمار الدهني من الإمام× إخباره عن تلك الفاجعة كما لو كان حاضراً هناك، ونقل الطبري على لسان الإمام الباقر× في باب حوادث عام (61 هـ) بما يقرب من أربع صفحات في مقطعين[14]، وكما تقدّم فإنّ هذا الخبر ترد عليه إشكالات كثيرة تجعل نسبته للإمام الباقر× في حيز الشك والترديد.
ومن هنا، لا يمكن الاعتماد عليه ولا الاستفادة منه في بيان حوادث عاشوراء، والوقوف على مقدّمات هذه الثورة الكبرى وأسبابها؛ لأنّه:
أ ـ لم يرد فيه ذكر لكتاب يزيد بن معاوية إلى الوليد عامله على المدينة لمّا أمره بأخذ البيعة من الإمام الحسين×، مع أنّه تسالمت المصادر المختلفة على نقله.
ب ـ لقد أورد خبر مجيء الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس إلى الحسين×، ومنعه من الذهاب إلى الكوفة لا يظهر فيه الحر كقائد مكلّف بمهمّة خاصّة، بخصوص الإمام الحسين× ولا يبدو أنّ مرافقيه ألف جندي يقومون بمراقبة الركب الحسيني والإحاطة به، وهذا ما أكّدته جميع المصادر.
ج ـ إنّ ما ورد في خبر عمار الدهني، والذي نسب إلى الحر بعد لقائه بالإمام× حيث قال: «ارجع فإنّي لم أدَع خلفي خيراً أرجوه لك»[15] ، وقد نسبه آخرون إلى امرئ من بني عكرمة أقبل من الكوفة، يوحي ذلك إلى أنّ الحر مجرّد مسافر كالذي تقدّم أو كالفرزدق وأمثاله ممَّن لاقوا الركب الحسيني في الطريق صدفةً ونصحوا الإمام أثناء لقائهم به.
د ـ ورد في هذا الخبر مواجهة الإمام الحسين× لعسكر عبيد الله بن زياد بعد لقائه بالحر، وهذا الأمر في الواقع أدّى إلى عدول الإمام× عن الذهاب إلى الكوفة والتوجّه إلى كربلاء، في حين أنّ من الأُمور المسلَّمة في تاريخ عاشوراء أنّ الحر وجنوده كانوا السبب في اتّخاذ مثل هذا القرار.
هـ ـ لايخلو حديث الإمام الباقر× ـ طبقاً لنقل عمار الدهني ـ من الغموض والمدعاة للتساؤل؛ ممّا يجعل نسبته للإمام× غير ممكنة ومحاطة بهالة من الإبهام.
ثمّة تيار آخر له تأثيره في تزويد أهل السنة بالمعلومات عن ثورة كربلاء، منشأه أخبار ابن سعد المعروف بالكاتب الواقدي، ويبدو أنّ هذه الأخبار تلفيقية من نقل أُستاذه الواقدي وانطباعاته وتصوراته عن حادثة عاشوراء، وتفتقد طبقات ابن سعد المعروضة في الأسواق لهذا المقطع وطبعت من دونه، وفي السنوات الأخيرة عثر المحقِّق السيد عبد العزيز الطباطبائي على نسخ أصلية وقديمة لهذا الكتاب، تحتوي على أخبار مقتل الحسين× وقام بطبعها على حدة، تحت عنوان: (ترجمة الإمام الحسين×).
وكما سنبيّن فيما يأتي أنّ هناك من شكّك في أوساط أهل السنة بنهضة الإمام الحسين× وشهادته من جهات متعدّدة، أو قام بتحريف وقائعها، معتمداً في ذلك على أخبار ابن سعد في طبقاته، أو على مؤلّفات متأثرة بأخباره، وهذا ما يدعونا إلى التأمّل في أبعاد أخبار ابن سعد وتقييمها.
كان ابن سعد من كتّاب السير والتراجم، حيث استعرض في كتابه المعروف بالطبقات الكبرى سير صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) والتابعين وفقاً لطبقاتهم، لهذا كانت نظرته إلى القضايا ومنها أحداث عاشوراء من باب السير الذاتية، وأجاز لنفسه التصرّف في أحداثها، رغم أنّ هذا الأمر لايتّفق مع الموضوعية وحفظ الأمانة.
وعلى هذا الأساس فقد حازت نظرته ورواياته على اهتمام مَن لديهم مؤلّفات على شاكلته، نظير: ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن حجر في الإصابة، والذهبي في تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء، وابن حجر في تهذيب التهذيب، والمزي في تهذيب الكمال وغيرهم.
مرور على أخبار ابن سعد وإشكالاتها
إنّ أخبار ابن سعد عن عاشوراء وأحداثها والتي صدرت تحت عنوان: (ترجمة الإمام الحسين×) لاتخلو من إشكالات نوجزها في النقاط التالية:
1 ـ الاعتماد على رواة لم يشهدوا حادثة عاشوراء
ابن سعد وخلافاً لأبي مخنف والطبري حذف أسانيد الروايات دون أن يحدّد هذا الخبر أو ذاك عمَّن يرويه، وعدد الوسائط التي نقل عنها، فهو بدايةً يورد أسماء رواته ورواة أُستاذه الواقدي ثمّ يشير بصورة عامّة إلى أنّه سمع عنهم بعض الأُمور حول الإمام الحسين×.
ونظرة خاطفة إلى سير هؤلاء الرواة الذين اعتمد عليهم تدلّ على أنّه لم يكن لهم حضور في الأحداث المرتبطة بعاشوراء، كاستشهاد مسلم بن عقيل، ونزول الإمام الحسين× بكربلاء، ومواجهة الإمام للحر بن يزيد الرياحي وأصحابه، والحوادث التي أعقبت دخول الركب الحسيني إلى كربلاء خاصّةً في عاشوراء، واستشهاد الإمام الحسين×، وأيضاً سبي حرم الإمام×، ولم يشهدوا أياً منها، وهذا ما يثير الشكوك بصحّة هذه المعلومات ودقّتها، وهذه الطائفة من الروايات لاتصمد أمام اعتبار روايات أبي مخنف.
إنّ أخبار ابن سعد مع صرف النظر عن صدق رواتها أو كذبهم وارتباطهم بالبلاط الأُموي تعاني تناقضاً ذاتياً، وتهافتاً جلياً في موضوعات شتّى، هذا التناقض قلّل من مكانتها، وجعلها في عداد الموضوعات غير الموثوق بها:
ورد في رواية ابن سعد أنّ يزيد بن معاوية أمر الوليد بن عتبة ـ عامله على المدينة ـ بمداراة الحسين×؛ لأنّ أمير المؤمنين معاوية كان قد أوصى به، إلّا أنّ الوليد أخذ الحسين أخذاً شديداً، بينما يعترف ابن سعد في موضعٍ آخر أنّ يزيد كتب إلى عامله: خُذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا.
كان مروان بن الحكم عدواً لدوداً لأهل البيت^، وقد اعترف ابن سعد بذلك لمّا دعا يزيد عامله الوليد إلى أخذ البيعة له من تلك الثلّة، فزع عند ذلك الوليد إلى مروان لاستشارته في الأمر، فقال: أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قبلت منهم، وكففت عنهم، وإن أبوا قدّمتهم فضربت أعناقهم! ومع ذلك فقد أورد ابن سعد خبراً مفاده أنّ مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد بعثا بكتاب إلى ابن زياد طلبا منه مداراة الحسين×، ولم يرد خبر كتاب مروان وطلبه المداراة في أي مصدر تاريخي آخر.
ثمّة مقاطع في أخبار ابن سعد حول عاشوراء لاتدعمها أخبار الفريقين فحسب، بل تخالفها أيضاً، مع معارضتها لمسلّمات التاريخ وما تواترت عليه الروايات.
وبيان تفاصيل هذه الأخبار وإثبات مخالفتها للمسلّمات التاريخية بحاجة إلى مجالٍ أوسع، ونكتفي ببعض النماذج للاطلاع على بعض تلك المواضع:
ورد في المصادر التاريخية أنّ عبد الله بن عمر بن الخطاب كان من خصوم يزيد بن معاوية وخلافته، ولما وصل كتاب يزيد إلى عامله الوليد لطلب البيعة كان عبد الله بن عمر في المدينة، بينما نقل ابن سعد أنّ ابن عمر كان في العمرة في مكة، ولم يبدِ مخالفةً لتولّي يزيد الخلافة، بل انقاد لبدعة معاوية في جعل الخلافة إرثاً وعهده إلى يزيد، ولمّا لاقى الحسين× أثناء توجهه إلى مكة في منطقة الأبواء بعد عودته من مكة إلى المدينة، حذّره من الخروج على يزيد قائلاً:
إنّي محدّثك حديثاً: إنّ جبرئيل أتى النبي(صلى الله عليه وآله) فخيّره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يُرِد الدنيا، وإنّك بضعةٌ من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والله، ما يليها أحدٌ منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلّا للذي هو خيرٌ لكم. فأبى أن يرجع، قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى[16].
ب ـ دفن جسد الحسين× بيد غلام زهير
نقل ابن سعد أنّ زوج زهير بن القين قالت لغلام له يقال له شجرة: انطلق فكفّن مولاك، قال: فجئت فرأيت حسيناً ملقى، فقلت: أُكفّن مولاي وأدع حسيناً، فكفنت حسيناً، ثم رجعت فقلت ذلك لها، فقالت: أحسنت، وأعطتني كفناً آخر، وقالت: انطلق فكفّن مولاك، ففعلت [17].
لم يوثّق هذا الخبر أيُّ مصدرٍ تاريخي، بل أجمعت المصادر أنّ قبيلة بني أسد التي كانت تقطن أطراف الفرات هي التي أقدمت على دفن الشهداء، لا غلام زهير الذي أقبل من الكوفة، وبعد وصوله كربلاء رأى جثة سيّد الشهداء الطاهرة× فعاد إلى الكوفة وأحضر كفناً جديداً وكفّنه به ودفنه.
وثمّة شكوك تحوم حول صحّة هذا الخبر، منها: لماذا لم ينقل الغلام شيئاً عن سائر الشهداء ولم يتحدّث عنهم كتعبير عن شعوره تجاههم؟ وكيف عرف الحسين× وهو مقطوع الرأس ملقى في العراء، مسلوب العمامة والرداء؟ لماذا ظلّ ما قام به غلام زهير بعيداً عن أنظار سائر المؤرِّخين، وأهل السير، وعلماء الرجال، والأهمّ من كلّ هؤلاء أهل بيت الحسين×، دون أن تشير إليه الروايات والأحاديث والزيارات، ولم يرد في حقّه إطراء ومدح على لسان الأئمّة المعصومين^؟
ج ـ الاستناد إلى خبر عمار الدهني وكعب الأحبار
نقل ابن سعد عن عمار الدهني أنّه قال: «مرَ عليّ على كعب الأحبار فقال: إنّ من ولد هذا لرجل يُقتل في عصابةٍ لا يجفّ عرق خيولهم حتى يردوا على محمد(صلى الله عليه وآله). فمرّ حسن، فقالوا: هو هذا يا أبا إسحاق؟ قال: لا. فمرّ حسين، فقالوا: هذا هو؟ قال: نعم»[18].
ثمّة نقاط في خبر ابن سعد تدلّ على عدم دقّته، وتحريفه لحادثة كربلاء، من جملتها التنبؤات الواردة فيه:
1 ـ كيف ظفر كعب الأحبار بهذه المعلومات، فهل كان عالماً بالغيب؟!
2 ـ توفي كعب عام (32هـ) في عصر خلافة عثمان بن عفان، وكان عمار الدهني حياً حتى أواسط القرن الثاني، فكيف ينقل عنه مرفوعاً؟! والحديث المرفوع ليس بحجّة.
3 ـ كان كعب من خصوم علي×، وأكثر الموضوعات تُنسب إليه، فلايمكن الاعتماد على أخباره.
لقد تأثّر كُتّاب أهل السنة بابن سعد واستندوا إلى أخباره؛ بهدف معرفة الإمام الحسين× وثورته من جهة، ومعرفة يزيد وموقفه في النهضة الحسينية من جهة أُخرى:
أ ـ ومن الذين اعتمدوا على أخبار ابن سعد في الطبقات لفهم حادثة عاشوراء ومعرفة سيد الشهداء× هو ابن عساكر الدمشقي، حيث استعرض في كتابه تاريخ مدينة دمشق سيرة الصحابة والتابعين، فلمّا وصل إلى الحسين بن علي÷، أورد معظم أخبار أهل السنة حول أبعاد شخصية الإمام× وأحياناً ينقل بعضها بأسانيد مختلفة، إلّا أنّ ما قام به لايخلو من نقاط ضعف، نجملها بما يلي:
1 ـ اعتمد على روايات ابن سعد فقط، ونظر إلى عاشوراء من منظار ابن سعد وتوجّهاته، مع توفّر روايات من الطبقة الأُولى بهذا الشأن كمقتل أبي مخنف.
2 ـ لم يهتمّ ابن عساكر بتدوين التاريخ، بل بذل عنايته بالسيرة والرجال، وقام بالتحريف والجعل الواضح، وأتى بروايات لم يرد لها ذكر في طبقات ابن سعد، ولم تُضبط في أي مصدر قبله، من جملتها مشاركة الإمام الحسين× في الحملة على القسطنطينية بقيادة يزيد بن معاوية، وحضور الحسن والحسين÷ لدى معاوية وإغداقه العطايا عليهما، ودخول الحسين× على معاوية وإطلاق لقب خال المؤمنين عليه، وعشرات الأخبار المجعولة التي لم يرد لها ذكر في أي مصدر، قد نقلها ابن عساكر كدليل على العلاقة الحسنة بين الإمام الحسين× وبني سفيان؛ بهدف إضفاء الشرعية على حكم بني سفيان، وإظهارهم بوشاح الدين والشريعة[19].
3 ـ إنّ مناقشة أسانيد روايات ابن عساكر ومحتواها حول عاشوراء، وميوله الواضحة تجاه معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد يتطلّب مجالاً أوسع ودراسة مستقلّة، إلّا أنّنا نجد تناقضات كثيرة في أخباره؛ ذلك لأنّه لم يستطع أن يُنكر بشكل كامل الروايات والأحاديث الكثيرة في مقام الإمام الحسين× ومنزلته، هذا من جهة، ومن جهةٍ أُخرى أورد روايات عديدة موضوعة لا أساس لها من الصحّة حول تنزيه بني سفيان ممّا اقترفوه.
ب ـ إضافةً إلى ابن عساكر فهناك مَن هم على شاكلته من أصحاب السير، الذين لم يكونوا طلّاب حقيقة، حيث أقبلوا ـ بحسب ما يقتضيه عملهم ـ على الروايات الموضوعة والأساطير ووجدوا في روايات ابن سعد حول عاشوراء ضالّتهم المنشودة، كشمس الدين محمد الذهبي (673 ـ 748هـ)، حيث استند في كتابيه (تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء) إلى روايات ابن سعد ومَن لفّ لفّه، والتي منها خبر عمار الدهني الذي أورده في مقام توجيه ما اقترفه يزيد، كما نقل نصائح بعض الصحابة للإمام الحسين× بصورةٍ مبالغٍ فيها جداً واحترازه عن نقل خطب الإمام الحسين× حول الأوضاع والظروف المحيطة به، وأسباب ثورته، وخصوصيات الحكم والحاكم العادل[20].
ج ـ نقل جمال الدين يوسف المِزّي في القسم الأوّل من تهذيب الكمال روايات ابن سعد المتعلِّقة بحركة الإمام× من المدينة وحتى خروجه من مكة، والأخبار الواردة عن شهادته على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأيضاً نقل نصائح بعض الصحابة للإمام× بثنيه عن المضي في مسيره نحو العراق.
ونقل حتى الرسائل الموضوعة لمروان بن الحكم وعمر بن سعد إلى ابن زياد بمداراة الحسين× بشكلٍ كامل، ولكنّه اهتمّ كثيراً بخبر عمار الدهني حول مسير الإمام الحسين× من مكة، رغم ما في خبر عمار الدهني من هفوات، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الوضع المتعمّد، والتحريف الواضح لنهضة الإمام الحسين×[21].
د ـ وقد تبع ابن حجر العسقلاني نهج المزي وسائر أصحاب السير حول نهضة الحسين× في كتابه (تهذيب التهذيب) وجعل نصب عينيه رواية ابن سعد المتعلّقة بعاشوراء والقضايا المحيطة بها، واستعان كذلك في بعض المواضع بخبر عمار الدهني، وبهذا النحو أعاد كتابة تاريخ عاشوراء بنظرة تفتقر إلى الموضوعية، وهذا النهج اختطّه أيضاً في كتابه الآخر (الإصابة في تمييز الصحابة)، وقد أدّى ذلك إلى تحريف تاريخ واقعة عاشوراء[22].
هـ ـ أورد ابن كثير الدمشقي (701 ـ 774هـ) أكثر الأخبار تحريفاً عن هذه الواقعة، ونقل تفاصيلها في كتابه المعروف (البداية والنهاية)، وصرح دون أدنى مواربة أو لبس قائلاً: «وساق محمد بن سعد كاتب الواقدي هذا سياقاً حسناً مبسوطاً»، وبهذه الصورة رجّح نقل الأخبار الغاصّة بالتحريف والتناقض عن نهضة الإمام الحسين× واعتبرها الأفضل.
ثمّ إنّه قام بالنقل عن الرواة الآخرين كأبي مخنف؛ كي يزيل عن نفسه تهمة التقليد المحض لابن سعد، ويُضفي الطابع العلمي الموضوعي على روايته، إلّا أنّه اعتمد بصورة رئيسة على نقل ابن سعد، وإنّما جاء بأخبار غيره من الرواة للتأكيد على روايات ابن سعد وتوجّهاته، وقد اتّبع ابن كثير في كتابه الآنف الذكر أستاذه ابن تيمية، وسلك منهجاً متعصّباً ومتطرّفاً مناوئاً للشيعة، حتى زاد في التعصّبٍِ والتطرّف على أتباع يزيد أنفسهم في مواضع، وفي مواضع أُخرى انتقد ابن عساكر لنقله أخباراً بخصوص دخالة يزيد باستشهاد الإمام الحسين×، وفي مواضع أُخرى يُشكل على أبي مخنف، ويعتبره منشأ الكثير من الأكاذيب دون أن يأتي بدليل على اتّهاماته هذه[23].
ومن الطبيعي أن ينقل ابن كثير الروايات المجعولة أو المُختلقة التي تثني على يزيد، كمشاركة الإمام الحسين× في حملة المسلمين على الروم في عهد معاوية دون أن يقدّم دليلاً على ذلك، فقد ذهب أبعد من ابن عساكر في تنزيه بني أُميّة وتقديسهم لا سيما معاوية، حيث ينقل أنّ الإمام الحسين× كان لديه سفر سنوي إلى الشام بعد وفاة أخيه الحسن×، وحضوره في مجلس معاوية واحترام معاوية له، وممّا يجدر ذكره أنّ هذا النقل أورده مثل ابن عساكر في البداية ليدلّل على انحيازه التامّ لمعاوية وابنه يزيد، من هنا قد تجاهل ابن كثير منذ البداية التحرّي عن الحقيقة والموضوعية الذي هو من مستلزمات التدوين العلمي المنهجي[24].
وهو ممَّن أنكر إرسال سبايا أهل البيت^ ورأس الإمام الحسين× إلى الشام بهدف إثبات براءة يزيد، وقام في هذا السياق بردّ الحقائق التاريخية المسلمة حتى عند أهل السنة أنفسهم دون إبداء أي دليل أو سند[25]، رغم أنّه كان يرفع يده أحياناً عن هذا الإنكار في بعض المواضع لكنه حينما عرج على أخبار إرسال الرأس الشريف وقع في التناقض الصريح لمّا قال: «وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين، هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا؟ على قولين، الأظهر منهما أنّه سيّره إليه، وقد ورد في ذلك آثارٌ كثيرة»[26].
وبهذه الطريقة أراح نفسه عن الإتيان بدليل على ذلك من التاريخ سواء أكان معتبراً أم لا.
وهو غالباً ما يتشبث باجتهاده وظنّه بدل التمسّك بأخبار معتبرة عن عاشوراء، لما أنكر رضا يزيد بقتل الحسين× قائلاً: «والذي يكاد يغلب على الظن أنّ يزيد لو قدر عليه قبل أن يُقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرّح هو به مخبراً عن نفسه بذلك، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك، وشتمه فيما يظهر ويبدو، ولكن لم يعزله على ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك، والله أعلم»[27].
في هذا المقطع من كلام ابن كثير نلمس جعل أخبار عدم رضا يزيد بقتل الحسين× ووصية معاوية لابنه يزيد بمداراة الحسين×، ونلاحظ تخبّطه وحيرته من النقد الوارد على رأيه ببراءة يزيد، حينما تصدّى للإجابة بدل بيان عدم صوابه ومجانبته الحق، ثم يختمه بجملة: والله أعلم.
وعلى أيّ حال، فابن كثير انطلاقاً من نزعته الأُموية لا يأبه من إمساك القلم وتحريف الوقائع التاريخية والحقائق المسلَّمة، التي هي أظهر من الشمس في رابعة النهار لصالح بني أُميّة، وتصوير نهضة الحسين× وأصحابه بنحوٍ تبتعد عن العقلانية والتريّث والصبر، وينسب إلى يزيد فضائل لم يرد لها ذكر في أيّ مصدر على الإطلاق، منها:
1ـ يثني على يزيد لحدّة دهائه وفطنته، وينظر إلى حماقاته التي قوّضت حكم بني سفيان نظرةً إيجابية.
2ـ يلوم ابنُ كثير الإمامَ الحسين× في مواطن كثيرة؛ بسبب عدم رضوخه لنصائح الآخرين[28]، وفاته القول أنّ هؤلاء الناصحين اعتراهم الخوف من بطش يزيد وابن زياد، وهل قاموا بتبرير شرعية خلافة يزيد كي يعدل الإمام× عن رأيه بالذهاب إلى الكوفة؟ كما نَسب إلى الحسين بن علي÷ العجلة وحبّ السلطة والجاه والنفاق، دون التحرّي عن شواهد تاريخية أو روائية أو قرآنية تعضد مدّعاه.
3 ـ ممّا قام به ابن كثير هو نقل خطبة بليغة لابن زياد حينما عزم على الذهاب إلى الكوفة، وحذف خطب الإمام الحسين×، وقد أسفر كلّ هذا عن تبرير ما ارتكبه يزيد من جرائم بشعة، وتحريفٍ فاضح لتاريخ ثورة كربلاء.
4 ـ ذكر أخباراً حول شهادة الحسين× تدلّ على أحقيته× وأصحابه، وبطلان نهج يزيد وابن زياد على الصعيد الحماسي والعاطفي والمعنوي والعرفاني، تحت عنوان (بعض المشايخ) إلى جانب أخبار أبي مخنف للحدّ من تأثير شهادة الإمام× على مختلف الأبعاد، ولإنقاذ يزيد من حربة الاستهداف والذمّ، فهو في الواقع من خلال حملاته المكرّرة على أبي مخنف يدعم الروايات المخالفة والتي أغلبها مرسلة ومجهولة الراوي، وبذلك يقوم بدور تكميل حلقة تحريف التاريخ بدل الإصحار بالحقيقة والواقع.
ويتدرّج عند بيان حادثة عاشوراء في ذمّ الشيعة، ويجد أنّ مهمّته الأُولى تتلخّص في نفي التشيّع، وتكذيب الأخبار الواردة عن حادثة كربلاء ـ والتي نالت قبولاً لدى أوساط الشيعة وفريق كبير من أهل السنة ـ دون أدنى تأمّل.
وثمّة مصادر دُوّنت بعد القرن السابع الهجري وكانت ناظرة إلى ما سبقها من مصادر وسوف نستعرضها في ثنايا هذا الكتاب.
وقد نظر محقِّقو أهل السنة المعاصرين إلى حادثة عاشوراء نظرةً إيجابية، وظفروا بحقائق تاريخيّة عبر انتهاج أُسلوب علمي موضوعي، وكشفوا النقاب عن أبعاد أُخرى لهذه الحادثة، ودعوا الناس إلى التأسّي بها، والنظر إليها كحركة تحرّرية.
وفي نفس الوقت تبنّت ثلّة من الكتّاب المعاصرين الدفاع عن مواقف ابن تيمية وأتباعه كابن كثير، التي نجد جذورها في الروايات الموضوعة لابن سعد في طبقاته وتأكيدهم عليها تحت عناوين مختلفة، كالدفاع عن الحضارة الإسلامية، أو البحث في التاريخ بموضوعية بعيداً عن العواطف والعقائد المسبقة.
وفي هذا السياق ـ الدفاع عن يزيد وتأييد الخط الأُموي ـ صدرت كتب في هذا المجال، منها: (تاريخ الدولة الأُموية) و(تاريخ الأُمم الإسلامية) و(تاريخ الدولة العباسية) للشيخ خضري بك المصري، وكتاب (براءة يزيد بن معاوية من دم الحسين) للدكتور محمد إبراهيم، وكتاب (أباطيل يجب أن تُمحى من التاريخ) للدكتور إبراهيم شعوط، هذا إلى جانب الكتب التي صنّفتها الوهابية والتي عند مقارنتها بالمؤلّفات التحقيقية الكثيرة لأهل السنة لايُعتدّ بها.
هذه الفئة وخلافاً لادّعاءاتها وتبريراتها الواهية، قد ذبحت التاريخ والحقيقة على مسلخ المصالح الفئوية والمذهبية، وزاغت عن الصواب في أحداث عاشوراء وثورة كربلاء، وبذلك خلقت المزيد من المشاكل والمتاعب أمام الدراسات العلمية لتدوين التاريخ وكتابته.
خلافة يزيد بن معاوية
احتدم جدل في أوساط أهل السنة حول إطلاق عنوان الخلافة على حكم يزيد بن معاوية، فحينما يبحث علماؤهم الثورة الحسينية تجدهم وبشكلٍ طبيعي يتأمّلون في الأُسس الشرعية لحكومة يزيد ومشروعيتها، ويقومون بتقييمها والحكم عليها.
ممّا دعا بطائفة منذ البداية إلى تخصيص الخلافة الإسلامية بالخلفاء الأربعة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) والإمام الحسن×، ورفضت أيّ توسيع لدائرة الخلافة بعد الحسن×، وقد تمسّك أتباع هذه النظرة بحديثٍ للنبي(صلى الله عليه وآله) وأقوال لكبار الصحابة والتابعين، فقد كتب السيوطي يقول: «أخرج ابن أبي شيبة في المصنف، عن سعيد بن جمهان، قال: قلت لسفينة: إنّ بني أُميّة يزعمون أنّ الخلافة فيهم. قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك من أشرّ الملوك وأوّل الملوك معاوية»[29].
وذهبت طائفةٌ أُخرى إلى عدم تحديد الخلافة في إطار زمني معيّن، وأصرّوا على شرعية خلافة يزيد؛ بدليل الخصائص الشخصية ليزيد، وانعقاد البيعة له من قبل غالبية المسلمين، وهؤلاء يعتقدون بأنّ بيعة يزيد تمّت من قبل الجميع إلّا ثلّة قليلة من المسلمين، وأوّل مَن بايع هم أهل الشام، أو أهل الحل والعقد فيها، ثمّ بقية الأمصار وأطرافها، وإلى ذلك أشار ابن خلدون بقوله:
«كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد، وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجّة في الباب، والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون مَن سواه إنّما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتّفاق أهوائهم باتّفاق أهل الحلّ والعقد عليه حينئذٍ من بني أُميّة؛ إذ بنو أُميّة يومئذٍ لايرضون سواهم وهم عصابة قريش، وأهل الملّة أجمع وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممَّن يظن أنّه أولى بها»[30].
ويصرّح مؤلّف كتاب تاريخ الأُمم الإسلامية بذلك ضمن تخطئته قرار الإمام الحسين× بالخروج على يزيد، فعبّر قائلاً:
«أمّا الحسين فإنّه خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر منه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف»[31].
وتابعه على ذلك محمد عزة دروزة، حيث وجد في ثورة كربلاء أزمة تهدّد خلافة يزيد، وقال:
«كان الحسين معترفاً بشرعية خلافة معاوية المستندة إلى بيعة جمهور أهل الحل والعقد العامّة له، وبتنازل الحسن له وبيعته هو وإخوته له، وهو يعرف أنّ خلافة يزيد مستندة إلى مثل هذه البيعة، ولايجهل أنّ الخروج على الإمام المستند إلى مثل هذه البيعة موضوع وعيد وتنديد نبويين شديدين، وعدم مبايعته شخصياً ليزيد، وصلته برسول الله(صلى الله عليه وآله)، واعتقاده بأفضليته وأولويته، بل والتسليم بذلك لايمكن أن يبرّر له الخروج عليه والدعوة إلى نقض بيعته في نطاق توجيه الأحاديث النبوية العديدة»[32].
وممَّن اتّجه هذا الاتجاه في الفترة الأخيرة الدكتور إبراهيم علي شعوط، إذ قام بالدفاع عن خلافة يزيد والتشكيك بشرعية ثورة كربلاء قائلاً:
«يزيد بن معاوية خليفة بايعه المسلمون في العاصمة الكبرى للمسلمين وهي دمشق، التي حلّت محلّ المدينة، وإنّهم يقومون الآن مقام أهل الحلّ والعقد من المهاجرين والأنصار»[33].
وذهب آخر أبعد من ذلك؛ إذ أنكر مخالفة أهل البيت^ ليزيد والخروج عليه[34].
إنّ الفهم الصائب لهذه الأقوال بحاجة إلى البحث عن مفهوم الخلافة في التاريخ والفقه السياسي لأهل السنة، وهذا لا يتيسر إلّا بالتنقيب في النصوص والأسانيد التاريخية؛ لنرى السبل التي اتّخذها يزيد للوصول إلى سدّة الحكم، وأيضاً مدى انطباق تعريف وشروط الخلافة الإسلامية على شخصية يزيد وأفكاره، بهدف فرز الحقائق عن الأباطيل.
لم تذكر المصادر التاريخية تعريفاً للخلافة والخليفة، واكتفت بالإشارة بخصوص الخليفة إلى المصاديق والأوصاف، ومدّة التصدّي للخلافة، ولهذا الأمر أدلّة عديدة، منها: وضوح هذا المفهوم لدى المؤرِّخين، وفي الواقع فإنّ المؤرِّخين من خلال تقرير حياة وسيرة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) عرجوا على عصر الخلفاء، معتبرين فترته تمتدّ منذ عام (11هـ) حتى نهاية عصر الإمام علي× أو الإمام الحسن×، أو حتى سقوط بغداد (657هـ)، وأطلقوا عنوان خليفة المسلمين على مَن تسلّم مقاليد الأُمور في مركز خلافة العالم الإسلامي في دمشق أو بغداد.
والنكتة الأُخرى الجديرة بالذكر، هي بيان هذا المفهوم لغةً من خلال كتب اللغة والأدب، وتعريفه الاصطلاحي في الفقه السياسي، والذي ظلّ الاهتمام به غائباً حتى السنوات الأخيرة.
وعلى أيّة حال فإنّ علماء أهل السنة وبسبب ارتباطهم التاريخي الوثيق والمستمر بالبلاط الحاكم، سبقوا غيرهم من الفرق الإسلامية في بيان الفقه السياسي، والذي من مفرداته مفهوم الخليفة والخلافة، وقلّما نلمس اختلافاً وتشتّتاً في هذا المجال.
والخلافة لغةً: تعني نيابة الولي والإمام، وقد ارتبطت إلى حدٍّ كبير بالحكم من منظار فقهاء الإسلام وبعض المؤرِّخين، حيث عرّفت على الوجه التالي: «هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمة»[35]، كما نستخلص من تعريف آخر: «إنّ الخلافة هي نيابة النبي في إقامة الدين وحفظ حدوده بنحو لازم الاتّباع»[36].
وذكر أبو الحسن الماوردي تعريفاً آخر للخلافة حيث قال: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وعقدها لمَن يقوم بها في الأُمّة واجبٌ بالإجماع»[37].
و هذا التعريف في الواقع لايختلف عن التعريف السابق إلّا في الألفاظ، ومن بين المؤرِّخين المسلمين الذين قاموا بتعريف الخلافة، عبد الرحمن بن خلدون، فقد أضفى عليها صبغة دينية، حيث قال:
«الخلافة في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به»[38].
و يمكن القول من مجموع ماتقدّم أنّ الخلافة: هي نيابة النبي(صلى الله عليه وآله) في حفظ وتفسير ونشر الدين وتدبير أُمور المسلمين بالاستناد إلى أحكام الدين ونظرياته.
بعد اتّضاح مفهوم الخلافة من منظار أهل السنة، نرى من المناسب بيان شروط الخلافة، فما هي الشروط والخصوصيات اللازمة لتولّي الخلافة الإسلامية، وعلى ضوئها تكون خلافته شرعية، فإذا اختلّ شرطٌ أو عدّة شروط منها زالت الشرعية عن الخلافة؟
وبإلقاء نظرة خاطفة على مصادر وآثار أهل السنة التي دوّنت حول الخلافة والخلفاء، نستنتج أنّهم وبسبب تراكمات تاريخية لم ينظروا في القرآن والسنة النبوية بموضوعية وتجرّد، كي يتم على ضوء ذلك البحث عن الخلافة الإسلامية وشروطها بنزاهة، بعيداً عن أيّ حكمٍ مسبق أو متحيّز، ومن ثمّ البحث عن كيفية انتقال الحكم، بهدف تطبيق معايير وشروط الخلافة على مَن ادّعاها، أو على من تولّاها قهراً في تاريخ الإسلام.
وذهب علماء أهل السنة إلى اعتبار سيرة الخلفاء الراشدين حجّة وفصل الخطاب، بسبب استبعاد ارتكابهم للذنوب، من هنا اعتبروا الخط الذي سار عليه الخلفاء في الحكم وخصوصياته من جملة الشروط الشرعية وآلية مقبولة لنقل الخلافة الإسلامية ودوامها، وأنّ الشروط التي اعتبرها علماء أهل السنة في ذلك بعد ملاحظة خصوصيات الخلفاء الراشدين، عديدة ومتنوعة وأكثرها محل اتّفاق بينهم إلّا كونه قرشياً فقد اختلفوا فيه، وإليك تلك الشروط بشكل مقتضب:
هذا الأصل محلّ اتّفاق بين علماء أهل السنة، فقد ذهب الفقهاء والمؤرِّخون من أهل السنة إلى أنّ العدالة شرطٌ لازمٌ لتولّي الخلافة، والفاسق ليس جديراً بالإمارة على المسلمين وخلافة رسول الله’ في أمر الدين والدنيا، نعم أُسلوب بيان هذا الموضوع مختلف عند العلماء، فعلى سبيل المثال صرّح أبو يعلى الفراء الحنبلي بهذا الشرط في ضمن الشرط الثاني عند بيان شروط الخلافة، وقال: «وأمّا أهل الإمامة فيعتبر فيهم أربع شروط... الثاني: أن يكون على صفة مَن يصلح أن يكون قاضياً، من الحرية والبلوغ والعقل والعلم والعدالة. والثالث: أن يكون قيّماً بأمر الحرب والسياسة وإقامة الحدود، لا تلحقه رأفة في ذلك، والذبّ عن الأُمّة. الرابع: أن يكون من أفضلهم في العلم والدين»[39].
وقد كتب الماوردي عند بيان شروط أهل الإمامة يقول: «وأمّا أهل الإمامة فالشروط المعتبر فيهم سبعة: أحدها: العدالة على شروطها الجامعة»[40].
وهناك مَن ذهب إلى أنّ العدالة شرطٌ لازمٌ للخليفة وإمام المسلمين، وإذا كان هناك ترديد أو إبهام فإنّما يقع في الشروط الزائدة عليها، كالشجاعة والقرشية ونحوها، ويرى ابن خلدون أنّ العدالة شرطٌ لازمٌ للخليفة، وقد خالف بشدّة عدم تحقّق هذا الشرط في يزيد بن معاوية حينما عقد معاوية له ولاية العهد، أو على الأقل أنّ معاوية كان على علم بذلك، ومع ذلك أصرّ على أخذ البيعة له، ويقول: «وأمّا العدالة فلأنّه منصبٌ دينيٌّ ينظر في سائر المناصب التي هي شرطٌ فيها، فكان أولى باشتراطها فيه، ولا خلاف في انتفاء العدالة فيه بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات وأمثالها»[41].
وحول جهل معاوية بفسق يزيد، يقول: «إيّاك أن تظن بمعاوية أنّه علم ذلك من يزيد، فإنّه أعدل من ذلك وأفضل، بل كان يعذله أيّام حياته في سماع الغناء وينهاه عنه»[42].
والنكتة التي لاينبغي استبعادها هي تأكيد بعض الفقهاء على عدالة المجتمع، وقد عبّر البعض بالعدالة والتديّن، والمراد منها وجود العدالة بكلا المعنيين:
1ـ وجود ملكة في المرء تمنعه من ارتكاب الذنوب الكبيرة وتكرار الذنوب الصغيرة.
2ـ السلوك المتّصف بالقسط والعدل مع الناس.
شرط الفقاهة محلّ اتّفاق بين أوساط علماء الإسلام لا سيما أهل السنة، كما مرّت الإشارة، وقد قام بعضٌ ببيان أنّ الخليفة لا بدّ أن يتمتّع بأعلى درجات الفقاهة كي يتصدّى لمقام القضاء، وأمّا البعض الآخر فصرّح أنّه: «العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام»[43]، كما كتب الجرجاني عند شرحه لكتاب المواقف للقاضي عضد الدين الإيجي، يقول: «الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقّها مَن هو مجتهد في الأُصول والفروع»[44].
وتصدّى أحد المحقِّقين للبحث في هذا المقام، وذهب إلى أن شرط الفقاهة للإمام وخليفة المسلمين محلّ اتّفاق بين علماء أهل السنة، وأكّد: أنّ القدر المتيقَّن لشرعية الحكم من منظار علماء الفريقين هو الحكم الذي على رأسه الفقيه، وقد صرّح جمهور فقهاء أهل السنة بذلك، وذهبوا إلى أنّ الفقاهة شرط لصحّة انعقاد البيعة والخلافة، كما صرّح بذلك إمام الحرمين الجويني استناداً لما نقل عنه في كتاب الأحكام السلطانية، وكلمات فقهاء أهل السنة في هذا الصدد كثيرة[45].
من جملة الشروط اللازمة الأُخرى لإحراز مقام الخلافة هي الذكورية والشجاعة والتدبير والسياسة والنسب والسلامة الجسمية والنفسية، وهذه شروط ضرورية لانعقاد الخلافة ودوام مشروعيتها وقد ذكرها العلماء تحت عناوين مختلفة.
من الأُمور التي استحوذت على اهتمام الباحثين وعلماء الإسلام لا سيما أهل السنة بشأن الخلافة كيفية انتقال الخلافة والآليات الشرعية المتّبعة فيه، وقد خصّصت بعض المصادر ذات الصلة مساحة من اهتمامها بهذا الموضوع تحت عنوان (وجوه انعقاد الإمامة)، حيث تطرّقت فيه إلى البحث عن أُصول وشروط انتقال الخلافة كمّاً وكيفاً، وطرحت وجهات نظر عديدة في هذا الخصوص.
وبصورة عامّة تنقسم الآليات الشرعية في هذا الصدد إلى قسمين، لكلّ منهما خصوصيات ومزايا:
أ ـ عهد الإمام والخليفة السابق
إنّ من السبل الشرعية في انعقاد الإمامة أو الخلافة لدى أهل السنة هو تعيين ونصب الخليفة السابق، فيتمسّكون بعهد الخليفة الأوّل للخليفة الثاني، وبعهد الخليفة الثاني إلى ستّة من الصحابة بتعيين الخليفة بعده، ويعدّ ما قاما به دليلاً شرعياً عند أهل السنة لهذا النحو من الاختيار.
السبيل الثاني لانعقاد الخلافة والانتقال الشرعي للحكم هو اختيار أهل الحل والعقد والذي يعبّر عنه بأهل الرتق والفتق، وهم أهل الخبرة في الأُمّة الإسلامية؛ لأنّ في رضاهم رضا العامّة، هذه الجماعة هي في الواقع انعكاس للرأي العام وممثّل عنه.
وقد تضاربت الآراء في مصادر أهل السنة حول العدد اللازم لانعقاد أهل الحل والعقد، فذهبت طائفة إلى أنّها لاتنعقد إلّا بجمهور أهل الحل والعقد في كلّ بلد؛ ليكون الرضا به عامّاً والتسليم لإمامته إجماعاً، وقامت طائفة أُخرى بردّ هذا الشرط تمسّكاً بمنهج اختيار الخليفة الأوّل أو الخليفة الثاني والثالث، حتى وصل بها الأمر إلى الاكتفاء بشاهدين في انعقاد الخلافة، مثل النكاح، حيث ينعقد مع حضور الولي وشاهدين، حتى قيل: إنّه يكفي في ذلك العلم برضا مجموعة من أهل الحل والعقد أو موافقة واحدٍ منهم.
وقد لجأ بعضٌ إلى الارتماء في أحضان مصطلح أهل الشوكة للتخلّص من هذا التهافت، واعتبروا أنّ أهمّ شرط لانعقاد الإمامة هو موافقة أهل الشوكة، وأكّدوا في الوقت نفسه أنّ هذا الشرط محلّ اتّفاق أهل السنة.
وتنعقد الإمامة لدى أهل السنة بموافقة أهل الشوكة، ولايبلغ أحد مقام الإمامة إلّا إذا اتّفق عليه أهل الشوكة؛ لكي يتحصّل بذلك المقصود والغرض من الإمامة، والمقصود منها إفساح المجال أمامه لتولّي السلطة، وعليه حينما تحصل البيعة تسلّم إليه السلطة، ويصبح الفرد المختار إماماً.
من الواضح أنّ المراد من الموافقة العامّة التي تعقب موافقة أهل الحل والعقد أو أهل الشوكة، هي الموافقة الحرّة التي تبتني على الوعي والتعقّل، كما أنّه ليس ثمّة إجبار وإكراه في حقّ المختار كإمام.
و رغم ذلك فإنّ هذين المنهجين يمكن جمعهما، فقد ذكر المنظّرون أنّه لايكفي تعيين الإمام السابق فقط، بل لا بدّ من انضمام اتّفاق أهل الحل والعقد إليه. والذي يستنتج من القرائن الحافّة بكلامهم أنّ المهم هو اتّفاق أهل الحل والعقد أو الخبراء الحاكي عن رضا الناس المسلمين، وهذا الأمر يقتضي انعقاد الخلافة شرعاً.
أمّا الشروط والخصوصيات اللازم توفّرها في أهل الحل والعقد، فليس ثمّة اختلاف يُذكر حولها، وذكرت المصادر المختلفة ثلاثة شروط لازمة، هي:
1 ـ العدالة الجامعة للشروط.
2 ـ العلم الذي يتوصّل من خلاله إلى معرفة الإمام الجامع للشروط واختياره.
3 ـ الرأي والحكمة المؤدّيان إلى اختيار مَن هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف[46].
ويترشّح عن أخذ تلك الشروط بنظر الاعتبار ـ فيما لو تمّ الاتّفاق ـ أثرٌ شرعي، ولا بدّ من ضمّ أهل الشوكة إلى تلك الشروط وإلّا سوف نقع في ورطة التهافت، وما يعقب ذلك من تمهيد الأرضية لتقديس أصحاب القدرة والنفوذ والانقلابات العسكرية ونهب الأموال.
حاز الخلفاء الراشدون عند أهل السنة على شروط الخلافة الإسلامية من جهات مختلفة، واستلموا مقاليد الخلافة بآليات شرعية، كما حازوا على ملكة العدالة وساروا في المجتمع بعدل، ويشير إلى هذا الأمر الخصوصيات التي ذكرتها الكتب الحديثية والرجالية والتاريخية في وصفهم.
من جانب آخر كانوا من الصحابة، الذين يشملهم الحديث المنسوب إلى النبي’: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم»[47]، ولأجل هذه العدالة الإسلامية والتقوى الإلهية التي تمتّعوا بها، فقد عهد كلّ خليفة إلى الخليفة بعده، دون أن يمتّ إليه بقرابة أو صلة، وهكذا الحال لدى الصحابة الستة الذين اختارهم الخليفة الثاني لاختيار الخليفة بعده، وأمّا فقاهتهم فإنّ فقهاء الأُمة الإسلامية في عهد الصحابة قد صنّفوا إلى ثلاثة أصناف يأتي عمر وعلي× في الصنف الأوّل ـ حسب عقيدة أهل السنة ـ ومن ثمّ أبي بكر وعثمان في الصنف الثاني[48].
ولمّا كان أهل السنة قد اتّخذوا موقفاً انفعالياً تجاه الخلافة، فدعاهم هذا الموقف إلى تبني فكرة كفاية الفاضل وحتى المفضول للخلافة مع وجود الأفضل والأفقه، من هنا أبدوا رضاهم بخلافة أبي بكر مع وجود علي× وعمر، وبخلافة عثمان مع وجود علي× باعتبارها تتمتّع بالمواصفات الشرعية، وكان للخلفاء الراشدين مقام الفقاهة الذي هو شرط التصدّي للخلافة الإسلامية، لذا لم يواجه أهل السنة مأزقاً، رغم أنّ الأبحاث والنظريات المطروحة حول الخليفة ومقام الخلافة قد دوّنت بعد يزيد والخلفاء الراشدين في القرنين الثالث والرابع.
بعد أن استعرضنا وجهة نظر أهل السنة إزاء مفهوم الخلافة وشروطها وكيفية انتقالها، فمن الأجدر هنا أن نعرج على يزيد بن معاوية الذي يعتبر عند بعض فرق أهل السنة أميراً للمؤمنين، وأنّ الخروج عليه خطأ ومنكر، حتى أنّ البعض اعتبر حادثة عاشوراء تحدّياً لخلافته، لنرى هل أنّه كان حائزاً على شروطها.
إنّ إبرز شروط الخلافة عند أهل السنة والتي لا بدّ من توفّرها لدى كلّ مَن ادّعى الخلافة قبل تسلّم مقاليدها هو العدالة والفقاهة، هذان الشرطان من الشروط الأساسية التي على ضوئها يتمّ التصدي للخلافة، وبدونهما لا أثر شرعي لها، سواء ظفر بالخلافة عنوةً أم بأُسلوب آخر، ذلك أنّه حينما ينتفي الشرط ينتفي المشروط، فمَن افتقد العدالة أو الفقاهة لايصدق عليه عنوان الخليفة من باب السالبة بانتفاء الموضوع.
كما هو واضح فإنّ البحث والتنقيب عن هذا الموضوع على غرار سائر مواضيع هذا التحقيق بحاجة للعودة إلى المصادر التاريخية لعلماء أهل السنة، إذ هناك أُمور كثيرة حول سيرة يزيد وتربيته وأخلاقه وردت في مصادر أهل السنة، ومن حسن الحظ لانعاني في هذا الموضع من سكوت التاريخ أو إهمال المؤرِّخين لهذا الجانب، وسنُلقي نظرة سريعة على هذا الموضوع.
لا شكّ أنّ للتربية والبيئة تأثيراً كبيراً على أخلاق المرء وسلوكه، وكيفية بلورة شخصيته وهويته، ولهذا شاع استخدام جملة (العلم في الصغر كالنقش في الحجر) الواردة في ضرورة تلقي المعارف والتعاليم والثقافة التربوية والتعليمية في سنّ الصغر، ولاقت إقبالاً واسعاً.
ولم يُستثنَ يزيد من ذلك، فقد ترعرع في أحضان أجواء عائلية وقبلية، واكتملت شخصيته وتبلورت أفكاره تحت ظلّ تلك العناصر، ومع أخذ ذلك الأصل البديهي والمسلّم بنظر الاعتبار، سوف نسلّط الأضواء على ملامح تربيته، حيث كتب عبد الله العلايلي أحد المؤرِّخين من أهل السنة عن يزيد وثورة كربلاء، قائلاً:
إنّ يزيد نشأ نشأةً مسيحية، تبعد كثيراً عن معارف وآداب الإسلام؛ وذلك لأنّ يزيد يرجع بالأُمومة إلى بني كلب، هذه القبيلة التي كانت تدين بالمسيحية قبل الإسلام، ومن بديهيات علم الاجتماع أنّ انسلاخ شعب كبير من عقائده يستغرق زمناً طويلاً، على أنّ طائفةً من المؤرِّخين ترجّح أنّ من أساتذته بعض نساطرة الشام من مشارقة النصارى، وإذا صحّ هذا نعثر على سببٍ خطير أيضاً يساعده على أن يظهر بهيئة الساخر من الأوضاع التي يأخذ المجتمع بها نفسه، كما أنّ القبلية عملت فيه عملها فخرج جافياً ذا عصبية قاسية [49].
كما راح في موضعٍٍ آخر، يقول: «ذكروا أنّ يزيد عُرف بشرب الخمر، واللعب بالكلاب، والتهاون بالدين، ويلهو بالنرد، ويتصيد بالفهود، ومن شعره:
أقول
لصحب ضمّت الكأس شملهم |
وكان صاحب طرب ومنادمة على الشراب، جلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد بعد قتل الحسين فأقبل على ساقيه، فقال:
اسقني
شربةً تروي مشاشي |
ثمّ أمر المغنّين فغنّوا في مجلسه، وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من المنكرات والفسق والفجور، وفي أيّامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستُعملت الملاهي»[50].
والواقع أنّ انتساب يزيد بن معاوية إلى قبيلة بني كلب النصرانية يشكّل بؤرة مظلمة ووصمة عارٍ له، ولم يكن هذا الأمر خافياً على المسلمين في عهد معاوية بن أبي سفيان، كما أنّهم لم يقفوا على هذه الحقيقة فحسب، بل كان القلق يساورهم حيال تربية يزيد وتنشئته نشأةً إسلامية، حتى أنّ سعيد بن عثمان أحد المقرَّبين لمعاوية قد صرّح بذلك وأبلغ معاوية عن قلقه حيال مستقبل يزيد ومؤهّلاته، ولم ينكر عليه معاوية ذلك، بل أخذه أخذ المسلَّمات[51].
يزيد والتراث الفكري لأبي سفيان
لم يكن لأجداد يزيد بن معاوية ماضيٌ مشرقٌ في التاريخ، فعلاقاتهم بالإسلام وبالنبي(صلى الله عليه وآله) وآله^ لم تكن في يومٍ ما علاقات طيبة، فقد كان جدّه أبو سفيان بن حرب بن أُميّة من أثرياء مكة، وكان خصماً لدوداً لرسول الله(صلى الله عليه وآله)[52]، ولمّا فتحت مكة عام (8هـ) استسلم أبوسفيان وأبناؤه، ومنهم معاوية وأتباعه، ولكن النبي خلّى سبيل أهل مكة وأطلقهم ولم يسترقّهم بما فيهم أبو سفيان وأبناؤه، الذين طالما أضمروا العداء للإسلام، وحاكوا المؤامرات ضدّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذ قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، من هنا أطلق على أبي سفيان وأبنائه بالطلقاء وليسوا من المهاجرين ولا الأنصار الذين كانوا يشكّلون معظم مسلمي صدر الإسلام[53].
وتدلّ الشواهد التاريخية على أنّ أبا سفيان وبني أُميّة لم يعتنقوا الإسلام عن حبٍّ ورغبة، بل نظروا إليه كطعمة، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، واستمرّوا على هذا المنوال:
أ ـ وقد سمع أبو سفيان ـ مثل سائر قريش ـ بدعوة النبي(صلى الله عليه وآله) منذ بداية البعثة ولم يظهر رغبةً في قبولها أبداً، بل على العكس سعى إلى إطفاء هذا النور الإلهي وإلى اغتيال رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقد خاض حروباً عديدة سعياً منه للقضاء على هذا الدين الخالد إلى الأبد، وكان له ـ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ـ دورٌ قيادي في غزوة بدر وأُحد والأحزاب وغيرها، وفي خضم تلك الغزوات ألحق بالمسلمين وقريش خسائر بشرية ومادية باهظة، ناهيك عن الضغوط المستمرّة والحصار الاقتصادي الذي مارسه، كما كان يصرّ على أفكاره الجاهلية والقبلية والطبقية التي غرست في أعماق قلبه، وكان يؤمن بها بكلّ وجوده، وعليه فليس من المعقول أن يتخلّى هذا الشخص عن ثقافته الجاهلية المتأصّلة عام فتح مكة، بعد أن فقد آخر حصون المقاومة والدفاع، ويعتنق الإسلام بإخلاص ودافع قلبي[54].
ولم يكن يشعر برغبة إلى اعتناق الإسلام حين فتح مكة بل إنّ إخفاقاته وهزائمه المتكرّرة في الحروب التي خاضها ضدّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد عمّقت شرخ الحقد والانتقام في وجوده، فتحوّل كلّه إلى حسد وحقد وانتقام، من هنا فإنّ إسلامه كان حركة تكتيكية وتغيير في أُسلوب المواجهة قبل أن يكون تحوّلاً فكرياً[55].
ب ـ ثمّة عوامل مختلفة تركت تأثيراً عميقاً على مناهضته للإسلام، منها زوجه هند التي ساندته في هذا السبيل، والتي فقدت أباها وأخاها وعمَّها في غزوة بدر، فخلّف ذلك حقداً عميقاً في قلبها، ودفعها ذلك إلى التفكير ملياً بقتل النبي(صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي(صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب× صهره وابن عمِّه، وأخيراً تمكّنت بالتنسيق مع غلامٍ لها ـ يُدعى وحشي ـ من اغتيال حمزة في غزوة أُحد والمثلة به، من هنا اشتهرت بآكلة الأكباد، وقد ساهمت إلى حدٍّ بعيد على تكريس كفر أبي سفيان وانتهازيته.
ج ـ ممَّا يدلّ على رسوخ العقيدة الجاهلية في نفس أبي سفيان وأتباعه هو إطلاق عنوان الطلقاء أو المؤلّفة قلوبهم عليهم، ولم يكن ذلك بخافٍ على أحد، بل راج أمرهم بين المسلمين[56]، من هنا أخذوا يشاركون في الحروب الأخيرة ـ ومنها غزوة حنين ـ كناظرين لا كمجاهدين، وكانوا يترصّدون الفرص للانقضاض على الإسلام، وبعد انتصار جيش الإسلام في تلك الغزوة قسّم النبي(صلى الله عليه وآله) عليهم الغنائم باعتبارهم من المؤلّفة قلوبهم لا من ذوي الحقوق.
د ـ قام أبو سفيان بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بإجراءات تدلّ بوضوح على رسوخ فكره الجاهلي، فبعد حوادث سقيفة بني ساعدة ووصول أبي بكر إلى سدّة الخلافة جاء إلى المدينة، وقال: «أما والله، إنّي لأرى عجاجة لايطفئها إلّا الدم، يا لعبد مناف، فيمَ أبو بكر من أمركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلّان، يعني: علياً والعباس؟ ما بال هذا الأمر في أقلّ حي من قريش؟ ثمّ قال لعلي: ابسط يدك أبايعك، فوالله، إن شئت لأملأنّها على أبي فضيل ـيعني أبا بكر ـ خيلاً ورجلاً، فامتنع علي×، فلمّا يئس منه قام عنه وهو ينشد شعر المتلمِّس:
ولا
يقيم على ضيم يراد به |
وكان الإمام علي× على علم بما يضمره أبو سفيان فزجره وقال: «والله، إنّك ما أردت بهذا إلّا الفتنة، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شرّاً، لا حاجة لنا في نصيحتك»[58].
وقال× في خطبةٍ له بعد حوادث السقيفة: «أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، هذا ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه»[59].
وكان عمر على علم بماضي أبي سفيان وحزب الطلقاء، وكان يراقبه وكان لايخفي قلقه بشأنه بعد السقيفة، وقد قال لأبي بكر: «إنّ هذا ـ يعني أبا سفيان ـ قد قدم وهو فاعل شرّاً، وقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يستألفه على الإسلام، فدَع له ما بيده من الصدقة، ففعل، فرضي أبو سفيان وبايعه»[60].
وقد أثبت التاريخ مقولته التي قالها في زمن خلافة عمر بن الخطاب بعد تولّي ابنه يزيد بن أبي سفيان ولاية الشام ومن ثمّ معاوية بن أبي سفيان والتي تدلّ صراحة على رسوخ الثقافة الجاهلية في نفسه، كما أنّه بعد تصدّي عثمان لمسند الخلافة جمع بني أُميّة وراء الأبواب المغلقة، وقال لهم: «أعندكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، قال: يا بني أُميّة، تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة»[61].
وقال أبو سفيان وقد مرَّ بقبر حمزة وضربه برجله: «يا أبا عمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به»[62].
توعية النبي(صلى الله عليه وآله) ولعنه أبا سفيان ومعاوية
لم يكتفِ النبي(صلى الله عليه وآله) بالتحذير من مؤامرات بني أُميّة، بل تطرّق وبسبلٍ شتّى إلى هداية الأُمّة وتوعيتها إزاء تعاظم نفوذ معاوية، فقد لعن في مواطن عديدة أبا سفيان ومعاوية، وحذّر المسلمين من الوقوع في فخِّهما، حيث نقرأ في التاريخ: «خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) من فجّ فنظر إلى أبي سفيان وهو راكب، ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق، فلمّا نظر إليهم، قال: اللهم العن القائد والسائق والراكب»[63].
وقد اشتهر هذا الحديث بين المسلمين ولم ينكره أحد، كما لم ينكر مصاديقه أحد، وإليه أشار محمد بن أبي بكر في كتاب كتبه إلى معاوية، بقوله: «وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغضان وتبغيان في دين الله الغوائل، وتجتهدان في إطفاء نور الله، تجمعان الجموع على ذلك، وتبذلان فيه الأموال، وتحالفان عليه القبائل، على ذلك مات أبوك، وعليه خلفته أنت»[64].
وفي موضع آخر لعن النبي(صلى الله عليه وآله) معاوية وصاحبه عمرو بن العاص لما كانوا في سفر، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عمق الصداقة بينهما، واتّحاد نواياهما الخبيثة، ومواقفهما في مختلف المسائل وذلك قبل تصدّيهما لولاية الشام ومصر، فعن ابن عباس: «كنّا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في سفر، فسمع رجلين يتغنّيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول:
لا
يزال حواري تلوح عظامه |
فقال النبي(صلى الله عليه وآله): انظروا مَن هما؟ قال: فقالوا: معاوية وعمرو بن العاص. فرفع رسول الله’ يده، فقال: اللهم اركسهما ركساً ودعهما إلى النار دعّا»[65].
وردت تحذيرات مكرّرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) بشأن معاوية في مصادر أهل السنة، منها هذه الرواية التي يعلن فيها النبي(صلى الله عليه وآله) صراحةً ويقول: «يطلع من هذا الفج رجلٌ من أُمّتي يحشر على غير ملّتي، فطلع معاوية»[66].
وقد ورد هذا المضمون بعبارات مختلفة نسبياً، وبالتالي لايبقى شكٌ في أنّ المراد بها معاوية، كما حذّر النبي(صلى الله عليه وآله) المجتمع الإسلامي من دسائس معاوية وانحرافاته للحيلولة دون وقوعه في الفخ، كما نقل على لسان الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) عدّ معاوية من أصحاب النار وتنبّأ له بمصيرٍ أسود[67].
رغم أنّ إطلاق النبي(صلى الله عليه وآله) التحذيرات بهدف الوقوف على شخصية معاوية وأفكاره الهدامة كان إيجابياً وبنّاءً، إلّا أنه(صلى الله عليه وآله) لم يكتفِ بذلك بل خطى خطوةً أبعد، وتنبّأ صراحةً بوصول معاوية إلى مسند الحكم، وقد أصدر في هذا الشأن أوامر صارمة تدلّ على قلقه العميق لمستقبل هذا الدين ومصير الأمة الإسلامية، وقد ضبط التاريخ ما قاله: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»، كما وردت رواية أخرى بنفس المضمون: «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه»، وكذلك: «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه»[68].
وقد حقّق العلّامة الأميني في سلسلة أسانيد هذه الروايات فوجد أنّها مسندة، ورجالها بنظر علماء السنة ثقات وموضع قبول عند علماءالفريقين[69].
إنّ تنبّؤات النبي(صلى الله عليه وآله) حول معاوية وبني أُميّة لا تتلخّص بما ذكر، بل إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) ذكر في مواطن عديدة معاوية وحذّر المسلمين من مغبّة وصوله إلى سدّة الحكم، ونواياه الخبيثة.
بعض تلك التحذيرات وردت في حقِّ معاوية وصاحبه عمرو بن العاص، وقال: «إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرِّقوا بينهما، فإنّهما لن يجتمعا على خير»[70].
وفي موضع آخر ذمّ معاوية وعمرو بن العاص على بثّ بذور الفرقة والاختلاف، وأمر المسلمين بضرب أعناقهما فيما لو استهدفا وحدتهم.
الإمام علي(عليه السلام) ووقوفه على حقيقة معاوية
إنّ مخالفة معاوية بن أبي سفيان للخليفة والإمام واجب الطاعة كأمير المؤمنين× كافٍ لإدانته عقائدياً وسياسياً، وإنزاله إلى مستوى الباغي والمارق الواجب قتله في الإسلام، ومع ذلك فإنّ مواقف الإمام أمير المؤمنين علي× والجهود التي بذلها لم تتوقّف عند هذا الحد، فقد نوّه المسلمين بحقيقة معاوية وخلفياته ومؤامراته وخططه، وبهذا النحو جعل المجتمع الإسلامي والتاريخ على علم بجميع مساعيه ومساعي أتباعه لحرف الإسلام.
وقد كشف الإمام أمير المؤمنين× في كلماته ـ لا سيما في كتبه، بعدما تولّى الخلافة، وتحت عناوين مختلفة وذرائع شتّى ـ عن شخصية معاوية وقام بتعريفه على النحو التالي:
أتاني كتابك كتاب امرئٍ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتّبعه... إلىأنقال: وأمّاشرفيفيالإسلام، وقرابتيمنرسولالله(صلى الله عليه وآله)، وموضعيمنقريش، فلعمريلواستطعتدفعهلدفعته.
وقد أطلق الإمام× عليه في كتبه ورسائله عناوين مختلفة كأهل الضلالة، واللعين ابن اللعين، وأولياء الشيطان، وأهل البغي والضلال وأهل الهوى، وعدو القرآن وأحكامه، هذه كلّها تدلّ على أنّ الإمام علي× لم يكن قلقاً من مخالفة معاوية لخلافته وإشعاله حرب صفين فحسب رغم أنّها من الأحداث الخطيرة التي فرضها معاوية على الإمام× والتي ألحقت خسائر بشرية فادحة بالإسلام والمسلمين، لا سيما خروجه على إمام عادل وحاكم مثل علي×، وأنّ الحوادث التي جرت إنّما صدرت عن أفكاره الجاهلية التي تأصّلت فيه وترسّخت في نفسه عانى الإسلام خلالها أنواع الانحرافات والخرافات والتحريفات في ظلّ تفشّي الغفلة والجهل وحبّ الدنيا بين المسلمين[71].
معاوية من منظار الإمام الحسن (عليه السلام)
استلم الإمام الحسن بن علي÷ زمام الخلافة الإسلامية بعد شهادة الإمام علي× وسط أجواء سادها تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية، ممّا اضطرّه إلى الصلح مع معاوية وفق شروط، رغم أنّ الإمام كان يرى أنّ معاوية ليس جديراً بتولّي إمارة الشام فكيف بالخلافة؟! ولهذا لم يعتبر حكم معاوية وتسلّطه خلافة أو إمامة في وثيقة الصلح.
وقد دلّت الشواهد التاريخية على أنّ الإمام× قد كشف النقاب عن ماضي معاوية وبني سفيان الأسود وفضحه أمام الملأ كي لاينطلي عليهم مكر معاوية وأعوانه.
كان معاوية بن أبي سفيان من جملة مَن أسلم يوم فتح مكة تحت وقع السلاح، ولم يكن من المهاجرين والأنصار بل كان من الطلقاء والمؤلّفة قلوبهم، وبعد أن قام معاوية مقام أخيه يزيد بن معاوية في اعتلاء ولاية الشام، راح يسرف في البذخ والترف، وينغمس في مظاهر البهرجة وزخارف الدنيا، ممّا أثار اعتراض الخليفة الثاني ذلك؛ لأنّها لا تمتّ بصلةٍ إلى روح الإسلام وسيرة النبي(صلى الله عليه وآله).
وقد قام معاوية بجعل إمارة الشام ملكاً له بدل أن يسير بها على هدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كما عزم على الانفصال عن المدينة، وإنشاء حكمٍ أُموي فيها، ومن ثمّ بسطه إلى سائر الأمصار الإسلامية، واتّخذ في هذا السياق الإجراءات التالية:
أ ـ نهض بوجه الإمام علي× الذي كان يعتبر من أركان وعناصر شرعية الخلافة الدينية والإسلامية، كقربه من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والولاية له، وماضيه الحافل بالجهاد والتضحية، وهو أوّل مَن آمن بالنبي(صلى الله عليه وآله)، بينما لم يكن معاوية يتمتّع بمؤهلات التصدّي للخلافة الدينية، ولم تتوفّر فيه أركان وعناصر الشرعية.
ب ـ نازع الإمام الحسن× الذي كان يعتبر من الخلفاء الراشدين بنصّ النبي(صلى الله عليه وآله)، وباعتراف علماء أهل السنة، وأخذ الحكم منه عنوةً وغصباً، وبذلك أنهى عصر الخلفاء الراشدين أو عصر الخلافة الدينية.
ج ـ قتل الإمام الحسن× بهدف الوصول إلى نواياه المُبيّتة، وهي إحالة ولاية العهد إلى يزيد، وجعل الخلافة ميراثاً، هذا مضافاً إلى نقضه لبنود وثيقة الصلح مع الإمام الحسن×، وجعلها تحت أقدامه والذي يعتبر جريمة أُخرى في سجلّه المظلم.
د ـ قتل حجر بن عدي وأصحابه الذي كان من زاهدي الدهر وأبرز الأصحاب، يعدّ وصمة عار أُخرى على جبين معاوية، ما جعل أهل السنة أنفسهم يندّدون بجريمته تلك، والتي لا يمكن تبريرها بوجهٍ من الوجوه.
هـ ـ مبادرة معاوية إلى البدعة في الدين، أي تحويل الخلافة إلى ميراث، والعهد إلى يزيد بالولاية، وهذا ممّا يزيد علامات الاستفهام حول إيمانه.
إنّ مجموع هذه الإجراءات أدّت بكبار علماء أهل السنة إلى لعنه؛ لأنّ كلّ ذنب من تلك الذنوب كان كافياً لإدانته في القيامة، وقد نقل على لسان العالم السني المعروف الحسن البصري (21 ـ 110هـ) أنّه قال: «قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم: وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين، وادّعاؤه زياداً، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، وبتوليته مثل يزيد على الناس»[72].
عالمٌ سنّي آخر ذكر قريباً من هذا المضمون عن جميع علماء السيرة مثل محمد بن جرير الطبري الذي ذمّ إجراءات معاوية وأعماله من جهات وزوايا مختلفة[73].
ومن الإجراءات الأُخرى التي اتّخذها معاوية ضدّ الإسلام وأهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) وضع الحديث في فضائل نفسه وبني أُميّة، وفي الطعن بعلي وبني هاشم، وأيضاً سبّ الإمام× ولعنه على المنابر، وغير ذلك ممّا لا يحصى ولايعدّ.
وقد وُلد يزيد من صلب هذا الشخص، وخضع لتربيته وتأديبه، إلى جانب ذلك فإنّ معظم أصحاب وندماء يزيد كانوا من قبيلة بني كلب النصرانية هذا من جهة، ومن جهةٍ أُخرى كان أعوانه ومستشاروه أبان ولاية عهده شخصيات من أمثال مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، وابنه عبيد الله.
قلنا آنفاً: إنّ للأُسرة والمربّين والأصحاب والبيئة تأثيراً كبيراً على أخلاق وسلوك الفرد، كما أنّ شخصيته تتبلور في الواقع أثر عوامل وراثية وبيئية وتربوية كالمعلّمين والأقرباء والأصدقاء، ومع ذلك لما يجتاز المرء مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب يطرأ على سلوكه وشخصيته دفعة أو على نحو التدرّج تحوّلات جذرية إيجابية أو سلبية، وشخصية يزيد لم تكن بمستثناة عن ذلك، فمن المحتمل عند دخوله مرحلة الشباب آفاق من غفلته وعاد من جادّة الضلال والانحراف إلى الإسلام والثقافة الدينية.
واستناداً إلى الشواهد التاريخية فلم يسجّل لنا طروء مفاجئ على خطّه الفكري والسلوكي، بل على العكس فقد أوغل في الضلال واقتراف المعاصي والذنوب الأخلاقية والاجتماعية، والاستهتار بالقيم إلى حدّ أنّه لم ينقل لنا التاريخ أيّة توبة له، ولم يطرأ عليه تحوّل فكري وسلوكي، بل إنّ أقواله وتصرّفاته زمن خلافته توحي إلى ترسّخ آدابه وثقافته الجاهلية الموروثة، والتي كان ينطلق منها في اتّخاذ التدابير والمواقف.
بعد أن وصل يزيد سنّ البلوغ، لم يقلع عن أفكار ورغبات صباه وشبابه، بل ظلّ كما كان سابقاً يقضي معظم أوقاته يتسلّى باللعب مع الحيوانات المتنوّعة، كما أنّه لم يدَع أصحاب وزملاء عهد صغره بل توثّقت علاقته بهم.
وممّا يجدر ذكره أنّ حبّ يزيد المفرط لقبيلة أُمّه النصرانية حدت به إلى الزواج من تلك القبيلة، هذا الأمر أدّى إلى نشوئه على عادات وتقاليد قبيلة بني كلب وقيمها وثقافتها النصرانية، وبالتالي استمرار انحرافه الفكري والعملي.
وممّا سبق يتّضح أنّ يزيد بن معاوية قد بلغ من الفسق والفجور درجة لم يكن بإمكانه إخفاءه عن الملأ بل بلغ به الأمر إلى التجاهر بالفسق، وتجاوز الحدود الأخلاقية والدينية والإنسانية كافة، وسنشير إلى بعض منها في فترة حكومته[74].
يتّضح من خلال مطالعة التاريخ أنّ فسق يزيد وفجوره كان علنياً ولم يكن خافياً عن أعين الناس في ذلك الزمان، والأخبار الواصلة من الشام لا تدَع مجالاً للشكّ في عدم عدالته وعدم جدارته في التصدّي لمقام الخلافة، على الرغم من أنّ هذا الأمر لم يحمل محمل الجد عند العامّة أو أنّ التصدّي للخلافة من قبل هكذا شخص ولأسباب عديدة لم يواجه معارضة ولا مخالفة، وقد اعترف السيوطي بهذا الأمر صراحةً، وكتب يقول: «عهدَ معاوية إلى يزيد وكان الناس له كارهون»[75].
وكان ابن خلدون يعتقد أنّ فسق يزيد وفجوره في الوضوح والشهرة كالشمس في رابعة النهار[76]، ولم يكن الإمام الحسين× وشيعته على علم بذلك فحسب، بل عامّة الناس أيضاً: «ظهر فسق يزيد عند الكافّة من أهل عصره»[77].
وقد اعترض محمد بن جرير الطبري على ما قام به معاوية من اتّخاذ يزيد ولي عهد له من جهات مختلفة، وذهب إلى أنّ معاوية قد أتى بموبقة وبدعة لا سابقة لها في الإسلام: «أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنّ إلّا واحدة لكانت موبقة:
1 ـ انتزاؤه على هذه الأُمّة بالسفهاء، حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.
2 ـ واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير.
3 ـ وادّعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الولد للفراش وللعاهر الحجر.
4 ـ وقتله حجراً، ويلاً له من حجر وأصحاب حجر مرّتين»[78].
وقد نقل اليعقوبي في هذا الصدد: «أنّ معاوية كتب إلى زياد بأخذ البيعة لابنه يزيد، فكتب له زياد: يا أمير المؤمنين، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا، فما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبغ، ويدمن الشراب، ويمشي على الدفوف»[79].
وقد ذكرنا أنّ الحسن البصري وهو من كبار علماء أهل السنة قال في معاوية: «قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم: وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين، وادّعاؤه زياداً، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، وبتَوليته مثل يزيد على الناس»[80].
ونقل عز الدين بن الأثير في تاريخه المعروف: «عزم معاوية على البيعة ليزيد فأرسل إلى زياد يستشيره، فأحضر زياد عبيد بن كعب النميري.. وقال: إنّ أمير المؤمنين كتب يستشيرني في أخذ البيعة ليزيد، وإنّه يتخوّف نفرة الناس ويرجو طاعتهم.. ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد»[81].
وتناول ابن خلدون نهضة الإمام× ودافعه لذلك: «وأمّا الحسين فإنّه لما ظهر فسق يزيد عند العامّة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره»[82].
وقال الذهبي: «كان [يزيد] ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره»[83].
ونقل مؤلّف شذرات الذهب نفس المضمون باختلافٍ طفيف[84].
رغم اشتهار أمر يزيد بالفسق والفجور بين الملأ، إلّا أنّه بقيت ثلّة قليلة لم تنطل عليها حيل معاوية ومكائده، ورفضت صراحةً عقد البيعة ليزيد، ووجدتْ أنّه ليس جديراً بأن تناط إليه مقاليد الخلافة الإسلامية، إلّا أنّ هؤلاء قد مُورست بشأنهم إمّا سياسة التهديد أو الترغيب، وقد أتت تلك الممارسات أُكلها؛ حيث رفعت تلك الثلّة اليد عن المواجهة أو المخالفة العلنية، ما عدا الإمام الحسين× الذي ظلّ متشبّثاً بموقفه المبدئي الإلهي الرافض لتصدّي يزيد منصباً خطيراً كالخلافة الإسلامية.
وقد خفي عن أهل المدينة عمق فاجعة خلافة يزيد واستهتاره، ولم يلتفتوا إلى ذلك إلّا بعد استشهاد الإمام الحسين×، إذ أرسلوا وفداً برئاسة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة إلى الشام ليستطلع أمر يزيد، وقد شاهدوه في حالة شربه للخمر ولعبه بالقردة والكلاب، وعندما عادوا إلى المدينة نقلوا لأهلها ما شاهدوه، وأخذوا يسبّون ويلعنون يزيد، ثمّ خلعوه من الخلافة وطردوا عامله على المدينة محمد بن أبي سفيان، فكان ممّا قالوا: «إنّا قدمنا من عند رجلٍ ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويُضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الحراب والفتيان، وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه، فتابعهم الناس»[85].
ثمّ إنّ أهل المدينة بايعوا عبدالله بن حنظلة، وقال لهم ذلك الصحابي العظيم المنعوت بالراهب قتيل يوم الحرة مخاطباً: «يا قوم، اتّقوا الله وحده لا شريك له، فوالله، ما خرجنا على يزيد حتى خِفنا أن نُرمي بالحجارة من السماء، إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدَع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحدٌ من الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً»[86].
إذعان مخالفي ثورة عاشوراء بفسق يزيد
بُذلت محاولات لثني الإمام الحسين× عن المضي إلى الكوفة، كمحاولة ابن عباس وابن عمر وآخرين، وطلبوا منه العدول عن رأيه؛ لأنّ الأوضاع لا تسمح بذلك، دون أن يخوضوا في الحديث عن عدالة يزيد وشرعية خلافته، ودون أن يُثيروا شكوكاً حول شرعية تحرّك الإمام×، وهذا بنفسه دليلٌ على فسق يزيد وعدم امتلاكه العدالة والصلاحية للخلافة الإسلامية، ولقد نقل ابن أعثم في كتابه الفتوح: «قال الحسين لابن عمر: أسألك بالله يا عبد الله، أنا عندك على خطأ من أمري هذا؟ فإن كنت عندك على خطأ فردّني فإنّي أخضع وأسمع وأُطيع، فقال ابن عمر: اللهم لا، ولم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسوله على خطأ، وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول(صلى الله عليه وآله) على مثل يزيد بن معاوية باسم الخلافة، ولكن أخشى أن يُضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف، وترى من هذه الأُمّة ما لا تحبّ، فارجع معنا إلى المدينة، وإن لم تحبّ أن تبايع فلا تبايع أبداً واقعد في منزلك. فقال الحسين: هيهات يابن عمر، إنّ القوم لا يتركوني وإن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتى أُبايع وأنا كاره أو يقتلوني»[87].
وقد نقل ابن العماد الحنبلي عن المؤرِّخ الشهير ابن عساكر والمعتمد عند المؤرِّخين وعلماء الرجال، كسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، والعسقلاني في لسان الميزان، ويوسف المزي في تهذيب الكمال، والذهبي في سِيَر أعلام النبلاء، الأبيات التي أنشدها يزيد:
ليت
أشياخي ببدرٍ شهدوا |
ثمّ قال: فإن صحَّت عنه فهو كافرٌ بلا ريب[88].
كما أشار العسقلاني إلى ما كتبه ابن عساكر حين ردّه على مَن اعتبر يزيد من الصحابة، قائلاً: «يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأُموي.. مقدوح في عدالته وليس بأهلٍ أن يُروى عنه، وقال أحمد بن حنبل: لاينبغي أن يُروى عنه.. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لايزال أمر أُمّتي قائماً بالسوي حتى يكون أوّل مَن يثلمه رجل من بني أُميّة يُقال له: يزيد»[89].
وذهبت ثلّة من المؤرِّخين إلى أنّ فسق يزيد وفجوره أمرٌ لا غبار عليه، ولا مجال للحديث عنه، ولا يحقّ لبني أُميّة التصدّي للخلافة؛ باعتبارهم غير مسلمين أو أنّ اعتناق أبي سفيان وأعوانه الإسلام كان خدعةً ومكراً منذ البداية، كما جنحت إلى أنّ بني أُميّة لم يحيدوا عن عبادة الأوثان، وكانوا يحملون معهم الأزلام خفيةً في غزوة حنين، وقد أنشد أبو سفيان أشعاراً في حرب اليرموك تدلّ على تشدّقه بجاهليته.
كما ردّ كلّ من ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق وابن منظور ـ من علماء القرن الثامن ـ في مختصر تاريخ دمشق عدالة يزيد وأضاف: «بأنّه ليس بأهل أن يُروى عنه»[90]، وقد بلغ فسق يزيد واشتهار أمره أن دعا الذهبي إلى الاكتفاء بنقل أشعارٍ دالّة على كفره، ويقول: «إنّ ابن الزبير سمع جويرية تلعب وتغني في يزيد بقول عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:
لست
منا وليس خالك منا |
ونقل في العقد الفريد أنّ مسور بن مخرمة كان قد شهد على يزيد بالفسق وشرب الخمر، ولما وصل الخبر إلى يزيد أرسل كتاباً إلى عامله على المدينة يأمره بضرب مسور الحدّ، فقال مسور:
أيشـربها
صهباء كالمسك ريحها |
كما ورد في المصدر ذاته أنّه لما جلس معاوية للناس قام يزيد بن المقنع فقال: «هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ومَن أبى فهذا ـ وأشار إلى سيفه ـ فقال معاوية: اجلس فأنت سيّد الخطباء. فقال معاوية للأحنف بن قيس: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره، وسرّه وعلانيته، ومدخله ومخرجه»[92].
هذه الروايات التاريخيةالتيوردتفي مصادر أهل السنة، تدلّ على فسق يزيد وعدم أهليته للخلافة الإسلامية بنحوٍ لا تدَع مجالا ً للشكّ والترديد[93].
كما صرّح غير واحدٍ من علماء أهل السنة بكفر يزيد، وأثبتوا ذلك بأدلّة دامغة لاحصر لها، ولم يكتفوا بذلك، بل جوزوا لعنه وحكموا بفسق كلّ مَن خالف ذلك.
وقد كتب أبو مظفر شمس الدين سبط بن الجوزي (المتوفى عام 654 هـ) يقول: «ذكر جدّي أبوالفرج في كتاب (الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد) وقال: سألني سائلٌ فقال: ما تقول في يزيد بن معاوية؟ فقلت له: يكفيه ما به، فقال: أتجوّز لعنه؟ فقلت: قد أجازه العلماء الورعون منهم أحمد بن حنبل، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة.
وقال: سألت أحمد بن حنبل عن يزيد بن معاوية، فقال: هو الذي فعل ما فعل، قلت: ما فعل؟ قال: نهب المدينة، قال: فنذكر عنه الحديث؟ قال: لا، ولا كرامة، لاينبغي لأحد أن يكتب عنه الحديث»[94].
وقال ابن عقيل: «وممّا يدلّ على كفره وزندقته فضلاً عن سبّه ولعنه أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد، وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته التي أوّلها:
علية
هاتي وأعلني وترنّمي |
اتّضح ممّا سبق فسق يزيد بن معاوية بإجماع المسلمين، وكفره حسب أقوال أغلب علماء ومفكّري أهل السنة، كما اتّضح أنّ حكومة يزيد كانت غير شرعية منذ البداية، لذلك فالخروج عليها لا مانع منه شرعاً وعقلاً، بل جاء تأكيد ذلك من قبل الإمام الحسين× في أحد خطبه حيث قال: «مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر بقولٍ ولافعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله»[96].
ثمّة اتّفاق ـ كما تقدّمت الإشارة ـ بين علماء أهل السنة على ضرورة تمتّع الخليفة الإسلامي بالفقاهة، وأنّ الخلافة ستكون غير شرعية إذا خلت من هذا الشرط، وقد عبّرت بعض المصادر عن هذا الشرط بالاجتهاد، وفي بعضٍ آخر بالعلم أو بالفقاهة وأخيراً بالعلم والوعي[97]، من هنا فقد ذهبوا إلى الاعتقاد أنّ الخلفاء الراشدين قاطبة من فقهاء عصرهم، وعلى هذا الأساس جوّزوا تصنيفهم إلى درجة أُولى ودرجة ثانية حسب معيار الاجتهاد والعلم، إذ وضعوا الخليفة الثاني والإمام علي× في الدرجة الأُولى، وأبا بكر وعثمان في الدرجة الثانية، وبهذا اللحاظ ذهب معظم أهل السنة إلى اعتبار أنّ الفقاهة شرطٌ لازم لتصدّي مقام الخلافة الدينية.
و لم تدلّ أغلب المصادر التاريخية والفقهية والحديثية على فقاهة يزيد، كما أنّه لم يؤثر عنه أنّه ترك أصلاً أو رواية في الفقه، وفي الواقع فإنّ يزيد لو كان مؤمناً بالإسلام وثابتاً عليه، ومتمسّكاً بالعدالة لأصبح راوياً للحديث وناقلاً له عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولو بالواسطة.
وكما تقدّم فإنّ روايات أهل السنة تنفي إسلام يزيد الخليع فضلاً عن إيمانه، وكان كبار علمائهم ينكرون إسلامه قبل حادثة كربلاء، فما بالك بعد تلك الفاجعة، حيث انساق معظمهم إلى هذا الاعتقاد، وهو أنّه حتى لو كان مسلماً فإنّه بارتكابه تلك الفاجعة الأليمة قد خرج عن ربقة الإسلام وجاز لعنه.
وانطلاقاً من ذلك فإنّه لم يجوّز علماء الرجال وفقهاء أهل السنة نقل الرواية عنه، وصرّحوا بأنّه: «مقدوح في عدالته وليس بأهلٍ أن يُروى عنه»[98].
وهذا يدلّ بوضوح على خلوّه من شرط الفقاهة لدى جميع أهل السنة، وبالتالي عدم صلاحيته لتصدّي مقام الخلافة الإسلامية، وسلب شرعيته لهذا المنصب الخطير أبّان واقعة كربلاء، وهذا ما سنتعرّض إليه بمزيدٍ من التفصيل في الفصل اللاحق.
إنّ لانتقال القدرة في الإسلام وسيرة الخلفاء الراشدين الذي يتمّ بآليات محدّدة، قيمة دينية واعتبار لدى أهل السنة، وفي هذه المسألة أمران استحوذا على مزيد من الاهتمام.
الأوّل: يجب على الخليفة الشرعي والقانوني السابق تعيين خلفٍ له، وطبقاً لنظرة أهل السنة فإنّ سيرة الخلفاء الراشدين تُوحي إلى أنّ العهد إلى الأبناء والأقرباء بالولاية يعتبر خرقاً للشريعة الإسلامية، بل يجب الأخذ بنظر الاعتبار وقبل كلّ شئ اتّصاف الخليفة الجديد بالتقوى وحسن السيرة، والقدرة على الإدارة والشجاعة، وأهمّ من كل ذلك العدالة والفقاهة.
الثاني: وبعد اختيار شخص للخلافة من قبل الخليفة السابق يصبح من الضروري أخذ بيعة المسلمين له؛ لأنّ هذه البيعة ستثبت خلافته، وأَخْذ البيعة لا بدّ أن يصدر عن رضا ورغبة بعيداً عن الضغوط، وكما قال ابن خلدون:
«اعلم أنّ البيعة هي العهد على الطاعة، كأنّ المبايع يعاهد أميره على أنّه يسلّم له النظر في أمر نفسه وأُمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمّي بيعة مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع»[99].
ولا قيمة من أخذ البيعة عن إكراه أو مكر أو ترغيب[100]، فقد رفع كلّ من أبي حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان، وسائر فقهاء أهل السنة المعروفين آنذاك لواء العصيان على المنصور العباسي، رغم أخذ البيعة منهم عنوةً، وحينما قيل: «إنّ في أعناقنا بيعة للمنصور»، قال مالك بن أنس: «ليس على مكره يمين»[101].
إنّ من شروط التصدّي للخلافة الإسلامية مع الأخذ بنظر الاعتبار الآليات والضوابط المعتبرة لدى أهل السنة والمستوحاة من سيرة الخلفاء الراشدين، أن تكون الخلافة تمّت وِفقاً للضوابط الشرعية والمعتبرة، وحيازة يزيد لتلك الضوابط رهنٌ بالإجابة عن الاستفسارات التالية:
1ـ هل كان معاوية بن أبي سفيان خليفة شرعياً وقانونياً للمسلمين، حتى يكون ما قام به من تعيين الخليفة بعده شرعياً صادراً عن السيرة والسنة؟
ذكر عدد غفير من علماء أهل السنة وانطلاقاً من الخصوصيات اللازمة للخليفة الإسلامي ومن الحديث المأثور عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ الخلافة بعده ثلاثون عاماً، ثمّ ملكٌ عضوض، ثمّ كائن عتوّاً وجبريةً وفساداً في الأُمّة يستحلّون الفروج والخمور[102]، ذكروا:
أوّلاً: أنّ معاوية اعتلى منصة الحكم بعد ثلاثين عاماً.
وثانياً: عدم حيازته لخصوصيات الخلفاء قبله ـ لا سيما رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ من الزهد والعلم والجهاد.
ومن هذا المنطلق لم يكن معاوية خليفةً بل سلطاناً وإمبراطوراً كأباطرة الروم وفارس قبل الإسلام، وكما تقدّم الحديث عن ماضي يزيد الأسود وخلفياته، فإنّ معاوية لم يكن جديراً لتصدّي الخلافة، بل ورد لعن النبي(صلى الله عليه وآله) له، والدعاء عليه، والتحذير من مغبّة تسلّط معاوية على مقاليد الحكم ومكره.
من هنا فقد ذهب علماء أهل السنة إلى أنّ معاوية لم يكن يتمتّع بمكانة تؤهّله لتعيين الخليفة بعده؛ لأنّه اغتصب الخلافة عنوة وقام بكثير من البدع والمحارم.
2ـ هل تمّ أخذ البيعة ليزيد وفق آليات وضوابط إسلامية صحيحة كي يصدق عليه عنوان الخليفة الإسلامي وبالتالي عقد بيعة الناس له؟
وللإجابة عن هذا السؤال لا بدّ أن نتصفّح التاريخ ونطالع المصادر المعتبرة عند أهل السنة، ومن حسن الحظ فإنّ أحداث تَسلّم يزيد لزمام الأُمور قد ضبطها التاريخ، والتي تكشف النقاب عن سجّل يزيد الأسود وأبيه معاوية بن أبي سفيان ممّا دعا بعلماء أهل السنة إلى إبداء ردود فعل صريحة حيال ذلك.
فقد كتب ابن الأثير في حوادث سنة (56هـ) يقول:
«في هذه السنة دعا معاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده وجعله ولياً للعهد، وأوّل مَن طرح هذه البيعة المشؤومة المغيرة بن شعبة، أمّا السبب في دعوته لبيعة يزيد فهو أنّ معاوية أراد عزله من الكوفة ليولّي عليها سعيد بن العاص، فلمّا بلغه ذلك سافر إلى دمشق ليقدّم استقالته من منصبه حتى لا تكون حزازة عليه في عزله وأطال التفكير في أمره فرأى أنّ خير وسيلة لإقراره في منصبه أن يجتمع بيزيد فيحبّذ له الخلافة حتى يتوسّط في شأنه إلى أبيه، والتقى بيزيد وقال له: قد ذهب أعيان محمد وكبراء قريش وذوو أسنانهم، وإنّما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأياً وأعلمهم بالسنة والسياسة ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟!
وغزت هذه الكلمات قلب يزيد، فشكره وأثنى على عواطفه، وقال له: أترى ذلك يتمّ؟ قال: نعم.
وانطلق يزيد مسرعاً إلى أبيه فأخبره بمقالة المغيرة، فسرّ معاوية بذلك وأرسل خلفه، فلمّا مثل عنده أخذ يحفّزه على المبادرة في أخذ البيعة ليزيد قائلاً: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كان من سفك الدماء، والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فإن حدث بك حدث كان كهفاً للناس، وخلفاً منك ولا تُسفك دماء ولا تكون فتنة.
وأصابت هذه الكلمات الوتر الحساس في قلب معاوية فراح يخادعه مستشيراً في الأمر، قائلاً: مَن لي بهذا؟
قال: أكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك.
واستحسن معاوية رأيه، فشكره عليه، وأقرّه على منصبه، وأمره بالمبادرة إلى الكوفة لتحقيق غايته، ولمّا خرج من عند معاوية قال لحاشيته: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أُمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، وفتقت عليه فتقاً لا يُرتق ثمّ تمثّل بقول الشاعر:
بمثلي
شاهدي النجوى وغالي |
عزم معاوية وبشهادة ماضيه السياسي وفكره الجاهلي على تحقيق ما يصبو إليه، من أخذ البيعة ليزيد امتثالاً لفكرة المغيرة بن شعبة ورغبة يزيد، وفي هذا السبيل اتّبع سياستين:
انتهج معاوية سياسة تصفية كلّ مَن تعذّر ترغيبه وإغراءه وكسب رضاه، وكان أهمّ مانع يقف أمام دسائسه وبدعه هو الإمام الحسن بن علي÷ الذي كان خليفة المسلمين بعد استشهاد والده×، والذي اشترط على معاوية في وثيقة الصلح أنّه حاكم وليس خليفة، ومن أهمّ بنود تلك الوثيقة التي وافق عليها الطرفان أنّه «ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين»[104].
وراح معاوية يفكّر بتصفية الإمام× الذي كان يحول دون وصوله إلى مآربه السياسية، وأخيراً تمكّن من ذلك، وتُوفّي الإمام× مسموماً على يد زوجه جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي، بعد أن أغراها معاوية مقابل مائة ألف درهم، وقد لازم الإمام× فراش المرض حتى تُوفّي بعد أربعين يوماً[105].
وقد أكّد المؤرِّخون على أنّ الإمام× قد دُسّ له السم مرات عديدة من قبل معاوية، وفي المرّة الأخيرة دسّ له جرعات كبيرة من السمّ أدّت إلى وفاته[106].
ودأب معاوية على انتهاج سياسة التهديد والترهيب، ففي أحد مجالسه التي شارك فيها وفدٌ من أهل العراق هدّد صراحةً بالسيف كلّ مَن خالف رأيه في استخلاف ابنه يزيد، وفي الواقع فإنّه بهذه السياسة سلب قدرة الناس على الاختيار وأنّه لا حيلة لهم سوى الانصياع لإرادته وخيّرهم بين أمرين لا ثالث لهما، إمّا السيف أو قبول ولاية يزيد، وقد كتب ابن الأثير عمّا قام به معاوية في هذا الصدد:
«كان معاوية قد كتب إلى عمّاله بتقريظ يزيد ووصفه، وأن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار، فكان فيمَن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدينة، والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة، فقال محمد بن عمرو لمعاوية: إنّ كلّ راعٍ مسؤول عن رعيته، فاُنظر مَن تُولّى أمر أُمّة محمد، فأخذ معاوية بهر حتى جعل يتنفس في يوم شات، ثمّ وصله وصرفه، وأمر الأحنف أن يدخل على يزيد فدخل عليه، فلمّا خرج من عنده، قال له: كيف رأيت ابن أخيك؟ قال: رأيت شباباً ونشاطاً وجلداً ومزاحاً.
ثمّ إنّ معاوية قال للضحاك بن قيس الفهري لمّا اجتمع الوفود عنده: إنّي متكلّم فإذا سكتُّ فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثّني عليها.
فلمّا جلس معاوية للناس تكلّم فعظّم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقّها، وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة، وعرض ببيعته فعارضه الضحاك، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، إنّه لا بدّ للناس من والٍ بعدك، وقد بلونا الجماعة والأُلفة فوجدناهما أحقن للدماء، وأصلح للدهماء، وآمن للسبل، وخيراً في العاقبة، والأيام عوج رواجع، والله كلّ يوم هو في شأن، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه، وقصد سيرته على ما علمت، وهو من أفضلنا علماً وحلماً، وأبعدنا رأياً.. وتكلّم عمرو بن سعيد الأشدق بنحوٍ من ذلك، ثمّ قام يزيد بن المقنع فقال: هذا أمير المؤمنين وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ومَن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه، فقال معاوية: اجلس فأنت سيّد الخطباء.. فقال معاوية للأحنف: ما تقول يا أبا بحر؟ فقال: نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره وسرّه وعلانيته ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله تعالى وللأُمّة رضا فلا تشاور فيه، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، وإنّما علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وقام رجلٌ من أهل الشام فقال: ما ندري ما تقول هذه المعدية العراقية، وإنّما عندنا سمعٌ وطاعة، وضربٌ وازدلاف»[107].
اتّبع معاوية سياسة الترغيب والخداع إلى جانب سياسة الترهيب والتهديد، وقد خصّص لذلك أموالاً طائلة، واشترى ذمم أُسر وقبائل ذات نفوذ وشوكة في الأمصار الإسلامية، لا سيما شبه الجزيرة العربية، كما أمر عمّاله باتّباع السياسة ذاتها، فقد أرسل مبلغ مائة ألف درهم إلى عبد الله بن عمر فقبلها، فلما ذكر البيعة ليزيد قال ابن عمر: «هذا أراد؟! إنّ ديني عندي إذن لرخيص، وامتنع»[108].
«وكان المغيرة بن شعبة والي معاوية قد سار حتى قدم الكوفة، وذاكر مَن يثق إليه ومن يعلم أنّه شيعة لبني أُميّة أمرَ يزيد، فأجابوا إلى بيعته، فأوفد منهم عشرة، ويُقال: أكثر من عشرة، وأعطاهم ثلاثين ألف درهم، وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة، وقدموا على معاوية فزّينوا له بيعة يزيد، ودعوه إلى عقدها، فقال معاوية: لا تعجلوا بإظهار هذا، وكونوا على رأيكم، ثمّ قال لموسى: بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفاً، قال: لقد هان عليهم دينهم. وقِيل: أرسل أربعين رجلاً، وجعل عليهم ابنه عروة، فلمّا دخلوا على معاوية قاموا خطباء، فقالوا: إنّما أشخصهم إليه النظر لأُمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، وقالوا: يا أمير المؤمنين، كبرت سنّاً وخفنا انتشار الحبل، فانصب لنا علماً وحدّ لنا حدّاً ننتهي إليه، فقال: أشيروا عليّ، فقالوا: نشير بيزيد بن أمير المؤمنين، فقال: أوَقد رضيتموه؟ قالوا: نعم، قال: وذلك رأيكم؟ قالوا: نعم، ورأيُ مَن وراءنا، فقال معاوية لعروة سرّاً عنهم: بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بأربعمائة دينار، قال: لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً»[109].
«حج معاوية في سنة (50هـ) حتى قدم المدينة فلمّا استقرّ في منزله أرسل إلى عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وإلى عبد الله بن عمر، وإلى عبد الله بن الزبير، وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس حتى يخرج هؤلاء النفر، فلمّا جلسوا تكلّم معاوية وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: أمّا بعد، فإنّي قد كبر سنّي، ووهن عظمي، وقرب أجلي، وأوشكتُ أن أُدعى فأجيب، وقد رأيت أن أستخلف عليكم بعدي يزيد، ورأيته لكم رضا، وأنتم عبادلة قريش وخيارها وأبناء خيارها، ولم يمنعني أن أُحضر حسناً وحسيناً إلا أنّهما أولاد أبيهما علي على حسن رأيي فيهما وشديد محبّتي لهما»[110].
وتمّ هذا السفر في حياة الإمام الحسن×، وكان معدّاً له سلفاً بنحوٍ دقيق ومدروس، ومن الواضح أنّ من أساليب هزيمة الخصوم وتحقيق النصر هو رفع مستوى القوى الذاتية وحالة الانسجام بينها، والعمل على إيجاد الفرقة بين الخصوم وتوسيعها.
هذه السياسة قد اتّبعها معاوية لمّا دعا أبناء العباس وجعفر بن أبي طالب وسائر أعيان المدينة لبيعة يزيد دون الحسن والحسين÷، وأراد بذلك فصلهم عن أبناء علي× بسبب مواقفهم المبدئية الرافضة لتلك البيعة، وإحداث شرخ في صفوفهم.
فقد تكلّم عبد الله بن العباس وقال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه: «إنّك قد تكلّمت فأنصتنا، وقلت فسمعنا، وإنّ الله اختار محمداً(صلى الله عليه وآله) لرسالته، واختاره لوحيه، وشرّفه على خلقه، فأشرف الناس مَن تشرّف به، وأولاهم بالأمر أخصّهم به، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها؛ إذ اختاره الله لها، فإنّه إنّما اختار محمداً بعلمه، وهو العليم الخبير، وأستغفر الله لي ولكم». وهو بهذا الخطاب تجاهل مسألة ولاية العهد ليزيد.
ثمّ قام عبد الله بن جعفر فقال بعد الحمد والثناء والصلاة على نبيه: «إنّ هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن فأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله فأُولوا رسول الله، وإن أخذ بسنّة الشيخين فأيّ الناس أفضل وأكمل وأحقّ بهذا الأمر من آل الرسول؟ وأيم الله، لو ولّوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر موضعه، لحقّه وصدقه، ولأُطيع الرحمن وعصي الشيطان.. فاُنظر لرعيتك، فإنّك مسؤول عنها غداً، وأمّا ما ذكرت من ابني عمّي، وتركك أن تُحضرهما، فوالله ما أصبت الحق، ولا يجوز لك ذلك إلّا بهما، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم، فقل أو دَع، وأستغفرلي الله ولكم».
وتكلّم عبد الله بن الزبير بعد الحمد والثناء والصلاة على نبيه وقال: «إنّ هذه الخلافة لقريش خاصّة، تتناولها بمآثرها السنية، وأفعالها المرضية، مع شرف الآباء وكرم الأبناء، فاتّقِ الله يا معاوية، وأنصف من نفسك، فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهذا عبد الله بن جعفر ذو الجناحين ابن عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وعليٌّ خلف حسناً وحسيناً، وأنت تعلم مَن هما، وما هما، فاتّقِ الله يا معاوية، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك».
وحديث معاوية مع عبدالله بن عباس بعد شهادة الإمام الحسن× يؤكّد هذا الأمر، وهو وقوفه على مكانة الإمام الحسن× وخشيته منه تجاه خلافة يزيد.
«قال معاوية: يابن عباس، هلك الحسن بن علي؟ فقال ابن عباس: نعم هلك، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ ترجيعاً مكرراً ـ وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله، ما سدّ جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، وقد مات وهو خيرٌ منك، ولئن أُصبنا به لقد أصبنا بمَن كان خيراً منه، جدُّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فجبر الله مصيبته وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة، ثمّ شهق ابن عباس وبكى.. فقال معاوية: بلغني أنّه ترك بنين صغاراً، فقال ابن عباس: كلّنا كان صغيراً فكبر، قال معاوية: كم أتى له من العمر؟ فقال ابن عباس: أمر الحسن أعظم من أن يجهل أحدٌ مولده، قال: فسكت معاوية يسيراً، ثمّ قال: يابن عباس، أصبحت سيّد قومك من بعده، فقال ابن عباس: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا، قال معاوية: لله أبوك يابن عباس، ما استنبأتُك إلا وجدتك معدّاً»[111].
الجهود الأخيرة التي بذلها معاوية
خصّص معاوية بعد استشهاد الإمام الحسن× مساحة واسعة من نشاطه لتثبيت خلافة يزيد في المدينة، وكان واقفاً على المكانة الرفيعة للمدينة في العالم الإسلامي؛ ذلك لأنّ رضوخ أعيان المدينة للخلفاء السابقين قد أكسبهم المشروعية اللازمة للحكم، وبذلك مهّدوا السبيل إلى طاعة سائر المسلمين، وكان لكبار الصحابة والتابعين كالحسين بن علي÷ مكانةٌ دينية وسياسية مرموقة بين المسلمين، وفي هذا السياق قام معاوية بعزل مروان بن الحكم عامله على المدينة بعد الجهود العقيمة التي بذلها لأخذ بيعة زعماء المدينة ليزيد، وتعيين سعيد بن العاص محلّه.
ومع أنّه أوكل لعامله الجديد متابعة هذه المهمّة، إلّا أنّه لم يقطع اتصالاته بالحسين بن علي÷، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وكان معاوية يُرسل إليهم كتبه بعبارات وأساليب متنوّعة، وكان سعيد بن العاص مكلّفاً بإرسال هذه الكتب إلى أصحابها، وكان ينتهج مع كلّ واحدٍ منهم سياسةً خاصّة.
إضافةً إلى أنّ سعيداً هذا كان يسعى من خلال سياسة البطش والقمع إلى أخذ البيعة ليزيد عنوةً، ولكن أغلب الناس لا سيما بني هاشم قاوموا هذه السياسة، وهكذا عبد الله بن الزبير، ممّا دفع سعيد بن العاص إلى إرسال كتاب إلى معاوية يقول فيه: «أمّا بعدُ، فإنّك أمرتني أن أدعو الناس لبيعة يزيد ابن أمير المؤمنين، وأن أكتب إليك بمَن سارع ممَّن أبطأ، وإنّي أُخبرك أنّ الناس عن ذلك بطاء، لا سيما أهل البيت من بني هاشم، فإنّه لم يُجِبني منهم أحد، وبلغني عنهم ما أكره، وأمّا الذي جاهر بعداوته وإبائه لهذا الأمر فعبد الله بن الزبير، ولست أقوى عليهم إلّا بالخيل والرجال، أو تقدم بنفسك فترى رأيك في ذلك، والسلام».
فكتب معاوية إلى عبد الله بن العباس، وإلى عبد الله بن الزبير، وإلى عبد الله بن جعفر، والحسين بن علي كتباً، وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم، ويبعث بجواباتها، وكتب إلى سعيد بن العاص جاء في مقطع منه «واُنظر حسيناً خاصّةً، فلا يناله منك مكروه، فإنّ له قرابةً وحقاً عظيماً، لا يُنكره مسلمٌ ولا مسلمة، وهو ليث عرين، ولست آمنك إن شاورته أن لا تقوى عليه، فأمّا مَن يرد مع السباع إذا وردت، ويكنس إذا كنست، فذلك عبد الله بن الزبير، فاحذره أشدّ الحذر».
وكتب إلى ابن عباس: «أمّا بعد، فقد بلغني إبطاؤك عن البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين، وإنّي لو قتلتك بعثمان لكان ذلك إليّ؛ لأنّك ممَّن ألّب عليه وأجلب، وما معك من أمان فتطمئنّ به، ولا عهد فتسكن إليه، فإذا أتاك كتابي هذا، فاخرج إلى المسجد والعن قتلة عثمان وبايع عاملي، فقد أُعذر من أنذر، وأنت بنفسك أبصر، والسلام».
وكتب معاوية إلى عبد الله بن جعفر: «أمّا بعدُ، فقد عرفت أثرتي إيّاك على مَن سواك، وحسن رأيي فيك وفي أهل بيتك، وقد أتاني عنك ما أكره، فإن بايعت تُشكر، وإن تأبَ تُجبر، والسلام».
وكتب إلى عبد الله بن الزبير:
رأيت
كرام الناس إن كفّ عنهم |
الإمام الحسين(عليه السلام) أبرز أقطاب المعارضة
كان معاوية قبل غيره يعلم بأنّ للحسين× مكانةً وخصوصيات فريدة، تجعله يقف في صدارة المعارضة، من هنا تتميّز رسالته إليه× بالاحترام، فقد كتب إلى الحسين×: «أمّا بعدُ، فقد انتهت إليَّ منك أُمور، لم أكن أظنّك بها رغبةً عنها، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمَن أعطى بيعة مَن كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتّقِ الله، ولا تردنَّ هذه الأُمّة في فتنة، واُنظر لنفسك ودينك وأُمّة محمد، ولا يستخفنّك الذين لايوقنون»[113].
وكان الإمام× يتحيّن هذه الفرصة، لكشف انحرافات حكومة معاوية من جهة، وبيان الحقائق الساطعة للدين وأهل بيت النبوة^ من جهةٍ أُخرى، وكذلك فضح جرائم بني أُميّة لا أمام الحاكم وأعوانه فحسب بل أمام التاريخ والمجتمع الإسلامي في تلك البرهة الحساسة، وبادر إلى الإفصاح عن نهجه المستقبلي، وبذلك أوصد الباب بوجه معاوية وأعوانه من التعاون معهم، وأفشل كافّة المحاولات والمخطّطات التي بذلها معاوية من أجل كسب ودّ العلويين إلى جانبه.
فكتب الحسين بن علي÷ إلى معاوية: «أمّا بعدُ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أُمور لم تكن تظنّني بها، رغبة بي عنها، وإنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلّا الله تعالى، وأمّا ما ذكرت أنّه رقي إليك عنّي، فإنّما رقاه الملّاقون المشّاؤون بالنميمة المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك، ومن حزبك القاسطين المحلّين، حزب الظالم وأعوان الشيطان الرجيم، ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟! فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكَّدة، جراءةً على الله، واستخفافاً بعهده، أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلَقتْ وأبلَتْ وجهه العبادة؟! فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمَتْه العصم نزلت من شعف الجبال، أو لست المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت أنّه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلّبهم على جذوع النخل؟!
سبحان الله يا معاوية! لكأنّك لست من هذه الأُمّة، وليسوا منك، أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين علي×، ودين علي هو دين ابن عمِّه(صلى الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا، منّةً عليكم؟! وقلتَ فيما قلتَ: لا ترد هذه الأُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنةً أعظم من إمارتك عليها. وقلتَ فيما قلتَ: اُنظر لنفسك ولدينك ولأُمّة محمد. وإنّي والله، ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنّه قربةٌ إلى ربّي، وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى. وقلتَ فيما قلتَ: متى تكدني أكِدك. فكدني يا معاوية فيما بدا لك، فلعمري، لقديماً يُكاد الصالحون، وإنّي لأرجو أن لاتضرّ إلّا نفسك، ولا تمحق إلّا عملك، فكِدني ما بدا لك، واتّقِ الله يا معاوية، واعلم أنّ لله كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتُّهمة، وإمارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلّا وقد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعية، والسلام»[114].
وقد كان الإمام الحسين× يفضح على الدوام بِدَع معاوية، وإقدامه على جعل الحكم وراثيّاً في بني أُميّة، وأخذ البيعة ليزيد عنوةً، ويصرّح بمخالفته لتولّي يزيد الخلافة حتى أمام معاوية نفسه حينما أرسل إليه وإلى ابن عباس، فأجاب الإمام الحسين× ردّاً على ما قاله معاوية حول يزيد وإطرائه وجدارته بالخلافة، قائلاً: «وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأُمّة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممَّا احتويته بعلمٍ خاصٍّ، وقد دلّ يزيد على نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وِزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله، ما برحت تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلّا غمضة، فتُقدم على عملٍ محفوظ في يومٍ مشهود، ولات حين مناص»[115].
وقد ظلّ الحسين× ثابتاً على هذا الموقف المعارض لخلافة يزيد وحكومته، وكان× يتحيّن الفرص في المناسبات المختلفة من أجل الإصحار بهذا الموقف، وتوعية الناس استمراراً لخطّه الجهادي الثوري، حتى أنّه× قام بشرح موقفه الديني والظروف السياسية والثقافية والاجتماعية، وضرورة الثورة على نحو التفصيل لما واجه عسكر الحر بن يزيد الرياحي.
كما أنّ الإمام× أجاب الفرزدق، وعبد الله بن المطيع، وعبد الله بن جعفر، وآخرين لمّا حذّروه من مغبّة الوقوف بوجه يزيد نظراً لعدم تكافؤ ميزان القوى، معلناً بعزمٍ راسخ عن موقفه المبدئي تجاه يزيد، وضرورة الإطاحة به؛ بهدف إصلاح المجتمع.
تمّ الحديث في الفصل السابق عن شروط الخلافة والإمامة عند أهل السنة، ومن أهمّها الفقاهة التي تبدو الحاجة إليها ماسّة في هذا المنصب الحسّاس، كما تطرّقنا إلى وجهات نظر علماء أهل السنة حول ضرورة وأهمّية هذا العلم، وتوفّره لدى بعض الخلفاء، وغيابه عند البعض الآخر كيزيد بن معاوية، وسنبحث في هذا الفصل مقولة الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية، ومن خلالها نتبيّن موقف المعسكرين، ولا سيما أصحاب القرار فيهما، كما سوف نبذل الوسع في أن يكون البتّ بالأحكام والتقارير والنظريات في إطار علماء أهل السنة فقط، دون أن يتعدّاها إلى سائر المذاهب الأُخرى.
ونلجأ في البداية وبهدف تعميق البحث إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للاجتهاد، ومن ثمّ نشير إلى خلفياته وأنواعه وتطبيقاته عند الفقهاء، ثمّ نعرج على يزيد وجلاوزة حكومته وقادته الذين كان لهم الدور الأكبر في الوقوف بوجه الإمام الحسين× وقتاله، لنرى:
أوّلاً: هل تُعدُّ واقعة كربلاء وقتال الحسين× عند المجتهدين وذوي الخبرة والاختصاص من مواضع العمل بالاجتهاد وإعماله؟
ثانياً: استناداً إلى بعض الأخبار التاريخية المعتبرة لدى أهل السنّة، هل كان ليزيد وعمّاله مؤهّلات علمية وكفاءة دينية وروحية، تمكّنهم من الاجتهاد والعمل به وتدرجهم في عداد المجتهدين؟
ثالثاً: هل استعان يزيد ومَن سار في ركبه بآلية الاجتهاد في كربلاء حين مواجهة الحسين×؛ كي يستنبطوا حكما ً شرعياً بجواز محاربة الحسين× وأصحابه وقتلهم؟
رابعاً: هل تعامل يزيد وأعوانه مع حادثة كربلاء وفق معايير إسلامية، أو أنّهم تخطّوا ذلك وتجاوزوه إلى ارتكابهم أعمالاً شنيعة لا يقرّها الدين، ولا تندرج تحت أُصول ومقرّرات إسلامية، ولا يمكن أن تنبثق عن أُسس دينية ودعائم إسلامية؟
اشتُقّت مفردة الاجتهاد من مادّة (جهد) بمعنى بذل الجهد والسعي في عملٍ ما، وقد اتّفق على هذا المعنى أغلب علماء اللغة.
قال ابن الأثير: «الاجتهاد: بذل الوسع في طلب الأمر.. قد تكرّر لفظ الجَهد (بالفتح) والجُهد (بالضمّ) في الحديث كثيراً، وهو بالضمّ الوِسع والطاقة، وبالفتح المشقة»[116].
قال ابن منظور: «الجَهد المشقة، والجُهد الطاقة. الليث: الجَهد ما جَهد الإنسان من مرض أو أمر شاق فهو مجهود.. والجُهد الشيء القليل يعيش به المقل على جهة العيش، وفي التنزيل العزيز (وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)[117]، على هذا المعنى.
وقال الفراء: الجُهد في هذه الآية الطاقة، تقول: هذا جُهدي، أي: طاقتي.. والجُهد (بالضمّ): الطاقة، والجَهد (بالفتح): من قولك اجهد جَهدك في هذا الأمر، أي: أبلغ غايتك، ولا يُقال: اجهد جُهدك..
والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود، وفي حديث معاذ: اجتهد رأي الاجتهاد؛ بذل الوسع في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد الطاقة»[118].
وقال الراغب الأصفهاني: «الاجتهاد أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمّل المشقة، يُقال جهدت رأيي وأجهدته: أتعبته بالفكر»[119].
وقد ذكرت المصادر اللغوية المفهوم ذاته للاجتهاد مع اختلاف طفيف، ومع كلّ ذلك فإنّ الجهد قد أخذ في تعاريف الاجتهاد الذي يعني بذل الجهد والوسع.
أمّا الاجتهاد اصطلاحاً فقد عرّفه الآمدي بقوله: «استفراغ الوسع في طلب الظنّ بشئ من الأحكام الشرعية على وجهٍ يحسّ من النفس العجز عن المزيد فيه»[120].
وقال ابن الحاجب: «بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنّي»[121].
وقد كتب الغزالي يقول: «بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة»[122].
وبالطبع فإنّ ثمّة معاني أُخرى ذُكرت للاجتهاد لا يمكن عدّها من المعاني الرائجة له، بل قد تختصّ بمذاهب خاصّة، فقد قيل: إنّ الاجتهاد هو القياس عند الشافعي، وادّعى في بعضٍ آثاره أنّ للاجتهاد معنى واحداً، وقام بتفسيره بنحوٍ يختلف عن الاستحسان[123]، كما قام أحد الباحثين بدراسة العلاقة بين الاجتهاد والقياس ومعاني الرأي المختلفة، وخرج بحصيلة مفادها أنّ القياس الذي يُطلق على الاجتهاد بالرأي بالمعنى الأخص هو «بيان حكم موضوع جديد عن طريق أدلّةٍ شرعية معتبرة»[124].
كما ذهب آخر إلى أنّ إطلاق الاجتهاد على القياس ينمّ عن تفسيرٍ خاصٍّ للاجتهاد، ويعود ذلك إلى العهود الأولى للاجتهاد السنّي، وقال حول وجوه الاختلاف بينهما: «القياس هو إثبات حكم في المقيس بعلّة لثبوته في المقيس عليه بتلك العلّة، وفي الحقيقة أنّ القياس عملية من المستدلّ لغرض استنتاج حكم شرعي لمحلّ لم يرد فيه نصٌّ بحكمه الشرعي»[125]، وعلى هذا الأساس ذهب معظم علماء الشافعية إلى أنّ الاجتهاد أعم من القياس.
وقد عرّف ابن حزم الرأي بقوله: «ما يراه الحاكم من مصلحة لحاضر الرعية ومستقبلها» وهو الاستحسان الذي لا يستند إلى نصٍّ أو إجماع[126].
قال ابن قيّم: «خصّ الرأي بما يراه القلب بعد فكرٍ وتأمّل وطلب لمعرفة وجه الصواب ممّا تتعارض فيه الأمارات، فلا يُقال لمَن رأى بقلبه أمراً غائباً عنه ممّا يحس به: إنّه رأيه، ولا يُقال أيضاً للأمر المعقول الذي لا تختلف فيه العقول ولا تتعارض فيه الأمارات: إنّه رأي، وإن احتاج إلى فكرٍ وتأمّل كدقائق الحساب ونحوها»[127].
ويرى بعض محقِّقي أهل السنة إن كان المراد من الأمارات في التعريف هو مطلق القرينة فعندها سيكون تعريف ابن قيّم شاملاً لوجوه الاجتهاد كافّةً.
إنّ الاجتهاد واستنباط الحكم الشرعي من مصادره، من الأُمور التي هي بحاجةٍ ماسّةٍ إلى توفّر شروط على ضوئها يصبح هذا الأمر ممكناً، فمَن ظفر بتلك الشروط امتلك ناصية الاجتهاد، وتنقسم تلك الشروط بلحاظ حقيقتها إلى شروط ذاتية وأُخرى اكتسابية.
هذه الشروط وكما هو واضحٌ من العنوان قد أودعها الخالق لدى كلّ البشر، ولا يمكن الحصول عليها أو كسبها من خلال النشاط الإنساني، هذه الشروط أصبحت مثاراً للجدل، فقد ذهب أهل السنة إلى أنّها عبارة عن: البلوغ والعقل والفطنة.
أمّا الشرط الأوّل فقد بيّنه ابن السبكي بقوله: «من شروط الاجتهاد: البلوغ؛ لذلك لا يصحّ رأي واجتهاد غير البالغ، ولا يُعتمد عليه»[128].
وأمّا العقل فقد عرّفه أحد علماء أهل السنة كالتالي: «العقل: وهو الملكة، أي: الهيئة الراسخة في النفس التي يُدرك بها صاحبها ما من شأنه أن يُعلم، وقيل: العقل نفس العلم، أي: الإدراك النظري والضروري، وقيل: هو الإدراك الضروري فقط، إلّا أنّ العاقل بسبب اتّصافه بالعلم الضروري الذي لا ينفك عنه، يصدُق على ذي العلم النظري أيضاً، كما أنّه يصدُق على مَن لا يتأتّى منه النظر كالأبله، وعلى كلّ حال فإنّ المراد باشتراط العقل في المجتهد هو أن يكون سليم الإدراك خالياً عمّا يُعتبر عيباً فيه، كالجنون والعته والسفه»[129].
وأهمّ من كلّ ذلك الإيمان، حيث يمكن اكتسابه رغم أنّه أمرٌ فطري.
ولاخلاف حول ضرورة أن يكون المجتهد مسلماً وموحّداً، إنّما الغرض من طرحه في الاجتهاد هو الوقوف التفصيلي أو الإجمالي على علم الكلام، وامتلاك العلم اللازم بضروريات الدين، وقد ذهب بعضٌ إلى لزوم الوقوف على دقائق علم الكلام لتحقّق الاجتهاد وقدرة الاستنباط، وذهب بعضٌ آخر إلى عدم لزوم ذلك.
عدّ أهل السنة شروطاً عديدة للظفر بالأحكام الشرعية من خلال الاجتهاد، ومع توفّرها يصبح بإمكان المجتهد الرجوع إلى مصادر التشريع والإفتاء، هذه الشروط هي كالتالي:
ـ الوقوف على اللغة العربية وآدابها.
ـ معرفة القرآن الكريم.
ـ معرفة السنة النبوية.
ـ معرفة مقاصد الشريعة.
ـ الإلمام بعلم الأُصول.
ـ معرفة القواعد الفقهية.
ـ الاستعداد اللازم للاستنباط.
كما طرح علماء أهل السنة شروطاً أُخرى للاجتهاد، وأهمّها: العدالة، والورع، والتقوى، وموافقة العمل للعلم والقول، وأدلوا بمزيدٍ من التفصيل حول تلك الشروط، أحجمنا عن ذكرها مخافة الإطناب.
أوّل مطلب لا بدّ من الوقوف عنده في بحث الاجتهاد هو سعة الاجتهاد ومجالاته، فلا بدّ من النظر في أي المواضع والحالات يكون للاجتهاد معنى، وأيّها يكون بلا مفهوم ولا معنى، أي: متى يجري؟ وكما هو معلوم لايجوز إجراء الاجتهاد في الأحكام المعلومة والضرورية، كما هو الحال في الأحكام القطعية الثبوت والدلالة، مثل: وجوب الصلوات الخمس، وحرمة الزنا والسرقة والخمر والقتل، وإقامة الحدود عليها الثابتة بواسطة آيات القرآن الكريم والسنة القولية والعملية للنبي(صلى الله عليه وآله)، بحيث لا تدَع مجالاً لممارسة الاجتهاد، والنوع الثاني من الأحكام التي لا يجري فيها الاجتهاد يشمل الأحكام الصادرة عن النصوص الظنّية عند غياب النصّ أو الإجماع.
ومن هذا المنطلق قسّم العلماء الاجتهاد إلى (واجب، وحرام، ومستحبّ، ومكروه، ومباح)، وأبرز أنواع الاجتهاد الحرام، هو الاجتهاد في مقابل النصّ كما سيأتي.
بعد استيعاب مفهوم الاجتهاد وشروطه وأقسامه يتّضح بطلان ما ذهبت إليه ثلّة من أهل السنة، وخلافاً لأغلب جمهور السنة، وسائر الفرق الإسلامية إلى تبرير جرائم يزيد وزمرته دفاعاً عنهم، من هذه التبريرات هي إسناد الجرائم الشنيعة التي ارتكبها أعوان يزيد وجهازه إلى اجتهادهم، وفي الواقع فإنّ هؤلاء بعد أن ثبت لديهم عدم إمكانية الدفاع عن خلافة يزيد؛ نظراً لغياب مشروعيتها وفاعليتها، وعدم صمودها أمام الشبهات الكثيرة، قامت بالدفاع عن يزيد من خلال التشبّث باجتهاده.
وممّا يجدر ذكره أنّ أتباع هذا الرأي لم يذكروا هذا الأمر صراحةً، بل إنّ عباراتهم في هذا الصدد شتّى، فقد كتب أبو بكر بن العربي المالكي يقول: »وما خرج إليه أحدٌ إلّا بتأويل، ولا قاتلوه إلّا بما سمعوا من جدّه المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذر عن الدخول في الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة، منها.. قوله(صلى الله عليه وآله): إنّه ستكون هنات وهنات فمَن أراد أن يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان، فما خرج الناس إلّا بهذا وأمثاله»[130].
وكتب أحد الدارسين عن سبب قتال الناس لابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول:
«وهكذا انتشر بين جماهير المسلمين الذين ليس لهم هوى ولا مصلحة أنّ الخروج على الإمام تفريق صفوف الأُمّة وصرع لبنيانها.. وتردّد على أفواه الناس حديث رسول الله أنّه ستكون هنات»[131].
ومع هذا الادّعاء فمن المناسب البحث بنحوٍ دقيق وشمولي حول تحقّق شروط الاجتهاد ومعاييره في يزيد وأعوانه، لا سيما مَن شارك منهم في واقعة كربلاء، فهل كانوا مجتهدين بحسب رأي علماء ومؤرِّخي أهل السنة، وبإمكانهم إصدار فتوى على ضوء الموازين والشروط المسلَّمة والمعتبرة شرعاً؟ وهل نُقل عنهم هكذا ادّعاء؟
ثمّ يجب التأمّل في قابلية المقام للاجتهاد والتأويل، وهل أنّ للاجتهاد معنى في حادثة عاشوراء وقتال الحسين× وأصحابه، وتعتبر من المواضع التي يلجأ فيها إلى الاجتهاد؟ وأخيراً إلى أيّة جهة تقودنا الوثائق التاريخية؟ وهل حدث شئ كهذا، أو أنّ الواقع التاريخي يُثبت خلاف ذلك؟
تأمّلات في صلاحية يزيد بن معاوية
شهد معظم علماء أهل السنة على يزيد بن معاوية بالفسق قبل وقوع حادثة كربلاء، ويرشدك إلى ذلك خطّه الفكري والتربوي.
من هنا فمَن ادّعى اصطفاف نوعين من الاجتهاد في كربلاء، وانبعاث يزيد وأعوانه مستندين على الأحاديث النبوية لقتال الحسين×، فعليه تقديم أدلّةٍ تثبت قدرة الاجتهاد لدى يزيد وأعوانه.
إنّ أوّل ما يلوح عند بيان ادّعاء تلك الثلّة هو التهافت الواضح في الدفاع عن يزيد؛ ذلك أنّها ذهبت إلى تجلّي نوعين من الاجتهاد والتأويل في كربلاء من جهة، وادّعاء براءة يزيد من قتل الحسين بن علي÷ بل وحزنه لوقوع تلك الحادثة من جهةٍ أُخرى، وقد صُنّف في هذا الصدد كتاب تحت عنوان: (براءةيزيدبنمعاويةمنقتلالحسين) أسهب المؤلِّف فيه في الحديث عن حزن يزيد لاستشهاد الحسين× ومعاملته لأهل بيته.
من الواضح أنّ ادّعاء براءة يزيد ممّا اقترفه قبل أن يكون وجهة نظر أشبه مايكون بمزحة تاريخية، فقد حاول إلقاء مبادئ عقائدية وفكرية عارية عن الانسجام والوضوح على المخاطبين، وسوف نتناولها بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع، أمّا التهافت الذي يلوح من هذا الكلام هو أنّ المدافعين عن يزيد والمعتقدين باجتهاده في حادثة كربلاء وأنّ ماجرى كان عبارة عن نوعين من الاجتهاد الشرعي قد تعارضا، ما بالهم لا يلتزمون بلوازمه، وهو إلقاء تبعات تلك الجريمة بشكل رسمي على عاتق يزيد؟ وهل يمكن قبول اجتهاده وتقديمه على اجتهاد الإمام الحسين×، مع عدم الالتزام بلوازمه، ومنها قتل الحسين× وأصحابه، ونسبة ذلك إلى عبيد الله بن زياد تارةً، وإلى عسكره تارةً أُخرى؟
وهذا تهافتٌ بل تخبّطٌ واضح، ممّا ينم عن عدم اعتقاد بهذا القول لما فيه من تكلّف وخلوه من أيّة قيمة.
إنّ العقل والفطنة ـ كما تقدّم في مبحث شروط الاجتهاد ـ من الشروط الذاتية للاجتهاد عند علماء أهل السنة، ومن الواضح أنّ يزيد كان يفتقدهما أوكان عاجزاً عن إعمالهما.
كان يزيد ـ وكما مرّ في الفصل الأوّل ـ قد ترعرع في أحضان قبيلة بني كلب النصرانية، والتي اعتنقت الإسلام فيما بعد، وكان منغمساً بالشهوات الجنسية، والطرب والغناء، ومعاقرة الخمر، وكلّ ذلك لا يدَع مجالاً للشك في أنّ ممارسة تلك المحرّمات تتنافى والعقل، وتحول دون اتّخاذ إجراءات سليمة صادرة عن عقلٍ أو فطنة.
ويلوح من سجل يزيد الأسود أنّه كان فاقداً للعقل والفطنة اللازمة، ولم يستنر بهما طيلة حياته، ويرشدك إلى ذلك أنّه بدأ خلافته بقتل الحسين× ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنهاها بهدم الكعبة وإحراقها.
وعليه فجهود معاوية ـ الذي لم يعتقد يوماً ما بأنّ الخلافة تمثّل استمراراً لخطّ النبوة ـ التي كرسها للاستيلاء والغلبة، والحكم على رقاب العباد، قد ذهبت أدراج الرياح على يد يزيد، من خلال مواقفه الطائشة والمتهوّرة، البعيدة كل البعد عن العقل والحكمة، والتي على ضوئها ضاعت السلطة وإلى الأبد عن السلالة السفيانية.
دافع أعوان يزيد بن معاوية بصورة غير مباشرة عن مهارته الأدبية، وأثنوا بالخصوص على شعره[132].
أمّا سائر الشروط كمعرفة القرآن، والسنة النبوية، وفهم مقاصد الشريعة، والإلمام بالفقه والأُصول، فلا نكاد نعثر لها على أثر في المصادر، إلّا ما نُسب إلى ابن عباس: «روى المدائني أنّ ابن عباس وفد إلى معاوية بعد وفاة الحسن بن على، فدخل يزيد على ابن عباس وجلس منه مجلس المُعزّي، فلما نهض يزيد من عنده، قال ابن عباس: إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس»[133].
ويبدو أنّ هذا الخبر بعيد عن الصواب من جهات؛ ذلك أنّه مع قطع النظر عن ضعف السند، فإنّ ابن عباس ليس معصوماً، ولعلّه خضع لسياسة الترهيب والترغيب التي اتّبعها معاوية، ومع صرف النظر عن ذلك، فإنّ الخبر لا يُثبت أي شرط من شروط أهل السنة، كالفقاهة والاجتهاد، فهل يثبت علم يزيد بالقرآن الكريم وآيات أحكامه، وعمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيّده؟ وهل أنّ ما ذُكر في الخبر يُثبت علم يزيد بالسنة ومقاصد الشريعة والفقه، ولو في رأي شخص واحدٍ كابن عباس؟
ولعلّ تلك الإشكالات وغيرها حالت دون استحواذ هذا الخبر على اهتمام ابن العربي، الذي كتب عن علم يزيد وعدالته دون أن يستند إلى هذا الخبر، وقال:
«فإن قِيل: لمَن فيه شروط الإمامة، قلنا: ليس السن في شروطها ولم يثبت أنّه يقصر يزيد عنها، فإن قِيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلاً ولا عالماً، قلنا: وبأيّ شيء نعلم عدم علمه أو عدم عدالته، ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء (عبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وعبدالله بن الزبير) الذين أشاروا علىه بأن لا يفعل، وإنّما رموا إلى الأمر بعيب التحكّم، وأرادوا أن تكون شورى»[134].
يدلّ هذا الكلام على غياب أيّ دليل يدل على اجتهاد يزيد وعلمه بالدين ومعارفه، وهو قبل أن يكون دليلاً للإثبات هو دليلٌ على عجز يزيد والاعتراف بضعفه في هذا المجال؛ ذلك لأنّ المخالفين ـ كما تقدّم في الفصل السابق ـ ومن جملتهم الفضلاء الذين تقدّم اسمهم قد أنكروا ولاية عهد يزيد، وذهبوا إلى عدم شرعيتها، لما يترتّب عليها من مفاسد، فلا تصل النوبة إلى شروط ولاية العهد، وأهمّ من كلّ ذلك فإنّ فسق يزيد وولعه بارتكاب المحرّمات وابتعاده عن الدين أوضح من الشمس في رابعة النهار، الأمر الذي أدّى بجميع الواعين إلى عدم الشعور بالحاجة إلى الإشارة إلى ذلك، وإلى جانب ذلك، فهل كان سائر أقوال المخالفين تلقى أذناً صاغية لدى معاوية حتى يزعزع بيان جهل يزيد من قبلهم ثقة معاوية وطغمته بيزيد وولاية عهده؟ والملفت للنظر هو التهافت الروائي الواضح في نفس الرواية التي نُقلت على لسان ابن عباس، والتي يُراد من خلالها إثبات اجتهاد يزيد وعلمه؛ لأنّه في صدر هذا القسم نقل عن محمد بن علي بن أبي طالب: «فرأيته مواظباً على الصلاة، متحرّياً للخير، يسأل عن الفقه، ملازماً للسنة»[135]، والذي يشير إلى عزم يزيد على تعلّم الفقه لا إلى فقهه وتصدّيه للإفتاء.
مع أنّ الشروط التي ذكرها أهل السنة للاجتهاد الحقيقي لا تتوفّر في يزيد البتة، و لايمكن إثباتها له كي نتشبّث باجتهاده لتبرير ما قام به، إلّا أنّ مراجعة التاريخ المصطنع عبر بوابة أهل السنة لا تخلو من فائدة، من هذا الباب وبغضّ النظر عن الاستدلالات السابقة، فهل أدرج التاريخ يزيد في عداد فقهاء عصره، وعلى فرض وقوع ذلك، ففي أيّة طبقةٍ من طبقات الفقهاء يندرج؟
جديرٌ بالذكر أنّ المؤرِّخين المسلمين قد قسّموا فقهاء العصر الإسلامي الأوّل إلى طبقتين: طبقة فقهاء الصحابة، وطبقة فقهاء التابعين، وكما مرّ فإنّ الخلفاء الأربعة مع اختلاف درجاتهم يُعدّون من طبقة فقهاء الصحابة، ومن الواضح أنّ يزيد لا يندرج تحت عنوان أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)؛ لأنّه ولد عام (32) من الهجرة[136].
من هنا يجب اقتفاء أثره بين التابعين، وكان علي بن الحسين زين العابدين× ـ رابع أئمّة أهل البيت^ لدى الشيعة ـ أفقه التابعين باعتراف أهل السنة أنفسهم، ومن أهل الفتوى، كما اعترف بذلك فقيههم المعروف محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وقال: «ما رأيت أحداً كان أفقه من علي بن الحسين»[137].
أمّا يزيد الذي ارتكب فاجعة كربلاء فإنّه لم يُذكر في أيّ مصدرٍ تاريخي كفقيهٍ من فقهاء التابعين، بل يدلّ تصدّي علي بن الحسين× أيام خلافة يزيد والسفيانيين والمروانيين على عدم وجود أساس فقهي يستند إليه الحكم الأُموي، الذي كان يكنّ العداء للفقهاء ومواقفهم، لا سيما الإمام زين العابدين×.
وحينما تذكر النصوص التاريخية سلسلة خلفاء بني أُميّة وتصل إلى يزيد الذي استلم الحكم عام (60هـ) اكتفت بتعريف موجز لسيرته وأبنائه، وأظهرت أسفها عمّا قام به من جرائم تقشعرّ لها الأبدان، وقد تلعنه أو تشير إلى ذلك بخجلٍ واستحياء.
من هنا فقد فتح باب تحت عنوان فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين أو أمثال عمر بن عبد العزيز، واجتنبت الإطراء على يزيد بعناوين وألقاب مثل: رضي الله عنه.
من الطبيعي أن يكون ليزيد الدور الرئيس في خلق فاجعة كربلاء، وقد دعمه في ذلك العديد من زعماء القبائل والسياسيين والمحاربين والقادة، وتمكّنوا بالتعاون فيما بينهم من إجهاض ثورة كربلاء على الظاهر، هذا الإجهاض الذي سرعان ما تحوّل إلى نجاح خالد، وأصبح منشأ لتجديد حياة الدين ومدّ المجتمعات البشرية لا سيما الإسلامية بالهداية والحماسة والإصلاح.
ويتيسّر لنا عبر تصفّح التاريخ معرفة الأيادي التي تلطّخت بدماء الأبرار، والتي استعان بها يزيد، وكان لها دورٌ مباشر في التخطيط والتنفيذ وقتال الإمام الحسين× وأصحابه، نظير: مروان بن الحكم، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وشمر بن ذي الجوشن، وشريح بن الحارث المعروف بشريح القاضي، حرملةبنكاهل الأسدي، وخولي بن يزيد الأصبحي، وسنان بن أنس النخعي، والحصين بن نمير، وشبث بن ربعي، الذينكانوا يشكّلون العمود الفقري لتلك الواقعة.
لا شكّ أنّ العرض الموجز لسيرتهم كفيل بالإجابة عن استفسارات، نظير: هل أنّهم حازوا الشروط المعتبرة للاجتهاد من منظار أهل السنة؟ وهل حازوا الشروط الذاتية والاكتسابية للمجتهد الجامع للشرائط؟ وهل ثمّة قيمة لاجتهادهم مع شذوذهم خلقياً وسلوكياً؟ وهل يمكن اعتبار جرائمهم في كربلاء صادرة عن اجتهاد وتأويل، وامتثال أمر النبي(صلى الله عليه وآله) الذي أصبح ذريعة للمدافعين عنهم؟
وخلاصة الكلام: هل أنّ الحسين بن علي÷ قُتل بسيف جدّه(صلى الله عليه وآله)، وبأمرٍ من رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟!
على الرغم من غياب مروان بن الحكم عن ساحة كربلاء، إلّا أنّه أوّل مَن اقترح قتل الحسين× على الوليد بن عتبة عامل يزيد على المدينة لما قال: احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، ولمّا رفض الوليد ذلك، قال مروان للوليد: لتندمن على تركك إيّاه، فقال الوليد: يا مروان، ما أُحبّ أن أملك الدنيا بحذافيرها على أن أقتل حسيناً، إنّ الذي يُحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة[138].
وتدلّ سيرته على أنّه لم يملك اعتقاداً راسخاً بالإسلام، وعلى فرض إسلامه يُطرح هذا السؤال: هل كانت له جدارة علمية وعملية تؤهّله للاجتهاد وإبداء حكم الإسلام؟ وأخيراً هل أنّ رأيه بقتل الحسين× صادرٌ عن رؤية دينية، ونظرةٍ إسلامية، أو صادر عن أغراض ومقاصد سياسية؟
وُلد مروان بن الحكم عام (2هـ)، أبوه الحكم بن أبي العاص، الذي أسلم على الظاهر، واعتُبر من المسلمين، إلّا أنّه كان يُلحق الأذى برسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويُكنّ له حقداً عميقاً، وكان يحكي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مشيته وبعض حركاته، وكان يسترق السمع من خلف أبواب حجرات النبي(صلى الله عليه وآله) عسى أن يظفر بشيء من أسرار النبي الشخصية والعائلية؛ لنشرها على الملأ بعد ذلك، الأمر الذي أدّى إلى أن يلعنه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وينفيه وابنه مروان من المدينة إلى الطائف[139].
يقول ابن الأثير في هذا الصدد:
«إنّ الأمر المقطوع به أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) على حلمه وإغضائه عمّا يكره، ما فعل به ذلك إلّا لأمر عظيم، ولم يزل منفياً حياة النبي’، فلمّا ولي أبو بكر الخلافة قِيل له في الحكم ليردّه إلى المدينة، فقال: ما كنت لأحلّ عقدةً عقدها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكذلك عمر، فلمّا ولي عثمان الخلافة ردّه»[140].
وقد اشتهر الحكم بن أبي العاص بأنّه طريد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولم يكتفِ النبي(صلى الله عليه وآله) بنفيه، بل إنّه حذّر الأُمّة وخوّفها منه ومن نسله، فعن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: كنّا مع النبي(صلى الله عليه وآله) فمرّ الحكم بن أبي العاص، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): «ويلٌ لأُمّتي ممّا في صلب هذا»[141].
وينقل ابن الأثير في أُسد الغابة عن بنت الحكم بن أبي العاص أنّها قالت للحكم: «ما رأيت قوماً كانوا أسوأ رأياً وأعجز في أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) منكم يا بني أُميّة»[142].
مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان، أمّا أبناؤه وفي مقدّمتهم مروان بن الحكم طريد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يردّه عثمان ـ في ظلّ السياسات الأُموية والطائفية التي اتّبعها ـ من منفاه فحسب، بل تركه يشقّ طريقه بالتدريج إلى جهاز الخلافة، وأصبح كاتبه ومن مستشاريه الخاصّين.
نظر إليه الإمام علي× يوماً فقال: «ويلك وويلُ أُمّة محمد منك ومن بنيك»[143].
وكان لمروان بسبب مشوراته دورٌ مؤثّر في إذكاء شعلة الثورة وتأجيجها على عثمان وانحطاط دولته، لمّا اتّبع عثمان سياسة أُموية تتلخّص في هدر بيت المال وتبذيره، وإطلاق يد بني أُميّة في ظلم الناس، واتّساع هوّة الفواصل الطبقية، وتجاهل ما أوصى به رسول الله(صلى الله عليه وآله) على الصعيد الحكومي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي، وبذلك مهّد لهلاك نفسه وسقوط حكومته.
وبعد انتهاء التوتّر بين الناس ـ لا سيما أهل مصر ـ وبين الخليفة الثالث بعد كتابة عثمان بعزل عامله على مصر، كتب مروان كتاباً في إبطال ماسبق وأمر فيه بقتل المعارضين، وأرسله على وجه السرعة، ولما وقع الكتاب بيد الثوار في مصر عادوا إلى المدينة، وقاموا بتصعيد الاحتجاجات ضدّ عثمان التي انتهت بقتله وسقوط حكومته، وعلى هذا الأساس يعتقد الكثير من المؤرِّخين أنّ لمروان اليد الطولى في قتل عثمان[144].
وبعد مقتل عثمان أرسل مروان قميصه الذي كان بيد أُمّ حبيبة إلى معاوية في الشام، وقد شارك فى حرب صفّين إلى جانبه ضدّ علي بن أبي طالب× الخليفة الشرعي للمسلمين، وكان قبل ذلك قد شارك في حرب الجمل إلى جانب عائشة.
وبعد صلح الإمام الحسن× وتثبيت دعائم حكومة معاوية أصبح عامله على المدينة، حيث أمر بسبّ علي× فيها وروّج لذلك، كما كان عامله على مكة والطائف.
كان مروان في المدينة لمّا وصل يزيد بن معاوية عام (60هـ) إلى سدّة الحكم، وحينما دعا والي المدينة الحسين× وأبلغه بموت معاوية، عارضاً عليه بيعة يزيد، إلّا أنّ الإمام× رفض، وكان مروان حاضراً في المجلس، فاقترح على والي المدينة قتله×، إلّا أنّ الوالي امتنع عن ذلك.
ولمّا بُويع مروان بالخلافة في الشام قال أخوه عبد الرحمن بن الحكم ـ وكان حسن الشعر لايرى رأي مروان ـ:
فوالله
ما أدري وإنّي لسائل |
وقال أيضاً:
يقيم
بدار مضيعة إذا لم |
كلّ هذا يرشدنا إلى افتقار مروان للشروط التي ذكرها أهل السنة في العدالة والتفقّه في الدين، من هنا لم تثبت صلاحيته من الناحية العلمية والعملية، بل كان عارياً منها على وجه القطع والجزم.
كما أنّ ما أفشاه بعد فاجعة عاشوراء يعكس لنا جانباً آخر من جوانب شخصيته وموقفه حيال أهل بيت النبي’ والحسين×.
وعلى كلّ حال، مثله مثل سائر مَن حضر كربلاء لقتال الإمام× لم يكن دافعه في كلّ ذلك الدين وإطاعة أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ كمايدّعيذلكأتباعيزيد ـ بلحبّالجاهوالمالوكراهيتهللإسلاموآلالنبي^ الذيكانيحمللهمحقداًدفيناً، وكانيتحيّنالفرصللانقضاضعليهموقتلهم، ولميخشمنالإفصاحعنتلكالأمانيالقديمةأبداً.
اسمه عبيد الله، وكنيته أبو حفص أو أبو الأحمر، أبوه زياد الذي وُلِد من سمية زوجة عبيد، وكانت صاحبة راية، ولم يُعرف أبوه، الأمر الذي دعا بمعاوية إلى استلحاقه بنسبه في بداية خلافته؛ وذلك أنّ أبا سفيان صار إلى الطائف، فنزل على خمّارٍ يُقال له: أبو مريم السلولي، وكانت لأبي مريم معه صحبة، فقال أبو سفيان لأبي مريم بعد أن شرب عنده: قد اشتدّت بي العزوبة، فالتمس لي بغيّاً، فقال: هل لك في جارية الحارث بن كلدة سميّة امرأة عبيد؟ فقال: هاتها على طول ثديها وريح إبطيها. فجاء بها إليه فوقع بها فولدت زياداً[146].
وقد استلحقه معاوية بأبيه رغم صريح ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وقد ولد عبيد الله من صُلب ذاك الرجل عام (33هـ)[147]، أُمّه مرجانة وهي أَمة وقعت في أسر المسلمين من بلاد الفرس، اشتهرت بالفسق والفجور، من هنا فقد يُنسب إلى أُمّه مرجانة خاصة حينما يُراد بيان عدم طهر ولادته، فقد ورد في مقطع من كلام الحسين× يوم عاشوراء: «ألا إنّ الدعي[148] ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، هيهات منّا الذلة»[149].
كان عبيد الله بن زياد فاجراً في خصومته، جاهلاً في تجبّره وقسوته حتى بلغ به الإسفاف أنّه أصرّ على رضوخ الحسين لأمره، وحضوره بين يديه، وإلّا فليُقتل وليوطّأ جسده الشريف سنابك الخيل.
ولا عجب في أن يقف ابن زياد ذلك الموقف من ابن بنت رسول الله، فإنّه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلّا أهل الفضل، وهيهات أن يكون مثل عبيد الله منهم، فقد دلّ بتجاهله لمقام الحسين من الله ورسوله على تأصّل جاهليته وفساد سريرته... ومع ما اشتهر به عبيد الله بن زياد من تجبّرٍ وطغيان، فقد كان جباناً رعديداً، حريصاً على السلامة[150].
لقد اعتُبر من الرواة في بعض مصادر أهل السنة، وقِيل: إنّه نقل عن سعد بن أبي الوقاص ومعاوية بن أبي سفيان ومعقل بن يسار وابن معاوية (أخو بني جعدة)، أمّا سجّله في أوساط أصحاب الحديث فهو أسود، فيكفيك أنّ ابن حجر العسقلاني وآخرين لم يدرجوه في عداد الرواة والمحدّثين، لذا عند مراجعة المصادر من الدرجة الأُولى، لا يأتي ذكره إلّا كأحد الرواة المجهولين ممَّن روى روايات قليلة جدّاً وعن أشخاص محسوبين على التيار الأُموي، وهذا الأمر لا يثبت كونه ثقة في نقل هذا العدد الضئيل من الروايات، كما لا يُثبت له مقام الفقاهة والفُتيا[151].
هذا في الوقت الذي لا تعتبره الروايات التاريخية من الرواة والمحدّثين فحسب، بل تشكّك في تعلّمه القراءة والكتابة؛ ذلك لأنّ عبيد الله بن زياد وفقاً لبعض المصادر وبسبب عجمة لسان أُمّه لا حظّ له من التسلّط على العربية، من هنا فلم يشبه القادة السياسيين، فلا يُجيد الشعر ويفتقر إلى الذوق الأدبي، بل قد تتلمذ عند أبي الأسود الدؤلي لتعلّم اللغة العربية ورَفْع مشاكله فيها[152].
لقد ولّاه معاوية خراسان بعد موت أبيه زياد في الأعوام (53 ـ 54هـ)[153]، وترافقت سياسته مع سفك الدماء وقسوةٍ لا حدّ لها، ثمّ ولاه البصرة عام (55هـ)، حيث قام فيها بقتل الخوارج وبناء القصر المعروف بقصر البيضاء[154].
ثمّ انتقل إلى الكوفة عام (60هـ) واتّبع سياسة صارمة قاسية قلّما مارسها أحدٌ قبله، كقتله مسلم بن عقيل بلا رحمة بعد تعذيبه، وإعدام الصحابة والتابعين أمثال: هاني بن عروة، وميثم التمّار، ورشيد الهجري، وعبد الأعلى الكلبي، وقيس بن مسهّر الصيداوي، وعبد الله بن يقطر، وعمارة بن صلخب الأزدي، وآخرين، وإقحام جمعٍ غفير من أتباع الحسين× في الكوفة والبصرة وخراسان في الزنزانات، ممّا يدلّ على ظلمه وقسوته، وقتله بالظنّة ناهيك عن بعده عن العدل والدين[155].
وقد بلغ عبيد الله من خبث السريرة والطينة بمكانٍ دفع أتباع يزيد بن معاوية أن يتبرؤوا ممّا قام به ونسبوا إليه ما جرى في كربلاء من قتل الحسين بن علي× وظلم أهل البيت وأتباعهم.
وبهذا النحو لم يثبت المدافعون عن يزيد مقام الاجتهاد والفقاهة لعبيد الله فحسب، بل لم يتمكّنوا من الدفاع عن تاريخه المليء بالعار، ونسبوا إليه مباشرةً فاجعة كربلاء وقتل الحسين×.
وُلِد وطبقاً للمشهور عام (23هـ) وهو العام الذى مات فيه عمر بن الخطاب، وكان أبوه سعد بن أبي وقاص أحد أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويعتقد أهل السنة أنّه أحد العشرة المبشّرة بالجنة، وقد توارد اسمه على الألسنة للخلافة، وقد جعله عمر أحد أعضاء الشورى الستّة لتعيين الخليفة بعده.
وعلى الرغم من ورود عمر بن سعد في بعض أسانيد الروايات التي أكثرها عن أبيه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إلّا أنّ علماء السنة ورجالييهم أحجموا عن النقل عنه؛ لمشاركته في قتل الحسين×، التي تُعتبر نقطةً سوداء ووصمةُ عارٍ باقية على جبينه مدى الدهر.
قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: كيف يكون مَن قتل الحسين ثقة؟! قال عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدّثنا إسماعيل، حدّثنا العيزار، عن عمر بن سعد، فقال له موسى (رجلٌ من بني ضبيعة): يا أبا سعيد، هذا قاتل الحسين؟! فسكت، فقال له: عن قاتل الحسين تُحدّثنا؟! فسكت.
وروى ابن خراش عن عمرو بن علي نحو ذلك، وقال: فقال له رجل: أما تخاف الله، تروي عن عمر بن سعد؟! فبكى، وقال: لا أعود[156].
كان من المسلّم عنده قبل فاجعة كربلاء وبالخصوص يوم عاشوراء أنّه لن يفتي بقتل الإمام× فضلاً عن المباشرة بقتله، ويُعتبر ذلك من المستحيل الذي لا يمكن تصديقه أبداً، وقد نقل العسقلاني أنّ عمر بن سعد قال للإمام الحسين×: إنّ قوماً من السفهاء يزعمون أنّي أقتلك، فقال الحسين: ليسوا سفهاء، ثمّ قال: والله، إنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلّا قليلاً[157].
ومن الملفت للنظر أنّ عمر بن سعد روى عن أبيه، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام»[158].
كان لعمر بن سعد خصوصيتان حازتا على اهتمام المؤرِّخين وأهل السير، الأُولى: حبّه المفرط للسلطة مذ كان غلاماً حدث السن، حُكي أنّ عمر بن سعد قد اتخذ جعبة وجعل فيها سياطاً نحواً من خمسين سوطاً، فكتب على السوط عشرة وعشرين وثلاثين إلى خمسمائة على هذا العمل، وكان لأبيه سعد غلام ربيب مثل ولده، فأمره عمر بشيء فعصاه فضرب بيده على الجعبة فرفع بيده سوط مائة، فجلده مائة جلدة، فأقبل الغلام إلى سعد ودمه يسيل على عينيه فقال: ما لك؟ فأخبره، فقال سعد: اللهم اقتل عمر وأسِل دمه على عينيه، قال: فمات الغلام[159].
وقد خرج عمر بن سعد بعد معركة صفين حتى أتى أباه سعد بن أبي وقاص على ماءٍ لبني سليم بالبادية، حيث اختار الابتعاد عن الأضواء، فقال: يا أبة، أنت صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأحد الشورى، ولم تدخل في شئ كرهَته هذه الأُمّة، فاحضر فإنّك أحقّ الناس بالخلافة، فقال: لا أفعل، إنّي سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إنّه يكون فتنة خير الناس فيها الخفي التقي، والله، لا أشهد شيئاً من هذا الأمر أبداً.
وعن عامر بن سعد أنّ أخاه عمر بن سعد انطلق إلى سعد في غنم له خارجاً من المدينة، فلمّا رآه سعد قال: أعوذ بالله من شرّ هذا الراكب، فلما أتاه قال: يا أبة، أرضيت أن تكون أعرابياً في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر، وقال: اسكت[160].
وعلى الرغم من عدم رضوخ سعد بن أبي وقاص لإصرار ابنه إلّا أنّه يدلّ على حبّ عمر بن سعد المفرط للملك، فقد كتب ابن كثير بعد نقله لهذه الرواية قائلاً:
«وكان عمر بن سعد هذا يحبّ الإمارة، فلم يزل ذلك دأبه حتى كان هو أمير السرية التي قتلت الحسين بن علي»[161].
والخصوصية الثانية له: هي قربه من بني أُميّة خاصّةً معاوية بن أبي سفيان، فكان يلجأ إليه عند نوائب الدهر، ويستقبله ابن أبي سفيان بوجهٍ بشوش، ويدٍ مبسوطة ليؤمّن كلّ احتياجاته، حتى قال يوماً ما في حقّه: «ليس هناك قرشي لم تلده أمي وأُحبّه غير عمر بن سعد».
ونقلت عن ابن مسعود رواية بنفس هذا المضمون، حيث قال: «ما أحببت أحداً من قريش لم تلده أُمّي هند غير عمر بن سعد وعبدالله بن جعفر».
ومن الطبيعي أنّ كلام معاوية هذا ليس المراد به بيان ميله القلبي بل ليجرّهما إليه، وقد نجح معاوية بمَكْره أن يخدع عمر الذي كانت له وجاهة بين القبائل وطبقات المجتمع، ويستفيد منه ويعينه في مخططاته وصار عمر بن سعد يسير وفق أهواء معاوية والخط الأُموي، كما أدّت شهادته وتلفيقه اتّهامات مزيفة لا أساس لها من الصحّة بحقّ حجر بن عدي وأصحابه إلى أن يأمر معاوية بقتلهم، ولم يكتفِ عمر بن سعد بهذا، بل حينما دخل مسلم بن عقيل الكوفة، كان من جملة مَن أرسل إلى يزيد كتاباً يحذّره من مغبّة مبايعة أهل الكوفة لمسلم بن عقيل سفير الحسين×، ومن زوال حكم بني أُميّة، فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد، عامله على العراق يأمره بمحاربة الحسين× وحمله إليه إن ظفر به.
وكان سبب خروج عمر بن سعد إلى الحسين×، أنّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة الآف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها، فكتب ابن زياد عهده على الري، وأمره بالخروج، فخرج معسكراً بالناس بحمام أعين، فلمّا كان من أمر الحسين× ما كان وأقبل إلى الكوفة، دعا ابن زياد عمر بن سعد، فقال له: سِر إلى الحسين، فإذا فرغنا ممَّا بيننا وبينه سرت إلى عملك، فقال له: إن رأيت أن تعفيني فافعل، فقال عبيد الله: نعم، على أن تردّ علينا عهدنا[162].
دلّت التحوّلات التي طرأت على عمر بن سعد أثناء توجهه إلى كربلاء وارتكابه ما ارتكب، أنّه لم يكن يخطر بخلده قط أنّه سوف يقع في شراك عداوة أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) والحسين×، وقد بالغ في إنكار ما اقترحه عبيد الله بن زياد في هذا الأمر، ولم يرتض أبداً قتال الحسين×؛ لما قال لابن زياد: «إن رأيت ـ رحمك الله ـ أن تعفيني فافعل، فقال له عبيد الله بن زياد: نعم، على أن تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك، قال عمر بن سعد: فأمهلني اليوم حتى أنظر.
فانصرف عمر يستشير نصحاءه، فلم يكن يستشير أحداً إلّا نهاه، وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أُخته، فقال: أُنشدك الله يا خال، أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك وتقطع رحمك، فوالله، لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان، خيرٌ لك من أن تلقى الله بدم الحسين.
وبعد أن فكّر في الأمر ملياً واستشار وصل إلى هذه النتيجة، وهي أن يطلب من عبيدالله إعفاءه هذا الأمر؛ لأنّ قتال الحسين× أمرٌ محرّم إلى جانب ما يعقب ذلك من تبعاتأُخروية، من هنا أقبل على عبيد الله بن زياد، فقال: أصلحك الله، إنّك ولّيتني هذا العمل وكتبت لي العهد، وسمع به الناس، فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل، وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة مَن لستُ بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب منه. فسمّى له أُناساً، فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف أهل الكوفة، ولستُ أستأمرك فيمَن أُريد أن أبعث، إن سرت بجندنا وإلّا فابعث إلينا بعهدنا»[163].
وبعد هذه الإجابة لم يجد عمر بن سعد بُداً من التوجّه صوب قتال الحسين× لئلّا تخرج إمارة الري من يديه، وقد دلّت الأحداث على أنّ عمر بن سعد كان يأمل ـ رغم قبوله قيادة العسكر ـ في نزول الحسين× عند رغبة عبيد الله بن زياد أو يزيد بن معاوية دون حرب وإراقة دماء حتى يظفر بإمارة الري.
وبهذا الاضطراب النفسي الذي كان يعانيه ابن سعد توجّه في الثالث من المحرم عام (61هـ) إلى صحراء كربلاء، وأقام معسكره أمام خيام الحسين×، وأرسل قرّة بن قيس الحنظلي رسولاً عنه إلى الحسين× للتباحث معه، ظنّاً منه أنّه سيرتشف كأس النصر عبر تحقيق ما يصبوا إليه ابن زياد دون إراقة قطرة دم.
ولأجل هذا توقّف ابن سعد ستّة أيّام (من اليوم الثالث من المحرم حتى التاسع منه) دون إشهار السلاح، وفي هذه المدّة لاقى الإمام× ثلاث أو أربع مرات، وقد سكت التاريخ عن الخوض في تفاصيل ما جرى والحوار الذي دار بينهما، إلّا أنّه يتّضح من الكتب التي أرسلها ابن سعد إلى ابن زياد، أنّ الحسين× قد أتمّ الحجّة على ابن سعد وسلب عنه أيّ عذر أو ذريعة أو خطأ أو تبرير فيما لو احتدمت الحرب.
و في لقاءٍ لهما تمّ بحضور جماعة من الطرفين خاطب الحسين× ابن سعد قائلاً:
«ويلك يا بن سعد، أما تتّقي الله الذي إليه معادك، أتقاتلني وأنا ابن مَن علمت؟! ذر هؤلاء القوم وكن معي، فإنّه أقرب لك إلى الله»[164].
قال عمر: إذن تهدم داري، قال×: أنا ابنيها لك، قال: إذن تُؤخذ ضياعي، قال: إذن أُعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز. فكره ذلك عمر.
فانصرف عنه الحسين× وهو يقول: «مالك! ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله، إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلّا يسيراً»[165].
وقد كتب ابن سعد إلى ابن زياد:
«أمّا بعدُ، فإنّ الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأُمّة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيره إلى أيّ ثغرٍ من ثغور المسلمين شئنا، أو أن يأتي فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضى وللأُمّة صلاح»[166].
والاقتراح الثالث لم يصدر عن الحسين× قط، وقد كذّبه عقبة بن سمعان مولى الرباب الذي رافق الإمام× أينما حلّ، فلو كان الإمام× حاضراً لوضع يده بيد يزيد لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه.
وقد ظلّ عمر بن سعد يأمل بالصلح حتى بلغه كتاب ابن زياد على يد شمر بن ذي الجوشن، فتبدّلت كلّ آماله في الصلح والاحتراز عن الحرب يأساً، وأخيراً أُرغم على وضع شكوكه جانباً وتوجّه إلى قتال الحسين×، كتب ابن زياد إلى ابن سعد:
«أمّا بعدُ، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً، فاُنظر إن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم»[167].
وأمام كتاب التهديد هذا أيقن عمر بن سعد أنّ الجمع بين حكومة الري والكفّ عن قتال الحسين× بات ضرباً من المستحيل، من هنا أقدم على وضع عقائده الدينية والأخلاقية والوجدانية تحت قدمه، وحال بين شط الفرات والحسين× وأصحابه، وحاصره وضيّق الخناق عليه، وأخيراً توجّه بعسكره إلى محاربة الحسين× في اليوم التاسع من المحرم، إلّا أنّ الحسين× استمهله تلك الليلة طلباً للصلاة والدعاء والاستغفار، وفي عاشوراء أطلق ابن اسعد شارة الهجوم بقوله: يا خيل الله اركبي، وبالجنة أبشري، ثمّ رمى معسكر الحسين بأوّل سهم كدليل على وفائه لابن زياد[168].
التردّد في اجتهاده، والقطع بعدم الاستفادة منه في واقعة عاشوراء
إنّ استعراضاً موجزاً لشخصية عمر بن سعد ومكانته وخلفياته ـ لا سيما التقرير الإجمالي للوضع النفسي الذي كان يعانيه قبل المضي إلى كربلاء، وبعد مواجهة الحسين× وقتاله ـ يدلّ على معرفته بالإسلام، فقد ورد اسمه في أسانيد بعض الروايات، إلّا أنّه ثمّة شكوك تراود محدّثي وعلماء عصره حول مكانته الفقهية وتصدّيه لمقام الإفتاء.
وفي صورة الإذعان بفقهه واجتهاده وحيازته لشروط الإفتاء، إلّا أنّ هذا لا ينفي خلوه من العدالة؛ ذلك أنّ حبّه للجاه، وشهادة الباطل، ونقض المواثيق والعهود، وانتهازيته من جهة، وحضوره مجلس معاوية وآل أُميّة من جهةٍ أُخرى كلّها أمارات تدلّ على فسقه وسلب عدالته اللازمة للمفتين والفقهاء، قبل أن يقدم على جريمته النكراء في كربلاء.
والنكتة الأُخرى هي أنّه لم يطلق فتوى بجواز قتل الحسين× ومحبّة يزيد بن معاوية؛ ذلك لأنّه لو كان يعتقد بجواز مواجهة الحسين× وأنّه قد شقّ عصا الوحدة بخروجه على الخلافة الشرعية والدينية ليزيد، لما رفض تسلّم قيادة العسكر المتّجه نحو قتال الحسين×، فهل أنّ امتثال التكليف الشرعي والديني والدفاع عن وحدة المسلمين يقتضي المخالفة، أو أنّ الإقدام على مثل هذه الخطوة يبرّر له التذرّع بحجج وأعذار؟ وهل أنّ امتثال الفتوى الشرعية يضاد ملك الري؟ ولماذا لم يتردّد حين تسلّمه قيادة العسكر المتّجه نحو أطراف قزوين، ولم يكن عهد الري قد صدر عندها، بينما نجده كذلك حينما اتّجه إلى كربلاء؟
كان عمر بن سعد يعتقد ـ وعلى فرض حيازته لشروط الاجتهاد وعدالته ـ أنّ قتال الحسين× خلاف الشريعة والدين والوجدان، وكان كثيراً ما يعقد مقارنة بين قتال الحسين× وملك الري، الأمر الذي دعاه إلى أن يعيش صراعاً خفيّاً مع وجدانه وفطرته، وهل يقبل ملك الري مهما كان الثمن، ولو كلّفه ذلك جعل الدين والشريعة والوجدان وراء ظهره؟ وهل حكومة الري تستوجب مثل هذه القيمة الباهظة؟!
وقد ورد في التاريخ أنّه كان متردّداً في اللحظات الحاسمة حيال قبول قيادة العسكر المتّجه إلى كربلاء لقتال الحسين×، أو رَفْض ذلك وإعادة حكم الري، وقد اعترف صراحةً أمام يزيد بن الحسين الهمداني قائلاً: «والله، يا أخا همدان، إنّي لأعلم حرمة أذاهم.. »، وقد أباح بمكنونات صدره لمّا قال:
أأترك
ملك الري والري رغبةٌ |
والنكتة الأُخرى هي أنّ عمر بن سعد لم يكن يملك خلفيات فكرية ونظرية حين مواجهته للإمام الحسين×، بل كان يملك قناعة بحرمة قتاله ومخالفة ذلك للدين، وقد دلّل حواره المتقدّم مع الإمام× على أنّه لم يكن يساوره أدنى شكّ إزاء شرعية حركة الإمام×، بل كان يخشى بطش ابن زياد وهدم داره ومصادرة أمواله، هذا إلى جانب حبّه المفرط للجاه وملك الري.
وكما تقدّمت الإشارة، فإنّ أصحاب عمر بن سعد ومَن حوله لم يُزيلوا قلقه تجاه موقفه المناوئ للإمام×، بل حذّروه من مغبّة ارتكاب هذه الجريمة، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على غياب أيّ دورٍ للفتوى والاجتهاد في ثورة كربلاء، وبطلان هذا المدّعى، وقد صرّح ابن سعد بذلك عند ردّه نصيحة برير بن خضير الهمداني أحد أصحاب الحسين×، لمّا قال له: أتترك أهل بيت النبوة يموتون عطشاً، وتزعم أنّك تعرف الله ورسوله.
فقال عمر بن سعد: إنّي والله، أعلمه يا برير علماً يقيناً، أنّ كلّ مَن قاتلهم وغصبهم على حقوقهم في النار لا محالة، ولكن ويحك يا برير، أتشير علي أن أترك ولاية الري فتصير لغيري؟! ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبداً، ثمّ أنشأ يقول:
دعاني
عبيد الله من دون قومه |
فرجع برير بن خضير إلى الحسين×، فقال: يا بن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إنّ عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بملك الري[170].
هو أبو السابغة شرحبيل العامري الكلابي، المعروف والملقّب بشمر بن ذي الجوشن، من أعوان يزيد بن معاوية في حادثة كربلاء، ومن قيادات عسكر الكوفة الذي حارب الحسين×، وثمّة تضارب في الآراء حول ولادته، وهل أنّه أدرك النبي(صلى الله عليه وآله) ليُطلق عليه عنوان الصحابي، أو أنّه وُلد بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليكون من التابعين[171].
وكان شمر مغمور الذكر في زمن الخلفاء الثلاثة، ولم يُذكر له موقف في التحوّلات التاريخية آنذاك، وفي عام (37هـ) شارك في حرب صفّين في ركاب علي×، ضدّ القاسطين بقيادة معاوية، وأظهر شجاعةً في تلك الحرب، وهو ممَّن دعا إلى الصلح وضرورة قبول التحكيم، ولم يكن حينها من القادة، وذلك أرغم الإمام× على ترك الحرب التي كان على وشك الخروج منها ظافراً.
لقد ظلّ التاريخ ساكتاً عن دور شمر في إثارة الخوارج ضدّ علي× في حرب النهروان، وعن انشقاقه عن علي× والتحاقه بمعاوية في الشام، وقد التحق بصفوف أصحاب الحسن× بعد استشهاد علي×، ويُحتمل أنّه كان من الطابور الخامس وقد لعب دوراً خطيراً في تفكّك قوات الإمام× وانهيارها[172].
وكان شمر أبان ثورة كربلاء في ركاب ابن زياد، وطبقاً لبعض التقارير أنّ عبيد الله بن زياد لما تسلّم كتاب عمر بن سعد يخبره بالصلح مع الحسين×، كان شمر حاضراً هناك، فحثّه على الحرب وضرورة حسم الموقف عسكرياً، وأخيراً نال ما كان يصبو إليه وأخذ كتاب ابن زياد لعمر بن سعد يأمره فيه بضرورة امتثال الحسين× أمر يزيد أو قتاله، وبهذا النحو هدم شمر كلّ الجسور وراءه، وأنهى المذاكرات التي كانت جارية بين الإمام× وابن سعد.
وقد توجّه إلى كربلاء مع أربعة الآف مقاتل، فأقبل بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلمّا قدم به عليه فقرأه، قال له عمر: ما لك؟! ويلك! لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به علي، والله، إنّي لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم ـ والله ـ حسين، إنّ نفساً أبية لبين جنبيه، فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه؟ وإلّا فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر، قال: لا، ولا كرامة لك وأنا أتولّى ذلك.
وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين، فقال: أين بنو أُختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعثمان بنو علي، فقالوا له: ما لك؟ وما تريد؟ قال: أنتم يا بني أُختي آمنون، قال له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، لئن كنت خالنا أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له[173]؟!
وكان شمر بن ذي الجوشن يُكنّ حقداً عميقاً لأهل البيت^، وكان سفّاكاً قاسياً لا يرحم، وقد بلغ من إسرافه في سفك الدماء مَبلغاً أنّ أعوان يزيد لم يدافعوا عنه، حتى أنّ يزيد وابن زياد قد تبرءا منه، ويُعدّ من أبرز الوجوه الضالعة في مجزرة كربلاء[174].
وباعتراف أعوان يزيد لم يكن مجتهداً يعمل بفتواه، بل كان سفّاكاً فظ القلب، ولا همّ له سوى تحقيق مصالحه ومنافعه الشخصية، من هنا لم يكن حائزاً للشروط العلمية والعملية المعتبرة عند أهل السنة، ولم يكن يلتزم بأحكام الشريعة، وكان الغالب على حواره ومنطقه أدبيات الحرب والخشونة القبلية، واستناداً إلى هذه الخلفيات لم يدَّعِ أحدٌ أنّه قام بما قام به في كربلاء انطلاقاً من نظره واجتهاده واعتقاده الديني.
وقد دامت جرائمه بعد استشهاد الحسين× وسنشير إليها فيما بعد، وتدلّ تلك الأحداث على فسقه وانتهازيته وجرائمه البشعة، وكان على استعدادٍ للإقدام على أيّة جريمة، وارتكاب أيّ منكر بهدف الظفر بالثروة والمناصب الكبرى متحدّياً أمر الله تعالى.
وكان شمر سبّاقاً إلى ارتكاب أبشع الجرائم في عاشوراء، حيث حال بين ماء الفرات وبين الإمام× وأصحابه، وقطع رأس سيّد الشهداء×، وقام بالإغارة على الخيام، ومرّ بالسبايا على جثث الشهداء لزيادة الضغط النفسي والعاطفي عليهم، كما أنّه رفض طلب أهل البيت^ بتقديم رؤوس الشهداء على ركب السبايا[175].
وبعد قيام المختار الثقفي وطلبه الثأر من قتلة الحسين×، أبدى شمر مقاومةً وقاتل المختار، إلّا أنّه اندحر وفرّ إلى البصرة، وفي الطريق صادف جماعةً من أصحاب المختار بقيادة عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود ونشب قتالٌ بينهم انتهت بمقتله[176].
وقِيل: إنّ عبد الرحمن قد ألقى القبض عليه وبعث به إلى الكوفة، فقتله المختار مع سائر قتلة الإمام الحسين×[177].
من كبار أُمراء قوات ابن زياد وكان كوفياً، وُلِد قبل بعثة النبي(صلى الله عليه وآله) بعام، وقد أكّدت المصادر الإسلامية على انتهازيته ووصِفته بأنّه جاهليٌّ إسلامي[178].
وبعد ارتحال النبي(صلى الله عليه وآله) وفي أحداث الردّة التحق بمدعية النبوة سجاح بنت الحارث التميمية وأصبح مؤذّناً لها[179]، ثمّ اعتنق الإسلام، وكان له يدٌ في قتل عثمان، وكان في ركاب علي بن أبي طالب× في بداية خلافته، حيث شارك في حرب صفين، وكان من جملة مَن بعثه الإمام× بقيادة أبي عمرة إلى معاوية للحوار معه وتحذيره من مغبّة مخالفته للإمام×، الخليفة الشرعي للمسلمين، قائلاً له:
«يا معاوية، قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنّه لايخفى علينا ما تقرّ وما تطلب، إنّك لا تجد شيئاً تستغوي به الناس، ولا شيئاً تستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم إلّا أن قلت لهم: قُتل إمامكم مظلوماً، فهلموا نطلب بدمه، فاستجاب لك سفهاءٌ طغامٌ رذّال، وقد علمنا أنّك أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب، وربّ مبتغٍ أمراً وطالبٍ له يحول الله دونه، وربّما أُوتي المتمنّي أُمنيته وربّما لم يؤتها، ووالله، ما لك في واحدة منهما خير، والله، لئن أخطأك ما ترجو إنّك لشرّ العرب حالاً، ولئن أصبت ما تتمنّاه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار، فاتّقِ الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله»[180].
ولم يدم الأمر طويلاً حتى التحق بصفوف الخوارج، وأصبح أحد زعمائها، وبعد استشهاد علي× انشقّ عنهم والتحق بالحسن×، وهمّ باغتياله إلاّ أنّه أخفق، وبعد وفاة الحسن×، أصبح من خصوم بني أُميّة وهو الذي كتب إلى الحسين× يستحثّه على القدوم إلى الكوفة؛ لإنقاذ الناس من جور يزيد بن معاوية قائلاً: «قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب، وطمت الجمام، وأنت تقدم على جندٍ لك مجندة، فأقبل»[181].
ورغم أنّ شبث كان انتهازياً عارياً عن الإيمان، إلّا أنّ إرساله كتاباً إلى الحسين× يدلّ على تأييده للإطاحة بيزيد وحكومته، وبالطبع فإنّ احتمال ركوب الموجة والتناغم مع الجو السائد في الكوفة كان قائماً، وعليه فإنّ نسبة الاجتهاد إليه في حادثة كربلاء نسبة غير مفهومة وغير مسموعة بالمرّة؛ ذلك أنّه لو كان من أهل النظر والاجتهاد، وأنّه عمل وفقاً لما تمليه عليه أُصوله الفكرية والاجتهادية لنهض بوجه يزيد وجهازه.
و بعد بسط عبيد الله بن زياد نفوذه على الكوفة، ووصول الإمام× إلى كربلاء، أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا، وإنّا نريد أن نتوجّه بك إلى حرب الحسين×، فتمارض وأراد أن يعفيه، وكان ابن زياد واقفاً على سبب احترازه عن المشاركة في الحرب، فأرسل له كتاباً، قال فيه: «أمّا بعدُ، فإنّ رسولي أخبرني بتمارضك، وأخاف أن تكون من الذين (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)[182]، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً»[183].
فأقبل إليه شبث بعد العشاء؛ لئلّا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة، فلمّا دخل رحّب به وقرّب مجلسه، وقال: أحب أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد عليه، فقال: أفعل أيّها الأمير.
وقد دلّت الشواهد التاريخية على أنّه ظلّ مخالفاً لقتال الحسين×، وكان يراه عملاً منكراً وشائناً لا يمكن تبريره بوجهٍ من الوجوه، فهو في قبال كلام الحسين× لمّا قال: «يا شبث بن ربعي، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي: أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب..؟!»[184]، لم يجد بداً من الإنكار، إلّا أنّه بعد استشهاد مسلم بن عوسجة أحد أصحاب الحسين× المخلصين والزاهدين تنادى أصحاب عمر بن سعد فرحين: قتلنا مسلم بن عوسجة، فلم يستطع كتم ما في نفسه، فخاطبهم بقوله:
«ثكلتكم أُمّهاتكم، إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلّلون أنفسكم لغيركم، تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة، أما والذي أسلمتُ له، لربَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سلق أذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين، أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟!»[185].
ولمّا هجم شمر على خيام الحسين× وهمّ بإضرام النار فيها منعه شبث، ولمّا شاهد عمر بن سعد مقاومة أصحاب الحسين× قال لشبث: ألا تقدم إليهم؟ فقال: سبحان الله، أتعمد إلى شيخ مصر وأهل مصر عامّة تبعثه في الرماة، لم تجد من تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟! قال: وما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله[186].
ولم يجد في نفسه القوة على التصريح بذلك وإعلان شجبه للحرب أو التخلّي عنها، وقد عبّر عن ذلك بكلمات متألمّة لمّا دالت دولة يزيد وقُتل ابن زياد «لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً، ولا يسددهم لرشدٍ، ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب، ومع ابنه من بعده آل سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية؟! ضلالٌ يا لك من ضلال»[187].
أيّة كلمات أبلغ من هذه يمكن أن تُعبّر عن ندمه على موقفه من الحسين، إذ لم يكتف بالتخلي عنه وعدم نصرته، وذهب إلى حدّ المشاركة بقتله، مع علمه أنّه خير أهل الأرض، وأنّ عدوّه من نسل زانية يعرفها كلّ العرب.
لقد ورد ذكره على الألسن في حادثة كربلاء العظيمة، وكان له دورٌ كبير في بسط سلطة عبيد الله بن زياد على الكوفة من جهة، وإلقاء القبض وتعذيب وإعدام شيعة الحسين× من جهةٍ أُخرى[188]، ولم يرد له ذكر في التاريخ قبل عام (60هـ)، إلّا أنّ تعيينه من قبل عبيد الله على رأس جهاز أمن الكوفة في ظروف حسّاسة تزامنت مع حضور مسلم بن عقيل في الكوفة وتوجّه الحسين× إلى العراق، يدلّ على اعتماد الجهاز الأُموي ـ لا سيما عبيد الله بن زياد ـ عليه.
إضافةً إلى تولّي الحصين مهمّة استتباب أمن الكوفة كان قد وضع عيوناً ونقاط تفتيش على أفواه السكك المنتهية إليها، وفي نقاط حسّاسة من الكوفة بهدف السيطرة عليها، كما أرسل الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس إلى الحسين× لصدّه وأصحابه عن الدخول إلى الكوفة، وقد تمكّن من إلقاء القبض على قيس بن مسهّر الصيداوي وعبد الله بن يقطر رسل الحسين×، الذين استشهدوا بعد أسرهم وتعذيبهم، كما تمكّن من إلقاء القبض على رهط من أهل الكوفة خرجوا لنصرة الحسين× أو للهرب من الانخراط في صفوف المعسكر الأُموي، وبعد أن انقادت الكوفة لعبيد الله بن زياد، قاد أربعة آلاف فارس لدعم عمر بن سعد في كربلاء، وهناك تسلّم قيادة شرطة المجفّفة[189].
وكان الحصين ناصبياً يُكنّ العداء لأهل البيت^، حيث ارتكب جرائم لا تُحصى في عاشوراء، منها: حال دون شرب الحسين× للماء لما اشتدّ عطشه، إذ رماه الحصين بسهمٍ فوقع في فمه، فجعل يتلقّى الدم من فمه ويرمي به، ثمّ جعل يقول: «اللهم أحصِهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على الأرض منهم أحداً»[190]، وقتل من أصحاب الحسين× الأوفياء النجباء حبيب بن مظاهر ولم يكتفِ بذلك، بل قطع رأسه وعلّقه على فرسه ودار به في المعسكر، ثمّ أرسله مع بديل بن صريم التميمي إلى عبيد الله بن زياد لينال العطاء[191].
ويظهر من هذا السجل الأسود للحصين بن نمير أنّه لم يدَّعِ هو ولا غيره قطّ بأنّ له مكانةً علمية وفقهية، بل كان مجرد قائد غير معروف حاز على اعتماد عبيد الله بن زياد وآل أُميّة فكان له دورٌ مهم في كربلاء خصوصاً في قتل العترة الطاهرة يومئذٍ، وكان مجرماً غادراً قاتلاً متمادياً في غيّه، وقد ورد ذكره في كربلاء، لمّا قال أبو ثمامة الصائدي للحسين× وقد حضر وقت صلاة الظهر: «يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أُقتل دونك، وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين× رأسه إلى السماء، وقال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلِّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها، ثمّ قال: سلوهم أن يكفوا عنّا حتى نصلّي، ففعلوا، فقال لهم الحصين بن نمير: إنّها لا تقبل، فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنصارهم وتقبل منك يا حمار»[192].
وقد ظلّ وفياً ليزيد بعد حادثة عاشوراء، وشارك في فاجعة الحرّة وقتل أهل المدينة، وقاد حملة يزيد إلى مكة بعد هلاك مسلم بن عقبة[193].
كما أنّه حاصر عبد الله بن الزبير (64يوماً)، وفي الثالث من ربيع الأوّل عام (64هـ)، أحرق أستار الكعبة وهتك حرمتها[194]، ولمّا بلغه نبأ هلاك يزيد، عرض على ابن الزبير المصالحة وأن يبايعه، وقال له ـ بعد أن انفردا عن أصحابهما ـ: «أنا سيّد أهل الشام لا أدافع، وأرى أهل الحجاز قد رضوا بك، فتعال أبايعك الساعة، ويهدر كلّ شيء أصبناه يوم الحرة، وتخرج معي إلى الشام فإنّي لا أُحبّ أن يكون الملك بالحجاز، فقال: لا والله، لا أفعل ولا آمن من أخاف الناس وأحرق بيت الله وانتهك حرمته، قال: بل فافعل على أن لا يختلف عليك اثنان، فأبى ابن الزبير، فقال له الحصين: لعنك الله، ولعن مَن زعم أنّك سيّد»[195]، أراد التصالح مع ابن الزبير ومدّ يد البيعة له، إلّا أنّ محاولته باءت بالفشل لسوء ظنّ ابن الزبير به.
ولمّا قصد ابن النمير الشام ذكر تفاصيل ما جرى بينه وبين ابن الزبير إلى مروان بن الحكم، فقرّر الذهاب إلى مكة لمبايعته، إلّا أنّ ابن زياد رفض ذلك مقترحاً عقد الخلافة لمروان، وأوّل مَن بايع هو ابن النمير، وشرط عليه إعطاء ناحية البلقاء في الشام لبني كندة، فوافق مروان[196].
وقد أمره ابن زياد بإخماد حركة التوابين، وجعله على رأس جيش قوامه (12ألف) مقاتل، خلال المعركة قتل ابن الحصين سليمان بن صرد، وبعد انتهاء المعركة مع التوابين، لم يترك الوقوف مع بني أُميّة ومشاركتهم، فشارك مع ابن زياد في قتال المختار، حيث جعله على ميمنة جيشه، وقتل على يد فرسان الكوفة[197].
شريح القاضي أحد القضاة المعروفين في القرن الأوّل من تاريخ الإسلام، وقد وُلِد نحو عام (17قبل البعثة) في اليمن وعُدّ من كبار التابعين وليس له صحبة[198]، ممّا يدلّ على أنّه لم يعتنق الإسلام في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) ولم يلتقِ به، رغم أنّ بعض الروايات أشارت إلى صحبته[199].
اشتغل بالحديث والسيرة في عهد أبي بكر، عيّنه عمر قاضياً على الكوفة، ومنذ ذاك الوقت مارس القضاء واحتفظ بمقامه في عهد عثمان حتى حكومة علي×، فقد عيّن مكانه سعيد بن نمران الهمداني ثمّ عبيدة السلماني، وسرعان ما لبث أن عاد إلى منصبه[200]، وقد ورد أنّ شريحاً استُقضى بعد أبي قرّة الكندي فقضى سبعاً وخمسين سنة[201].
وظلّ في هذا المنصب حتى أخرجه زياد بن أبيه من الكوفة إلى البصرة ومكث فيها قاضياً مدّة وجيزة حتى عاد إلى الكوفة، وكان شريح يفتي بين الناس، فقد ورد في بعض المصادر: «رأيت شريحاً يقضي ويفتي»[202]. وكان حائزاً على الشروط العلمية اللازمة للإفتاء والاستنباط في الظاهر؛ ذلك لأنّ تضلعه في أمر القضاء وتجربته الطويلة كانت كفيلة بتجاوز أيّة معضلة علمية أو قضائية أو فقهية.
ولمّا توجّه علي× إلى قتال معاوية افتقد درعاً له، فلمّا رجع وجدها في يد يهودي يبيعها بسوق الكوفة، فقال: يا يهودي، الدرع درعي لم أهب ولم أبِع، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال×: بيني وبينك القاضي، قال: فأتياني، فقعد علي إلى جنب شريح واليهودي بين يدي شريح، ثمّ قال×: هذه الدرع درعي لم أبع ولم أهب، فقال لليهودي: ما تقول؟ قال: درعي وفي يدي، قال شريح: يا أمير المؤمنين، هل من بينة؟ قال: نعم، الحسن ابني وقنبر يشهدان أنّ الدرع درعي، قال شريح: يا أمير المؤمنين، شهادة الابن للأب لا تجوز، وشهادة العبد لا تجوز لسيّده، وأنّهما يجرّان إليك، فقال علي: سبحان الله! أرجلٌ من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟! سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة.
فقال أمير المؤمنين×: ويلك يا شريح أخطأت من وجوه:
أمّا واحدة: فأنا إمامك تُدين الله بطاعتي وتعلم أنّي لا أقول باطلاً، فرددت قولي وأبطلت دعواي، ثمّ سألتني البينة فشهد عبدٌ وأحد سيّدي شباب أهل الجنة فرددت شهادتهما، ثمّ ادّعيت عليهما أنّهما يجرّان إلى أنفسهما، أما إنّي لا أرى عقوبتك إلّا أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيّام، أخرجوه. فأخرجه إلى قبا، فقضى بين اليهود ثلاثاً، ثمّ انصرف. فلمّا سمع اليهودي ذلك، قال: هذا أمير المؤمنين جاء إلى الحاكم والحاكم حكم عليه، فأسلم، ثمّ قال: الدرع درعك، سقطت يوم صفين من جمل أورق فأخذتها[203].
إنّ من الخصوصيات التي امتاز بها شريح، هي شائعة فتواه بجواز قتل الحسين×، فقد قِيل: إنّه أصدر فتوى بجواز قتله×، وأنّ الإمام× استشهد بهذه الفتوى المشؤومة، بينما نجد أنّ منفّذي تلك الجريمة لم يصدر عنهم هكذا إشاعات.
قبل التطرّق إلى البحث نجد من الضروري بيان هذه النقطة، وهي أنّه من السهل ـ بناءً على التقارير التاريخية ـ قبول اجتهاد شريح في القضايا الإسلامية، إلّا أنّه لا يمكن تبرير افتقاده لملكة العدالة وحبّه المفرط للمال والجاه، وذلك من خلال خضوعه لخلفاء الجور، وممارسته الطويلة للقضاء في ظلّهم، كلّ ذلك يدلّ على انتهازيته وتحفّظه، فهو منذ أن استعمله عمر الخليفة الثاني على القضاء بالكوفة لم يزل قاضياً لم يتعطّل فيها إلّا ثلاث سنين في عهد ابن الزبير[204]، فموقفه الخائن تجاه حجر بن عدي وكذبه وزيفه في عدم كشف حقيقة ما يمرّ به هاني بن عروة في سجن ابن زياد[205]، الذي أدّى إلى مقتله، وموارد أُخرى كلّها تثير تساؤلات حول عدالته[206].
إنّ فتوى جواز قتل الإمام× وإن اشتهرت بين عامّة الناس، إلّا أنّه من خلال مراجعة التقارير التاريخية والمصادر الرجالية نصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ هذا الأمر من الأخطاء المشهورة التي لا يعضدها دليل تاريخي أو روائي، ولم تُشِر إليه المصادر التاريخية التي بين أيدينا، بل إنّ القرائن والشواهد تحكي عن إنكار صدور أيّ فتوى من طرف شريح حول جواز قتل الحسين× أو دعم يزيد في هذه الجريمة المروعة:
1ـ إنّ المختار الثقفي قام عام (65هـ) للأخذ بثأر الحسين× وتمكّن من الاستيلاء على الكوفة بدعم الشيعة والمطالبين بدم الحسين×، وقد تصدّى لمنصب القضاء بداية[207]، ولكن سرعان ما أوكل هذه المهمّة لأتباعه نظراً لكثرة مهامّه السياسية والعسكرية، حيث أشار إليهم باختيار رجلٍ كفوء لهذا المقام فاقترحوا عليه شريحاً[208].
هذا الاقتراح أثار سخط شيعة الكوفة المندفعين، ولكن على أيّة حال يدلّ بوضوح على عدم صدور فتوى منه، وإلّا كيف يجيز لشريح التصدّي لمنصب القضاء في الكوفة وهو الذي قام من أجل الثأر للحسين×، ولخّص أهدافه ومشروعية حكومته في الكوفة بأخذ القصاص من قتلة الحسين×؟! وكيف اقترح أتباعه عليه ذلك؟!
إنّ موقف المختار تجاه عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وسائر عمّال يزيد في حادثة كربلاء كلّها تؤيّد هذا الأمر، فقد كان موقف المختار مبدئياً صلباً ومتشدّداً، وقد قتل كلّ مَن شارك في هذه الجريمة، حتى رُوي أنّ شمر بن ذي الجوشن عندما نهب الإبل التي كانت مع الحسين× وقدم الكوفة نحرها وقسّم لحمها على قومٍ من أهل الكوفة، فأمر المختار فأحصوا كلّ دارٍ دخلها ذلك اللحم فقتل أهلها وهدمها، وهذا دليلٌ آخر على تصميم المختار الراسخ على عدم مهادنة قتلة الحسين×[209].
2ـ لمّا أقام المختار شريحاً للقضاء اعترض عليه شيعة الكوفة، وكانوا يقولون: إنّه عثماني، وأنّه ممَّن شهد على حجر بن عدي، وأنّه لم يبلغ عن هاني بن عروة ما أرسله به، وأنّ علياً× عزله عن القضاء، ولم يصدر منهم أيّ إشارة إلى أنّه أفتى بجواز قتل الإمام×، ولمّا أراد المختار عزله تمارض، فعزله وجعل مكانه غيره[210].
3ـ بعد هذا الاعتراض عزل المختار شريحاً عن القضاء، وعيّن محلّه عبد الله بن مالك الطائي، ثمّ أصرّ على كشف حقيقة نفي الإمام علي× له، وبعد التحقيق علِم أنّ شريحاً ارتكب خطأً في قضائه ممّا أثار حفيظة الإمام علي×، وأقسم على نفيه من الكوفة، إلّا أنّه سرعان ما عاد بعد استشهاد الإمام× ولم يُكمل مدّة نفيه، فدعاه المختار، وقال: ما قال لك أمير المؤمنين× يوم كذا؟ قال: إنّه قال لي كذا، قال: فلا والله، لا تقعد حتى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود، فسيّره إليها فقضى بين اليهود شهرين[211].
وممّا يجدر ذكره أنّ شريحاً ضُيّق عليه من قبل خلفاء زمانه وخضع لهم بشدّة، ولو أخذنا بعين الاعتبار حالة الناس ووضع عمّال يزيد وشخصية يزيد نفسه، تجد أنّ صدور فتوى من شريح لن تُضفي غطاء شرعياً لقتل الحسين×.
وبالتالي فليس هناك مواجهة بين تيارين في ساحة كربلاء؛ نظراً لغياب العدالة والاستقامة اللازم توفرها لدى المفتي وعدم نفوذ كلمته وتأثيره.
بعد أن تقدّم به العمر طلب من الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان والياً لعبد الملك بن مروان على الكوفة، إعفاءه من العمل، فأعفاه ولزم داره إلى أن مات بعد ذلك بسنة في مدينة الكوفة، وعمّر عمراً طويلاً، قيل: إنّه عمّر بين (100سنة إلى 121) وتُوفّي في سنة (99)[212].
حرملة بن كاهل الأسدي، صاحب السجل الأسود في تاريخ كربلاء، حيث كان له دورٌ مباشر في قتل أبناء النبي(صلى الله عليه وآله) واضطهادهم[213]، وما ذكر اسمه وأمثاله هنا إلّا لما اقترفه من جرائم لا حصر لها في كربلاء، لا أنّه شخصية ذات مكانة علمية ومعنوية وأخلاقية، وبالتأكيد فإنّ ادّعاء وجود نوعين من الاجتهاد في كربلاء يلزم عقد بحث لبيان قدرته العلمية واجتهاده؛ لأنّه أحد أُمراء جند يزيد.
لم يرد له ذكر في التاريخ قبل حادثة كربلاء، من هنا لم يُعلم متى أسلم وكيف؟ وعلى هذا الأساس، لا يمكن أن يُتصور له دافع سوى حبّ المال والجاه والتزّلف لأصحاب السلطة، إلى جانب أنّه لا يمكن التغاضي عن نزعته القبلية في الإغارة والسلب والنهب.
وقد اشتهر بالقسوة والشدّة، حيث ولج في وادي الجريمة بنحوٍ لم يدَع فيه مجالاً للدفاع عنه أو تبرير ما اقترفه، وهذا بحدِّ ذاته يُعتبر من الأدلّة الساطعة والقاطعة على أنّ ساحة كربلاء كانت جدالاً بين الحقّ والباطل، والإسلام والكفر، والدين والإلحاد، كيف يمكن توجيه جرائمه لمَن ادّعى أنّ ثورة كربلاء هي مواجهة بين تيارين إسلاميين واجتهادين، وأنّ الحسين× قُتل بسيف جدّه؟!
وكما أسلفنا، فإنّه أطلّ على التاريخ عبر بوابة عاشوراء، وتناقلت الألسن ذكره لما اقترف من جرائم بشعة، حتى أنّ الإمام السجاد× دعا عليه غير مرّة، قائلاً: «اللّهم أذِقه حرّ الحديد، اللّهم أذِقه حرّ الحديد، اللّهم أذِقه حرّ الحديد، اللّهم أذِقه حرّ النار»، ولعلّ أوّل مرّة يُذكر فيها اسمه في كربلاء تعود إلى قتله أبي بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب×.
قال ابن الجوزي في تذكرة الخواص: «قُتل أبو بكر بن الحسن في كربلاء، وأُمّه أُمّ ولد، قتله حرملة بن كاهل الأسدي لمّا رماه بسهم»[214].
كما ذهب إلى ذلك القاضي نعمان المغربي، رغم اعتقاده أنّ أبا بكر نجل الحسين×[215].
وثمّة غلامٌ آخر قُتل
على يد حرملة كما أشارت إليه بعض الروايات، وهو عبد الله بن الحسن×، فعندما أحاط
الأعداء بالحسين× خرج عبد الله بن الحسن بن علي
ـ وهو غلامٌ لم يُراهق ـ من عند النساء، فلحقته
زينب بنت علي× لتحبسه، فأبى فامتنع امتناعاً شديداً، فقال: لا والله، لا أُفارق
عمي، فأهوى بحر بن كعب، وقيل: حرملة بن كاهل إلى الحسين بالسيف، فقال له الغلام:
ويلك يا بن الخبيثة، أتقتل عمي؟! فضربه بالسيف، فاتقى الغلام الضربة بيده، فأطنّها
إلى الجلدة فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا أُمّاه، فأخذه الحسين× وضمّه إليه،
وقال: يا بن أخي، اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنّ الله يُلحقك
بآبائك الصالحين، برسول الله(صلى الله
عليه وآله)، وعلي بن أبي طالب، وحمزة، وجعفر، والحسن بن علي أجمعين. قال:
فرماه حرملة بن كاهل بسهم، فذبحه وهو في حجر عمّه الحسين×[216].
إنّ من الجنايات المروعة لحرملة هو قتل علي الأصغر الطفل الرضيع للحسين×، إذ لمّا فُجع الحسين× بأهل بيته وولده ولم يبقَ غيره وغير النساء والذراري، نادى: هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيثٍ يرجو الله في إغاثتنا؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدّم× إلى باب الخيمة، فقال: ناولوني علياً ابني الطفل حتى أودّعه فناولوه الصبي، فجعل يقبّله، وهو يقول: ويلٌ لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمد المصطفى خصمهم، والصبي في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهمٍ فذبحه في حجر الحسين، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء، ثمّ قال: هوّن علي ما نزل بي أنّه بعين الله، فلم يسقط من ذلك الدم قطرةٌ إلى الأرض[217].
ومن جناياته في كربلاء بحسب بعض المصادر أنّه شارك مع مجموعة من الجيش في قتل العباس بن علي بن أبي طالب×، وإن كان أكثر المؤرِّخين يرون أنّ قاتل أبي الفضل العباس حكيم بن نخيل ومرافقوه، ولعلّ حرملة كان واحداً منهم، وله نصيبٌ في هذه الجريمة، وفي النهاية كان هلاكه على يد المختار سنة (65هـ) [218].
على غرار سائر زعماء الكوفة كان له سهمٌ في فجائع كربلاء، ولم يرِد له ذكرٌ قبل حادثة عاشوراء كما لم يضبط اسمه في المصادر الرجالية، لذا فيمكن القول بضرسٍ قاطع أنّه لم يكن من أصحاب الفتيا، ولم يمتلك أدنى معرفة بنقل الحديث والسيرة، بل والمسائل العسكرية والسياسية.
وقد ارتكب عدّة جرائم في كربلاء، منها قتل عثمان بن علي بن أبي طالب× لما خرج وأُمّه أُمّ البنين بنت حزام بن خالد، وهو يقول:
«إنّي
أنا عثمان ذو المفاخر |
فرماه خولي بن يزيد على جبينه فسقط عن فرسه، وحزّ رأسه رجلٌ من بني أبان بن حازم»[219].
ثمّ برز بعده جعفر بن علي وأُمّه أُمّ البنين، وهويقول:
«إنّي
أنا جعفر ذو المعالي |
ثمّ قاتل فرماه خولي فأصاب شقيقته أو عينه»[220].
حمل رأس سيّد الشهداء× إلى الكوفة
كان خولي ممَّن حمل على خيام الإمام الحسين× قبل استشهاده، وقد دعا عليه الإمام×[221]، وقد نسبت إليه بعض الروايات حزّ الرأس المبارك للإمام×[222]، إلّا أنّ القول المعتبر هو نسبة ذلك إلى شمر بن ذي الجوشن أو سنان[223].
ورفع خولي الرأس المبارك على الرمح، وتوجّه إلى الكوفة عصر عاشوراء حتى يصل إلى عبيد الله بن زياد قبل الآخرين، ويحصل على جائزته، فأقبل به ليلاً فوجد باب القصر مغلقاً، فأتى به منزله فوضعه تحت إجانةٍ في منزله، وكان في منزله امرأةٌ يُقال لها: النوار بنت مالك الحضرمي، فقالت له: ما الخبر؟ قال: جئت بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار، فقالت: ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول الله؟! والله، لايجمع رأسي ورأسك شيءٌ أبداً، قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار، فدعا الأسدية فأدخلها إليه، وجلست أنظر، فوالله، مازلت أنظر إلى نورٍ يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة، ورأيت طيراً بيضاء ترفرف حولها[224].
وفي اليوم الحادي عشر من محرم سلّم خولي الرأس المقدّس إلى عبيد الله، وأخيراً أُلقي القبض على خولي عام (64 هـ) من قبل المختار، وقُتل شرّ قتلة.
إنّ استعراض سيرة وخصوصيات قتلة الإمام الحسين× ابتداءً من يزيد وانتهاءً بعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وآخرين، تدلّ على عدم تأهّلهم للاجتهاد والفتيا.
وعلى فرض تأهّل البعض منهم، فإنّ ذلك لا يدلّ على حصول قناعةٍ لديهم بقتال الإمام الحسين×، ويرشدك إلى ذلك سير الأحداث السياسية، ومواقف عمر بن سعد وشبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن وآخرين قبل واقعة كربلاء، فكان هدفهم من وراء ذلك الظفر بالمال والجاه، حتى أنّ البعض ذهب إلى أنّ مجرّد تصوّر قتال الإمام× أمرٌ محال، إلّا أنّهم انجرّوا وراء ذلك، ولم يلتفتوا إلى عمق الجريمة إلّا بعد فوات الأوان، ولات حين مناص.
وبصورةٍ عامّة، انقسم أتباع يزيد في كربلاء إلى حزبين:
فالحزب الأوّل: يتشكّل من عمر بن سعد، وشبث بن ربعي، ومروان بن الحكم، وشريح القاضي، وآخرين، ورغم أنّهم لم يتمتّعوا بمكانة علمية ودينية رفيعة بشهادة التاريخ، كانت لدى بعضهم خلفيات دينية واجتماعية قبل أن تكون لديهم خلفيات عسكرية، كداعية للدين وقائد اجتماعي و..
هذا الحزب على فرض إحرازه شروط الاجتهاد في المسائل الدينية العلمية والعملية، إلّا أنّه كان يرفض قتال الإمام الحسين×، ومع ذلك وبسبب الضغوط النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأهمّ من كلّ ذلك حبّه للدنيا والمقام دفعه إلى جعل عقائده الدينية وراء ظهره، وباع دينه بدنياه.
أمّا الحزب الآخر: فيتشكّل من شمر بن ذي الجوشن، وخولي بن يزيد، وحرملة بن كاهل، والحصين بن نمير، وأمثالهم، حيث لم يحرزوا الشروط العلمية والعملية للاجتهاد، ولم يمتلكوا إيماناً راسخاً، ومواقف مبدئية، بل كانوا شذاذ آفاق، همجٌ رعاع، متمرّسون على القتل والتنكيل والغدر، ينعقون مع كلّ ناعق، ويتحينون الفرص لصيد شهيٍّ يملأ جيوبهم، وبالفعل وجدوا تلك الفرصة سانحة في كربلاء، فأفرطوا في القتل، حتى لامهم وتبرّأ منهم يزيد وبعض أفراد حكومته.
وبناءً على ذلك، فادّعاء تصادم نمطين من الاجتهاد في مجال الخلافة الإسلامية استناداً إلى حديث النبي(صلى الله عليه وآله) في ضرورة الحفاظ على الوحدة الإسلامية والخلافة الدينية والاحتراز عن الخروج عليها، مجرد وهمٍ لا أساس له من الصحّة، لا تاريخياً ولا علمياً.
إنّ استعراض سيرة مناوئي ثورة كربلاء دلّ على أنّهم لم يحرزوا الشروط اللازمة للاجتهاد والفتوى للتأهل لإبداء الرأي والفتوى بشأن قتل الحسين×، بل على العكس ذهبوا إلى الاعتقاد بخروج من قاتل الحسين× عن الدين والدخول في نار جهنم.
رغم أنّ التأمّل في سيرة وتقلّبات منفّذي فاجعة كربلاء يرشدنا إلى بطلان ادّعاء أتباع يزيد في اعتماد قتلة الحسين× على التأويل، ومن أجل إلقاء المزيد من الأضواء على ذلك، واستكمال المعطيات التاريخية نستعرض شاهدين آخرين:
1 ـ الأحداث والاعترافات بعد عاشوراء
لا شكّ أنّ امتثال التكليف الشرعي لا يستتبع الندم فحسب، بل يستحقّ الشكر ويُرضي الوجدان، وفي الواقع فإنّ معرفة التكليف من خلال الاستنباط والاجتهاد يعدّ خطوةً للقرب الإلهي والوجداني ونيل السعادة.
لعلّ إقدام بعض قتلة الحسين× على بناء مسجد في الكوفة كشبث بن ربعي، أو إعادة بنائه تبرّكاً لقتل الحسين× يمكن أن يُتّخذ شاهداً للمدافعين عن يزيد؛ ذلك لأنّ شبث قد بنى مسجداً في الكوفة في عهد أمير المؤمنين علي×، وبعد قتل الحسين× أعاد بناءه.
ولعلّ عمله هذا يفسّر بأنّ شبث ممَّن يهتمّ بالأُمور المعنوية والالتزام الديني، وأنّ مشاركته في كربلاء كانت من هذا المنطلق، ونتيجةً لاعتقاده وقناعاته هذه فقد جدّد بناء مسجده كتعبير عن شكره لقتل الحسين×، والقيام بالواجب الإلهي ودفع أخطار جسيمة كانت تهدّد خلافة يزيد.
لا بدّ من القول عند الإجابة عن هذه الشبهة أنّ المزاج الروحي والنفسي لشبث على أعتاب حادثة كربلاء يُوحي إلى عدم امتلاكه يقيناً بخطّ يزيد وابن زياد، بل لم يمتلك أدنى شك في بطلانهما وأحقّية نهضة الحسين×، من هنا ومع كلّ الإكراه والترغيب الذي مُورس في حقّه لإرساله إلى كربلاء لم يكن متّزناً، ولم يكن يعتقد بقتال الحسين×، هذه الخصوصية قد تجلّت للعيان في مواطن مختلفة، وأدركها جنود عمر بن سعد.
والمسجد الذي أعاد شبث بناءه بعد حادثة كربلاء ـ علىفرضصحّةالخبر ـ قد يدلّ على تأنيب ضميره وعذاب وجدانه من جهة، وخداع الناس ونفاقه الباطني من جهةٍ أُخرى، هذا المسجد قد تمّ بناؤه أثناء انتقال مركز الخلافة من المدينة إلى الكوفة في عهد خلافة أمير المؤمنين علي×، الذي منع المسلمين من الصلاة فيه، وقد ورد عن الصادق× أنّه قال: «إنّ أمير المؤمنين علي× نهى بالكوفة عن الصلاة في خمسة مساجد: مسجد الأشعث بن قيس، ومسجد جرير بن عبد الله البجلي، ومسجد سماك بن مخرمة، ومسجد شبث بن ربعي، ومسجد التيم»[225] [226].
يدلّ استعراض سيرة أصحاب تلك المساجد الخمسة على تبنّيهم النفاق، وأنّ أهدافهم من وراء بنائها هو القضاء على الإسلام، وطمس قيمه العالية بسلاح الدين وآلياته، كالمساجد وغيرها، وإذا اعتبرنا بناء المساجد علامة فارقة على الاختلاف الفكري والاجتهادي، فهذا يعود إلى الثنائية العقدية التي كانت سائدة قبل حادثة عاشوراء، فقد ذهب تيار إلى الإيمان بالإسلام كدين إلهي منقذ في مقابل تيارٍ آخر دعا إلى استغلاله للوصول إلى مآربه الشخصية، والدنيوية، والقومية، والطائفية.
إنّ ندم منفّذي جريمة كربلاء من الأُمور الجديرة بالمطالعة، فقد ورد ندم يزيد وأتباعه على ما ارتكبوه من جرائم في كربلاء صريحاً في التاريخ، ولم ينكر ذلك أحد وقد اعترف بذلك أتباع يزيد، ولكن النكتة الجديرة بالاهتمام هي أنّ الذين عجزوا عن تبرير جرائم حزب يزيد حاولوا إلقاء هذه الفكرة، وهي أنّ يزيد وبعض عمّاله لا سهم لهم في تلك الجرائم، ولم يكونوا راضين بها، وإنّما أقدم عليها مجموعة من الجناة العتاة الذين لاينصاعون لأحد، ولا يأتمرون بأمر.
ومَن له أدنى إلمام بالتاريخ، يعلم بوضوح أنّ أُسلوب التنصّل من تهمة قتل الحسين×، وإلقاء تبعاته على الآخرين هو أُسلوب متّبع معروف بين أصحاب السياسة، وقد اتّبع يزيد هذا الأُسلوب وكيف لا، وهو ابن معاوية وحفيد أبي سفيان اللذان اشتهرا بالمكر والخداع، فقد أظهر أسفه وندمه خشيةً من الرأي العام، وعلى فرض صدق هذا الندم، فإنّ هذا شاهد صدق لما ندّعيه، وهو أنّ ما قام به لو كان بداعي أداء التكليف لما استتبع ذلك الندم.
ومهما يكن من أمر، فسوف نستعرض في الفصل الرابع سهم يزيد في تلك الحادثة المروّعة، استناداً إلى الوثائق والشواهد التاريخية المعتبرة لدى أهل السنة، وهنا سوف نسرد بنحوٍ موجز كلمات تدلّ على ندم أعوان يزيد ممّا اقترفوه، لكي يتّضح أنّ أعداء الإمام الحسين× لم ينطلقوا من خلفية إسلامية وأُسس دينية، بل انطلقوا من مآرب دنيوية مع انكشاف أحقّية الحسين× لديهم كانكشاف الشمس في رابعة النهار.
بعد شهادة الإمام الحسين× وأصحابه، ولمّا دخل أهل بيت الإمام× ومعهم تلك الرؤوس الزاهرة إلى مجلس يزيد ـ استناداً إلى نقل أهل السنة ـ الذي سرّ بقتلهم أوّلاً وحسنت بذلك منزلة عبيد الله عنده، وأساء إلى رأس الإمام×، وصار ينكته بعصا، ولمّا بدأت الحقائق المتعلّقة بالشهداء والسبايا تتكشّف لأهل الشام وغيرهم، وصارت سياسة يزيد وعمّاله على المحك، ندم يزيد على قتل الحسين×، وأظهر ذلك قائلاً: «أقسمت بالله، لو أنّ بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرّقت بينه وبينه سمية»[227].
وكان يقول: «ما كان علي لو احتملت الأذى وأنزلته معي في داري، وحكّمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظاً لرسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم) ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة فإنّه أخرجه واضطره، وقد كان سأله أن يخلي سبيله ويرجع فلم يفعل، أو يضع يده في يدي أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله عز وجل فلم يفعل، فأبى ذلك ورده عليه وقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فبغّضني البر والفاجر بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، ما لي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه»[228].
وعندما أُحضرت الرؤوس برفقة الإمام علي بن الحسين× والسبايا أمام يزيد توجّه بخطابه إلى زين العابدين× قائلاً: «لعن الله ابن مرجانة، أما والله، لو أنّي صاحبه ما سألني خصلةً إلّا أعطيتها إيّاه، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت، ولو بهلاك بعض وِلْدي، ولكن الله قضى ما رأيت»[229].
وهنا يحاول ردّ الأمر إلى الله، وكأنّ يزيد كان مسيّراً بإرادة إلهية مباشرة، وهذا مذهب استحدثه معاوية وشجّع عليه، طالما أنّ من شأنه تثبيت حكمه ودولته، وإخضاع الناس لما زعم أنّ الله قرّره وقدّره.
يروى أنّ يزيد دمعت عيناه لمّا حمل إليه رأس الحسين، وقال لحامله: لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله، لو أنّي صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين، أما والله يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك. ثمّ دعا بعلي بن الحسين ونسائه، فأدخلوه عليه وعنده أشراف الشام، فقال لعلي: أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.
ثمّ أمر بإنزالهم في داره، وأمر لهم بما يصلحهم، وكان لا يتغدّى ولا يتعشّى إلّا عليّ معه، ثمّ أمر النعمان بن بشير أن يجهّزهم بما يصلحهم، ويسيّرهم إلى المدينة مع أُناس صالحين، ولمّا أرادوا الخروج دعا علياً فودّعه وقال له: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أنّي صاحبه ما سألني خصلةً إلّا أعطيتها إيّاه، ولدفعت عنه الحتف بكلّ ما استطعت، ولكنّ الله قضى ما رأيت، فكاتِبْني وأنه إلي كلّ حاجةٍ تكون لك[230].
ويروي ابن قتيبة أنّه لمّا أدخلوا عليه رأس الحسين وأهله، بكى حتى كادت نفسه تفيض، وبكى معه أهل الشام حتى عَلَت أصواتهم[231].
ابن زياد وبعدما أدرك فداحة جرمه، فإنّه حاول تلافي أوامر مماثلة بغزو مكة صدرت إليه من يزيد والتملص منها، وقد قال لبعض مقرّبيه: لا أجمعهما للفاسق أبداً، أقتل ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأغزو البيت[232].
كما حاول أن يستعيد الرسالة التي أصدر أوامره فيها لابن سعد بقتل الحسين× أو أن ينزل على حكمه، قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين: «يا عمر، أين الكتاب الذي كتبت به إليك في قتل الحسين؟ قال: مضيت لأمرك وضاع الكتاب، قال: لتجيئنّ به، قال: ضاع، قال: والله لتجيئنّ به، قال: تُرك والله، يُقرأ على عجائز قريش اعتذاراً إليهن بالمدينة، أما والله، لقد نصحتك في حسين نصيحةً لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص كنت قد أدّيت حقّه.
قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: صدق والله، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجلٌ إلّا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأنّ حسيناً لم يُقتل، فوالله ما أنكر ذلك عليه عبيد الله»[233].
وقد كانت مرجانة تقول لابنها عبيد الله: «قتلت ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا ترى الجنة»[234].
وروى الطبري أنّها قالت لعبيد الله حين قتل الحسين×: «ويلك ماذا صنعت، وماذا ركبت»[235].
وذكر ابن سعد في الطبقات: «قالت مرجانة لابنها عبيد الله بن زياد: يا خبيث، قتلت ابن رسول الله، لا ترى الجنة أبداً»[236].
وما نحسب أنّ أُمّاً تواجه ابنها بما واجهت به مرجانة عبيد الله لو لم تكن جريمته بتلك الخطورة التي ألحقت أضراراً بالأُمّة، لا الحسين× وصحبه فقط.
من الواضح أنّ عبيد الله لم ينبس ببنت شفة، لهول ما قام به وأعوانه في كربلاء من جرائم يندى لها جبين الإنسانية؛ ذلك لأنّه لو انطلق من تأويل شرعي لما كان لتلك التقريعات والإهانات من مبرّر، ولوكان لعبيدالله وعمر بن سعد تأويل لتبرير ما قاما به لكسرا حاجز السكوت بهدف تلميع صورتهما أمام جمهور المسلمين.
لا شكّ أنّ تصريح يزيد ينمّ عن بغض الناس وعداوتهم له بما استعظموه من قتله الحسين×، هو الذي دعاه للتبرؤ من ابن زياد، واستنزال اللعنات عليه، ولم يكن ليفعل ذلك بدافع الكياسة أو الشعور بالذنب، وقد دلّت أعماله اللاحقة أنّ تلك المشاعر ما كانت لتساوره في أيّ وقت من الأوقات.
ولا شكّ أنّ دوافع سائر القتلة للتبرؤ من الجريمة لم تكن تختلف عن دوافع يزيد، فقد علموا أنّهم سيواجهون نقمة جماهيرية واسعة، قد تنال منهم شخصياً، وقد تقف عائقاً أمام طموحاتهم، كما حدث ذلك بالفعل، إذ رفضت الكوفة والبصرة ولاية ابن زياد عليها، بعد أن استحضر أهلها موقفه وما فعله بالحسين× وأصحابه في كربلاء[237].
نقلت الوثائق التاريخية المعتمدة لدى أهل السنة اعترافات عمر بن سعد قبل وقوع جريمته، لمّا أرسل الحسين× إليه في كربلاء بُريراً، فقال برير: «يا عمر بن سعد، أتترك أهل بيت النبوة يموتون عطشاً وحِلت بينهم وبين الفرات أن يشربوه، وتزعم أنّك تعرف الله ورسوله؟
قال: فأطرق عمر بن سعد ساعةً إلى الأرض ثمّ رفع رأسه، وقال: إنّي والله، أعلمه يا بُرير... أتشير عليَّ أن أترك ولاية الري فتصير لغيري؟ ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبداً، ثمّ أنشأ يقول:
دعاني
عبيدالله من دون قومه |
فرجع برير بن خضير إلى الحسين فقال: يا بن بنت رسول الله، إنّ عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بملك الري»[238].
سنان بن أنس وجزاء قتله الحسين (عليه السلام)
إنّ من الاعترافات المروّعة هي ما ذكرها سنان بن أنس، حينما قدم خيمة ابن سعد بعد أن حرّضه جماعة على ذلك قائلين: «قتلت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، قتلت أعظم العرب خطراً، جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم، فأت أُمراءك فاطلب ثوابك منهم، وإنّهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلاً.
فأقبل على فرسه وكانت به لوثة، فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد، ثمّ نادى بأعلى صوته:
أوقر
ركابي فضةً وذهباً |
فقال عمر بن سعد: أشهد أنّك لمجنون ما صححت قط، أدخلوه علي، فلمّا أُدخل حذفه بالقضيب، ثمّ قال: يا مجنون، أتتكلم بهذا الكلام؟! أما والله، لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك»[239].
وقد رُوي أنّ ابن زياد قد حرم ابن سعد الجائزة التي وعده بها، وهي ولاية الري، فكان يردّد بعد ذلك «ما رجع أحدٌ إلى أهله بشرٍ ممّا رجعت به، أطعت الظالم الفاجر ابن زياد، وعصيت الحكم العدل، وقطعت القرابة الشريفة»[240].
وقِيل: إنّ سنان دخل على عبيدالله بن زياد بعد يوم عاشوراء بيومين، وهو يرتجز بقوله، فقال له ابن زياد: فإن كان خير الناس أُمّاً وأباً فلمَ قتلته؟ وأمر فضُربت عنقه[241].
ابن خلدون ومخالفته لابن العربي
ذهب ابن العربي واستناداً إلى روايةٍ عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «مَن أراد أن يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان»[242]، إلى أنّ الحسين× جاء ليفرّق كلمة المسلمين بعد اجتماعها، وليخلع مَن بايعه الناس واجتمعوا عليه، وأنّ يزيد ـ بزعمه ـ قدعملبمفادتلك الرواية، وبهذا النحو فهو معذور بقتله الحسين× وما قام به جاء مطابقاً للشريعة والدين، كما أضاف أنّ الحسين× في الواقع قُتل بسيف جدّه[243].
ولعمري فإنّ هذا الرأي أسخف رأي صدر عن عالمٍ كبير، ممّا حدا بابن خلدون رغم كونه من علماء البلاط ومفكّري الدولة إلى تفنيده واعتباره مجانباً للحقيقة لاتعضده الوقائع التاريخية، قائلاً: «وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا، فقال في كتابه الذي سمّاه بالعواصم من القواصم ما معناه: إنّ الحسين قُتل بشرع جدّه. وهو غلطٌ حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل، ومَن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء»[244].
ومن الواضح أنّ العدالة شرطٌ أساسيٌّ للإمامة، ومن ثمّ العلم والفقه وسائر الشروط اللازمة لتولّي خلافة المسلمين، وبدونها تفقد سائر الشروط اعتبارها.
ولشناعة رأي ابن العربي[245]، لم يكن ابن خلدون الوحيد الذي تعرّض إلى نقده، بل ثمّة عالمٌ آخر هو حسين محمد يوسف في كتابه (سيّد شباب أهل الجنة الحسين بن علي) قائلاً: «ولقد ذهب القاضي أبو بكر إلى أبعد من ذلك في تبريره لموقف المحاربين لابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال: ولا قاتلوه إلّا بما سمعوا من جدّه المهيمن على الرسل. ذلك لأنّ لجدّ الحسين(صلى الله عليه وآله) من الأحاديث الصريحة ما يكفي لبيان أنّ معاداة الحسين× معاداة لله ولرسوله، ومحاربته محاربة لله ورسوله، وكفى بذلك إثماً في الدنيا وخزياً في الآخرة.
من ذلك قوله (صلوات الله عليه): لا يحبّ أهل البيت إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق.
وفيه حكمٌ صريحٌ بالنفاق على كلّ مَن اشترك في قتال الحسين×، وأيّ بغضٍ له أشدّ من حصاره ومنعه من الانصراف في أي جهةٍ، حرصاً منهم على قتاله وقتله، ومن ذلك قوله(صلى الله عليه وآله): أنا حربٌ لمَن حاربكم، وسلمٌ لمَن سالمكم.
وقد كانت نهاية المعتدين على سيّد شباب أهل الجنة أقطع دليل على شدّة غضب الله ورسوله عليهم، ومحاربتهما لهم، حتى لم يبقَ أحدٌ إلّا وأصابه من نكال الله تعالى ونقمته ما أصابه»[246].
وقال في معرض ردّه على ابن العربي لمّا قال: «وما خرج إليه أحدٌ إلّا بتأويل، هذا القول يوهم أنّ الذين قاتلوا سيّد شباب أهل الجنة وقتلوه وداسوا جسده الشريف بسنابك الخيل كانوا من أهل العلم الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد، حتى استطاعوا أن يتأوّلوا أحاديث سيّد المرسلين التأويل الصحيح، وأن يجدوا فيها ما يبيح لهم مقاتلة ابن بنته وقتله، والثابت أنّ الجيش الذي أعدّه لمقاتلة الحسين× كان أكثر أفراده من الرعاع الأجلاف، ليس فيهم صحابيٌّ جليل، ولا تابعيٌّ فقيه في دينه، وقد كان كبير القوم ـ عبيد الله بن زياد ـ أبعد من أن يُوصف بأنّه من أهل العلم والدين، وإنّما كان جباراً جهولاً، لا دين له ولا أخلاق.
فإذا كان هذا هو شأن أمير القوم فكيف بمَن دونه من قادة الجيش وأفراده؟! وهم الذين ما خرجوا لقتال الحسين× عن تأويل أو فقه، وإنّما خرجوا رهبةً من طغيان ابن زياد، أو رغبةً فيما عنده من أُمور الدنيا، وعلى رأس هؤلاء عمر بن سعد قائد الجيش الذى خرج خوفاً من بطش ابن زياد، وطمعاً في ولاية الري التي وعده بها، ويليه شمر بن ذي الجوشن، الذي كان أشدّ القوم تحمّساً في التحريض على قتل الحسين×، والذي أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه الكلب الأبقع الذي يلغ في دماء أهل البيت، ثمّ سنان بن أنس الذي احتزّ رأس الحسين× وذهب به إلى ابن زياد يطالب بالأجر.
وهكذا نجد أنّ البارزين من قتلة الحسين× كانوا جميعاً من الرعاع الأجلاف، فكيف بمَن دونهم! والكثير منهم كانوا ممَّن كاتبوه يدعونه بالخروج ثمّ انقلبوا عليه وحاربوه، ومثل هؤلاء أبعد الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأشدّهم جهلاً بحديثه، ومع ذلك فإنّ القاضي ابن العربي ذهب بعيداً في حسن ظنّه بهم، فاعتبرهم جميعاً من أهل التأويل الراسخين فيالعلم»[247].
ورغم ذلك فما زال يتبنّى هذا الرأي في العصر الراهن زمرة من الكتّاب منهم محمد عزة دروزة، لمّا قال: «إنّه ليس هناك ما يبرّر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله فضلاً عن قتله، وكلّ ما أمر به أن يُحاط به ولا يُقاتل إلّا إذا قاتل... فإذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون، وقاوم بالقوة، فمقابلته وقتاله صار من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغاً»[248].
اتّضح ممّا سبق غياب شروط التأويل لدى منفّذي جريمة قتل الحسين×، وهو دليلٌ آخر على ردّ الرأي القائل بوجود نمطين من التفكير في ساحة كربلاء، بعد استعراض مفهوم الاجتهاد والتأويل والشروط العلمية والعملية لأهل الاجتهاد والفتيا لدى أهل السنّة، والاطلاع على سيرة مرتكبي تلك الجريمة الذين لم يمتلكوا أدنى مقوّمات الاجتهاد.
وسوف نتطرّق هنا إلى موضوع في غاية الأهمّية وهو هل أنّ استشهاد الحسين× موضوعٌ قابلٌ للتأويل، ذلك لأنّ الاجتهاد وفق رؤية علماء أهل السنة يجري في مقام لم يرد فيه نصٌّ صريح، أمّا في صورة وجود نصٍّ صريح فلا اجتهاد، وبتعبير أهل المنطق سالبة بانتفاء الموضوع، بل هو حرام؛ لأنّه اجتهاد في مقابل النصّ.
وقد بادر أحد محقِّقي أهل السنة إلى طرح سؤال وهو: في أيّ موطن يكون فيه الاجتهاد حراماً؟ ثمّ تصدّى للإجابة عنه، وذكر موطنين له، وهما:
الأوّل: الاجتهاد في مقابل النصّ، وهذا النوع من الاجتهاد هو إقدام المجتهد على إجراء الاجتهاد في واقعةٍ ورد فيها نصٌّ صريح، وبالتالي فالحكم المستنبط خلاف مؤدّى النص.
الثاني: اجتهاد مَن كان فاقداً لأهلية الاجتهاد والتأويل، وهنا قد يقوده اجتهاده إلى الضلال والانحراف، وهذا النوع من الاجتهاد ينطوي تحت القاعدة الشرعية: كلّ ما دعا إلى الحرام فهو حرام.
الإمام الحسين (عليه السلام) من وجهة نظر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
مع أنّ مكانة الحسين× عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) كالشمس في رابعة النهار لا تخفى على أحد، خاصّةً مَن له أدنى إلمام بتاريخ الإسلام وسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إلّا أنّ هناك من أذناب يزيد مَن شكّك في علاقة رسول الله’ بالحسين× دفاعاً عن يزيد، منهم ابن تيمية، حيث لم يتوانَ في الدفاع عن يزيد وتبرير ما قام به في كربلاء، وأنّه صادرٌ عن مجوّزٍ شرعي، ويأتي بالأدلّة على أنّ ما قام به الحسين× كان خلافاً لما أمر به النبي(صلى الله عليه وآله)، حيث قال: «وممّا يناسب هذا ما ثبت في الصحيح من حديث سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أُسامة بن زيد عن النبي(صلى الله عليه وآله): أنّه كان يأخذه والحسن، ويقول: اللّهم إنّي أُحبّهما فأَحبّهما.
ففي هذا الحديث جمعه بين الحسن وأُسامة، وإخباره بأنّه يحبّهما، ودعاؤه الله أن يحبّهما وحبّه(صلى الله عليه وآله) لهذين مستفيض عنه في أحاديثَ صحيحة، كما في الصحيحين من حديث شعبة عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء بن عازب، قال: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله) والحسن بن علي على عاتقه، وهو يقول: اللّهم إنّي أُحبّه فأحبّه... وهذان اللذان جمع بينهما في محبّته ودعا الله لهما بالمحبّة، وكان يعرف حبّه لكلّ واحدٍ منهما منفرداً لم يكن رأيهما القتال في تلك الحروب، بل أُسامة قعد عن القتال يوم صفّين لم يقاتل مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكذلك الحسن كان دائماً يشير على أبيه وأخيه بترك القتال، ولما صار الأمر إليه ترك القتال، وأصلح الله به بين الطائفتين المقتتلتين»[249].
وعلى هذا وأمثاله من التوجيهات استقام عماد محبّي يزيد القدماء والجدد، مع إجراء بعض التعديلات الجزئية على العبارات والألفاظ، وإن لم يصرّحوا بالنتيجة بهذا الشكل، ولسنا هنا بصدد نقل جزئيات كلامهم، وبغضّ النظر عن عدم استفاضة هذه الروايات وبُعدها عن الصحّة والوثاقة، فإنّه يتبادر إلى الذهن ـ حول ما نقلناه عن ابن تيمية ـ أسئلةٌ ثلاثة:
1ـ أيّ مقطع من الحديث استفاد منه ابن تيمية في جواز قتل الحسين× وأصحابه في كربلاء وشرعية مواقف يزيد؟
2ـ هل يلتزم ابن تيمية وأعوانه بجميع لوازم استدلالهم بهذا الحديث على جواز قتل الحسين× وصحبه؟ التي منها:
أ ـ إنّ محبة النبي(صلى الله عليه وآله) لا تعمّ مَن لم يفصح عنه الحديث من أهل البيت، وبالتالي يعتبر هذا مجوّزاً ليزيد وأمثاله لقتلهم والتنكيل بهم.
ب ـ إذا ورد حديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) في محبّة الحسين×، وأيّده علماء السنة بلحاظ السند، فهل فيه دلالة على سخطه(صلى الله عليه وآله) على الحسن× وصلحه؟ وعليه فإنّ قتل معاوية للحسن× جاء وِفقاً لما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) المروي في الصحاح الستّ موثقاً.
ج ـ الحديث المذكور لا يمكن الجمع بينه وبين آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية، فكيف يرجّح الحديث المذكور حين وقوع التعارض؟ وقد ورد في أُمّهات المصادر التفسيرية والروائية والتاريخية لأهل السنة أنّ آية التطهير والمباهلة وسائر الآيات المتعلِّقة بأهل البيت^ تشمل الحسين× أيضاً، كما وردت أحاديث لاحصر لها على لسان النبي(صلى الله عليه وآله) في مقام الحسين× وفضله، مثلما وردت في حقّ الحسن×، ونعته بأوصاف متنوّعة نظير: سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبي(صلى الله عليه وآله)، ومن الأسباط، وفضلاً عن ذلك فقد وردت روايات تتنبّأ باستشهاده وتذمّ قتلته، فقد أوصى النبي(صلى الله عليه وآله) صراحةً بالوقوف في صف الحسين× والعمل على نصرته.
روى أنس بن الحارث عن أبيه الحارث بن نبيه، قال: «سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ والحسين في حجره ـ يقول: «إنّ ابني هذا يُقتل في أرضٍ يُقال لها: العراق، فمَن شهد ذلك منكم فلينصره»، قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء، فقُتل بها مع الحسين»[250].
ومع كثرة الأحاديث الدالّة على حبّ الحسين× والتحذير من بغضه وأذاه، هل بمقدور ابن تيمية وأتباعه تأويل جواز قتل الحسين× وأصحابه، وقطع الماء عليهم، وأسر أهل بيته، وقطع رؤوسهم، والطواف بها في الأمصار، ورضِّ أجسادهم الطاهرة بسنابك الخيول، وترك الجثث فى العراء دون دفن؟
د ـ يُوحي منطق ابن تيمية بانحصار سخط النبي(صلى الله عليه وآله) على شخص الحسين×، أو فكره وسيرته، وسكوت النبي(صلى الله عليه وآله) عمّا اقترفه الآخرون، وبالخصوص بنو أُميّة ومعاوية ويزيد من جرائم.
3 ـ ينبغي الاستفسار من ابن تيمية، هل ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) حديثٌ أو رواية معتبرة في حقّ الحسين× يُشمّ منها عدم الرضا المضمر في الحديث المتقدم كي يقوم النبي(صلى الله عليه وآله) على ضوء ذلك بترك ذكر الحسين× والإتيان بأُسامة والحسن× وشمولهما بالعناية والمحبّة دون الحسين× أو الإتيان بالحسن × وحده؟
لا شكّ أنّ مفاد ما ذكره ابن تيمية وأتباعه من جهة، وابن العربي وآخرون من جهة أُخرى أشبه بإخفاء الشمس بإصبعين، ومع أدنى تأمّل في المصادر المختلفة لأهل السنة نصل إلى هذه النتيجة، وهي: أنّ مؤيّدي يزيد غير مقتنعين ولا معتقدين بأي مذهب من المذاهب الإسلامية، وليس لديهم أدنى اطّلاع عن تاريخ الإسلام والحديث، والنظريات الموجودة فيها، وأُرجّح الاحتمال الأخير، وهو عدم اطّلاعهم، وأقول: على فرض عدم ورود حديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) في مدح الحسين× وبيان مقامه ومكانته الرفيعة، وعدم ورود حديث في ذم بني أُميّة أعداء الله والدين وأهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله)، إلّا أنّ ملامح الشخصية العظيمة للحسين× الواردة في مصادر أهل السنة كفيلة بكشف النقاب عن وجه الحقيقة، فقد سار الإمام الحسين× كزعيم مسؤول وملتزم لينقذ الأُمّة من جور يزيد وطغمته، وليسحب بذلك بساط الشرعية عن دولة الظلم الأُموية.
لقد آثر الحسين× أن يقوم بما لم يقم به أحدٌ غيره؛ لأنّه لم يكن مثل الآخرين، وكان وعيه وشعوره بالمسؤولية استثنائياً، لم يكن يقل عن وعي وشعور مَن سبقوه ممَّن حملوا لواء الإمامة، مكملين دور الرسول القائد(صلى الله عليه وآله) بين أبناء الأُمّة، وكانت معرفته بالإسلام ويقينه به أكبر من أيّ شيء آخر يمكن أن يجعله يستجيب لدعوة يزيد لمبايعته، ووضع يده في يده.
فضائل الإمام الحسين (عليه السلام) في الصحاح الست
هناك أحاديث كثيرة وردت في الصحاح الست بشأن فضائل الحسين× وأخيه الحسن× على لسان النبي(صلى الله عليه وآله)، والتي تدلّ على مكانتهما الرفيعة لدى النبي(صلى الله عليه وآله)، ومن جملة الأبواب الواردة في تلك الأحاديث هو باب تسميتهما من قبل النبي(صلى الله عليه وآله) باسم أبناء هارون شبر وشبير، وباب قراءة النبي(صلى الله عليه وآله) الأذان في آذانهما، وعقّ عن كلٍّ منهما بكبش، وأمر بحلق شعرهما والتصدق بوزنه فضة، وختنهما لسبعة أيّام من مولدهما.
وقد عنى النبي(صلى الله عليه وآله) ببيان فضلهما، وأوصى بحبّهما وإعزازهما، حتى أنّه اعتبر حبّهما من حبّه، وبغضهما من بغضه:
1ـ رُوىَ عن أبي هريرة أنّه قال: «خرج علينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله، وإنّك تحبّهما؟ فقال: مَن أحبّهما فقد أحبّني، ومَن أبغضهما فقد أبغضني»[251].
2 ـ عن يعلى بن مرّة قال: قال رسول الله: «حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط»[252].
3 ـ عن أبي أيوب الأنصاري، قال: «دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين يلعبان بين يديه وفي حجره، فقلت: أتحبّهما؟ قال: وكيف لا أُحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما»[253].
4ـ أخرج أحمد بن حنبل بسنده: أنّ النبي أخذ بيد الحسن والحسين وقال: «مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة»[254].
5ـ عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة»[255].
ولا شكّ أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) في كلّ هذه الصور الكريمة من المحبّة والحنان والإعزاز والتكريم لحفيديه الصغيرين لم يكن مدفوعاً بعاطفة خاصّة فحسب، وإنّما كان مأموراً بوحي من ربّه كي يُعلِم المسلمين ما يجب عليهم نحو أبنائهم عامّة، ونحو أهل البيت والحسنين خاصّة، من صدق المحبّة، وخفض الجناح، ومعرفة حقِّهم، واستشعار كل الإجلال والتوقير لهم.
وإذا كان هذا هو مقام الحسن والحسين من الله ورسوله ومكانتهما، فلا عجب إذا حرص(صلى الله عليه وآله) على التحذير من مغبّة معاداتهما أو مشاقّتهما؛ لأنّ معاداتهما معاداة لله ورسوله، ومشاقّتهما مشاقّة لله ورسوله.
ومهما يكن من أمر فلم تفلح التبريرات الواهية لابن تيمية وأتباعه في إثبات براءة يزيد فحسب، بل إنّها أثارت الشكوك حول عقائد السنة والجماعة، حين قام بتوجيه جرائم يزيد بأيّ ثمن ولو على حساب المسلَّمات التاريخية والرجالية.
ومع وجود تلك الروايات، فهل يبقى إبهام بشأن موقف رسول الله(صلى الله عليه وآله) الداعم للحسين× وحركته؟ أليس تحذير النبي(صلى الله عليه وآله) من بني أُميّة ولعنهم دليلاً على كفرهم وفجورهم وانحرافهم عن الإسلام؟ فليس هناك جهلٌ حتى يأتي الدور للاجتهاد، ولا شكّ حتى نسعى لتحصيل العلم والاجتهاد، بل واقعة كربلاء خارجة عن ميدان الاجتهاد، والاجتهاد فيها سيكون في مقابل النص، وهو إن صدر ممَّن تتوفّر فيهم شروط الاجتهاد والقدرة عليه كان خلاف الشرع ومن المحرّمات.
وعليه يصبح الصراع بين نمطين من التفكير في ساحة كربلاء مجرد وهم، ويصبح تأويل واجتهاد أُمراء جند يزيد أشبه بالهزل منه بادّعاء تاريخي وعلمي.
فلسفة ثورة كربلاء
في المنظور السني
فلسفة ثورة كربلاء في المنظور السني
إنّ من المباحث المطروحة في أوساط أهل السنة حول النهضة الحسينية هي فلسفة هذه الثورة التاريخية الكبرى، وقد استعرض علماء أهل السنة الأبعاد المختلفة لثورة أبي الأحرار، والهدف الرئيس لقيامها، ومدى مشروعيتها من جهة، والعقلانية التي تمتّعت بها من جهةٍ أُخرى، وعبّروا عن مواقفهم حيالها.
ومع أخذ الأبعاد المختلفة المطروحة حول دوافع ثورة كربلاء وأهدافها والمسائل المتعلّقة بها، تطفو هناك موضوعات عديدة جديرة بالبحث ومعرفة نظريات العلماء السنة فيها، ويتأتّى ذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:
ـ هل سارت ثورة كربلاء وفق فلسفة واضحة أو اكتنفها الغموض؟
ـ إن كان لها فلسفة واضحة ومعيّنة، فهل هذه الفلسفة الواضحة تختصّ بالحسين×، أو يمكن تعميمها إلى الآخرين، ويمكنهم فهمها وتلزمهم بالتكليف؟
ـ هل لتلك الثورة فلسفة تعبّدية بحتة، أو تجاوزتها إلى أبعاد عقلائية؟
ـ ما مدى مستوى نجاح هذه الثورة في الظفر بأهدافها وفلسفة وجودها؟
إنّ تتبّع المواقف المختلفة لأهل السنة حول فلسفة ثورة كربلاء له أهمّية قصوى للإجابة عن تلك الاستفسارات، ويمكن على ضوء ذلك فهم وجهات نظرهم في هذا الصدد، وكشف مجموعة المعارف والاعتقادات التي يمتلكونها حول تلك الحادثة، وإيصاد الطريق بوجه الانحرافات، وهذا لا يتيسّر إلّا في ظلّ نقد الآراء غير الصائبة لبلورة الصحيح منها.
لقد بُذل النصح للإمام× بالعدول عن حركته منذ خروجه من المدينة، وبلغت أوجها عند حضور الإمام× في مكة، واستمرّ طوال سيره إلى كربلاء، فبعد اطّلاع النصحاء على مخالفة الإمام× لمبايعة يزيد وخروجه من المدينة، أصرّوا عليه بأنّ الظروف ليست سانحة للإطاحة بحكم بني أُميّة الجائر وإقامة نظامٍ إسلامي، وأنّ أهل الكوفة لا يعوّل عليهم؛ لأنّهم أهل غدرٍ وخيانة.
ومن الذين بذلوا النصح للإمام× هو عبد الله بن مطيع، فهو بعد أن علم بقصده، قال: «جُعلت فداك، أين تريد؟ قال: أمّا الآن فإنّي أُريد مكة، وأمّا بعدها فإنّي أستخير الله، قال: خار الله لك، وجعلنا فداك، فإذا أنت أتيت مكة فإيّاك أن تقرب الكوفة، فإنّها بلدةٌ مشؤومة، بها قُتل أبوك، وخُذل أخوك، واغتيل بطعنةٍ كادت تأتي على نفسه، ألزم الحرم، فإنّك سيّد العرب لا يعدل بك ـ والله ـ أهل الحجاز أحداً، ويتداعى إليك الناس من كلّ جانب، لا تفارق الحرم فداك عمّي وخالي، فوالله، لئن هلكت لنسترقنّ بعدك»[256].
روى الطبري أنّ عبد الله بن جعفر لمّا علم بخروج الحسين× من مكة أرسل إليه كتاباً مع ابنيه عون ومحمد، يقول فيه: «إنّي أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مشفقٌ عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب»[257].
رُوي أنّ أبا سعيد الخدري جاء إلى الحسين× وقال له: «يا أبا عبد الله، إنّي لكم ناصح، وإنّي عليكم مشفق، وقد بلغني أنّه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج، فإنّي سمعت أباك يقول بالكوفة: والله، لقد مللتهم وأبغضتهم، وملّوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاءٌ قط، ومَن فاز منهم فاز بالسهم الأخيب، والله، ما لهم نيات، ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف»[258].
هذه الكلمات تؤكّد بوضوح على نقطتين:
الأُولى: تدلّ الأوضاع العامّة خاصّةً أوضاع الكوفة وأهلها وما آل إليه أمير المؤمنين× والإمام الحسن× أنّ أرضية الثورة غير متوفّرة فيها، وهذا ما يدعو إلى عدم الركون إلى وعود أهل الكوفة ونصرتهم.
الثانية: إنّ ظروف الحجاز كانت أفضل من الكوفة، حيث كان اللجوء إلى مكة يوفّر الغطاء اللازم للحفاظ على النفس، فإذا كان الإمام× يفتّش عن مكانٍ آمن، فالكعبة كانت أفضل تلك الأماكن على الإطلاق.
وقد ظنّ مَن بذل النصح للإمام× أنّه بصدد الظفر بالحكم والإطاحة بيزيد، من هذا الباب تطرّقوا إلى عدد وعديد أهل الكوفة ومعاناة الإمام علي× والحسن× منهم، ومقدار ثبات وقدرة أهل الكوفة أمام أهل الشام وشوكة يزيد، كما حذروا الإمام× من مغبّة أي إقدام؛ لأنّه سيؤدّي إلى الفشل لا محالة؛ هذا الانطباع نقله ابن العربي حينما استعرض نصائح ابن عمر وابن عباس للإمام× قائلاً: «ولو أنّ عظيمها وابن عظيمها وشريفها وابن شريفها الحسين يسعه بيته أو ضيعته أو إبله، ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحقّ، وفى جملتهم ابن عباس وابن عمر لم يلتفت إليهم، وحضره ما أنذر به النبي(صلى الله عليه وآله) وما قال في أخيه، ورأى أنّها قد خرجت عن أخيه ومعه جيوش الأرض وكبار الخلق يطلبونه، فكيف ترجع إليه بأوباش الكوفة، وكبار الصحابة ينهونه وينأون عنه؟! وما أدرى في هذا إلّا التسليم لقضاء الله والحزن على ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقية الدهر، ولولا معرفة أشياخ الصحابة وأعيان الأُمّة بأنّه أمر صرفه الله عن أهل البيت وحال من الفتنة لا ينبغي لأحد أن يدخلها ما أسلموه أبداً»[259].
وقد أثار الشكوك حول شرعية هذه الثورة، واستشهد على ذلك بعدم تعاون الصحابة عندما سرد وجهات نظرهم المخالفة للثورة، وذهب إلى أنّ منشأ ثورة كربلاء هو طلب الحكم وبسط النفوذ، وساد عنده هذا الاعتقاد بأنّ الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية والقبلية لا تساعد، وقد أدرك ذلك كبار الصحابة ووصفوها للإمام×.
ومع أنّ عبد الرحمن بن خلدون قد ارتضى شرعية ثورة كربلاء، وانتقد موقف ابن العربي بشأن الثورة الحسينية وأنّه مقتول بسيف جدّه، إلّا أنّه اتّخذ موقفاً مشابهاً، مصرّحاً بأنّ الشوكة كانت لبني أُميّة خاصّةً يزيد دون الحسين×، لمّا قال: «وأمّا الحسين، فإنّه لمّا ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين أن يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأى الحسين أنّ الخروج على يزيد متعيّن من أجل فسقه لا سيما مَن له القدرة على ذلك، وظنّها من نفسه بأهليته وشوكته، فأمّا الأهلية فكانت كما ظن وزيادة، وأمّا الشوكة فغلط ـ يرحمه الله ـ فيها؛ لأنّ عصبية مضر كانت في قريش، وعصبية عبد مناف إنّما كانت في بني أُميّة تعرف ذلك لهم قريش وسائر الناس ولا ينكرونه»[260].
ورغم تأكيد ابن خلدون على شرعية ثورة كربلاء وفضائل الحسين× من جهة، وإتيان يزيد المنكرات من جهةٍ أُخرى، إلّا أنّه كان يرى أنّ الظروف السائدة آنذاك لا تساعد، وأنّ هذه الثورة محكومٌ عليها بالفشل، وهو بتحليله هذا وإن خالف رأي ابن تيمية وابن العربي في أنّ ثورة الحسين× لم تكن للظفر بالسلطة والحكم، بل إنّ غياب الوعي لدى عامّة الناس، ورواج العصبية القبلية من قبل جهاز يزيد كان العامل الأساس لإخفاق هذه الثورة، وعلى هذا الأساس فإنّ لثورة الحسين× ـ حسبرأي ابن خلدون ـ فلسفةواحدةهيالإطاحةبيزيداعتماداًعلىشيعةالكوفة، والظفر بالخلافة، وقد آل أمرها إلى ما آل نتيجة عدم توفّر الإمكانات اللازمة والظروف المناسبة، إلى جانب شيوع العصبية القبلية.
ويعتقد جلال الدين السيوطي (المتوفى 911هـ) أنّ خروج الحسين× لنيل الخلافة هو عماد فلسفة ثورة كربلاء التي ما كان لها أن تنطلق إلّا اعتماداً على وفاء أهل الكوفة وإطاعتهم ولكنها انتهت إلى فاجعة قلما شهدها التاريخ، قائلاً: «وأمّا الحسين، فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية وهو يأبى، فلمّا بُويع يزيد أقام على ما هو عليه مهموماً، يزمع الإقامة مرّة ويريد المسير إليهم أُخرى، فأشار عليه ابن الزبير بالخروج، وكان ابن عباس يقول له: لا تفعل، وقال له ابن عمر: لا تخرج، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنّك بضعة منه ولا تنالها ـ يعنيالدنيا ـ واعتنقهوبكىوودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عِبرة.
وكلّمه في ذلك أيضاً جابر بن عبد الله وأبو سعيد وأبو واقد الليثي وغيرهم، فلم يطِع أحداً منهم، وصمم على المسير إلى العراق، فقال له ابن عباس: والله، إنّي لأظنّك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، فلم يقبل منه، فبكى ابن عباس.
وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ومعه طائفة من آل بيته رجالاً ونساء وصبياناً، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد يأمره بقتاله، فوجّه إليه جيشاً أربعة الآف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله، فلمّا أرهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام أو الرجوع أو المضي إلى يزيد فيضَع يده في يده فأبوا إلّا قتله، فقُتل وجيء برأسه في طست حتى وُضِع بين يدي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضاً، وكان قتله بكربلاء يوم عاشوراء، وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون»[261].
ومما سبق يتضح أنّ السيوطي أبرز دور النصائح التي أسداها الصحابة كابن عمر وابن عباس بلزوم رجوعه، كما أبرز اعتماد الحسين× على أهل الكوفة، وكان يرى أنّ فلسفة ثورة كربلاء هي الاستيلاء على مقاليد الحكم.
وسار على هذا النهج محبّ الدين الخطيب المصري، الذي كانت له حاشية على كتاب (العواصم من القواصم)، فهو بعد نقله ضراعات كبار الصحابة للحسين× بلزوم رجوعه قال: «فلم يفد شئ من هذه الجهود في تحويل الحسين عن هذا السفر الذي كان مشؤوماً عليه وعلى الإسلام وعلى الأُمّة الإسلامية إلى هذا اليوم وإلى قيام الساعة، وكل هذا بجناية شيعته الذين حرّضوه بجهل وغرور ورغبة في الفتنة والفرقة والشر ثمّ خذلوه بجبن ونذالة وخيانة وغدر»[262].
أمّا الشيخ الخضري فإنّه عقّب على حادث قتل الحسين×، قائلاً: «وعلى الجملة أنّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جرّ على الأُمّة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد أُلفَتِها إلى يومنا هذا، وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك إلّا أن تشتعل النيران في القلوب، فيشتدّ تباعدها، وغاية ما في الأمر أنّ الرجل طلب أمراً لم يتهيّأ له، ولم يعدّ له عدّته، فحِيل بينه وبين ما يشتهي، وقُتل دونه، وقبل ذلك قُتل أبوه، فلم يجد من أقلام الكاتبين مَن يبشع أمر قتله، ويزيدون نار العداوة تأجيجاً، والحسين قد خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر عنه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار الخلاف حتى يكون في الخروج مصلحة للأُمّة»[263].
تراوحت هذه النظرة بين ادّعاء طلب الخلافة اتّباعاً للدين والسنة النبوية، وبين الاستيلاء على مقاليد الحكم بأيّ ثمن ولو على خلاف السنة، وقد ذهب ابن خلدون والسيوطي إلى أنّ المهمّة الشرعية للإمام× هي نفخ روح الثورة ضدّ بني أُميّة، وإعادة الخلافة إلى جادّة الصواب، وأنّ قرار الإمام× لم يكن محبّذاً شرعاً فحسب، بل لا يرد عليه أيّة خدشة، وعلى خلاف ذلك ذهب ابن العربي وأتباعه إلى أنّ الهدف من ثورة كربلاء هو الاستيلاء على مقاليد الحكم، حيث أبرز دور النصائح التي قدّمت له من قبل ابن عمر وآخرين، ووجد في عدم الإصغاء لها دليلاً على حبّ السلطة والجاه، وبذلك أثار شكوكاً حول شرعية تلك الحادثة العظيمة في التاريخ، وعن هذا الطريق أبدى أسفه للإمام الحسين×.
تتضّح أبعاد هذه النظرة من خلال دراسة الجوانب المختلفة والمتعدّدة لأتباع هذه النظرة بدقّة، ومواقفهم وآرائهم بخصوص نهضة كربلاء، وإجراءات الإمام الحسين× من جهة، ونظرتهم لمسألة الخلافة ويزيد والأُمويين من جهةٍ أُخرى، وعلى الرغم من أنّ هذه الأبعاد قد تقدّم الحديث عنها ونقدها بنحوٍ تفصيلي، إلّا أنّه تلزم الإشارة إليها ولو بنحوٍ موجز في المقام لما يقتضيه الموضوع:
1ـ إنّ يزيد بن معاوية هو خليفة المسلمين، ولا يجوز مخالفته شرعاً، ومقام الخلافة تسمح له بالوقوف بوجه كلّ مَن أراد الخروج عليه، وأنّ ما قام به يزيد في كربلاء جائزٌ شرعاً.
2ـ اعتمدت ثورة الحسين× على أهل الكوفة المعروفين بالغدر والخديعة، وقد بذل كبار الصحابة النصيحة للإمام×، إلّا أنّه رفض حتى وقع ما تنبّأ به الصحابة، عندئذٍ أدرك الإمام× مغزى النصائح التي قُدّمت له.
3ـ لم يلتفت الإمام الحسين× إلى تجربة أمير المؤمنين× مع أهل الكوفة وما لاقاه الإمام الحسن× منهم حينما قبل دعوة أهل الكوفة عبر رسلهم وكتبهم، ولم يَعتَبر من الماضي.
إنّ النقطة الأُولى تشكك بشرعية قيام الإمام× ونهضته، وقد تقدّم نقدها في مبحث تحت عنوان: (شرعية خلافة يزيد) وتمّ من خلال الاعتماد على الوثائق التاريخية إثبات النقاط التالية:
1ـ لم يكن يزيد حائزاً على الشروط الأساسية للخلافة، كالعدالة والفقاهة المعتبرة وأقرّ أهل السنة بهذا المعنى، وطبقاً للوثائق التاريخية والحديثية والفقهية فإنّ يزيد لم يكن فاسقاً فحسب، بل كان كافراً، ولم يملك أدنى معرفة بالتعاليم الإسلامية اللازمة وغير اللازمة للخلافة، من هنا فأغلب علماء أهل السنة أفتوا بجواز لعنه وكفره، واقترافه موبقات عظيمة، فلا يجوز نقل الحديث عنه.
2 ـ انتقال الحكم من معاوية إلى يزيد خلافاً للسيرة الرائجة عند أهل السنة، في وقت أبدى معظم الناس كراهتهم له، ذلك أنّ بيعة يزيد تمّت بتهديد وخداع، وقد ذهب معظم أئمّة المذاهب الإسلامية إلى أنّ البيعة المأخوذه عن مكر وخداع لا قيمة قانونية لها، كما لا تترتّب عليها آثارٌ شرعية، هذا إلى جانب أنّ تنبّؤات النبي(صلى الله عليه وآله) بشأن بني أُميّة بوجهٍ عام، ويزيد وأعوانه بوجهٍ خاص، ومكانة الحسين بن علي÷ ومنزلته لدى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وضرورة نصرته، لا يبقى معها أي شك في سلب شرعية خلافة يزيد وضرورة الإطاحة به من منظار الشارع.
3ـ كما تقدّم في ثورة كربلاء ومقولة الاجتهاد، فإنّه لم يكن بين أُمراء يزيد وجنده مَن يُعتبر من أصحاب الاجتهاد، وعلى فرض وجود القابلية لدى بعضهم، فلمَ اعتبروا ـ بشهادة التاريخ ـ مواقف الحسين× على حقّ، وأظهروا الندم جراء قتل الإمام×؟
وممّا يجدر ذكره أنّ مَن بذل النصح للإمام× لم يشكّك بمشروعية كربلاء قط، إلّا عبد الله بن عمر، فإنّه تلقّى حركة الإمام× في سبيل الدنيا ونيل الجاه وفقاً لبعض التقارير المجعولة، وبالطبع فإنّ هذا الموقف منه ينسجم مع موقفه من يزيد وردّ فعله السلبي حيال بيعته له، وأخيراً بايع يزيد بفعل سياسة الترهيب والترغيب التي مُورست في حقّه، وهو القائل عندما طُلب منه مبايعة يزيد: «نبايع مَن يلعب بالقرود والكلاب، ويشرب الخمر، ويُظهر الفسوق، ما حجّتنا عند الله؟!»[264].
و«لمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد، فأرسل إلى عبد الله بن عمر مائة ألف درهم فقبلها، فلمّا ذكر البيعة ليزيد، قال ابن عمر: هذا أراد، إنّ ديني ـ إذن ـ علي لرخيص. وامتنع»[265].
هذه الكلمات تدلّ بوضوح على نقطتين:
الأُولى: موقف ابن عمر من الناحية الشرعية المناوئ ليزيد، حيث يعتبر يزيد طاغوتاً ومواجهته مشروعة.
الثانية: مخالفته لخروج الحسين× وموافقته ليزيد فيما بعد، فإنّ هذا الموقف منه يدلّ على تسويات تمّت وراء الكواليس بفضل الهدايا والصِّلات، وافتقاره لأيّة قيمة دينية واجتهادية.
4ـ إنّ اتّهام الحسين× بطلب الجاه والسلطة لا يتّفق والصورة التي عكسها أهل السنة عنه×، فقد ذكروا في مروياتهم أنّه× كان يصلّي ألف ركعة في اليوم[266].
وقد وصفه ابن الزبير بقوله: «أما والله، لقد قتلوه، طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه، أما والله، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء والملاهي، ولا بالبكاء من خشية الله اللغو والحداء، ولا بالصيام شرب المدام وأكل الحرام، ولا بالجلوس في حلق الذكر طلب الصيد»[267].
وفضلاً عن ذلك، فإنّ ما توهّمه الخضري ينقضه ما ثبت من أنّ الحسين× خرج من مكة برفقة رجالٍ لا يتجاوز عددهم الثمانين، ومثل هذا العدد لا يكفي للخروج على مدينة، فكيف بدولةٍ مترامية الأطراف، كما أنّه لم يحاول أن يستكثر من الأعوان، فحينما بلغه مقتل مسلم بن عقيل أعلن صراحةً لمَن معه، قال لهم: خذلتنا شيعتنا، فمَن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج، وليس عليه منّا ذمام. فتفرّق عنه الناس يميناً وشمالاً حتى بقي فيمَن معه من مكة.
إنّ الحسين بن علي× منزّه عن تلك التُّهم، لا لمكانته القريبة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) فحسب، بل لتنبّؤات النبي(صلى الله عليه وآله) بشأن حادثة عاشوراء ودعوة المسلمين إلى نصرته[268].
من جملة متبنّيات تلك النظرة هي افتقار ثورة كربلاء للعقلانية اللازمة، وعدم إدراك الظروف الاجتماعية والسياسية والقبلية للمسلمين، لا سيما أهل الكوفة، وغياب الإخلاص في صفوفهم تجاه مبادئ الثورة.
إنّ أتباع هذه النظرة أشاروا إلى أنّ الإمام× لم يولِ اهتماماً لنصائح الصحابة، ولم يأخذ العِبَر ممّا آل إليه أمير المؤمنين× والإمام الحسن×.
لا شكّ أنّ المنازعة على الخلافة أمرٌ بعيد عن الصواب؛ ذلك لأنّ التأمّل في كلمات الحسين× وردود فعله تجاه تلك النصائح، وخطبه التي ألقاها منذ ابتداء سيره من مكة إلى كربلاء، تدلّ على أنّ قائد ثورة عاشوراء قد نظر إلى القضايا بوعيٍ أشمل، ومعرفةٍ أعمق من معرفة الناصحين له، وعلى هذا الأساس شرع بحركته التاريخية الخالدة، من هنا فهذه النظرة مجانبة للواقع[269].
1ـ «لم يغتَر الحسين بأهل الكوفة، وذلك:
أوّلاً: كان على علمٍ تامٍّ بطبيعتهم، وسبق أن حذّر أخاه محمد بن الحنفية من الانخداع بهم، فلم يكن خروجه إليهم لثقته فيهم أو اعتماده عليهم في إخراج الأمر من يزيد، وإنّما كان اضطراراً تفادياً للخطر الذي يتهدّده، وحرصاً على حرمة البيت الحرام أن تُهدر قدسيتها.
ثانياً: إنّ الحسين لم يُفاجأ بعد وصوله كربلاء بنقض أهل الكوفة لعهدهم وانحيازهم إلى ابن زياد، فقد بلغه كلّ ذلك وهو في منتصف الطريق، وكان على علمٍ به قبل وصوله بأيّام، فقد أخبر به مَن معه وأذن لهم بالانصراف عنه دون حرج، واستمرّ بعد ذلك في طريقه، وليس معه سوى الحفنة التي صحبته من مكة، فدلّ ذلك أنّه لم يخرج اعتماداً على أهل الكوفة، أو اغتراراً بوعودهم»[270]. وكان× يقول لناصحيه: «يا عبد الله، إنّه ليس يخفى عليّ ما رأيتَ، ولكن الله لا يُغلب على أمره»[271].
ولهذا السبب لم ينبس× ببنت شفة عن انتصار حركته، وعن توزيع المناصب، وتجهيز جيش، ولم يتجاهل سطوة يزيد، ولم يخطو خطوات نحو بذل الوعود للناس، بل كان يقول: «أما والله، إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا، قُتلنا أم ظفرنا»[272].
فلو كان هدفه الانتصار العسكري من خلال الاعتماد على أهل الكوفة والاستيلاء على زمام الأمور، لكان بمجرد سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل والتغير المفاجئ لمواقف أهل الكوفة والذي يصبّ في صالح يزيد وعبيد الله بن زياد، لكان كلّ ذلك يضعف إرادة الإمام× وعزيمته على المضي في نهضته الإصلاحية، بينما نجد أنّ هذا الخبر لم يُوهن عزمه على التصدّي للظلم اليزيدي فحسب، بل مضى بإرادة صلبة، وواصل مسيره نحو العراق. وعليه؛ إنّ الزعم بأنّ الحسين× استهدف من خروجه تقويض دعائم حكم يزيد هو زعمٌ فاسد، مصدره الجهل بمجريات الأُمور أو غشاوة حالت دون رؤية الحقيقة والنور.
2ـ إلى جانب كلّ ذلك، كان للحسين× نظرةٌ ثاقبة وفهم عميق للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع، وأدلّ على ذلك هو أنّ الوليد بن عقبة والي المدينة بعث إلى الحسين× وعبد الله بن الزبير بعد هلاك معاوية، «فقال عبد الله بن الزبير للحسين: ظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها، فقال حسين: قد ظننت أرى طاغيتهم قد هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر»[273].
3 ـ إنّ تكهّنات الإمام× بعزم بني أُميّة على قتله ـ وخلافاً لوجهات النظر الأُخرى ـ تدلّ على وعيه العميق بالمستقبل، ونظرته الفاحصة لقضايا المجتمع ومسائله السياسية، كما دلّت وقائع التاريخ على أنّ قضية قتل الحسين× لم تكن متوقّعة حتى لدى بعض أُمراء جند يزيد حتى آخر اللحظات، ولكنّ الإمام× قد توقّع ذلك منذ البداية، من خلال التأمّل في أهداف وبرامج بني أُميّة، وهذا الأمر وخلافاً لتوقّعات الآخرين جاء وفقاً لتكهّنات الإمام الحسين×.
ذهب بعض علماء السنة والجماعة إلى أنّ الظروف ليست سانحة لمثل هذه الحركة بعد نقلهم لمواقف الصحابة ـ مثل: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن العباس ـ الداعية إلى ثني الإمام× عن سيره نحو العراق وتحذيره من مغبة القيام بوجه يزيد، ثمّ وصلوا إلى قناعةٍ هي أنّ السبط الشهيد× كان قد أُسندت إليه مهمّةٌ خاصّة مع الأخذ بنظر الاعتبار شخصيته العلمية والاجتماعية والدينية المرموقة، واطّلاعه الواسع بمجريات الأُمور، لا سيما وضع أهل الكوفة، وقد أُلهم ذلك من رؤيا رآها عن النبي(صلى الله عليه وآله) يأمره فيها بالخروج إلى العراق، فقد كتب إلى عبد الله بن جعفر يقول:
«أمّا بعدُ، فإنّ كتابك ورد عليَّ فقرأته وفهمت ما ذكرت، وأُعلمك أنّي رأيت جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في منامي، فخبّرني بأمرٍ وأنا ماضٍ له، لي كان أو عليّ، والله، يا بن عمّي، لو كنتُ في جحر هامّةٍ من هوام الأرض لاستخرجوني ويقتلوني، والله يا بن عمي، ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود على السبت»[274].
ويذهب أصحاب هذه النظرة إلى أنّ لثورة الحسين بن علي× منطقها الخاصّ، ومن هذا الباب قام بها، رغم افتقارها إلى التبرير أو المنطق الذي يمكن على ضوئه الدفاع عنها، وممَّن ذهب إلى ذلك محمد عزة دروزة[275]، وإبراهيم علي شعوط[276].
انطلقت هذه النظرة من حديث ورد فيه أنّ الحسين× قال: «إنّي رأيت جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في منامي فخبّرني بأمرٍ وأنا ماضٍ له، لي كان أو عليّ»[277]، ومثله أنّ الحسين× قال لأخيه محمد بن الحنفية: «أتاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين، اخرج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً، فقال محمد بن الحنفية: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ قال: فقال لي: إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا»[278].
لا تخلو هذه النظرة من إشكالات، ولا يمكن أن تكشف عن فلسفة ثورة كربلاء، ولا أن تكون معياراً لتقييم تلك الثورة ومعرفة أبعادها؛ وذلك:
أوّلاً: ثمّة استفسارات عديدة تحوم حول ثورة كربلاء والنهضة التاريخية لأبي الأحرار الحسين بن علي× دون إجابة، ويمكن الإشارة إلى الاستفسارات التالية، وهي إذا كانت فلسفة الثورة الحسينية ورؤيا الإمام الحسين× هي ما أشارت إليه تلك النظرة:
ـ فلماذا لم يمكث الإمام× في المدينة ولم يرتضِ قتله وأسر عياله فيها؟
ـ لماذا لم يقم في مكة مدّة أطول ويرضى بقتله وأسر عياله فيها؟
ـ لماذا سار إلى الكوفة؟ وكيف يمكن تبرير سيره نحوها بدعوة من أهلها؟
ثانياً: إنّ الروايات المذكورة لم ترد في المصادر المتقدّمة والمعتبرة لدى أهل السنة، ولا أثر لها في روايات الطبري عن أبي مخنف الأزدي، ولم ترد في مصادر مثل الفتوح لابن أعثم الكوفي، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، والإرشاد، ومقتل الخوارزمي، ولهذا السبب لا يمكن الركون إلى اعتبارها، وفي صورة وجود مثل هذه الأخبار في المصادر التاريخية والحديثية، فإنّها لا تصمد أمام كلمات الحسين× وخطبه وكتبه التي أوضح فيها معالم ثورته وأسباب حركته التاريخية الكبرى.
ثالثاً: إضافةً إلى خطب الحسين× وكتبه التي وردت في مصادر أهل السنة، والتي أوضح فيها فلسفة ثورته، فإنّ ثمّة كلمات أُخرى وردت على لسانه، تلخّص فلسفة حركته نحو الشهادة، وأنّه تكليفٌ خاصّ موجّه له لا تنسجم مع تلك الكلمات، أليس الخضوع للجبر واختصاص هذه المهمّة به يسلب نموذجيتها وكونها أُسوة يُحتذى بها؟!
رابعاً: إنّ قبول تعلّق إرادة الله باستشهاد الحسين× وأسر عياله لا يخالف الفلسفة السياسية والدينية والاجتماعية لثورة كربلاء، ويمكن عرض تلك الإرادة كجزء من الفلسفة المذكورة في إطار الظروف الدينية والسياسية والاجتماعية، وفي الواقع فإنّ الأبعاد المختلفة لفلسفة تلك النهضة يمكن لها وضع تفسير منطقي وهادف للتقدير الإلهي، ومن خلال ضمّ سائر الوثائق التاريخية والمأثورة عن الإمام× إليها تتّضح بشكلٍ أفضل أبعاد الفلسفة الشمولية لنهضة عاشوراء.
لم يتحرّ بعض علماء أهل السنة الدقّة حين الحديث عن فلسفة ثورة كربلاء لمّا حصروا نطاقها في ردود الفعل حيال رفض مبايعة يزيد والنزول على حكم عبيد الله، على الرغم من عدم ابتعادهم عن جادّة الصواب حينما تحدّثوا عن شخصية الإمام الحسين×، وخصوصيات يزيد وسجلّه الأسود وعدم أهليته للخلافة، ولا يخلو كلامهم في هذا السياق من إبهام.
إنّ النكتة التي ينبغي أن لا تبتعد عن الأذهان أنّ هؤلاء عقدوا اختزال فلسفة ثورة كربلاء في رفض المبايعة ليزيد بصورة مباشرة أو غير مباشرة بندم يزيد وحزنه وإحسانه لأُسارى كربلاء، مستهدفين من وراء ذلك الإشارة إلى عدم رضى يزيد بما جرى في كربلاء، وأنّ العداوة للحسين× لم تبلغ الحدّ الذي جرى عليه في كربلاء، وبالطبع فقد كرّسوا طلب الحسين× بالأمان والصلح دعماً لوجهة نظرهم.
كما ذهبوا إلى الاعتقاد بأنّ الحسين× حمل دعوة أهل الكوفة محمل الجد، وركن إليها لما سار إلى الكوفة، بيد أنّه بعد استشهاد مسلم بن عقيل سفيره وابن عمِّه في الكوفة طرأ تغيير في موقفه من خلال:
ـ العودة إلى المدينة.
ـ اللجوء إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين.
ـ مبايعة يزيد لا النزول على حكم ابن زياد.
وقد فرض ابن زياد على الإمام× الحرب التي لا مفرّ منها إلّا بالتسليم، إلّا أنّ الإمام× لم يرضخ لهذا الذلّ، ورفض مدّ يد البيعة والتسليم لابن زياد.
هذا إلى جانب أنّ حفنةً من أهل السنة نوّهت بالقرابة التي أشار إليها يزيد بين بني هاشم وبني أُميّة، عبر نقل تقارير لا أصل لها من بعض المصادر، ورد فيها حسن معاملة يزيد للأسرى، وحزنه على الحسين×، واعتبرت ذلك دليلاً آخر على ذلك الزعم، وهو أنّ فلسفة عاشوراء تلخّصت في رفض الإمام× مبايعة ابن زياد، وتشدّد موقف ابن زياد.
من هنا فقد دعا يزيد على ابن زياد، وفي الواقع فإنّ الحسين× إذا كان قد بايع ابن زياد أو اكتفى ابن زياد ببيعة الإمام× ليزيد دونه لما حدثت فاجعة كربلاء، ولما شهد يوم عاشوراء عام (61هـ) تلك الحماسة الخالدة[279].
تبتني هذه النظرة على ثلاثة عناصر، هي:
الاعتماد على أهل الكوفة، مبايعة الحسين× ليزيد، وعدم رضى يزيد بقتل الحسين× وإبداء حزنه في هذا الصدد وحسن معاملته مع أسرى فاجعة كربلاء.
ويُستخلص من التأمّل في المصادر التاريخية زيف تلك العناصر الثلاثة، وبالتالي تقويض دعائم هذه النظرة وتعريتها من أيّة قيمةٍ علمية.
الأوّل: كما تقدّم فإنّ الإمام× أدرى من غيره بأهل الكوفة وغدرهم، كيف وقد بلغ نقضهم للعهود من الشهرة بمكان لم يكن خفياً، وعليه فمن البعيد أن تبتني فلسفة ثورة كربلاء على أكتاف أهل الكوفة ودعوتهم.
الثاني: إنّ الاقتراح المزعوم بقبول الإمام الحسين× مبايعة يزيد قد أبطله معظم المؤرِّخين، فقد نقل الطبري عن عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان، قال: «صحبت حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق، ولم أُفارقه حتى قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكره إلى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّروه إلى ثغرٍ من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس»[280].
وهذا الأمر أدّى بأبي بكر بن العربي ومحمد عزة دروزة إلى الاعتراف بهذه الحقيقة، وهي أنّه من الثابت أنّ الحسين× رفض مبايعة يزيد ولم يساوم على هذا الموقف البتة.
الثالث: إنّ حزن يزيد وندمه لم يكن سوى تظاهر وخداع، وقد صرّح مؤرِّخو أهل السنة أنّ يزيد أخذ ينكت الرأس الشريف بقضيبٍ في يده، وكاد أن يبيع بنات الإمام× ويهديهنّ، إلّا أنّه في ظلّ ما قام به الأسرى خاصّةً الإمام السجاد× وعمّته السيدة زينب‘ انتبه أهل الشام من غفلتهم، وتبدّل المشهد إلى غضب عارم ضدّ يزيد وطغمته، وأرغم على التظاهر بالحزن والألم والندم [281].
من الانحرافات التى وجدت طريقها إلى بعض المصادر التاريخية لأهل السنة، هي طلب بني عقيل الثأر لمسلم بن عقيل بموافقة الحسين بن علي×، فقد أورد الطبري في بعض ممّا نقله من الحوادث والأخبار المتعلِّقة بسفر الإمام× إلى العراق: «قال بكير بن المثعبة: لم أخرج من الكوفة حتى قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، فرأيتهما يجرّان بأرجلهما في السوق... فقال الحسين: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رحمة الله عليهما، فردّد ذلك مراراً... فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب وقالوا: لا والله، لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أخونا. فنظر الحسين وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء. قال الراوي: فعلمنا أنّه قد عزم له رأيه على المسير»[282].
هذه النظرة وبحسب معتقدات علماء السنة أوهن من أن تجذب نحوها الأنظار، وأن يركن إلى أخبارها؛ ذلك لأنّها تبتني على أخذ الثأر والحقد الشخصي، وأنّ الإمام× نزل عند رغبة بني عقيل مُطلِقاً نداء الانتقام، في الوقت الذي لم تتوفّر فيه الظروف المناسبة لأخذ الثأر؛ وذلك:
أوّلاً:
ورد في المصادر الأُولى لأهل السنةـ
وكما تقدّم ـ أنّ الحسين× من
أهل بيت النبوة الذي قال عنهم ربُّ العزّة والجلالة: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[283]،
كما وردت أحاديث نبوية في أنّ الحسين× سبط من الأسباط، وسيّد شباب أهل الجنة، وأنّه
بضعةٌ منّي، ومَن أحبّ حسيناً فقد أحبّني، لذلك فهل من المعقول أن تكون ثورته
واستشهاده وأسر ذويه بداعي الانتقام وأخذ الثأر؟!
ثانياً: لم تصرّح المصادر التي بين أيدينا بتردّد الحسين× أو وهنه أبان سيره نحو الكوفة، كي يكون استشهاد مسلم بن عقيل سبباً للمضي بعزم واستئناف المسير، بل كانت له أهداف واضحة وعزيمة راسخة منذ بداية مسيره إلى الكوفة، ولم يبدِ أي شك أو تردّد أبداً لا في مكة ولا عند وصوله كربلاء وحتى عاشوراء، بل كان راسخ العزيمة ثابت الشكيمة.
ثالثاً: إنّ نسبة أخذ الثأر للحسين بن علي× إضافةً إلى ما يعتريها من شبهة عقدية ودينية فإنّها تتضمّن شبهة عقلية، وهي غياب الشروط المناسبة لأخذ الثأر والانتقام؛ ذلك لأنّ وصول نبأ استشهاد مسلم بن عقيل قد كشف النقاب عن عدم وفاء أهل الكوفة وغدرهم وخيانتهم، ممّا أدّى إلى حصول اطمئنان لدى عامّة الناس بتراجع نسبة النجاح في هذه الثورة، ومع وجود هذا الاطمئنان حول الظروف غير السانحة والتنبؤ بفشلها، فكيف يمكن في ظلِّ تلك الظروف القاهرة الحديث عن أخذ الثأر؟ وهل لأخذ الثأر في تلك الظروف مفهوماً سوى الانتحار؟ وهل يمكن تصور صدور مثل هذا الموقف من جانب قائد خبير وبصير كالحسين×، مع ما يتمتّع به من مكانة مرموقة؟
رابعاً: إنّ هذه النظرة لا تتّفق مع مواقف الإمام× وأقواله وخطبه في مواطن عديدة؛ ذلك لأنّه كشف في تلك الخطب والأقوال أهداف وفلسفة نهضة عاشوراء للجميع وللتاريخ، ولم يشِر فيها قط إلى الثأر لدم مسلم بن عقيل.
وإذا كان الانتقام لدم مسلم بن عقيل عاملاً أساسياً أو أحد عوامل ثورة كربلاء، فلا بدّ من جعله في أولويات أهداف الثورة التي نادى بها الإمام×، وإعلان ذلك على لسانه أو لسان أحد أصحابه في يوم عاشوراء وضبطه في التاريخ.
على الرغم من أنّ بعض علماء أهل السنة قد صرّحوا باكتناف فلسفة ثورة عاشوراء الغموض، أو خلوها من أية مصلحة دينية ودنيوية، إلّا أنّهم عادوا وطرحوا ـ مباشرة أو إيماءً ـ فلسفتها، وأنّها انطلقت تلبيةً لدعوة أهل الكوفة بهدف استنهاض هممهم للإطاحة بأركان الجور والتعسّف المتمثّلة بيزيد وطغمته، والاستيلاء على مقاليد الحكم.
وفي النتيجة، تنكشف فلسفة ثورته× من معظم الكلمات والخطب التي ألقاها الإمام× وأصحابه، التي ذكرتها أُمّهات مصادر أهل السنة كتاريخ الطبري، وتاريخ اليعقوبي، وآثار المسعودي، وابن أعثم الكوفي، وأبي فرج الأصبهاني، وابن الجوزي، والخوارزمي، وسائر المصادر، ومَن ادّعى الإبهام والغموض فيها فهذا ينمّ عن عدم وعيه أو جهله المطبق بتلك الحادثة.
من الآراء المطروحة حول فلسفة ثورة كربلاء في أوساط أهل السنة لا سيما المثقفين منهم، هو أنّ ثورة عاشوراء قامت ضدّ طبقة ثرية وظالمة، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق مصالح الطبقة المعدومة.
وقد أبدى المجدّدون من أهل السنة ـ خاصّةً في القرن الأخير ـ تحليلاً لهذه الواقعة المهمّة، انطلاقاً من تأثّرهم بالأفكار الشيوعية والاشتراكية، حيث قاموا بتحليلها إلى مواجهة بين طبقة حاكمة وأُخرى محكومة، وطبقة متموّلة وأُخرى معدومة، وطبقة ظالمة وأُخرى مظلومة، قبل أن ينظروا إليها نظرةً دينية، استناداً إلى المباني الإسلامية، وأنّها حركة ناضلت من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وقد كتب أحد المحقّقين في هذا الصدد، يقول: «وجد في أوساط أهل السنة من الكُتّاب الجدد، الذين وضعوا صورة مقبولة قابلة للتأمّل عن نهضة أبي الأحرار، والاعتقاد السائد بينهم أنّ حركة الحسين× ليست حادثة مقطعية صغيرة، بل إنّ عاشوراء هي مواجهة الطبقات المحرومة والمظلومة ضد الطبقات الثرية والظالمة، فتلك الثورة هي في الواقع نضال طبقي تدعو إلى تحرير المحرومين من جور طبقة مستثمرة رأسمالية»[284].
وقد مال إلى هذا الاتجاه محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وطه حسين، ومحمد كامل البنا، وخالد محمد خالد، وسيد علي جلال الحسيني، ومحمد الغزالي، وآخرون، ونظروا إلى هذه الثورة من البوابة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، واعتبار ثورة كربلاء حركة الفقراء ضدّ الأثرياء، أو حركة الطبقة السفلى ضدّ الطبقة العليا.
من الطبيعي أنّ التفسير المادّي والاقتصادي البحت للنهضة الحسينية بعيدٌ عن الإنصاف، ولا ينسجم مع أهداف النهضة والواقع التاريخي والاجتماعي السائد آنذاك؛ ذلك لأنّ:
أ ـ قيادة هذه الثورة تأبى أن تُلطّخ أهدافها النبيلة بقضايا مادّية واقتصادية، بل كان الحسين× مثالاً أعلى في الزهد والطهارة والتقوى، على الرغم من أنّ العدالة الاجتماعية والاقتصادية كانت تشكّل أحد أهدافه الرئيسة، لكن ليس بمقدورها أن تكون حافزاً لثورته، ولم تكن الكوفة أكثر فقراً واستضعافاً من سائر المدن، كالبصرة ومكة وخراسان وسيستان ومصر، من هنا فهذه النظرة تفتقر إلى سندٍ تاريخي.
ب ـ إنّ الموافقين لهذا الرأي لم يأخذوا في الحسبان رسائل الإمام× وأصحابه وخطبهم وكتبهم، حيث لم ترد فيها أيّة إشارة إلى موضوع النضال الطبقي والاقتصادي، وعليه فلا تعضد هذا الرأي الوثائق والأسانيد التاريخية، ممّا يحطّ من قيمته العلمية.
ج ـ ومع كلّ ذلك، لايمكن إبعاد مسألة العدالة عن فلسفة نهضة كربلاء، وربّما تكون من جملة القيم التي نادى الإمام× بإحيائها فيما لو تحقّقت الأهداف العليا والمنشودة لتلك النهضة، بما في ذلك سيادة العدالة الاجتماعية، والتخلّص من براثن نظام قطبية الظالم.
فلسفة ثورة كربلاء من منظار الإمام الحسين (عليه السلام)
يمكن استخلاص أهداف عديدة، وفلسفة شمولية لهذه الثورة التاريخية الكبرى، كفيلةٌ بتجاوز الشبهات والاستفسارات المتعلّقة بها، من خلال دراسة كلمات الحسين× في مصادر أهل السنة.
تعدّ ثورة كربلاء من أهمّ الظواهر الاجتماعية، ولها أبعاد مختلفة كسائر الظواهر الاجتماعية؛ إذ تنطوي على فلسفة شمولية، وبالتأكيد فإنّ تجاهل هذه الشمولية والتركيز على بعدٍ واحد، يعدّ أكبر عائق يحول دون فهم فلسفة تلك الثورة، هذا إلى جانب أنّ الاقتصار على الشمولية وملاحظة مختلف جوانبها لا يكشف تمام الحقيقة، بل الأهمّ من ذلك هو إعطاء السهم المناسب لكلٍّ حسب استحقاقه.
وعلى أيّة حال، فقد كشف الحسين× النقاب عن فلسفة خروجه في كلماته، والبعد الذي أكّد عليه من بين سائر الأبعاد هو أداء التكليف الإلهي والواجب الديني، وقد صرّح بذلك عند جوابه لعبد الله بن جعفر، حيث قال: «وأمرت بأمرٍ وأنا ماضٍ له»[285]، وعندما صادف عسكر الحر بن يزيد في مسيره من مكة إلى الكوفة وحمله على تغيير وجهة سيره، خاطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها الناس، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري»[286].
ثمّ إنّه× في أثناء سيره قام بذي حسم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، واستمرت جدّاً، فلم يبقَ منها إلّا صبابةٌ كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحق لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[287].
وقد بيّن الحسين× في الخطبة الأُولى أسباب مختلفة لثورته، كما عدّ مشكلات مجتمعه المتعاظمة ومعضلاتها المتفاقمة، وفي الواقع فقد فرض عليه الواجب الإلهي والتكليف الديني مجابهة:
ـ الحاكم الظالم.
ـ تفشّي الحرام والبدعة.
ـ نقض العهود والمواثيق الإلهية.
ـ الجور والتعسّف ضدّ الناس.
ـ إماتة السنّة.
وتطرق في خطبته الأُخرى إلى:
ـ ترك العمل بالحقّ.
ـ ترك التناهي عن الباطل.
والواجب يحتّم على كلّ مؤمن الجهاد والاستعداد للتضحية؛ ذلك لأنّ الحياة مع الظالمين ليست إلّا ذلّاً، والموت في سبيل مكافحة الباطل ليس إلّا سعادة.
وقد صرّح الإمام× ـ كما تقدّم ـ بأهداف نهضته في كلماته، ولم ترد فيها إشارة إلى دعوة أهل الكوفة، إنّما ذكرت حين خطاب عسكر يزيد، وبعد أن شاهد نقض العهد قال: «قد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور مَن اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم»[288].
والحاصل يمكن من خلال دراسة كلمات وخطب الحسين× قائد هذه الثورة التاريخية العظيمة تشطير فلسفتها إلى شطرين:
أسباب رئيسة متمثّلة في عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب تعجيل.
أ ـ الأسباب الرئيسة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
كان أهمّ أهداف وفلسفة عاشوراء هو إجراء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمنكر المتمثّل في النظام السياسي الفاسد لا بدّ من تقويضه، باعتباره من أهمّ أولويات وأهداف تلك النهضة، وبالتأكيد لم يكن تحقيق ذلك بمستبعد، خاصّةً فيما لو تكاتف أهل الكوفة على هذا الهدف، بيد أنّ نقضهم العهود لم يغيّر من سلّم الأولويات شيئاً، فقد استهدف الإمام× الواجهة الدينية لذلك النظام الفاسد وشعار خلافته لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، من خلال تضحيته وأصحابه، وتيسّر له إيصال رسالته إلى المسلمين عامّة، وهي عدم جدارة يزيد لتولّي مسند الخلافة، وأنّ التبعية له تبعية للشيطان، والاجتناب عن طاعته طاعة للرحمن، وقد خطى الإمام× الخطوة الأُولى نحو الإطاحة بالنظام اليزيدي والخلافة الأُموية، وتحدّى من خلال نهضته الحماسية الواعية الخلفيات العقائدية والشرعية ليزيد والخوف والجهل والانهزام المتفشّي بين الناس.
من الطبيعي أنّ الإمام× كان يملك برنامجاً بعد الإطاحة بالنظام الأُموي، وكان قد طرح إقامة خلافة أهل البيت^ على أنقاض الحكم الأُموي، حيث كان يقول: «ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء، المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان»[289].
فكان برنامجه الحكومي المقترح المتجسّد بخصوصيات أهل البيت^ بديلاً للنظام الأُموي التعسّفي، أي أنّ وضع الولي العادل بدل السلطان الجائر كان على رأس الأولويات والبرامج والسياسات.
كان الحسين× بصدد إحياء الدين عبر إجراء الأحكام الإلهية، ودحر خط الشيطان والسياسات المنبثقة منه، وحاول إرساء دعائم ثورته على تلك الأهداف في مقابل نظام بني أُميّة، والميل نحو الشيطان والإعراض عن الرحمن.
لقد تفشّى الفساد في النظام الأُموي، والدائرين في فلكه مظهرين له، ممّا جعل الإمام× ينادي أثر ذلك بالإصلاح الذي يعدّ ركيزة أساسية في فلسفة ثورته، كي يسود النظام شؤون المجتمع، ويبتعد عن الفساد الاقتصادي والسياسي والثقافي.
4 ـ الالتزام بالمواثيق الإلهية
إنّ الله سبحانه بعث الأنبياء ـ خاصّةً رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ ليأخذ على البشر المواثيق والعهود، والعمل بعهود الله والالتزام بالتوحيد الإلهي، ونفي الشرك، وإجراء العدالة، والاجتناب عن الظلم والجور والتعسّف والتمييز.
كان للنبي(صلى الله عليه وآله) سيرة وسنة واضحة في قيادة الأُمّة الإسلامية وتبليغ الدين، لكن للأسف اعتراها النسيان تدريجاً بعد وفاته، حتى بلغ الأمر في عهد يزيد أنّه لا نشاهد أي أثر لتلك السنة في الحاكم الإسلامي أو ولاته، والمسلمون آنذاك أيضاً قد ابتعدوا عنها وعن قيمها، وفي هذا الخضم بذل الإمام× الجهد لإحياء تلك السنة، وتطبيق سيرة رسول الله’ كعنصر من عناصر فلسفة ثورته، كيف لا وهو ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وخليفته في الدين والعلم.
عُطّلت الحدود الإلهية أبان حكم يزيد، ممّا حدا بالإمام× إلى جعل إجراء الحدود الإلهية من أهداف ثورته، وفقاً للنصّ القرآني الصريح (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)[290]، إذ لا يستقرّ الأمن إلّا في ظلّه.
كان الحسين× يعتقد أنّ التفضيل في الفيء، والتمييز في بيت المال من النقاط السوداء والمنكرة في الحكم الأُموي ويزيد، من هنا فقد نادت نهضة عاشوراء بتحقيق العدالة، ورفض النظام الاستعماري الطبقي الفاسد، ومقت العبودية والتمييز العنصري، وعلى ضوء هذه المسؤولية الكبرى ناهض الحسين× جور الأُمويين، وناجز مخطّطاتهم الهادفة إلى استعباد الأُمّة وإذلالها ونهب ثرواتها.
كان من خصوصيات حكم يزيد تحليل الحرام وتحريم الحلال من جهة، وبث روح الانهزام بين الناس في ظلّ نظام ظالم قمعي وسلطان جائر من جهةٍ أُخرى، وقد أصرّ الإمام× حتى آخر لحظة من حياته على ردّ المفاسد والمنكرات، ونشر ثقافة الشهادة بهدف مكافحتها، وقام أسرى آل محمد’ بمواصلة نشر وتبليغ تلك الثقافة وتكريسها على أحسن ما يرام، ولم تكن مبايعة يزيد تنسجم مع تلك الأهداف؛ لذا كانت الإطاحة به أو الاستشهاد في هذا السبيل من جملة أهمّ أهداف الإمام×.
1 ـ كان طلب يزيد من عامله الوليد بن عقبة أخذ البيعة من الحسين× عنوةً من أسباب تعجيل الثورة واختزال زمن وقوعها.
2 ـ كانت دعوة أهل الكوفة للحسين× من الأسباب التي عجّلت في تلك الثورة، ولم تكن هذه الدعوة الأُولى من نوعها، فقد دعوه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، وكان× يأبى، ولو كانت تلك الدعوة من الأسباب المصيرية لأُعلنت الثورة منذ ذاك الحين، ولمّا بويع يزيد عزم الإمام× على المسير إليهم، وجعل الكوفة مسرحاً لثورته، وقد لعبت تلك الدعوة دوراً مؤثّراً في تعجيل وقائع الثورة.
من الموضوعات المطروحة في أوساط أهل السنة هي إدانة أو براءة يزيد بن معاوية في مسألة شهادة الحسين× وفاجعة كربلاء، وقد بذلت ثلّة من أهل السنة الجهد وبأساليب مختلفة من أجل تنصيع صورة يزيد وإثبات فقاهته وعدالته وديانته، وقد دعاها هذا الأمر إلى إنكار أي دور ليزيد في شهادة الحسين× وأصحابه.
لعلّ أوّل مَن تردّد من أهل السنة إزاء دور يزيد في شهادة الإمام الحسين× وأصحابه هو أبو حامد محمد الغزالي، حيث اتخذ موقفاً صريحاً إزاء لعن يزيد، قائلاً: «فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنّه قاتل الحسين أو آمر به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلاً، فلا يجوز أن يقال: إنّه قتله أو أمر به ما لم يثبت فضلاً عن اللعنة»[291].
وقد وردت كلمات تصرّح ببراءة يزيد من دم الحسين×: «يُروى أنّ يزيد دمعت عيناه لمّا حمل إليه رأس الحسين، وقال لحامله: أما والله، لو أنّي صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين، أما والله، يا حسين، لو أنا صاحبك ما قتلتك... وذكر الطبري أنّه لمّا دخل على ابن زياد عشاءً آل الحسين أمر لهم بمنزل، وأجرى عليهم رزقاً، وأمر لهم بنفقة وكسوة، ثمّ سيّرهم إلى يزيد»[292].
كما التزم محمد عزة دروزة ببراءة يزيد حينما قال: «إنّه ليس هناك ما يبرّر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله فضلاً عن قتله، وكلّ ما أمر به أن يُحاط به ولا يُقاتل إلّا إذا قاتل، ومثل هذا القول يصحّ بالنسبة لعبيد الله بن زياد، فكلّ ما أمر به أن يُحاط به ولا يُقاتل إلّا إذا قاتل، وأن يُؤتى به إليه ليضع يده في يده، أو يبايع يزيد صاحب البيعة الشرعية، بل إنّ هذا ليصحّ قوله بالنسبة لأُمراء القوات التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال، فإنّهم ظلّوا ملتزمين ما أمروا به، بل كانوا يرغبون أشدّ الرغبة في أن يعاقبهم الله من الابتلاء بقتاله فضلاً عن قتله، ويبذلون جهدهم في إقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد، فإذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون، وقاوم بالقوة، فمقابلته وقتاله صار من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغاً»[293].
يمكن الإجابة عن شبهة براءة يزيد وعبيد الله بن زياد من جريمة كربلاء من زاويتين:
الزاوية الأُولى: هل ليزيد اليد الطولى في قتل الإمام الحسين×؟
الزاوية الثانية: كيفية معاملة يزيد وأُمراء جنده مع عيال الحسين× في الكوفة والشام، وإليك التفصيل:
الأُولى: يتّضح من خلال مراجعة التاريخ وكلمات علماء أهل السنة، أنّ إدانة يزيد بفاجعة كربلاء ممّا لا غبار عليه، وقد بلغت تفاصيل حوادث كربلاء من التواتر بمكان لا يجاريه قبول الغزالي بتواتر قتل ابن ملجم الإمام علي× وقتل أبي لؤلؤة عمر[294].
إنّ المصادر التاريخية ـ وكما تقدّم ـ لايساورها أي تردّد حيال ارتكاب يزيد جريمة قتل الحسين× وأصحابه، وقد كتب اليعقوبي عن هلاك معاوية واعتلاء يزيد العرش، يقول: «كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وهو عامل المدينة ـ: إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمَن امتنع فأنفذ فيه الحكم، وفي الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، والسلام»[295].
وقد نقل حوار الحسين× مع الوليد والي يزيد على المدينة، وردّ فعل مروان بن الحكم الذي يمكن أن نستوحي منه نصّ كتاب يزيد، وهو أمره الصريح بقتل الحسين× فيما إذا امتنع عن البيعة، لمّا قال مروان للوليد: «احبس الرجل فلا يخرج من عندك، حتى يبايع أو تضرب عنقه»[296].
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (224 ـ 310هـ)
وقد نقل الطبري حوادث استشهاد الحسين× ومجيء يزيد للحكم بنحوٍ لا يبقى معه شكٌّ في ارتكاب يزيد لتلك الجريمة، وإليك مقاطع من كلماته، والتي تعبّر عن وجهات نظره في هذا الشأن:
1ـ ما فهمه مروان والوليد من كتاب يزيد
نقل الطبري أنّه لمّا مات معاوية واعتلى يزيد الحكم، أعلن يزيد إلى الولاة موت معاوية وبداية حكمه، وأمرهم بأخذ البيعة، وفي هذا الخضم كتب إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة كتاباً جاء فيه: «فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام»[297].
هذا الكتاب رغم أنّه لم يذكر صراحة قتل الإمام الحسين×، إلّا أنّه يدلّ على جواز قتل كلّ مَن خالف بيعة يزيد، وهذا ما فهمه مروان بن الحكم أحد المقرّبين من يزيد، من هنا بعد أن رفض الإمام× مبايعة يزيد قال مروان للوليد: «والله، لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين، فقال: يا بن الزرقاء، أنت تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت... فقال مروان للوليد: عصيتني، لا والله لا يمكّنك من مثلها من نفسه أبداً، قال الوليد: وبخ غيرك يا مروان، إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله، ما أُحبّ أنّ لي ما طلعت الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها، وأنّي قتلت حسيناً، سبحان الله! أقتل حسيناً إن قال: لا أُبايع؟! والله، إنّي لا أظنّ امرأً يُحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة»[298].
بعد أن وصل إلى مسامع يزيد أنّ الوليد لم يمتثل ما أشار عليه مروان بن الحكم من أخذالبيعة من الحسين× عنوةً أو قتله، عزله ونصب محلّه عمر بن سعيد، وهذا دليلٌ آخر على إرادة يزيد قتل الحسين بن علي×[299].
3ـ الطبري ونقله تصريح الحسين×
و لقد نقل الطبري في موضع آخر ما صرّح به الحسين× عندما سأله بعض المسلمين، حيث أشار إلى أنّ يزيد لا يرضى إلّا بقتله، وإنّ الخطر بات يهدّده حتى إذا مدّ يد البيعة ليزيد، مثلما فعل أبوه معاوية عندما أبرم معاهدة الصلح مع الإمام الحسن×، إلّا أنّ هذا لم يُثنِ معاوية عن كيد الدسائس له حتى دسّ له السم وقتله[300].
وقد نقل الطبري موارد أُخرى تدلّ على أنّ يزيد استهدف من وراء التصدّي للخلافة تصفية الحسين×، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى كتاب المدح والإطراء الذي بعثه إلى ابن زياد بمناسبة قتله مسلم بن عقيل، كما أنّه حذّره من الحسين×، وأمره باتّباع سياسة صارمة تجاهه، مخوّلاً إيّاه صلاحيات واسعة[301].
وقد أشارت معظم النصائح ـ التي أسداها الصحابة إليه أمثال عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر ـ إلى تعرّضه للقتل هو وأبناؤه فيما لو أصرّ على رفض مبايعة يزيد، ومن هذا الباب حاولوا ثنيه عن المضي في مسيره[302].
5ـ قتلة الحسين× وتنفيذ أوامر يزيد
نقل الطبري أنّ جند الكوفة والشام كانوا رهن إشارة يزيد، ولا هدف لهم سوى المضي وفق إرادته، وأنّ أُمراء جنده بذلوا الطاعة له بهدف الوصول إلى مآربهم الدنيوية.
فإذا لم يكن يزيد قد أصدر أوامره بقتل الحسين×، لما ملك عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وخولي وآخرين الجرأة على تنفيذ تلك الجريمة، وقد تردّد البعض في تنفيذ أوامر يزيد رغم أوامره الصريحة، ذلك أنّهم وجدوا أنفسهم في مقابل الحقّ وإرادة الله سبحانه، وغلبتهم الحيرة في اختيار الحقّ أو الباطل والدنيا أو الآخرة، فاختاروا الدنيا ويزيد على الآخرة والحسين×، وبعد دخول أُسراء كربلاء على ابن زياد في دار الإمارة في الكوفة، قام بالإطراء على جنده لما قاموا به من نصرة يزيد، ثمّ وعدهم بالمزيد من الهبات والعطايا عند الحضور في مجلس يزيد[303].
6ـ فرح يزيد وسروره بقتل الحسين×
لقد وقع الطبري في تهافت واضح لمّا نقل تظاهر يزيد بالندم أمام الرأي العام من جهة، ولمّا نقل فرح يزيد بقتله الحسين× من جهةٍ أُخرى[304]. وكان ردّ فعله عنيفاً على أبياتٍ أنشدها يحيى بن الحكم، والتي نسب فيها جريمة كربلاء إلى ابن زياد، وأصبح بصدد تبرير قتله للحسين× وأصحابه في مجلس ضمّ أشراف الشام، وإليك نصّ ما ذكره الطبري: «لمّا وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين، قال يزيد:
يفلّقن
هاماً من رجالٍ أعزّةٍ |
فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم ـ وكان جالساً مع يزيد ـ:
لهامٌ
بجنب الطف أدنى قرابة |
فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم وقال: اسكت، ثمّ دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثمّ دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه، فأدخلوا عليه والناس ينظرون، فقال يزيد لعلي بن الحسين: أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت»[305].
علي بن الحسين المسعودي (المتوفى345هـ)
نقل المسعودي الذي يعدّ من كبار المؤرِّخين، والذي ظلّت بصماته واضحة على مَن جاء بعده من المؤرِّخين أمثال عبد الرحمن بن خلدون في مقدّمته المعروفة، فقد نقل أنواع المنكرات التي اقترفها يزيد واختياره ابن زياد لأداء مهام خاصّة، من جملتها قتل الحسين×، كما أورد فرح يزيد بقتل الحسين× قائلاً: «بعث ابن زياد إلى يزيد رأس الحسين، فوضع الرأس بين يديه فأقبل ينكت القضيب في فيه، ويقول:
نفلّق
هاماً من رجال أحبّةٍ |
فقاله له أبو برزة: ارفع قضيبك، فطالما ـ والله ـ رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يضع فمه على فمه يلثمه»[306].
أحمد بن أعثم الكوفي(المتوفى314هـ)
نقل هذا المؤرِّخ كتاب يزيد إلى الوليد بن عتبة: «أمّا بعدُ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخُذ البيعة ثانياً على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم، وذر عبد الله بن الزبير، فإنّه لن يفوتنا ولن ينجو منّا أبداً ما دام حياً، وليكن مع جوابك إليّ رأس الحسين بن علي، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل، ولك عندي الجائزة والحظّ الأوفر والنعمة واحدة، والسلام.
فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة وقرأه تعاظم ذلك، وقال: لا والله، لا يراني الله قاتل الحسين بن علي، وأنا لا أقتل ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها»[307].
كما نقل ابن أعثم دخول سبايا أهل البيت إلى مجلس يزيد بمزيد من التفصيل، قائلاً: «ثمّ أُتى بالرأس حتى وُضع بين يدي يزيد بن معاوية في طشتٍ من ذهب، فجعل ينظر إليه... ثمّ دعا بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسين وهو يقول: لقد كان أبو عبد الله حسن المنطق. فأقبل إليه أبو برزة الأسلمي، فقال له: يا يزيد، ويحك! أتنكت بقضيبك ثنايا الحسين وثغره؟! أشهد لقد رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يرشف ثناياه وثنايا أخيه، ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنة، فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعدّ له نار جهنم وساءت مصيراً، أما إنّك يا يزيد، لتجيء يوم القيامة وعبيد الله بن زياد شفيعك، ويجيء هذا ومحمد(صلى الله عليه وآله) شفيعه. قال: فغضب يزيد وأمر بإخراجه، فأخرج سحباً. وجعل يزيد يتمثّل بأبيات عبد الله بن الزبعري، وهو يقول:
ليت
أشياخي ببدر شهدوا |
ثمّ زاد فيه هذا البيت من نفسه، فقال:
لست
من عتبة إن لم أنتقم |
عز الدين بن الأثير (555 ـ 630هـ)
أشار في موارد متعدّدة إلى إدانة يزيد في فاجعة كربلاء، وصرّح مثل سائر المؤرِّخين بقتل الحسين× على يد يزيد، كما صرّح في موارد عديدة أنّ معاوية كان قد هدّد الحسين× بالقتل إذا لم يبايع يزيد، وأخيراً نفّذ يزيد ذلك في كربلاء عام (61هـ)، وقد أورد ابن الأثير: «أنّ معاوية دخل على عائشة، وقد بلغها أنّه ذكر الحسين وأصحابه، فقال: لأقتلنّهم إن لم يبايعوا. فشكاهم إليها فوعظته، وقالت له: بلغني أنّك تتهدّدهم بالقتل، فقال معاوية: هم أعزّ من ذلك، ولكنّي بايعت ليزيد وبايعه غيرهم، أفَترينَ أن أنقض بيعةً قد تمّت»[310].
وقد نقل كتابي يزيد إلى الوليد بن عتبة والي المدينة، أخبره في الكتاب الأوّل بموت معاوية، ودعاه في الثاني إلى أخذ البيعة له من الحسين بن علي×، وعبدالله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بكلّ حزمٍ وشدّة، ثمّ نقل استشارة الوليد لمروان بن الحكم، بعد أن أعرض عنه وصرمه بسبب عزله وتعيين الوليد محلّه حيث قال له مروان: «لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبسه فإن بايع وإلّا ضربت عنقه»[311]، ثمّ أورد رأي الوليد الذي نقله الطبري وآخرون، كما نقل لقاء الإمام× بالفرزدق حيث قال: «لمّا انتهى الحسين إلى الصفاح لقيه الفرزدق الشاعر، فقال له: أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحبّ، فقال له الحسين: بيّن لي خبر الناس خلفك، قال: الخبير سألت، قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أُميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء.
فقال الحسين: صدقت، لله الأمر يفعل ما يشاء وكلّ يوم ربّنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتدِ مَن كان الحقّ نيّته، والتقوى سريرته»[312].
كما أورد في موضعٍ آخر فرح يزيد بقتل الحسين×، ونكته بقضيبٍ ثنايا أبي عبد الله الحسين× وثغره، وقد أدان بهذا التقرير يزيد لقتله الحسين×[313]، وأورد جواب الوليد لمروان لمّا قال: «لا والله، لا يراني الله قاتل الحسين بن علي، وأنا لا أقتل ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها»[314].
شمس الدين الذهبي (المتوفى 748هـ)
قام شمس الدين الذهبي ببيان حادثة قتل الحسين× على يد يزيد، ثمّ أورد أخباراً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) تنبّأ فيها باستشهاده، وكان منها ما روي: «عن أنس قال: استأذن ملكٌ على النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): يا أُمّ سلمة، احفظي علينا الباب، فجاء الحسين فاقتحم وجعل يتوثّب على النبي(صلى الله عليه وآله) ورسول الله يقبّله، فقال الملك: أتحبّه؟ قال: نعم، قال: إنّ أُمّتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه، قال: نعم، فجاءه بسهلةٍ أو ترابٍ أحمر. قال ثابت: كنّا نقول: إنّها كربلاء»[315].
وقد وصف الذهبي يزيد بقوله: «كان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يُبارك في عمره»[316].
هذه النصوص التاريخية التي نقلناها عن مؤرِّخين معروفين لا تدَع مجالاً للشك بإدانة يزيد في جريمة كربلاء، وأنّ شذّاذ الآفاق من أهل الكوفة قد أقدموا على تلك الجريمة عن كرهٍ وجبر؛ لأنّهم كانوا بيادق بيد بني أُميّة لتنفيذ إرادة يزيد، وعليه، فإنّ ما ذكره مروان بن الحكم لوالي المدينة جاء وفق رغبات يزيد في كتابه الذي بعثه إليه، إلّا أنّ الوالي تذرّع بحجج أُخرى لعدم قتله الحسين×.
وقد تبع ابن خلدون ـ وكماتقدّم ـ الغزالي وابن العربي[317] فى بعض الموارد، إلّا أنّه لم يكن يرى رأيهما في براءة يزيد، بل ذهب إلى إدانته بهذه الجريمة، وعدّ ذلك من المسلّمات التاريخية، التي لا يتسرّب إليها الشك قائلاً: «ولا تقولنَِّ إنّ يزيد وإن كان فاسقاً ولم يجز هؤلاء الخروج عليه فأفعاله عندهم صحيحة، واعلم أنّه إنّما ينفذ من أعمال الفاسق ما كان مشروعاً، وقتال البغاة من شرطه أن يكون مع الإمام العادل، وهو مفقود في مسألتنا، فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد ولا ليزيد، بل هي من فعلاته المؤكّدة لفسقه، والحسين فيها شهيدٌ مثاب، وهو على حقّ واجتهاد»[318].
وقد أشار جلال الدين السيوطي وهو من علماء ومؤرِّخي أهل السنة إلى كتاب يزيد إلى واليه في العراق، وقال: «كتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله، فوجّه إليه جيشاً أربعة الآف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله.. فقُتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضاً، وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون»[319].
والحاصل: إنّ إلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على النصوص التاريخية وكلمات علماء أهل السنة حول حادثة كربلاء تكشف لنا أنّ أغلب علماء أهل السنة لم يلعنوا يزيد فحسب وكفروه، بل اعتبروه قاتلاً للحسين× وأصحابه في يوم عاشوراء عام (61هـ)، كما ذهب معظم الباحثين المعاصرين وحتى المخالفين للعن يزيد، إلى أنّ قتل الحسين× صدر بأوامر مباشرة من يزيد نفسه، إلّا أنّهم قاموا بتبرير هذه الجريمة النكراء من جهات مختلفة بهدف إبعاد تهمة الكفر عنه.
الثانية: إنّ معاملة يزيد وعبيدالله في الكوفة مع سبايا أهل البيت^ يعدّ شاهداً آخر على ضلوعهما في قتل الحسين× وفرحهما بذلك، وقد أوردت مصادر أهل السنة دخول السبايا إلى مجلس ابن زياد في الكوفة:
«لمّا وُضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد جعل طست، وجعل يضرب ثناياه بالقضيب، وكان عنده زيد بن أرقم، فقال له: ارفع قضيبك، فوالله، لطالما رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقبّل ما بين هاتين الشفتين، ثمّ جعل زيد يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، لولا أنّك شيخٌ قد خرفت لضربت عنقك، فنهض زيد، وهو يقول: أيّها الناس، أنتم العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة، والله، ليقتلنّ أخياركم، وليستعبدنّ شراركم، فبعداً لمن رضى بالذل والعار»[320].
وقد تكرر ذلك في مجلس يزيد، وقد أثارت مواقف يزيد المشينة تجاه رأس الحسين× وعياله تعجّب ابن الجوزي من منكري لعن يزيد، وقال: «ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين، وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر، وحمل الرؤوس إليه، إنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه، وحمل آل الرسول سبايا على أقتاب الجمال، وعزمه على أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها، وإنشاده أبيات ابن الزبعرى: (ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا...) وردّه الرأس إلى المدينة، وقد ظنّ أنّه تغيّرت ريحه وما كان مقصوده إلّا الفضيحة وإظهار رائحة الرأس، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟! أليس بإجماع المسلمين أنّ الخوارج والبغاة يُكفنون ويُصلّى عليهم ويدفنون؟! وكذا قول يزيد: لي أن أسبيكم، لمّا طلب الرجل فاطمة بنت الحسين قولاً يقنع لقائله وفاعله باللعنة، ولو لم يكن في قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لمّا وصل إليه ولم يضربه بالقضيب، وكفّنه ودفنه وأحسن إلى آل رسول الله»[321].
كما أدان التفتازاني في شرح العقائد النسفية يزيد على قتله الحسين× وقال: «اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضى به، قال: والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً، وقال أيضاً: نحن لا نتوقّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه (لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه)»[322].
وقال في موضعٍ آخر: «إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور فى كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن الطريق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحَسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً، ولا كلّ مَن لقى النبي(صلى الله عليه وآله) بالخير موسوماً، إلّا أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق، صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشرين بالثواب في دار القرار، وأمّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له مَن في الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبال وتنشق الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور، فلعنة الله على مَن باشر أو رضى أو سعى، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى، فإن قِيل: فمن علماء المذهب مَن لم يُجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربوا على ذلك ويزيد، قلنا: تحامياً عن أن يرتقي إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد، وبحيث لا تزلّ الأقدام على السواء، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء، وإلّا فمَن يخفى عليه الجواز والاستحقاق، وكيف لايقع عليهما الاتّفاق»[323].
وردت في بعض المصادر التاريخية أخبار دالّة على حسن معاملة يزيد للسبايا، وغضبه على عبيدالله، وإن كانت هذه الأخبار غير مشهورة ومشكوكة، إلّا أنّها استقبلت من قبل عدّة، حتى تُساء الاستفادة منها لتبرئة يزيد، ومنها ما نقله أبوبكر ابن العربي: «ثمّ أمر بإنزالهم في داره، وأمر لهم بما يصلحهم، وكان لا يتغدّى ولا يتعشّى إلّا عليّ معه، ثمّ أمر النعمان بن بشير أن يجهّزهم بما يصلحهم، ويسيّرهم إلى المدينة مع أُناسٍ صالحين»[324].
وقال عزة دروزة في هذا الصدد: «هذا يجعل الروايات الواردة في حسن معاملة عبيد الله بن زياد، ثمّ يزيد لابن الحسين الصغير وبناته ونسائه، واستياء يزيد لقتله وبكائه عليه، ومشاركة أهله نساءً ورجالاً في ذلك، أصحّ من تلك التي تذكر قسوتها وجفاءها إزاءهم، ولا سيما أنّه لم يكن هناك قتالٌ شديد يثير نقمةً وانفعالاً يمتدّ أثرهما إلى النساء والأطفال، وكلّ ما وقع على غير إرادتهم بل وعلى مضض منهم»[325].
أ ـ أوّل إجابة لهذه الشبهة هي أنّ أخبار حسن معاملة يزيد لم ترد في جميع المصادر التاريخية، ولا يستبعد جعلها من قبل مؤرِّخي البلاط الأُموي مع الأخذ بنظر الاعتبار الحجم الهائل للأخبار الموضوعة والمجعولة التي تسرّبت إلى التراث الحديثي.
ب ـ هذه الأخبار لا تنسجم مع الأوامر الصريحة ليزيد بقتل الحسين× وأصحابه، وقد ذهب بعض علماء أهل السنة كسبط ابن الجوزي والتفتازاني إلى أنّ الروايات الواردة في قتل يزيد للحسين×، وإظهاره الفرح والسرور بلغت حدّ التواتر المعنوي فلا تصمد أمامها تلك الأخبار الضئيلة.
ج ـ مع صرف النظر عن الإشكالات السابقة، فإنّ الأخبار الدالّة على حسن معاملة يزيد للسبايا تستبطن تهافتاً واضحاً يُسقطها عن الاعتبار.
ويتلخّص هذا التهافت في أنّها تدلّ على حسن معاملة يزيد للسبايا من جهة، ولعنه واستيائه من ابن زياد من جهةٍ أُخرى، بينما استفاد منها محمد عزّة دروزة لإثبات العلاقات الوطيدة التي تجمع بين يزيد وابن زياد وأُمراء جنده، حتى بلغ الأمر أنّه أصدر لهم صكوك البراءة من تلك الجريمة، لمّا قال: «إنّه ليس هناك ما يبرّر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله فضلاً عن قتله، وكلّ ما أمر به أن يُحاط به ولا يُقاتل إلّا إذا قاتل، ومثل هذا القول يصحّ بالنسبة لعبيد الله بن زياد، فكلّ ما أُمر به أن يُحاط به ولا يُقاتل إلّا إذا قاتل، وأن يُؤتى به إليه ليضع يده في يده أو يبايع يزيد صاحب البيعة الشرعية، بل إنّ هذا ليصحّ قوله بالنسبة لأُمراء القوات التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال، فإنّهم ظلّوا ملتزمين ما أُمروا به، بل كانوا يرغبوه أشدّ الرغبة في أن يعاقبهم الله من الابتلاء بقتاله فضلاً عن قتله، ويبذلون جهدهم في إقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد، فإذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون، وقاوم بالقوة، فمقابلته وقتاله صار من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغاً»[326].
د ـ وأهمّ إجابة لتلك الشبهة هي أنّ الروايات المتواترة التي أشارت إلى سوء معاملة يزيد للسبايا تتعلّق بردود فعله الأوّلية التي صدرت بملء إرادته وبعيداً عن الضغوط الخارجية، إلّا أنّه لمّا استفاق أهل الشام من غفلتهم وخداعهم من قبل الإعلام الأُموي المضلّل بسبب أنشطة أهل البيت^ وبيان حقيقة كربلاء، انقلب الوضع على يزيد وجهازه الأُموي، وازداد التذمّر والكراهية له في أوساط الرأي العام، وتمكّن أهل البيت^ في ظل الصبر والتبليغ الصادق من الإصحار بالحقيقة، وكشف النقاب عن مؤامرات بني أُميّة وأكاذيبهم، ممّا أثار فزع يزيد فتظاهر بالندم أمام أهل الشام للحيلولة دون غضبهم وثورتهم، منوهاً بقرابته للحسين× من خلال العلاقات القبلية التي كانت تجمعهم في الجاهلية، وبدأ يذرف دموع التماسيح ملقياً مسؤولية تلك الجريمة على ابن زياد، الأمر الذي أدّى إلى تسرّعه في إرسال أهل البيت^ من الشام إلى المدينة، للحدّ من تلك الفضيحة والكراهية.
وفي هذا الصدد يقول ابن الأثير: «ولمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلّا يسيراً حتى بلغه بغض الناس له، ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين، وكان يقول: وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري، وحكّمته فيما يريد وإن كان على في ذلك وهنٌ في سلطاني، حفظاً لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورعايةً لحقِّه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنّه اضطرّه، وقد سأله أن يضع يده في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفّاه الله فلم يجِبه إلى ذلك فقتله، فبغضّني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، ما لي ولابن مرجانة؟! لعنه الله وغضب عليه»[327].
والنقطة الأخيرة هي أنّ ادّعاء ابن العربي وأتباعه ببراءة يزيد من قتل الحسين× وحزّ رأسه لا يجلب لهم نفعاً؛ حيث إنّ السبب الرئيس والدور المحوري لوقوع حادثة كربلاء وأمثالها يعود إلى أوّل مَن أصدر الأوامر مباشرةً بذلك.
كرامات ومعطيات ثورة كربلاء من المنظور السني
من المباحث المهمّة المطروحة في المصادر التاريخية لأهل السنة حول ثورة كربلاء، لا سيما استشهاد الحسين× وأنصاره هي تداعياتها وكراماتها، وقد بلغ حجم تلك المصادر التي نقلت تلك التداعيات والكرامات بمكان أنّه أصبح من الضروري إلقاء نظرة عليها ولو عابرة؛ ذلك أنّها تكشف لنا عن أحقّية الإمام الحسين×، وموقفه تجاه يزيد وطغمته، وعن عظمة الثورة وأهمّيتها من منظار أهل السنة، وورقة أُخرى على إدانة يزيد بما اقترفه من جريمة لا تُغتفر في كربلاء.
من الواضح أنّ المراد من هذه التداعيات هنا هي الآثار السياسية والاجتماعية والثقافية، والمراد من الكرامات الأُمور العجيبة التي نقلها أهل السنة في مصادرهم، والتي ظهرت متزامنة مع حادثة عاشوراء أو بعدها، وترتبط باستشهاد الحسين× وأصحابه.
من الطبيعي أنّ قتلة الإمام الحسين× ـ استناداًللأحاديث النبوية، وجميع الفرق الإسلامية ـ مصيرهم النار، وقد ذهب معظم المسلمين إلى أنّ هؤلاء القتلة لا يُغفر لهم، وإلى جانب ذلك فقد رُوي في مصادر أهل السنّة تعرّض البعض منهم إلى عقوبة دنيوية، وقد نقل الطبري الذي يعتبر أقدم وأوّل مصدر تاريخي لحادثة كربلاء عن أبي مخنف قوله: إنّ إسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين أُصيب بالبرص، وأحبش بن مرثد بن سلامة الحضرمي أحد العشرة الذين داسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره بعد مدّة قصيرة قد أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال ففلق قلبه فمات[328].
وعبد الله بن حوزة التميمي وقف أمام الحسين× فقال: ياحسين أبشر بالنار، فدعا عليه الحسين× قائلاً: اللّهم حزه إلى النار. فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه، وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض، ونفر الفرس فأخذه يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ شجرة حتى مات[329].
بعد أن سقط الحسين× من ركابه على أرض كربلاء مثخناً بالجراح، تولّى خولي بن يزيد مهمّة حزّ الرأس المبارك للحسين× بما يمتلكه من جرأة، إلّا أنّه ضعف وأرعد ولم يتمكّن، فنزل محلّه شمر أو سنان بن أنس، وقام بتلك الجريمة النكراء.
«وبعث عمر برأس الحسين من يومه مع خولي بن يزيد إلى ابن زياد، فأقبل به ليلاً فوجد باب القصر مغلقاً، فأتى به منزله فوضعه تحت إجانة في منزله، وكان في منزله امرأة يُقال لها: النوار بنت مالك الحضرمي، فقالت له: ما الخبر؟ قال: جئت بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار، فقالت: ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول الله؟! والله لا يجمع رأسي ورأسك شيءٌ أبداً. فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار، فدعا الأسدية فأدخلها إليه، وجلست أنظر، فوالله، مازلت أنظر إلى نورٍ يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة، ورأيت طيراً بيضاء ترفرف حولها»[330][331].
رُوي أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أعطى أُمّ سلمة تراباً من تربة الحسين× حمله إليه جبرائيل، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) لأُمّ سلمة: إذا صار هذا التراب دماً فقد قُتل الحسين. فحفظت أُمّ سلمة ذلك التراب في قارورة عندها، فلمّا قتل الحسين× صار التراب دماً، فأعلمت الناس بقتله أيضاً[332].
وأخرج الترمذي عن سلمى قالت: دخلتُ على أُمّ سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ تعني في المنام ـ وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً[333].
وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأُمّي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قُتل في ذلك اليوم [334].
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن أُمّ سلمة قالت: سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه.
و أخرج ثعلب في أماليه عن أبي خباب الكلبي، قال: أتيت كربلاء، فقلت لرجل من أشراف العرب: أخبرني بما بلغني أنّكم تسمعون نوح الجن، فقال: ما تلقى أحداً إلّا أخبرك أنّه سمع ذلك، قلت: فأخبرني بما سمعت أنت، قال: سمعتهم يقولون:
مسح
الرسول جبينه |
حكى الزهري عن أُم سلمة قالت: ما سمعت نواح الجن إلّا في الليلة التي قتل فيها الحسين، سمعت قائلاً يقول:
ألا
يا عين فاختلفي بجهد |
قالت: فعلمت أنّه قد قُتل الحسين [336].
قال السيوطي: ولمّا قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيّام، والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم، واحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثمّ لا زالت الحمرة تُرى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله[337].
وعن نضرة الأزدية قالت: لمّا قُتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً[338].
قال السيوطي: «إنّه لم يُقلب حجر بيت المقدس يومئذٍ إلّا وُجد تحته دمٌ عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم، فكانوا يرون في لحمها مثل النيران وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلّم رجل في الحسين فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره»[339].
من الموضوعات المهمّة في مصادر أهل السنة هي حوادث ما بعد عاشوراء، فقد نقلت روايات نياحة ورثاء من الغيب وفيها الأشعار كذلك، ولم يقع بين مصادرها ولا رواتها اختلاف واضح، ومنها: ذكر هشام بن محمد قال: لمّا قتل الحسين سمع قاتلوه قائلاً يقول من السماء:
أيّها
القاتلون جهلاً حسيناً |
كما نقل ابن عساكر نحو (32) رواية عن الحوادث الكونية التي رافقت قتل الحسين× والتي تدلّ على كراماته، منها:
o كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار[341].
o تسايل حيطان دار الإمارة دماً[342].
o لم يقلب حجر ببيت المقدس إلّا أصبح تحته دم عبيط[343].
o احمرّت آفاق السماء ستة أشهر [344].
o الكواكب يضرب بعضها بعضاً[345].
o مطرت السماء دماً[346].
o اسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً وسقط التراب الأحمر[347].
o مكثت السماء سبعة أيّام بلياليها كأنّها علقة[348].
إنّ من النتائج
العجيبة لشهادة الإمام الحسين× هي تلاوة الرأس المرفوع على القناة القرآن[349]،
وعن المنهال بن عمرو قال: «أنا
ـ والله ـ رأيت رأس الحسين بن علي حين حُمل وأنا بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ
سورة الكهف حتى بلغ قوله تعالى:
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ
الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا). قال: فأنطق الله الرأس بلسانٍ ذرب، فقال: أعجب من أصحاب
الكهف قتلي وحملي»[350].
وعن الأعمش عن سلمة بن كهيل قال: «رأيت رأس الحسين بن علي على القناة وهو يقول: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [351]»[352].
ب ـ الآثار السياسية والاجتماعية
إنّ من الشبهات التي أثارها حفنة من أهل السنة التي كتبت دفاعاً عن يزيد ونظرت إلى ثورة كربلاء من منظار السلطة، هي الشك في جدواها وغياب النتائج المنشودة منها، وممَّن مال إلى ذلك ابن تيمية، حيث قال: «إنّه لم يكن في الخروج مصلحة، لا في دين ولا في دنيا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يحصل لو قَعَد في بلده، فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشرّ لم يحصل منه شيء، بل زاد الشرّ بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار سبباً لشرٍّ عظيم، وكان قتل الحسين ممّا أوجب الفتن»[353].
أمّا الشيخ الخضري فإنّه عقب على حادثة كربلاء قائلاً: «وعلى الجملة، إنّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا، الذي جرّ على الأُمّة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد أُلفَتِها إلى يومنا هذا... وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة... وغاية ما في الأمر أنّ الرجل طلب أمراً لم يتهيّأ له، ولم يعدّ له عدّته، فحِيل بينه وبين ما يشتهي وقُتل دونه.. والحسين قد خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر عنه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار الخلاف حتى يكون في الخروج مصلحة للأُمّة»[354].
وحول هذه الشبهة لا بدّ من القول إنّه فيما يتعلّق برصيدها الشرعي وأُصولها العقلانية فقد تمّت الإجابة عنه فيما سبق، وقد صرّح الكثير من علماء أهل السنة أنّ يزيد فاجرٌ وفاسقٌ وكافرٌ، والجهاد ضدّه لازمٌ بل واجب، ومضى الحسين× في ثورته امتثالاً لتكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستجابة للمهمّة التي أوكلها إليه الله ورسوله’، أمّا رصيدها العقلائي والقيادي فإنّ الإمام× أخذ بنظر الاعتبار جميع الجهات، وكان على اطّلاع تامّ بالأوضاع والظروف السائدة، وجاءت حساباته دقيقة بعيدة عن أدنى خطأ أو غفلة، وبالتالي وكما تقدّمت الإشارة إليه، فإنّ فلسفة هذه الثورة التي وردت على لسانه في مختلف المصادر التاريخية لأهل السنة كفيلة بالإجابة عن هذه الشبهة إجابةً لا غبار عليها، ويمكن إيجاز منجزاتها في النقاط التالية:
1ـ إحياء الدين وتحدّي حكومة يزيد
تولّى يزيد الخلافة الدينية بعد معاوية التي أرادها أن تكون خلافة وحكومة إسلامية امتداداً لخلافة النبي’ والخلفاء الراشدين، إلاّ أنّ الإمام× لماّ رفض مبايعة يزيد وقام بنشر الوعي خلال مسيره من المدينة إلى مكة ومنها إلى كربلاء ويوم عاشوراء سحب بساط الشرعية عن حكمه، وبيّن أنّ الدين بعيد كلّ البعد عن بِدع يزيد ومنكراته، كما حذّر المسلمين من مغبّة الخلط بين الإسلام الأصيل والإسلام الأُموي المتمثّل بيزيد وسلوكه وانحرافاته، لئلّا يبتعدوا عن جادّة الحق.
ومع استشهاد الحسين× وأنصاره على يد يزيد وعمّاله انكشف صواب موقف الحسين× أمام المسلمين، الذين صحوا من سبات الغفلة التي اعترتهم بفضل تضحياته× الجسام، وأدركوا أنّ الدين لا تعكسه السياسة الأُموية، بل ثمّة تنافر بين هذين القطبين.
ممّا دعا بعض إلى الثورة على الأُمويين لأجل إضفاء الطابع الشرعي على السياسة، كثورة التوابين وقيام المختار وثورة زيد بن علي بن الحسين ويحيى بن زيد وآخرين، واستغلّ بعض الظروف السانحة لبيان معارف الإسلام الأصيلة، وممارسة أنشطة ثقافية تستهدف نشر الحقائق في صفوف الناس، كأنشطة أبناء الإمام الحسين× مثل الإمام زين العابدين×، والإمام الباقر×، والإمام الصادق×، وسائر أئمّة أهل البيت^، حيث بسطوا معارف الإسلام الأصيلة والسنة النبوية التي نادت بها ثورة كربلاء، وقد واجه يزيد نقمة شعبية عارمة مهّدت الأرضية للإطاحة بالحكم الأُموي عام (132هـ) بعد أن سوّد هذا الحكم صفحات التاريخ بجرائمه التييندى لها جبين الإنسانية.
إنّ النصائح التي بذلت للإمام الحسين× بهدف ثنيه عن المضي في مسيره، تدلّ بوضوح على أجواء الرعب والخوف والاستبداد الأُموي الذي كان سائداً في المجتمع آنذاك، وقد أدّى هذا الأمر إلى تراكم غبار النسيان على الشهادة في سبيل الله، لإحياء الدين والقيم الدينية، ومكافحة الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا مازالت الشهادة عالقة في أذهان المسلمين فإنّها ظلّت حكراً على جهاد الكفار دون جهاد الخليفة والسلطان الجائر، والحد من فساده المستفحل.
وفي تلك الأجواء قام الإمام الحسين× بكسر حاجز الرعب والخوف وروح الانهزامية، وأثبت أنّ الدفاع عن الدين لا يستلزم المجازفة بالنفس فحسب، بل الاستعداد للشهادة ولقاء الله، إذ لا يتصور ممارسة الجهاد دون التعرّض للخطر، وعليه لا بدّ من التضحية بالغالي والنفيس والسبي، وبذلك أحيى الحسين× سبيل الشهادة وثقافته.
وبالطبع، فإنّ تضحية الإمام الحسين× أعطت قيمة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيّنت مكانتها للملأ، وقد أثبت صواب خطّه عبر التضحية بنفسه وأصحابه وسبي عياله، من هنا فقد شهدنا بعد عاشوراء فتح باب الشهادة، وشيوع ثقافة التضحية والإيثار في صفوف المسلمين.
3 ـ التمهيد للإطاحة بالنظام الأُموي
كان لثورة كربلاء مكسبان من الناحية السياسية، في غاية الأهمّية، لا غبار عليهما، وقد ضبطا في المصادر التاريخية، ودلّت عليهما الأحداث والوقائع اللاحقة، بل اعترف بهما قادة الجهاز الأُموي منذ بداية أحداث ثورة كربلاء، وهما: كراهية الناس ليزيد وحكومته الأُموية، ومحبّة أهل البيت^ المتزايدة واتّضاح مظلوميتهم عند الناس.
إنّ ندم يزيد من جريمته النكراء في كربلاء، أو التظاهر بذلك كما ورد في المصادر التاريخية، إنّما يدلّ على خوفه من نقمة المسلمين وغضبهم، وقد اعترف بذلك يزيد لما قال: «لعن الله ابن مرجانة، فإنّه اضطرّه.. فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، ما لي ولابن مرجانة، لعنه الله وغضب عليه»[355].
وما وقوع ثورات عديدة بعد ثورة عاشوراء (61هـ) إلّا شاهدٌ آخر على شيوع الكراهية ضد السلطة الأُموية، ومن جملة تلك الثورات: ثورة الحرّة، وثورة التوابين، وثورة المختار، وحركة عبد الله بن الزبير الذي بسط نفوذه على أصقاع واسعة ودامت إمارته لسنوات، وثورة زيد بن علي، وثورة يحيى بن زيد، هذه الثورات ما كانت لتقوم لولا رفض المسلمين للأُمويين وتسلّطهم.
مع استشهاد الإمام الحسين× وأصحابه فى كربلاء التفت المسلمون إلى مظلومية أهل البيت^ أكثر من أيّ وقت مضى، ممّا زاد من حبّ المسلمين لأهل البيت^، وقد استغلّ العباسيون هذا النفوذ الواسع بغية الوصول إلى مآربهم، وتمكّنوا بعد الإطاحة بالأُمويين من اعتلاء سدّة الحكم كقوّة بديلة.
4ـ تهيئة الأرضية العلمية والثقافية
لقد طرحت ثورة كربلاء واستشهاد قائدها ومقاتليه، والإعلام الواسع من قبل الركب الحسيني ـ لا سيما علي بن الحسين× وزينب الكبرى‘ في الكوفة والشام ـ موضوعات مختلفة في صفوف الناس، وأدّت إلى ظهور ثورات عديدة بعد عاشوراء وغياب الشرعية عن الحكم الأُموي ممّا سهل في بلورة جهود علمية وثقافية على نطاق واسع على يد الإمام زين العابدين والباقر والصادق^، حيث قاموا بنشر علوم آل محمد’ على مختلف الصُّعد في ظلّ أجواء سادها الإقبال الواسع للمسلمين على أهل البيت^، واضطراب الأوضاع السياسية نظراً لانشغال الأمويين بإخماد الثورات والحركات المسلحة.
إنّ المكانة العلمية المرموقة للإمام السجاد× ـ باعتباره أفقه التابعين ـ جعلته مرجعاً علمياً لا بديل له بين المسلمين، وقد ترك تأثيراً بالغاً لا على مستوى الثقافة العامّة للمجتمع، من خلال الأساليب العلمية والثقافية، وتحكيم أُصول مذهب أهل البيت^، وإغنائه والتعريف به فحسب، بل على المستوى السياسي أيضاً، ويتجلّى ذلك في منع عمر بن عبد العزيز من بدعة سبّ الإمام علي بن أبي طالب× على المنابر التي ابتدعها معاوية، وسحب عنوان أمير المؤمنين عن يزيد.
لقد عانى المسلمون فصل الدين عن السياسة في ظل النظام الأُموي، فالتجأوا إلى أهل البيت^ بهدف التزوّد من نمير علومهم ومعرفة أحكام الشرع، وبذلك استعاد أئمّة أهل البيت^ دورهم الريادي ومكانتهم العلمية والدينية الرفيعة في المجتمع.
ويؤيّد ذلك اعتراف كبار علماء أهل السنة أنفسهم بشأن المقام العلمي والديني للأئمّة: السجاد والباقر والصادق^، والتأثير المباشر أو غير المباشر في أئمّة سائر المذاهب الفقهية.
من هنا فالإنسانية تفتخر بالحسين× وثورته، وتعتبره زعيماً لها بغض النظر عن جنسيته وقوميته ولغته ومذهبه، واليوم نشاهد من هذا المنطلق إقبال المجتمعات بمختلف الانتماءات نحو الحسين× وملحمته، ابتداءً من غاندي زعيم الهند وقادئها، والمفكرين المسيح من لبنان وأوروبا وأميركا اللاتينية، وانتهاءً بالإمام الخميني&، وقادة الثورة الإسلامية، وقوات التعبئة الذين ضحّوا دفاعاً عن تراب وطنهم ولتحرير العراق من النظام البعثي الجائر، وهكذا ظلّ الإمام الحسين× وثورته أُسوة ومصدر إلهام للجميع.
لا شكّ أنّ أنواع المِحَن والمصائب التي حلّت بالإمام الحسين× وأُخته زينب‘ هي في الواقع أُسوة لا للمجاهدين فحسب، بل للمسلمين في حاضرهم وللإنسان المعاصر في واقعه.
وكان لإقامة مآتم أهل البيت^ وشهداء كربلاء دورٌ مهم في إحياء الدين والقيم الإسلامية الأصيلة بين المسلمين، وكما قال الإمام الخميني&: «إنّ محرم وصفر قد أحييا الإسلام».
هذه الجملة تحكي عن واقع تاريخي عميق، وحقيقة ثابتة، وهي أنّه يتعذّر تجاهل دور الحسين× وعاشوراء في الحفاظ على الدين وقيمه والتأسّي به، ويتّضح ـ مع أخذ تلك الآثار والتداعيات ـ زيف ادّعاء ابن تيمية وأتباعه من خلو هذه الملحمة العظيمة من أيّة آثار إيجابية، وبالطبع فإنّ جهود ابن تيمية وازدواجيته في التحليل لدليلٌ على أهمّية عاشوراء ونتائجه، فإذا لم تكن لعاشوراء تلك الثمرة لما كنّا نشهد هذا الاهتمام بتاريخ عاشوراء وتبرير جرائم يزيد، وجعل الأخبار ووضع الروايات.
5ـ تقديم القدوة لهداية المجتمعات
إنّ أهمّ دور لثورة كربلاء هي كونها أُسوة لشخصيات دينية واجتماعية وسياسية كبيرة، وهي دليلٌ لثورات وحركات تحرّرية وإصلاحية تنشد العدالة، ذلك أنّ هذه الثورة تمتلك مقومات تاريخية نادرة لجهادٍ طويلٍ وشاق وشمولي، وسوف نشير إلى بعض تلك المقومات:
كانت هذه الثورة تمتلك زعيماً واعياً مثل جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبيه أمير المؤمنين×، ولم يكن الإمام× يتحمّل شدائد الجهاد وحده، بل شاركه فيها أصغر جندي في ركبه، ونسائه وأبنائه وأقربائه الذين كانوا في الطليعة، وتعرّضوا لأنواع المِحَن والسبي في سبيل ثورة كُتب لها الفشل على الظاهر، لقد ضرب الحسين× مثلاً رائعاً في الصمود والإباء والثبات قلّ نظيره؛ إذ رغم المصائب والكوارث التي ألّمت به، من نزوح عن الوطن، وعطش، ومصائب، ونقضٍ للوعود، والوحدة، وقلّة الناصر، وكثرة العدو، وعطش أبنائه ونسائه، لم يظهر منه أي ضعف، ولم يصدر عنه أي يأس أو جزع أو تعجّل في الموقف، ولم يغيّر موقفه أو يتنازل عن أهدافه وشعاراته.
وقد طرح في آخر رمق من حياته شعار الحرية والعبودية والإيمان عندما قال: «ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون»[356].
لك الله يا أبا عبد الله الحسين، أردت أن تبني دولة الإسلام على الكرامة والحرية والمساواة، وأرادوها دولة الكفر والجور والطغيان.
لقد صرّح الإمام× أنّ أصحابه خير الأصحاب، بل أفضل من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين×، وكانوا مثالاً فى العبادة والزهد، والشجاعة والثبات، والوفاء والرجولة، وهم خلافاً لأصحاب بدر وأُحد وصفين والنهروان لم يخطر على مخيلتهم الانتصار أو البقاء على قيد الحياة، بل تسابقوا إلى المنية بقلوب مفعمة بحبّ الحسين×، وازدادوا صلابةً وثباتاً لأهدافهم المتمثّلة في إحياء الدين والسنة النبوية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك انتشلوا الإسلام والإنسانية والحرية من براثن الشرك والظلم والانحراف، وكلّما اقتربوا من الشهادة ازداد إيمانهم وشجاعتهم دون خوف أو وَجَل أو ندم أو تردّد، رغم أنّ الحسين× قد رفع عنهم البيعة لمّا قال: «إنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبونني»[357].
وأبى أصحابه الأوفياء وأهل بيته البررة أن يفارقوه أو يبخلوا بأرواحهم عليه مع أنّه قد تجسّد لهم المصير، وأصبحوا واثقين به، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وقالوا بلسان واحد: والله، لا نفارقك ولا نرضى بالعيش بعدك ولا بالدنيا بكلّ ما فيها بدلاً من الشهادة بين يديك، في ظلّ هذه الروحية العالية والصلابة والوفاء التحق الحر بن يزيد الرياحي وآخرون بمعسكر الحسين× في آخر لحظة من يوم عاشوراء.
ج ـ أهل البيت^ وشموخهم الرسالي
عادة ما تكون أُسرة الشهيد أكثر صلابة وتحمّلاً للمعاناة، وقد أدّى سبايا أهل البيت^ هذه المهمّة على أفضل وجه، بل قد سجّلوا حضوراً منذ البداية في الساحات، وشاهدوا عن كثب بحرقة وعذاب قتل رجالهم والمثلة بهم، هذا إلى جانب معاناة السبي، والسفر الطويل، والخوف، ونقض عهد أهل الكوفة، وسوء المعاملة، والعطش، وقتل الأحبّة والأبناء والإخوة وسائر الأقرباء، والأسر المذلّ.
وفي الواقع فإنّ السبي أكثر مرارة من الشهادة؛ ذلك أنّ الركب الحسيني لم يتحمّل ذلك في سبيل أهداف الثورة فحسب، بل إنّه لم يرفع اليد عن أهداف وآمال شهداء كربلاء، حتى تمكّن من تبديل أزمة السبي في ظلّ الثبات والاستقامة إلى فرصة ذهبية، واستفاد منها في تبليغ أهداف شهداء كربلاء، وكشف النقاب عن منكرات ومفاسد وجرائم يزيد وآل زياد، ونقل الثورة الحسينية ورسالتها من الصحراء الجرداء والنائية لكربلاء إلى القبائل والمدن والقرى، وأخيراً إلى قصور الجور لابن زياد ويزيد، في مجلسٍ ضمّ جموعاً غفيرة من الناس وزعماء النظام الأُموي كدعاية سياسية على قدرة الأُمويين وانتصارهم، والتأكيد على استتباب الأمن والثبات الذي يتمتّع به النظام الأُموي لا سيما يزيد، وعلى ضوء ما قام به سبايا كربلاء من تبديل نشوة يزيد بالانتصار إلى هزيمة وخيبة، تحول ذلك المجلس إلى مأتم لأهل البيت^ وإدانة ليزيد وابن زياد، ممّا اضطرّه إلى إظهار الندم ولعن ابن زياد وعمر بن سعد وشمر، بهدف التنصّل من تلك الجريمة.
إنّ من جملة خصوصيات هذه الثورة أهدافها المثالية والإنسانية التي قوّضت صرح الحدود المادية الضيقة، وذهبت إلى أبعد من الشعارات الروحية المرفوعة في إطار مذهبٍ خاصّ، وحتى دينٍ خاصّ والتحمت بالإنسان والإنسانية، شعارات نظير الحرية والتحرّر، ومكافحة الفساد والجور، ذمّ الحياة المشوبة بالذل، ومناهضة التمييز الاقتصادي والعنصري والسياسي، وعدم الالتزام بالعهود والمواثيق، وتحمّل المشاق بل الاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل تحقّق الأهداف الإنسانية والإلهية، وشعارات أُخرى تختصّ بفلسفة وأهداف تلك النهضة العظيمة.
لم تبثّ ثورة الحسين× بذور الفرقة ـ وخلافاًلابن العربي ومَن نسج على منواله كابن تيمية ـ فيالمجتمعالإسلاميفحسب، بلوهبت حياةً جديدة للمسلمين، وأعادت إليهم سابق عزّهم، وحال دون تعرّض الإسلام للانحرافات، والولوج في جادّة التحريفات، وضرب لهم درساً في الحياة الدينية الحافلة بالعزّة والحرّية.
1ـ إذا كانت إشكالات ابن تيمية ومَن لفّ لفّه معياراً للبتّ في الحكم، فهذا يستلزم التشكيك ببعثة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بل بعثة سائر الأنبياء^؛ ذلك أنّهم قوّضوا عماد الوحدة والاتحاد في المجتمعات الخاضعة للنُّظم الفرعونية، والنُّظم الملحدة، وشيّدوا على أنقاضها نظاماً جديداً وثقافةً جديدة.
2ـ رفض الحسين× مبايعة يزيد معلناً الخروج عليه منذ البداية، بينما نجد زعماء المذاهب الإسلامية، كأبي حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان، وممَّن أفتى بجواز الخروج مع محمد على المنصور مالك بن أنس، لمّا قِيل له: إنّ في أعناقنا بيعة للمنصور، فقال: إنّما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين [358].
ومن الواضح أنّ فساد المنصور لا يُقاس بفساد يزيد، كما أنّ نقض البيعة بعد انعقادها لا يُقاس برفض البيعة، وأهمّ من كلّ ذلك أنّ مكانة المنصور لا تُجاري مكانة الحسين×، فأين الثرى من الثريا.
ومع كلّ هذا فقد أصرّ ابن تيمية على اتّهام ثورة الحسين× بأنّها أحدثت شرخاً في جدار الوحدة، هذه التهمة الرخيصة يمكن إلصاقها ببعثة الأنبياء^ أيضاً، بل بزعماء المذاهب التي ينتمي إليها، وهذا الإشكال سوف يفتح الباب على مصراعيه بوجه إشكالات لا حصر لها.
3ـ لا بدّ من التنويه بأنّ الإسلام لا يمضي كلّ وحدة واتّفاق، وإنّما تُكتسب الوحدة قيمتها إذا دارت حول حبل الله المتين، المتمثّل في القرآن والعترة، والحال أنّنا نجد أنّ القرآن والعترة المتمثّلة آنذاك بالحسين× قد تعرّضا للتهميش، ونالا سهماً عظيماً من الظلم في المجتمع الإسلامي، وقام الحسين× لإحياء الدين وقيمه الذي هو عماد الوحدة والتكاتف ورصّ الصفوف، وبذل التضحيات تلو التضحيات في هذا السبيل، وعلى ذلك يُتاح لنا القول وبضرسٍ قاطع أنّه× ذهب ضحية لوحدة المسلمين، تلك الوحدة الحقيقية التي لا يُكتب لها البقاء إلّا في ظلّ سيادة القيم الدينية ومحورية أهل البيت^.
وإذا كانت الوحدة سائدة في عهد معاوية ويزيد، فما معنى استشهاد صحابة كبار، كحجر بن عدي وأصحابه والإمام الحسن×، وفرض ولاية يزيد بالقوة بفضل سياسة التهديد والترغيب التي مارسها معاوية؟ ألم يكن معاوية قد قوّض دعائم الوحدة حينما شنّ حرب صفين الضروس، وحمل السيف بوجه الخليفة الشرعي عليّ بن أبي طالب× أسفرت عن قتل جمع غفير من المسلمين؟ ألم يكن معاوية قد شتّتَ وحدة الكلمة حينما جهّز جيشاً لمقاتلة الإمام الحسن× أحد الخلفاء الراشدين، استناداً إلى الحديث النبوي، واعتماداً على كلمات كبار علماء أهل السنة؟ ألم يخلق في صفوفهم نفاقاً إلى يوم الدين[359].
4ـ سبق الحديث في الفصل الأوّل عن آليات الخلافة، وذكرنا أنّ معاوية أوجد نفاقاً أبدياً بين المسلمين من خلال جعل الخلافة ميراثاً للأبناء، وأوّل مَن عرض هذه الفكرة هو المغيرة بن شعبة لمّا طرح ولاية العهد ليزيد، فاستحسنها معاوية، ولمّا خرج من عنده قال: «لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أُمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، وفتقت عليه فتقاً لا يُرتق»[360].
وقد ذكرنا أنّ الحسن البصري وهو من كبار علماء أهل السنة قال في معاوية:
«قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم: وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين، وادّعاؤه زياداً، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، وبتوليته مثل يزيد على الناس»[361].
وعليه كان معاوية ويزيد ـ باعتراف التاريخ وشهادة كبار علماء أهل السنة ـ قد صدعا وحدة المسلمين، وبثّا بذور الفتنة والنفاق والاختلاف فيهم.
5ـ كانت المعنويات من جملة الخصائص الفريدة لثورة كربلاء، وهي التي أبرزتها من بين سائر الثورات والحركات الدينية والإصلاحية، ولم ينسَ الحسين× وأصحابه الأخلاق الدينية الرفيعة والصبر والتحمّل في أحلك الظروف والمِحَن، بل إنّهم أصرّوا على التحلّي بها مهما كلّف، ولا تكاد تعثر في كلماتهم على أثر للحرب النفسية أو الشعارات الجوفاء أو خداع الرعية أو وعود زائفة، ولم يبدأ الإمام× الحرب، وحتى أنّه لم يبخل بالماء والمتاع الذي كان هو وأصحابه في أمسّ الحاجة إليه، لفرسان الأعداء وخيولهم في تلك الصحراء الجرداء القاحلة، هذه صفحة مشرقة في تاريخ هذه الثورة ليس إلى نكرانها من سبيل.
ورغم كلّ التقلّبات والأحداث فإنّه لم يُشاهد ارتكاب مكروه قط من طرف الإمام× وأصحابه أبان أحداث الثورة التي ظلّت وفيّة للدين والمفاهيم الإسلامية والقيم الأخلاقية الأصيلة، ولا تجد مبالغة أو خلاف الواقع في الشعارات المطروحة، بل رُفعت عن صدق وإخلاص، ولم يتشبّث بالمبالغة والإغراق، فما بالك بالكذب أو الحيلة من أجل التعريف بأنفسهم، وكان الحسين× يعرّف نفسه بأنّه ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولم يجهل الأعداء مكانته من رسول الله’، ولا ضير في ذلك عند العرب.
من المسائل المطروحة قديماً لدى أهل السنة هي مسألة جواز لعن يزيد، وقد يتّخذ هذا الأمر طابعاً عاطفياً احتراماً لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، وحزناً على استشهاد نجله الحسين بن علي×، وأصلاً عقائدياً يدلّ على طاعة الله سبحانه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[362].
قِيل: إنّ الإمام أحمد لمّا سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد، قال: كيف لا يُلعن مَن لعنه الله تعالى في كتابه، فقال عبد الله: قد قرأت كتاب الله (عزّ وجلّ) فلم أجد فيه لعن يزيد، فقال الإمام: إنّ الله تعالى يقول: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) وأيّ فساد وقطيعة أشد ممّا فعله يزيد [363].
والرأي المشهور بين أهل السنة هو جواز بل ضرورة لعن يزيد، إلّا أنّ ثمّة مَن يخالف لعنه انطلاقاً من الحديث النبوي: «لاينبغي للمؤمن أن يكون لعّاناً»[364]، بينما نجد بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نفسه قد لعن قاتلي الحسين× وأعدائه في حال حياته، وحفّز المسلمين على نصرته، وحذّر من مغبّة طاعة بني أُميّة لا سيما يزيد.
ويتّضح من أدلّة الموافقين والمخالفين أنّ جواز لعن يزيد يبتني على كفره، وإلّا فكونه فاسقاً ثابتٌ لدى الجميع، وهذا يعني أنّ جواز لعن يزيد عند الموافقين دليلٌ على كفره، أمّا المخالفين فإنّهم لم يحكموا بكفره، وبالتالي لم يجوّزوا لعنه؛ ذلك أنّ الجريمة التي ارتكبها يزيد في كربلاء، وتصفية أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، واستشهاد الإمام الحسين× يمكن أن تغتفر، ومرتكبيها ليسوا بملحدين ولا كافرين، بل يستحقّون العذاب الإلهي، ومن هنا فلا يجوز لعنهم.
يمكن في سياق استعراض وجهات نظر أهل السنة منذ البداية حتى الآن، استخلاص اتّجاهين متعارضين من حادثة كربلاء، ودور يزيد في هذه الفاجعة: أحدهما عاطفي والآخر تحليلي.
وقد أُطلق على هذين الاتّجاهين تعبير آخر هو التولّي والتبري، والمراد من الأوّل هو إبداء الحزن والغم على استشهاد الحسين× وأصحابه، ومدح شخصية الإمام× العظيمة وتمجيده، والمراد من الثاني هو التبرّي من أعداء الإمام× وذمّ القتلة الذين ارتكبوا هذه الفاجعة وعلى رأسهم يزيد.
ولمّا كانت هذه الحادثة الكبرى على غرار سائر الحوادث الاجتماعية لا يمكن أن تنشأ عن فراغ، وأنّ الحسين× لم يستشهد في المدينة ليلاً أو في مسيره إلى العراق أو في الحج، وبهذا اللحاظ فالتأثّر العاطفي بهذا الموضوع لا يكون مؤشّراً ومعرّفاً لوجهة نظر ما، كما أنّ إظهار الحزن العميق لهذه الفاجعة لا تعكس الفكر الواقعي لأهل البحث والتحقيق، وفي الواقع فإنّ التأمّل في أسباب فاجعة كربلاء يمكن أن يشكّل الحجر الأساس لنظريات أهل السنة في هذا الشأن، ويعكس الموقف الحقيقي لهم بصورة دقيقة وشفّافة.
لقد احتلّ البحث التحليلي لمقتل الحسين× حيّزاً كبيراً لدى أهل السنة، تعلّق منذ البداية ببحث لعن يزيد أو عدم جواز لعنه، ذلك أنّ البعض قد ذهب إلى كون يزيد مجرماً وكافراً وملعوناً، نظراً لقتله الحسين×، والبعض الآخر إلى عدم استحقاقه اللعن، حتى أنّه أثار تساؤلات بشأن هذه الحادثة، على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي.
ويستحصل من مطالعة آرائهم في هذا الشأن أنّ المخالفين والموافقين للعن يزيد جعلوا استشهاد الحسين× محوراً أصلياً ومعياراً أوحد للموافقة والمخالفة، فمَن رأى استحقاق يزيد للعن نظر إلى ما اقترفه من جريمة قتل الحسين×، التي بلغت من القبح بمكان أنّها تدلّ على كفره واستهتاره بقيم الدين وعدم اغتفار جريمته، ومَن لا يرى أنّ محور القبح هو شهادة الحسين× المؤدّية إلى كفر يزيد، بل يعدّ توبته والصفح عنه أمراً ممكناً، أو أنّ يزيد لم تتلطّخ يديه بدم الحسين×، ومن هنا لا يجوز لعنه.
وعلى أيّة حال، إنّ إبراز الحزن العميق على شهادة الحسين× أو تعيين قتلته والآمر بهذه الجريمة توضّح اتّجاه بوصلة الآراء المختلفة لأهل السنة، هذه الواقعة الكبرى هي في الواقع ساحة صراع بين الحق والباطل، وبين التضحية والأنانية، وبين الحماسة والفاجعة، وبين الحب والبغض، وبين الأبيض والأسود، وبالتالي بين صعود الإنسان وسقوطه. وكما تقدّم فإنّ التعاطف ضروري لمعرفة بعض آراء أهل السنة في هذا الشأن، إلّا أنّها لا بدّ أن تستكمل بإظهار لعن الآمر بقتله ومنفذيه. وهذا هو بيت القصيد لمعرفة موقف أهل السنة تجاه تلك الحادثة.
ليس هناك اختلاف جذري بين أهل السنة حول هذا الاتّجاه؛ إذ إنّ معظم علمائهم قد غلب عليهم الحزن حيال تلك الجريمة المروعة، وعدّوا منفّذيها والآمرين بها في النار[365]، كتب عبد القاهر البغدادي:
«وقد عصم الله أهل السنة من أن يقولوا في أسلاف هذه الأُمّة منكراً، أو يطعنوا فيهم طعناً، فلا يقولون.. في أزواج النبي وأصحابه وأولاده وأحفاده مثل الحسن والحسين والمشاهير من ذرّياتهم.. ومَن جرى منهم على السداد من غير تبديل ولا تغيير، إلّا أحسن المقال»[366].
وقد أكّد على هذه النقطة طاهر الأسفرائيني الشافعي، وهو من أعلام القرن الخامس الهجري، حيث عدّ موالاة آل النبي(صلى الله عليه وآله) واجبٌ، ومن جملتهم الحسين بن علي، وأيّ أذى أو سوء معاملة يلحق بهم فهو حرام.
كما صرّح ابن تيمية الذي اشتهر بمعاداته للتشيع وأهل البيت^ عند جوابه لقائد مغولي دخل الشام بلعن مَن قتل الحسين× نافياً وجود النواصب في الشام، قائلاً: «وأمّا مَن قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً»[367]، وتحدّث في مقطعٍ آخر عن محبّة أهل البيت^، وقال: «محبّتهم عندنا فرضٌ واجبٌ يُؤجر عليه»[368].
و كتب ابن العربي ورغم اعتباره ثورة الحسين× تحدّياً لنظام يزيد الجائر، وأنّه قُتل بسيف جدّه، يقول:
«يا أسفا على المصائب مرّة، ويا أسفا على مصيبة الحسين ألف مرّة، بوله يجري على صدر النبي(صلى الله عليه وآله)، ودمه يُراق على البوغاء ولا يُحقن، يا الله! ويا للمسلمين!»[369].
وللغزالي رأي في تحليل شهادة الحسين× وحادثة كربلاء، غريبٌ من نوعه[370]، يجانب الصواب كثيراً، فقد صرّح وقال:
«فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنّه قاتل الحسين أو آمر به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلاً، فلا يجوز أن يُقال: إنّه قتله أو أمر به ما لم يثبت فضلا ً عن اللعنة؛ لأنّه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق.. فإن قِيل: فهل يجوز أن يُقال: قاتل الحسين (لعنه الله) أو الآمر بقتله (لعنه الله)؟ قلنا: الصواب أن يُقال: قاتل الحسين إن مات قبل التوبة (لعنه الله)؛ لأنّه يُحتمل أن يموت قبل التوبة»[371].
أمّا ابن كثير الذي كان ينظر إلى تلك الحادثة من منظار أعداء الشيعة، ويتحامل عليهم في مواطن عديدة، فقد كتب: «وأمّا بقية أهل الحسين ونسائه، فقد أركبوهم على الرواحل من الهوادج، فلمّا مرّوا بمكان المعركة، ورأوا الحسين وأصحابه مطرحين هناك، بكته النساء وصرخن، وندبت زينب أخاها الحسين وأهلها وقالت وهي تبكي: يا محمداه، يا محمداه، صلّى عليك الله وملك السماه، هذا حسين بالعراه، مرمل بالدماه، مقطّع الأعضاء، يا محمداه، وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا، قال: فأبكت والله كلّ عدوٍّ وصديق»[372].
هذا غيضٌ من فيض من الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد، وكلمات علماء أهل السنة التي توحي بضرورة حبّ آل الله.
من الواضح أنّ لشهادة الحسين× إضافةً إلى بُعدها العاطفي أبعاداً أُخرى تتلخّص في البعد الإصلاحي، ومناهضة كلّ وجوه المنكر، بما فيه سلطة يزيد بن معاوية، ومن أهمّ التحدّيات الفكرية التي تواجه أهل السنة هي أسباب وأهداف وتداعيات هذه الحادثة من جهة، ودور يزيد وأذنابه في تلك الفاجعة من جهةٍ أُخرى، وقد انقسموا إزاء تعيين قتلة الحسين× وإمكانية الصفح عنهم ولعنهم إلى طوائف.
وقد ألقى معظم علماء أهل السنة وزر هذه الجريمة على يزيد وعمّاله، وجوّزوا لعنه حتى أنّ البعض تجاوز ذلك إلى التصريح بكفر يزيد وخروجه عن ربقة الإسلام.
وفي المقابل فإنّ ثلّة منهم ساورتهم الشكوك حيال جواز لعن يزيد بزعم براءته من تلك الجريمة واجتهاده وتأويله، كما أثارت في الوقت نفسه عجاج الشك حول فلسفة ثورة كربلاء ورسالتها ومبادئها الفكرية والدينية.
أهل السنة والنظريات الثلاث المعروفة
إنّ القيام التاريخي للإمام الحسين بن علي× أثار منذ البداية ردود فعل المسلمين بما فيهم أهل السنة، وقد سلّط مؤرّخوهم وفقهاؤهم ومحدّثوهم عدسات البحث صوبها، وكتبوا حولها تقارير مباشرة أو غير مباشرة، وقد أدّى ذلك وعلى مرّ العصور إلى بلورة وجهات نظر مختلفة، تراوحت بين الإقبال والإدبار.
ولعلّ أوّل مَن اهتمّ بنقل وجهات النظر تلك أحمد بن تيمية الحراني الدمشقي (661 ـ 728هـ)، حيث قام بتحليل وجهات النظر المذكورة حول ثورة كربلاء، وتصنيفها إلى ثلاث فرق، إذ قال:
افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق، طرفان ووسط، فأحد الطرفين قالوا: إنّه كان كافراً منافقاً، وأنّه سعى في قتل سبط رسول الله تشفّياً من رسول الله’ وانتقاماً منه، وأخذاً بثأر جدّه عتبة وأخي جدّه شيبة وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم ممَّن قتلهم أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر وغيرها، وقالوا: تلك أحقادٌ بدرية وآثار جاهلية، وهذا القول سهلٌ على الرافضة الذين يكفّرون أبا بكر وعمر وعثمان، فتكفير يزيد أسهل بكثير.
والطرف الثاني يظنّون أنّه كان رجلاً صالحاً وإماماً عدلاً، وأنّه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي’، وحمله على يديه وبرّك عليه، وربّما فضّله بعضهم على أبي بكر وعمر، وربّما جعله بعضهم نبياً، وهذا قول غالية العدوية والأكراد ونحوهم من الضُلّال.
والقول الثالث: إنّه كان ملكاً من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات، ولم يُولد إلّا في خلافة عثمان، ولم يكن كافراً ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرّة ولم يكن صحابياً ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامّة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة، ثمّ افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته، وفرقة أحبّته، وفرقة لا تسبّه ولا تحبّه، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميعالمسلمين[373].
وقد عدّ ابن الجوزي الذي ينتمي إلى الموالين للعن يزيد، الغزالي في طليعة أنصار يزيد. وعلى أيّة حال، فقد ارتضى علماء القرون اللاحقة هذا التقسيم، منهم عبد الحي العكبري الدمشقي، وهو من علماء القرن الحادي عشر في كتابه (شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب) حيث قال:
«والناس في يزيد ثلاث فرق: فرقة تحبّه وتتولّاه، وفرقة تسبّه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك، لا تتولّاه ولا تلعنه، وقال: هذه الفرقة هي المصيبة، ومذهبها هو اللائق لمَن يعرف سير الماضين، ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة»[374].
تدلّ القرائن التاريخية على أنّ ابن تيمية قد حاد عن جادة الصواب في هذا الموضوع، على غرار سائر أفكاره حول الإسلام، عندما قسّم لعن يزيد بين أهل السنة إلى ثلاث فرق، وهذا التصنيف هو أقرب إلى ميوله وعقائده منه إلى الواقع الفكري القائم بين أهل السنة.
تصدّى معظم أهل السنة ومن زوايا متعدّدة وبتعابير مختلفة إلى الدفاع عن نهضة كربلاء وأحقّية الحسين بن علي×، وذم يزيد بن معاوية ولعنه من جهات مختلفة، وفي الواقع فإنّهم ذهبوا إلى أنّ جريمة يزيد لا تُغتفر، ومن هذا الباب فكُفره مُحرز، وهذا ما يجعل سبّه ولعنه مباحاً، ولا يُقبل أيّ عذرٍ في هذا الصدد.
وقد قام بعضهم بلعن يزيد صراحةً ودون تورية، كما قام البعض الآخر بذكر الصفات الإنسانية والإسلامية البارزة للإمام الحسين×، وبيان شهادته وأصحابه، وبذلك قد أمضوا لعن يزيد مواراة.
تشهد المصادر التاريخية أنّ يزيد لم يطرد من قبل فقهاء أهل السنة الذين أنكروا حيازته للشروط اللازمة لتصدّي مقام الخلافة الإسلامية فحسب، بل إنّ بعض أبرز أُمراء بني أُميّة تعاطوا مع هذه المسألة بإيجابية، ورفضوا شرعية خلافته وأحقّية موقفه أمام الحسين بن علي×، وبهذا النحو أُزيلت عقبةٌ كأْداء بوجه لعنه وسبّه من منظار أتباعه، وهو خلافته الشرعية.
ولعلّ أشهرهم هو معاوية بن يزيد، الذي تمّ ترشيحه من قبل البلاط الأُموي لتصدّي الخلافة بعد هلاك يزيد، صعد المنبر لمّا ولي العهد وخاطب الأُمويين وأهل الشام بقوله:
«إنّ هذه الخلافة حبل الله، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله، ومَن هو أحقّ به منه علي بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهله، ونازع ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ بكى وقال:
«إنّ من أعظم الأُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله، وأباح الخمر، وخرب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أذوق مرارتها، ولا أتقلّدها، فشأنكم في أمركم، والله، لئن كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حظاً وإن كانت شراً فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها»[375].
ولم يقتصر الأمر عليه بل إنّ عمر بن عبد العزيز أحد خلفاء بني أُميّة الذي حظى بتأييد واسع من قبل فقهاء أهل السنة، أبرز امتعاضه لدى سماعه إطلاق عنوان أمير المؤمنين على يزيد بن معاوية، وهذا يدلّ على الانحلال الخلقي ليزيد، وعدم إمكان التكتّم عليه، وبالتالي جواز لعنه.
قال نوفل بن أبي الفرات: «كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد، فقال: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال له عمر: تقول يزيد أمير المؤمنين؟! وأمر به فضُرب عشرين سوطاً»[376].
ولم تساور الحسن البصري (21 ـ 110هـ) وهو من جملة علماء أهل السنة المعروفين، الشكوك حيال فساد يزيد وجرائمه، بل إنّه تجاوز ذلك إلى فساد معاوية بن أبي سفيان، وأنّه ارتكب أربع موبقات.
قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم: وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين، وادّعاؤه زياداً، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، وبتوليته مثل يزيد على الناس[377].
وكذلك تعرّض لمسألة البيعة ليزيد التي طرحها معاوية، والتي تعتبر من أهمّ أسباب شيوع الفساد في أوساط المسلمين، شاركه فيها المغيرة بن شعبة باعتباره أوّل مَن طرح الفكرة على معاوية، قال السيوطي:
قال الحسن البصري: «أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت، ونال من القراء فحكم الخوارج، فلايزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة فإنّه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي فأقبل معزولاً، فأبطأ عنه، فلمّا ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمرٌ كنت أُوطّئه وأُهيّئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلمّا خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لايزال فيه إلى يوم القيامة.
قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة»[378].
تدلّ هذه الكلمات على أنّ الحسن البصري يعتقد أنّ فساد حكومة معاوية وولاية العهد ليزيد يعود إلى مخطّطات أُبرمت خارج البيت الأُموي من قبل عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، فلولاهما لما حالف الأُمويون النجاح في بلوغ مآربهم الفاسدة ورغباتهم الجانحة؛ إذ في ظل التحكيم نجا معاوية من ورطة الهلاك، وتمكّن من اعتلاء العرش عام (40هـ) وفي عام (61هـ) وقعت فاجعة كربلاء، كما يعتقد أنّ الفساد سرى في أروقة الحكم الأُموي، ممّا حدا بالإمام× إلى مواجهة هذا الحكم الفاسد ومكافحة الفساد المستشري.
«عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: إنّ قوماً ينسبوننا إلى تولّي يزيد، فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله؟! ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟! فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) فهل يكون فساد أعظم من القتل؟!»[379].
من المعروف بين قدماء الفقهاء وزعماء المذاهب أنّ أحمد بن حنبل قد لعن يزيد بن معاوية نظراً لارتكابه جريمة كربلاء، تلك الجريمة التي لا تُغتفر، ولكن الواقع أنّ سائر زعماء أهل السنة يتّفقون معه في ذلك، فهذا هو النعمان بن ثابت الكابلي المعروف بأبي حنيفة (80 ـ 150هـ) وإمام المذهب الحنفي، كان من المناوئين لحكومة بني أُميّة، فقد عاش في زمن بني أُميّة وبني العباس، وكان علوي الهوى، ولم يكن يكتم سخطه على بني أُميّة، وهو وإن لم يرفع لواء العصيان ضدّهم إلّا أنّه جوّز ذلك، حيث قام بدعم وتأييد ثورة زيد بن علي زين العابدين عام (121هـ) ضدّ هشام بن عبد الملك معتبراً إيّاها ثورة شرعية[380].
وأوضح دليلٍ على هذا الموضوع تقرير السيوطي عن مخالفة أبي حنيفة والفقهاء المعروفين، كعبد الحميد بن جعفر وابن عجلان وآخرين لمنصور الدوانيقي، مع أنّهم قد عقدوا البيعة له.
لا شكّ أنّ معظم فقهاء أهل السنة قد ذهبوا إلى ضرورة اتّباع الخليفة شرعاً وإطاعته، فيما إذا عُقدت البيعة له عن رضا ورغبة واختيار، وعلى هذا الأساس فقد رفع كلّ من أبي حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان، وسائر فقهاء أهل السنة المعروفين آنذاك لواء العصيان على المنصور العباسي، رغم أخذ البيعة منهم عنوةً، وحينما قِيل: «إنّ في أعناقنا بيعة للمنصور»، قال مالك بن أنس: «ليس على مكره يمين»[381].
وأمّا أبوعثمان عمرو بن الجاحظ (150 ـ 255هـ) الذي صنّف آثاراً إسلامية وأدبية لا حصر لها ذاع على أثرها صيته في الآفاق، فقد انهال على يزيد باللعن رغم ميوله الشديدة لحكومات عصره، حيث كتب في رسالة بني أُميّة، يقول: «المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين، وحمله بنات رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدلّ على القسوة والغلظة والنصب، وسوء الرأي والحقد والبغضاء، والنفاق والخروج من الإيمان، فالفاسق ملعون، ومَن نهى عن شتم الملعون ملعون»[382].
وقد أورد الطبراني (260 ـ 360هـ) عن النبي(صلى الله عليه وآله) حديثاً صحيحاً ذكر فيه وجوب حرمة الحسين× وأهل بيته، ثمّ تطرّق إلى سجل يزيد وابن زياد الأسود في كربلاء والكوفة والشام، ونكتْ يزيد بقضيبٍ ثنايا الحسين×، وصنّف في هذا الصدد كتاب (مقتل الحسين بن علي×)، حيث أورد فيه أحاديث لا حصر لها عن مكانة الحسين× وشهادته، ممّا ينم عن موافقته على لعن يزيد وكفره، ذلك أنّ المخالفين كذّبوا وقوع تلك الأحداث في كربلاء والكوفة والشام.
و صنّف القاضي أبو يعلى الحنبلي (380 ـ 458هـ) كتاباً ذكر فيه بيان مَن يستحقّ اللعن وذكر منهم يزيد، وقال في الكتاب المذكور:
«الممتنع من جواز لعن يزيد، إمّا أن يكون غير عالم بذلك، أو منافقاً يريد أن يوهم بذلك، وربما استفزّ الجهال، بقوله: المؤمن لا يكون لعّاناً»[383].
كما كتب الأجهوري ينقل عن أُستاذه يقول:
«وقد اختار الإمام محمد بن عرفة والمحقّقون من أتباعه كفر الحجّاج، ولا شك أنّ جريمته كجريمة يزيد بل دونها»[384].
ولم يقتصر الموافقون على كفر يزيد وجواز لعنه على مَن ذكرنا، بل هناك مَن جوّز اللعن كابن حزم الأندلسي وجلال الدين السيوطي، اللذين ذهبا إلى انتهاء أمَد الخلافة الإسلامية بعد صلح الحسن× وانتهاء حكومته، وقد نقل السيوطي: «أخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن سعيد بن جمهان، قال: قلت لسفينة: إنّ بني أُميّة يزعمون أنّ الخلافة فيهم، قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك من أشدّ الملوك، وأوّل الملوك معاوية»[385].
وأورد حديثاً عن الإمام أحمد عن سعيد بن جمهان عن سفينة، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة ثلاثون عاماً، ثم يكون من بعد ذلك الملك.
قال العلماء: ولم يكن في الثلاثين بعده(صلى الله عليه وآله) إلّا الخلفاء الأربعة وأيّام الحسن بن علي[386].
وقال أيضاً: وقُتل الحسين وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضاً، وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون[387].
قال الشوكاني: «ولقد أفرط بعض أهل العلم.. فحكموا بأنّ الحسين السبط (رضي الله عنه وأرضاه) باغٍ على الخمِّير السكير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهّرة يزيد بن معاوية (لعنهم الله)، فياللعجب من مقالات تقشعرّ منها الجلود، ويتصدّع من سماعها كلّ جلمود»[388].
وقد أفرد ابن عساكر (المتوفى571هـ) المؤرِّخ والرجالي المعروف، وصاحب كتاب تاريخ مدينة دمشق، بحثاً خاصاً بالحسين× في كتاب ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين×، تطرّق فيه إلى يزيد وأشعاره التي أنشدها في المجلس:
لَعبت
هاشم بالملك |
وأضاف: فإن صحّت عنه فهو كافرٌ بلا ريب[389].
وقد أورد حديثاً: «أنّ قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم»[390].
ويرى الفيلسوف المعروف ابن رشد المالكي (520 ـ 595هـ) أنّ بيعة معاوية ليزيد قد غيّرت مجرى الحياة الإسلامية، وهدمت الحكم الصالح في الإسلام، قال:
«إنّ أحوال العرب في عهد الخلفاء الراشدين كانت على غاية من الصلاح، فكأنّما وصف أفلاطون حكومتهم في جمهوريته الحكومة الجمهورية الصحيحة، التي يجب أن تكون مثالاً لجميع الحكومات، ولكن معاوية هدم ذلك البناء الجليل القديم، وأقام مكانه دولة بني أُميّة وسلطانها الشديد، ففتح بذلك باباً للفتن التي لا تزال إلى الآن قائمة حتى في بلادنا هذه، يعني الأندلس»[391].
وبهذا النحو لا يرى أنّ جريمة كربلاء تنحصر بيزيد، بل إنّ منشأ الانحراف وتلك الجريمة يعود إلى معاوية وما قام به، بعد أن اعتبر كفر يزيد ولعنه أمراً مسلّماً به.
وقد صنّف أبو الفرج بن الجوزي (511 ـ 597هـ) كتاباً في لزوم لعن يزيد تحت عنوان (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد) قال فيه: «أجاز العلماء الورعون لعنه.. وحكي عن الإمام قوام الدين الصفاري: لا بأس بلعن يزيد»[392].
وقال أيضاً: «واعلم أنّه ما رضي ببيعة يزيد أحد ممَّن يُعوّل عليه، حتى العوام أنكروا ذلك، غير أنّهم سكتوا خوفاً على أنفسهم... وأجمع العلماء على أنّه لا يجوز التنصيص على إمام بالتشهي، وأنّه لا بدّ له من صفات، وصفات الإمام وشروط الإمامة جمعها الحسين×، لا يقاربه فيها أحد من زمانه... وإذا ثبت أنّ الصحابة كانوا يطلبون الأفضل وما يرونه إلّا حقّ، أفيشك أحد أنّ الحسين كان أحقّ بالخلافة من يزيد؟... ولو قيل لأجهل الناس: أيّهما أصلح الحسين أو يزيد؟ لقال: الحسين، فبان ما ذكرناه أنّ ولاية يزيد كانت قهراً، وإنّما سكت الناس خوفاً»[393].
وقد خصّص محمد بن طلحة النصيبي الشافعي (المتوفى652هـ) الباب الثالث من كتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) بالحسين× حيث ذكر فيه ولادته ونسبه وتسميته وكنيته ولقبه، وما ورد في حقّه، وفي شجاعته وشرف نفسه وكرمه وكلامه، ثمّ ذكر أولاده وعمره وخروجه من المدينة إلى مكة ثمّ إلى العراق، ولمّا وصل إلى مصرعه ومقتله راح يطلق العنان لقلمه ليبوح عن مكنون قلبه تجاه السبط الشهيد، حيث نلمس فيه آيات الحزن العميق، قائلاً:
«وهو فصلٌ مضمونه يسكب المدامع من الأجفان، ويجلب الفجائع لإثارة الأحزان، ويلهب نيران الموجدة على أكباد ذوي الإيمان، بما أجرته الأقدار للفجرة من الاجتراء وفتكها واعتدائها على الذرية النبوية بسفح دمائها وسفكها، واستبائها مصونات نسائها وهتكها، حتى تركوا لمم رجالها بنجيعها مخضوبة، وأشلاء جثثها على الثرى مسلوبة، ومخدّرات حرائرها سبايا منهوبة، فكم كبيرة من جريمة ارتكبوها واجترموها!
وكم من نفس معصومة أزهقوها واخترموها!
وكم من كبد حرى منعوها ورود الماء المباح وحرموها!
ثمّ احتزوا رأس سبط رسول الله(صلى الله عليه وآله) وجثة الحسين× بشبا الحداد، ورفعوه كما يرفع رأس ذوي الإلحاد على رؤوس الصعاد، واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد، واستاقوا حرمه وأطفاله أذلّاء من الاضطهاد، وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد.
هذا مع علمهم بأنّها الذرية النبوية المسؤول لها المودّة بصريح القرآن وصحيح الاعتقاد، فلو نطقت السماء والأرض لرثت لها ورثتها، ولو اطّلعت عليها مردة الكفر لبكتها وندبتها، ولو حضرت مصرعها عتاة الجاهلية لأبكتها ونعتها، ولو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لأغاثتها ونصرتها.
فيا لها من مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحدين فأورثتها! وبلية أحلت الكآبة بنفوس المؤمنين سلفاً وخلفاً فأحزنتها! فوا لهفتاه لذرية نبويّة ظلّ دمها! وعترة محمدية فل مخذمها! وعصبة علوية خُذلت فقتل مقدمها! وزمرة هاشمية استبيح حرمها واستحل محرمها!»[394].
وكان يذكر ابن زياد بقوله: (زاده الله عذاباً)[395].
ثمّ أنشد في الحسين× قائلاً:
ألا
أيّها العادون إنّ أمامکم |
وصرّح سعد الدين التفتازاني (722 ـ 792هـ) في كتابه المعروف بـ(شرح العقائد النسفية) بلزوم لعن يزيد، وقال: «اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضى به، قال: والحق أنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ممّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحاداً، وقال أيضاً: نحن لا نتوقّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه (لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه)»[397].
ولم يتردّد ابن العماد الحنبلي في لعن معاوية أو يزيد، وقال: «ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة، وأنّ المراد به الغالب وعدم الاعتداد بالنادر، والذين ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة، وقال اليافعي: وأمّا حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممَّن استحلّ ذلك فهو كافر، وإن لم يستحلّ ففاسقٌ فاجر»[398].
وقد كتب شمس الدين الذهبي (المتوفى 747هـ) صاحب التصانيف المهمّة مثل: (تاريخ الإسلام) و(سير أعلام النبلاء) حول يزيد بن معاوية يقول:
«كان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يُبارك في عمره»[399].
أمّا إبراهيم بن محمد الجويني (644 ـ 730هـ) فقد كتب في كتابه النفيس (فرائد السمطين): «لمّا قُتل الحسين بن علي‘، بُعث برأسه إلى يزيد بن معاوية ـ عليه اللعنة والسخط ـ »[400].
وأنشد جلال الدين محمد البلخي المعروف بمولوي (604 ـ 672هـ) أشعاراً حول واقعة كربلاء واستشهاد الحسين×، معروفةً لدى أرباب العلم والمعرفة والعرفان، أطلق عنوان (شهداء الله) على الحسين× وأصحابه، ممّا ينمّ عن كفر يزيد وطغمته، قائلاً[401]:
شهداء
الله إلی أين رحلتم |
وقد اعتبر المؤرِّخ المعروف حمد الله المستوفي (المتوفى750هـ) في كتابه (التاريخ المنتخب) الإمام الحسن× آخر الخلفاء الراشدين، واصفاً إيّاه بأمير المؤمنين، ورأى أنّ الحسين× وأبناءه جديرون بالخلافة، وأنّ الحكم الأُموي المتمثّل بيزيد غير شرعي[402].
هذا وأدلى عبد الرحمن بن خلدون (730 ـ 808هـ) بدلوه عندما تعرّض لشروط الخلافة، وتحليل الأوضاع السياسية للمسلمين عام (61هـ)، دون أن تراوده الشكوك إزاء فسق يزيد وعدم أهليته لتصدّي منصب الخلافة، ودعا إلى الابتعاد عن أي سوء فهم، أو التشكيك بأحقّية المواقف الإصلاحية للإمام الحسين× وقداسة أهداف ثورة كربلاء، وكان يعتقد أنّ معاوية كان يجهل فسق يزيد وفجوره، ولو كان يعلم بذلك لما عهد إليه بالولاية، ويقول: «عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة بما كانت بنو أُمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى مَن سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أنّ ظنّهم كان به صالحاً ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يظنّ بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد إليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق»[403].
كما صرّح أنّ العدالة شرطٌ لازم للخلافة، وكان يزيد عارياً منها، لذلك فبيعته تفتقر إلى الطابع الشرعي، وهذا يقتضي (أنّ الخروج عليه متعيّن من أجل فسقه)[404].
وعقد ابن الصباغ المالكي (784 ـ 855هـ) ـ وهو من أكابر علماء أهل السنة وأشهر علماء المذهب المالكي ـ في الفصل الثالث من كتابه (الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة) بحثاً ذكر فيه الحسين بن علي× ومولده ونسبه وكنيته ولقبه، وفيما ورد في حقّه من جهة النبي(صلى الله عليه وآله)، وفي علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادته، وذكر كرمه وجوده، وذكر شيء من محاسن كلامه وبديع نظامه، وذكر مخرجه إلى العراق، كما ذكر مصرعه ومدّةعمره وإمامته، ثمّ ختمه بذكر أولاده الكرام[405].
وكان كلّما ذكر أسماء قتلة الإمام الحسين× يردفه بـ (لعنه الله)[406]، وقد ذكر يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، وأردفه بـ (لعنهما الله)[407].
وكان عبد الرحمن جامي الهروي (817 ـ 889هـ) وهو من أبرز علماء السنة في العهد التيموري، يطعن بالشيعة وينال منهم وينقد أفكارهم، ورغم ذلك كان يعتقد أنّ مواقف علي× ضدّ معاوية على حق وأنّ شنّ الحرب على الإمام× خطأٌ ومنكر، ويقول:
حق
در آنجا به دست حيدر بود |
وكانت له مواقف متشدّدة حيال اللعن، ويستنكر لعن أهل القبلة، إلّا أنّه عندما يذكر يزيد بن معاوية لا يتوقّف عن لعنه فقط بل ويلعن مَن أنكر لعنه[408].
وأمّا فضل الله بن روزبهان الخنجي (المتوفى927هـ) الذي اتّهم في كتابه (إبطال نهج الباطل وإهمال كشف العاطل) بالتعصّب المذهبي وانحرافه عن أهل البيت^، وأدّى ذلك إلى تصنيف كتاب (إحقاق الحق) ردّاً عليه، فإنّه حينما تناول شخصية ومكانة الحسين بن علي× أسهب في الحديث عنه، وقال: «اللّهم صلّي وسلّم على الإمام الثالث الملقّب بالشهيد، والشهيد هو الذي قُتل في ساحات الوغى ضدّ الكفار.. فقد شهر الإمام× سيف الدفاع عن الدين بوجه جبّار عنيد متكبّر، وفي هذا دلالة على رفضه لخلافة يزيد (عليه اللعنة والعذاب)»[409].
وقد كتب في موضعٍ آخر عن عظمة حادثة كربلاء يقول: «في الجملة لم تقع في الإسلام حادثة عظيمة كحادثة كربلاء، فلعنة الله بعدد علم الله على مَن حضر لقتال الإمام× وشارك فيه وأمر بذلك ورضى به، وعلى مَن مارس الجور عليه وعلى جدّه وأبيه وأُمّه الزهراء (عليهم الصلوات والسلام) إلى يوم القيامة»[410].
وأنشد شمس الدين محمد بن طولون (المتوفى935هـ) في كتابه (الشذرات الذهبية في تراجم الأئمّة الاثنى عشرية عند الإمامية) أبياتاً في بيان أسماء أئمّة أهل البيت^، وقال:
عليك
بالأئمّة الاثنی عشـر |
وذكر أنّ الحسين× استُشهد يوم عاشوراء عام (61هـ) في كربلاء، وله هناك مرقد معروف يُزار، ويقصده الناس للزيارة والتبرّك، ويقيمون له مآتم كلّ عام حزناً عليه، وقد أفرد كتاباً في هذا الصدد تحت عنوان: (هطل العين في مصرع الحسين)، ومن المؤسف أنّ هذا الأثر لعبت به أيدي الزمان.
وعلى أيّة حال، نستخلص من المصادر التاريخية أنّ الحسين× وثورته الكبرى نالت إقبالاً واسعاً في أوساط أهل السنة في القرنين التاسع والعاشر، وراجت لدى كلا الفريقين إقامة المآتم ومجالس العزاء لإحياء ذكرى استشهاده، ويعدّ الكتاب المعروف بـ(روضة الشهداء) لملا حسين الكاشفي السبزواري (المتوفى910هـ)، أوّل كتاب صُنّف باللغة الفارسية في بيان مصائب العترة الطاهرة^، وقد اتّهم مؤلّفه بالتسنن في سبزوار وبالتشيع في هرات، وذكر زين الدين محمود واصفي صاحب كتاب (بدائع الوقائع)، وهو من عرفاء أهل السنة المعروفين في العهد التيموري إقامة مجالس العزاء على الحسين× من قبل أهل السنة في هرات ونيشابور وسائر بقاع العالم الإسلامي، كما أنّه هو نفسه كان يقيم المآتم لبيان مصائب السبط الشهيد.
وتطرّق سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي البلخي (1220 ـ 1294هـ)، الذي يعدّ من أبرز علماء المذهب الحنفي في القرن الثالث عشر الهجري، تطرّق في كتابه القيم (ينابيع المودة) إلى مناقب الأئمّة^ وفضائلهم، وكان يتحدّث عن الحسين× وقضية استشهاده بحزن وأسى ولوعة، وبعدما نقل حضور السبايا في مجلس يزيد يرسل اللعنات عليه ويقول: «ثمّ أمر يزيد الملعون أن يحضروا عنده حرم الحسين وأهل بيته»[411].
إنّ حبّ الحسين× والولاء له ولعن مَن قتله ومَن أمر بذلك قد دام قروناً مديدة، وأقدم العديد من أهل السنة والجماعة على تصنيف كتب حول أهل البيت^، واستشهاد الحسين×، أو على تخصيص فصل ببيان ذلك دون تحريفٍ أو ترديد، وأثنوا عليه بأبلغ كلمات المدح والثناء، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى كتاب (نور الأبصار) للشبلنجي، و(الإتحاف بحبّ الأشراف) للشبراوي، و(المناقب في مقالات وصفات المعصومين) لمحيي الدين بن عربي[412].
هذه النظرة التي تتلخّص في الثناء على الحسين× على مختلف الصعد ولعن يزيد وتكفيره، يمكن تحليلها وتقييمها من أبعاد مختلفة:
أ ـ هذه النظرة تستند إلى آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية، حتى اعتبرها بعض المختصّين محلّ اتّفاق بين علماء الإسلام.
ب ـ يمكن القول: إنّ مَن تبنّاها من أهل السنة لا ينحصر بعصرٍ خاصّ، أو مذهبٍ خاصّ، فقد انتشر الموافقون لها من دمشق مركز الحكم الأُموي، وحتى مصر وإيران وخراسان والهند وما وراء النهر، ومن مختلف المذاهب.
وبهذا النحو يبدو أنّه لا يلوح في الأُفق عوامل تعيق الأبحاث العلمية والمنهجية لكشف حقائق التاريخ، وقد تمكّن العلماء على ضوء هذه الواقعية والدقّة من الظفر بالحقائق بعيداً عن التعصّب الديني والقومي واللساني والحضاري والسياسي، وانتهوا إلى أنّ مواقف الحسين× جاءت صورة طبق الأصل للدين والأُصول الإسلامية، وأنّ مواقف يزيد على الجانب الآخر وتصبّ في صالح الشيطان.
وفي هذا السياق فإنّ الموضوعية من جملة الأُصول التي تشبّث بها المخالفون أيضاً، وأصرّوا على ضرورة مناقشة الأحداث التاريخية بعيداً عن العواطف والتعصّبات، حتى يتمكّن من نيل الحقائق دون مواربة أو تحريف.
ج ـ يستخلص من جملة أقوال الموافقين للعن يزيد وتكفيره، أنّ هذه النظرة قبل أن تكون نظرة مرحلية أو مذهبية أو سياسية فهي أصلٌ عقائدي، ومن هذا الجانب فقد كان أهل السنة منذ القدم يحيون ذكرى عاشوراء كإخوتهم الشيعة، ويقيمون مآتم على السبط الشهيد، ويتبرّعون بالنذور والأطعمة على صعيدٍ واسع، وفي الواقع استشرى هذا الوضع منذ العهد الصفوي في إيران أواخر القرن التاسع، وجاء تدوين كتاب (روضة الشهداء) تلبيةً لمتطلّبات أهل السنة في هرات في العهد التيموري.
لم يدُم الوضع كما هو، فقد أخذت إقامة المآتم بين أهل السنة بالانحسار والأُفول بعد العهد الصفوي؛ بسبب اتّخاذ مواقف مناوئة للسياسات الصفوية، وما بقاء مراسم العزاء في نقاط نائية لم تجتاحها السياسات المغرضة في مناطق سنية كالهند وباكستان وجنوب شرق آسيا وأفغانستان إلّا شاهد على هذا المُدّعى.
علماء السنة المعاصرون وثورة كربلاء
بمضي الزمن اتخذت وجهات نظر مفكري أهل السنة حول ثورة كربلاء أبعاداً أكثر وضوحاً[413]، هذا الأمر انبثق من الضرورات الاجتماعية والسياسية، مثل ضرورة التأسّي بالقائد والثورة باعتباره مصباحاً للهدى عند مواجهة مختلف الأزمات الثقافية والسياسية والاجتماعية الناشئة من الاستبداد والاستعمار من جهة، ومبعث أمل بانتهاء التعصّب الناشئ من النظرة السياسية الضيقة للخلافة العباسية والعثمانية من جهةٍ أُخرى، وهذا الوضع فسح المجال أمام المثقّفين وعلماء السنة للاقتراب من الواقع أكثر.
وقد لعب السيد جمال الدين الأفغاني (1254 ـ 1314هـ) ـ أحد المفكّرين المعروفين في العالم الإسلامي ـ دوراً تاريخياً في الصحوة الإسلامية وإصلاح الفكر الديني، وله حول ثورة كربلاء جملة معروفة تكشف عن نظرته حول ضرورة وقيمة هذه الثورة وأهمّيتها في إحياء الدين وبقاء البعثة، هذه الجملة هي: «الإسلام محمدي الحدوث وحسينيّ البقاء»، فثورة كربلاء امتداد لبعثة الأنبياء لا سيما خاتمهم محمد(صلى الله عليه وآله)، وهي ليست شرعية من الناحية الدينية فحسب، بل تعدّ ضرورة ملحّة.
وكان تلميذه الإمام محمد عبده، الذي لازمه وحمل أفكاره في مكافحة الاستبداد والاستعمار، كان يرأى عدم شرعية حكومة يزيد قبل فاجعة كربلاء، وكان يعتقد أنّ يزيد لم يكن خليفة للمسلمين، بل إنّ جهاده واجبٌ شرعيٌّ، وتكليفٌ دينيٌّ يقع على عاتق المسلمين كافّةً، وقال: «إنّ الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتدّ عن الإسلام واجبٌ، وأنّ إباحة المُجمَع على تحريمه كالزنا والسكر، واستباحة إبطال الحدود وشرع ما لم يأذن به الله كفر وردّة، وأنّه إذا وُجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع وحكومة جائرة تعطّله وجب على كلّ مسلم نصر الأُولى ما استطاع.. ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول على إمام الجور والبغي الذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر، يزيد بن معاوية خذله الله وخذل مَن انتصر له من الكرامية والنواصب»[414].
وقد اعترض الدكتور طه حسين على بدعة معاوية في تنصيب يزيد لولاية العهد، والتي اعتبرها فاتحةً لانحرافات دينية وسياسية واسعة في عالم الإسلام قائلاً:
«وأمرٌ آخر استحدثه معاوية في الإسلام فغيّر به السنة الموروثة تغييراً خطيراً، وهو استخلاف ابنه يزيد بعده على سلطان المسلمين، ولم يكره المسلمون شيئاً في الصدر الأول من أيّامهم كما كرهوا وراثة الخلافة، فقد عهد أبو بكر إلى عمر ولم يخطر له أن يعهد إلى أحدٍ من بنيه، وزجر عمر مَن طلب إليه أن يعهد لعبد الله ابنه، ولم يخطر لعثمان أن يعهد إلى أحد»[415].
وقال أيضاً:
«لقد قاتل معاوية علياً على دم عثمان من جهة، وعلى أن يردّ الخلافة شورى بين المسلمين من جهةٍ أُخرى، فلمّا استقام له السلطان نسي ما قاتل عليه أو أعرض عمّا قاتل عليه، ولمّا أراد مصالحة الحسن عرض عليه أن يجعل له ولاية الأمر من بعده فأبى الحسن ذلك، واشترط فيما اشترط أن يعود الأمر بعد معاوية شورى بين المسلمين، يختارون لخلافتهم مَن أحبّوا... فهو إذن كان يرى الشورى في أمر الخلافة قبل أن يستقيم له أمر الناس، وقبل أصل الشورى أثناء الصلح حين همّ أمر الناس أن يستقيم له، ثمّ نسي هذا كلّه بأخرة.
ويُقال: إنّ المغيرة بن شعبة هو الذي ألقى في قلبه هذا الخاطر، فمال إليه وشاور فيه زياداً، فأشار عليه بالأناة وبأن يصلح من سيرة يزيد.
وكان يزيد فتى من فتيان قريش صاحب لهو وعبث، محباً للصيد مسرفاً على نفسه في لذّاته، مستهتراً لا يتحفّظ، وكان ربّما أضاع الصلاة، فأخذه أبوه بالحزم، وأغزاه الروم، وأمّره على الحج؛ يمهّد بهذا كلّه لتوليته العهد...
وكذلك استقرّ في الإسلام لأوّل مرة هذا الملك، الذي يقوم على البأس والبطش والخوف، والذي يرثه الأبناء عن الآباء، وأصبحت الأُمّة كأنّها ملك لصاحب السلطان، ينقله إلى مَن أحبّ من أبنائه كما يُنقل إليه ما يملك من سائل المال وجامده»[416].
وقد عكس المفكر المعاصر والمصلح الكبير محمد إقبال اللاهوري أفكاره في أشعار يُثني فيها على الحسين×، ويعتبره جديراً بالخلافة والثورة، ويصفه بأنّه مولى أبرار العالم، وقوة عضد لأحرار العالم[417]، وعليه فالحسين× لا يختص بالمسلمين، بل لأهل الحقّ قاطبةً الذين تعلموا منه درس الحرية، ويصف ثورته بأنّها أعظم رمز لإنارة الحقّ والحرية الذي ينشده البشر، وأنّها استمرار لخطّ الأنبياء الإلهيين ضدّ الطواغيت والجبابرة في طول التاريخ، كما اعتبر يزيد مظهراً من مظاهر الكفر والشرك والظلام، ووارث الكفار والجبابرة، كشداد ونمرود وفرعون وأبي جهل، وفي الواقع فإنّ إقبال قد سلب عنوان المسلم عن يزيد رغم ظاهره الإسلامي الخداع، فما بالك أن يتصدى الخلافة الدينية ومقام أُولي الأمر.
وقد توصّل الأُستاذ محمد عبد الباقي الخبير بالعلوم الإسلامية والمتضلّع بتفسير القرآن والتاريخ والحديث، بعد دراسة واسعة إلى عدم شرعية خلافة يزيد وولاية عهده، وحتمية المضي في سبيل الثورة من قبل الحسين× لأداء التكليف الإلهي، بهدف التعريف بالإسلام الأصيل وإفشاء الوجه القبيح ليزيد بن معاوية، حيث قال:
«لو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر، الذي أباح الخمر والزنا، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات، وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم، والذي ألبس الكلاب والقرود خلاخل من ذهب ومئات الأُلوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان، لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) على هذا الوضع لكانت فُتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين وكان سكوته هذا أيضاً رضىً، والرضى من ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الإسلامية، والحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية المسؤولة في الجزيرة العربية، بل في البلاد الإسلامية كافّة عن حماية التراث الإسلامي؛ لمكانته في المسلمين، ولقرابته من رسول ربّ العالمين؛ ولكونه بعد موت كبار المسلمين كان أعظم المسلمين في ذلك الوقت علماً وزهداً وحسباً ومكانة، فعلى هذا الوضع أحسّ بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدّها، ولا سيما أنّ الذي يضع هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)»[418].
وقال الأُستاذ عبد الحفيظ أبو السعود:
«ورأى الحسين أنّه مطالب الآن ـ يعنيبعدهلاك معاوية ـ أنيعلنرفضهلهذهالبيعة، وأنيأخذالبيعةلنفسهمنالمسلمين، وهذاأقلّمايجب، حفاظاًلأمرالله، ورفعاًللظلم، وإبعاداًلهذاالعابثـ يعنييزيد ـ عنذلك المنصب الجليل»[419].
وتشكّل ولاية عهد يزيد وخلافته عند الدكتور أحمد محمود صبحي انحرافاً خطيراً عند أهل السنة، وقد أدّى الحسين× بحركته تلك مهامه الدينية، وقال:
«إنّه في ظلّ دولة يقوم نظامها السياسي على أُسس دينية لا تُعدّ البيعة أو انتخاب الحاكم مجرّد عمل سياسي، ففي إقدام الحسين على بيعة يزيد انحراف عن أصل من أُصول الدين، من حيث إنّ السياسة الدينية للمسلمين لا ترى في ولاية العهد ووراثة الملك إلّا بدعة هرقلية دخيلة على الإسلام، ومن حيث إنّ اختيار شخص يزيد مع ما عرف عنه من سوء السيرة وميله إلى اللهو وشرب الخمر ومنادمة القرود، ليتولّى منصب الخلافة عن رسول الله، أكبر رزء يحلّ بالنظام السياسي للإسلام، يتحمّل وزره كلّ مَن شارك فيه ورضى عنه، فما بالك إذا كان المقدم على ذلك هو ابن بنت رسول الله.
كان خروج الحسين إذاً أمر يتّصل بالدعوة والعقيدة أكثر ممّا يتصّل بالسياسة والحرب، ولقد أراد الحسين أن يصلح كثيراً من مسائل العقيدة بعد أن اختلّت الموازين أثناء خلافة معاوية، ذلك أنّ معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوّة فحسب، ولكن بأيديولوجية تمسّ العقيدة في الصميم، فلقد كان يعلن في الناس أنّ الخلافة بينه وبين عليّ قد احتكما فيها إلى الله، وقضى الله له على عليّ، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أنّ اختيار يزيد للخلافة كان قضاء من القضاء، وليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد يستقرّ في أذهان المسلمين أنّ كلّ ما يأمر به الخليفة حتى لو كانت طاعة الله في خلافه قضاء من الله قد قُدّر على العباد»[420].
لذلك لم يكن يزيد أهلاً لتولّي الخلافة الدينية ولم يكن يتمتّع بالمعايير الإسلامية والدينية، لذلك كان الواجب يحتّم عليه× القيام بوجه الحكم الأُموي الذي استحلّ حرمات الله، ونكث عهوده، وخالف سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)[421]، وهو× القائل:
«إنّ هؤلاء قومٌ لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين، وأنا أولى مَن قام بنصرة دين الله، وإعزاز شرعه، والجهاد في سبيله؛ لتكون كلمة الله هي العليا»[422].
وقد كتب عبد الله العلايلي أنّ خلافة يزيد غير شرعية ولا يصحّ للمسلم السكوت معه أبداً، وقال:
«ثبت لمفكّري المسلمين عامّةً في ذلك الحين أنّ يزيد بالنظر إلى خلقه الخاص وتربيته ذات اللون المتميز سيكون أداة هدّامة في بناء الحكومة والدين معاً، وعدّوا ولايته منكَراً كبيراً، لا يصحّ للمسلم السكوت معه أبداً، ومن واجبه الجهر بالإنكار، إذاً فحركة الحسين× لم تكن في حقيقتها ترشيحاً لنفسه، بل للإنكار على ولاية يزيد أوّلاً وبالذات، بدليل قول الحسين للوليد لمّا طلبه للبيعة: إنّ يزيد فاسق مجاهر لله بالفسوق، وكما قلنا، كان هذا الشعور والاستياء عامّاً في المسلمين»[423].
لقد بلغ عدد علماء السنة الذين صرحوا بعدم شرعية خلافة يزيد وولاية عهده حداً لا يُحصى.
وهنا نجد من المناسب أن نعرّج على كلام للشلبي من أساتذة جامعة الأزهر، فقد أشار عند استعراضه لبحث أدوار الفقه الإسلامي وسير الاجتهاد في الإسلام إلى عوامل اختلاف الاجتهاد، وكتب يقول: «انصراف الخلفاء الأُمويين إلى السياسة وابتعادهم عن سيرة السلف من الخلفاء فأحدثوا أُموراً لم تكن مشروعة في الإسلام، ممّا جعل العلماء ينظرون إليهم نظرةً أُخرى غير نظرتهم للخلفاء الراشدين، فاجتنبوهم وحصلت الجفوة بينهم، ولم يعُد للشورى مكانها الأوّل، فلقد أحدثوا ولاية العهد، فكان الخليفة يجمع الناس في حياته ليعقد البيعة لابنه أو لأخيه ـ إن لم يكن له ابن ـ ينتزع منهم بيعة صورية يكره الناس عليها بقوّته وسلطانه، ولا يترك الأمر شورى للمسلمين.
ولما في هذا الأمر من مخالفة لأُصول الشريعة أباه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وأعلن في الناس أنّه متنازل عن الخلافة لما آلت إليه، فلقد دخل المسجد بعد أن تولّى الخلافة مباشرةً ومعه المسلمون فصعد المنبر، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّي قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي منّي فيه، ولا طلبةً له ولا مشورة من المسلمين، وإنّي قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم.
فتصارع مَن في المسجد وقالوا بصوتٍ واحد: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ولما حضرته الوفاة طلب منه الناس أن يعهد بالخلافة إلى مَن يحبّ، أبى وحذّر المسلمين أن يقعوا فيما وقع فيه بنو أُميّة من الخروج على الإ سلام في أصلٍ من أُصوله»[424].
كما أكّد في موضع آخر على أنّ ولاية العهد تخالف عقائد أهل السنة، قائلاً: «كان رأيهم (أهل السنة والجماعة) في الخلافة أنّها ليست وصيةً لأحد، بل الخليفة يُنتخب من أكفاء قريش، عملاً بالحديث (الأئمّة من قريش)، فما كان رأيهم في الصحابة أنّهم سواء، وأنّ ما صدر عنهم من الخلاف كان اجتهاداً أو تأويلاً»[425].
وفي الختام تجدر الإشارة إلى علماء آخرين من أهل السنة، كأبي الأعلى المودودي، ومحمود العقاد، ومحمد كامل البنا، وخالد محمد خالد، والسيد على جلال الحسيني، ومحمد الغزالي، وحسن إبراهيم حسن، وإبراهيم عبد القادر المازني، وآخرين ممَّن ذهبوا إلى أنّ ثورة الحسين× هي ثورة نبيلة دينية قامت بوجه الجهاز الطاغوتي الحاكم، الذي شيّد أركانه معاوية ودام على يد يزيد، وكان يزيد جرثومة للحكم الأُموي الارستقراطي غير الديني، والذي ارتكب مجزرة كربلاء عن وعي وكانت له أهداف وبرامج للإطاحة بالدين وقيمه.
ونقل إبراهيم حسن وقائع خلافة يزيد، وأنّ أُمّه بجدل الكلبية البدوية التي كانت تفضّل العيش في البادية على دمشق، وقد ترعرع يزيد في تلك الأجواء[426].
وقد وجد إبراهيم عبد القادر المازني في شخصية الحسين× شخصية مضحّية مؤمنة برسالتها، وأنّ تصوّرات بعض أهل السنة والتي تبتني على أنّ الحسين× شاهد رؤيا عن النبي’ يأمره بالثورة ضدّ الحكم الأُموي عارية عن الصحّة، بل إنّ نظام بني أُميّة وبسبب واقعه الفاسد دفع بالإمام× إلى إعلان ثورته، مع أنّه كان على اطّلاعٍ تامّ بالأوضاع والظروف السائدة آنذاك، وهو بهذه الثورة وجّه الحقد العميق في قلوب المسلمين صوب الجهاز الأُموي، وبعد استشهاده أصبحت كلّ قطرة من دمه وكلّ كلمة له وحتى اسمه وذكراه تقضّ مضاجع بني أُميّة وتهدّد بنيانهم[427].
وكتب عبد الرحمن الشرقاوي وهو كاتب مسرحي مصري، كتب عن القضايا التاريخية والتي من جملتها ثورة كربلاء الكبرى، وكان يقول: «حبّ الحسين هو ذلك الحبّ الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسىً غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى العدل والحرية، والإخاء وأحلام الخلاص»[428]، فقد أبرز جانب العدالة[429] في هذه الثورة والتي أُهدرت في عهد معاوية ويزيد، وتفاقم الظلم والتمييز والجور تحت عناوين ومسمّيات مختلفة، وبهذه النظرة اعتبر ثورة كربلاء ملهمة للثورات والنهضات الإسلامية لدى الفريقين على حدٍّ سواء نحو العدالة والخلاص[430].
وقد صنّف أحد كتّاب أهل السنة ـ وهو خالد محمد خالد ـ كتاباً تحت عنوان (أبناء الرسول في كربلاء) مؤكِّداً فيه أنّ كربلاء درس ونموذج خالد وحيّ للمسلمين كافّة، ومبعث للسرور؛ لأنّ الحسين× وأصحابه خرجوا مرفوعي الرأس من هذا الامتحان العظيم مثلما خرج إبراهيم×، وبذلك يصبح عاشوراء كعيد الأضحى السعيد[431].
ذكرنا فيما سبق أسماء الموافقين للعن يزيد في مقابل فئة قليلة ندّدت بمواقف يزيد وذمّتها، خاصّةً في فاجعة كربلاء، إلّا أنّها احترزت عن لعنه، بل قامت بتبرير جرائمه في كربلاء للحيلولة دون سلب الشرعية عن خلافته.
ويبدو أنّ الجانب المهم لشهادة الحسين× هو الجانب الجنائي لا الجانب العاطفي أو الحماسي؛ ذلك أنّ تلك الفئة قد أبرزت تعاطفها حيال ما جرى، إلّا أنّها أنكرت الجانب الجنائي لهذه الحادثة، ويزيد وأتباعه مع ما ارتكبوه من جرائم لم تلعنهم فحسب، بل أعلنت براءتهم من تلك الجريمة المروعة باعتباره خليفة للمسلمين.
ومن الواضح أنّ تلك الفئة لم تتّفق فيما بينها من الناحية الفكرية والعقائدية فكلّ واحد منها قد ركّز على جانب من جوانب استشهاد الحسين×، وأثار تساؤلات بشأنه.
فهذا هو أبو حامد الغزالي لعلّه أوّل مَن أثار تساؤل حول شهادة الحسين× صراحةً[432]، ولم يجوّز لعن يزيد قائلاً:
«فإن قِيل: هل يجوز لعن يزيد لأنّه قاتل الحسين أو آمره به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلاً، فلا يجوز أن يُقال: إنّه قتله أو أمر به ما لم يثبت فضلاً عن اللعنة؛ لأنّه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق»[433].
بينما تراه في بداية بحث اللعن والسبّ يعلن صراحة لعن الشيعة دون استثناء ودون التمييز بين فرقها، ولعلّ هذا الموقف المتطرّف منه من جهة، وموقفه المتحفّظ حيال جرائم يزيد وعدم جواز لعنه من جهةٍ أُخرى، أدّى إلى إدراج الغزالي في عداد المحبّين ليزيد، كما صرّح ابن تيمية بأنّ ممَّن جوّز محبّته أو كان من محبّيه الغزالي ومجموعةٌ لديهم مصادرهم الخاصّة[434].
وهذا الأمر دعا ببعض المعاصرين[435] إلى القول:
«ومن المؤسف أنّ الغزالي قد هام حبّاً بيزيد، وغالى في الإخلاص له والدفاع عنه... وسفّ الغزالي في كلامه على غير هدى، فقد تنكّر للبديهيات كما تنكّر لها زميله ابن تيمية»[436].
وردّ الدكتور طه حسين على مزاعم الموافقين لبراءة يزيد من قتل الحسين×، قائلاً:
«والرواة يزعمون أنّ يزيد تبرّأ من قتل الحسين، وألقى عبء هذا الإثم على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد، ولكنّا لانراه لام ابن زياد ولا عاقبه ولا عزله عن عمله كلّه أو بعضه، ومن قبله قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه، ثمّ ألقى عبء قتلهم على زياد، وقال: حمّلني ابن سمية فاحتملت»[437].
وقام أبو بكر بن العربي (468 ـ 543هـ) بتحليل شهادة الحسين× وحكومة يزيد والدفاع عنه، وصنّف كتاب (العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله))، ونقد مواقف أهل البيت^ والشيعة من جوانب مختلفة، وأبرز تعاطفه تجاه حادثة كربلاء واستشهاد الحسين×، ثمّ راح يكيل له اللوم بسبب عدم امتثال نصائح الصحابة، أمثال ابن عباس أعلم أهل زمانه، والعدول عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر.
ثمّ أشار إلى اجتهاد يزيد وابن زياد وتأويلهما، ونقل حديثاً عن النبي(صلى الله عليه وآله) في قتل كلّ مَن سوّلت له نفسه النيل من وحدة المسلمين، ونوّه بصورة غير مباشرة باعتبار تلك الثورة فتنة تستهدف الإطاحة بيزيد والاستيلاء على كرسي الحكم، ثمّ راح يطلق العنان لقلمه للحديث عن زهد يزيد وبراءته من دم الحسين×، واستخلص أنّه قُتل بسيف جدّه[438].
وقام اثنان من محبّيه المعاصرين ـ وهما: محمد مهدي الاسطنبولي، ومحب الدين الخطيب ـ بشرح هذا الكتاب والتعليق عليه، فمرّة يتمسّكون بروايات ضعيفة بحسب رأي علماء السنة لإثارة الشكوك حول ثورة الإمام الحسين×، ومرّة أُخرى يتشبثون بآراء ابن تيمية وأحد أتباعه المتعصبين المدعو محمد عزة دروزه في سبيل تبرئة يزيد من جنايته.
أمّا ابن خلدون (730 ـ 808هـ) فإنّه على الرغم من اعتقاده بفسق يزيد ولزوم قيام الحسين× بثورة ضدّه في سبيل إحياء الدين وإقامة العدل، إلّا أنّها تفتقر إلى مبرّر عقلائي نظراً لغياب الظروف المناسبة وتفاقم الأوضاع الاجتماعية، وكان يعتقد بأنّ العدالة شرط ضروري للخليفة الإسلامي، ويعدّ البيعة الناشئة من اختيار ورضا ووعي من أركان شرعية الخلافة، كما كان يرفض ما تفوّه به ابن العربي من أنّ الحسين× قُتل بسيف جدّه، وكان يعتقد أنّ خصوصية القوة والشوكة لازمة لإحراز الخلافة، وهذه الخصوصية توفّرت لدى يزيد فقط، ومن هنا يشكّك بصواب رأي الحسين×[439].
كما أبرز تقي الدين أحمد بن تيمية (611 ـ 728هـ) في أوائل القرن الثامن آراء عجيبة وغريبة من نوعها في المسائل الإسلامية والتاريخية أثارت حفيظة معظم علماء السنة، ومن بين تلك الآراء هي عدم جواز لعن يزيد وبراءته من دم الحسين×، وقال:
«إنّ يزيد بن معاوية وُلد في خلافة عثمان بن عفان ولم يدرك النبي(صلى الله عليه وآله)، ولا كان من الصحابة باتّفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبّان المسلمين، ولا كان كافراً ولا زنديقاً، وتولّى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه، وجرت في إمارته أُمور عظيمة: أحدها مقتل الحسين (رضي الله عنه) وهو لم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه، ولاحمل رأس الحسين إلى الشام، لكن أمر بمنع الحسين (رضي الله عنه) وبدفعه عن الأمر... والصواب هو ما عليه الأئمّة من أنّه لا يُخصّ بمحبة ولا يُلعن، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً فالله يغفر للفاسق والظالم، لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة»[440].
هذا وقد نقل أحد الباحثين في سيرة ابن تيمية وعقائده أنّ ابن تيمية قرأ كتاب أبي الفرج ابن الجوزي، فقال: «أمّا أبو الفرج ابن الجوزي فله كتاب في إباحة لعنه، ثمّ بعد ذلك صنّف ابن تيمية في المنع من سبّ يزيد في كتابه (فضائل معاوية و يزيد وأنّه لا يُسبّ»[441].
وقد نهج ابن تيمية منهج ابن العربي من خلال إثارة تساؤل حول شرعية تلك الثورة، والإصرار على أنّ خروج الإمام× كان ممّا أوجب الفتن؛ لأنّه خلاف ما أمر به النبي(صلى الله عليه وآله) ونهاه عنه عقلاء القوم، كابن عباس وابن عمر، قائلاً:
«ولم يكن في الخروج لامصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكّن أُولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى قتلوه مظلوماً شهيداً، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشرّ بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سبباً لشرٍّ عظيم، وكان قتل الحسين ممّا أوجب الفتن كما كان قتل عثمان ممّا أوجب الفتن، وهذا كلّه ممّا يبيّن أنّ ما أمر به النبي(صلى الله عليه وآله) من الصبر على جور الأئمّة، وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأُمور للعباد في المعاش والمعاد، وأنّ مَن خالف ذلك متعمّداً أو مخطئاً لم يحصل بفعله صلاح، بل فساد»[442].
كان التيار الفكري لابن تيمية يلفظ أنفاسه الأخيرة ويتّجه نحو الزوال والاضمحلال قبل ظهور الوهابية على يد محمد بن عبد الوهاب (1111 ـ 1207هـ)، وقبل ذلك كان يُطرح كبدعة سياسية تظهر بين حينٍ وآخر في نقاط من العالم الإسلامي، وتبرز من خلال تدوين كتاب أو رسالة في فضائل معاوية ويزيد، وبعد ظهور الوهابية شقّت أفكار ابن تيمية طريقها إلى العلن، وهناك من انساق وراءها في عصرنا الحاضر، أمثال: الشيخ محمد الخضري من مصر حيث يقول:
«إنّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جرّ على الأُمّة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد أُلفَتِها إلى يومنا هذا، وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك إلّا أن تشتعل النيران في القلوب، فيشتدّ تباعدها، وغاية ما في الأمر أنّ الرجل طلب أمراً لم يتهيّأ له، ولم يعدّ له عدّته، فحِيل بينه وبين ما يشتهي، وقُتل دونه، وقبل ذلك قُتل أبوه، فلم يجد من أقلام الكاتبين من يبشع أمر قتله، ويزيدون نار العداوة تأجيجاً، والحسين قد خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر عنه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار الخلاف حتى يكون في الخروج مصلحة للأُمّة»[443].
وأمثال محمد بن إبراهيم من الكويت، فقد صنّف كتاباً يحمل عنوان (براءة يزيد بن معاوية من دم الحسين)، بذل جهوداً عقيمة ومستميتة في سبيل إبراز صلاحيات يزيد العلمية والعملية، وبراءته من جريمة كربلاء، كما اتّجه الاتجاه نفسه إبراهيم بن شعوط في كتابه (أباطيل يجب أن تُمحى من التاريخ)، حيث اعتبر يزيد خليفةً شرعياً للمسلمين، ونزّهه عن شرب الخمر وارتكاب المحارم، وأنّ الخروج عليه فتنةٌ تخلو من أيّة مصلحة، ويُستخلص من كلامه النقاط التالية:
1 ـ يزيد خليفة شرعي للمسلمين.
2 ـ لزوم البيعة ليزيد وعدم جواز نقضها.
3 ـ غياب العقلانية حين قبول دعوة أهل الكوفة، وقد كُتب لهذه الحركة الفشل.
4 ـ لم تتعلّق إرادة يزيد بقتل الحسين×؛ وعليه فلا يتحمّل وزر هذه الجريمة ولا يصدق عليه عنوان القاتل.
وعلى أيّة حال فإنّ المعاصرين الذين انساقوا للتيار الوهابي من القلّة بمكان بحيث يعدّون بالأصابع.
يكشف البحث والتنقيب في المواضيع المطروحة من قبل مخالفي لعن يزيد بن معاوية، والذين ساورهم الشك حيال نهضة السبط الشهيد، يكشف عن تركيزهم على عدّة محاور:
1 ـ يزيد خليفة المسلمين، وكان يملك الحق في إخماد ثورة كربلاء، وكان عليه دفع هذا الخطر الداهم بأي نحوٍ ممكن، مستعيناً في هذا السبيل باجتهاده.
2 ـ يزيد لم يقتل سبط رسول الله’، وإثبات إصدار أوامر بقتله أمرٌ بعيد المنال.
3 ـ حديثٌ عن النبي(صلى الله عليه وآله) في القضاء على كلّ مَن استهدف وحدة المسلمين، وشقّ عصا الطاعة، وبذلك يكون الإمام× قد قُتل بسيف جدّه.
4 ـ ثورة كربلاء ثورة دنيوية رفعت لواء الاستيلاء على الحكم.
5 ـ قدَر نهضة كربلاء الإخفاق، وهذه النتيجة لم تكن خافية عن عقلاء القوم كابن عباس وابن عمر وآخرين.
6 ـ خلو هذه النهضة من أيّة آثار إيجابية ومكتسبات، وفي الواقع كانت المصلحة تقضي بعدم الخروج.
7 ـ الشيعة هي التي دعت الإمام× إلى القدوم وعلى يدها استُشهد، وإذا بها اليوم تُقيم المآتم عليه.
تشير الشواهد التاريخية المصحوبة بدراسة الأسباب والعلل والخلفيات إلى تدنّي مستوى مخالفي لعن يزيد إلى حدّ لا يُعتبرون فيه من أهل البحث والتحقيق، وممَّن ينشدون الحقيقة ويجدون فيها ضالّتهم، بل هم ليسوا سوى أداة طيّعة للسلطة توظّف لإنكار ما تواتر عن التاريخ من حجج ساطعة.
وكما تقدّم فإنّ تيار ابن تيمية كان منذ البداية بدعة واضحة وانحرافاً مكشوفاً لدى أهل السنة أنفسهم، إلّا أنّ التحالف المشؤوم الذي قام بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود أحيى هذا التيار من جديد، وفي ظلّ التقاء مصالح الآراء الإفراطية بالسلطة والقهر، أخذت تلك الآراء تجتاح الجزيرة العربية، وتبدّلت إلى مذهب إلى جانب بقية المذاهب الإسلامية.
ولا شكّ أنّ البحث عن كيفية التقاء المصالح بينهما، وردود أفعال سكان الجزيرة العربية، بحاجة إلى مجال آخر لا يسعه هذا المختصر، ولكن ما نرمي إليه هنا هو استعراض مضاعفات ما تركته العوامل والأسباب على مخالفي لعن يزيد، وتأثّرهم بالانحراف الناشيء من تلك العوامل.
أ ـ تقديم الخبر المجعول على المتواتر
ثمّة مواضيع مطروحة من تيار ابن تيمية تدلّ على استناده إلى خبر مجعول، والاحتجاج به في مقابل ما تواتر من الأخبار، منها براءة يزيد من دم الحسين× والسلوك الحسن مع السبايا حيث نطالع: «أنّ يزيد أمر بإنزال السبايا في داره، وأمر لهم بما يصلحهم، وكان لا يتغدّى ولا يتعشّى إلّا عليّ معه، ثمّ أمر النعمان بن بشير أن يجهّزهم بما يصلحهم، ويسيّرهم إلى المدينة مع أُناس صالحين، ولمّا أرادوا الخروج دعا علياً فودّعه»[444].
هذا في الوقت الذي لم تتردّد فيه التقارير التاريخية عن ضلوع يزيد وابن زياد في فاجعة كربلاء وقتل السبط الشهيد، وخير شاهدٍ على ذلك الكتاب الذي بعثه يزيد إلى واليه على المدينة يخبره بموت معاوية وأخذ البيعة من الحسين×:
«فأحضر الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، وإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما»[445].
من هنا فقد اتّخذ صاحب تذكرة الخواص موقفاً إزاء الإجابة عن هذه الشبهة، وراح يشاطر جدّه الرأي ويروي عنه مشاركة يزيد وابن زياد في قتل الحسين×، وهو لا يتعجّب من قتل ابن زياد الحسين× بقدر ما تعجّب ممّا فعله يزيد من أعمال تفوق القتل: «ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين، وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر، وحمل الرؤوس إليه، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه، وحمل آل الرسول سبايا على أقتاب الجمال، وعزمه على أن يدفع فاطمة بنت الحسين إلى الرجل الذي طلبها، وإنشاده أبيات ابن الزبعرى (ليت أشياخي ببدر شهدوا)!» [446].
أوَليس أعجب من فعل يزيد فعلُ مَن فعلَ المستحيل من أجل تبرئته من كلّ ما تلطّخت به يداه؟!
إنّ موقف تيار ابن تيمية حيال حوادث تاريخية كنهضة كربلاء، والدفاع عن يزيد ملؤه التناقض والتهافت؛ ذلك أنّه أصدر براءة يزيد من جريمة قتل الحسين× من جهة، وطرح بحث اجتهاد يزيد من جهةٍ أُخرى.
وعلى ضوء ذلك، فقتل الحسين× على يد يزيد لا يزعزع مكانته الدينية والسياسية؛ نظراً لتمسّكه بالاجتهاد، وهو مأجورٌ في صورة الخطأ.
وبهذا النحو يحاول هذا التيار إبراز موقف يزيد كمجتهد أحياناً، وكخليفة شرعي أحياناً أُخرى، مع إلقاء وِزر تلك الجريمة على عاتق ابن زياد.
ج ـ إطلاق التُّهم بدل الاستدلال والمنطق
أطلق تيار ابن تيمية عنوان الأباطيل على كلمات مؤرِّخي السنة، وذهب إلى أنّ صدور فاجعة كربلاء بأمر يزيد أمرٌ ضروري وطبيعي، حذا بذلك حذو ابن العربي لمّا قال: «وقد روى الناس أحاديث فيهم لا أصل لها».
من هنا ردّ الأحاديث التي تخالف الاتجاه الأُموي دون دليل، وفي موضعٍ آخر يصرّح بحديث مجعول، أو بتبرير غير معقول خلافاً للنص النبوي: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، كما كان يصدر حكمه تجاه الروايات التي تخالف الاتجاه الأُموي دون أن يعضده بدليل، ويقول: «كلّ ما ذكرتم لا ننفيه ولا نثبته؛ لأنّه لا يحتاج إليه، والذي ندريه حقّاً ونقطع عليه علماً أنّ زياداً من الصحابة بالمولد والرؤية».
وفي كثيرٍ من الموارد يردّ المسلَّمات والمتواترات التاريخية المعتمدة لدى أهل السنة استناداً إلى الظنون، ويتّهم المؤرِّخين بالكذب والإطناب والجهل قائلاً: «إنّما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق، وخاصّةً من المفسِّرين والمؤرِّخين وأهل الآداب، فإنّهم أهل جهالة»[447].
وبهذه الصورة نال هذا التيار من المفسِّرين والمؤرِّخين وأهل الأدب؛ بهدف سلب الاعتماد عنهم؛ ذلك لأنّهم نقلوا مناقب أهل البيت^ خاصّةً الحسين× من جهة، ومثالب الأُمويين وخاصةً يزيد من جهةٍ أُخرى، على نطاق التفسير والتاريخ والأدب، بصورة شفّافة ومتواترة قابلة للاستدلال.
د ـ تضخيم دور المؤرِّخين المتعصِّبين
رغم أنّ هذا التيار كان يطعن بالمؤرِّخين، ولكن لم يكن أمامه بدّ إلّا اللجوء إلى المتطرِّفين والمتعصِّبين من المؤرِّخين، أمثال ابن كثير الدمشقي، الذي كان يُطلق عليه شيخ المؤرِّخين، وينطلق من كلماته وآرائه لإثبات مدّعاه.
ويعلم علماء التاريخ خاصّةً تاريخ الإسلام، أنّ ابن كثير أحد تلامذة ابن تيمية وأتباعه الذي يبدي انحيازاً واضحاً له، ومن أكثر المؤرِّخين تطرّفاً في الشام، ولم يكن يُخفي ميوله السلفية في أخباره التاريخية، خاصّةً عندما كان يتعرّض إلى موت ابن تيمية والعلّامة الحلّي[448].
وقد أبرز هذا التعصّب حيال يزيد بن معاوية، وتملّص من الرضوخ للشواهد والأخبار التاريخية، التي تدلّ على ارتكاب يزيد للموبقات قائلاً: «وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذمّ يزيد كلّها موضوعة لا يصحّ شيء منها»[449].
نرى من الضروري قبل الحديث عن وجهات نظر هذا التيار بشأن لعن يزيد وتحليلها ونقدها، أن يكون البحث عن شهادة الحسين× وضلوع يزيد في القتل بحثاً منهجياً موضوعياً، مع الرجوع إلى المصادر التاريخية المعتبرة المتوفّرة بين أيدينا دون تحيّز.
من هنا فأيّ تعصّب مذهبي أو قومي أو لساني أو سياسي أو اقتصادي في هذا المجال يحول دون الوصول إلى تحقيق هادف وواقعي وموضوعي؛ ذلك أنّه يعيق الظفر بالواقع وكشف الحقائق التاريخية، وفي هذا السياق أشار أحد أتباع هذا التيار إلى ضرورة تناول الموضوعات التاريخية كشهادة الحسين×، وحادثة كربلاء، دون انفعال وحبّ وبغض وتعصّب، وإلّا فدفاع أنصار عاشوراء لا يمكن قبوله تحت أي مبرّر، والتاريخ لا يُبحث عبر بوابة العواطف والتعصّبات، والحقائق لا تُستكشف كذلك[450].
ومع الإذعان بهذا الكلام، لا بدّ أن نتناول سيرة أتباع هذا التيار لنستكشف مشاربهم الفكرية واتّجاهاتهم السياسية والقومية وتعصباتهم؛ كي تتّضح نظرتهم تجاه التاريخ، وهل نظروا إليه نظرة موضوعية بعيدة عن أيّ تعصّب، أو وقعوا تحت قبضة تلك العوامل، وأقدموا على التحريف والجعل في التاريخ؟ فإلى أيّ جهةٍ تتّجه بوصلة تاريخهم الفكري والسياسي والمذهبي؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ أتباع هذا التيار واجهوا عقبات كثيرة في مطالعة وكشف الحقائق، وتعرّضوا لعوامل انحراف لا حصر لها، زاغت بهم عن جادّة الصواب.
ونستخلص من سِير أتباع هذا التيار أنّ ثمّة تشابه كبير في كثير من المواقف، وقد تبلور هذا التشابه أثر عوامل وظروف مختلفة، تركت بصماتها عليهم خلافاً لادّعاء بعض المعاصرين من أتباعهم، ولم يكن الباب مفتوحاً أمامهم للبحث العلمي النزيه، ممّا يجعل الحصول على الحقائق في غاية الصعوبة، وكلّ واحد من تلك العوامل والظروف كفيل بإعاقة التنقيب في الحقائق الماضية، والظفر بالحقيقة التي هي ضالّة الباحث، بل قد تسوقه نحو طرح آماله ورغباته وعقائده في قالب حقائق التاريخ، وإليك بعض تلك العوامل:
إنّ تقصّي سيرة أتباع هذا التيار بشكلٍ إجمالي يدلّ بوضوح على اشتراكهم حول مجموعة من المصالح، من أهمّ ركائزها دعم السلطة الحاكمة والحضور في البلاط، ومع غضّ الطرف عن ابن تيمية الذي ابتدع كثيراً من الأُمور، وامتلك أفكاراً شاذّة بعيدة عن الاستدلال، فإنّ سائر مخالفي اللعن الذي ينتمي إلى هذا التيار يشتركون في تلك الأُمور، وكان شمس الدين الذهبي ـ الذي كان معاصراً لابن تيمية، وفي طليعة علماء السنة[451] ـ ممَّن كتب لابن تيمية كتاباً صرّح فيه بأفكاره المنحرفة، قائلاً:
«يا خيبة مَن اتّبعك! فإنّه معرض للزندقة والانحلال، لا سيما إذا كان قليل العلم والدين، باطولياً شهوانياً، لكنّه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه، وفي الباطن عدوٌّ لك بماله وقلبه... أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أمّا أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟ بلى والله، ما أذكر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمَن يذكر الموت، فما أظنّك تقبل على قولي، ولا تصغي إلى وعظي»[452].
ولم يكن الذهبي الوحيد الذي أجاب على بدع ابن تيمية وانحرافاته، فقد سبقه تقي الدين السبكي الذي صنّف كتابين في الردّ عليه، أحدهما: (شفاء السقام في زيارة خير الأنام)، والآخر: (الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية)، ويكرّر في تلك الآثار بأنّ ابن تيمية صاحب بدعة وانحراف.
وكان يقول في خطبة كتابه (الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية) ما هذا لفظه: «أمّا بعدُ، فإنّه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أُصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة، مظهراً أنّه داعٍ إلى الحق، هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدّسة، وأنّ الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأنّ القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنّه يتكلّم ويسكت، ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدّى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزم بالقول بأنّه لا أوّل للمخلوقات، فقال بحوادث لا أوّل لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة، والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحدٌ هذين القولين في ملّةٍ من الملل، ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين الّتي افترقت عليها الأُمّة، ولا وقفت به مع أُمّة من الأُمم همّة، وكلّ ذلك وإن كان كفراً شنيعاً، مما تقلّ جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع»[453].
هذا وقد تناول علماء السنة من مختلف المذاهب عقائد ابن تيمية، خاصّةً فيما يمتّ إلى حادثة كربلاء واستشهاد الحسين× ولعن يزيد بحثاً وتمحيصاً، وتوصّلوا إلى أنّها خلاف الأُصول والمسلّمات الإسلامية.
و قام مخالفو لعن يزيد بتحريف وقائع قتل الحسين بن علي×، وأثاروا عجاج الشك والغموض، أمثال الغزالي وابن خلدون، اللذان خضعا لإملاءات السلطة، فكانت مواقفهما تصبّ في صالحها، وفي المقابل كانت الصلات والألقاب تنهال عليهما.
وكان الغزالي يرتبط بعلاقات حسنة مع الوزير السلجوقي المتعصّب نظام الملك الطوسي، وبفضل هذه العلاقات تمكّن الغزالي من الانخراط في البلاط السلجوقي ثمّ العباسي، ثمّ قام الوزير بتعيينه على رئاسة المدرسة النظامية في بغداد، وبعد اغتيال نظام الملك ارتفع شأنه وتولّى أرفع مقام ديني في بغداد، وأصبح مرجعاً دينياً للحكومة، وصنّف آثاراً يمجّد فيها خلفاء بني العباس.
ثمّ وصل الأمر أن أصبح المرجع الوحيد الذي يرجع إليه السلاجقة والبلاط في بغداد، بعد أن أخذت فتاويه بالانتشار في العالم السني وذاع صيته، لذا قصده ابن العربي وحصل منه على فتوى بشرعية حكومة تاشفين حاكم المغرب، بهدف تحكيم دعائم حكومته والقضاء على خصومه، ومنذ ذاك الحين توطّدت العلاقات السياسية والدينية بينهما.
وهكذا الحال عند ابن خلدون، حيث ارتبط سياسياً وثقافياً ومالياً بالبلاط العباسي، ممّا حال دون النظر إلى انحرافات وضعف رجال السياسة والولاة، بل أرغم على تبييض السجل الأسود للخلفاء الماضين أمثال يزيد؛ لئلّا يحرم من عطايا أصحاب النعمة والجاه.
بالتأمّل قليلاً يتّضح لنا أنّ انتماء مخالفي اللعن يعود إلى المذهب السني والفكر الأشعري الذي راج في العهد السلجوقي، وصار المذهب الرسمي في البلاط والخلافة، وأصبحت المدارس النظامية مركزاً لنشره وكان يرأسها الغزالي، كما أقدم خلفاء بني العباس على التمسّك بالفكر الأشعري لتوجيه سلطتهم السياسية، ولمواجهة أهل البيت^، وكان لعلماء الغرب الإسلامي الذين كانوا يقتاتون على موائد الأُمويين دورٌ مهم في نشر المذهب المالكي والفكر الأشعري، عبر تجاهلهم العديد من الحقائق التاريخية، وتحريف وإنكار الأحداث التي تجلب الضرر للسلطة والنفع للحقيقة والتاريخ، ومن الخصوصيات المذهبية المهمّة للمخالفين هي عدائهم لأهل البيت^ والشيعة، ورغم تحفّظهم على لعن يزيد إلّا أنّهم يبيحون لأنفسهم لعن الشيعة دون تحرّج ودون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث.
وعلى أيّة حال، فهذا التيار لا يطيق قبول أدنى الوقائع التاريخية ولو كانت مسلَّمة، إن كان فيها ما يؤيّد الحقائق، والتي تؤيّد الحد الأدنى التي نادى بها الشيعة، وقد اختطّ ابن تيمية ذات المنهج الذي سلكه الغزالي وابن العربي وابن خلدون، إذ تفوح من مصنّفاته رائحة التعصّبات المذهبية التي استشرت في عامّة أبحاثه ودراساته، ولم يكن على استعداد تحت أيّة ظروف التنازل عنها أو إظهار المرونة والانعطاف تجاهها.
3 ـ الاصطفاف الثقافي والتاريخي في مقابل العدو المشترك
من العوامل المهمّة في المواقف المتناقضة والمؤسفة لتيار ابن تيمية هي أخذه بنظر الاعتبار الصراع القائم بين المسلمين والنصارى خاصّةً في الغرب الإسلامي، فإنّ حدّة الصراع كانت بينهما حامية الوطيس على الصعيد الفكري والثقافي والعسكري والإعلامي، حيث بذل هذا التيار جهوداً لعرض جانب ساطع وغير معيب ومشوه لتاريخ المسلمين وخلفائهم من جانب، وسلب الحجج والذرائع التي يتمسّك بها النصارى ضدّهم من جانبٍ آخر، ولبيان أنّ المسلم هو الأفضل وله اليد العليا، فاضطرّ إلى إعادة كتابة السجل الأسود لتاريخ المسلمين السياسي، ومن جملتها فاجعة كربلاء، وفاته أنّ جريمة الأُمويين خاصّةً يزيد أكبر من التكتّم عليها أو إخفائها[454].
وتعتبر ثورة كربلاء صفحة مشرقة في تاريخ الإسلام، خاصّةً فيما لو تمّ إظهارها على حقيقتها؛ لأنّها ستُضفي المزيد من الجذابية والحركية والطاقة، والقابليات المعنوية لهذا الدين.
4 ـ الانتماء المحلّي وخلفياته التاريخية
لقد بلغ تنافس الكوفيين والشاميين ذروته مع فرض سياسة بني أُميّة خاصةً معاوية؛ لتحكيم دعائم الحكم الأُموي وإبعاد الشاميين عن الإسلام الأصيل وأهل البيت^، هذه السياسة قد تركت أثرها على مخالفي لعن يزيد.
لذا تجد أنّ سائر أتباع هذا المنهج ـ مع صرف النظر عن الغزالي الذي عبّر عن هيامه بيزيد في إطار جواز أو عدم جواز لعنه ـ قد تعذّر عليهم نقد بني أُميّة؛ نظراً لانتمائهم إلى الشام أو الأندلس، وعنهم أخذوا دينهم وعقائدهم، وجلبوا الإسلام إلى الشام والأندلس، وساهموا في ازدهارهما سياسياً واقتصادياً.
وإذا تجاوزنا ذلك فإنّه من الصعب على هؤلاء الأتباع أن ينصفوا في دراساتهم عن الحكم الأُموي، الذي شغل حيزاً من تاريخ الشام والأندلس، وساهم ـ حسبزعمهم ـ علىنشرالإسلاموالحضارةالإسلامية، ويتّهموه بقتل الحسين× سبط رسول ربّ العالمين(صلى الله عليه وآله).
سبق أن ذكرنا في الفصول السابقة من هذا الكتاب أنّ الذين أنكروا على الإمام الحسين× ثورته الخالدة، وانتقدوها من جوانب مختلفة، كانوا ـ لأسباب عديدة ـ مصابين بفهم خاطئ للقضية، وقد تقدّم أنّ أكثر علماء أهل السنة لم يشكّكوا في جواز اللعن بل أثبتوه بأدلّة مختلفة، ووقفوا بوجه الفئة المعارضة وردّوا عليهم من جهات عديدة، وفي نهاية المطاف بيّنا أسباب انحرافهم.
ومع كلّ هذه الأدلّة نرى أنّ البحث الأوسع والأعمق حول مخالفي لعن يزيد يقتضي دراسة مفصّلة ومستقلّة لسيرتهم، وأسباب انحرافهم، فقد آثرنا أن نترجم هنا لأقطاب هذه الفئة، الذين لم يتعاطوا بشكل سلبي مع واقعة كربلاء وحسب، وإنّما قاموا بتبرير أعمال يزيد، والدفاع عنه وعن طغمته بحجج وأدلّة مختلفة، منهم:
الإمام محمد الغزالي(450 ـ 505هـ)
ولد أبو حامد محمد بن محمد الغزالي سنة (450 هـ)، في أُسرة خراسانية فقيرة، بمدينة طابران (من توابع طوس)، وبدأ دراسته حينما كانت بلاد خراسان وضواحيها تضطرم فيها نار الحروب القبلية، وكان ملوك السلاجقة يعملون على نشر المذهب الشافعي، وتعزيز الأفكار والمعتقدات الأشعرية عن طريق مدارسهم التي أسّسوها في هرات وبلخ وأصفهان وبغداد، واشتهرت باسم (المدارس النظامية)، وذلك في أيّام العالم الشهير والمتعصّب للمذهب الشافعي نظام الملك الطوسي، الذي كان وزيراً للسلاجقة، وكان لهذه المدارس وأساتذتها التي يديرها مالياً الوزير المذكور، هدفان أساسيان:
1ـ ترويج المذهب الشافعي وتعزيز مبتنيات الأشعرية، ومعاداة المذاهب الأُخرى لا سيما مذاهب المعتزلة والشيعة.
2ـ تضعيف الجامع الأزهر بمصر والحطّ من شأنه، والطعن على الفاطميين الذين كانوا ينشطون في تثبيت دعائم التشيع.
يضاف إلى ذلك أنّ قوّة الإسماعيليين والاشتباكات الكثيرة التي كانت تجري بينهم وبين أنصار السلاجقة ونظام الملك قد رسمت لنا صورة واضحة لأجواء المدارس النظامية وأساتذتها، وكشفت عن طبيعة الظروف التربوية والفكرية التي نشأ فيها الغزالي.
ففي مثل تلك الظروف بدأ الغزالي دراساته عند علماء بلاده، وعلى الخصوص عند علي بن أحمد بن محمد الرزاكانيز، ثمّ ذهب إلى جرجان فتتلمذ على يد أبي نصر الإسماعيلي، وبعد ذلك قصد نيسابور ولازم دروس أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين الذي عيّنه نظام الملك مديراً ومدرّساً في نيسابور.
ومكث هناك سنوات طويلة واظب خلالها على دراسة العلوم الإسلامية المختلفة، وقد لفت الغزالي انتباه أساتذته ـ كإمام الحرمين ـ بمثابرته ومواهبه ونشاطاته العلمية، حيث كان ينوه باسمه ويمدحه في جلسات دروسه، وهكذا اتّسعت شهرته إلى أن وصلت سمعته إلى رجال الحكم ومن جملتهم نظام الملك، الذي حضر الغزالي مجلسه في نيسابور بعد أن أنهى دراسته، وحصل منه على هدايا ثمينة.
ثمّة عوامل دفعت بنظام الملك إلى تعيين الغزالي مدرِّساً في المدرسة النظامية ببغداد، ومن ثمّ ازدياد شهرته وارتباطه بالسلطة يوماً بعد آخر، هذه العوامل هي: الانسجام الفكري بين الرجلين، ونزعة نظام الملك العقائدية ضدّ الشيعة، وكفاءة الغزالي ومؤهّلاته العلمية.
أثار اغتيال نظام الملك في سنة (485هـ) عواطف الغزالي وزاده حقداً على الإسماعيليين، فألّف كتاباً باسم (المستظهرية) في مدح المستظهر بالله العباسي (487 ـ 512هـ)، ويُسمّى أيضاً بـ(فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية)، وهذا الكتاب يعتبر نموذجاً لتعصّبه الشديد وميوله السياسية.
وفي سنة (486هـ) استقبل أبابكر ابن العربي أبرز علماء النهج الأُموي في الأندلس، وقاضي مدينة أشبيلية ومؤلّف (كتاب العواصم من القواصم)، وبناءً على طلبه بتوحيد البلاد تحت سيطرة يوسف بن تاشفين الحاكم الأُموي للأندلس والمغرب، أصدر الغزالي فتوى بقتل كلّ الأُمراء المعارضين له.
وفي سنة (487هـ) حضر الغزالي مراسم بيعة للمستظهر بالله العباسي، ثمّ سافر إلى سورية في سنة (489هـ)، ومنها إلى مكة وبيت المقدس ومصر، ثمّ ذهب إلى نيسابور سنة (499هـ) ليدرس في نظاميتها، وكانت هذه المدرسة برئاسة الوزير فخر الملك علي بن نظام الملك، ثمّ استقال بعد اغتيال فخر الملك، وعاد إلى طوس، فأقام بها إلى أن توفّي سنة (505هـ).
وللغزالي مؤلّفات كثيرة شملت مختلف العلوم والفنون لا سيما الإسلامية، في التفسير والعرفان والفقه والأُصول والفلسفة، ويغلب على كتاباته التعصّب في عرض آرائه ودفاعه عن المذهب الشافعي (في الفروع) والمذهب الأشعري (في الأُصول)، وفي ردوده على المخالفين.
أبو بكر بن العربي (468 ـ 543هـ)
القاضي أبوبكر محمد بن عبدالله بن محمد المعافري الأشبيلي، المالكي، المعروف بابن العربي، وُلد بإشبيلية سنة (468هـ) في أُسرة متديّنة تتعاطى السياسة، كان أبوه من الفقهاء ومن رؤساء مدينة أشبيلية، ومن تلامذة عبد الله بن منظور وأبي محمد بن خزرج وآخرين في مدينة قرطبة، وكان له مقامٌ اجتماعيٌ رفيعٌ بين مختلف الحكام، خصوصاً بين حكام أشبيلية.
وبعد أن انقضى حكم سلسلة العبادية التي كانت تحكم أشبيلية، قصد والد أبي بكر (عبدالله) الحج، وكان أبوبكر ابنه معه في السفر وهو في السابعة عشرة من عمره، وفي هذه الرحلة أخذ أبوبكر العلم عن أبي الحسين الخلقي، وأبي نصر المقدسي، وأبي سعيد الزنجاني، وأبي حامد الغزالي، وأبي الحسن المبارك المعروف بابن الطيوري، وأبي الحسن علي بن أيوب النيزاري، وأبي علي حسين بن علي الطبري، وآخرين بمصر وبغداد ودمشق ومكة والمدينة وغيرها.
ثمّ ذهب إلى الإسكندرية، ودرس هناك لمدّة قصيرة، لكنّه رجع إلى الأندلس بعد وفاة أبيه في سنة (493هـ)، وسرعان ما اشتهر هناك بسبب اطّلاعه الواسع على مختلف العلوم ومنزلته الاجتماعية الرفيعة، حتى عُيّن قاضياً لمدينة أشبيلية.
اشتهر ابن العربي علمياً وقضائياً وسياسياً، حتى أصبح القاضي الشهير في أشبيلية، وبعدما أصبح يوسف بن تاشفين حاكماً مقتدراً في المغرب الإسلامي، قام بتصفية منافسيه الذين كانوا يحكمون مدناً ومناطق شتّى من المغرب والأندلس وباقي نواحي المسلمين المجاورة، فذهب القاضي ابن العربي إلى بغداد، لأجل تسهيل أمر تاشفين وبسط سلطنته المطلقة، وأتى بحكم رسمي من خلفاء بغداد وعلمائها يتضمّن حكماً شرعياً بقتل كلّ منافس ومعارض لتاشفين.
وفي بغداد زار أبا حامد الغزالي الذي كان أشهر علماء البلاط العباسي ومدرّسي المدرسة النظامية، فأخذ فتوى شرعية منه تُبيح قتل المعارضين لتاشفين، وبعد رجوعه من بغداد أعطى لفتوى الغزالي صبغة دينية وشرعية، وهكذا صار له مقام شامخ في المغرب الإسلامي والأندلس[455].
بالإضافة إلى قضائه وتدريسه ومساندته لأُمراء الأندلس، كان لابن العربي مؤلّفات كثيرة على المذهب الشافعي ومسلك الأشعري، في مختلف حقول العلوم الإسلامية، القرآنية والحديثية والتاريخية والفقهية والأُصولية والرجالية وغير ذلك من العلوم، ومن السمات البارزة لآثاره التعصّب المذهبي والميل المفرط نحو السياسة، وفي سنة (543هـ) مات ابن العربي في منطقة مغيلة قرب مدينة فاس.
من آثاره كتاب (العواصم من القواصم)، الذي كتب فيه عن مواقف الصحابة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، وهو في كلّ هذه المواقف التي جرت في عصر الصحابة والتابعين يصطفّ إلى جانب الحكومة الأُموية والخلفاء الأُمويين ويدافع عن مواقفهم، فيستهين بثورة الإمام الحسين× بسبب تعصّبه الشديد للأُمويين، وعلى الخصوص يزيد وأعوانه، ولا يلتزم بأيّة أُصول علميّة للتحقيق ولا شروطه اللازمة، فيبرّر جنايات يزيد ويسمّيه مجتهداً ـ بعد أن يُقسّم المجتهد إلى مصيب ومخطئ ـ ويرى أنّ يزيد خليفة عادل، وأنّ مواقفه كانت على حقّ، ويعتبر مخالفته حراماً وغير مشروع، ولو كان من قِبَل الإمام الحسين×.
عبد الرحمن بن خلدون (730 ـ 808هـ)
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون الحضرمي الأشبيلي التونسي، وُلد في تونس سنة (732هـ)، في أُسرة مارست ـ منذ القدم ـ الشؤون السياسية والثقافية، وكانوا على المذهب الشافعي، درس ابن خلدون المقدّمات والأدب والفقه والحديث والأُصول عند أبيه، ثمّ عند غيره من علماء تونس، وكانت له رغبة في حفظ الشعر ونظمه.
في الفترة التي سبقت ولادة ابن خلدون بقرنٍ واحد، حكم المغرب باقتدار سلسلة سلاطين الموحدين، إلّا أنّه في فترة ولادة ابن خلدون وتعلّمه قد انقسمت الدولة إلى ثلاث دويلات: المغرب الأقصى ومركزه فاس، والمغرب الأوسط ومركزه تلمسان، والمغرب الأدنى(أي تونس) وكان بنو حفص يحكمونه، وكان التنافس بين أُمراء هذه الدويلات على أشدّه، والحروب بينهم حامية الوطيس.
بعد إتمام دراساته تعلّق ابن خلدون ـ كباقي أفراد أُسرته ـ بخدمة الحاكم في سنة (753هـ)، وسرعان ما أصبح كاتباً لابن إسحاق الحفصي أمير تونس، ولمّا صار ابن تافراغين هو الحاكم وتغلّب عليه أمير القسطنطينية فرّ ابن خلدون إلى مدينة (آبه)، وظلّ متخفّياً بين المدن والقرى لمدة (26سنة) ولم يستطع العودة لتونس[456]، وفي النهاية صار كاتباً لأبي عنان المريني سلطان فاس، ثمّ تولّى مناصب مختلفة، من أهمّها: كاتب سرّ السلاطين في غرناطة، وظلّ يتنقل في بلاد المغرب والأندلس ومصر.
وكان ابن خلدون يستغلّ الفرص لارتقاء مستواه العلمي، من خلال إقامة علاقات واسعة بالعلماء والاستفادة من مكتبات المدارس في فاس، اشتغل في الأُمور السياسية وانغمس فيها حتى أساء السلطان الظن به، فحبسه لمدّة سنتين متهماً إيّاه بعلاقته مع الحاكم السابق لفاس، لكن بعد موت السلطان وتخلُّص ابن خلدون من السجن، استمرّت نار الحروب مضطرمة فكان يشترك في النزاعات بشكلٍ جاد ومؤثّر، وهكذا انشغل بالأُمور السياسية أكثر من الأُمور العلمية والثقافية.
ترك ابن خلدون نشاطاته السياسية في الخامسة والأربعين من عمره، وبدأ بالكتابة والتأليف في قلعة ابن سلامة أو قلعة تاوغزوت في ولاية وهران في الجزائر، فألّف كتابه التاريخي (العبر)، ومقدّمته التي اشتهرت بـ (مقدّمة ابن خلدون)، بعد عدّة سنوات من الابتعاد عن السياسة عاد إلى تونس، وبعد مرور أربع سنوات غادرها متوجّهاً إلى مصر عام (784هـ)، فولّاه سلطانها برقوق قضاء المالكية، ودرّس بالجامع الأزهر.
خلّف ابن خلدون آثاراً كثيرة في حقول مختلفة من العلوم الإسلامية، شملت المنطق والفلسفة والكلام والتاريخ وعلم العمران والرجال والمباحث السياسية، ومن أهمّها مقدّمته حول فهم حقيقة التاريخ وأسباب وعوامل ازدهار سقوط الدُّول والحكومات، والتي تعتبر أوّل كتاب في علم الاجتماع، فصارت سبب شهرته في شرق العالم وغربه، ومن تأليفاته المهمة الأخرى كتاب (العبر) والذي كان في تاريخ مغرب العالم الإسلامي وبالخصوص تلك الفترات التي عاصرها ابن خلدون ممّا رفع من القيمة العلمية لهذا الكتاب بالإضافة إلى بعض الموضوعات والحوادث النادرة والفريدة.
1 ـ كتاب لباب المحصّل (تلخيص لكتاب المحصّل للرازي).
2 ـ شرح قصيدة البردة المشهورة (لمحمد بن سعيد البوصيري المتوفّى 694 هـ).
3 ـ تلخيص لتأليفات ابن رشد.
4 ـ رسالة في المنطق، كتبها للسلطان محمد الخامس.
5 ـ كتاب في الرياضيات.
6 ـ شرح على كتاب ابن الخطيب (المتوفّى 776هـ) في علم الأُصول.
7 ـ شفاء السائل لتهذيب المسائل (في العرفان).
ذهب ابن خلدون في سنة (784هـ) إلى مصر، ونتيجةً لقدراته العلمية وإمكانياته الثقافية والإدارية حظى بمكانة عند ملك مصر (برقوق)، وقد دعاه علماء تلك الديار للتدريس في الأزهر، ونال منصب قاضي القضاة، ولكنّه أُسر في زمان فرج ابن الملك برقوق من قبل تيمور لنك، وظلّ سجيناً لمدة (35) يوماً، وكما ذكرنا آنفاً أنّ المقدّمة هي التي حقّقت لابن خلدون شهرته الواسعة، وقد تحدّث في هذه المقدّمة عن فلسفة التاريخ وقوانين العمران، والمؤسّسات السياسية والإدارية التي تنشأ مع كلّ حضارة، وهو أوّل من تطرّق إلى علم الاجتماع، حيث انتقد فيه المؤرِّخين القدماء لعدم اطّلاعهم على أسباب قيام وسقوط الحضارات والدول، ويؤكّد في كتابه على أنّ العصبية هي السبب الرئيس لسقوط الحضارات والحكومات، ويريد بهذه الفكرة أن يطرح لأوّل مرّة في العالم الإسلامي أنّ تاريخ الاجتماعات البشرية يتبع قوانين ثابتة وواضحة، وبإمكاننا أن نتعرّف ونفهم هذه القوانين بسهولة، وبهذا الفكر نصل إلى محورية هذا القانون.
لا تخلو أفكار وآراء ابن خلدون من الضعف والإشكال، كما أنّ بعض عقائده ليست بمنأى عن الأخطاء والتناقضات، وها نحن نذكر هنا بعض الإشكالات:
1ـ إنّه لم يهتمّ في كتابه التاريخ بالأُصول والقوانين المكتشفة الواردة في مقدّمته، ولم يستطِع أن يطبّق نظريته في التاريخ ويعمل بها، ولذا جاء منهجه في الكتابة امتداداً لمنهج القدماء، وربّما بدا ضعفه في الكتاب أكثر منهم.
2ـ خلافاً لرأي البعض، ما كان لابن خلدون آراء علمية مبتكرة في تأليفاته وحتى في مقدّمته، وكان متأثّراً بالمؤرِّخين المسلمين من قبله كالمسعودي وغيره.
3ـ نرى في كتابه التاريخ إشكالات كثيرة وتناقضات بعيدة عن الموضوعية، بل طغى على أُسلوبه التعصّب، والدفاع عن السلطة الحاكمة، والبحث في إشكالاته من جوانب مختلفة يحتاج إلى مجال أوسع.
مات ابن خلدون في سنة (808هـ)، لكن بقيت هناك ردود فعل كثيرة على آرائه وأفكاره من جانب العلماء المسلمين وغيرهم من معاصريه إلى يومنا هذا.
تقي الدين أحمد بن تيمية (661 ـ 728هـ)
ولادته ونشأته
هو أحمد بن عبدالحليم بن عبد السلام الحراني، الدمشقي، تقي الدين ابن تيمية.
وُلد سنة (661هـ) ببلدة حران في سورية، عاش أبوه حياة بسيطة من دون شهرة، لما كان ابن تيمية يدرس في دمشق كان غرب العالم الإسلامي، وعلى الخصوص الشام وأطرافه، يشهد عدم استقرار بسبب غزو التتار للبلاد الإسلامية، وكانت بغداد ـ مركز الخلافة الإسلامية ـ قد سقطت بأيدي المغول، وانتهت بذلك حكومة العباسيين بعد نحو خمسين سنة من حكم المغول على العالم الإسلامي، والتي امتدّت أكثر من خمسة قرون، والمسلمون الذين كانوا يألفون ثقافة السلطة والعلاقات العميقة بين السياسة والثقافة، فجأةً خرجوا من هذه الأجواء، وابتعدوا عن الخلافة الإسلامية وعلاقتها معهم، فاعتزلوا عن الحكام المحليين في العالم الإسلامي.
رحلته الدراسية وآراؤه المبتدعة
أُرغم ابن تيمية على السفر مع أُسرته من حران إلى دمشق، وهو في نحو السابعة عشرة من عمره وأقام فيها سنة (678هـ)، فتلقّى أنواعاً من العلوم الإسلامية عند أساتذته واستفاد منهم كثيراً، حتى صار من كبار علماء دمشق، وبدأ بتبليغ الدين وتعليم أحكامه بين الناس.
يقول ابن كثير ـ مؤلِّف كتاب البداية والنهاية ـ: إنّ لابن تيمية مواهب كثيرة، وله ذاكرة قوية، ونشأ في أُسرة فاضلة ومتديّنة، بيد أنّه بدأ يطرح أفكاراً وآراءً غريبة، حيث جعلنا نشكّ بصحّة عقله وسلامته، كما يقول ابن بطوطة.
وكان علماء السنة يردّون على آرائه ونظرياته في الفقه والأُصول والتفسير والكلام والحديث، هذا بالإضافة إلى آرائه عن الحوادث في صدر الإسلام، وحتى علماء مذهبه الحنبلي قد ردّوا عليه، وأكّدوا على انحرافه.
وفي آراء ابن تيمية انحرافات وبِدَع كثيرة، شملت أبواباً مختلفة من الدين، حيث حرّف تاريخ الإسلام، وقام بتبرير جنايات يزيد بن معاوية، إلى غير ذلك من انحرافاته، وفيها على سبيل المثال ما ورد في أحد المصادر من أنّ فقهاء الحنابلة ثاروا ضدّ أفكاره، وردّوا على آرائه، وذلك بعد نشرها في (الرسالة الحموية) أي (الفتوى الحموية) التي يذكر فيها أنّ لله (عزّ وجلّ) صفات حقيقية، كاليد والقدم والساق والوجه، ويعتقد بأنّ الله تعالى جالس على عرشه حيث له جسمٌ ماديٌّ ومحسوس!
وفي ردّه على منتقديه الذين قالوا: إنّ إشغال المكان وإمكان تقسيم الذات أمرٌ لازم لإثبات ادّعائك، قال: إنّي لا أعتقد بأنّ إشغال المكان والانقسام من خصائص الجسم! وقد سمع منه ابن بطوطة بعقيدته أثناء رحلته إلى دمشق فكتب:
«كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية، كبير الشام، يتكلّم في الفنون.. [قال:] وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا. ونزل درجة من المنبر، فعارضه فقيهٌ مالكيّ يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته..»[457].
ازدادت انحرافات أفكار ابن تيمية في شتّى الحقول، خاصّةً انحرافاته العقائدية، وأخذ ينشر آراءه الشاذّة تحت ستار الدفاع عن الإسلام والتوحيد، وقد قامت حكومة دمشق ضدّه وأمرت بإلقاء القبض عليه، ومنعته من الخطابة، حفظاً للدين من البدع، وصيانةً لعقائد المسلمين من الاختلاف، ونشرت إعلان منعه.
وكان ابن تيمية في هذه المدّة قد بسط لسان قلمه، ومدّ بجهله عنان كَلِمه، وتحدّث في مسائل الذات والصفات، ونصّ في كلامه الفاسد على أُمورٍ منكرات، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الأئمّة الأعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمّة الإسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد ما استخفّ به عقول العوام، وخالف في ذلك فقهاء عصره وأعلام علماء شامه ومصره، وبث به رسائله إلى كلّ مكان، وسمّى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ولمّا اتصل بنا ذلك وما سلك به هو ومريدوه من هذه المسالك الخبيثة، وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنّه استخفّ قومه فأطاعوه، حتى قيل: إّنهم صرّحوا في حقّ الله سبحانه بالحرف، والصوت، والتشبيه، والتجسيم، فقمنا في نصرة الله تعالى مشفقين من هذا النبأ العظيم، وأنكرنا هذه البدعة، وعزّ علينا أن تشيع عمّن تضمّنه ممالكه هذه السمعة[458].
قام ابن تيمية بنشر أفكاره بجدٍّ ومثابرة، فأصبح في فترةٍ قصيرة من مشاهير العلماء في دمشق وكذلك في العالم العربي، وله بحوثٌ كثيرة في أبواب مختلفة من العلوم الإسلامية، كالمنطق والفلسفة والتاريخ والحديث والفقه والتفسير والكلام.
آراء علماء السنة حول ابن تيمية
يعدّ شمس الدين الذهبي أحد زعماء الحنابلة، وقد اشتهر بمعرفته بعلوم الحديث والرجال والدراية، له رسالة يُخاطب بها ابن تيمية: «أما آن لك أن تَرعَوي؟ أما حانَ لك أن تتوب وتُنيب؟ أمّا أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟ بلى والله، ما أذكر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمَن يذكر الموتَ، فما أظنّك تُقبل على قولي، ولا تُصغى إلى وعظي، بل لك همَّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات... فإذا كان هذا حالُك عندى وأنا الشفوق المحبُّ الوادُّ، فكيفَ حالُك عند أعدائك، وأعداؤَك والله فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أنّ أولياءَك فيهم فَجَرَةٌ كذَبةٌ جَهَلَة»[459].
كان تقي الدين السبكي معاصراً لابن تيمية، وهو يرى أنّ أفكار وآراء ابن تيمية منحرفة ومضلّة، وما اكتفى بذلك، بل ردّ عليه في كتابين أحدهما: (شفاء السقام في زيارة خير الأنام)، والثاني: (الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيمية)، ويصرّح فيه بأنّ أفكار ابن تيمية منحرفة ومبتدعة، ويريد بها أن يزعزع الأُصول العقائدية في الإسلام: «أمّا بعدُ، فإنّه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أُصول العقائد، ونقص من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة، مظهراً أنّه داعٍ إلى الحق، هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدّسة. [إلى أن قال]: فأثبت الصفة القديمة حادثة، والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّة من الملل، ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأُمّة[460].
وكذلك ابن حجر الهيتمي يرى أنّ ابن تيمية ضالّ وأفكاره مضلّة، وقال في كتابه (الجوهر المنظّم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرّم): «مَن هو ابن تيمية حتى يُنظر إليه أو يُعوّل في شيء من أُمور الدين عليه؟! وهل هو إلّا كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة، وحججه الكاسدة..: عبدٌ أضلّه الله تعالى وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوّأه من قوة الافتراء والكذب مَن أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان»[461].
إنّ الردود والانتقادات المذكورة تدلّ بوضوح على أنّ علماء السنة ليس فقط يعتقدون بأنّ عقائده وأفكاره مبتدعة وزائفة، بل يؤكّدون على أنّ من الممكن إرشاد الناس وهداية الذين انحرفوا بسبب عقائده، ولكن نفس ابن تيمية غير قابلة للإصلاح والهداية؛ وذلك لأنّه يتعمد الانحراف.
سافر ابن تيمية بعدما أُطلق سراحه إلى سورية ولبنان ومصر وفلسطين، ونشر أفكاره وبدعه في مختلف أبواب العلوم الإسلامية يوماً بعد يوم، حتى ثار العلماء وخشوا من آرائه الزائفة ونظرياته الملتوية بالشرك والإلحاد، فقاموا بردّ فعل شديد ضدّه، وبدأوا بنقد أفكاره، وكتبوا رسالاتٍ وكتباً متعدّدة في الردّ على آثاره، ومن جملتهم:
أبرز مخالفي ابن تيمية ومنتقديه
1ـ الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي (644 ـ 715هـ).
2ـ الشيخ شهاب الدين بن جهبل الكلابي الحلبي (المتوفّى733هـ).
3ـ قاضي القضاة كمال الدين بن الزملكاني (667 ـ 727هـ).
4ـ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (673 ـ 748هـ).
5ـ صدر الدين ابن المرحل(665 ـ 716هـ).
6ـ علي بن عبد الكافي السبكي (683 ـ 756هـ).
7ـ محمد بن شاكر الكتبي (المتوفّى 764هـ).
8ـ عفيف الدين عبدالله بن أسعد اليافعي (698 ـ 768هـ).
9ـ أبو بكر الحصني الدمشقي (المتوفّى729هـ).
10ـ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 ـ 852هـ).
11ـ جمال الدين يوسف بن تغري بردي الأتابكي (813 ـ 874 هـ).
12ـ شهاب الدين بن حجر الهيتمي (909 ـ 973هـ).
13ـ ملا علي القاري الخفي (المتوفّى1014هـ).
14ـ أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي، المعروف بابن القاضي (960 ـ 1025هـ).
15ـ يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني (1265 ـ 1350هـ).
16ـ الشيخ محمد زاهد الكوثري المصري (1296 ـ 1371هـ).
17ـ الشيخ سلامة القضاعي العزامي (المتوفى1379هـ).
18ـ الشيخ محمد أبو زهرة (1316 ـ 1397هـ).
لقد أدّت كلّ المواجهات والردود من العلماء والفقهاء من مختلف المذاهب إلى انزواء أفكاره، حيث يُقال: «إنّ أثر المكافحات ضدّ ابن تيمية لم تبق أثراً من أفكاره إلّا القليل في كتاب تلميذه ابن قيم الجوزي (691 ـ 751هـ)، وكذلك ابن القيم كان يعارض أستاذه في كتاب الروح».
إنّ كلّ هذه الكتابات والردود العلمية والواقعية لعلماء الإسلام، التي أوضحت جوانب مختلفة من بدع وأخطاء ابن تيمية، بدأت بتأثيرها الإيجابي على الناس الذين كانوا في البداية ينتمون إلى آراء ابن تيمية وأفكاره، لكن بعد مضي خمسة قرون على موته ظهر محمد بن عبد الوهاب في نجد، واستغلّ الظروف الراهنة في المنطقة، والثقافة البدوية والأوضاع السياسية، فقام بتبنّي الشعارات والنظريات التي أدّت إلى إحياء أفكار ابن تيمية.
وُلد أبوالفداء في الشام ونشأ فيها، ودرس هناك حتى صار مؤرِّخاً وأخبارياً، وهو من المؤرِّخين والعلماء الذين تطرّقوا إلى ثورة كربلاء وخلافة يزيد، في كتابه (البداية والنهاية)، هذا الكتاب الذي حاز على عناية لدى الموالين ليزيد فى العصر الحاضر، حيث يوصون بمطالعته بهدف الاطّلاع ـ بزعمهم ـ علىالحقائقالتاريخيةالمتعلِّقةبوقائعكربلاءوحوادثها ودور يزيد في ارتكاب الجرائم.
ذهب الذين برّروا جنايات يزيد، لا سيما حادثة كربلاء، إلى أنّه كان عادلاً وله قدرات علمية وعملية تؤهّله للخلافة، استناداً إلى أحاديث ضعيفة من كتاب البداية والنهاية كما تقدّم في الفصل الأوّل والخامس.
إنّ استعراض سيرة وأفكار ابن كثير بحاجة إلى مجال أوسع، لكن ممّا ينبغي ذكره أنّه لم يكن محايداً في نقل الروايات التاريخية، بل كان متحيّزاً ويأخذ بجانب مذهبه وفكره عند سرده الحوادث التاريخية والفرق والقضايا الفكرية، الأمر الذي يقلّل من قيمة الروايات والأخبار المذكورة في كتابه (البداية والنهاية) وباقي كتبه التاريخية والرجالية، ومن ثمّ يسقط اعتبارها العلمي والتاريخي.
الدراسة المفصّلة عن الآراء غير العلمية والحزبية لابن كثير، وكذلك فهم آثاره المختلفة يحتاج إلى بحث مستقل.
وبالرغم من أنّ المحقّقين ـ الذين يريدون كشف الحقيقة وينظرون إلى القضية بنظرة محايدة بعيدة عن التعصّب ـ يعرفون ابن كثير وآراءه المنحرفة، لكن سنشير إلى وجهات نظره المفعمة بالروح الحزبية والمجانبة لحقائق التاريخ:
أخرج ابن كثير عن الطبري حديثاً عن النبي(صلى الله عليه وآله) يتعلق بمنزلة الإمام علي×، جاء فيه: «فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا»[462]؛ وبدل أن يكتب الحديث بنصّه: «خليفتي ووصيي» قال: «كذا وكذا»؛ تهرّباً من ذكر الحقيقة.
وفي ذيل الحديث عندما يقول رسول الله(صلى الله عليه وآله): «هذا أخي ووصيي وخليفتي» يورده بهذه الصورة: «إنّ هذا أخي وكذا وكذا».
ولم يكتفِ بهذا، بل هناك موارد أُخرى في كتابه (البداية والنهاية) حرّف فيها الأخبار الصحيحة ولخّصها متعمّداً، وعلى سبيل المثال نقله لواقعة حجة الوداع، حيث يذكر الحوادث كلّها من الصحاح الست، إلّا أنّه لا ينقل حديث الثقلين بصورة كاملة، فيذكره إلى كتاب الله، وكأنّ قوله: «أهل بيتي وعترتي» غير موجود في الحديث.
يُظهر ابن كثير ـ في بعض الموارد ـ تحيّزه الصريح إلى حزبٍ خاص، فيُدخل الأُمور الحزبية في رواية التاريخ، ومن جملتها أنّه يروي الأخبار التي تتحدّث عن التعامل السيء ليزيد مع الإمام الحسين× وأهل بيته، وينقلها عن لسان كبار المؤرِّخين، كالطبري، والخطيب البغدادي، لكنّه في النهاية، يشكّ في صحّة تلك الروايات، ويقول: إنّها غير ثابتة، دون أن يأتي بأيّ دليل علمي.
وفي هذا الإطار يعرض رأيه غير المُنصف حول شخصية ابن تيمية وموته من جانبٍ، ورحلة العلّامة الحلي وبيان شخصيته من جانبٍٍ آخر[463].
العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام)
أشرنا فيما سبق أنّ التفجّع والتأثّر لواقعة عاشوراء وقتل الإمام الحسين× وأصحابه لا يختص بالشيعة فقط، كما أنّه لا يختصّ بمذهب خاص من السنة، بل يعمّ الجميع، ومن هنا فإنّ معظم أهل السنة يتألمّون ويحزنون لواقعة كربلاء وشهادة الإمام الحسين×.
وهنا نقطة جديرة بالذكر، وهي كما أنّ واقعة عاشوراء كانت ثورة سياسية وعقائدية ضدّ حكم بني أُميّة، فإنّ إحياء ذكر الثورة وشعائرها يعتبر أيضاً ظاهرة سياسية تثير قلقاً كبيراً لدى بني أُميّة؛ لأنّها تشكّل تهديداً سياسياً لهم، فسعوا إلى إطفاء هذه الشعلة الإلهية في قلوب المسلمين، لكن مع ذلك فهناك موارد كثيرة تدلّ على أنّ إقامة الشعائر الدينية والسياسية قد طوت مراحل مختلفة.
العزاء على الحسين(عليه السلام) يعود إلى عصر النبي (صلى الله عليه وآله)
قبل أن نطرح موضوع خلفيات العزاء على الإمام الحسين×، نودّ أن نطرح أمراً مهماً، وهو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) يمثّل أُسوة حسنة للمسلمين، وكلامه فصل الخطاب وحجّة تامّة، وهذا الأمر يعتقد به أهل السنة أيضاً.
وتذكر المصادر السنّية أنّ النبي هو أوّل مَن بكى على سبطه الإمام الحسين× بعد أن أُخبر بقتله.
روى أنس بن مالك أنّ ملك المطر استأذن ربّه أن يأتي النبي(صلى الله عليه وآله) فأذن له، فقال لأُمّ سلمة: املكي علينا الباب ولا يدخل علينا أحد. قالت: وجاء الحسين ليدخل فمنعته، فوثب فدخل، فجعل يقعد على ظهر النبي(صلى الله عليه وآله) وعلى منكبه وعاتقه، فقال الملك للنبي(صلى الله عليه وآله): أتحبّه؟ قال: نعم، فقال: أما أنّ أُمّتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينةٍ حمراء فأخذتها أُمّ سلمة وجعلتها في ثيابها. وبلغنا أنّها تربة كربلاء[464].
وعن ابن سعد، وهو من كبار مؤرِّخي السنة: لما مرّ علي بكربلاء في مسيره إلىصفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ وقف ونادى أصحابه: ما يُقال لهذه الأرض؟ فقالوا: كربلاء. فبكي حتى بلّ الأرض من دموعه، ثمّ قال: دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يبكي فقلت له: ما يُبكيك؟ فقال: كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ ولدي الحسين يُقتل بشطّ الفرات بموضعٍ يُقال له: كربلاء، ثمّ قبض جبرئيل قبضةً من تراب فشمّني إيّاها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا[465].
وروى عبدالله بن وهب بن زمعة عن أٌمّ سلمة، قالت: إنّ رسول الله اضطجع ذات يوم فاستيقظ، فرجع فرقد ثمّ استيقظ وهو خاثر دون ما رأيت منه، ثمّ رجع فاستيقظ وفي يده تربةٌ حمراء فقلت: ما هذه يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبرئيل أنّ ابني هذا (يعني الحسين×) يُقتل بأرض العراق، فقلت لجبرئيل: أرِني من تربة الأرض التي يُقتل بها، قال: فهذه تربتها[466].
وعن سلمى قالت: دخلت على أُمّ سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله’ في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ فقال: شهدت قتل الحسين آنفاً [467].
وينقل مضمون هذه الرواية كثيرٌ من علماء السنة، منهم الحاكم النيسابوري، وابن الأثير، والبيهقي، وابن حجر العسقلاني، وآخرون.
وقال ابن عباس: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله) فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين، فلم أزل ألتقطه منذ اليوم. فوجد قد قُتل الحسين في ذلك اليوم[468].
كلّ هذه الروايات والأخبار تبيّن لنا اعتقاد أهل السنة بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يعلم بقتل الحسين×، وكان هو وبعض أزواجه وأيضاً الإمام علي× يبكون على الحسين×، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يذكر مظلومية سبطه الحسين×، وهو الذي جعل العزاء عليه سنةً تُتّبع وعملاً يُتقرّب به إلى الله (عزّ وجلّ).
وجاء في بعض روايات أهل السنة أنّه لمّا أتى جبرئيل إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، جاء بتربة من كربلاء وأخبره بقتل سبطه الحسين×، فبكى رسول الله’ وقبّل التربة[469].
أوّل المآتم على الحسين (عليه اسلام) بعد واقعة عاشوراء
بدأ عزاء الفريقين على الحسين× أبان عاشوراء، حيث أورد الطبري في تاريخه: فلمّا رأت زينب‘ مشهد جسد أخيها المضرّج بالدماء والمقطوع الرأس نادت:
«يا محمّداه يا محمّداه، صلّت عليك ملائكة السّماء، هذا حسينٌ قتيلك بالعراء، مضرّج بالدماء، محزوز الرأس من القفا، يا محمّداه، بناتك أسرى وأولادك مقتولون في العراء». ثمّ يقول: «فأبكت والله كلّ عدوٍ وصديق بكلامها»[470].
كما أورد أنّ العزاء أُقيم في دار أحد خصوم الحسين×، ويقول: «لمّا أخذ خوليّ الرأس الشريف من عمر بن سعد قصد الكوفة؛ لكي يحظى بجائزة عبيد الله بن زياد، ولكن رأى دار الإمارة مغلقاً، فذهب بالرأس الشريف إلى البيت ووضعه في صندوقٍ، فعلمت بذلك امرأته الحضرمية، وبدأت بالبكاء والعويل على مظلومية الحسين وتركت بيته»[471].
انتقل العزاء على الحسين× وباقي شهداء كربلاء إلى الشام بعد انتقال السبايا إليه، فتبدّل مجلس يزيد من سرور ونشوة إلى حزنٍ وعزاء:
«لمّا جاؤوا بسبايا آل محمد أدخلوهن إلى قصر يزيد، وكان رأس الحسين معلّقاً على رمحٍ، فأخذ يزيد الرأس الشريف ووضعه في طست، ثمّ تناول الرأس بيده وأخذ ينكته بقضيبٍ في يده وينشد:
لَعبت
هاشم بالملك |
إلى آخر الأبيات التي تدلّ على كفره بالإسلام، ورضاه وفرحه بقتل آل الرسول انتقاماً للمقتولين ببدر وأُحد من المشركين، فرآه رجلٌ من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: ويحك، ارفع قضيبك عن فم الحسين، ارفع قضيبك، لقد والله رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقبّل هاتين الشفتين، أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا ومحمد شفيعه»[472].
عزاء آل يزيد على الحسين (عليه السلام)
أصرّ يزيد على سلوكه الجاهلي من ممارسة الظلم، والتعامل بقسوة وعنف مع السبايا، إلّا أنّ النشاطات التبليغية للإمام السجاد× وزينب‘ أتت بمردود عكسي على يزيد وجعلته يتظاهر بالندم، وأذن للناس أن يُبرزوا حزنهم على الحسين× ومنهم أهل بيته: «ثم أدخل نساء الحسين على يزيد فصاح نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله ووَلْوَلَن»[473].
نماذج العزاء في القرون الأُولى للإسلام
كان العزاء على الإمام الحسين× في القرون الأُولى يُقام بصورة جماعية إلى جوار مرقده الشريف، فكانوا يذكرون مصائبه الجليلة في إطار الشعر ولسان الحال، وكانوا يقيمون المآتم في دورهم أيضاً، ويتواسون ويتعزّون بذكر المصيبة[474].
فضلاً عن إقامة العزاء إلى جوار قبر الحسين× ومشهد رأسه الشريف، فإنّ إقامة المآتم على آل رسول الله’ قد استمرّت بصورة إنشاد المراثي من قِبَل الشعراء، المشهورين منهم والمغمورين، وذلك لأنّهم كانوا يمرّون بظروف قاهرة في ظل الحكم الأُموي المناوئ للعلويين، والساعي إلى محو آثار النهضة الحسينية[475]، فمن الأشعار التي أنشدها شاعر سني بُعَيد واقعة عاشوراء:
أيّها
القاتلون جهلاً حسيناً كلّ
أهل السماء يدعو عليكم قد
لُعنتم على لسان ابن داود |
ويعتبر خالد بن غفران من كبار التابعين السنة، وقد تأثر كثيراً لمرأى قافلة السبايا والأُسارى، ومشهد الرؤوس المقطوعة تدخل أرض الشام، فأخفى شخصه عن أصحابه، فطلبوه شهراً حتى وجدوه فسألوه عن عزلته، فقال: أما ترون ما نزل بنا؟! ثمّ أنشد، يقول:
جاؤوا
برأسك يابن بنت محمد قتـلوا
جهاراً عامدين رسولا |
ولمّا رأى سليمان بن قتة، الذي تشيّع على أثر واقعة كربلاء، وقصد أرض الطف ثلاث مرات، لمّا رأى مشهد قتل الحسين× وأنصاره وتضحياتهم الجسام في سبيل الحق، أنشد يقول:
مررت
على أبيات آل محمد سنطلبها
يوماً بها حيث حلّتِ |
و لمّا تظاهر يزيد بالندم على عمله الشنيع، اضطرّ إلى إرجاع السبايا الذين أقاموا مجالس عزاء في أرض الشام وفي مسيرهم إلى كربلاء، وكذلك عند عودتهم إلى المدينة.
انتشار مجالس العزاء على مظلومية الحسين(عليه السلام)
إنّ عزاء آل يزيد على شهداء كربلاء يدلّ على حزنهم بشهادة الحسين× وأصحابه، ولم يزل اهتمام الناس بمظلومية أهل بيت النبي’ يزداد، حتى انتشرت مجالس العزاء، وكثر الندب فيها.
وقد كتب شرف الدين الموصلي يقول: «انتشرت هذه المصيبة بالبلاد، فكثر فيها النوح.. ورُوي أنّ الحسن البصري لمّا بلغه قتل الحسين بكى حتى اختلج صدغاه ثمّ قال: وا ذُلّاه لأُمّةٍ قتل ابنُ دعيها ابنَ نبيها»[479]، ثمّ قام بسرد أحداث كربلاء وختمها بالقول: «فلأبكينّ على الحسين بعولة وعلى الحسن»[480].
خراسان والعزاء على الحسين وأهل بيته (عليه السلام)
ما كان العزاء على الحسين× يُقام في بلاد العراق والشام فقط، بل كان يعمّ خراسان أيضاً، التي كانت تقيم العزاء على فاجعة كربلاء، ومع وجود كلّ وسائل الضغط والكبت الأُموي والعباسي، فإنّ ذلك لم يؤدِ إلى محو ذكر تلك الرزية العظيمة، بل جعل الناس يدركون مصائب آل رسول الله’ في كنه وجودهم، وخصوصاً تلك التي بدأت بواقعة عاشوراء، واستمرّت حتى شهادة زيد بن علي بن الحسين× في سنة (122هـ) وابنه يحيى ببلاد خراسان عام (126هـ).
يقول اليعقوبي في تاريخه:
«لما قُتل زيد، وكان من أمره ما كان، تحرّكت الشيعة بخراسان، وظهر أمرهم، وكثر مَن يأتيهم ويميل معهم، وجعلوا يذكرون للناس أفعال بني أُميّة، وما نالوا من آل رسول الله، ولم يبقَ بلدٌ إلّا فشا فيه هذا الخبر»[481].
فمن الطبيعي أنّه لم يكن للعزاء في تلك البرهة أُسلوب أو آداب خاصّة، بل كان يقتصر فقط على بيان مظلوميتهم ومصيبتهم الجليلة.
فهذا الظلم الفظيع بحقّ أهل البيت^ أثار عواطف الناس وأحاسيسهم، فتبلور في حبّ أهل البيت^ وموالاتهم، والبراءة من خصومهم، فضلاً عن أنّ انغماس المسلمين وذوبانهم في حبّ الحسين×، أدّى إلى تحرّكهم ضدّ الأُمويين، حيث لما أخرجوا يحيى بن زيد من السجن، وفتحوا الغُلّ منه كان الناس يتنافسون في شراء ذلك الغلّ.
وبعد شهادته، ولمّا انحسر ظلم الحكم الأُموي، أُقيمت المآتم في مختلف أنحاء خراسان، وصاروا يسمّون كلّ ولد يُولد لهم (يحيى) أو (زيد)؛ إحياء وتجديداً لحزنهم على فقد زيد بن علي وابنه يحيى[482].
وبعد شهادتهما، قام الخراسانيون بارتداء الثياب السوداء، وجعلوها سُنةً وشعاراً لهم، «وكلّ الخراسانيين كانوا يلبسون الثياب السوداء حزناً لقتل زيد بن علي وابنه يحيى، فيبكون ويتلهّفون ويذكرون مصيبتهما»، ولا شكّ في أنّهم كانوا في هذا العزاء يذكرون واقعة كربلاء ومصيبة الإمام الحسين×، لمنزلته الرفيعة كما بيّنا في هذا البحث، وذلك:
أوّلاً: إنّ مصائب آل رسول الله’ وخصوصاً ظلم بني أُميّة في حقّهم كانت تُذكر وتُبيّن للناس، فكان المسلمون يبكون ويحزنون، ومن الواضح أنّ واقعة كربلاء وقَتْل الحسين× وأصحابه تُعتبر من أعظم الجرائم في حقّ أهل البيت^.
ثانياً: إنّ زيد بن علي وابنه يحيى قاما للطلب بثأر الحسين× وإحياء نهجه، فكان لهما أثرٌ كبير في إيقاظ الناس وتوعيتهم، مع بيان مظلومية الحسين× وجنايات بني أُميّة في واقعة الطف؛ ممّا جعل الناس يعظّمون الحسين× ويبكون لمصيبته الجليلة.
كلّ هذا أدّى إلى نشوب ثورات دامية ضد الأُمويين، أسفرت عن إسقاط نظام حكمهم في سنة (132هـ) وإن لم تعِد الحقّ لأهل البيت^، وبعد الحكم الأُموي جاء الدور للحكم العباسي الذي خلق أجواءً خانقة ضد النهضة الحسينية؛ وذلك لأنّه كان يعتقد أنّ إحياء ذكر الحسين× وثورة كربلاء يعدّ تهديداً أمنياً خطيراً لحكمهم، ورغم وجود هذه الأجواء، فإنّ هناك من كبار أهل السنة ممَّن لم ينسَ واقعة كربلاء، بل ذكروا مصائب الإمام الحسين× بصور مختلفة، كالشعر وغيره، واستمرّ حزنهم وندبهم بهذه الشاكلة.
ومثال ذلك الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150 ـ 204هـ)، الذي رثى الإمام الحسين× وذكر مصيبته في القصيدة التالية:
تأوّه
قلبي والفؤاد كئيبُ فللسيف
إعوالٌ وللرمح رنةٌ وكادت
لهم صُمّ الجبال تذوبُ ويُغزى
بنوه أن ذا لعجيبُ وموقفي إذا ما بدت للناظرين خطوبُ[483]. |
وقد أنشد قصيدة أُخرى في رثاء الحسين×، لكن ما بقي لنا شيء منها إلّا هذا البيت:
أَبْكي الحُسَيْنَ وَأَرْثي مِنْهُ جَحْجاحا كواكب مِن أَهْلِ بَيْتِ رَسولِ اللهِ مِصباحا[484]. |
تفاقم اضطهاد وكبت الحكم العباسي ضد الشعائر الدينية منذ القرن الثالث للهجرة، وخصوصاً ضدّ إحياء ذكر الحسين× وإقامة مجالس العزاء عليه، فقام المتوكّل العباسي بتخريب مرقد الحسين× وحرثه، وأجرى الماء عليه، ثمّ قام بتعذيب زوّار الحسين× بأسوء أنواع التعذيب، وقد نقل مؤرِّخو السنّة واقعة كربلاء بصورة شفوية، ثمّ انتقلت الرواية من صدور الناس إلى الكتب حتى خلدت إلى يومنا هذا.
ويعتبر الطبري من كبار علماء السنة الذين دوّنوا أحداث كربلاء، حيث رواها عن لوط بن يحيى المُكنّى بأبي مخنف (المتوفى157هـ)، فكان إلى حدٍّ ما صادقاً في سرد وقائع يوم عاشوراء وما بعده، وما اكتفى الطبري بنقل واقعة كربلاء عن لسان أبي محنف فحسب، بل تطرّق فيه إلى سرد الأحداث التي جرت بعد عاشوراء، ولا سيما أسر أهل البيت^ وأحداث الكوفة، وإقامة العزاء في مجلس عبيد الله بن زياد، ثمّ انتقل إلى ذكر أخبار مسيرهم إلى الشام، وذكر ظلم بني أُميّة واستمرار جناياتهم، وانتهاك حرمة رأس الحسين× على يد يزيد بن معاوية، واشمئزاز بعض أصحابه وبكائهم على مظلومية آل رسول الله’.
ومن هنا يمكن أن نطلق اصطلاح (المقتل) على مجموعة الروايات التي أوردها الطبري[485]، ولقد تابعه كثيرٌ من المؤرِّخين السنة الذين أشرنا إليهم في الفصول السابقة.
فكان القصّاصون يأتون أحياناً إلى مرقد الإمام الحسين× ويذكرون مصائبه الجليلة بلسان القصة[486].
إقامة العزاء في العصر البويهي (334 ـ 447 هـ)
بدأت في القرن الرابع للهجرة مرحلة جديدة من خلافة العباسيين، إذ انتقلت السلطة في ذلك العصر إلى البويهيين، بعد أن كانت في يد الأتراك المتعصِّبين سنوات مديدة، وقد حدث هذا بعد وقوع بغداد تحت تصرف أحمد بن بويه المعروف بـ(معز الدولة)، فصار قسم كبير من السلطة السياسية والتنفيذية للعالم الإسلامي تحت قبضة البويهيين، الذين قاموا بإصلاحات عديدة، ومن جملتها رفع الموانع عن أداء مجالس العزاء على رزايا سيّد الشهداء وأهل بيته الطاهرين.
فبدأت تتّسع إثر هذه الحركة المعارضة للسياسة المتشدّدة، مجالس العزاء والمآتم يوماً بعد يوم اتساعاً مذهلاً في المجالات المختلفة أدبياً وشعبياً، ففضلاً عن الشعراء العرب انضمّ الشعراء الفرس في هذا العصر لطوائف المعزّين للإمام الحسين× وأصحابه، وهكذا استطاع العجم أن يقيموا مجالس العزاء في شتّى البلاد، كالعراق وخراسان وفارس وماوراء النهر وشبه القارّة.
بغداد أيّام الحكم البويهي والتي تُعتبر مركزاً، كانت تشهد تعايشاً بين السنة والشيعة وغيرهم من المذاهب، وبعد العقد الخامس من القرن الرابع أخذت الأعمال والنشاطات في يوم عاشوراء تتوقّف في المدينة، ويُغلق كلّ ما فيها من الأسواق وغيرها، يرتدي البعض الثياب السوداء أحياناً ويجتمعون ويخرجون إلى الشوارع، وكان أهل السنة يرافقون الشيعة فيبكون ويلطمون على صدورهم[487]، وإن نقل حدوث بعض الخلافات بين حينٍ وآخر بين الفريقين وتنتهي في بعض الأحيان إلى اشتباكات، ولنا هنا بعض الوقفات:
الأُولى: كانت تلك النزاعات تُثار من قبل بعض أهل السنة بالخصوص بعض الحنابلة مع بعض الشيعة، وليس كلّ أهل السنة أو كلّ الحنابلة.
الثانية: إنّ الاشتباكات كانت تقع في بعض السنوات لا دائماً، إذ يقوم بعض المتعصّبين من أهل السنة أحياناً بتمثيل أحداث مقتل مصعب بن الزبير، وإحياء ذكر عائشة بركوب امرأة على جمل، وتمثيل خروجها في معركة الجمل.
الثالثة: إنّ معظم المسلمين في بلدان مختلفة كمصر كانوا يجتمعون حول قبر أُمّ كلثوم ونفيسة، ويقيمون المجالس والمآتم، وينفقون أموالاً طائلة في سبيل إطعام المشاركين في المجالس، وكما يقول المقريزي:
تعمّقت هذه السُنّة بين المسلمين تعمّقاً جذرياً، فاستمرّت حتى بعد سقوط الفاطميين، وما استطاع الأيوبيون أن يمنعوا الناس من هذه السُنّة رغم حقدهم على الشيعة والفاطميين[488].
الرابعة: لمّا تولّى السلاجقة المتعصِّبون الحكم بعد سقوط البويهيين عام (442 هـ)، كان المسلمون من الفريقين يقصدون كربلاء والنجف من شرق الدولة العباسية لزيارة أمير المؤمنين والحسين الشهيد÷، وتجديد بيعتهم للإمام الحسين× ونهضته العظيمة[489]، وقد نقل عبد الجليل الرازي القزويني في كتابه (النقض) عزاء أهل السنة في أصفهان، فيقول:
كان أبو منصور ماشادة الأصفهاني ـ منعلماءالمذهبالشافعيالذيكانقدوة للناس في أصفهان ـ كانيقيمالعزاءيومعاشوراءمنكلّ سنة، فيديم فيه البكاء والنياح وكلّ مَن جاء إلى أصفهان علم بذلك وشاهده عياناً[490].
وفي عام (458هـ) تعطّلت أسواق بغداد يوم عاشوراء عزاء على الإمام الحسين×، فكان الرجال يبكون ويضجّون، والنساء يخمشنَ وجوههنَ، وينحبنَ بالبكاء والعويل، وقد رضي الخليفة بإقامة مجالس العزاء لكن دون التعريض ببعض الصحابة[491].
إقامة العزاء في العصر الغزنوي (351 ـ 598هـ)
حكمت السلسلة الغزنوية مدّة طويلة من الزمن على شرق العالم الإسلامي، وكانوا أعداء للشيعة، فقد شنّ السلطان محمود الغزنوي بالإضافة إلى حملاته العديدة على الهند هجوماً كاسحاً على مناطق شيعية ومنها الغور، وكرجستان، والري، فكان يغزو المدن، ويحارب عقائد أهلها، ويمنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية، خاصّةً إقامة العزاء على أهل البيت^؛ بحجّة أنّها بدعة في الدين، لكن بعد موته عام (421هـ) انحسرت القيود المفروضة على الناس، فأقاموا المآتم في غزنين نفسها.
على الرغم من تعصّب السلاجقة (427 ـ 558هـ)، وإصرار وزرائهم المتشدّدين على لعن الروافض على المنابر، لا سيما الإسماعيليين منهم، بيدَ أنّ السنّة وغير السياسيين منهم كانوا يكرمون أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله)، وهناك شواهد تاريخية تدلّ على اهتمامهم بالعزاء على مصائب سبط النبي(صلى الله عليه وآله)، الذي اجتاح أروقة المدرسة النظامية آنذاك.
وقد كان أكثر علماء أهل السنّة في بغداد ـ خلال القرن السادس الهجري ـ يتحدّثون عن مظلوميّة الإمام الحسين×، ولا يكترثون برواسب النزعات العصبيّة التي خلّفها زمن بني أُميّة، إلّا في موارد نادرة بطبيعة الحال، فقد كتب شخص يُدعى عبدالمغيث بن زُهَير الحنبلي كتاباً في فضائل يزيد، فردّ عليه ابن الجوزي العالم السنّي المشهور في كتابه الذي كتبه فى الردّ على فتوى الغزالى سمّاه (الردّ على المتعصّب العنيد المانع من لعن يزيد).
وقد ذكر ابن الأثير في كتابه (الكامل) هذا الشخص بقوله: صنّف كتاباً في فضائل يزيد بن معاوية أتى فيه بالعجائب؛ أمّا الذهَبي فقد ذكره في (سِيَر أعلام النـّـُبَلاء) وقال عنه ـ وياللعجب ـ: وكان ثقةً سنّيّاً.
بَيْد أنّ هذه النزعات كانت أشبه بالزَّبَد الذي يَذهب جُفاءً ولا يمكث في الأرض، فلا تستحقّ أن نوليها اهتماماً.
ويبدو أنّ مراسم العزاء يوم عاشوراء كانت تُقام في بغداد من قِبل الشيعة وأهل السنّة، ولم يَحدُث أن أُلغِيَت في فترة من فترات التاريخ.
وكان محمد بن عبد الله البلخي (المتوفى596هـ) وهو من أشهر علماء السنّة في ذلك العصر، حيث طاف بلداناً كثيرة، كالعراق وخراسان ومصر وخوارزم ومكة وغيرها، وكانت له مكانة رفيعة في العلوم الإسلامية والخطابة والزهد، كان يخطب ويعِظ في نظامية بغداد، فيحضر مجلس وعظه العلماء وطلاب المدرسة، وفي نهاية مجلسه كان يرثي الإمام الحسين× ويذكر مصيبته ومصائب آله وأصحابه، فكان الحضّار يبكون ويتفجّعون، وكان يتطرّق إلى ذكر مصائب أهل البيت^ ويقول: «رأى يوماً علي× زوجته فاطمة (س) تبكي، فقال لها: ما يُبكيك يا فاطمة؟ أغُصب مالكِ؟ أهُضم حقكِ؟ أفعلوا كذا وكذا بك؟ وهكذا كان يذكر ما فعله الشيخان بحقّ بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فكان الناس يتأثّرون بكلامه ويبكون»[492].
ولم يقتصر الأمر عليه، بل هناك كثير أمثاله: منهم علي بن الحسين الغزنوي المسمّى بـالواعظ، وكان من كبار الخطباء في بغداد، وله مقام شامخ بين السنّة، وكانت الحكومة السلجوقية ووزراؤها تحترمه احتراماً خاصّاً بسبب منـزلته الرفيعة، فكان الواعظ يرثي أهل البيت^ بقصائده، فيحضر مجلسه السلاطين وأُمراء السلاجقة، وقد وصفته مصادر أهل السنة بأنّه مليح الإيراد ولطيف الحركات؛ وذلك بسبب قوّة خطابته وبيانه[493].
ومن الوعّاظ الذين كان لهم مجالسهم في مراسم العزاء: عليّ بن حسين الغَزنوي الحنفي، وكان واعظاً مقتدراً، وكان السلاطين يحضرون في مجلسه، ومنهم: الأمير عبادي، وكان يقرأ المقتل يوم عاشوراء، ومنهم ابن الجوزي المذكور الذي نُقل عنه بعض خُطبه وكلماته التي قالها على منبر خطابته.
نقل القزويني: «كان الخواجه علي الغزنوي الحنفي [من كبار وعّاظ بغداد، وكان السلطان مسعود السلجوقي يحضر في مجلسه] كان يُقيم العزاء في بغداد مدينة السّلام ومقرّ دار الخلافة، حتّى أنّه بالَغَ يوم عاشوراء في لعن آل أبي سفيان، فنهض رجل وسأله: ما تقول في معاوية؟ فصاح بصوتٍ رفيع: أيّها المسلمون، إنّ هذا يسأل عليّاً [وعليّ هو اسم الواعظ] ويقول: ما تقول في معاوية؟ أفلا تعلم ماذا يقول عليٌّ في معاوية؟!
وسُئل أمير عبّادي [قطب الدين مظفّر، أحد وعّاظ بغداد المعروفين] وكان علّامة عصره وأميراً في الكلام والخطابة ـ وكان في مجلس المقتفي لأمر الله ـ في اليوم التاسع من المحرّم: ما تقول في معاوية؟ فلم يُجِب، حتّى كرّر السائل سؤاله ثلاث مرّات، ثمّ قال: أيّها الرجل، سألتَ سؤالاً مُبهماً، ولستُ أعلم أيّ معاوية تقصد، أمعاوية الذي كسر أبوه ثنايا المصطفى(صلى الله عليه وآله)، ولفظت أُمّه كبد حمزة، وسلّ سيفه في وجه عليّ بضعاً وعشرين مرّة، وحزّ ابنُه رأسَ الحسين؟! فيا أيّها المسلمون، ما تقولون في معاوية هذا؟ فارتفعت أصوات الناس بلعن معاوية في حضور الخليفة، وكان منهم الحنفي والشافعي وأتباع المذاهب السنّيّة الأُخرى»[494].
وهذا هو قاضي السلاميّة (المتوفى 610هـ) أحد طلاب المدرسة النظامية، كان قد رثى الإمام الحسين× في قصيدة، قال فيها:
يا
شهر عاشوراء أذكرتني أُمّاً
ولا الجـدّ أبا القاسمِ بالنار لا بالسيف والصارمِ[495]. |
ورغم انحسار إقامة المآتم في العصر السلجوقي، إلّا أنّه ظهر في أوساط الفرس السنة شعراء كبار نلمس في أشعارهم آيات الحزن والأسى على شهداء آل الله، وإليك أسماؤهم مع نماذج من أشعارهم باللغة الفارسية:
ـ عمعق البخارائي (المتوفى 543هـ):
سواد
ساحت فرغانه بهشت آيين |
ـ الخاقاني الشيرواني (المتوفى 595هـ) والذي اشتهر بحسّان العجم:
زصد
هزاران خلف يك خلف بود چو حسين |
ـ ظهير الدين الفاريابي (المتوفى 598هـ) :
اى ظـهير از گور نقبـى مى زنى تا كربــلا
مى روم گريان به پابوس حسين تشنه لب
بس كه چشم غم سرشكم با بلا آميخته است
خـاك من دارد شرف مانند خاك كربلا[498].
ـ شمس الدين الطبسي (المتوفى 642هـ):
بلاى دور فلك چون غم از دو ديده ريخت
مگـر حديـث شـهيدان كـربلا بـرداشت
ز اشك مردم چشمم به رسم عاشــــورا
زخـاك پـاى خـداوند تـوتيا بـرداشـت[499].
ـ كمال الدين إسماعيل الذي عاش في القرن السابع في أصفهان:
چون محرم رسيد وعاشورا خنده بر لب حرام بايد كرد در پى مأتم حسين بن على گريه از ابر وام بايد كرد[500]. |
ـ مصلح الدين سعدي الشيرازي الشافعي (المتوفى 659هـ) :
يا
رب به نسل طاهر أولاد فاطمه |
ـ جلال الدين محمد المولوي البلخي (المتوفى 672هـ):
كجاييد
اى شهيدان خدايى |
ـ سيف الدين الفرغاني (المتوفى 705هـ):
اى قوم در اين عزا بگرييد |
ـ علاء الدولة السمناني (المتوفى736هـ):
كمال حسن خلق اندر حسن دادن |
ـ أوحدي مراغئي أصفهاني (المتوفى 738هـ):
به شهيدان كربلا ز فسوس |
ـ كمال الدين محمود المعروف بخواجوي كرماني (المتوفى 753 هـ):
خون شفق در كنار چرخ به سوگ حسين
دود غسق در جگر دهر به داغ حسن[505].
ـ سلمان ساوجى (المتوفى 778هـ):
خاك وخون آغشته لب تشنگان كربلاست
آخر اى جوى بلا بين خون پايت كجاست[506].
ـ محمد بن حسام الخوسفي (المتوفى 875هـ):
يا رسول الله گذر كن سوى دشت كربلا
خود تو مى دانى كه خاك كربلا كرب وبلاست
در بـاغ ارغـون چـون شــهيـدان كـربلا
از پـاى تـا به فـرق بـه خـون گشته لاله زار[507].
مواصلة العزاء في خراسان وماوراء النهر
بعد أن تأسّس الحكم الخوارزمشاهي(521 ـ 682هـ) ضعفت سلطة السلاجقة، الأمر الذي مهّد الأرضية لانتشار التشيّع وأتباع مذهب أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتحسّنت الظروف لإقامة العزاء آنذاك، بالرغم من استمرار وجود بعض العوائق، وأخذ بعض الشعراء الفرس السنة يندبون الحسين× في أشعارهم، منهم: العطار النيشابوري (537 ـ 627هـ)، وسلطان ولد (المتوفى712 هـ) نجل جلال الدين محمد البلخي.
وقد ذكرنا أنّ للإمام الشافعي قصائد كثيرة في مدح أهل البيت^ ورثائهم، وهذا يكشف عن المنزلة الرفيعة لأهل البيت^ في نظر السنّة، تلك المنزلة التي جعلتهم يتأثّرون كثيراً بمصاب أهل البيت^، فيقومون بالعزاء عليهم ورثائهم، وقد نقل عبدالجليل الرازي القزويني في كتابه (النقض) الذي ألّفه عام (560هـ) معلومات تاريخية قيّمة عن تاريخ إقامة أهل السنّة مراسم العزاء على الإمام الحسين×، فقد كتب في ردّه على كاتب سنّي انتقد الشيعة بأنّهم: «يُظهرون الجزعَ يوم عاشوراء، ويقيمون العزاء، ويُجدّدون مصاب شهداء كربلاء على المنابر، فيخلع علماؤهم عمائمهم، ويشقّ العوامُّ جُيوبَهم، وتَخمِش نساؤهم وجوههنّ وينتحبن بالبكاء»، كتب يقول: «من الجليّ البيّن أنّ أئمّة الفريقين من أصحاب الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، وعلماء وفقهاء الطوائف قد رَعَوا هذه السنّة خَلَفاً عن سَلَف، وحافظوا عليها، فالشافعي الذي هو مؤسّس المذهب المنسوب إليه قد أنشد ـ فضلاً عن المناقب التي نقلها ـ أشعاراً في رثاء الحسين× وشهداء كربلاء، يقول في إحداها:
أَبْكي الحُسَيْنَ وَأَرْثي مِنْهُ جَحْجاحا |
ويقول في قصيدة ثانية:
تـأوّبَ هَمّي فـالفـؤادُ كـئيـبُ وأرّقَنـوميفالرُّقادُعـجـيـبُ |
ومراثي شهداء كربلاء التي أنشدها أتباع أبي حنيفة والشافعي لا يمكن حصرها، فإن كان في ذلك قَدح، فهو أوّلاً قدح في أبي حنيفة والشافعي ثمّ فينا، فلو كان هذا بدعة كما يقول هذا المجبِّر المتحوّل ـ يعني الكاتب السنّي ـ لما أفتى القاضي به، ولما أقرّه هؤلاء الأئمّة والأعلام، وإذا كان هذا الكاتب لم يحضر مجلس الحنفيّة ولا مجلس الشيعة، فإنّه لا بدّ أن يكون حضر مجلس شهاب المشّاط، الذي كان يُقيم مجلس العزاء كلّ سنة مع حلول شهر المحرّم، ويذكر في يوم عاشوراء مقتل الحسين بن علي×.. فما كان من الحاضرين إلّا أن شقُّوا ثيابهم ونثروا التراب على رؤوسهم وألقى الرجال بعمائمهم وناحوا وضجّوا بالبكاء والعويل.
ولو فُرض أنّ هؤلاء العلماء والقضاة كانوا يقيمون مراسم العزاء ويشتركون فيها تقيّةً منهم ومداهنةً للسلطان، فإنّهم سيكونون عندئذٍ قد وافقوا الشيعة في العمل بالتقيّة، وإذا فعلوا ذلك عن اعتقاد، فهو دليل على كذب ادّعاء الكاتب وعلى نقصان إيمانه، ونحن نعلم أنّ الخوارج والمشبّهة لا يقرّون إقامة العزاء على سيّد الشهداء×، أمّا أتباع المذهبَين الحنفي والشافعي مع الشيعة فيتّبعون هذه السنّة، فإقامة العزاء على الحسين بن عليّ× هو اتّباع لقول المصطفى (صلى الله عليه وآله): (مَن بَكى على الحُسين أو أبكى أو تـَباكـَى، وَجَبتْ له الجنّة)، من أجل أن يكون المتكلّم والسامع في ظلّ رحمة الله، ولا يُنكر ذلك إلاّ منافق ومُبتدع وضالّ وخارجي ومُبغض لفاطمة وعليّ وآلهما، والحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون»[509].
كانت المدن الشيعية ـ كخراسان وقم وكاشان في إيران، والنجف وكربلاء والحلة في العراق، وكذلك جنوب لبنان، وبعض المناطق الإسماعيلية في مصر وشمال أفريقيا ـ مراكز لإقامة مجالس العزاء، لكن تلك المجالس لا تقتصر إقامتها على هذه المناطق فحسب، بل هناك شواهد تدلّ على وجودها في ضواحي خراسان، كنيشابور وغيرها من المناطق التي يقطنها السنة.
وكان مجد الدين مذكر
الهَمَداني (المتوفى555هـ) يُقيم في هَمَدان التي غلب على أهلها رأي المشبِّهة،
العزاء في موسم عاشوراء في كيفيّة عجب منها القمّيّون الشيعة أنفسهم.
وكان
الخواجة الإمام نجم أبو المعالي بن أبي القاسم البُزاري في نيسابور ـ وهو من علماء
المذهب الحنفي ـ يواظب على إقامة هذا العزاء، وكان يمسك في يده منديلاً، فينوح
وينثر التراب على رأسه ويَئِنّ أنيناً عالياً.
وكان الشيخ أبو الفتوح النصرآبادي، والخواجه محمود الحدادي الحنفي، وغيرهما من الحنفيين، يقيمون مراسم العزاء يوم عاشوراء في مدينة الري، وهي من أُمّهات المدن الإسلامية في مركز توقف القوافل في (كوشك)، وفي المساجد الكبيرة، فيقضون يوم عاشوراء في ذكر التعزية ولعن الظالمين.
كما كان الخواجة الإمام شرف الأئمّة أبو نصر الهسنجاني يقيم العزاء في كلّ يوم عاشوراء في حضور الأُمراء وعلماء الحنفيّة، وكانوا يقرّون ذلك منه ويشتركون معه فيه.
أمّا الخواجة الإمام أبو منصور حفيد محمد بن أسعد الطوسي، الملقّب بعمدة الدين، الفقيه الشافعي النيسابوري، الذي كان مقدّماً لدى أصحاب الشافعي، فكان إذا حضر في مدينة الريّ أقام مراسم العزاء يوم عاشوراء في جامع (سرهنك) على هذا النحو الذي وصفناه، وكان يفضّل الحسين× على عثمان، ويلقّب معاوية بالمارق، وناهيك عن القاضي الكبير الحنفي في ساوة، الذي كان يذكر قصّة عاشوراء في حضور ما يقرب من (20 ألف) شخص، فكانوا يشقّون الجيوب ويُلقون عمائمهم من على رؤوسهم بما لم يسبق له مثيل[510].
وقد رثى القاضي السمعاني المروزي الحنفي (المتوّفى 450هـ) ـ وهو والد جدّ عبد الكريم السمعاني صاحب (الأنساب) ـ الحسين× في شعره:
سلّوا
سيوف محمد لمحمد |
كما نظم أبوالحسن الباخرزي الشافعي (المتوفى467هـ) مصنّف كتاب (دمية القصر) ـ وهو ذيل على يتيمة الثعالبي ـ قصيدة في رثاء الحسين×، منها هذه الأبيات:
صنو
الرسول وزوج فاطمة التي ومذبوح، عن الحـوباء |
بكاء أهل الشام على الحسين قُبَيل حملة المغول
ينقل ابن كثير في كتابه أنّه بعد سقوط بغداد عام (656هـ) بيد المغول ـ وذلك بعد إنهاء خلافة العباسيين الذين حكموا نحو (554 عاماً) ـ قام شعراء الشام برثاء الإمام الحسين×، منهم شهاب الدين أبوشامة (599 ـ 665هـ)، الذي سمع بحملة المغول على ميافارقين وقتل قائدها الكامل بن شهاب، الذي قُطع رأسه ورُفع على باب الفراديس في دمشق، فنظم أبو شامة في ذلك قصيدة يذكر فيها فضله وجهاده، وشبّهه بالحسين× في قتله مظلوماً[513].
وإضافةً إلى دمشق، هناك مدن أُخرى من الشام كحلب وغيرها كان أهلها يقيمون المآتم يوم عاشوراء من كلّ عام، ويذكرون فيها مصائب الحسين× الجليلة.
ولابن الوردي الحلبي الشافعي(المتوفى 749هـ) شعر في الإمام الحسين×، قال:
أرأس
السبط يُنقَل والسبايا لم
يفتـكوا إلّا بذات رغاء خجلاً
لهم من قوم صالحٍ الأُولى يطاف
بها وفوق الأرض رأسُ |
وقال:
جدّي
هو الصدّيق واسمي عُمرُ |
وقال:
دنيا
تضام كرامها بلئامها |
انتشار العزاء في العهد التيموري (771 ـ 911هـ)
إنّ التيموريين كانوا من أتباع مذاهب السنة بشكل رئيسي، ولكنّهم بعدما استلموا الحكم وخصوصاً بعد قتل تيمور الملك، برزت عندهم نشاطات أدبية وحضارية واسعة ومهمّة في العالم الإسلامي ولا سيما في خراسان، حيث كانوا يحترمون علماء الشيعة وعقائدهم، ويظهرون المحبّة لأهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله)، ممّا ساعد إلى حدٍّ بعيد على نشر ثقافـة أهل البيت^ وشعائرهم، وهكذا أصبحت مجالس العزاء على الحسين× تتّسع يوماً بعد آخر، حتى وصلت إلى بلاط الحكم التيموري[516].
وتشير الآثار الفارسية المؤلّفة خلال الفترة الواقعة بين القرنين السابع والعاشر للهجرة إلى رسوخ وتعمّق محبّة أهل البيت^ في أوساط أهل السنة، حيث تناقل أكثر مؤلّفي السنة في كتبهم التي تناولت تاريخ الإسلام واقعة كربلاء، نقلاً عن كتاب الفتوح لابن أعثم، وعلّقوا عليها تعليقات تبيّن انحيازهم الكامل إلى صفّ الإمام الحسين×.
وقد انتشر العزاء على مصاب أهل بيت النبي’ في هذا العصر وبأبعاد مختلفة، بحيث لا يقاس بالعصور السابقة، وهذه الأجواء التي كانت مفعمة بالمحبّة لأهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله)، والمعادية للأُمويين والعباسيين جعلت المجتمع يسير نحو قبول معارف أهل البيت^ ومبانيهم الصحيحة، يقول كامل مصطفي الشيبي في كتابه (الصلة بين التشيع والتصوف): «استبدل مجالس ذكر الصوفيين في هرات بمجالس البكاء على الحسين× في العهد التيموري».
ويذكر صاحب كتاب (روضة الشهداء) في المقدّمة هدفه من تأليف الكتاب، فيقول: «إنّ الأوضاع الاجتماعية والأرضية الممهّدة للظروف الدينية والثقافية، وكذلك انتشار العزاء في شتّى الأنحاء لا سيما خراسان، دفعته إلى تأليف الكتاب».
ويضيف قائلاً: «كان محبّو أهل البيت^ يجتمعون في شهر المحرم من كلّ عام، ويجددون مصاب سيد الشهداء بالعزاء عليه وعلى أولاده الطاهرين، فتحترق أفئدتهم من الحزن ويضجّون بالبكاء والعويل».
لقد ألّف صاحب (روضة الشهداء) كتابه بناءً على طلب مرشد الدولة أحد علماء هرات، والمعروف بسيد ميرزا، ويذكر ثمّة عوامل دفعته لتأليف الكتاب، ومن أهمّها أنّه يقول: «رغم أنّ هناك كتباً كثيرة عن واقعة كربلاء ورواية أحداثها، لكن لم تُذكر فيها مناقب الإمامين الحسن والحسين‘ وأحوالهما بصورة كاملة، فهذا النقص في التأليف جعلني أُصنّف كتاباً جامعاً بأمر سيد ميرزا، يشتمل على روايات كثيرة عن الأنبياء والأصفياء والشهداء، لا سيما الخمسة أصحاب الكساء، بصورة مفصّلة ومشروحة»[517].
وفي هذا الإطار يذكر في قسم آخر من كتابه شيئاً عن فلسفة تأليفه، وفضل كتابه (روضة الشهداء) على سائر الكتب المشابهة ويقول: «ليس في كتب المقاتل الموجودة شرحٌ لأخبار القتال وكيفيته، بل هناك اختصار فقط لذكر أسماء المقاتلين، لكن الحقير (يقصد بذلك نفسه) في هذا الكتاب بدأ بالتحقيق والبحث الكثير، حتى عثر على تفاصيل المقاتل، فكتبه بأحسن أُسلوب، وبما أنّه ليس للعجم معرفة باللغة العربية فلهذا لم أذكر أراجيز المقاتلين إلّا في وقت الضرورة»[518].
يبدو من خلال هذا النص أنّه كانت هناك أرضية ممهّدة للعزاء على الإمام الحسين× في خراسان وماوراء النهر، حتى قبل تأليف كتاب روضة الشهداء، فكان الناس يجتمعون في يوم عاشوراء من كلّ عام ويذكرون مصائب الإمام الحسين× وأهل بيته في كربلاء، وكان العلماء والشعراء والفقهاء يُبيّنون لهم الجرائم التي جرت في حقّ آل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهكذا كانوا يقيمون العزاء.
كمال الدين ملا حسين الواعظ الكاشفي (المتوفى 910هـ)
كان في قمّة الخطباء الكبار وحاز على مكانة رفيعة عند الفريقين، فالشيعة في مدينة بيهق (في سبزوار) كانوا يظنون أنّه سنيٌ، والسنّة في هرات كانوا يظنون أنّه شيعيٌ، لكن بعض الباحثين يقول: «يبدو أنّه كان من نوادر عصره، ليس له تعصّب بمذهب أو فرقة خاصّة، وكانت له شخصية غريبة مثل شخصية الشيخ بهاء الدين العاملي، فقد كانت له نظرات عالية وتساهل في الأُمور»[519].
رغم أنّ كتاب (روضة الشهداء) ليس أوّل كتاب أُلّف في ذكر شهداء كربلاء[520]، لكن ثمّة أسباب جعلت الكتاب يعتبر أوّل مقتل فارسي وأشهره وأكثره تأثيراً بين كتب المقاتل الموجودة، وهنا نذكر بعض هذه الأسباب:
الأُسلوب الجميل في الكتابة، وقوة الكاتب في تحرير الكتاب بطريقة سلسة، وأيضاً تجاربه الكثيرة في ذكر الروايات دون التعرّض إلى عقائد أهل السنة.
فهذه الأسباب جعلت الوعّاظ والخطباء يستمدّون من هذا الكتاب القيم في خطبهم حول مصائب أهل البيت^، حتى أُطلق اصطلاح الروضة في اللغة الفارسية على كلّ مجلس عزاء يقام لمصائب الإمام الحسين× وأصحابه؛ إشارةًً إلى كتاب (روضة الشهداء) للواعظ الكاشفي[521].
لقد كانت للكاشفي مجالس وعظ وخطابة في شتى المدن، لا سيما هرات وسبزوار، وكان يذكر فيها مناقب أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويبين مصائبهم بأُسلوب قصصي، مزدان بالأحاديث والأشعار.
وكان يقيم مجالسه في المدارس وحتى في بلاط الحكام التيموريين، وكان الحضّار ـ وأكثرهم من أهل السنة والجماعة ـ يستمعون له ويتأثّرون برثائه ويبكون حزناً لمصائب أهل البيت^.
خلّف الكاشفي تلامذة كثيرين من السنّة الذين تتلمذوا عنده، وتعلّموا منه فنون الخطابة، واتّبعوا منهجه، حيث جعلوا أُسلوبه معياراً لهم في خطبهم، وكانوا يعتقدون أنّ أُسلوبهم في الخطابة كلمّا كان أشبه بأُسلوب الكاشفي كلّما كانوا أكثر نجاحاً في الخطابة.
نقل محمود الواصفي ـ أحد تلامذة ملاحسين الكاشفي ـ أنّه سافر يوماً إلى نيسابور بعد وفاة أُستاذه، فلمّا علم أهل نيسابور أنّه من تلامذة الكاشفي أعربوا عن أسفهم وحزنهم لفقدان هذا الخطيب الجليل، وطلبوا من الواصفي أن يقرأ لهم تعزية يذكر فيها مصائب أهل البيت^، إحياء لذكرى ملا حسين الكاشفي، فاختار إحدى خطب أُستاذه الكاشفي، وقرأ لهم بنفس طريقته، فرغبوا في ذلك وتأثّروا به كثيراً[522].
ويروي أيضاً أنّه كان في بيت الأمير زين العابدين أحد علماء نيسابور، فقال الأمير: نحن محرومون من مواعظ مولانا الكاشفي منذ سنين طويلة، لكن سمعنا أنّه كان يمدح تلميذه الواصفي، فاليوم التقينا بتلميذه ونأمل أن يفيدنا بذكر مصائب أهل البيت^.
تُوفّي ملاحسين الكاشفي سنة (910هـ)، لكنه ترك أثراً عميقاً في نفوس الناس، وأصبح لكتابه دورٌ مهمٌّ في بيان معارف أهل البيت^، وانتشار مجالس ذكر مناقب أهل البيت^ ومصائبهم، حيث حاز الكتاب أهميةً كبيرة لدى الوعّاظ والخطباء[523].
فخر الدين الكاشفي (المتوفى939هـ)
فخر الدين علي صفي بن ملاحسين الكاشفي السبزواري، كان أُسلوبه في الخطابة أكثر شبهاً بأُسلوب أبيه وأُستاذه ملا حسين الكاشفي من سائر تلاميذه، لذلك يعتبر أكبر مروج لمنهج أبيه في الخطابة والوعظ، كان يُنسب ـ كأبيه ـ إلى التشيّع عند السنة، وإلى التسنّن عند الشيعة.
يعتبر كتاب (لطائف الطوائف) أهمّ آثاره في بيان عظمة أهل البيت^ ومنزلتهم الرفيعة، وحينما يقرأ القارئ كتابه يرى في أُسلوبه شبهاً كبيراً بأُسلوب أبيه وأفكاره، وكان يعِظ الناس ويذكر لهم مصائب أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله).
غادر فخر الدين الكاشفي هرات بعد سقوط الحكومة التيمورية، متوجّهاً إلى كرجستان، وظلَّ هناك يدرّس ويقيم مجالس العزاء لأهل البيت^، وألّف كتابه القيم وأهداه لحاكم كرجستان[524].
يُشار إلى أنّ هناك كثيراً من الوعّاظ والعلماء في عصرهم قاموا بنشر عقائد أهل البيت^ وذكر مصائبهم، ومن جملتهم: السيد أبو الحسن الكربلائي، وحيدر علي المداح، والسيد علي (واحد العين)، وغيرهم من الخطباء الذين كانوا يرشدون الناس ويمارسون الخطابة في المساجد والمدارس العلمية، وحتى في الشوارع والأسواق، وكانوا أحياناً يذكرون أسماء أهل البيت^ المباركة في مستهلّ خطبة الجمعة، بدلاً من ذكر أسماء الخلفاء، وكانوا يطلبون من سلاطين السلسلة التيمورية أن يُقرّوهم على هذه السنّة الحسنة[525].
ذكر مناقب أهل البيت (عليه السلام) ومدحهم
راجت في العصر التيموري حركة علمية واسعة للاطّلاع على منزلة أهل البيت^، والتوسّل والتقرّب إليهم بأساليب مختلفة، ومن مظاهر تلك الحركة أنّ العلماء قاموا بذكر مناقب أهل البيت^ وفضائلهم، وتبيين أبعاد مختلفة من شخصيتهم العظيمة، فتارة كانوا يذكرون مناقبهم في صورة الشعر، وتارةً أُخرى في صورة النثر أو القصة، وهذا الأُسلوب كان قد تأسّس في القرن الثامن، لكنّه اتّسع وازدهر في القرن التاسع.
خلافاً لمجالس العزاء التي كانت تذكر فيها مصائب الإمام الحسين×، وتختصّ فقط بشهر محرم الحرام، وتقام في أماكن خاصّة، فإنّ مجالس مدح أهل البيت^ ما كانت بحاجة إلى زمان أو مكان محدّد، بل كان الوعّاظ يشيدون بمناقبهم في مختلف الأماكن، كالميادين والمساجد والمزارات والأسواق والمدارس وغيرها.. ونرى أنّ هذه السنّة دخلت في حياة الناس الدينية والاجتماعية قبل العصر التيموري، لكنّها تطورت بشكل مذهل في هذا العصر، حيث كانت تقام هذه المجالس يومياً في هرات، وكان يرتادها الناس من الفريقين، بل حظيت أيضاً بمشاركة بعض رجال الحكم فيها.
رغم أنّ الوعّاظ والخطباء كان أكثرهم من الشيعة، لكن المستمعين كانوا من أتباع المذاهب المختلفة من السنة وغيرهم، فكان الخطيب تارةً يذكر مناقب أهل البيت^ وتارةً أُخرى يذمّ الخلفاء بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، الأمر الذي أدّى إلى غضب أهل السنة واعتراضهم.
يقول أحد علماء السنة: «دخلنا يوماً إلى مدرسة جوهرشاد، فرأينا فيها مجلساً أقامه حسن علي المداح، يذكر فيه مناقب أهل البيت^، و(يسبّ) أحد الخلفاء بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوصل الخبر إلى ميرزا بيرم، فغضب وقال: سأقتل هذا الكافر أو أسعى في قتله، فقال له فقير: ياصاح، إنّ أمثال هذا الرجل كثيرون وجماعة السنة كثيرون أيضاً في هذه المدينة، فلا مبرّر لقتله مادام شاه إسماعيل يحكم العراق، فقتله يسبّب مشاكل كثيرة لجماعتنا»[526].
طلب إيراد الخطبة باسم أهل البيت (عليه السلام)
أثر النشاطات الكثيرة في شتّى الأبعاد، مثل إقامة مجالس العزاء وذكر فضائل أهل البيت^ ونظم الشعر في مدحهم والخطابة وغيرها، ارتأى آخر الملوك التيموريين أن يُطلق على نفسه لقب الحسيني؛ تيمّناً باسم الحسين× وسلالته الطاهرة، ولهذا الملك نشاطات أُخرى في هذا المجال من قبيل عنايته بالمراقد الشريفة للأئمّة وغير ذلك، فاستغلّ الخطباء هذا الوضع وطلبوا منه أن يأمر بتغيير مواضيع خطب الجمعة من ذكر مناقب الخلفاء الثلاثة إلى مدح أهل البيت^ وبيان فضائلهم، وإليك فقرات ممّا كتبه بعض السنّة في هذا المجال: «لما ترأس السلطان حسين ميرزا الحكومة في خراسان، ذهب جماعة من وعّاظ الشيعة إليه، وطلبوا منه أن يستبدل خطب مدح الخلفاء الراشدين بمدح الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته^، وأرادوا منه الطعن في أُصول السنّة، ومن جملة هؤلاء الوعّاظ: السيد حسن الكربلائي، والسيد علي واحد العين الأعمى البصر والبصيرة، الذي كان (يسبّ) خلفاءنا، وكان بارعاً في الخطابة والبلاغة، حيث أغوى عدداً كثيراً من السنّة بسحر كلامه، وكان متعصِّباً لمذهبه، ويعتقد أنّ الإمام علي× يحميه في بيان عقائده والسير على طريقه»[527].
إنّ هذا التقرير يبيّن لنا بوضوح نشاطات الواعظين وقدراتهم السياسية والاجتماعية في الخطابة والوعظ، فهذه الجماعة التي ما كانت تستطيع أن تقيم مجالس العزاء حتى في دورهم، نرى أنّهم في هذا العصر قد جعلوا منابر المساجد منطلقاً لنشر عقائدهم وأفكارهم.
نور الدين عبدالرحمن الجامي (817 ـ 889هـ)
على الرغم من أنّ عبد الرحمن الجامي بذل وسعه، وكان له الدور الرئيس في منع السلطان حسين بايقرا (873 ـ 911هـ) من التشيع، وذكر أسماء الأئمّة الاثنى عشر^ في خطبته، مع وزيره العالم علي شيرنوايي، وكان له الدور الرئيس في ذلك، ورغم ما كان يظهره من الظغائن والأحقاد والتنفيس بخصوص الشيعة في زمانه، والتي يمكن ملاحظتها في الكثير من مؤلّفاته، إلّا أنّه لم يتوان عن زيارة الإمام الحسين× وذكر مناقبه في عزائه، ويعتقد أنّ هذا الأمر لا يتعارض مع قناعته واتّباعه للمذاهب السنية، وكان يسارع في سنينه الأخيرة لزيارة العتبات المقدّسة، وينقل قصة زيارته مرقد الإمام الحسين× بنظمٍ من الشعر.
إقامة العزاء في البلاط التيموري
لقد جاء في عدّة مصادر معتبرة أنّ بدء مراسم العزاء على الحسين× كان قد حدث أوائل الحكم التيموري، لكنّها اتّسعت اتساعاً عظيماً أبان حكم الملك شاهرخ ميرزا (810 ـ 850هـ)، حيث أصبحت مراسم العزاء تُقام حتى في البلاط التيموري السنّي، فكان شاهرخ ميرزا وأتباعه يحضرون مجالس الوعّاظ الكبار، ومنهم: شاه نعمة الله ولي الكرماني (730 ـ 827هـ)، وقاسم أنوار التبريزي (835هـ)، والسيد محمد نوربخش (795 ـ 869هـ)، وابنه السيد قاسم فيض بخش (981هـ)، وكانوا بالإضافة إلى ذلك يقيمون المآتم بشكل خصوصي في قصورهم.
وجرّاء هذه الثقافة الحسينية التي كانت شائعة في هرات، طلب شاهرخ ميرزا من الوعّاظ والخطباء أن يرثوا الحسين×، في حفلة تأبينية أُقيمت لفقدان ابنه بايسنقر ميرزا.
أمر شاهرخ ميرزا بأن تُقام مجالس العزاء أربعين يوماً، حيث كان يجلس على كرسي الخلافة ويجتمع إليه مشاهير إيران وتوران، وأعاظم المعمورة ورؤساء خراسان، يتقدّم للرثاء كلّ يوم شاعران ماهران ليسمعوا ما نظموه للحاضرين.
وحتى قبل شاهرخ ميرزا، لما ولي الأمير تيمور الخلافة، دعا آلافاً من السادة العلويين من مختلف البلاد في حفلة رئاسته، في هذا الإطار يقول كامل مصطفى الشيبي: «حضر أربعة آلاف من السادة في حفلة رئاسة الملك في بلخ سنة (771هـ)..»[528].
وبعدما استولى على العراق قصد كربلاء في بدء الأمر لزيارة الإمام الحسين×، اتّباعاً لحديث الثقلين والآية الشريفة التي جاءت في القرآن حول ذوي القربى[529].
وبعد غزو حلب جمع العلماء والقضاة وسائر الناس في مجلسه وسألهم سؤاله الذي طالما كان يسأله، وهو سؤاله حول فضل الإمام علي بن أبي طالب على معاوية بن أبي سفيان، ولمّا سمع منهم أنّ هذا أمرٌ اجتهادي ولكلّ شخص رأي، غضب وقال: إلّا أنّ علياً مع الحق ومعاوية ظالم وابنه فاسق، أنتم يا جماعة حلب قد اتّبعتم سبيل أهل دمشق الموالين ليزيد وقاتلي الإمام الحسين×[530].
كان يدور في خلد ابن تيمور أسئلة كثيرة عمّا جرى لآل رسول الله’ بعد فجائع كربلاء، وكان دائماً يظهر حزنه وأسفه لقتل الإمام الحسين×، وكان يقول ابن خلدون ـ بعدما زاره في دمشق عام (803 هـ) ـ: بعض الناس يعتقدون أنّ تيمور رافضي.
وفي هذا الصدد قال عنه أحد الباحثين: يظنّ البعض أنّ ابن تيمور ملك من الملوك، وبعض آخر أنّه عالمٌ من العلماء، لكن بعض آخر يعتقد بأنّه رافضي؛ وذلك لأنّه يؤثر أهل بيت رسول الله’ على غيرهم[531].
لقد ازداد هذا الانتماء إلى الإمام الحسين× وثورته الخالدة في العصر التيموري، حيث قام العلماء من بلدان مختلفة ـ لا سيما ماوراء النهر ـ ضدّ السلاطين الظلمة، وأعربوا عن استيائهم من يزيد وعصابته وقاموا بلعنهم في العلن[532].
ونرى في ذاك العصر إقبالاً واسعاً على أهل البيت^ والسادات من ذريتهم الشريفة، وصارت لزيارة الإمام الرضا× صبغة دينية وسياسية في حياة الناس، وكان الملوك التيموريون يشجّعون الشعراء على مدح أهل البيت^ ورثائهم، ومن هنا وُجد هذا الكمّ الهائل من الآثار الشعرية والنثرية التي كتبت في رثاء أهل البيت^ وذكر مناقبهم.
كان التيموريون يؤكّدون على إكرام أهل البيت^ واحترام سلالتهم الطاهرة، ويعتقدون أنّ هذا الإجلال لا يتعلّق بمذهب خاصّ، بل يشمل جميع المذاهب والفرق، فلا بدّ للجميع أن يلبسوا جلباب الحزن لمصائب أهل البيت^ والفرح لفرحهم.
وعلى سبيل المثال نرى أنّ أبا القاسم البابر (852 ـ 861هـ) الحاكم التيموري قام بضرب السكة باسم الأئمّة المعصومين^، وكان يقول: إنّ هذا لا ينافي عقائد المذهب الحنفي.
كان ميرزا أبوالقاسم جالساً يوماً مع أصحابه وبيده إناء فيه سكك ذهبية، وأخذ يقرأ أسماء أئمّة الشيعة الاثني عشر المنقوشة على السكك، فسأله أحد الحضّار عن تاريخ ضرب السكك، فأجابه: ضُربت هذه السكك في عهد حكومتي، فقال له: ألا تخشى أن تُتّهم باتّباع مذهبٍ آخر؟ فأجابه السلطان: كلّ شخص حرٌّ فيما يقول، لكن أنا سنّيٌ وثابتٌ على مذهبي الحنفي[533].
إقامة العزاء عند أهل السنة مابعد العصر التيموري (911هـ حتى الآن)
بعد سقوط الحكم التيموري سنة (911هـ) أخذت الأقاليم الخاضعة له بالانفصال، وصار لكلّ إقليم حكم مستقل، فتولّى الأتراك قسماً كبيراً منه، وسيطر شاه إسماعيل الصفوي على غرب المملكة التيمورية وأسّس السلسلة الصفوية، وسيطر العثمانيون على البلدان العربية والإفريقية، وامتدّ نفوذ آل أزبك الشيبانيين إلى ماوراء النهر وشمال أفغانستان، وصارت مناطق من أفغانستان وكذلك شبه القارّة الهندية في يد فرع خاص من التيموريين، يعرفون باسم بابريين أو الكوركانيين.
ورغم عداء بعض أهل السنة للشيعة في العصور التي خلت، نرى أنّ هذا العداء قد تراجع في عصر التيموريين، ولكنّه ازداد بشكلٍ خطير بعد تأسيس الحكم الصفوي في إيران، واجتاح الصراع مناطق مختلفة، لا سيما شمال شرق إيران، بنحوٍ لم يسبق له مثيل.
ومع كلّ هذا، استمرّ عزاء أهل السنة على مظلومية الإمام الحسين×، حيث نرى كثيراً من الشعراء السنة وعرفائهم قد ذكروا ثورة الإمام الحسين× ونهضته الخالدة في آثارهم الأدبية والعرفانية والاجتماعية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، وإنّما ترسّخت هناك العقيدة الشيعية والحسينية في أفكار العلماء من غير المسلمين في شتى أرجاء العالم.
لقد وقعت بلاد ماوراء النهر (آسيا الوسطى) في القرن العاشر بيد الشيبانيين، ولمّا كانت نظرة هذه السلسلة الأُزبكية تجاه مذهب التشيع سلبية، لهذا سعت إلى إبعاد الناس عن انتمائهم المتزايد إلى أهل البيت^، ولم تأذن لهم بإقامة مجالس العزاء.
كان شيبك خان أزبك ـ مؤسّس هذه السلسلة ـ في قمة التعصّب المذهبي، ويشهد على ذلك أنّه لمّا غزا جنده مدينة هرات، ووصل إلى باب المدينة استقبله أعيان المدينة، ومنهم الأمير جمال الدين المحدّث، والأمير غياث الدين محمد بن أمير يوسف، وشيخ الإسلام الهراتي وغيرهم، وكانوا يقولون له: «هنيئاً لك هذا الانتصار، إنّ الله ومحمداً وعلياً معك»، فكان جند شيبك خان يتقدّم ويرد عليهم: «لا تقولوا: إنّ الله ومحمداً وعلياً معك، بل قولوا: إنّ الله ومحمداً والخلفاء الأربعة معك»[534].
هذه الأمثلة والشواهد وغيرها، تدلّ بلا شك على مدى الغيظ الذي كان يجيش به صدر الغزاة تجاه مذهب التشيع وشعائره الدينية، لكن رغم هذا العداء والأجواء الخانقة نرى أنّ بعض العرفاء من أهل السنة كانوا يمدحون الإمام الحسين×، ويعتبرونه رمز بقاء الحياة الإسلامية.
من الأُمور التي تدلّ على رغبة الناس في إقامة العزاء على مصائب الحسين×، انتشار كتاب (روضة الشهداء) وبصورة واسعة في مختلف البلدان، حيث تُرجم إلى اللغات الأُزبكية، والتركية لذوي الأُصول التركية من الشيعة في إيران وآسيا الوسطى والمناطق الأُخرى، وقد تُرجم هذا الكتاب الذي صُنّف عام (908هـ) في القرون التالية بعناوين مختلفة كـ(سعادت نامه) أو (كتاب السعادة) في القرن العاشر، وترجمه أيضاً الشاعر فضولي البغدادي تحت عنوان (حديقة السعداء)، وقد طُبع مراراً، وقد أعاد أحد الشعراء هذا الكتاب نظماً وسمّاه (شهدا نامه)، كما قام أيضاً الشاعر التركي المتخلّص بـالصابر بترجمته إلى اللغة التركية لساكني آسيا الوسطى، وله نسخ كثيرة في طاشكند ومدن أُخرى[535].
إضافةً إلى كتاب (روضة الشهداء) وتراجمه المتعدّدة، فقد صدر في هذا الحقل ديوان شعر للشاعر الصيقلي الحصاري، الذي اشتهر أيضاً بـ(روضة الشعراء)، وانتشر في طاجيكستان وأُزبكستان والمدن الأُخرى من آسيا الوسطى، وكان له أثرٌ تاريخي وديني عميق في تلك المناطق، ودليل ذلك أنّ الناس كانوا يسمّون أنفسهم بأسماء ذات صلة بواقعة عاشوراء والثقافة الحسينية، فمن جملة هذه الأسماء: عشور، عشور علي، عشور محمد، عشور باي، عشور بيك، بابا عشور، عشوره، عشور ماه، بي بي عشور، وغيرها من الأسماء التي تدلّ بوضوح على تأثّر الناس بواقعة عاشوراء.
نظم الصيقلي (من شعراء القرن الثالث عشر) قصائد حول واقعة الطف معتمداً على كتاب روضة الشهداء، ففي القسم الأوّل من ديوانه قصيدة في نحو خمسة آلاف بيت، استوعبت تاريخ الأنبياء من آدم× إلى رسولنا الخاتم(صلى الله عليه وآله)، والقسم الثاني يحتوي على قصيدة في نحو أربعة آلاف بيت تبدأ من اغتصاب معاوية الملك، وأحداث ما قبل واقعة كربلاء، ومنها امتناع الإمام الحسين× عن البيعة ليزيد الظالم، ثمّ تصل إلى ختام فاجعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين× وأصحابه.
يقول البروفسور أعلا خان أفصحي زاده (من علماء السنة في طاجيكستان) حول عزاء أهل السنة في آسيا الوسطى:
إنّ إقامة العزاء وقراءة مراثي الإمام الحسين× أمرٌ سائد بين أهل السنة في طاجيكستان، بيد أنّه لا يشبه عزاء الشيعة في يوم عاشوراء، بل إنّهم كانوا يجتمعون في كلّ أيام السنة ويقرؤون ويستمعون لروايات من كتاب روضة الشهداء لواعظ الكاشفي السبزواري، وأحياناً يأتي الشعراء ويلقون قصائدهم عن شهداء الطف[536].
وبعد ذلك يتحدّث أفصحي زاده عن أثر التشيع على أهل السنة في آسيا الوسطى، ويشير إلى ديوان الصيقلي الذي ذكر أحداث كربلاء في ديوانه بلسان الشعر، ثمّ أخذ يتحدّث عن مراسم عزاء أهل السنة في ذلك العصر ويقول:
إنّ صاحب ديوان الصيقلي الحصاري ـ الذي حلّ محل كتاب روضة الشهداء للكاشفي ـ كان من أهل السنة، ثمّ تناول بالبحث سمات الكتاب ومضمونه ومصادره، وختمه بالقول: لا شكّ أنّ إقامة مجالس العزاء على الإمام الحسين× وقراءة كتاب (روضة الشهداء) فيها طابع فارسي، ولعلّ الصيقلي الشاعر كان أوّل أديب أسّس سُنّة قراءة روضة الشهداء والاستماع إليها بين الناطقين بالتركية من السنة في آسيا الوسطى[537].
إقامة العزاء في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا
هناك عدّة شواهد تاريخية تدلّ على استمرار حركة العزاء في شبه القارة الهندية بعد القرن العاشر، وبما أنّ لكتاب (روضة الشهداء) صبغة أدبية منتمية للثقافة السنية، فإنّ أهل السنة اعتنوا بهذا الأثر الأدبي، فانتشر انتشاراً واسعاً بين المسلمين في شبه القارة الهندية.
وبالرغم من الدور الكبير لشيعة الهند في نشر فضائل أهل البيت^، بيد أنّ السنة كانوا يشاركون أيضاً في مجالس الشيعة الذين كانت لهم تقاليد خاصّة في إقامة العزاء، ففي مدينة السند كانوا يقيمون مجالس العزاء، ويلطمون فيها، ويمشون حفاةً في النار وعلى الجمر، وفي مدينة كويته مركز بلوشستان، كان للشيعة مراسم خاصّة، كاللطم على الصدور، وضرب الرؤوس بالسيوف، وكانوا يجتمعون كلّ سنة في الطرق الرئيسة ويتّجهون نحو حرم بزرك (أحد مراكز تجمّع الشيعة)، وقيل: إنّ هذه المآتم كانت تُقام أيضاً في مدن أُخرى، كالبنجاب، وباراجنار، وكشمير، ولكنهو، ودهلي، وغيرها.
واذا أخذنا في الاعتبار هيام الشيعة في الهند بحبّ أهل البيت^، وبغضهم لأعدائهم، ولعنهم الدائم ليزيد، فمن المُتوقّع أن نجد إقبالاً واسعاً من قبل أهل السنة على كتاب (روضة الشهداء)، وازدياد الرغبة فيه.
لقد تُرجم كتاب روضة الشهداء باللغات الأُردية والسندية وغيرهما لسكان شبه القارة الهندية، وفي سنة (1130هـ) تُرجم باللغة الدكنية، وقد طُبع باللغة الأُردية تحت عنوان (كنج شهيدان) أو (كنز الشهداء)[538].
وكلّ هذا يدلّ على الاستعداد الروحي للمجتمع هناك، وحاجته لمثل هذا النص، ووجود سنّة العزاء الحسيني.
لقد عكف علماء السنة على نشر التراث الحسيني، ولم يكتفوا بترجمة كتب المقاتل الفارسية ونشرها، وإنّما قاموا بتأليف الكتب في هذا المجال، مثل كتاب (مقتل سيد الشهداء) لأحد علماء الحنفية، الذي أراد أن يؤكّد على أنّ العزاء على الإمام الحسين× ليس خاصّاً بالشيعة، بل يشاركهم فيه أهل السنة، وينالون عليه الأجر والثواب.
لقد اتّسعت مجالس العزاء في شتّى أرجاء شبه القارة الهندية، وكان المسلمون في الهند من الفريقين، في كويته ولاهور وكراتشي وباراجنار وحيدر آباد ولكنهو ودهلي ودكن، وباقي المدن والأرياف التي يقطنها المسلمون، يقيمون المآتم، وينفقون أموالهم، ويعدون الطعام للمشاركين في العزاء، حيث إنّ المهاجرين من شعراء العجم من آسيا الوسطى وأفغانستان وإيران في الفترة التيمورية، كانوا يحيون ذكرى تلك الفاجعة الأليمة بأشعارهم ومراثيهم.
أضِف إلى ذلك أنّ بعض الهنود من غير المسلمين كانوا يحضرون مجالس العزاء، ويرتدون الثياب السوداء في أيّام المحرم الأُولى من كلّ عام، ويجتنبون الملذّات ومجالس الفرح في تلك الأيام، ويُطعمون الفقراء، وينشئون المراقد والمزارات الرمزية، كحرم الإمام الحسين× وأبي الفضل وغيرهما، ويقرؤون الأدعية والزيارة إلى جوارها إحياء لذكرى شهداء كربلاء.
وكان الخطباء يندبون الإمام الحسين× بمختلف اللغات: الفارسية، والأُردية، والبنجابية، والسندية، والبشتوية، والبلوشية، فتذوب قلوب المستمعين حزناً، وتنهمر دموعهم أسىً، ويلطمون صدورهم.
وكانت مجالس المآتم تُقام غالباً في التكايا وأمام الأضرحة، وكانوا يُخصّصون كلّ يوم من المحرم بذكر إحدى رزايا واقعة عاشوراء.
استمرّت مجالس العزاء في شبه القارة الهندية حتى بعد أن تجزّأت إلى ثلاث دول: الهند وباكستان وبنغلادش، واستمرّ إحياء التراث الحسيني فيها بصور مختلفة، مثل الإطعام، ورثاء أهل البيت^.
ورغم أنّ المسلمين ـ لا سيما الشيعة ـ يُعدّون من الأقلّيات الدينية في الهند، وأنّ نظام الحكم فيها نظام علماني، بيد أنّهم كانوا يعظّمون يوم عاشوراء، وقد أقروا هذا اليوم من كلّ عام عطلة رسمية إجلالاً لعظمته[539].
وتدلّ آراء كبار رجال السياسة في شبه القارة الهندية على أنّ رسالة الحسين× وفلسفة شهادته قد وصلت إلى آذانهم، وأثّرت عليهم في حركتهم ونهضتهم ضدّ الحكومات الجائرة.
يقول مهاتما غاندي زعيم الهند: أنا ما أتيت بشيء جديد لشعب الهند، بل كلّ هذا كان من ثمرات بحوثي ومطالعاتي عن تاريخ حياة الإمام الحسين× التي أهديتها لشعب الهند، وإذا أردنا أن نُنقذ الهند من خطر السقوط، فعلينا أن نسلك طريق الإمام الحسين×[540].
يعتقد جواهر لعل نهرو ـ أوّل زعيم للهند بعد الاستقلال ـ أنّ شهادة الإمام الحسين× وأصحابه فاجعة كبيرة للمسلمين ولا سيما للشيعة، وكلّ المسلمين في شهر المحرم من كلّ عام يحيون هذه الذكرى الأليمة بإقامة المآتم والنياحة على مظلوميته[541].
يقول بورش تاملاس أحد زعماء الهند ورئيس برلمان الهند السابق: أنا أعرف مدى أهمّية إحياء هذه الواقعة التاريخية العظيمة، فبشهادة الإمام الحسين× وتلك التضحيات الجسام، ارتقى مستوى الفكر البشري، وهذا ما يحتّم بقاء ذكرى الواقعة خالدة[542].
وعلى الرغم من ظهور المذهب الوهابي في باكستان وسعيه في التمدّد، فإنّه مازالت لأهل البيت^ منزلة رفيعة لدى مسلمي باكستان.
وقد قامت الوهابية بعدّة محاولات لمحو آثار أهل البيت^، فتارة تكون نشاطاتهم بصورة مباشرة ومنظّمة تحت عنوان (جند الصحابة)، وتارة أُخرى عن طريق نشر الكتب والرسائل المختلفة، وبناء المدارس والمساجد والمستشفيات والجامعات والمنظمات الخيرية، وكذلك الدعم المادي للمدارس والمؤسّسات العلمية، يهدفون من وراء ذلك التقليل من شأن أهل البيت^، ولكنّ محاولاتهم تلك قد باءت بالفشل، فمجالس العزاء لا زالت قائمة على قدمٍ وساق في باكستان.
ويعدّ المصلح الإسلامي الكبير العلّامة محمد إقبال اللاهوري (1289 ـ 1353هـ) من أبرز زعماء أهل السنة، الذين كان لهم دورٌ كبير في إحياء التراث الحسيني بقلمهم وشعرهم، فهو يؤكّد في كلّ ديوانه على حبّه للإمام الحسين×، ولزوم اتّباع منهجه، وأن نأخذ نهضته الشريفة بعين العبرة ويقول: كان دم الحسين× تفسيراً للأسرار، وإيقاظاً للشعوب النائمة، وقد كتب على رمضاء كربلاء لا إله إلّا الله، وكتب عنوان نجاتنا، ومن الحسين× تعلمنا رمز القرآن، ومن نوره ادّخرنا الضياء.
خون
او تفسير اين أسرار كرد |
ويعتقد أهل السنة في باكستان بضرورة إحياء ذكرى واقعة كربلاء، يقول أحد العلماء المعاصرين في باكستان: إنّ مصائب العالم الإسلامي بدأت بعدما صار الحكم بيد معاوية، وكان نتيجة ذلك تغيير نظام الحكم من الخلافة إلى النظام الملكي.
وبقطع النظر عن المحاولات اليائسة للوهابيين في العقود الأخيرة بمحاربة مجالس العزاء والمآتم، وتشويه سمعة واقعة كربلاء، فما زال أهل السنة في شتّى أنحاء باكستان يعربون عن حزنهم لقتل الإمام الحسين× يوم عاشوراء، وأحياناً يرتدون الثياب السوداء حداداً عليه.
وعلى أيّة حال يمكن تقسيم موقف السنة في باكستان إزاء مراسم العزاء إلى قسمين:
القسم الأول: يُطلق على السواد الأعظم من أهل السنة في باكستان بـ (البرلوية)، وهم أتباع أحمد رضا البرلوي الحنفي، وهم منتشرون في مناطق باكستان المتعدّدة، وكان لهم اهتمام واسع بتكريم آل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، حيث يقيمون مراسيم مختلفة في شهر المحرم من كلّ عام، ومن جملة نشاطاتهم يوم عاشوراء:
1ـ يقوم بعضهم بزيارة القبور في يوم عاشوراء، باعتبار أنّ هذا اليوم هو يوم مقدّس ومناسب للدعاء وذكر الأموات.
2ـ الصيام في يوم عاشوراء طبقاً لوصايا وروايات متعدّدة في كتبهم الفقهية، فيصومون إحياء لذكرى الحسين×.
3ـ يُنصب بعض المحطات لتوزيع الماء والطعام، ويقومون بإطعام المشاركين في مجالس العزاء في هذا اليوم وسقايتهم.
4ـ الحضور في مجالس عزاء الشيعة، وإن كان بنسبة ضيقة، والبكاء على مصاب سيد الشهداء×.
5ـ كما أنّ بعضهم ينذر للعزاء لقضاء حوائجه، أو يتبرّع بالنقود حتى يكون شريكاً في تلك المجالس، أو يُهدوا أشياء قيّمة للعزاء من قبيل الرايات أو المهد ونحوها[544].
6ـ يقيم بعض العلماء والمراكز العلمية قُبيل عاشوراء المؤتمرات حول الثورة الحسينية، يتناولون خلالها أبحاثاً تتعلّق بالقضية الحسينية، ومن الطبيعي نجدهم يعترضون على بعض أعمال الشيعة، من قبيل التطبير والسلاسل وغيرها، ويقوم خطباء السنة في الجمعة السابقة لعاشوراء بذكر واقعة عاشوراء، وأحياناً يتطلّب ذلك دعوة الناس للمشاركة في مجالس العزاء التي يقيمها الشيعة، وأحياناً يحضرون بأنفسهم.
القسم الثاني: يُطلق على بعض أهل السنة في باكستان وشبه القارة الهندية من أهل الحديث بـ(الديوبندية)، وهم في الفترة الأخيرة مالوا بشكل كبير للنزعة الوهابية، الذين كانوا يضعون العراقيل للحيلولة دون إقامة مراسم عاشوراء، نظير: تكفير الشيعة، والتفخيخ، واغتيال الشخصيات البارزة، وإطلاق النار على المصلين الشيعة، والقيام بالعمليات الانتحارية، وهدم المساجد.
يُذكر أنّ الحكومة المركزية والحكومات المحلية في باكستان تعلن عادةً يومي تاسوعاء وعاشوراء عطلة رسمية، حيث تتّشح البلاد بالسواد، وتُغلق المتاجر والمحلّات والأسواق[545].
هذا إلى جانب أنّ الكثير من السادة والأشراف يعيشون في باكستان في المناطق التي يقطنها البشتون في ولاية سرحد أو إقليم خيبر پشتونخواه، ومنهم من يقطن في ولاية سرحد، وكانوا يقيمون المآتم والأحزان في محرم بلغة الأُردو والپشتو[546].
انقسمت خراسان بعد سقوط نظام الحكم التيموري إلى ثلاثة أقسام: القسم الشمالي ووقع بيد الشيبانيين، والقسم الشرقي الذي سيطر عليه ظهير الدين بابرميرزا من أحفاد تيمور لنك، والقسم الغربي وتولّى الحكم فيه الصفويون.
وبالاستناد إلى تاريخ خراسان، فإنّ معظم أهل السنة في خراسان كانوا يعظّمون الشعائر الدينية بإقامة مجالس العزاء في شهري محرم وصفر، ومجالس الفرح في شهر شعبان، لا سيما في ذكرى مولد الإمام المهدي#، وذلك على الرَّغم من الضغوط الشديدة التي كانت تمارسها الحكومات السنية المتعصّبة (الشيبانيين)[547].
وهناك ضرائح كثيرة لكبار العلماء السادة في جنوب أفغانستان يقصدها المسلمون من الفريقين للزيارة من شتى مدن أفغانستان مثل: قندهار، وهلمند، ونيمروز، وينفقون أموالاً طائلةً في سبيل إطعام الزوار، ويجرون برامج خاصّة، يذكرون فيها مناقب ومآثر أهل البيت^، كما تشترك جماعات من أهل السنة القاطنين في مدينة هزارة في مراسيم العزاء ومجالس النياحة التي يقيمها الشيعة.
وإذا استثنينا أمير عبد الرحمن الحاكم الأفغاني الذي قام بإبادة جماعية للشيعة في مدينة هزارة لمدّة ثلاثة سنوات (1880 ـ 1883هـ) وهَدَم الحسينيات، ومَنَع العزاء على الإمام الحسين×، إذا استثنينا ذلك، فإنّ حكام أفغانستان ما كانوا يمنعون الشيعة علناً عن إقامة العزاء وإنشاد المراثي الحسينية.
لقد جاء في المصادر التاريخية أنّ الحكام والسلاطين في عصر حكومة أمير أمان الله ومابعده كانوا يحضرون في مراسم العزاء الحسيني، التي كانت تقيمها الشيعة في مدينة كابل يوم عاشوراء من كلّ عام[548].
ويُقال: إنّ محمد ظاهر شاه ـ الملك الأفغاني ـ ابتلي بداءٍ في عينه، وذلك في العقد الأوّل من حكومته، فقصد زيارة الإمام الحسين× لطلب الشفاء، ولمّا رجع من تلك الزيارة كان يرفل في أثواب الصحّة والسلامة، فأهدى ميزاباً ذهبياً لمرقد الإمام الحسين×.
ومنذ تلك الفترة وماتلاها، كان محمد ظاهر شاه وأولاده يشاركون في مراسيم العزاء على سيّد الشهداء في يومي تاسوعاء وعاشوراء من كلّ عام، وينفقون من أموالهم في سبيل إقامة العزاء[549].
وابن عمّ الملك محمد، والذي عُرف بتعصّبه القومي ومخالفته للشيعة (هزارة)، بادر إلى ضريح الإمام الحسين× بعد سنتين من انقلابه الأبيض على ظاهر شاه، وصار ينذر ويقدّم الطعام للعزاء أيام عاشوراء.
وعلى الرغم من أنّ الحكام والولاة من قبلهم كانوا يضايقون الشيعة في أفغانستان ويعاملونهم بالشدّة، بيد أنّه كان لعلماء السنة وعرفائهم نشاطات إيجابية في نشر علوم أهل البيت^ ومعارفهم، كما أنّ هناك نفراً من العلماء والمدرسين السنة قاموا بإعداد بعض طلبة الشيعة في أفغانستان، مثل آية الله عزيز الله الغزنوي، وفيض محمد الكاتب (المتوفى1929م)، وغيرهما من العلماء الذين كان لهم دور بارز في تبيين شخصية الإمام الحسين× وثورته الخالدة وتوضيحها لعامّة الناس، وكان بعض علماء السنة يتتلمذون أيضاً عند علماء الشيعة ويحضرون دروسهم.
إنّ دراسة تاريخ أفغانستان تكشف عن أنّه كلّما قصرت أيدي الأجانب الطامعين في أفغانستان، وقلّ تدخلهم في الشؤون الدينية والاجتماعية للشعب، ازداد تمسّك أهل السنة والشيعة فيها بعقائدهم، وغمر حياتهم جميعاً الوئام والسلام.
هذا وقد كان بعض علماء السنة يتبرّعون بأراض أو بنايات للشيعة؛ لكي يقيموا مراسيم العزاء فيها.
يعتبر شرق أفغانستان من المراكز المهمّة للسنة وكلّما تهيّأت ظروف مناسبة لهم أقاموا المآتم والتعازي على الإمام الحسين×، ومن جملة تلك المجالس والمراثي التي كانت تقام لإحياء ذكرى شهداء كربلاء، مجلس كان يقام في مدينة جلال آباد.
يُشار إلى أنّ مدينة جلال آباد التي تقع في شرق أفغانستان تعتبر من المراكز المهمّة للناطقين باللغة البشتوية، وكان أهلها الذين يغلب عليهم الطابع السني يقيمون مجالس العزاء على فجائع كربلاء في يوم عاشوراء من كلّ عام، واستمرّ عقد تلك المجالس منذ سنة (1347م) حتى نهاية عام (1978م)، أي قبيل هجوم الشيوعيين على أفغانستان، وكان يحضر تلك المجالس التي تغصّ بالحاضرين، العلماء والشخصيات السياسية والدينية من شتّى أرجاء أفغانستان[550].
واستناداً إلى تاريخ أفغانستان هناك مراسيم كانت ولا تزال تقام لبيان مناقب الرسول الأكرم’ وآله الأطهار^، يحضرها الشيعة والسنة، وقد اتّسع نطاقها في العقدين الماضيين.
إقامة العزاء في العصر العثماني (714هـ ـ 1342 هـ)
بدأ العثمانيون بإنشاء دولتهم في تركيا قبل أن يظهر تيمورلنك (782 ـ 806هـ)، ثمّ بسطوا سيطرتهم على أصقاع واسعة، وتمكّنوا من إخضاع أغلب البلدان العربية، وامتدّ نفوذهم من شبه جزيرة البلقان والنمسا إلى شمال أفريقيا، وأقاموا حكم السلاجقة تحت عنوان الخلافة الإسلامية.
وهناك أخبار عديدة نقلت عن إقامة مجالس العزاء لأهل السنة في العراق منذ زمن قديم، ففي مدينة الناصرية كان أهلها يشاركون في المآتم التي تقيمها الشيعة، كما كانت لهم مواكب حسينية تخرج يوم عاشوراء من كلّ عام للعزاء[551].
لم يكتف الحكام العثمانيون بقمع الشيعة مذهبياً، وإنّما يعتبرونهم سياسياً أعداء بالقوّة وموالين للمنافس القوي لهم المتمثّل بالدولة الصفوية، وكانت التحرّكات الحادّة الأُولى التي قام بها شاه إسماعيل كافية لإساءة معاملتهم وظلمهم من قبل العثمانيين.
لكن مع كلّ هذا الظلم والعداء، فإنّ الشيعة كانوا يجتمعون في أحد مزارات مدينة حلب بسورية، ويعرف باسم (مشهد الحسين)، ويقيمون مجالس العزاء في عاشوراء، وينفقون أموالهم في سبيل إطعام الزوار.
وفي المناطق السنية في دول الخليج والدول العربية الأُخرى، لا سيما فلسطين والأردن، وإن لم يقيموا مجالس العزاء في محرم وعاشوراء بالطريقة ذاتها التي عليها الشيعة في العراق ولبنان والبحرين، إلّا أنّهم في يوم عاشوراء يطبخون الأطعمة ويقدّمونها، ويتجنّبون إقامة مجالس الفرح والسرور.
وممّا يجدر ذكره أنّ أشهر المذاهب الصوفية في العهد العثماني التي كانت تبجّل آل رسول الله’ هي الفرقة البكتاشية في آسيا الصغرى والبلقان، فإنّهم على الرغم من الحملات الشرسة التي قادها كمال مصطفى أتاتورك (الأب الجديد لتركيا) لوأد الدين ومحاولاته الكثيرة لجعل المجتمع التركي مجتمعاً علمانياً، كانوا يقيمون مجالس العزاء كلّما سنحت الفرصة في دورهم سرّاً وخفاءً، للتعبير عن محبّتهم وولائهم لأهل البيت^.
وأتباع هذه الفرقة لا زالوا متمسّكين بتقاليدهم، ومنها زيارة العتبات المقدسة في العراق وإيران، وكلّما أُتيحت لهم فرصة، قصدوا تلك المراقد الشريفة.
وقد نظم شعراء الفرقة البكتاشية في ألبانيا التي تقع في البلقان قصائد في رثاء الإمام الحسين× وفجائع عاشوراء وبعضها لا يزال موجوداً حتى الآن[552].
إضافة إلى الفرقة البكتاشية هناك فرقةٌ أُخرى كانت موالية لأهل البيت^، تدعى الفرقة الخكوية، وهم ينتشرون في تركية والبلقان، وكانت لهم حسينيات يقيمون فيها مجالس العزاء، ويذكرون فيها مناقب النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته^، ويبينون ملامح من شخصيتهم العظيمة لأبنائهم[553].
وعلى أيّة حال، فقد رثى العديد من شعراء السنة في العهد العثماني الحسين×، منهم السيد محمد الأدهمي الحنفي (المتوفى1249هـ)، حيث قام برثاء ريحانة سيد الكونين الإمام الشهيد الحسين×:
عجباً لقوم يدّعـون ولاءه |
ومنهم عبد الباقي العمري الفاروقي (المتوفى1279هـ)، وله ديوان شعر يُسمّى (الترياق الفاروقي)، و(نزهة الدهر في تراجم فضلاء العصر)، و(الباقيات الصالحات)، وهي قصائد في مدح أهل البيت^.
كما أنشد قصيدة في رثاء الإمام الحسين×:
قضـى نحبه في يوم عاشور مَن غدت |
وقال:
نحـن أنـاس إذا ما |
ومنهم السيد عبد الرحمن الآلوسي (المتوفى 1284هـ)، وله قصيدة في رثاء جدّه سيد الشهداء، منها:
هو
الطّف فاجعل فضة الدمع عسجدا |
ومنهم الدكتور زكي المحاسني (1911 ـ 1972م):
عاطني دمعاً وخذ مني عيناً في البوادي عن هوى قد كان دينا |
وأنشد أنور العطار (1908 ـ 1972):
أنت في العين دمعة الكبرياء |
كما أنشد نزار قباني في الحسين× وقال:
سأل المخالف ُ حين أنهکه العجب |
إنّ إقامة العزاء في مصر وباقي البلدان في شمال أفريقيا ظلّت مستمرّة، عند السنة فضلاً عن الشيعة حتى بعد سقوط الدولة الفاطمية رغم الضغوط التي مارسها الحكم الأيوبي والمنع من إقامة شعائر الحزن، وإحياء هذه الشعائر في مقام رأس الحسين× والسيدة زينب‘، وصارا مركزاً لإحياء ذكرى فضائل أهل البيت^ ومصائبهم.
ومن آثار أهل السنة في مصر في القرن العاشر التي تدلّ على تأثّرهم بواقعة كربلاء، ما ورد في كتاب (تاريخ الخلفاء)، حيث عبّر مؤلِّفه السيوطي عن مصرع الحسين الشهيد× في واقعة عاشوراء بهذا التعبير: «وفي قتله قصّة فيها طول لا يحتمل القلب ذكرها»[559].
وبيّن في كتابه الآثار العظيمة لشهادة الإمام الحسين×، وعدّد بعد ذلك جرائم يزيد في حقّ آل رسول الله’، ثمّ ذكر بعض كرامات الإمام الحسين×، والأحاديث التي تدلّ على مقامه الرفيع عند رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ويذكر السيوطي في كتابه المذكور أبياتاً في رثاء الإمام الحسين× كانت قد اشتهرت بين عامّة الناس دون أن يعرفوا قائلها ولهذا نُسبت إلى الجن:
مسـح الرسـول جبينه |
ثمّ ينقل أحداث مابعد يوم عاشوراء، وانتقال السبايا من كربلاء إلى الكوفة ثمّ الشام، وانتهاك حرمة السبايا على يد ابن زياد ويزيد وأعوانهم، ويعتقد أنّ كلّ ما فعله يزيد من حسن تعامله مع السبايا، وإكرامهم كان خوفاً من الرأي العام في الشام.
يقول أحد كتّاب المغرب حول عظمة شهر محرم ويوم عاشوراء في بلاده:
«بحلول شهر محرّم من كلّ عام يتغيّر وجه الحياة في المغرب، حيث يدع الناس أيّام الدعة والاستكانة إلى الأهواء، ويتبدّلون بها عودة إلى محاسبة النفس، فيستيقظ الضمير فيهم.. ويهيمن فيه الأسى والحزن العميق على القلوب، فلا يُباح مطلقاً التجمّل حتى ولا غسل بيوت أو ثياب، ولا تزفّ عروس.. بل إنّ الناس يلبسون في هذه المناسبة لباس العزاء»[560].
ويقول العلّامة السيد محسن الأمين بعد زيارته مصر (سنة1321هـ): «وزرنا مشهد رأس الحسين× (بالقاهرة) فخلنا أنفسنا في كربلاء؛ لأنّ ما يفعله المصريون في ذلك المشهد لا ينقص عمّا يفعله العراقيون الشيعة في كربلاء»[561].
وقد أنشد الشيخ عبد الله العلايلي المصري قصيدة تحت عنوان (دمعة سني على الحسين×)، يقول فيها:
وقفت علی زمرة ثائرين |
يمكن تقسيم القوقاز من الجانب المذهبي إلى قسمين: الشمالي والجنوبي، ففي القسم الجنوبي (آذربيجان) هناك عدد كبير من الشيعة كانوا يقيمون مجالس العزاء في يومي تاسوعاء وعاشوراء، ولكن بعد إنهاء سيطرة الشيوعية عليهم واستقلالهم وانفصالهم عن روسيا، أخذوا يقيمون مجالس العزاء في مختلف أنحاء آذربيجان، مثل: باكو ونخجوان وغيرها.
وأمّا القسم الشمالي الذي يُسمّى بجمهورية داغستان فلازالت تخضع لسيطرة روسيا، وعلى الرغم من أنّ معظم سكّانها من أتباع المذاهب السنية، لكنّ إقامة العزاء بينهم أمرٌ رائج في كلّ محرّم، لا سيما في يومي تاسوعاء وعاشوراء، ويعبّرون عن حزنهم وأساهم لشهادة الإمام الحسين×، ويجتنبون مجالس الفرح وإقامة حفلات الزواج، وبالإضافة إلى أنّ سكان منطقة (مسكنجاه) في جمهورية داغستان يرجعون إلى أُصول إيرانية ومذهبهم التشيع، ومازالوا متمسّكين بإحياء الشعائر الحسينية.
وهناك جمعٌ غفير من المسلمين الناطقين باللغة التركية يعيشون حالياً في جورجيا، حيث يتجاوز عددهم المليونين، وأكثرهم من الشيعة، ويقومون بذبح الأبقار والأغنام وإطعام الفقراء في أيّام عاشوراء، ويرتدون ملابس العزاء، وهذا لا يختصّ بالشيعة، بل السنة كذلك، وإن كان من المؤسف أنّ الشيعة هناك لايمتلكون معلومات عن واقعة الطف كالشيعة في المناطق الإسلامية الأُخرى؛ وذلك لأنّ النظام الماركسي كان قد بذل نشاطاً واسعاً في تضليلهم، وإبعادهم عن نهضة الحسين×.
ونجد مثل هذا الاهتمام بشعائر الحزن على الإمام الحسين× عند السنة في نقاط أُخرى في روسيا، كالشيشان وأنغوشيا وجمهورية التتار، لكن البحث في هذا يحتاج إلى مجال أوسع.
تأثير نهضة الحسين (عليه السلام)على النهضات والمصلحين غير الشيعة
أ ـ مبادئ حبّ المصلحين للثورة الحسينية
لقد تأثّر المصلحون والمفكّرون بما تتملّكه الثورة الحسينية من خصائص ومبادئ اعتمدتها، وكانت تشكل أُسساً وأُصولاً لهم أشاروا لها في آثارهم، منها:
1ـ نهضة الحسين صراع الحق مع الباطل
إنّ طريق عاشوراء يمثّل الحقّ والحقيقة.. حقاً يقابل باطلاً ينضوي تحت رايته يزيد وأعوانه، ومن هنا امتدّ تأثير عاشوراء إلى كثير من الكُتّاب والمصلحين من غير الشيعة، ومنهم:
ـ العلّامة محمد إقبال اللاهوري (1289 ـ 1358هـ)
كان من المصلحين المشهورين والبارزين من أهل السنة، وكان من قادة حركة تحرير شبه القارة الهندية من الاستعمار البريطاني، وكان له دور مهمّ في تأسيس جمهورية باكستان الإسلامية.
وصف محمد إقبال الثورة الحسينية بأنّها ذراع الحق الممتدّ دائماً لمواجهة الباطل على مرّ التاريخ، وهي لا تُحَدُّ بمكان أو زمان خاصّ، وإنّما هي رمزٌ للنزاع بين (العشق الإلهي)، (والعقل المفتون) والشيطاني، وهي استمرار لصراع هابيل وقابيل، وإبراهيم× ونمرود، وموسى× وفرعون، والنبي(صلى الله عليه وآله) وأبي سفيان.
وعلى أساس تلك الرؤية تعدُّ ثورة كربلاء استمراراً لكفاح الحقّ ضد الباطل من الأزل إلى يوم القيامة.
ـ ملك الكلام مجدي سقزي(المتوفى1268هـ) الكاتب والشاعر الإيراني المشهور:
عرّف نهضة الحسين× بأنّها كانت استجابةً للميثاق الذي أُخذ في عالم الذّر، وأنّ الحسين× إنّما رفع راية الحق والتوحيد، رفضاً للاستسلام والإذعان للباطل وجنود إبليس.
كردى به راه دوست تن وجان خود فدا |
ـ العلامة غلام محمد طرزي (1245 ـ 1318هـ):
كان من المصلحين البارزين في أفغانستان، فقد وصف الإمام الحسين× بأنّه (قائد الدين الإسلامي)، الذي كان يحمل بيده رايات جميع أنبياء الله تعالى، وقال: إنّ دفاعه التاريخي والأُسطوري عن الحق ضد الباطل لا تدين له المجتمعات البشرية إلى يوم القيامة وحسب، بل ألجأ حتى الوحوش والطيور والدوابّ للعزاء، قال:
خميد از غم اين بار پشت طاقت چرخ |
حسين كشته چو از تيغ ظلم شمر لعين شد[564].
نظر المصلحون من غير الشيعة إلى نهضة الحسين× من زوايا مختلفة، وعكسوا في آدابهم نظرتهم إلى بعض جوانبها ووعيهم لبعد من أبعادها.
إنّ تناول جانبٍ خاصّ منها لا يعني أبداً إهمال سائر الجوانب أو الأبعاد، وإنّما قدّموا ذلك الجانب من الملحمة، تأكيداً منهم عليه.
إنّ أبرز ما لفت أنظارهم من خصائص نهضة الحسين×، هو الرصيد الشرعي لتلك الثورة من جهة، وحقيقتها وهدفها الديني من جهةٍ أُخرى.
وفي الواقع أنّهم حكموا على أساس تعاليم القرآن المجيد والسنّة المطهّرة واعتقاد الصحابة، حكموا بشرعية الثورة الحسينية[565]، وفي إطار ذلك رأوا أنّ تكليف كلّ مسلم هو أن يؤيّد تلك الثورة ويسير في ركبها، كما بيّن ذلك محمد عبده حيث قال:
إنّ خروج الإمام الحسين السبط× على يزيد الظالم الفاسق كان حقاً موافقاً للشرع، وأضاف: في كلّ عصر في هذا العالم، إذا ظهرت حكومة عادلة تقيم أحكام الشرع، وظهرت أيضاً حكومة ظالمة جائرة تعمل على تعطيل أحكام دين، فالواجب على كلّ مسلم أن يعين الأُولى، ويضعف الثانية، ومن هذا الباب نهض الإمام الحسين× سبط نبي الإسلام العظيم ضدّ إمام الجور والطغيان، المتغلّب على أُمور المسلمين بالقوة والمنكر، يعني يزيد بن معاوية الذي أهلكه الله وفضح كلّ مَن دافع عنه من الكرامية والنواصب[566].
أمّا خالد محمد خالد (المتوفى1416هـ)، وهو أحد الكُتّاب المعروفين بمصر، فيقول:
«إنّ القضية في ضمير (الحسين) لم تكن قضية حقٍّ شخصيّ في الخلافة يبتغي استرداده.. ولا هي من القضايا التي يكون للإنسان الرشيد حقّ التخلّي عنها.. القضية في ضمير التقيّ الشجاع كانت قضيّة دين.. ويستوي عنده تخلّيه عن هذه القضية، وتخلّيه عن هذا الدين»[567].
وعلى غرار ذلك هتف غلام محمد طرزي الذي وصف الحسين× بأنّه (صاحب الدين)، ومجسّد شريعة سيد المرسلين، وأنّ الإساءة إليه تُوجب سخط الله تعالى وأذى النّبي(صلى الله عليه وآله).
ويعتقد طه حسين (المتوفي1393هـ) بأنّ حكم يزيد كان حكماً غير شرعي، ومناقضاً للدين[568]، ويقول: استقرّ في الإسلام هذا الملك الذي يقوم على البأس والبطش والخوف، والذي يرثه الأبناء عن الآباء، ثم تناول نهضة الحسين× وأبعادها بالبحث والتحليل، وقال: «وأبلى الحسين وبنو أبيه وبنو عمومته ومن كان معه من أنصاره القليلين أعظم البلاء وأقساه»، ثم وصف محنة قتلهم بقوله: «فكانت محنة أيّ محنة للطالبيين عامة وأبناء فاطمة خاصة، ثم كانت محنة أيّ محنة للإسلام نفسه»[569].
إنّ أحد أبعاد نهضة الحسين× التي حظيت باهتمام المصلحين من غير الشيعة، هو توخّي العدل ومواجهة فنون الظلم والاستبداد، ولا شكّ في أنّ إقامة العدل ومناهضة الظلم، وكما صرّح القرآن الكريم، يعدّ أحد الأهداف الأساسية للأنبياء الإلهيين.
إنّ مضي الثورة الحسينية في طريق الحق والعدل، هو الذي جذب إليها المصلحين ومنهم المصلحون من غير الشيعة، وكان مدعاة لأن يفتتنوا ويتعلّقوا بها.
فقد رأى عبد الحفيظ أبو سعيد مناهضة الظلم وبسط العدل من أهمّ معطيات الثورة الحسينية، وأكّد أنّ المسؤولية الدينية فرضت على الإمام الحسين× الإعلان عن ردّ بيعة يزيد بعد موت معاوية، وهذا أيسر شيء يمكن أن يفعله تجاه رفع الظلم وتنحية ولي العهد عن هذا المنصب الجليل[570].
4ـ الإمام الحسين (عليه السلام) خليفة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله )
إنّ أكثر المصلحين من غير الشيعة يصفون الإمام الحسين× بأنّه المثل الأعلى للإسلام الأصيل، ويرون فيه شخص جدّه(صلى الله عليه وآله)، والبقية من ذكراه العبقة، ونائبه في أرض كربلاء، وأنّ مواقفه هي ذاتها مواقف النبي(صلى الله عليه وآله)، وبيّنوا أنّ استشهاده كان استشهاداً لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإلى هذه المضامين أشار الشاعر الشهيد عبد القهار عاصي بتعابير رائعة، حيث يقول:
تا ريخت خون مرد به
دامان كربلا |
ما أن سُفك دم الإمام× في أحضان كربلاء، حتى أصبحت أرضها القاحلة سجادة، دم النبي’ خضّب التراب الأسود وأشواك كربلاء.
لقد عرف المصلحون من غير الشيعة الإمام الحسين× بأنّه قائد الأحرار، ووصفوا طريقه الذي ضاء في ثورته الخالدة، طريق البطولة والحرية اللتين دُفنتا في العالم الإسلامي، بعدما نأت الخلافة الإسلامية عن القرآن الكريم ومفاهيمه الحية، وكان ذلك إيذاناً ببدء عبودية المسلمين، ودفن الحرية، وإلى ذلك يشير العلّامة إقبال اللاهوري:
چون خلافت رشته از قران گسيخت |
حينما انفصمت الخلافة عن حبل القرآن أُهريق السم في فم الحرية.
إنّ من خصائص كلّ مسلم هو شعوره بالحرية وامتلاكه روح التحرّر، ومن هنا توالى الثناء والتمجيد لنهضة الإمام الحسين× التي استهدفت تحرير المسلمين من استبداد فرعون زمانهم.
ما سو الله را مسلمان بنده نيست |
المسلم لايعبد ما سوى الله ولا يحني قامته أمام أيّ فرعون
دم الحسين× قام بتفسير هذه الأسرار وأيقظ الشعب النائم
وقد بين العلّامة إقبال اللاهوري أنّ الإمام الحسين× في موقفه إزاء الخلفاء الذين ابتعدوا عن القرآن المجيد وتعاليمه كان عاملاً وحاملاً ومعلماً للقرآن الكريم، وأنّه كان مثالاً للإنسان القرآني الكامل، وأنّ فهم الإسلام الأصيل مرهون باتّباعه، وأنشد يقول:
رمز قرآن از حسين آموختيم |
من الحسين× تعلمنا رمز القرآن ومن نوره ادّخرنا الضياء
و ثمّة نكات أُخرى وردت في آثار المصلحين حول الاهتمام بنهضة الحسين× يمكن إدراجها في تلك الأُصول والمفاهيم، وعلى أيّة حال، فإنّ حبّ الحسين× وحماسته الخالدة ترك تأثيراً بالغاً على حياة المصلحين ونشاطاتهم الإصلاحية.
ب ـ معطيات عاشوراء لدى الثورات والمصلحين
إذا أخذنا بنظر الاعتبار الأبعاد المتعدّدة للملحمة الحسينية من جهة، واستنتاجات المصلحين وظروفهم المختلفة وأرضية الحركات الإصلاحية من جهةٍ أُخرى، فمن المتوقّع جداً أن تكون ذات مشتركات كثيرة في المحتوى، وأن تشير كلّها إلى حقيقة واحدة، ولكنّها تتفاوت في البيان والأدب، وتظهر في طريقة العرض بصور مختلفة ومتنوعة.
فواحدة من أبرز مواهب ثورة كربلاء العظيمة على المصلحين هي جعلتهم نافذي البصيرة بها، وهذا المعنى يمكن تلمّسه بوضوح من خلال أقوالهم وآثارهم العلمية، فنهضة الحسين× لو لم تقع في صحراء كربلاء عام (61هـ) لكان الانحراف قد أنشب مخالبه في الدين الإسلامي.
والحقّ أنّ التقلّبات المختلفة التي حصلت بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) عام (11هـ)، والانحراف التدريجي الذي ابتُليَ به الإسلام قد طغى على عقيدة الناس، حتى بلغ الضلال والانحراف ذروته في عهد يزيد بن معاوية عام (60هـ)، دون أن يُدرك المسلمون عمق الفاجعة.
وكانت الشخصيات البارزة في المجتمع الإسلامي باستثناء الحسين× وأنصاره، يعلمون جيّداً أنّ حكم يزيد كان حكماً استبدادياً، وقد تنفث ألسنتهم بالشكوى، ولكنّهم لم يستوعبوا حجم الأخطار التي تهدّد الإسلام المحمدي الأصيل من جراء ذلك أبداً.
في مثل تلك الظروف لو سكت الإمام الحسين× ولم يقم بثورته لتعمّقت فجوات الانحراف وتوسّعت، ولحلّ الإسلام الأُموي وإلى الأبد محلّ الإسلام المحمدي، ولانتفى أيّ شك في أصالة وإسلامية أقوال وأفعال الحكام الأُمويين، ولبقي الناس ينظرون إلى الأُمويين ـ وخصوصاً يزيد ـ بأنّه المرآة التي تعكس القيم الإسلامية والأحكام الدينية، وأنّ مَن يحتجّ عليهم مخالف للشرع.
إذاً يعترف المصلحون من غير الشيعة بصورة وبأُخرى بأنّ فهم الإسلام فهماً واعياً وتشخيص معارفه الصحيحة، إنّما كان بفضل جهاد الحسين×، ومن هؤلاء: العلّامة محمد إقبال اللاهوري، الذي كان يعتقد بأنّ الخلافة والسياسة قبل نهضة الإمام الحسين× قد ابتعدتا عن القرآن المجيد، الذي هو كتاب هداية ونجاة للبشرية، وأنّه بملحمته العاشورائية قد أعاد القرآن إلى مسرح الحياة، وعالج أمراض المجتمع الإسلامي المزمنة بدمه الزكي ودماء أنصاره[576].
كما تحدّث في هذا المجال العالم المفسِّر محمد عبد الباقي حيث قال: «إذا أعطى الإمام الحسين× بيعته ليزيد، يزيد الفاسق المتجاهر بشرب الخمر المرتكب للفواحش، يزيد الذي هوى بالخلافة الدينية من مقامها السامي بمجالسة القينات المغنيات والفاجرات، وحوّل مجالس الحكم إلى حلقات للشراب وكؤوس الخمر، وألبس الكلاب والقردة الخلاخيل الذهبية، إذا أعطى الإمام الحسين× بيعته ليزيد باعتباره خليفةً ونائباً للنبي’، فإنّ هذه البيعة في الواقع تتلقى فتوى من الإمام الحسين×، ومن ثمّ تكتسب تلك الأُمور المتقدّمة صفة الشرعية لدى سائر المسلمين، ولو لَزَم السكوت لعدّوا سكوته علامةً على رضاه»[577].
وكتب المحقّق الدكتور أحمد محمود صبحي عن الآثار المهمّة لمواجهة الانحراف، يقول: «في إقدام الحسين على بيعة يزيد انحرافٌ عن أصلٍ من أُصول الدين، من حيث إنّ السياسة الدينية للمسلمين لا ترى في ولاية العهد ووراثة المُلك إلّا بدعة هرقلية دخيلة على الإسلام، ومن حيث إنّ اختيار شخص يزيد مع ما عُرف عنه من سوء السيرة وميله إلى اللهو وشرب الخمر ومنادمة القرود، ليتولّى منصب الخلافة عن رسول الله، أكبر رزء يحلّ بالنظام السياسي للإسلام، يتحمّل وزره كلّ مَن شارك فيه ورضى عنه، فما بالك إذا كان المقدّم على ذلك هو ابن بنت رسول الله، كان خروج الحسين إذاً أمراً يتّصل بالدعوة والعقيدة أكثر ممّا يتّصل بالسياسة والحرب»[578].
إنّ تسلّط يزيد على الملك كان أساس الانحراف في مسير تاريخ الإسلام، الانحراف عن القيم الدينية، والانحراف عن القيم الثقافية للمجتمع، والانحراف عن خطّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، ولم يكن هذا الانحراف، انحراف شخصٍ أو جماعة أو حزب، إنّما كان انحرافاً في مستقبل الأُمّة الإسلامية، انحرافاً هوى بجميع القيم الدينية إلى الحضيض، ولو لم تكن مواجهة ذلك الانحراف بصورة صحيحة، لكان وضع الأُمّة الإسلامية والمجتمع الإسلامي مختلفاً.
إنّ الانحرافات الجمّة لبني أُميّة من تبديل الخلافة الدينية إلى ملك ارستقراطي، والبيعة الاختيارية إلى إجبارية، وإيثار النظام القبلي، ووراثة الملك على نظام اختيار الأصلح، وإحلال الظلم بكلّ أبعاده محلّ العدل والرفق، فكان عاشوراء الحسين× جلاء لتلك الانحرافات عن وجه الإسلام، وتنويراً للمسلمين باتجاه وعي الإسلام النبوي الأصيل، ولو لم تكن النهضة الحسينية لطغت بدعة يزيد على الشريعة، ولعمل بها الناس على أنّها عقيدة إسلامية.
وعلى هذا الأساس يعدّ دور نهضة الحسين× في إحياء الشريعة النبوية، والأيديولوجية الإسلامية حيوياً جداً ولابديل عنه؛ لأنّ سرّ تحريف الأديان السابقة وكتبها السماوية، مثل اليهودية والمسيحية، هو افتقادها للمضحّين والمخلصين من أمثال الإمام الحسين× وأنصاره، وابتلائها بمستقبل مشؤوم وضلالة لا يمكن تداركها.
والخلاصة: إنّ نهضة الحسين× لم تساهم في تنوير المسلمين وتمكينهم من التمييز بين الإسلام النبوي والإسلام الأُموي فحسب، وإنّما حالت إلى الأبد بين يزيد وحزبه وبين تحريف الإسلام وانحراف المسلمين، وفتحت بصائرهم في كلّ عصر على الإسلام الأصيل والمعارف النبوية الصافية.
ضرورة الإصلاح ودعم الجهود الخيرة
بعد قبول نتائج نهضة الإمام الحسين× وما قدّمته من عطاء زاخر استضاءت به البصائر واستنارت، نصل الآن إلى بيان دور المجتمع الإسلامي، وما هو تكليفه؟ خصوصاً مفكّريه وعلمائه المتقدّمين والمصلحين من غير الشيعة، وما هو موقفهم في هذا الشأن؟
اختلف المصلحون عند تناولهم لهذا الموضوع، ولكن يمكن القول إنّ ثورة كربلاء دعت المسلمين إلى الإصلاح الاجتماعي الشامل، وأن يظلّوا متأهّبين في كلّ زمن لصد الأخطار المحدقة بهم دينياً واجتماعياً وسياسياً، وأن يسعوا بكلّ وجودهم من أجل إصلاح شؤونهم ودفع الأخطار المحتملة من جهة، ومعالجة الاضطرابات السياسية القائمة من جهةٍ أُخرى.
ومثلما أشرنا سابقاً فقد أكّد الشيخ محمد عبده على قيم عاشوراء الحسين×، حتى ارتقى به الأمر إلى القول بأنّ النهضة الحسينية التزمت جانب الحق والدين، وأيقظت كلّ مسلم لمواجهة النظام الفاسد والظالم، ولأجل ذلك أكّد أنّها فريضة إسلامية وتكليف ديني.
وقد أوضح العلّامة إقبال اللاهوري، وعلى الرَّغم من الظروف الحرجة والأوضاع المضطربة للمسلمين في عصره، أوضح أنّ نهضته الإصلاحية، وخصوصاً في شبه القارة الهندية كانت ببركة الثورة الحسينية[579].
كما أقرّ سائر روّاد الإصلاح وبتعابير مختلفة، كمكافحة الظلم والاستبداد، وإحقاق الحقّ، وطلب الإصلاح والوحدة الإسلامية، أقرّوا ببصمات عاشوراء في نشاطاتهم.
إنّ تضحية سبط رسول الله’ لم تُنقذ الإسلام والسيرة المحمدية فحسب، وإنّما أخذت تُموّر من دمائه العطرة ـ وعلى مدى القرون والأجيال وإلى يومنا هذا ـ أمواج المقاومة والإيثار والفتوة ودعوات الإصلاح، وتُعلّم الأجيال القادمة طريق الحياة بالعزّة والتضحية، وطلب الحق والوقوف بوجه الظلم.
وقد تحدّث الشاعر الشهيد عبد القهار عاصي عن تلك المفاهيم في شعره قائلاً: عاشوراء الحسين× نافذة جديدة للمسلمين وللبشرية من أجل إصلاح ظروفهم وأوضاعهم وأحوالهم، وأكّد على ضرورة اقتباس المُثل منها؛ بغية إصلاح الأوضاع.
الگوى زندگيست وراه مقاومت |
كربلاء أُسوة للحياة ومنهج للمقاومة وللثورة.
ماذا يمكن أن يفعل آل يزيد بنا مادام دم الحسين× يحرس كربلاء.
لا تمتطي صهوة الريح أيّها العزيز، وافتح جناحيك لدولة الإيمان في كربلاء.
حرّيتك قد دوّنت على ورقة ورقة من كتاب كربلاء.
وقد تلقّى هذا الشاعر أيضاً درساً عملياً من الإمام الحسين× وملحمته التاريخية، فلم يقتصر على وصف الثبات والمقاومة في شعره، الذي استحال إلى أناشيد حماسية جميلة، وإنّما صمد وثبت هو أيضاً ولم يغادر مدينته كابول، بالرغم من انهمار الصواريخ عليها في عقد السبعينيات من القرن المنصرم، إلى أن خرّ شهيداً.
وأنشد معين الدين جشتي إمام الطريقة الجشتية [581]:
حسين سلطان والسلطان حسين |
لا شكّ أنّ عاشوراء من أيّام الله، والتي لا تُنسى في أوساط أهل القبلة، لا سيما أهل السنة الذين يعتقدون أنّ الحسين× وارث الأنبياء خاصّةً رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنّ ثورته الإصلاحية ضدّ يزيد وطغمته هي في الواقع جدال الحقّ ضد الباطل، والعدل ضدّ الظلم، والإيمان ضدّ الكفر.
فهي إذاً ثورة مقدّسة بكافّة الأبعاد، وقائدها مقدّس بكافّة الأبعاد؛ لأنّ الحسين× رجل ولكن فيه آية الرجال، وعظيم ولكن فيه حقيقة العظمة، لقد قام على اسم الله، ومضى على اسم الله، ومات على اسم الله، فسَمَت به الغاية وعلا به الهدف، هو هدف ولكن ليس من شهوات النفوس، وغاية ولكن ليست كمثلها الغايات، غاية لا ترى سوى الملكوت الأعلى هدفاً، ودون السماء مستقراً؛ لأنّه مهدها، فلا بِدَع إن حنّت إليه وطلبت اللحاق به، ولمثل هذه الشخصية وطنها ولها حنينها، فهي تشقّ طريقها بين الجلامد والصخور، راضيةً مرضية وماضية مطمئنّة؛ لأنّها تناجي الأُمنية السامية، وتنشد المثل الأعلى، وهل وراء الله مطلب؟ وهل إلى غير الله مصير؟ وهل بعد الله حقيقة؟
هذه مبادىء الإمام×، فلا عجب إن راح يطلبها في كلّ شيء، ولو حال الموت دونها، فهو يستعذبه لأنّه الطفرة التي تصل به إلى أعذب الأماني[582].
كما أعلنوا عن سلب الشرعية عن سلطة يزيد؛ لفسقه وخيانته واستحقاقه اللعن والعذاب الخالد، جرّاء ما اقترفه في كربلاء، ولم يطيقوا التبريرات التي قدّمتها شرذمة قليلة من أهل السنة، بهدف التغطية على مفاسد يزيد، وذهبوا إلى أنّ ثورة الحسين× وأنصاره هي استمرار لخط الرسالة والخلفاء الراشدين.
من هنا فقد أقاموا المآتم ومراسم العزاء، وحتى الصوم والمشاركة في تلك المراسم وإنشاء الحسينيات والتكايا؛ إحياء لتلك الذكرى المؤلمة، وأملاً بالحصول على الأجر الروحي إلى جانب الأجر الدنيوي.
وقد طُرحت ثورة كربلاء لدى أغلب أهل السنة كنموذج للحياة والهداية في الدنيا والآخرة، وفي الواقع إنّ الحياة الكريمة والشهادة هي الوجه الآخر لتلك الثورة، وتجلّى كلّ ذلك بصور مختلفة في أفكارهم وعقائدهم، كما تمثّلت على الصعيد العملي في حركات اجتماعية.
إنّ التحليل والتنقيب في جزئيات هذه الواقعة بحاجة ماسّة إلى مجال أوسع، لنقل وجهات نظر علماء ومفكّري المذاهب والنحل، على أمل أن يسعفني الحظ لإجراء المزيد من البحث والتنقيب وتدوين النتائج في الطبعات اللاحقة.
وفي الختام أرجو من الباحثين الكرام في العالم الإسلامي ـ خاصّةً علماء الدين ـ أن يبذلوا قصارى جهدهم لضبط وتحليل هذا الموضوع؛ بهدف كشف الزوايا التي ظلّت خافية، والتي قلَّما تناولتها أقلام الباحثين.
تمّ والحمد لله ربّ العالمين
1.القرآن الكريم.
2.إبراهيم، محمود، براءة يزيد بن معاوية من دم الحسين، کلية الادب، کويت.
3.آقا بزرگ الطهراني، اجتهاد ومذاهب إسلامی، طهران، 1360هـ.
4.آقا بزرگ الطهراني ، الذريعة الی تصانيف الشيعة، دارالاضواء، بيروت، 1415هـ.
5.ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابوالفضل إبراهيم، دارإحياء التراث، قاهره، 1378هـ.
6.ابن اثير، عزالدين، اُسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق محمد إبراهيم البنا، دارإحياء التراث العربي، بيروت، 1970م.
7.ابن اعثم الکوفي، احمد، الفتوح، دارالاضواء، بيروت، 1405هـ.
8.ابن الجوزي، ابوالفرج، المنتظم في تاريخ الملوك والامم، دارالتراث العربي، بيروت.
9.ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والامم، تحقيق محمد عبدالقادر عطا، دارالکتب العلمية، بيروت، 1412هـ.
10. ابن الجوزي ، صفوة الصفوة، دارالمعرفة، بيروت، 1406هـ.
11. ابن العربي، ابوبکر، العواصم من القواصم، دارالثقافة، دبي،1404هـ.
12. ابن العماد الحنبلي، عبدالحي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الکتب العلمية، بيروت، 1399.
13. ابن بطوطة، رحلة ابن بطوطة، دارصادر، بيروت، 1384.
14. ابن تيمية، ابو العباس، القرآن والسيف، رياض الريس، بيروت، 1403هـ.
15. منهاج السنة النبوية، الأهرام، القاهرة، 1903م.
16. ابن خلدون، عبدالرحمان، المقدمة، انتشارات علمی فرهنگی، طهران، 1362ش.
17. ابن خلکان، وفيات الاعيان، تحقيق احسان عباس، دارالفکر، بيروت.
18. ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری، بيروت، دارصادر، 1405هـ.
19. ابن شهر آشوب، ابوجعفر محمدبن علي، مناقب آل أبي طالب، دارالاضواء، بيروت، 1401هـ.
20. ابن الصباغ المالکي، محمد، الفصول المهمَة في معرفة الأئمة، مکتبة العدل، النجف، 1375.
21. ابن طلحة الشافعي، کمال الدين، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق ماجد بن احمد العطية، أم القری، بيروت، 1420هـ.
22. ابن طولون، شمس الدين محمد، الأئمة اثني عشر، تحقيق صلاح الدين منجد، دار صادر، بيروت، 1404هـ.
23. ابن طولون، شمس الدين محمد، الأئمة اثني عشر، منشورات الرضي، قم، 1405هـ.
24. ابن عبد ربه الاندلسي، احمد، العقد الفريد، دار إحياء التراث، بيروت، 1409هـ.
25. ابن عبد البر، يوسف، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق محمد البجاوي، دارالجيل، بيروت، 1412هـ.
26. ابن عربشاه، عجائب المقدور في نوائب تيمور، ترجمه محمدعلي نجاتي، طهران، 1365ش.
27. ابن عساکر، ابوالقاسم علي بن حسن، تاريخ مدينة دمشق، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1398هـ.
28. ابن کثير الدمشقي، إسماعيل، البداية والنهاية، التاريخ العربي، بيروت، 1413هـ.
29. ابن مزاحم، نصر، وقعة صفين، تحقيق عبد السلام هارون، مکتبة آية الله النجفي، قم، 1362ش.
30. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، مؤسسة التاريخ الإسلامي، بيروت، 1409هـ.
31. ابن منظور ، مختصر تاريخ دمشق ابن عساکر، دار إحياء التراث، بيروت، 1409هـ.
32. منتجب الدين، بن بابويه، فهرست اسماء علماء الشيعة ومصنفيهم، منشورات المکتبة مرتضويه، طهران.
33. ابن وکيع، محمدبن خلف، أخبار القضاة، عالم الکتب، بيروت.
34. ابوزهره، محمد، الفقه علی المذاهب الأربعة، دارالکتب العلمية، بيروت، 1402هـ.
35. الأربلي، ابوالحسن، کشف الغمة في معرفة الأئمة، دارالاضواء، بيروت، 1409هـ.
36. استوري، ادبيات فارسي، ترجمه يو آبرگلي، ترجمه آرين يورو، تحرير احمد منزوي، جامعة طهران، طهران، 1360ش.
37. إسماعيل، کمال الدين، ديوان اشعار، تحقيق بحرالعلومي، طهران، 1360ش.
38. الاصفهاني، ابوالفرج، مقاتل الطالبيين، تحقيق سيد احمد صقر، دارالمعرفة، بيروت، 1402هـ.
39. البخاري، ابوعبدالله إسماعيل، کتاب التاريخ الکبير، دارالکتب العلمية، بيروت.
40. براقي النجفي، سيدحسين، تاريخ الکوفه، تحقيق سيد صادق بحرالعلوم، دارالاضواء، بيروت، 1407هـ.
41. البغدادي، الخطيب، تاريخ بغداد، دارالفکر، بيروت، 1402هـ.
42. الأمين، سيدمحسن، اعيان الشيعة، وزارة الثقافةوالارشاد الإسلامي، طهران، 1368ش.
43. اميني، عبدالحسين، الغدير في الکتاب والسنة والادب، دارالکتب الإسلامية، طهران، 1366ش.
44. التستري، محمدتقي، قاموس الرجال، جامعة المدرسين، قم، 1368ش.
45. الجاحظ، ابوعثمان عمرو، البيان والتبين، دارالکتب العلمية، بيروت، 1410هـ.
46. الجاحظ، کتاب الحيوان، تحقيق عبدالسلام هارون، التاريخ العربي، بيروت، 1949م.
47. الجوهري، إسماعيل: صحاح اللغة، مؤسسة التاريخ الإسلامي، بيروت، 1403هـ.
48. الجويني، إبراهيم محمد، فرائد السمطين، تحقيق محمدباقر المحمودي، مؤسسة المحمودي، بيروت، 1400هـ.
49. حاجي خليفة مصطفى، کشف الظنون عن اسامي الکتب والفنون، دارالفکر، بيروت، 1410هـ.
50. الحاکم النيشابوري، محمدبن عبدالله، المستدرك علی الصحيحين، دارالکتاب العلمية، بيروت، 1411هـ.
51. حسن، حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام، مکتبة النهضة المصريه، قاهرة.
52. حسين، طه، الفتنة الکبری، دارالمعارف، مصر، 1953م.
53. الحسيني الفيروزآبادي، السيد مرتضی، الفضائل الخمسة من الصحاح الستة، دارالکتب العلمية، طهران، 1392هـ.
54. الخضري، محمد، تاريخ الامم الإسلامية، التجاربة الکبری، قاهره.
55. الخضري، محمد، تاريخ الدولة الأموية، دارالفکر، بيروت، 1400هـ.
56. الخنجي الاصفهاني، فضل الله، وسيلة الخادم الی المخدوم، در شرح صلوات چهارده معصوم، به کوشش رسول جعفريان، مكتبة اية الله المرعشي، قم، 1372ش.
57. الخوارزمي، ابوالمؤيد موفق، مقتل الحسين، تحقيق مهدي سماوي، دار انوار المهدي، قم، 1418هـ.
58. دروزة، محمد عزة، تاريخ الجنس العربي، مکتبة العصرية، بيروت، 1964 م.
59. العظمة، عزيز، المنتخب من التراث، ابن تيمية، رياض الريس، بيروت، 1407 هـ.
60. الدميري، کمال الدين محمد بن موسی، حياة الحيوان الکبری، الشريف الرضي، قم، 1371 ش.
61. المسعودي، أبي الحسن بن علي، مروج الذهب ومعادن الجوهر.
62. المسعودي، علي بن الحسين، انساب الاشراف، دار الکتب العلمية، بيروت، 1401 هـ
63. الدينوري، عبد الله بن مسلم قتيبة، الإمامة والسياسة (تاريخ الخلفاء)، مصر، 1338.
64. الموصلي، محمد بن عبد الواحد، النعيم المقيم لعترة النباء العظيم، مناقب آل محمد، تحقيق السيد علي عاشوري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1424 هـ.
65. الحموي، أبو عبد الله ياقوت، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399 هـ.
66. اليعقوبي، ابن واضح، تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت، 1402 هـ.
67. ابن فرحون، إبراهيم بن علي، الديباج المذهب في معرفة اعيان المذهب، تحقيق عبد المعيد خان، دار الکتب العلمية، بيروت، 1972م.
68. الذهبي، أبي عبدالله محمد بن احمد بن عثمان، تهذيب سير اعلام النبلاء، تحقيق شعيب ارنووط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413هـ.
69. الذهبي، أبي عبدالله محمد بن احمد بن عثمان، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، بيروت، 1424هـ.
70. الذهبي، أبي عبدالله محمد بن احمد بن عثمان، العبر في خبر من غبر، حکومت الکويت، الکويت، 1948م.
71. الزرکلي، خيرالدين، الاعلام، دارالملايين، بيروت، 1997م.
72. سبط بن الجوزي، أبو مظفر، تذکرة الخواص، مقدمة محمد صادق بحر العلوم، نينوی الحديثة، طهران، 1376ش.
73. السبکي، تقي الدين، الدرّة المضية في الرد علی ابن تيمية، النهضة، مصر، 1405هـ.
74. السمرقندي، عبدالرزاق، مطلع السعدين ومجمع البحرين، بلا تا، لاهور، 1360هـ.
75. السبحاني، جعفر، بحوث في الملل والنحل، نشر الإسلامي، قم، 1416هـ.
76. السيوطي، عبدالرحمان، تاريخ الخلفاء، تحقيق محي الدين عبدالحميد، منشورات الشريف الرضي، قم، 1401هـ.
77. الشافعي، محمدبن ادريس، الفقه الاکبر، دارالکتب العلمية، بيروت، 1405هـ.
78. الشبراوي، عبدالله، الاتحاف بحب الاشراف، دارالکتاب الإسلامي، بيروت.
79. الدارقطني، احمد، ذکرأسماء التابعين، مؤسسة الکتب الثقافية، بيروت، 1406هـ.
80. شعوط، إبراهيم علي، اباطيل يجب أن تمحی من التاريخ، المکتب الإسلامي، بيروت، 1408هـ.
81. الشلبي، محمد مصطفی، المدخل في الفقه الإسلامي، بيروت.
82. الشوشتري، نور الله، مجالس المؤمنين، مکتب إسلاميه، طهران، 1365ش.
83. زميزم، سعيد رشيد، زوار الإمام الحسين (لمحات تاريخية عن کربلا)، مکتبة النظري، بغداد، 1990م.
84. الصفدي، صلاح الدين خليل بن ايبك، الوافي بالوفيات، دار الکتاب، بيروت، 1404 هـ.
85. الصدوق، محمد، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق علي اکبر غفاري، مقدمة عبدالرحيم رباني الشيرازي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1400هـ.
86. الطباطبائي، سيد عبد العزيز، معجم أعلام الشيعة، مؤسسة آل البيت^، قم، 1417 هـ..
87. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، بيروت، 1404 هـ.
88. عبد الحميد، صائب، ابن تيمية حياته وعقائده، الغدير، بيروت، 1414 هـ.
89. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، لسان الميزان، الأعلمي، بيروت، 1390 هـ..
90. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، بيت الأفکار الدولية، عمان، 2002م.
91. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، تهذيب التهذيب، دار صادر، بيروت، 1404 هـ.
92. العصفري، خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق سهيل زکار، دار الفکر، بيروت، 1414 هـ.
93. العصفري، خليفة بن خياط، تاريخ الحسين، نقد وتحليل، دار الجديد، بيروت، 1994م.
94. علوي الحضرمي، محمد بن عقيل، النصائح الکافية، طهران، 1373ش.
95. عنان، محمد، تاريخ الدولة الإسلامية في الاندلس، کيهان، طهران، 1369ش.
96. الغزالي، ابو حامد، إحياء علوم الدين، دار الجليل، بيروت، 1408 هـ.
97. الغزالي، ابو حامد، الأدب في الدين، صححه وقدم له مصطفی العبد الله، دار الحکمة، بيروت، 1416 هـ.
98. الغزالي، ابو حامد، المستصفی، دار الحکمة، بيروت، 1405 هـ.
99. القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين بن علي، دار البلاغة، بيروت، 1413هـ.
100. القرماني، احمد بن يوسف، أخبار الدول، عالم الکتب، بيروت، 1992م.
101. القندوزي البلخي، سليمان، ينابيع المودة، دار الأسوة، طهران، 1370.
102. الکليني، محمد بن يعقوب، الکافي، تحقيق علي أکبر غفاري، دار الکتب الإسلامية، طهران، 1319ش.
103. المالکي، إبراهيم بن علي، ديباج الذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، دار الکتاب العلمية، بيروت، 1972م.
104. الماوردي، ابو يعلی، الأحکام السلطانية في الولايات الدينية، مرکز المطالعات الإسلامية، قم، 1365.
105. المبرد، ابو العباس، الکامل في اللغة والادب، دار التعارف، بيروت، 1379 هـ.
106. الفيروزآبادي، السيد مرتضی، فضائل الخمسة من الصحاح الستة، دار الکتب الإسلامية، طهران، 1392 هـ.
107. المقدسي، احمد بن طاهر، البدء والتاريخ، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت.
108. المقرم، عبد الرزاق، مقتل الحسين، دار الکتاب الإسلامية، طهران، 1376ش.
109. المقريزي، أحمد، النزاع والتخاصم فيما بين بني أُمية وبني هاشم، مطبعة الاهرام، القاهرة.
110. المقريزي، أحمد، الوعظ والاعتبار في ذکر الخطط والآثار، دار الکتب العلمية، بيروت، 1418 هـ.
111. العظمة، عزيز، المنتخب من التراث، ابن تيمية، رياض الريس، بيروت، 1407 هـ.
المصادر الفارسية:
112. الآصفي، مهدي، پژوهش وحوزه، السنة الثانية، العدد7، لقاء خاص، خريف 1380ش.
113. آقا بزرگ الطهرانی، محسن، اجتهاد ومذاهب إسلامی، ترجمه محمود افتخار زاده، طهران، 1360ش.
114. اقبال اللاهوری، محمد، کليات اشعار، با مقدمه احمد سروش، مكتبة السنائي، طهران، 1360ش.
115. البخارايي، عمعق، ديوان اشعار، تصحيح سعيد النفيسي، جامعة طهران، 1339ش.
116. البلخي، ميرخواند، روضة الصفا، المكتبة المركزية لبيع الكتب، طهران، 1339ش.
117. بيگ روملو، حسن، أحسن التواريخ، تصحيح عبدالحسين نوايی، بابک، طهران، 1359ش.
118. پيشوايی، مهدی، تأملی در آثار وانديشه های ابن خلدون، تاريخ در آينه پژوهش، عدد3، قم، خريف 1382ش.
119. الجامي، عبد الرحمان، مثنوی هفت اورنگ، تحقيق مرتضی جيلان، سعدي، طهران، 1368ش.
120. جعفريان، رسول، تاريخ تشيع در ايران، سازمان تبليغات إسلامی، طهران، 1371ش.
121. جعفريان، رسول، مقالات تاريخي، قم، دليل، 1375ش.
122. جعفريان، رسول، منابع تاريخ إسلام، انصاريان، قم، 1368ش.
123. عدد من الباحثين، دايرة المعارف الإسلامية الكبرى، باشراف: کاظم الموسوي البجنوردي، مرکز دايرة المعارف الإسلامية الكبرى، طهران، 1374ش.
124. عدد من الباحثين، راهکار های عملی اخوت إسلامی در افغانستان، مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران، 1388ش.
125. عدد من الكتاّب، الامام الخمينی وفرهنگ عاشورا، مؤسسه تنظيم ونشر آثارالامام الخميني، طهران، 1374ش.
126. عدد من الكتاّب، دايرة المعارف الإسلامية الكبرى، مؤسسة دائرة المعارف السلامية الكبرى، طهران، 1361-1367ش.
127. عدد من الكتاّب، مجموعه مقالات امام حسين، مجمع العالمي لاهل البيت^، طهران، 1381ش.
128. حبيبی، عبدالحي، تاريخ افغانستان بعداز إسلام، دنيا الکتاب، طهران، 1360ش.
129. الحجازی، سيدعلي، حسين بن علي در آئينه شعر، قم، فارس الحجاز، 1382ش.
130. الحجازی، سيدعلي، علي وفرزندانش، ترجمه محمدعلي الشيرازي، گنجينه، طهران، 1367ش.
131. حکمت، علي اصغر، سرزمين هند، جامعة طهران، طهران، 1337ش.
132. حيرت سجادي، سيدعبدالحميد، گلزار شاعران کردستان، انتشارات کردي، سنندج، 1354ش.
133. خواندمير، محمد حبيب السير، خيام، طهران، 1362ش.
134. الخوسقي، محمد، ديوان اشعار، تصحيح احمد الاحمدي البيرجندي، منظمة الحج والزيارة، مشهد، 1366ش.
135. الرازي القزويني، عبدالجليل، النقض، تصحيح ميرجلال الدين المحدث الارموي، اتحاد الآثار الوطنية، طهران، 1358ش.
136. زرين کوب، عبدالحسين، تاريخ در ترازو، أميرکبير، طهران، 1362ش.
137. زمچي اسفزاري، معين الدين محمد، روضات الجنات في أوصاف مدينة هرات، جامعة طهران، 1338ش.
138. السبحاني، جعفر، پيشوايي از نظر إسلام، مکتب اسلام، قم، ش.
139. السبحاني، جعفر، وهابيت، مباني فکري وکارنامه عملي، مؤسسة الإمام الصادق، قم، 1380ش.
140. السمنانی، علاء الدولة، ديوان اشعار، بمعونة عبد الرفيع حقيقت، طهران، 1362ش.
141. السنائي الغزنوي، ابوالمجد مجدود، ديوان اشعار، بمعونة مدرس الرضوی، اقبال، طهران.
142. الشرواني، خاقاني، ديوان أشعار، بمعونة ضياءالدين السجادي، الجامعة، جامعة دانشسرای عالی، طهران، 1346ش.
143. الشيبي، مصطفی، تشيع وتصوف، ترجمه عليرضا ذکاوتي قراگزلو، أمير کبير، طهران، 1374ش.
144. الصاحبي، محمد جواد، انديشه اصلاحي در نهضت های إسلامي، مكتب الاعلام الإسلامي، قم، 1370ش.
145. صفا، ذبيح الله، تاريخ ادبيات در ايران، فردوس، طهران، 1373ش.
146. الصفري، سام ميرزا، تحفه سامي، تحقيق وحيد الدستجردي، سينا، طهران.
147. صفي زاده، صديق، پارسي گويان کرد، عطايي، طهران، 1366ش.
148. الطبسي، شمس الدين، ديوان اشعار، تحقيق تقي بينش، مكتبة ابرار ، مشهد، 1361 ش.
149. الطرزي، غلام محمد، ديوان اشعار، جامعة طهران، طهران، 1375ش.
150. النيسابوري، فريد الدين عطار، مصيبت نامه، تصحيح محمد نوراني الوصالي، زوار، طهران، 1364 ش.
151. العلائلي، عبد الله، برترين هدف در برترين نهاد، ترجمه محمد مهدي الجعفري، وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي، طهران، 1371 ش.
152. الفاريابي، ظهير الدين، ديوان اشعار، جامعة طهران.
153. فرخ، مهدي، تاريخ سياسي افغانستان، الصحاف احساني، قم، 1371ش.
154. الفرغاني، سيف، ديوان اشعار، جامعة طهران، 1341ش.
155. فرهنگ، مير محمد صديق، افغانستان در پنج قرن أخير، مطبعةاحساني، قم، 1371 ش.
156. القبادياني، ناصر خسرو، ديوان اشعار، مركز الأبحاث والعلوم الإنسانية، طهران، 1357 ش.
157. الکرماني، خواجو، ديوان اشعار، پاژنگ، طهران، 1369 ش.
158. السقزي، ملك الکلام، مجدي، سفرنامه حج، مطبعة عطايي، طهران، 1360 ش.
159. مجلة الهادي، العدد 2، ذي القعدة، 1319 هـ.
160. مجلة الحوزة، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، عدد 113- 114، سنة 19، 1382ش.
161. مجلة آشنا، السنة الخامسة، العدد 11، صيف 1375ش.
162. مجلة شفا، السنة الثانية، العدد 5، شتاء 1387ش.
163. مجمع جهاني أهل بيت^، امام حسين× وديدگاه ها، المجمع العالمي لأهل البيت^، طهران، 1381 ش.
164. المروزي، کسايي، ديوان اشعار، جامعة طهران، 1364ش.
165. المروي، محمد هادي، سمينار الإمام الحسين×، جامعة الإمام الحسين، طهران، 1364ش.
166. المزاوي، ميشل، پيدايش دولت صفوي، ترجمه يعقوب آژند، بنگاه کتاب (مركز الكتاب)، طهران، 1358ش.
167. المستوفي، حمد الله، تاريخ گزيدة، تحقيق عبدالحسين النوايي، شرق، طهران، 1385ش.
168. المطهري، مرتضى، نهضت های إسلامي در صد سال اخير، صدرا، قم، 1359ش.
169. المظلومي، رجبعلی، حسين رهبر آزادگان، بنياد بعثت (مركز البعثة)، طهران، 1362ش.
170. المکرمی، مجتبی، نگاهی به تاريخ حيدر اباد، دفتر مطالعات سياسي وبين المللي( مكتب الدراسات السياسية الدولية)، طهران، 1372ش.
171. البلخي، جلال الدين مولوي، کليات ديوان شمس، اقبال، طهران، بلا تا.
172. البلخي، جلال الدين مولوي، مثنوی معنوی، گنجينه، تهران، 1380ش.
173. المهدی، محسن، فلسفة تاريخ ابن خلدون، مؤسسة الترجمة والنشر، طهران، 1385ش.
174. الداودي، عبد المجيد، ناصری، تشيع در خراسان عهد تيموريان، بنياد پژوهش های إسلامی (مركز البحوث الإسلامية)، مشهد، 1378ش.
175. الباخرزي، عبد الواسع نظامی، مقامات جامی، تحقيق نجيب مايل الهروي، ني، طهران، 1376ش.
176. نعمتي، أحمد، اجتهاد وسير تاريخی أن از ديدگاه أهل سنت، احسان، طهران، 1376ش.
177. النفيسي، سعيد، تاريخ نظم ونثر فارسي در ايران ودر زبان فارسي، مكتبة فروغي، طهران، 1363ش.
178. نهرو، جواهر لعل، نگاهی به تاريخ جهان، ترجمه محمود تفضلي، أمير کبير، طهران، 1358ش.
179. الواصفي، محمود، بدايع الوقايع، تصحيح الکساندر بلدرف، بنياد فرهنگ (مركز الثقافة)، طهران، 1356ش.
180. الهاشمي، محمد طاهر، مناقب أهل بيت^ ازديدگاه أهل سنت، بنياد پژوهش های إسلامي (مركز البحوث الإسلامية)، مشهد، 1381ش.
181. اسبوعية پرتو سخن، السنة الثانية عشرة، العدد: 558، 1389ش.
[1] اُنظر: ابن النديم، محمد بن أبي يعقوب، الفهرست: ص150.
[2] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج1، ص147. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان الميزان: ج4، ص344. النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي: ص320.
[3] اُنظر: رسول جعفريان، منابع تاریخ إسلام (مصادر التاريخ الإسلامي): ص111.
[4] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص313.
[5] أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين×: ص125.
[6] اُنظر: الیوسفي الغروي، محمد هادي، وقعة الطف: ص8.
[7] في السنوات الأخیرة قام بعض الباحثین ـ وهو الأُستاذ الشیخ محمد هادي الیوسفي الغروي ـ باستخراج وتحقیق وتهذیب مقتل أبي مخنف، اعتماداً علی نقل الطبري وآخرین، أمثال الشیخ المفید، وسبط ابن الجوزي، وطُبع تحت عنوان (وقعة الطف).
[8][8] ثمّة شکوك تحوم حول نسبة هذا الکتاب إلی الدینوري، کما هو الحال بشأن کتاب سلیم بن قیس ومقتل أبي مخنف ما خلا وقعة الطف وإثبات الوصیة للمسعودي.
[9] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص178 ـ 220.
[10]ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص86.
[11] واکب الیعقوبي والمسعودي أبا مخنف في نقل أحداث عاشوراء. اُنظر: اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاریخ الیعقوبي: ج2، ص242 ـ 245.
[12]اُنظر: ابن خلکان، أحمد بن محمد، وفیات الأعیان: ج3، ص332.
[13] اُنظر: رسول جعفریان، منابع تاریخ إسلام (مصادر التاريخ الإسلامي): ص159.
[14] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص257 ـ 261، وص292 ـ 294.
[15] المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب: ج3، ص60.
[16] ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین×: ص57.
[17] ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین×: ص81.
[18] المصدر السابق: 49.
[19] اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، ترجمة الإمام الحسين× من تاریخ مدينة دمشق: ص10ـ 11.
[20] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام: حوادث عام 61 ـ 80.
[21] اُنظر: المزي، يوسف، تهذیب الکمال في أسماء الرجال: ج2، ص299.
[22] اُنظر: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تهذیب التهذیب: ج2، ص305. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة: ج2، ص69.
[23] اُنظر: ابن کثیر، إسماعيل بن عمر، البدایة والنهایة: ج8، ص173.
[24] اُنظر: المصدر السابق: ج8، ص161.
[25] اُنظر: ابن کثیر، إسماعيل بن عمر، البدایة والنهایة: ج8، ص179.
[26] اُنظر: المصدر السابق: ج8، ص 209.
[27] اُنظر: المصدر السابق: ج8، ص221.
[28] لا يصدر هذا اللوم إلّا عن جاهل بحقيقة الأُمور، وقد کشف الدکتور أحمد محمود صبحي عن جانبٍ منها لما قال: «لقد کان بقاء الحسين حيّاً غصّة في حلق يزيد، سواء بايع أم لم يبايع، ولو أنّه بايع لکانت بيعته حجّة للأُمويين علی الشيعة، ولکنّها لاتبعث علی الرضا ما بقي حيّاً، فما کان الأُمويون إذاً ليترکونه لدينه لو همّ أن يبايع، ولقد عوّل الحسين ألّا يموت بيد خارجي يدفعه هوس الاعتقاد إلی أن يقدّم النصر من حيث لايريد للأُمويين، کما صمّم ألّا يضيع دمه هدراً بغدرةٍ لاتثبت حقّاً ولا تجعل له ديّة أو قصاصاً بقدر ما تقدّم لعدوّه نصراً مؤزّراً يسجد لله علی هذه الغدرة شکراً، في دور هذا يتّضح موقف الحسين حين أصرّ علی الخروج بالرغم من نصح الناصحين له، ولم يکن ذلك منه عناداً أو رکوباً لرأسه». صبحي، أحمد محمود، نظرية الإمامة لدی الشيعة الاثنی عشرية: ص333.
کما کشف العلايلي عن جانب آخر، إذ يری أنّ مبايعة الخليفة الفاجر تعني خدمة أهوائه الشريرة، وميوله الفاسقة، فکان ضرورياً أن يأبی الإمام مبايعة يزيد علی شهواته وأهوائه وفواحشه، وأن يُنکر وأن يثور ما دام قد أراح ضميره وأرضی ربّه، فلم یصغِ إلی أمير، ولم يسمع من مُشفق، ولم يتراخَ أمام سلطان أو قوّة غاشمة، وأبی أن يرضی للمؤمنين بالدنية والخسف، فأعلن الإنکار، ولم يعطِ أُذنه إلی مَن نصحه بالبقاء دون الخروج؛ لأنّ عدم خروجه تعني حتف المسلمين قاطبة. اُنظر: العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص126.
(المترجم).
[29] السیوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ص199. ابن الصباغ المالکي، علي بن محمد، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ص155. المبارك، محمد، نظام الإسلام: ص59. ابن تیمیة، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة: ج2، ص238 ـ 239. الترحیني العاملي، محمد حسن، النهضة الحسینیة والنواصب: ص29 ـ 30.
[30] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ج1، ص210.
[31] الخضري، محمد، تاریخ الأمم الإسلامية: ج2، ص129.
[32] دروزة، محمد عزة، تاریخ الجنس العربي: ج8، ص382 ـ 387.
[33] شعوط، إبراهیم علي، أباطیل یجب أن تُمحی من التاریخ: ص247.
[34] محمد إبراهیم، براءة یزید بن معاویة من دم الحسین: ص23.
[35] الإيجي، المواقف:ج3، ص579.
[36] أبو يعلى الفراء، محمد بن الحسين، الأحکام السلطانیة: ص29.
[37] الماوردي، علي بن محمد، الأحکام السلطانیة والولایات الدینیة: ص3.
[38] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون: ج1، ص237.
[39] أبو يعلى الفراء، محمد بن الحسين، الأحکام السلطانیة: ص20. القلقشندي، أحمد بن عبد الله، مآثر الإنافة في معالم الخلافة: ج1، ص31 ـ 39. النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين: ص45.
[40] الماوردي، علي بن محمد، الأحکام السلطانیة والولایات الدینیة: ص31. المبارك، محمد، نظام الإسلام: ص61 ـ 64.
[41] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون: ص152.
[42] المصدر السابق: ص167.
[43] الماوردي، علي بن محمد، الأحکام السلطانیة والولایات الدینیة: ص31. القلقشندي، أحمد بن عبد الله، مآثر الإنافة في معالم الخلافة: ج1، ص37.
[44] الشريف الجرجاني، علي بن محمد، شرح المواقف: ج8، ص349. الشافعي، محمد بن إدریس، الفقه الأکبر: ص39.
[45] الآصفي، محمد مهدی، مجله پژوهش وحوزه (مجلة الأبحاث والحوزة)، السنة الثانیة، (1380هـ.ش)، العدد السابع: ص76 ـ 77.
[46] اُنظر: الماوردي، علي بن محمد، الأحکام السلطانیة والولایات الدینیة: ص31.
[47] ابن عبد البر، يوسف، جامع بيان العلم وفضله: ص90.
[48] اُنظر:أحمد نعمتي، اجتهاد وسير تاریخي آن از دیدگاه أهل سنّت (الاجتهاد وحرکته التاريخية عند أهل السنة): ص169.
[49] اُنظر: العلایلي، عبد الله، تاریخ الحسین نقد وتحلیل: ص240 ـ 241. العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص79 ـ81.
[50] العلایلي، عبد الله، تاریخ الحسین نقد وتحلیل: ص240 ـ 241. العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص79 ـ81.
[51] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج3، ص249.
[52] وهو القائل: «أحبّ الناس إلينا مَن أعاننا علی عداوة محمد» اُنظر: الواقدي، محد بن عمر، المغازي: ج2، ص422. الحلبي، علي بن برهان الدين، السيرة الحلبية: ج2، ص629.المقريزي، أحمد بن علي، إمتاع الأسماع: ج1، ص222. (المترجم).
[53] المقريزي، أحمد بن علي، النزاع والتخاصم فیما بین بنی أُمیّة وبنی هاشم، تحقیق محمد عرنوس: ص28.
[54] المصدر السابق.
[55] المصدر السابق: ص29 ـ 31.
[56] المقريزي، أحمد بن علي، النزاع والتخاصم فیما بین بنی أُمیّة وبنی هاشم، تحقیق محمد عرنوس: ص29 ـ 31.
[57] ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج1، ص221.
[58] ابن الأثير، علي بن محمد، الكامل في التاريخ: ج2، ص326.
[59] خطب الإمام علي×، نهج البلاغة: الخطبة رقم 5.
[60] ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج2، ص44 ـ45. المقریزی، أحمد بن علي، النزاع والتخاصم فیما بین بنی أُمیّة وبنی هاشم: ص31.
[61] ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج9، ص53. ابن عبد البر، یوسف، الاستیعاب في معرفة الأصحاب: ج4، ص87.
[62] ابن حجر العسقلانی، أحمد بن علي، الإصابة فی تمییز الصحابة: ج8، ص285. التستری، محمد تقی، قاموس الرجال: ج1، ص80. الأميني، عبد الحسين، الغدیر: ج10، ص83.
[63] الطبري، محد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج11، ص 357. الأميني، عبد الحسين، الغدیر: ج10، ص139 ـ 142.
[64] ابن مزاحم، نصر، وقعة صفين: ص118 ـ 119.
[65] الأميني، عبد الحسين، الغدير: ج10، ص139 ـ 142.
[66] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج11، ص57.
[67] اُنظر: المصدر السابق.
[68] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج11، ص57.
[69] الأميني، عبد الحسين، الغدیر: ج10، ص142 ـ 147. العلوي الحضرمي، محمد بن عقیل، النصائح الکافیة: ص26.
[70] الأميني، عبد الحسين، الغدیر: ج10، ص148.
[71] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج1، ص252، وج3، ص302، وج4، ص50 ـ 57. الأميني، عبد الحسين، الغدیر: ج10، ص148 ـ 153.
[72] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص (مقدّمة محمد صادق بحرالعلوم): ص286.
[73] طه حسين، علي وبنوه (ترجمة محمد علي الشيرازي): ص243.
[74] وقد کتب عبد الله العلايلي في کتابه (سمو المعنی في سمو الذات أو أشعة من حياة الحسين): ص 81، يقول: «إذا کان يقيناً أو ما يشبه اليقين أنّ تربية يزيد لم تکن إسلامية خالصة، أو بعبارةٍ أُخری کانت مسيحية خالصة، لم يبقَ ما يُستغرب معه أن يکون متجاوزاً مستهتراً مستخفّاً بما عليه الجماعة الإسلامية، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب، ولا يقيم لها وزناً، بل الذي يستغرب أن يکون علی غير ذلك». (المترجم).
[75] السیوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ج1، ص 205.
[76] ويعتبر يزيد أوّل مَن أظهر شرب الشراب ـ علی حدّ تعبير البلاذري ـوالاستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والتفکه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالکلاب والديکة، وکان أوّل مَن سنّ الملاهي في الإسلام، وأظهر الفتك وشرب الخمر، وکان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه، والأخطل الشاعر النصراني، وقال ابن حجر في شرح الهمزية: «إنّ يزيد قد بلغ من قبائح الفسق والانحلال عن التقوی مبلغاً لايستکثر عليه صدور تلك القبائح منه، بل قال الإمام أحمد بن حنبل بکفره». اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص299. أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، الأغاني: ج16، ص68. الشبراوي، عبدالله بن محمد، الإتحاف بحبّ الأشراف: ص177. (المترجم).
[77] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ص216.
[78] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص250.
[79] الیعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاریخ الیعقوبي: ج2، ص241.
[80] سبط ابن الجوزی، يوسف بن فرغلي، تذكرة الخواص: ص286 ـ 287.
[81] ابن الأثیر، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج3، ص350 ـ 351.
[82] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ج1، ص415.
[83] الذهبي، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج4، ص38.
[84] ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: ج1، ص69.
[85] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك: ج4، ص368.
[86] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص288.
[87] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص25.
[88] ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: ج1، ص69.
[89] ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان الميزان: ج6، ص293.
[90] ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاريخ دمشق: ج28، ص 18 ـ 19.
[91] الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج5، ص273.
[92] ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد، العقد الفريد: ج4، ص28، وص32، وص150.
[93] اُنظر: المقريزي، أحمد بن علي، النزاع والتخاصم فیما بین بنی أُمیّة وبنی هاشم: ص29.
[94] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص257. ابن الأثیر، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص337. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان الميزان: ج6، ص293 ـ 294.
[95] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص261.
[96] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص204.
[97] اُنظر: أبو زهرة، محمد، تاريخ المذاهب الإسلامية. عبد الکریم زیدان، الوجیز فی أُصول الفقه. السبحاني، جعفر، پیشوائی از نظر إسلام (الإمامة من منظار الإسلام).
[98] الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج7، ص242. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان الميزان: ج6، ص293.
[99] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون: ج1، ص400.
[100] ويری عبد الله العلايلي أنّ البيعة بيع النفس للخليفة فهي رقّ اجتماعي وسياسي وديني، ومن ثمّ کان لزاماً أن يتروّی المرء کثيراً حين يبيع نفسه، فيمَ يبيع؟ ولمَن يبيع؟ فإذا کان الخليفة فاسقاً فحاشاً رقيق الدين، ظالماً عادياً عابثاً کان معنی المبايعة له بيع النفس للفسوق، بيع النفس للفحشاء، بيع النفس للظلم والعدوان، بيع النفس لمجاهرة الله بالعصيان؛ لأنّ الخليفة الفاجر صفة من هذه الخصال مجتمعة، وهي تعني أيضاً خدمة أهوائه الشريرة وميوله الفاسقة. اُنظر: العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص126. (المترجم)
[101] السیوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص261.
[102] السيوطي، جلال الدين، الخصائص الکبری: ج2، ص119.
[103] اُنظر: الطبري، محمد جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج3، ص247. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص349 ـ 350. السیوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ج1، ص205. الذهبي، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام: ج5، ص272.
[104] ابن الصباغ المالکي، علي بن محمد، الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة^: ص154 ـ 156. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص315.
[105] اُنظر: ابن الصباغ المالکي، علي بن محمد، الفصول المهمّة: ص154 ـ 156.
[106] اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص315.
[107] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص352 ـ 353.
[108] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص247. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج3، ص352 ـ 353.
[109]الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص247. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج3، ص352 ـ 353.
[110] ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص148. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج4، ص434. الإربلي، علي بن أبي الفتح، کشف الغمّة في معرفة الأئمّة^: ج2، ص240.
[111] اُنظر: ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسیاسة: ج1، ص149 ـ 151.
[112] اُنظر: ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسیاسة: ج1، ص 153ـ155.
[113] ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسیاسة: ج1، ص154.
[114] ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص155.
[115] ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص160.
[116] ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر: ج1، ص308.
[117] التوبة: آية79.
[118] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج3، ص133.
[119] الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن: ص101.
[120] الآمدي، علي بن أبي علي، الإحکام في أُصول الأحکام: ج4، ص 218.
[121] ابن حاجب الأسنوي المالکي، مختصر الأُصول: ص17.
[122] الغزالي، محمد بن محمد، المستصفی في علم الأُصول: ج2، ص262.
[123] اُنظر: الشافعي، محمد بن إدريس، کتاب الرسالة: ص477.
[124] جناتي، محمد إبراهيم، أدوار الاجتهاد عند المذاهب الإسلامية: ص28 ـ 30.
[125] آغا بزرگ الطهراني، محمد محسن، اجتهاد ومذاهب إسلامی (الاجتهاد والمذاهب الإسلامية): ص37. المظفر، محمد رضا، أُصول الفقه: ج3، ص184.
[126] ابن حزم الأندلسي، علي بن حزم، الأحکام: ج6، ص16.
[127] ابن قيّم الجوزية، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن ربّ العالمين: ج1، ص76.
[128] ابن السبکي: جمع الجوامع مع حاشیة البناني: ج 2، ص 382.
[129] توانا، محمد موسی، الاجتهاد ومدی حاجتنا إلیه في هذا العصر: ص162.
[130] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص244 ـ 245.
[131] شعوط، إبراهیم علي، أباطيل يجب أن تُمحی من التاريخ: ص248.
[132] محمود إبراهیم، براءة یزید بن معاوِیة من قتل الحسین: ص6.
[133] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: هامش ص229.
[134] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص229.
[135] هذه الروایة لا یمکن الاعتماد علیها؛ وذلك لأنّه:
أوّلاً: مرسلة.
ثانیاً: إنّها تتعارض مع الأخبار المتواترة عن الإمام الحسین× وشهداء واقعة الحرّة وبعض الصحابة ومؤرخي أهل السنة حول فساد یزید وتربیته غیر الإسلامیة، ونصبه العداء لأهل البیت^، فهی عندئذٍ ساقطة عن الاعتبار.
ثالثاً: ومع غضّ الطرف عن الأخبار المتواترة، فإنّ ما قام به یزید من قتل الإمام الحسین×، والقتل العام لأهل المدینة فی واقعة الحرّة، وهدم الکعبة، کیف یمکن تبریره؟! وکیف ینسجم مع زهد یزید وتدیّنه؟!
رابعاً: ومع کلّ ذلك فإنّ الخبر المزبور علی فرض صحّته، فإنّه یدلّ علی مکر یزید بمرأی محمد ابن الحنفیة، ولایمکن أن یعکس شخصیته الواقعیة، کما أنّ الراوي نقل ما شاهده لا أنّه مدح شخصه وتدیّنه وزهده.
وعلیه فإنّ الروایة مثل سائر الموضوعات التي وضعها الجهاز الأُموي بهدف تبرئة یزید من فاجعة کربلاء، وساقطة عن أيّ اعتبار. وسیأتي في فصل لعن یزید وفلسفة ثورة کربلاء أنّ علماء أهل السنّة لم یُعیروا أهمّیة لتلك الموضوعات.
[136] ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان المیزان: ج6، ص293.
[137] ابن سعد، محمد، الطبقات الکبری: ج5، ص165.
[138] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص317.
[139] اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، أُسد الغابة: ج2، ص37.
[140] المصدر السابق: ص37 ـ 38.
[141] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، أُسد الغابة: ج2، ص37.
[142] المصدر السابق.
[143] المصدر السابق: ج5، ص145.
[144] اُنظر: العسقلاني، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة : ج6، ص 204.
[145] العسقلاني، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة: ص146.
[146] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص29. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص223.
[147] اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاریخ دمشق: ج15، ص312.
[148] الدعي: علی وزن فعيل بمعنی المفعول، مثل: جريح بمعنی مجروح، وهذه المفردة تشير إلی مرجانة أُمّ عبيد الله، وحالها کحال سميّة أُم زياد بن أبيه الذی استلحقه معاوية بأبي سفيان.
[149] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص425. الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين×: ج1، ص336.
[150] اُنظر: يوسف، حسين محمد، سيّد شباب أهل الجنة: ص346.
[151] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص 299 ـ 307.
[152] اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج2، ص505 ـ 506.
[153] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج3، ص545.
[154] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص8 ـ 365، وص365 ـ 368، وص301 ـ 308، وص402 ـ 408. ابن أعثم الکوفي، أحمد، الفتوح: ج4، ص849 ـ 856.
[155] اُنظر: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب: ج7، ص451.
[156] اُنظر: ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج2، ص19. المزي، يوسف، تهذيب الکمال: ص21، ص357. ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعديل: ج6، ص111 ـ 112.
[157] اُنظر: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب: ج7، ص451.
[158] ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاریخ دمشق: ج19، ص61.
[159] اُنظر: منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاریخ دمشق: ص62.
[160] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص66 ـ 67.
[161] ابن کثیر، إسماعيل بن عمر، البدایة والنهایة: ج7، ص313.
[162] اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاریخ دمشق: ج19، ص63 ـ 64. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص310 ـ 312. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص176 ـ 177.
[163] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص410.
[164] البحراني، هاشم، مدينة المعاجز: ج3، ص482.
[165] البحراني، هاشم، مدينة المعاجز: ج3، ص482.
[166] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص414.
[167] المصدر السابق.
[168] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص414. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج3، ص112.
[169] الحموي، یاقوت، معجم البلدان: ج3، ص124. الشافعي، محمد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ص77 ـ 78.
[170] اُنظر: ابن أعثم الکوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص171 ـ 172.
[171] اُنظر: ابن عبد البر، يوسف، الاستیعاب في معرفة الأصحاب: ج2، ص467. الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ص16، ص180.
[172] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص: ص139.
[173] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص414.
[174] اُنظر: ابن کثیر، إسماعيل بن عمر، البداية والنهایة: ج8، ص211. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ص916.
[175] اُنظر: الأمين، محسن، أعیان الشیعة: ج3، ص485.
[176] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج6، ص54.
[177] اُنظر: الدینوري، أحمد بن داوُد، الأخبار الطوال: ص301 ـ 305.
[178] اُنظر: المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين: ص138. الهاشمي الخوئي، حبیب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج5، ص382.
[179] اُنظر: اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاریخ الیعقوبي: ج2، ص191. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص274.
[180] ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص12 ـ 13. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص6.
[181] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص353. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاریخ الملوك والأُمم: ج5، ص339.
[182] البقرة: آية14.
[183] اُنظر: الدینوري، أحمد بن داوُد، الأخبار الطوال: ص254. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص386.
[184] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج2، ص566 ـ567. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص436 ـ 438.
[185] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص425.البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان: ص891.
[186] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج2، ص566 ـ 567. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص436 ـ 438.
[187] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص325.
[188] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص394، وص401. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص59، وص92، وص99.
[189] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص437. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص99.
[190] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص449. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص407.
[191] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص440. ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص103.
[192] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص440. ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص103.
[193] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص496.
[194] اُنظر: المصدر السابق: ص298.
[195] ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد، العقد الفريد: ج5، ص142. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج3، ص263.
[196] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص501، وص534، وص544.
[197] اُنظر: المصدر السابق: ج6، ص89.
[198] اُنظر: ابن عبد البر، يوسف، الاستیعاب فی معرفة الأصحاب: ج2، ص701. ابن خلكان، أحمد بن محمد، وفیات الأعیان: ج2، ص460 ـ 463.
[199] اُنظر: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، الإصابة في تمییز الصحابة: ج3، ص334 ـ 336.
[200] اُنظر: ابن أبی الحدید، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج14، ص15 ـ 16.
[201] اُنظر: وکيع، محمد بن خلف، أخبار القضاة: ج2، ص397.
[202] المصدر السابق: ص293.
[203] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاریخ مدینة دمشق: ج42، ص487.
[204] اُنظر: ابن عبد البر، يوسف، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج2، ص701. الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج16، ص140 ـ 142.
[205] اُنظر: ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج6، ص855. المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج2، ص61.
[206] اُنظر: ابن خلكان، أحمد بن محمد، وفیات الأعیان: ج2، ص460 ـ 463. ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص98.
[207] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص947.
[208] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص98. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج6، ص34. المنقري، نصر بن مزاحم، الغارات: ج2، ص947.
[209] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص 98. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج6، ص34.
[210] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج33، ص354. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص510.
[211] المصدر السابق.
[212] اُنظر: ابن خلکان، أحمد بن محمد، وفيات الأعيان: ج2، ص436.
[213] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص343. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج2، ص581.
[214] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص178.
[215] اُنظر: القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج3، ص178.
[216] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص344.
[217] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص46.
[218] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص201.
[219] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص37.
[220] المصدر السابق: ص38.
[221] اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج2، ص571.
[222] اُنظر: الإربلي، علي بن أبي الفتح، کشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص262.
[223] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص333 ـ 335. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البدایة والنهایة: ج8، ص300. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج2، ص572، وج3، ص628.
[224] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص335 ـ 336.
[225] الكليني، محمد بن يعقوب، الکافي: ج3، ص490.
(2) لا يُقال: هذه المساجد قد أُحدثت بعد أمير المؤمنين×، کما يُشعر به خبر عبيس عن سالم عن أبي جعفر× أنّه قال: «جُدّدت أربعة مساجد بالکوفة فرحاً لقتل الحسين×: مسجد الأشعث، ومسجد جرير، ومسجد سماك، ومسجد شبث بن ربعي»، من أنّ بناءها إنّما يکون فرحاً بقتل الحسين×، فکيف يستقيم نهيه عن الصلاة فيها؟ لأنّا نقول: تجديدها وترمیمها إنّما کان فرحاً بقتله، کما يدلّ عليه قوله في الخبر المتقدّم؛ فتکون قديمة موجودة في عصر أمير المؤمنين×، ويُمکن أن يُقال: إنّه نهی عن الصلاة فيها بعد ما أُحدثت، فيکون هذا من جملة إخباره× بالأُمور الغيبية، وأمثال هذا قد صدرت عنه کثيراً. (المترجم)
[227] ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین×: ص 83.
[228] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص365.
[229] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ص339.
[230] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك: ج4، ص352 ـ 354.
[231] ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج2، ص13.
[232] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك: ج4، ص371.
[233] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج3، ص342.
[234] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج3، ص8. الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج3، ص568.
[235] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص353.
[236] ابن سعد، محمد، ترجمة الإمام الحسین×: ص88.
[237] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص364 ـ 375.
[238] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص172.
[239] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص335.
[240] البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص211.
[241] اُنظر: النویري، أحمد بن عبد الوهاب، نهایة الأرب في فنون الأدب: ص20 ـ 461. ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد، العقد الفرید: ج5، ص127. المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب: ج3، ص141.
[242] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج4، ص341. ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص232.
[243] المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج1، ص 265.
[244] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ج1، ص417.
[245] إنّ الدوافع التی تقف وراء رأی ابن العربي وأضرابه ليست دينية بحتة، فمعظمهم من أهل الشام کابن تيمية، أو من الأندلس الأُموية کابن حزم وابن العربي، ولا يخلو رأيهم من باعث العصبية الإقليمية، أو مشايعة الحکام الأُمويين، ولقد صِيغت آراء هذه الفرقة أساساً کردّ فعل لمذهب الشيعة، فمعارضة عقائد الشيعة هي وحدها تحدوهم إلی اتّخاذ موقفهم، حتی أسرفوا علی أنفسهم في هذه المعارضة التي لم يکن يحدوها البحث عن الحقيقة، أو تحرّي رأي الدين فيما يعتقدون من آراء بقدر ما کانوا يقصدون من تخطئة الشيعة في کلّ عقائدهم، وتکفيرهم في کلّ ما ذهبوا إليه. اُنظر: صبحي، أحمد محمود، نظرية الإمامة لدی الشيعة الاثنی عشرية: ص338. (المترجم).
[246] يوسف، حسين محمد، سيّد شباب أهل الجنة: ص425.
[247] يوسف، حسين محمد، سيّد شباب أهل الجنة: ص424.
[248] دروزة، محمد عزة، تاریخ الجنس العربي: ج8، ص383 ـ 384.
[249] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة: ج4، ص535.
[250] ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة: ج1، ص68.
[251] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج2، ص440.
[252] التر مذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص658.
[253] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الکبیر: ج4، ص155. ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص130.
[254] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج1، ص77.
[255] المصدر السابق: ج3، ص62. ابن ماجة، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجة: ج1، ص44، ح118. الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص321، ح3856.
[256] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص351.
[257] المصدر السابق: ج4، ص291.
[258] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص174.
[259] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص245.
[260] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ج1، ص415.
[261] السيوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ص246 ـ 247.
[262] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: هامش ص237.
[263] الخضري، محمد، تاريخ الأُمم الإسلامیة: ج2، ص235.
[264] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاریخ الیعقوبي: ج2، ص241. الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص269.
[265] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج3، ص351 ـ 352.
[266] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاریخ الیعقوبي: ج2، ص247.
[267] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص231. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص241.
[268] الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى عن مناقب ذوي القربى: ص146. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص217.
[269] وفي هذا الصدد قال حسين محمد يوسف في کتابه سيّد شباب أهل الجنة: ص 418: «إنّ القول بخروج الحسين کان بقصد المنازعة علی الخلافة بعيد عن الحقيقة الواقعة، ومع أنّ أهمّ کتب السير والتاريخ قد تضمّنت من الأنباء الصادقة والروايات الصحيحة ما ينفيه تماماً ويهدمه من أساسه، فقد تناقله کثير من الکتّاب والمؤرِّخين، ولعلّ الدافع إلی انتشار هذه الأُسطورة مع عدم واقعيتها هو أنّه ليس فيها ما يستدعي الغرابة والإنکار، أو ما يغضّ من کرامة الحسين ومقامه، فهو بلا شك کان جديراً بالخلافة، ولا مجال للمقارنة بينه وبين الصحابة في ذلك الحين، فکيف بمقارنته بمَن لم يحظَ بشرف صحبة سيّد الخلق|، بل کيف بمقارنته بيزيد نفسه؟ ومن ثمّ فلو أنّ سيّد شباب أهل الجنة کان حقّاً يسعی إلی الخلافة، فهو بذلك إنّما کان يسعی إلی مصلحةٍ عامّة ولا شكّ فيها، کما أنّ خروجه علی يزيد إنّما کان خروجاً في سبيل الله تعالی، له ما يبرّره من الأسباب، وما يدعمه من الدوافع. (المترجم).
[270] يوسف، حسين محمد، سيّد شباب أهل الجنة: ص432.
[271] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص239.
[272] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص306.
[273] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ص251.
[274] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص74.
[275] اُنظر: ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: هامش ص226.
[276] اُنظر: شعوط، إبراهيم علي، أباطيل یجب أن تُمحی من التاریخ: ص248.
[277] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص74.
[278] القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابیع المودة: ج3، ص60.
[279] اُنظر: ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص241. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج5، ص242. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص260.
[280] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص314.
[281] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص457، وص462، وص464. السيوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ص185.
[282] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم و الملوك: ج5، ص397 ـ 398.
[283] الأحزاب: آية33.
[284] الإمام الخمیني+ وثقافة عاشوراء: ص149.
[285] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص292.
[286] المصدر السابق: ص304.
[287] المصدر السابق: ص305.
[288] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ص304.
[289] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ص303.
[290] البقرة: آية179.
[291] الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين: ج3، ص135.
[292] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: هامش ص241.
[293] دروزة، محمد عزة، تاریخ الجنس العربی: ج8، ص383 ـ 384.
[294] اُنظر: الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين: ج3، ص135.
[295] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاریخ الیعقوبي: ج2، ص241.
[296] البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص317.
[297] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص338.
[298] المصدر السابق: ج4، ص251 ـ 252.
[299] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص301
[300] اُنظر: المصدر السابق: ج5، ص343.
[301] اُنظر: المصدرالسابق: ج5، ص380 ـ 381.
[302] اُنظر: المصدر السابق: ج5، ص383.
[303] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص458.
[304] قال سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص: ص260: «فرح يزيد فرحاً عظيماً لمّا قتل الحسين×، واستدعی ابن زياد، وأعطاه أموالاً کثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه ورفع منزلته، وأدخله علی نسائه وجعله نديمه، وسکر ليلةً، وقال للمغني: غنّ، ثمّ قال يزيد بديهياً:
اسقِني
شربةً تروي فؤادي |
[305] سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص: ج4، ص352.
[306] المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب: ج3، ص61.
[307] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص18.
[308] وقد نقل الآلوسي في تفسيره: أنّه لما ورد نساء الحسين وأطفاله والرؤوس علی الرماح، وقد أشرفوا علی ثنية جيرون، فلمّا رآهم يزيد نعب غراب، قال يزيد:
لما
بدت تلك الحمول وأشرفت |
بمعنی أنّه قتل بمَن قتله رسول الله’ يوم بدر کجدّه عتبة وخاله ولد عتبة، وهذا کفرٌ صريح، وإلی هذا أشار ابن عباس في کتابٍ بعثه إلی يزيد حيث قال: يا يزيد، إنّ من أعظم الشماتة حملك بنات رسول الله’ وأطفاله وحرمه من العراق إلی الشام أُساری مجلوبين مسلوبين، تری الناس قدرتك علينا، وأنّك قد قهرتنا واستوليت علی آل رسول الله’، وفي ظنك أنّك أخذت بثأر أهلك الکفرة الفجرة يوم بدر، وأظهرت الانتقام الذي کنت تخفيه، والأضغان التي تکمن في قلبك کمون النار في الزناد.. فالويل لك من ديّان يوم الدين. اُنظر: الآلوسي، محمود بن عبد الله، تفسير روح المعاني: ج26، ص72. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص261. (المترجم).
[309] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص130.
[310] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص102.
[311] المصدر السابق: ص128.
[312] المصدر السابق: ص150.
[313] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص576 ـ 577.
[314] المصدر السابق: ج3، ص532.
[315] الذهبي، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج3، ص289.
[316] المصدر السابق: ج4، ص38.
[317] حكى الشبراوي الشافعي عن ابن حجر المكي في شرح الهمزية: «إنّ کلاهما ـ الغزالي وابن العربي ـ قد بالغ في تحريم سبّه ولعنه، لکنّ کلاهما مردود؛ لأنّه مبنيٌّ علی صحّة بيعة يزيد لسبقها، والذي عليه المحقّقون خلاف ما قالاه». الشبراوي، عبد الله بن محمد، الإتحاف بحبّ الأشراف: ص177. (المترجم).
[318] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ص218.
[319] السيوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء:ص247.
[320] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص231.
[321] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص260.
[322] ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب: ج1، ص68.
[323] التفتازاني، سعد الدين، شرح المقاصد: ج2، ص306 ـ 307.
[324] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: هامش ص240.
[325] دروزة، محمد عزة، تاريخ الجنس العربي: ج8، ص384.
[326] دروزة، محمد عزة، تاريخ الجنس العربي: ص383 ـ 384.
[327] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل فی التاریخ: ج3، ص190.
[328] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم و الملوك: ج4، ص347 ـ 348، وج5، ص454 ـ 455. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص136.
[329] اُنظر:المصدر السابق: ج4، ص 327 ـ 328. المصدر السابق: ج5، ص96ـ 97.
[330] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج4، ص348. ابن کثیر، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص206.
(2) قال سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواص: ص237: «ولمّا أنفذ ابن زياد رأس الحسين إلی يزيد بن معاوية مع الأُساری موثّقين في الحبال.. وکلمّا نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعدّوه له فوضعوه علی رمح، وحرسوه طول الليل إلی وقت الرحيل ثمّ يعيدوه إلی الصندوق ويرحلوا، فنزلوا بعض المنازل وفي ذلك المنزل دير فيه راهب، فأخرجوا الرأس علی عادتهم ووضعوه علی الرمح، وحرسه الحرس علی عادته، وأسندوا الرمح إلی الدير، فلمّا کان في نصف الليل رأی الراهب نوراً من مکان الرأس إلی عنان السماء، فأشرف علی القوم، وقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن أصحاب ابن زياد، قال: وهذا رأس مَن؟ قالوا: رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بن فاطمة بنت رسول الله، قال: نبيکم؟ قالوا: نعم، قال: بئس القوم أنتم، لو کان للمسيح ولد لأسکنّاه أحداقنا، ثمّ قال: هل لکم في شيء؟ قالوا: وما هو؟ قال: عندي عشرة الآف دينار تأخذونها وتعطوني الرأس يکون عندي تمام الليلة، وإذا رحلتم تأخذونه، قالوا: وما يضرّنا، فناولوه الرأس وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسله وطيّبه وترکه علی فخذه وقعد يبکي الليل کلّه، فلما أسفر الصبح، قال: يا رأس، لا أملك إلّا نفسي وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ جدّك محمداً رسول الله وأشهد الله أنّني مولاك وعبدك». (المترجم).
[332] اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاریخ: ج2، ص582.
[333] الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص323.
[334] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج1، ص242، وص283. الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك: ج4، ص398. الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج3، ص323.
[335] السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص166.
[336] اُنظر: سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص242.
[337] السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص166. الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ص268.
[338] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص227. المزي، يوسف، تهذيب الکمال: ج6، ص433.
[339] السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص166.
[340] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص242.
[341] اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص228.
[342] اُنظر: المصدر السابق: ص229.
[343] اُنظر: المصدر السابق: ص230.
[344] اُنظر: المصدر السابق: ص227.
[345] اُنظر: المصدر السابق: ص227. الشبراوي، عبد الله بن محمد، الإتحاف بحبّ الأشراف: ص183.
[346] اُنظر: المصدران السابقان.
[347] اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ص226. الشبراوي، عبد الله بن محمد، الإتحاف بحبّ الأشراف: ص182.
[348] اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص226.
[349] قال الدميري تحت عنوان: (مَن تکلّم بعد الموت) من کتابه (حياة الحيوان): ج1، ص80، ما نصّه: «وتکلّم بعد الموت أربعة: يحيی بن زکريا حين ذُبح، وحبيب النجار حيث قال: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)، وجعفر الطيار حيث قال: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا)، والحسين بن علي حيث قال: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ». (المترجم).
[350] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج60، ص369.
[351] البقرة: آية137.
[352] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج22، ص117.
[353] ابن تیمیة، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة: ج2، ص241 ـ 242.
[354] الخضري، محمد، تاریخ الأُمم الإسلامیة: ج2، ص235.
[355] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج3، ص190.
[356] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم و الملوك: ج4، ص344.
[357] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الکامل في التاريخ: ج4، ص57.
[358] السيوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ص261.
[359] ومن سخريات القدر أنّ العام الذي ولي فيه معاوية الحکم سُمّي بعام الجماعة، وأيُّ جماعةٍ تلك التي طالما دقّ فيها معاوية أسفين التشتت، ولعمري، إنّ مغزی التکتّم علی هذه الحقائق الساطعة هو أنّ معاوية بمنزلة حلقة الباب ـ علیحدّ نقل ابن عساکر ـ منحرکهاتّهمناهعلیمَنفوقه. اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ دمشق: ج59، ص210. (المترجم).
[360] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص349 ـ 350.
[361] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج3، ص249. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص337.
[362] محمد: آية22 ـ 23.
[363] اُنظر: الآلوسي، محمود بن عبد الله، تفسير روح المعاني: ج26، ص72.
[364] الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج3، ص250، ح2088.
[365] قيِل لابن الجوزي وهو علی کرسي الوعظ: کيف يُقال: يزيد قتل الحسين وهو بدمشق والحسين بالعراق؟ فقال:
سهمٌ
أصاب وراميه بذي سلم |
اُنظر: المناوي، محمد بن علي، فيض القدير: ج1، ص204. (المترجم).
[366] البغدادي، عبد القاهر، الفرق بين الفِرَق: ص321.
[367] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوی: ج4، ص487.
[368] المصدر السابق.
[369] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص235.
[370] ولسنا بحاجة إلی التدليل علی وهن هذا الرأي، فقد کفانا الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني مؤونة ذلك؛ إذ قال: «مَن يقول: إنّ يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه، وقائل هذا ينبغي أن ينظم في سلسلة أنصار يزيد، وأنا أقول: الذي يغلب على ظني أنّ الخبيث لم يکن مصدّقاً بالرسالة للنبي|، وأنّ مجموع ما فعله مع أهل حرم الله تعالى، وأهل حرم نبيه|، وعترته الطيبين الطاهرين، في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة علی عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنّ أنّ أمره کان خافياً علی أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولکن کانوا مغلوبين مقهورين.. ولو سُلّم أنّ الخبيث کان مسلماً فهو مسلمٌ جَمَع من الکبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلی جواز لعن مثله علی التعيين، ولو لم يُتصوّر أن يکون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتُب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه». الآلوسي، محمود بن عبد الله، تفسير روح المعاني: ج26، ص72. (المترجم).
[371] الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين: ج3، ص135.
[372] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص210.
[373] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوی: ج4، ص487.
[374] ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: ص69 ـ 70.
[375] ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ج2، ص642.القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربی: ج3، ص36.
[376] السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص245.
[377] اُنظر: سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص286.
[378] السيوطي، جلال الدين، تاریخ الخلفاء: ص164.
[379] ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة: ص222.
[380] اُنظر: توکلي، محمد رئوف، چهار إمام أهل سنت وجماعت (أئمّة أهل السنة والجماعة الأربع): ص34.
[381] السیوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص261.
[382] الجاحظ، عمرو بن بحر، رسائل الجاحظ (الرسالة الحادية عشرة في بني أُميّة): ص298.
[383] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص258.
[384] الشبراوي، عبد الله بن محمد، الإتحاف بحبّ الأشراف: ص175.
[385] السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص235.
[386] اُنظر: المصدر السابق: ص24.
[387] المصدر السابق: ص247.
[388] الشوكاني، محمد بن علي، نيل الأوطار: ج7، ص147.
[389] اُنظر: ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: ج1، ص69.
[390] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص258، ومع هذا فإنّه اعتمد علی طبقات ابن سعد ومقتله حينما تناول أحداث عاشوراء ويزيد بن معاوية، بدل الاعتماد علی المصادر الموثوق بها، کمقتل أبي مخنف، فوقع في تخرّصات وتأويلات ظنّية بعيدة عن الواقع.
[391] أنطون، فرج، ابن رشد وفلسفته: ص60.
[392] المناوي، محمد بن علي، فيض القدير: ج1، ص265.
[393] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، الرد علی المتعصّب العنيد: ص68 ـ 71.
[394] الشافعي، محمد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ص261 ـ 262.
[395] اُنظر: المصدر السابق: ص251.
[396] الشافعي، محمد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ص266.
[397] ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد، شذرات الذهب: ج1، ص68.
[398] المصدر السابق: ج1، ص69.
[399] الذهبي، محمد بن أحمد، سیر أعلام النبلاء: ج4، ص38.
[400] الجويني، إبراهيم بن محمد، فرائد السمطين: ج2، ص166.
[401] کجاييـد ای شــهيدان خــدايی بلاجويان دشت کربلايی
کجاييد ای سبك روحان عاشق پرنده تر زمرغــان هوايی
[402] حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده (التاريخ المنتخب): ص198ـ201.
[403] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ص206.
[404] اُنظر: المصدر السابق: ص210.
[405] ابن الصباغ المالكي، علي بن محمد، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ص170 ـ 200.
[406] المصدر السابق: ص192 ـ 193.
[407] المصدر السابق: ص171.
[408] عبد الرحمن جامي، مثنوي هفت اورنگ (مثنويات سبعة عروش): ص178.
(2) الخنجي الأصفهاني، فضل الله: وسيلة الخادم إلی المخدوم در شرح صلوات چهارده معصوم (وسيلة الخادم إلى المخدوم في شرح صلوات الأربع عشرة معصوم): ص42، وص161، وص164، وص170، وص171.
[410] المصدر السابق.
[411] القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة: ج3، ص7.
[412] وقال عبد الکريم بن ولي الدين مؤلّف کتاب (مجمع الفوائد ومعدن الفرائد): «معلومٌ أنّ يزيد اللعين وأتباعه کانوا من الذين أهانوا أهل بيت الرسول|، فکانوا مستحقّين للغضب والخذلان واللعنة من الملك الجبار المنتقم يوم القيامة، فعليه وعلی مَن اتّبعه وأحبّه وأعانه ورضا به لعنة الله والملائکة والناس أجمعين.. ثمّ قال: وأمّا منع بعضهم منه فليس من أجل عدم جوازه؛ لأنّه جائزٌ بالاتفاق، بل من خوف السراية إلی أبيه معاوية». ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، الردّ علی المتعصب العنيد: هامش ص6. (المترجم).
[413] وممّا يدلّ علی ذلك قول الآلوسي: «ويلحق بيزيد ابن زياد وابن سعد وجماعة وأمثالهم، فلعنة الله (عزّ وجلّ) عليهم أجمعين وعلی أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلی يوم الدين، ما دمعت عينٌ علی أبي عبد الله الحسين.
ويعجبني قول شاعر العصر ذي الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين:
يزيد علی لعني عريض جنابه فأغدو به طول المدی ألعن اللعنا
ومَن کان يخشی القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضليل، فليقل: لعن الله (عزّ وجلّ) مَن رضي بقتل الحسين ومَن آذی عترة النبي| بغير حقّ، ومَن غصبهم حقّهم، فإنّه يکون لاعناً له لدخوله تحت العموم دخولاً أوّلياً في نفس الأمر، ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها، سوی ابن العربي وموافقيه، فإنّهم علی ظاهر ما نقل عنهم لا يجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (رضي الله تعالی عنه)، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يکاد يزيد علی ضلال يزيد». الآلوسي، محمود بن عبد الله، تفسير روح المعاني: ج26، ص72. (المترجم).
[414] رضا، محمد رشيد، تفسير المنار: ج6، ص367.
[415] طه حسين، الفتنة الکبری: ج2، ص225.
[416] طه حسين، الفتنة الکبری: ص225 ـ 226.
[417] قال إقبال:
وان
دگر مولای أبرار جهان |
(1) محمد عبد الباقي، الثائر الأوّل في الإسلام: ص79.
[419] أبو السعود، عبد الحفيظ، سبط الرسول: ص133.
[420] صبحي، أحمد محمود، نظریة الإمامة لدی الشیعة الاثنی عشریة: ص334.
[421] وممّا يحسن هنا أن نشير إلی کلام قيّم للعقاد قال فيه: «وأعجب شيء أن يُطلب إلی الحسين بن علي أن يبايع مثل هذا الرجل ويزکّيه أمام المسلمين، ويشهد له عندهم أنّه نعم الخليفة المأمول، صاحب الحقّ في الخلافة، وصاحب القدرة عليها، ولا مناص للحسين من خصلتين: هذه أو الخروج؛ لأنّهم لن يترکوه بمعزل عن الأمر لا له ولا عليه.
إنّ بعض المؤرِّخين من المستشرقين وضعاف الفهم من الشرقيين ينسون هذه الحقيقة، ولا يولونها نصيباً من الرجحان في کفّ الميزان، وکان خليقاً بهؤلاء أن يذکروا أنّ مسألة العقيدة الدينية في نفس الحسين لم تکن مسألة مزاج أو مساومة، وأنّه کان رجلاً يؤمن أقوی الإیمان بأحکام الإسلام، ويعتقد أشدّ الاعتقاد أنّ تعطيل حدود الدين هو أکبر بلاء يحيق به وبأهله، وبالأُمّة قاطبةً، في حاضرها ومصيرها، لأنّه مسلم، ولأنّه سبط محمد، فمَن کان إسلامه هداية نفس، فالإسلام عند الحسين هداية نفس وشرف بيت». العقاد، عباس محمود، أبو الشهداء الحسين: ص114ـ 115. (المترجم).
[422] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص218.
[423] العلایلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص84.
[424] شلبي، محمد مصطفی، المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: ص123.
[425] المصدر السابق: ص122.
[426] اُنظر: حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي: ج1، ص285.
[427] اُنظر: المازني، إبراهيم عبد القادر ، الرسالة: ص613 ـ 615.
[428] الشرقاوي، عبد الرحمن، الحسين ثائراً وشهيداً: ص7.
[429] یقول الشرقاوی علی لسان الحسین×:
إذا الرذائل أصبحت هی وحدها الفضلی الحبیبة
وإذا حکمتم من قصور الغانیات
وإذا تحکّم فاسقوکم فی مصیر المؤمنین
وإذا طغی قرع الکؤوس علی النواح
وإذا اختفی نغم الإخاء
وإذا شکا الفقراء واکتظّت جیوب الأغنیاء
وإذا خشیتم أن یقول الحقّ منکم واحد فی صحبه أو بین أهله
فلتذکرونی عند هذا کلّه ولتنهضوا باسم الحیاة
کي ترفعوا علم الحقیقة والعدالة
فلتذکروا ثأري العظيم لتأخذوه من الطغاة
وبذاك تنتصر الحياة
فإذا سکتّم بعد ذاك علی الخديعة
وارتضی الإنسان ذلّه
فأنا سأُذبح من جديد وأظل أُقتل من جدید
سأظلّ أُقتل کلما رغمت أُنوف في المذلّة
ویظلّ يحکمکم يزيد ما ويفعل ما یرید
الشرقاوي، عبد الرحمن، الحسين ثائراً وشهیداً: ص438 ـ 439. (المترجم).
[430]اُنظر: الشرقاوي، عبد الرحمن، الحسين ثائراً وشهیداً: ص60.
[431] اُنظر: خالد محمد خالد، أبناء الرسول في کربلاء: ص35.
[432] قال الشبراوي: «لا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين؛ لأنّه الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين». الشبراوي، عبدالله بن محمد، الإتحاف بحبّ الأشراف: ص174. (المترجم).
[433] الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين: 3/ 135.
[434] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، المنتخب من مدونات التراث: ص71.
[435] وأنشد الحکیمُ السَّنائي الغزنوی، وهو شاعر فارسي شهیر من أهل السنة حینما سمع فتوی الغزاليـ الذیکانیعاصره ـ فیالمنععنلعنیزید وآل أبی سفیان؛ أنشد بالفارسیة:
داستان پسر هند مگر نشنیدی؟!
که
زِ او وسه کس او بپَیَمبر چه رسید!!
پدر
او دُر ِ دندان پیَمبَر بشکست!!
مادر
او جگر عمّ پیَمبَر بدرید!!
خود
بناحق، حق ِ داماد پیمبر بستاند!!
پسر
او سر فرزند پیمبر ببرید !!
بر
چنین قوم چو "لعنت" نکنی؟! شرمت باد!!
لـَعَنَ
اللهُ یزیدَ وکذا آلَ یزید!!
المهدوی، إبراهیم، دائرة المعارف للعلم والمذهب، تحت عنوان: السَّنائی الغزنوي. (المترجم).
[436] القرشی، باقر شریف، حیاة الإمام الحسین بن علی×: ج3، ص426.
[437] طه حسين، الفتنة الکبری: ج2، ص242.
[438] اُنظر: ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص237 ـ 238.
[439] اُنظر: ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ج1، ص415.
[440] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوی: ج3، ص410.
[441] صائب عبد الحميد، ابن تيمية (حياته وعقائده): ص382.
[442] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة: ج4، ص530.
[443] الخضري، محمد، تاريخ الأُمم الإسلامیة: ج2، ص235.
[444] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: هامش ص240.
[445] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص241.
[446] سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص260.
[447] ابن العربي، محمد بن عبد الله، العواصم من القواصم: ص235 ـ 247.
[448] اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج14، ص144.
[449] المصدر السابق: ج8، ص254.
[450] اُنظر: شعوط، إبراهیم علي، أباطيل يجب أن تُمحی من التاريخ: ص236.
[451] ردّ الکثير من علماء السنة علی ابن تيمية في تصانيفهم، منهم: ابن حجر الهيتمي (المتوفی 974هـ)، إذ قال عنه: «ابن تیمیة عبدٌ خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه، بذلك صرّح الأئمّة الذین بیّنوا فساد أحواله وکذب أقواله... والحاصل: أنّه لا یُقام لکلامه وزن، بل یُرمی فی کلّ وعرٍ وحَزن، ویعتقد فیه أنّه مبتدع، ضالٌّ مضلّ، غال، عامله الله بعدله، وأجارنا من مثل طریقته وعقیدته وفعله، آمین». ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد، الفتاوی الحدیثیة: ص86.
ولله درّ الشیخ صفی الدین الأرموی لمّا وصف ابن تیمیة وصفاً دقیقاً حینما قال: لا أراك یا بن تیمیة إلّا کالعصفور، حیث أردتُ أن أقبضه من مکان فرّ إلی مکانٍ آخر. (المترجم).
[452] الكوثري، محمد زاهد، تکملة السیف الصقيل: ص190 ـ 192.
[453] السبكي، علي بن عبد الكافي، الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية: ص 5.
[454] اُنظر: محمود إبراهيم، براءة يزيد من دم الحسين: ص1.
[455] محمد عنان، تاريخ الدولة الإسلامية في الأندلس: ج2، ص30 ـ 36.
[456] اُنظر: ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدّمة ابن خلدون: ص39.
[457] ابن بطوطة، محمد بن عبد الله، رحلة ابن بطوطة: ص95.
[458] الحصني، أبو بکر بن محمد، دفع الشبه عن الرسول والرسالة: ص85.
[459] الکوثري، محمد زاهد، تکملة السيف الصقيل: ص190 ـ 192.
[460] السبکي، علي بن عبد الكافي، الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية: ص 5.
[461] الکتبي، محمد بن شاکر، الفتاوی الحديثة: ص86.
[462] اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج3، ص53.
[463] اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج14، ص142 ـ 144.
[464] اُنظر: سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذكرة الخواص: ص250. ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج3، ص242. الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى: ص146. ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص190.
[465] اُنظر: سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذكرة الخواص: ص250. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب: ج2، ص300. الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد: ج9، ص187.
[466] الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج4، ص440. الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى: ص147.
[467] الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص323، ح3860.
[468] الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج4، ص49. الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد: ج1، ص152. الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير: ج3، ص110.
[469] اُنظر: الموصلي، عمر بن شجاع الدين، النعيم المقيم لعترة النباء العظيم: ص103.
[470] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص456.
[471] اُنظر: المصدر السابق.
[472] اُنظر: ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد، العقد الفريد: ج4، ص358. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص85.
[473] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص456.
[474] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص93، وص340.
[475] وفي هذا الصدد قال أبو الفرج الأصفهاني: «وکانت الشعراء لا تقدم علی رثاء الحسین مخافةً من بني أُميّة وخشيةً منهم». أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين: ص81. (المترجم).
[476] الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص467.
[477] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاریخ مدينة دمشق: ج16، ص180 ـ 181.
[478] ابو العباس المبرد، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة والأدب: ص21 ـ 22.
[479] شرف الدين الموصلي، عمر بن شجاع، مناقب آل محمد: ص104 ـ 105. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، تذکرة الخواص: ص267.
[480] المصدر السابق.
[481] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص326.
[482] اُنظر: المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج3، ص213. أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين: ص 108.
[483] الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين: ص126. القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة: ص356.
[484] اُنظر: الرازي القزويني، عبدالجليل، النقض: ج3، ص370.
[485] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاریخ الأُمم والملوك: ج5، ص465.
[486] اُنظر: الجاحظ، عمرو بن بحر، البيان والتبيين: ج1، ص179ـ 196.
[487] اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج11، ص279، 286، 296، 302، 359، 381.
[488] اُنظر: تقي الدين المقريزي، أحمد بن علي، الوعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار: ص314 ـ 318.
[489] اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج12، ص77.
[490] اُنظر: الرازي القزويني، عبدالجليل، النقض: ص371.
[491] المصدر السابق: ص114.
[492] نقلاً عن: الطباطبائي، عبد العزيز، معجم أعلام الشيعة: ص296.
[493] ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان الميزان: ج5، ص217. الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج6، ص215.
[494] الرازي القزويني، عبد الجليل، النقض: ص373 ـ 370.
(1) شبر، جواد، أدب الطف: ج4، ص23.
[496]البخارائي، عمعق، ديوان عمعق البخارائي (تصحیح سعيد النفيسي): ص81.
[497] الخاقاني الشيرواني، ديوان الخاقاني الشيروانی (تصحیح ضياء الدين سجادی): ص2.
[498] الفاريابي، ظهير الدين، ديوان ظهير الدين الفاريابی (تصحیح هاشم رضا): ص188، وص280.
[499] الطبسي، شمس الدين، ديوان شمس الدين الطبسی (تصحیح تقی بينش): ص134.
[500] إسماعيل، كمال الدين، ديوان کمال الدين إسماعيل (تصحیح بحر العلومي): ص628، وص639.
[501] البلخي، جلال الدين محمد، کليات ديوان شمس (تصحیح محمد العباسی): ص1017.
[502] الفرغاني، سيف الدين، ديوان سيف الدين الفرغانی (تصحیح ذبيح الله صفا): ص176 ـ 177.
[503] السمناني، علاء الدولة، ديوان علاء الدولة السمنانی (تصحیح عبد الرفيع حقيقت): ص27، وص281.
[504] الشوشتری، نور الله، مجالس المؤمنين: ج2، ص70.
[505]الکرمانی، خواجوي، ديوان خواجوی الكرماني (تصحیح أحمد سهيلی خوانساری): ص571 ـ 572
[506] نقلاً عن مجلة الحوزة، العدد 113 ـ 114.
[507] الخوسفي، محمد، ديوان محمد الخوسفی (تصحیح أحمد أحمدی بيرجندی، ومحمد تقی سالك): ص46، وص177، وص178.
[508] اُنظر: الرازي القزويني، عبدالجليل، النقض: ج3، ص370.
[509] الرازي القزويني، عبد الجليل، النقض: ص370.
[510] الرازي القزويني، عبد الجليل، النقض: ص370.
[511] الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج6، ص185. شبر، جواد، أدب الطف: ج4، ص333.
[512] ابن خلكان، أحمد بن محمد، وفيات الأعيان: ج1، ص360. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج4، ص272 ـ 273. شبر، جواد، أدب الطف: ج3، ص277.
[513] اُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج13، ص249.
[514] السبكي، عبد الوهاب بن علي، طبقات الشافعية: ج10، ص373، رقم1402. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج5، ص67. شبر، جواد، أدب الطف: ج4، ص197.
[515] إشارة إلى بيت أبي الحسن التهامي (المتوفى 416هـ):
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها * صفواً من الأقذاء والأكدارِ
[516] اُنظر: السمرقندي، عبدالرزاق، مطلع السعدين ومجمع البحرين: ج2، ص148. البلخي، خواندمير، حبيب السير: ج3، ص618.
[517] الكاشفي، حسين، روضة الشهداء: ص12 ـ13.
[518]الكاشفي، حسين، روضة الشهداء: ص12 ـ13.
[519] الشيبي، مصطفى، الصلة بين التشيّع والتصوّف: ص325 ـ 327.
[520] اُنظر: آغا بزرك الطهراني، محمد محسن، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج11، ص295.
[521] اُنظر: آغا بزرك الطهراني، محمد محسن، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج11، ص295.
[522] اُنظر: الواصفي محمود، بدائع الوقائع: ج3، ص267.
[523] اُنظر: الداودي، عبد المجيد الناصري، تشيّع وتصوّف (التشیّع والتصوّف): ص325 ـ 327. رسول جعفريان، مقالات تاريخي (مقالات تاريخية) (دفتر نخست): ص204.
[524] اُنظر: الصفوي، سام ميرزا، تحفه سامی (التحفة السامية): ص68.
[525] اُنظر: الأسفزاري، معين الدين زمجي، روضات الجنات في أوصاف مدينة هرات: ج2، ص328 ـ 330.
[526] الواصفي، محمود، بدائع الوقائع: ج2، ص247.
[527] الأسفزاري، معين الدين زمجي، روضات الجنات في أوصاف مدينة هرات: ج2، ص328 ـ 329.
[528] الشيبي، مصطفى كامل، الصلة بين التشيّع والتصوّف: ص325.
[529] البلخي، ميرخواند، روضة الصفا: ج6، ص79.
[530] اُنظر: ابن عرب شاه، أحمد بن محمد، عجائب المقدور في نوائب تيمور: ص133 ـ 137.
[531] اُنظر: ميشل المزاوي، پيدايش دولت صفوی (ظهورالدولة الصفویة): ص142.
[532] اُنظر: صفا، ذبيح الله، تاريخ أدبيات در إيران (تاریخ الأدب فی إیران): ج4، ص57.
[533] اُنظر: السمرقندي، عبد الرزاق، مطلع السعدين ومجمع البحرين: ج2، ص182 ـ 183.
[534] روملو، حسن بيك، أحسن التواريخ: ص146.
(2) آغا بزرك الطهراني، محمد محسن، الذريعة: ج11، ص295. استوري، أدبيات فارسي (الأدب الفارسي): ص903 ـ 911. ورسول جعفريان، مقالات تاريخي (مقالات تاریخیة) دفتر نخست (الکتاب الأوّل): ص187.
[536] اُنظر: أعلا خان أفصح زاده، لقاء خاص مع مجلة آشنا، السنة الخامسة، العدد (13) لسنة (1375ش): ص61 ـ 73.
[537] اُنظر: اُنظر: أعلا خان أفصح زاده، لقاء خاص مع مجلة آشنا، السنة الخامسة، العدد (13) لسنة (1375ش): ص61 ـ 73.
[538] اُنظر: استوري، أدبيات فارسي (الأدب الفارسي): ص912.
[539] اُنظر: حكمت، علي أصغر ، سرزمين هند (أرض الهند): ص252. مكرمي، مجتبى، نگاهی به تاریخ حيدر آباد (نظرة إلى تاريخ حيدر آباد): ص85. الشهرستاني، صالح، تاريخ النياحة (تحقيق نبيل رضا علوان): ج2، ص72 ـ 84.
[540] اُنظر: آزادگان، حسين رهبر (الحسين قائد الأحرار): ص59.
[541] اُنظر: نهرو، جواهر لعل ، نگاهی به تاريخ جهان (نظره إلى تاريخ العالم): ج1، ص298.
[542] اُنظر: مظلومي، رجب علي، حسين رهبر آزادگان (الحسین قائد الأحرار): ص60.
[543] اُنظر: اللاهوري، محمد إقبال، الأعمال الكاملة لمحمد إقبال اللاهوري: ص74 ـ 75.
[544] اُنظر: زيدی، أظهر حسن، عاشورا از نگاه أهل سنّت پاکستان: ص6.
[545] زيدی، أظهر حسن، عاشورا از نگاه أهل سنّت پاکستان: ص6.
[546] اُنظر: الشهرستاني، صالح، تاريخ النياحة: ج2، ص76 ـ 86.
[547] اُنظر: الشهرستاني، صالح، تاريخ النياحة: ج2، ص68 ـ 69.
[548] اُنظر: رجا، محمد سرور، إحياگر شيعة در أفغانستان (إحياء الشيعة في أفغانستان): ص158. المظفر، محمد حسين، تاريخ الشيعة: ص352.
[549] اُنظر: زميزم، سعيد رشيد، زوار الإمام الحسين×: ج1، ص63.
(1) اُنظر: رجا، محمد سرور، إحياگر شيعه در أفغانستان (إحياء الشيعة في أفغانستان): ص169 ـ 170. شريعت، جواد، سيماي فرزانكان (سيرة الحکماء): ص31. الشهرستاني، صالح، تاريخ النياحة: ج2، ص66.
[551] اُنظر: الشهرستاني، صالح، تاريخ النياحة: ج2، ص47.
[552] اُنظر: المرزجي، زهرا کدخدايی، إمام حسین ودیدگاه ها (الإمام الحسين والرؤى): ص138 ـ 150.
[553] المصدر السابق.
[554] شبر، جواد، أدب الطف: ج6، ص298 ـ 299.
[555] شبر، جواد، أدب الطف: ج7، ص125. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج3، ص271 ـ 272.
[556] شبر، جواد، أدب الطف: ج7، ص182.
[557] شبر، جواد، أدب الطف: ج10، ص270.
[558] شبر، جواد، أدب الطف: ج10، ص280.
[559] السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء: ص247.
[560] مجلة الهادي، العدد 2، سنة 1391هـ، نقلاً عن إمام حسین ودیدگاه ها (الإمام الحسين والرؤى): ص88.
[561] الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج10، ص363.
[562] العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص145.
[563] اُنظر: صفی زاده، فاروق، إمام حسین ودیدگاه ها (الإمام الحسين والرؤى): ص87.
[564] الطرزی، غلام محمد، کلّيات أشعار(عمومات الأشعار): ص632.
[565] وفي هذا الصدد یقول عبد الله العلايلي: «هناك واجبٌ علی الخليفة إذا تجاوزه وجب علی الأُمّة إسقاطه، ووجبت علی الناس الثورة عليه، وهو المبالغة باحترام القانون الذي يخضع له الناس عامّةً، وإلّا فأيّ تظاهر بخلافه يکون تلاعباً وعبثاً، ومن ثمّ وجب علی رجل القانون أن يکون أکثر تظاهراً باحترام القانون من أي شخصٍ آخر، وأکبر مسؤولية من هذه الناحية، فإذا فسق الملك ثمّ جاهر بفسقه وتحدّی الله ورسوله والمؤمنين لم يکن الخضوع له إلّا خضوعاً للفسق، وخضوعاً للفحشاء والمنکر، ولم يکن الاطمئنان إليه إلّا اطمئناناً للتلاعب والعبث والمعالنة الفاسقة، هذا هو المعنی التحليلي لقوله×: ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق». العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص125. (المترجم).
[566] اُنظر: رضا، محمد رشيد، تفسير المنار: ج1، ص367، وج12، ص183، وص185.
[567] خالد محمد خالد، أبناء الرسول في كربلاء: ص34.
[568] اُنظر: طه حسين، الفتنة الكبرى: ص236.
[569] المصدر السابق: ص226، وص241، وص245.
[570] أبو سعید، عبد الحفیظ، سبط الرسول: ص133.
[571] مغيلان: نوع من الشوك.
[572] عبد القهار عاصی، مشرق گل های فروزان (مشرق أزهار الحکم): ص9.
[573] اللاهوری، محمد إقبال، کلّیات أشعار (عمومات الأشعار): ص74 ـ 75.
[574] المصدر السابق.
[575] اللاهوری، محمد إقبال، کلّیات أشعار (عمومات الأشعار): ص74 ـ 75.
[576] اللاهوری، محمد إقبال، کلّیات أشعار (عمومات الأشعار): ص74 ـ 75.
[577] محمد عبد الباقی، الثائر الأوّل فی الإسلام: ص79.
[578] صبحی، أحمد محمود، نظریة الإمامة لدی الشیعة الاثنی عشریة: ص334.
[579] اُنظر: اللاهوری، محمد إقبال، کلّيات أشعار (عمومات الأشعار): ص74 ـ 75.
[580] عبد القهار العاصی، مشرق گل های فروزان (مشرق أزهار الحکم): ص9.
[581] نقلاً عن: اللاهوري، محمد إقبال، کلّيات أشعار (عمومات الأشعار): ص75.
شاه است حسين پادشاه است حسين دين است حسين، دين پناه است حسين سرداد، نداد دست در دست يزيد حقا كه بناى لا إله است حسين |
[582] اُنظر: العلايلي، عبد الله، سمو المعنی في سمو الذات: ص119.