العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
الحسين (عليه السلام) القربان الذي نعاه الإنجيل

الحسين (عليه السلام) القربان الذي نعاه الإنجيل

  • المؤلف: الدكتور الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي

  • الطبعة: الأولى

  • الناشر : مركز الدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

  • سنة الطبع: 1435هـ ـ 2014م

الإهداء

إلى التي خلقها الله من نورِ عظمتهِ، فأزهرت في كُلِّ العوالم، فانبهرَ من مقامِ قُدسها الملائكةُ المقرَّبون!، إلى مَن صارعت جيوشَ الظلامَ صابرةً محتسبةً، وكانت في المحنةِ وحيدةً فريدةً، مظلومةً مهظومةً، تَذُبُّ عن حياضِ قُدسِ الله المنيفةِ، حينَ جَدَّ الجدُّ، وقَلَّ الناصرُ والمعينُ، وأضحى الصِّدقُ والوصيَّةُ والأمانةُ خلفَ الأظهرِ!، فاكفهرَّ وجهُ الوجودِ، وغضبَ الربُّ الودودُ!. ورشحَ لنا من فيضِ قدسها الأعظم نورٌ مباركٌ، فعرفناها ببعضِ شؤونها الشريفةِ، إذ تبدَّت لنا بكرمها، ولكن بِقدرنا لا بِقَدرِها، فطهرنا بولايتها ومحبَّتها...، إلى سيِّدةِ النّساءِ في كُلِّ العوالمِ، إلى سَيِّدتي وَمَولاتي فاطمة الزهراء  صلى الله عليه وآله وسلم  بنت رسولِ الله محمد  صلى الله عليه وآله وسلم !، أُقَدِّمُ هذا الجُهد المُتَواضِع، آملاً رِضاكُم عنّي وعمَّن أهمَّني أمرهُ، فأنتم أهلٌ لكلِّ خيرٍ. يا أيَّتها العزيزةُ الطاهرة مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ وَتَصَدَّقِ عَلَيْنَا إِنَّ الله يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ.

 خادمُ خدامكم

مقدّمةٌ

 

بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ لله ربّ العالمين، وبهِ نستعينُ، وأفضلُ الصلاةِ وأتمُّ السلام على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين المظلومينَ، وعلى جميعِ الأنبياءِ والصديقين والشهداءِ والصاحينَ، ومن أحبَّهم ووالاهم ونصرهم وسارَ على نهجهم النيِّرِ من الأولينَ والآخرينَ، واللعنُ الدائمُ على أعدائهم أجمعين إلى قيامِ يومِ الدين، آمينَ ربَّ العالمين.

أمّا بعد: فإنَّ السبط المبارك الشهيد الإمام الحسين علیه السلام ، الذي ذُبحَ في الله عزَّ وجلَّ، عند أهلِ الحقِّ والصدقِ واليقينِ، من أنبياءٍ ورسلِ وأولياءٍ وصالحين، ومن تَبِعهم واغترفَ من معينهمُ الصافي، هو الأُنشودةُ والأُسوةُ، وسبب الحزن والشجى المعتلِقُ في حلوقهم الشريفةِ، وكانَ ولم يزل أنشودةَ التوراةِ والانجيلِ والزبورِ، فهو الذي سطَّر اسمَهُ ويومَهُ وانتصارَهُ الأنبياءُ والرُّسلُ علیهم السلام  في صُحفهم المباركةِ، بأحرفٍ من نورٍ، كانت ولا زالت غايةً في البهاءِ والجمالِ، وهو الذي أعظمهُ وأكبرهُ القرآنُ المجيدُ.

فالحسين علیه السلام ، هو البطلُ الإلهيِّ المذبوحُ، الذي بكتهُ التوراةُ بمرارةٍ وألمٍ بالغين!. والحسين علیه السلام ، هو القربانُ المقدَّسُ الذي نَعاهُ الإنجيلُ، بحزنٍ وأنينٍ وشجىً يقطّعُ القلوبَ، فبقيَ صدى حزنهِ وأساهُ يتردَّدُ في كلِّ الوجودِ!. وقد رَثتهُ الأسفارُ المقدَّسةُ بما يليقُ بشأنهِ العظيمِ عندَ الله تباركَ وتعالى. وكان بنفسي هوَ حُلُمَ الأنبياءِ والرُّسلِ علیهم السلام ، إذ كان أمَلاً، عاشَ معهم في كلِّ عصرٍ وزمانٍ، على مدى الأحقابِ والأزمانِ الطويلةِ التي عاشتها البشريَّةِ!.

وما كان لينتصرَ الأنبياءُ والرسلُ لولاهُ، وما قرَّت عيونهم إلّا بهِ وبيومهِ العظيم، وما استقامَ الدينُ الإلهيّ إلّا بما صنعهُ هذا المقدسُ المبارك، لأنَّهُ هوَ الفاتحُ الأعظمُ في كلِّ العوالمِ، الذي هزمَ الشركَ والنفاقَ والخسَّةَ والدَّناءَةَ الى أبدِ الآبدين!.

لقد استطاع بما وهبهُ الله تعالى، أن يملي إرادتهُ الإلهيةِ الجبارةِ على صفحات هذا الكون، بانتصارٍ عظيمٍ رغمَ أنوف الطغاةِ وحسدِ الحاسدين وبغي الظالمين!. اذ كانت الفترةُ التي عاشها الإمام الحسين علیه السلام  قد حفلت بأحداثٍ رهيبةٍ تغيَّر بها مجرى الحياة العقيدية ومعالم الدين الالهي الحنيف، وامتُحِنَ بها الموحدون أجمع، وخاصةً المسلمين امتحاناً عسيراً، وزلزلوا زلزالاً شديداً، فقد أثقلتهم الفتنُ والمصاعبُ، وجرَّعتْهم الخطوبُ والكوارثُ، كأساً مُرةً مُذلَّةً، وانحرفوا اثرَ ذلك انحرافاً خطيراً، ولكن كانت فيهم شريعةُ الله الخاتمةُ الوارثةُ وقائدها القرآنُ والعترةِ الطاهرةِ، إذ أراد منهم الله عزَّ وجلَّ أن يكونوا النواةَ المباركةِ للدولةِ الإلهيةِ البيضاء المنشودة للحقِّ والعدلِ والإنصافِ!.

ولكن في مثلِ هذهِ الأحوال سيضيعُ كلُّ شيءٍ إذا تحكَّمت دولةُ الشركِ والنفاق!، وفهمَ الأدنون والأبعدون بعدَ ذلكَ أنَّ دينَ الله الحنيفِ متمثِّلٌ بأولئكَ المجرمين الخطرين والقُساةِ القتلةِ، وهم الإنعكاسُ الأصيل لصفاتِ الله وأخلاقهِ في الأرض!، فيا لله ولتلكَ الصفات والأخلاقِ النتنةِ العفنةِ، ولو تأملنا!، كم هيَ خطرةٌ هذهِ المرحلةِ من حياةِ البشريَّةِ أجمع، إذ لا نبيَّ بعدَ الحبيبِ الخاتمِ  صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا شريعةَ بعدَ السهلةِ السمحةِ التي جاءَ بها، فيجب أن يُحدَّدَ ويُنصبَ كُلُّ شيءٍ منذُ البدايةِ وبكلِّ حزمٍ وحسمٍ!، فكانت وقفةُ الحسين السبط علیه السلام !، وكان أعلمُ منّا، ومن الأُمةِ جميعاً، فيما أرادهُ الله منهُ، ومضى إليهِ بنفسهِ وعُشاقهِ دَؤوباً مثابراً، وكانَ أدرى بما سطَّرهُ الله عنهُ في كتبهِ المقدَّسةِ التي أنزلها، وكيف حكى عنهُ، والحسينُ علیه السلام  هو العالمُ بالعلمِ الحضوريِّ والفاهمُ الفطنُ الأول من ذلكَ كلهِ!، ولما ينبغي أن يُصنعَ لنصرةِ الله العظيمِ وكتبهِ المقدَّسةِ وأنبيائهِ وأوليائهِ علیهم السلام !، فكان يومُ الحسين علیه السلام  الربانيّ المقدَّس!.

ولم تعرف البشريّة قطُّ من القيمِ الإنسانيةِ، مثلَ ما ظهرَ من الإمام علیه السلام  في كربلاء وأصحابهِ المجاهدينَ الميامين، فقد ظهر منه الإيمانُ بأعظمِ صورهِ، والحبُّ بأتمِّهِ، والصمودُ بأصلبهِ، والرضا بقضاء الله تعالى بأروعِ حالاتهِ، والتسليم لأمرهِ، ما لم يشهدهُ البشرُ في جميع مراحل حياتهم الطويلة، فرفعَ بذلك لواءَ الله عالياً، وظلَّ خفاقاً إلى الأبد، وترجمَ ذلك بقولهِ لأهلِ بيتهِ وعيالهِ وأنصارهِ: «صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهلَ بيتي، لا رأيتم هواناً بعدَ هذا اليوم أبداً([1])، لله درّكَ ما أروعكَ وأعظمك!، فهذهِ حقيقةٌ قد عهدَها معَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ!.

وللوقوفِ على شيءٍ من ذلك، وجبَ علينا أن نمضي سويَّةً جنباً إلى جنبٍ، ونتوغَّلَ برفقٍ، ونُبحِرَ قليلاً وبلطفٍ، متأمِّلينَ في الموروث الديني السماوي العالمي المتداول اليوم عند عمومِ البشرِ، ذلكَ لأنَّهُ وحي الله العظيم، أو بقايا وحيهِ المنير، الذي أرادهُ عزَّ وجلَّ وقنَّنهُ لانتشالِ البشرِيَّةِ من الحضيضِ الذي أوقعوا أنفسهم فيهِ، جرّاء تجرُّئهم على بارئهم وموجدهم من العدم، فهلاّ أعطينا النصفَ من أنفسنا، لنكونَ بذلكَ أسعد!، ولنعرفَ ما يريدهُ الباريء في كُتُبهِ المقدَّسةِ المباركةِ، وكيف حكى عن عبدِهِ وحبيبهِ الفريدِ من نوعهِ، وكيفَ رَسمَ وأبانَ لجميعِ العوالمِ صورةَ ذلكَ المتَيَّم الأبدي، التي تُبهرُ العقولَ، وتحارُ فيها الألبابُ...!.

ولكن هل لدينا الشجاعةَ الكافية في تحمُّلِ ذلك إن وقفنا عليهِ، وهل باستطاعتنا أن نرمي متحجراتنا الذهنيَّة بعيداً عن هذا الألقِ العظيم!؟، ذلك ما نتمنّاهُ ونأملُهُ بمنِّ الله ولطفهِ وعونهِ، إنَّهُ رؤوفٌ رحيم.

وآخرُ دعوانا، أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلِّ يا ربيِّ وسلِّم وزد وبارك وترحَّم وتحنَّن على محمدٍ وآلِ محمدٍ الطيبيينَ الطاهرين، ولا تفرِّق بيننا وبينهم أبداً، انكّ أنتَ السميعُ المجيبُ!.

الفصل الأول

 نظرةٌ في الإنجيل

نظرةٌ في الإنجيل

الإنجيلُ، هو آخرُ كتابٍ سماويٍّ مبارك نزَلَ قبلَ القرآن العظيم على روحِ الله عيسى بنِ مريم علیه السلام ، ولهذا الكتابِ الشريف خصائصٌ مميَّزةٌ ومهمَّةٌ، ورغمَ كلّ ما جرى عليهِ طوالَ هذهِ المدة، فهيَ باقيةٌ نيِّرةٌ إلى يومنا هذا، ولعلَّ من أبرزها أنَّهُ كانَ الممهِّدُ لنـزولِ القرانِ الكريم، لذا فقد حملَ في نصوصهِ بشاراتٍ جليّةٍ، وشوقاً عارماً، لظهورِ الخلافةِ الإلهيةِ العظمى المتمثلةِ بمحمدٍ وآلِ محمدٍ علیهم السلام ، وقد تضمَّنت مواضعُ كثيرةٌ منهُ بياناً عجيباً لأحداثٍ وحقائق وقعت في عوالمٍ ـ حقيقيَّةٍ لا وهميَّةٍ كما ربما يتوهَّمُ البعض ـ ، قبلَ الدنيا ـ كعالمِ الذرِّ وغيرهِ ـ وفي عالمِ الدنيا وهو عالمُ الإمتحان والإبتلاءِ والإختبارِ، وما بعدَ هذهِ الدنيا، بدءً من البرزخ ومروراً بالعوالم الأُخرى!.

لذا فهو بحقٍّ، حلقةُ وصلٍ مهمَّةٍ، بيننا وبين كلِّ الأنبياء والرسل علیهم السلام  الذينَ جاءوا إلى الدنيا قبلَ النبيَّ الأعظم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم !.

ومن أهميتهِ وجمالهِ أيضاً، أنّهُ تضمَّنَ علامات ظهورِ المصلحِ في آخرِ الزمان، وهوَ المخلِّصُ، والفرج الأعظم على يديهِ وبشَّرَ بهِ مراراً وتكراراً، وقد قرأ عزاءَ الحُسين السبط علیه السلام ، ونعاهُ بشكلٍ شجيٍّ مفجعٍ بعدّةِ طرقٍ ومناسباتٍ وأساليبَ مختلفةٍ!. وتناولَ مقامات الحسين علیه السلام  في كلِّ العوالم، وقربهِ من الله تعالى والحبِّ المتبادل بينهما، وبيَّنَ ملحمةَ العشقِ الإلهي التي سطَّرها الإمامُ الحسين علیه السلام ، بأجملِ وأروعِ صورها!، كما وذكر الشجرةَ المباركة وأثنى عليها وصلىّ عليها، وذمَّ الشجرةَ الخبيثةَ وأوضحَ خطرها وزيفها وعدائها للحقِّ تعالى.

 كما ونصَّ على الأئمةِ المباركون الإثني عشر الذين أصلهم من ذريَّةِ اسماعيل بن ابراهيم الخليل علیه السلام  وهم الأقمارُ والكواكبُ والأنوارُ المباركةِ، وأوضحَ عظمَ شأنهم!.

كما وشرحَ حالَ الشهداءِ عندَ ربهم ومنزلتهم عندهُ وحبَّهُ لهم، وكيفيَّة دركِ ثأرهم بواسطةِ المنقذِ المخلِّص وأصحابهِ الميامين...وما إلى ذلك!، والكثير الكثير من الصورِ الرائعة في مختلفِ شؤونِ الوجود، والدروس العقائديَّةِ الشريفة، والتي سنمرُّ على شيءٍ منها في بحثنا هذا، إن شاءَ الله تعالى.

ولأهميَّتهِ ومقامهِ المميَّز في الكتاب المقدَّس(العهدين) المتداول بين الأيدي اليوم، وجبَ علينا الوقوف حسب المقدورِ على حقيقةِ الكتابِ المقدّس ـ وبما فيه الإنجيل ـ ودراستهِ وابداء ما يستحقُّهُ من قيمةٍ دينيَّةٍ وعلميةٍ وتأريخيةٍ وأخلاقيَّةٍ واجتماعيةٍ وتربويَّةٍ وغيبيَّةٍ...الخ!.

فلابدَّ لنا إذاً، من التعريفِ بهِ أوَّلاً، وتقييمهِ تقييماً علميَّاً حديثاً ثانياً، بعيداً عن الكثير من المرتكزات العقليَّة والذهنيَّة والنقليَّةِ الخاطئة التي ليس لها حظٌّ من الحقِّ والمنطقِ والوجدانِ، والتي أُبتُليَت بها جميعُ ديانات العالم تجاه هذه الأسفار المقدَّسة!، فنقول بحول الله تعالى وقوَّتهِ:

أوَّلاً: التعريفُ بالكتاب المقدّس:

 إنّ الكتاب المقدّس ـ كما يعتقد المسيحيون ـ هو مجموع الكتب الموحاة من الله عزَّ وجلَّ، والمتعلّقة بخلق العالم، وتاريخ معاملة الله لشعبه حسبَ تعبيرهم، وكذلك مجموع النبوءات عمّا سيكون حتّى المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع بني البشر في كلّ الأزمنة. وفي الكتاب المقدّس جميع أنواع الكتابة من نثر وشعر، وتاريخ وقصص، وحكم وأدب، وتعليم وفلسفة وأمثال وإنذار([2]).

 ويبلغ عدد الكتّاب (الملهمين) الذين كتبوا الكتاب المقدّس أربعين كاتباً، وهم من جميع الطبقات، فبينهم الرّاعي والصيّاد وجابي الضرائب والقائد والنبي والسياسي والملك و...الخ!.

 وقد إستغرقت مدة تدوينِ الكتاب المقدّس ألفاً وستمائة سنة، وكان جميع هؤلاء الكتّاب من الامّة اليهودية، ماعدا (لوقا) كاتب الإنجيل، الذي دعي باسمهِ إذ يظن أنه كان أممياً من أنطاكيا.

 والنسخ الأصليّة للكتاب المقدس ليست موجودة الآن!، بل كل ما هو موجود هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ويعتقد المسيحيّون كذلك أنّ الكتاب المقدّس ـ باعتباره أصلُ الإيمانِ المسيحي ومصدره ـ خالٍ من الأخطاء والزلل، وفيه كل ما يختص بالإيمان والحياة الروحية، وأنه كلمة الله، وقاعدة الإيمان والحياة العمليّة لجميع البشر([3]).

 وينقسم الكتاب المقدس الى عهدين: وهما، العهد القديم، والعهد الجديد. ولذا سنعطي نبذةً مختصرةً عن كلّ واحدٍ من هذين العهدين بشكل مستقلٍ، ولأنّ المسيحيين يعتقدون بأنّ العهد القديم كان تمهيداً للعهد الجديد، وأنّ العهد الجديد، هو المتمِّم لهُ، فهو أكثر أهميّةً من العهد القديم!، لذا فإننا سنعطيه مجالاً أوسع من صاحبه إتماماً للفائدةِ، بعونِ الله تعالى([4]).

1: العهدُ القديمُ

 كُتِبَ أكثرُ العهد القديم باللغة العبرانيّة، وقد وجدت بعض الفصول بالاراميّة، وهي لغةٌ شبيهةٌ بالعبرانيّة، والعهد القديم الموجود بين أيدينا مأخوذ من النسخة الماسورية التي أعدتها جماعة من علماء اليهوديّة في طبرية من القرن السادس الى الثاني عشر للميلاد([5]).

ويتألّف العهد القديم من (39) سفراً أو (43 ـ 44) سفراً حسب الكنيسة بإضافة أسفار أو أجزاء أسفار وصفت (بالقانونيّة ـ اللاحقة)... وقد قسّم اليهود أسفار العهد القديم إلى ثلاثة أقسام وهي: (التوراة أو الناموس)، و(ألأنبياء، وهم الأولون والمتأخّرون)، و(الكتب). وذلك في إجتماع لمعلّمي الشريعة من مختلف البلدان في فلسطين سنة 90 (ب.م)([6]). وأما ترتيبها فهي كالآتي:

التوراة أو الناموس:

وهي أسفار موسى علیه السلام  الخمسة وهي: (تك): لسفر التكوين: وهو الأول من التوراة ويسمّى أيضاً بسفر (الخليفة) بمقتضى تسمية الترجمة السبعينيّة، ويسمّى بالعبرانية (جرنشيت). و(خر): لسفر الخروج وهو الثاني بتسمية السبعينية، وفي العبرانيّة يسمى(واله شموت). و(لا): لسفر اللاويين، وهو الثالث بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (ويقرا). و(عد): لسفر العدد، وهو الرابع بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (ويدبر). و(تث): لسفر التثنية: وهو الخامس بتسمية السبعينية، وفي العبرانية يسمّى (اله) ويسمّى أيضاً دباريم.

وأمّا بقيّة الأسفار، فهي:

 (يش): لسفر يشوع النبي. و(قض): لسفر القضاة. و(را): لكتاب راعوث. و(1، اصم): لسفر صموئيل الأول. و(2، اصم): لسفر صموئيل الثاني. و(1، مل): لتاريخ الملوك الأول. و(2، مل): لتاريخ الملوك الثاني. و(1 أي): لتاريخ الأيام الأولى. و(2 أي): لتاريخ الأيام الثاني. و(عز): لكتاب عزرا. و(نح): لكتاب نحيا. و(اس): لكتاب استير. و(أي): لكتاب أيوب. و(مز): لمزامير داود أي الزبور. و(ام): لأمثال سليمان. و(جا): لكتاب الجامعة المنسوب لسليمان. و(نش): لنشيد الانشاد. و(اش): لكتاب أشعيا. و(ار): لكتاب أرميا. و(حرا): لمرائي أرميا. و(حز): لكتاب حزقيال. و(دا): لكتاب دانيال. و(هو): لكتاب هوشع. و(يوء): لكتاب يوئيل. و(عا): لكتاب عاموس. و(عو): لكتاب عوبديا. و(يون): لكتاب يونان أي يونس بن متى. و(مي): لكتاب ميخا. و(نا): لكتاب ناحوم. و(حب): لكتاب حبقوق. و(صف): لكتاب صنفينا. و(حج): لكتاب حجي. و(زك): لكتاب زكريا. و(مل): لكتاب ملاخي. ولهذه الكتب في النسخ العبرانيّة ترتيب آخر من حيث التقديم والتأخير([7]).

 وأمّا الأسفار (القانونية ـ اللاحقة) فهي: سفر طوبيا. وسفر يهوديت. وسفر نبوءة باروك. وسفر المكابين.([8])

والكنيسة تعتبر أسفار العهد القديم أسفار قد دوّنت بإلهام روح القدس، وعلى هذا فهي تقبله في عداد الكتب المقدسة، مع إنّ هناك إختلافاً بين العهد القديم عند اليهود والذي قبلته الكنيسة، ويعود هذا الإختلاف، الى إختلاف اللاهوتيين اليهود أنفسهم، فالبعض يصرّحون في الواقع أنّ الروح (أي روح الله الذي يوحي) لم ينـزل على أحد منذ غياب الأنبياء المتأخرين مثل: حجي وزكريا وملاخي، وبعض الفئات الأخرى من اليهود (الأسانيين في قمران، واليهود المتشتتين في المعمورة) تمسكوا بإستمرارية الوحي!.

 والكنيسة تمسكت بدورها بهذه الإستمرارية مستندة في ذلك الى شهادة المسيح علیه السلام والرسل. وأيضا تتمسك بالترجمة (السبعينيّة)([9]) وهي (ترجمة يهود الإسكندرية للعهد القديم الى اللغة اليونانية ويعتبرونها كتابهم الخاص) لنفس السبب([10]). واعتقاد أرباب الكنيسة بأنّ العهد القديم كتاب سماوي وموحى يستندون فيه الى إستشهاد المسيح علیه السلام  والرسل بالعهد القديم فهم كانوا يعتبرونه كتاباً ملهماً، روحياً، الهياً والإستشهاد به دليل على ذلك([11]).

 ويتّضح من هذه المقدمة أنّ أسفار العهد القديم قد ظهرت للوجود تدريجيّاً ولمدة حوالي خمسة عشر قرناً لتؤلّف لنا العهد القديم، وأنّ المسيحيين يرون أنّ هذا العهد كلّه كان تمهيداً وبشارة بمجيء يسوع المسيح علیه السلام  ويستشهدون بنبوءات كثيرة جاءت فيه وتحققت هذه النبوءات في المسيح علیه السلام . وفي الحقيقة فإنّي لست في صدد البحث في العهد القديم وتأريخه بشكل مفصّل هنا، ولكن لابدّ من الإشارة الى بعض النقاط المهمّة التي أوقفتني من خلال الدراسة والتمعّنِ والتحقيق فيه، ومنها:

 1: انّ هذه الأسفار(المقدسة)، قد كتبت خلال فترة خمسة عشر قرناً تقريباً أو أكثر، ومعظم النصوص الأصلية أو كلها مفقودة الآن، إضافة الى هذا فإنّ الكثير منها لايعرف مؤلفوها فهي مجهولة ولا من هو ناسخها ومتى كتبت، والنسخ المتوفرة مأخوذة عن نسخ أصلية كما يعتقد في أحسن الأحوال، فهل يمكن القول بأنّ الناسخ لهذه الكتب الجديدة لم يخطيء، ولاسيما عند القول بأن هذه الكتب مترجمة من اللغة العبرية الى اللغات الاخرى!؟. وهل هذه الترجمة ـ كما يعتقد اليهود في الترجمة السبعينية ـ أنما تمّت بوحي من الله تعالى؟، ولهذا أعتقد أنّ هذه الكتب والأسفار التي بين أيدينا الآن من العهد القديم لا يمكن الإعتماد عليها بشكل قاطع ويقيني ولايمكن الإطمئنان من إنها لم تتسرب اليها الأخطاء اذ ينقل في قاموس الكتاب المقدس مانصّه: (وكلّ ما وصل الينا هو نسخ مأخوذة عن ذلك الأصل. ومع أن النساخ قد اعتنوا بهذه النسخ إعتناءاً عظيماً فقد كان لابدّ من تسرّب بعض السهوات الإملائية الطفيفة جدّاً اليها)([12]). فعلى أقلّ تقدير هناك شكّ في أن هذد النسخ الموجودة هي نفس النسخ الأصلية، ولذا نرى الإختلافات القائمة بين علماء الكتاب المقدس حول هذه الأسفار!.

 2: نحن بإعتبارنا مؤمنون بالله ورسالاته وعلى إختلاف المذاهب والأديان نعتقد بأنّ الأنبياء الإلهيين هم من أفضل البشر، وقد قادوهم نحو مراتب الرقيِّ والكمال، ولهذا نستطيع القول بأنّهم صالحون مخلصون، وعلى الأقل معصومون من الذنوب والخطايا التشريعية كما عليهِ البعض، وعند الإنصاف والحق فهم معصومون بالعصمةِ المطلقةِ وهي متفاوتةٌ عندهم بسبب التفاضل فيما بينهم في المقامِ والدرجةِ، وقولهم وفعلهم وتقريرهم حجةٌ على الخلق!. ولكننا للأسف نجد في هذه الأسفار، وفي مواضع كثيرة نسبة هذه المعاصي والخطايا الكبيرة لهؤلاء الأنبياء العظام، كشربهم للخمر والزنا بالمحارم وغير ذلك من الأمور التي يأبى كل مؤمن شريف التفكير بها فضلاً عن مزاولتها!، ومن أراد التوسّع فليطالع العهد القديم([13])، ليقف بنفسهِ على شيءٍ من ذلك.

3: ومن المسائل التي يمكن ذكرها أيضاً كثرة التناقضات الموجودة فيها، ففي القصة الواحدة مثلاً نرى أنّ بعض الأسفار تخالف الأسفار الاخرى، بل نجد في السفر الواحد بعض التناقضات...!([14]).

وكلّ ما تقدّم، يقودنا الى القول بأن هناك تدخّلاً كبيراً للبشر في هذه الأسفار، ويستحيل قبولها على أنّها وحي الهيّ([15]).

4: ومن المسائل المهمةِ أيضاً: أنَّ الكتاب المقدس، ربما كان بريئاً من كلِّ تلكَ الأمور التي لا يقرُّها الشرع المقدَّس!، وذلك بسبب آفات الترجمةِ وآفات التفسير وخلطهما بالأصل، وكذا اختلاط بعض الشروحات والإشارات في سطورِ الآيات، وهو ما نبيِّنهُ لاحقاً انشاء الله تعالى.

2 ـ العهدُ الجديدُ:

 وهو القسم الثاني من الكتاب المقدّس، ويحتوي على كتابات تعود الى النصف الثاني من القرن الأوّل المسيحي، ودوّنت هذه الكتابات باللغة اليونانية التي كانت شائعة آنذاك في حوض البحر الأبيض المتوسّط([16]). ويوجد هناك قسمان من النسخ للعهد الجديد([17]):

أولاً: النسخ الأسفينية:

 وهي المدوّنة بحروف كبيرة، فحروفها مفردة لاتقطّع فيها تقريبا، وفي أعمدة متساوية العرض، وفي كلّ صحيفة يوجد من عامود الى اربعة عواميد، وهذه نسخ مكتوبة في رقوق على هيئة كتب، وإنّ أحدث النسخ اللأسفينيّة كتبت في القرن العاشر الميلادي، وأقدم النسخ من بعض أسفار العهد الجديد وجدت مكتوبة على البردي وترجع الى القرنين الثاني والثالث الميلاديين مثل بردي بودمر وغيره. أما أمّ النسخ الكاملة من العهد الجديد بجملته فهي النسخة السينائية والنسخة الفاتيكانية، وقد كتبتا في القرن الرابع الميلادي، وهناك أيضا النسخة الإسكندرانية التي كتبت في القرن الخامس الميلادي.

 ثانيا: النسخ الجرارة:

 وهي التي كتبت بالخط الإعتيادي، اذ أخذ النسّاخ منذ القرن الحادي عشر يكتبون على ورق مصنوع من القطن والكتان. ولقد حاول علماء الكتاب المقدّس وضع نص موحّد للعهد الجديد تتفق عليه كلّ الكنائس المسيحيّة ويكون الأقرب الى النصّ الأصلي، ولكن لايزال يدور الى اليوم جدل حول صحّة بعض القراءات للعهد الجديد والتشكيك قائم الى يومنا هذا لبعض أسفار العهد الجديد وقانونيّتها. والظاهر أنّ العهد الجديد هو الآخر إستقى كتّابه معلوماتهم من التعاليم الشفاهيّة، وكتب كلّ واحد منهم ماوصل اليه من هذه التقاليد الشفهوية في كتب، وكانت هذه الكتب في بداية القرن الثاني الميلادي تتجاوز المائة، وقد حاولت الكنيسة جمع ماتراه مناسباً لتعاليمها ووضعته في كتاب واحد هو العهد الجديد. ورفضت الكثير من الكتب الأخرى التي كان البعض منها يحتوي على جزئيّات أكثر عن حياة السيد المسيح علیه السلام  مما ذكره كتّاب الأناجيل الأربعة ولكنها رفضته واعتبرت تلك الكتب أناجيل منحولة لا اعتبار لها.

وقد عقدت مجامع كنسيّة كثيرة لوضع لائحة للأسفار المقدّسة للعهد الجديد، فقد أمر مجمع لادوكية (363 ب.م) ومجمع هيبون (393 ب.م) ومجمع قرطاجة (397 ب.م) بوضع لائحة لأسفار العهد الجديد مماثلة الى حدٍّ كبير للعهد الجديد الذي بين أيدينا اليوم.

الاناجيلُ الاربعة:

 وأما السؤال عن الدلائل على كيفية جمع هذه الكتب فقط لتكون كتاباً واحداً دون غيرها؟، فيجيب آباء الكنيسة على ذلك: أن بشائر الاربعة كانت وحدها قيد الاستعمال الرسمي، ويؤكد ذلك ما ذكره ايريناوس عن «الاناجيل الاربعة وهو من آباء الكنيسة الاولين، وأيدترتوليان وآباء آخرون في زمانه صحة هذا الأمر ففي نهاية القرن الثاني كانت البشائر الاربعة (الاناجيل) واعمال الرسل (كتباً مقبولة) بلا جدل، كذلك لقيت رسائل بولس في هذا الوقت ما لاقَتهُ الاناجيل الاربعة من اعتبار، وهناك دلائل اخرى على قبول رسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الاُولى، اما باقي كتب العهد الجديد فالدلائل على قبولها قليلة، وفي الواقع أن تاريخ جمع كتب العهد الجديد في كتاب واحد قانوني في القرنين الثالث والرابع الميلادي يدور حول مقام هذه الكتب الباقية، فأن اختيار الكتب «المصادق عليها تأثر إلى حدٍّ كبير بملائمة هذه الكتب للقراءة الجهارية في الكنائس([18]).

 وهنا أيضاً نكتة يجب الالتفات إليها، وهي أن اسفار العهد الجديد وحتى نهاية القرن الثاني لم يكن أحد يتكلم بجلاء وصراحة عن الالهام فيها، حتى آباء الكنيسة، بل الكنيسة كانت في القرن الثاني تعتبر العهد القديم فقط كتاباً مقدساً بالدرجة الاُولى، وكانت تسمية العهد الجديد ذاتها لم تكن قد ولدت بعد، بل كان لا بد من انتظار عدة قرون قبل أن نسمع عبارة «الكتاب المقدس الملهم التي نعت بها العهد الجديد([19]).

 وأما لماذا اختارت الكنيسة هذهِ الكتب دون غيرها، فالجواب هو «أن هذه الكتب تعطينا بشكل أفضل ما كانت تؤمن به الكنيسة الاُولى، فانها توضح الايمان الرسولي، أي ان اعتقاد الكنيسة هو أن هذه الكتب تمثل العصر الرسولي، فالواضح أن الكنيسة في القرن الرابع هي التي فتحت ميزة الالهام لهذه الكتب، ولكن علماء المسيحية يرفضون هذا القول ويؤكدون: «أن الكنيسة لم تمنح صفة الالهام لهذه الاسفار (العهد الجديد) بل أن محتوى هذه الاسفار ذاته هو الذي دفع بالكنيسة لتميزها عن الكتب الاخرى([20]).

 وقبل الخوض في البحث عن اسفار العهد الجديد أودُّ الإشارة إلى مسألة الاخرى وهي أن المسيح علیه السلام  لم يكتب شيئاً ابداً حسب ما تدعيه الكنيسة، بل ولم يأمر أحداً من تلاميذه بتدوين اقواله واعماله، ولكن بعد رفعه إلى السماء ولأسباب عديدة تذكرها الكنيسة([21])، بدء المسيحيون الاوائل بكتابة مستندات وكتب ورسائل تشير إلى حياة المسيح وتعاليمه، وكان ذلك بعد منتصف القرن الاول للميلاد. وهي بهذا الادعاء تريد التأكيد على أنه لم يكن هناك في زمن المسيح علیه السلام  أو حتى بعد رفعه كتاب خاص به يسمى بالانجيل، بل كانت تعاليمه علیه السلام  كلها شفاهية ولم تدون ابداً، خلاف ما يدعيه الإسلام والقرآن...!.

هل الإنجيلُ موجودٌ في الأناجيل؟:

 هناك مقولة للمسيحيين تقول: أن الانجيل موجود في الاناجيل، أي أن انجيل يسوع له أربع روايات، وسمي كل واحد من كتّاب هذه الروايات إنجيلياً وبالعربية البشير أي مدون الانجيل أو البشارة. وأما كلمة انجيل فقد استعمل المسيحيون منذ ظهور الدين المسيحي كلمة «انجيل وهي كلمة يونانية تلفظ «ايوانجيليون وهي اسم جنس واستعملت بمعنى البشرى أو البشارة أي الخبر السار المفرح، وأما عند استعمالها في المسيحية والعهد الجديد تعني بشارة الخلاص التي حملها يسوع المسيح إلى الناس أجمعين([22]).

 والظاهر، أن الأناجيل الاربعة قد رأت النور في القرن الاول للميلاد، وقد كتبت في فترات مختلفة، فمثلا المشهور أن مرقس دون انجيلهُ نحو سنة 67، ومتى ولوقا بين 80 ـ 90 وربما قبل ذلك، ويوحنا قبل نهاية القرن الاول، وأما رسائل بولس فهي أقدم من الأناجيل كما هو معروف في التقليد المسيحي، وسفر اعمال الرسل والرسائل العامة الاخرى التي تشكل أسفار العهد الجديد كتبت جميعها قبل نهاية القرن الاول الميلادي، وأسماءها حسب الترتيب الموجود بين ايدينا في جميع نسخ العهد الجديد وهي تشكل (27) سفراً، هي كالتالي:

 1: انجيل متى، 2: انجيل مرقس، 3: انجيل لوقا، 4: انجيل يوحنا، 5: اعمال الرسل، 6: رسائل بولس، وهي ثلاث عشر رسالة: (رومة،كورنيشوس الاُولى، كورنيشوس الثانية، غلاطية، أفسس، فيليبي، كولوسي، تسالونيكي الاُولى، تسالونيكي الثانية، تيموثاوس الاُولى، تيموثاوس الثانية، تيطس، فيلمون)، الرسالة إلى العبرانيين، الرسائل العامة وهي سبعة: (رسالة يعقوب، رسالة بطرس الاُولى، رسالة بطرس الثانية، رسالة يوحنا الاُولى، رسالة يوحنا الثانية، رسالة يوحنا الثالثة، رسالة يهوذا)، رؤيا يوحنا.([23])

 وقد سميت الأناجيل الثلاثة الاُولى بـ«الأناجيل المتشابهة، والعلاقة بين الأناجيل المتشابهة النظرة مسألة حيَّرت العلماء لأجيالٍ عديدةٍ، فقد اعتبر الكثير من العلماء أن المصدر لهذه الأناجيل الثلاثة هو مستند واحد، وهذه الأناجيل تختلف كثيراً عن الانجيل الرابع (انجيل يوحنا)، وليس من السهل مقارنة انجيل يوحنا مع الأناجيل المتشابهة النظرة، وقد قال بعضهم أن يسوع في يوحنا يختلف كثيراً عن يسوع في الأناجيل الاخرى([24]).

المعيارُ العلميُّ لتقييمِ الأسفارِ المقدَّسة

 وهنا لابدَّ لنا من استخدامِ معيارٍ علميٍّ دقيقٍ لكشفِ اللثامِ عن هذهِ المعضلةِ العصيبةِ، لعلَّنا نستطيع قولَ كلمةِ حقٍّ وإنصافٍ في الأسفارِ المقدَّسةِ يرتضيها الجميع لأنَّها حقٌّ وصدقٌ، وبعدُ لابُدَّ من بيان بعض أهمِّ المسبِّبات التي أدَّت الى الضرَرِ بالعهدين!، ونبذها ومعاداتها من قبلِ البعض!، ألا وهي آفاتُ الترجمة والتفسير والشروح وما يرتبطُ بها، وومن ثَمَّ نُبدي شيئاً من الفروقات بين مترجمي الأسفارِ المقدَّسة ومُفسِّريها وشُرّاحها، فنقولُ وبالله التوفيق ومنهُ نستمدُّ العَون:

نظرةٌ موضوعيَّةٌ لإنصافِ الأسفارِ

بعد هذهِ الرحلةِ في التعرُّفِ على الكتاب المقدّس، وقد اطّلعنا فيها عن قربٍ على عهديه (القديم والجديد)، وأحطنا بما طَرَأَ عليهما خلال هذه المدّة الطويلة من الزّمن!، وكذا عدم توثيقهما علميّاً على إطلاقهما([25]) لدى الأعمِ الأغلبِ من العلماء والباحثين، وكثرة الجدل الدائر حولهما وما إلى ذلك...!.

ولكن تبقى هناك أسئلةٌ علميَّةٌ مهمّةٌ في البينِ، وهي نورٌ ربّانيٌّ لكلِّ شريفٍ إنِ استحكمَ الأبالسةُ والشياطين، وأمعنوا في طمسِ الحقائقِ الإلهيَّةِ المقدَّسةِ!، وهذهِ الأسئلةُ تطرحُ نفسها بجدارةٍ وقوةٍ وجديَّةٍ أمامَ سُلاّكِ الدربِ الربّاني المنير، ولابدَّ من الإجابة عليها، والتمعُّن فيها، لعلَّنا نستطيع أن نقدَح تلك الحقائق في أذهاننا، فنقفَ عليها، وتعرفها أنفسنا، وهي كما يلي على التوالي:

 مامعنى أن نَجدَ ـ من خلال البحث والتدقيق بل وحتى في المطالعة العابرة ـ مايوافقُ القرآن الكريم والسّنة النبويّة المطهّرة، كما في: (بعض النصوص، أو بعض الفقرات في النصوص) الواردة في أسفار الكتاب المقدس، سواء في العهد القديم أو الجديد!؟.

 ألا يَدلُّ ذلك على أنّ هناكَ بعضَ النصوص، أوبعضَ الفقرات في تلك النصوص([26]) على أقلّ التقديرات، قد وردت بالتواتر مثلاً، وإن نُقلت شفاهاً أوبالمعنى أو تُرجمت... وما إلى ذلك؟.

 ألا يدلّ ذلك على أنّ من بين من قاموا بحفظها وكتابتها كانوا رجالاً صالحين مؤمنين، حفظوا الأمانة الدينيَّة والعلمية ورعوها في عهدهم ولو لفترات معيّنة ليست بطويلة نسبيّاً، ولكن حفظت لنا بعض الحقّ والصّدق الذي ما زالَ يلمعُ نيّراً مشرقاً في العهدين، بل وما أكثر ذلك الحقّ والصدق، لو أمعنّا النظر!؟.

ثُمَّ ما معنى أن يحكُمَ علماءُ الإسلام الربانييّنَ، بوجوب أخذ الكتب السماوية من يد الكافر، لأنها تشتملُ على أسماء الله، وأسماء الانبياء علیهم السلام ، وعلى أحكامه سبحانه، وقالوا بعدم كونها مفتعلةً بأسرها...الخ، وهذا ما أشارَ اليه أحدُهم بقوله: (أن المصحفَ لو وجب أخذه من يد الكافر بهذا المناط، لوجب أن يؤخذ منهُ غيرهُ من الكتب السماوية كالتوراة وغيرها، لاشتمالها على أسماء الله وأسماء الانبياء بل وعلى أحكامه سبحانه، لعدم كونها مفتعلةً بأسرها فلو بقيت عنده لمسَّها ونجسها وهو حرامٌ)([27]).

أَوَ هَل يُعقَلُ أنَّ الصَّرحَ الإلهيَّ المقدَّس، الذي بناهُ قاهرُ الجبّارين وعَلاّمُ الغيوب، وأقامَهُ في التوراة والإنجيل والزبور وصُحُف الأنبياء، قد هَدَّهُ الأشرارُ من خَلقه، واندَثَرَ ولم يبقَ منهُ ما يَبُلُّ الغليلَ؟، ولكنَّ الصرحَ الذي بناهُ فرعون وهامان ونمرود والملكُ الفلاني والزعيم الفلاني باقٍ وتلمسهُ الأجيال ويشاهدهُ ويطَّلعُ عليه الجميع!، وان صرحَ الله سبحانهُ وتعالى قد تهدَّم وانمحى ولم يَعُد ما يدلُّ عليه بحالٍ من الأحوالِ!؟.

 ونقولُ من منطلقِ العقيدة والايمان الراسخ أنَّ من العيبِ المخزي والغفلةِ المفرطةِ أن يَظُنَّ أحدٌ من الخلقِ ذلك!، بل انَّ الذي انهدمَ وتلاشى هو صرحُ فرعونَ وهامان ونمرود وأشباههم وأمثالهم ومن خلفهم ابليس وجُندِهِ لعنهُم الله تعالى وأخزاهُم!.

 ففي رأينا الذي ندينُ بهِ من منطلقِ عقائدنا الإلهيةِ المقدسة، ونحكمُ بهِ بيننا وبين الله تعالى، أنَّ التوراة والإنجيل والزَّبور وصحف الأنبياء هي الركائز الأربعة التي تربَّع عليها كتابُ الله الأعظم (القرآنُ الكريم) وأصبح كالتَّاجِ على رأسها!، وهذا بحثٌ موكولٌ الى محلِّهِ إن شاء الله عزَّ وجلَّ لأنهُ بعيدٌ شيئاً ما عما نحنُ بصددهِ الآن!.

ثُمّ ما معنى أَن يحتجَّ النبيُّ محمدٌ  صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا الأئمّةُ من أهل البيت علیهم السلام  على أهل الكتاب بنصوصٍ من التوراة والإنجيل والزَّبور وصحف الأنبياء، فيُفحمونهم ويُبطلوا حُجَجَهم ويُثبتوا لهم صدقَ ما جاءت به تلكَ الكتب السماوية!؟، بل والأعجبُ من ذلك كُلّه أنَّهم علیهم السلام  كانوا يحفظونها عن ظهر قلبٍ!([28])، ولم تَصدُرَ عنهم أيّةُ كلمة إهانةٍ أو استهزاءٍ كلاّ وحاشاهم، بل أثبتوا فيها الحقَّ حقّاً والباطلَ باطلاً!.

 وكثيراً ما احتجَّ علماءُ المسلمين أيضاً بذلك على طول التأريخ، وهي عند الكثير منهم ذات قيمةٍ كبيرةٍ، إذ لا يُعقَلُ أن نحتجَّ بها، ثُمَّ نشتمها ونرميها بالتُّهمِ الكبيرةِ والنعوت الذَّميمةِ!.

ولو تدبَّرنا في بعض آيات القرآن الكريم، لحلَّت لنا الكثيرَ من العُقَد ولأَزالت عنا الكثيرَ من العناء!، فقد قال الله تبارك وتعالى:

1: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمْ الكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(48)([29]).

2: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِي(40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِي(41) وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(42) وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ(43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(44)([30]).

3: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ الله وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ([31]).

4: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً([32]).

5: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِالله وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لله لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ الله سَرِيعُ الحِسَابِ([33]).

6: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ([34]).

7: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْال الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ([35]).

8: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ المُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَالله عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ(115)([36]).

لذا فانَّ الباري عزَّ وجلَّ يحبُّ كتبهُ وهي عزيزةٌ عليهِ، ويحبُّ جميع ما أوحاهُ، كما يحبُّ رسلهُ وأنبياءهُ وخلقهُ جميعاً، إلّا من عاداهُ وآذاهُ، والأمرُ في ذلك واضحٌ!.

 كما ويجدُ العلماءُ والباحثُون اليوم في العهدين عموماً، وفي الإنجيل خصوصاً، أنّ هناكَ نصوصاً صريحةً ودقيقةً وتحملُ نوعاً من الإعجاز الذي لايخفى([37]) على كُلّ طالب حقيقةٍ، وعلى سبيل المثال لا الحصر: ما نلاحظُهُ في ذكر الحوادث المستقبليّة كبعض (النبوءات، وعلامات ظهور المصلح الأعظم في آخر الزمان، وذكر حادثة مهمّة ـ لها ثقلها في السموات والأرض في قضيّة إمتداد الخطّ الإلهيّ المقدس وتبتني عليها الثورة الإصلاحية الكبرى لمنقذ العالم في آخر الزمان ـ أعني واقعةكربلاء الأليمة ويومِ السبطِ سيِّدِ الشهداء صلواتُ الله عليهِ، التي ورد ذكرها على لسانِ جميعِ الأنبياءِ والرّسلِ عليهم الصلاة والسلام وبَكَوا لأجلها بحرقةٍ وألم ٍ بالغينِ)!.

 ثُمّ أنّ الأعمّ الأغلب من هذه النصوص الواردة في الأسفارِ المقدَّسةِ ليس لها دخلٌ بالتشريع الإلهيّ، الذي قد يَمقُتُهُ البعضُ، ويحاول الفرارَ، أو النيلَ منهُ، أو إخفاءهُ وطمسهُ...الخ!، لذا فهي لا تزاحم سياسات الظالمين والمنحرفين على مرّ الدهور، ذلكَ لأنّها تتعلّقُ بزمنٍ غير زمنهم، وبشعوبٍ وأممٍ غير شعوبهم وأممهم، فعلامَ يتمُّ تحريفَها أو إخفاءَها، ولعلَّ هذا أحد الأسباب المهمّة التي أدّت الى حفظها وعدم ضياعها حتى وصلت الينا بثوبها الجميل البهيّ، وإن شابَها شيءٌ ليسَ من سنخها، بسبب قدَمِ الزمانِ، والنَّسخِ المتواصلِ لها، والترجمةِ، والتفسير، والشروحِ واختلاطها بالأصل المتواتر...الخ!؟.

ومع هذا كُلِّهِ فإننا لانقول مطلقاً بعدم وصول يَدِ التحريف والتخريب اليها عمداً أو من غير قصد العمد، بسبب التفسيرِ والترجمة وغيرها كما أسلفنا، أو النقل بالمعنى، أو تعاقب الترجمات في بعضها...الخ، ولكنّ التمعّن في بعض النصوص يورث الإطمئنان بأنّها ترجمةٌ لنصٍّ مُوحى([38]) وإن سَقَطَ منهُ شيءٌ أو أُضيف اليه شيءٌ أو حُذفَ منهُ شيءٌ، وذلك لأنّ فيها نفحةٌ من الغيب واضحةٌ، وسُمُوٌّ في نقل الصورة المستقبلية للحدث المنتظر، يصعب جدّاً، بل يستحيلُ على أيّ إنسان مهما كانت درجتُهُ العلميّة الإلمامُ بها والإحاطةُ بجزئيّاتها، ومن ثمّ تقديمها الى العالم على انّها بشارةٌ سماويّةٌ حتميّة الوقوع، ماخلا الأنبياء وأوصيائهمفهم رجالُ الله المقدَّسون الذينَ يُوحى اليهم ويُحدّثون، جمعنا الله وإياكم بهم في مستقرِّ رحمتهِ التي وسعت كلَّ شيءٍ، إنَّهُ على ما يشاءُ قديرٌ.

أضرارُ الترجماتِ وآفاتها:

 ولابُدَّ أن نَلتفت هنا إلى مسألةٍ هيَ من الأهميَّةِ بمكان، وهيَ اننا إذا قمنا بترجمة القرآن الكريم الى اللغة الإنكليزية مثلاً، فالكتاب الحاصل بعد الترجمة ليس من حقّنا أن نسميه (قرآناً)، ولا حتى (ترجمةُ القرآن)، بل الحقّ أن يُسمّى (ترجمةٌ للقرآن)!، لأنّهُ سيكون ليس كلام الله تعالى قطعاً، بل كلامنا نحن، فنحن الذين قمنا بترجمته الى تلك اللغة؛ ومعنى ذلك: وهذا ما نراه بالوجدان، أنّ القرآن الكريم إذا تُرجمَ الى اللّغات الأُخرى فإنه يفقد الكثير من (المعاني المحتملة، والصور المنقولة، والعمق، والبيان، والبلاغة، وبعض نواحي الإعجاز،...الخ)!.

وكذلك ترجمات الكتب المقدّسة الأُخرى، مع مابها من علاّتٍ أُخَر!. لذلك فقد لعبت الترجمات دوراً كبيراً في التشويش والتشويه وإبعادِ المعاني والصورةِ المرادةِ عن ذهنِ القاريء والسامعِ والمتلقّي، وذلك يرجع الى التفاوت الكبير بين المترجمين أنفسهم علميّاً وعقائديّاً، ومن الجدير بالإهتمام أن نذكرَ شيئاً من ذلك، علماً إننا سنشير الى بعض الشواهد على هذا المدّعى كلٌّ حسبَ موقعهِ من هذا البحث.

مزايا المترجمين وخصائصهم:

عند دراسة العهدين نجد هناك فروقاً واضحةً بين مُعظَم الترجمات التي قاربت الألف ترجمة للكتاب المقدّس بكلا عهديه لحدّ الآن، ومن الطبيعي لا يمكننا الأحاطة بها في بحثنا هذا، ولكن لوقمنا بدراسة إستقرائية لبعضها يتجلّى ذلك بوضوح؛ وفي البدء لو أننا نظرنا الى المترجمين أنفسهم، على سبيل المثال لا الحصر، ولاحظنا بعض الفروق بين: المترجم (العالم المتخصّص، ذي العقائد الحقّة والمعارف الالهيّة)، وبين المترجم (اللّغوي ـ الأديب ـ ) في العهدين. مع عظيم إحترمنا وتقديرنا لكافةِ الجهودِ العلميةِ التي بُذلت لترجمةِ الكتاب المقدس والإعتناء به ولازالت تُبذل؛ ولنُجمل شيئاً من تلك الفروقات بمايلي:

1: إنّا نجد فرقاً ومميّزاً واضحاً بين المترجم العالم باللغة (الأديب)، وبين المترجم العالم باللغة والعقائد الحقّة والمعارف الإلهية من أتباع مذهب أهل البيت علیهم السلام . فالمترجم اللغوي يحاول قدر الإمكان أن يُبرزَ معاني الألفاظ بصورة جيدة فقط؛ فهو مثلاً يُثبتُ معنىً واحداً فقط يراهُ مناسباً إذا كانت الكلمة محتملة لعدّة معاني وهكذا...، وهذا يُحدثُ إرباكاً كبيراً في معنى وجوهر النصّ إذا نظر اليه بمجموعه، فقد تُغيَّرُ عدّةَ معانٍ في نصّ واحد وهكذا...!، لذا يجد المتتبع والقاريء لنصوص الأسفار المقدّسة في بعض الأحيان كلاماً يُشبهُ كلامَ (الطلاسم) فهو غير مفهوم!، وربما في كثير منها لايستطيعُ الوقوفَ على المعنى المراد أو الصورة التي يحاول النصّ رَسمها للقاريء والمستمع على حدٍّ سواءٍ!.

2: يتمكّنُ المترجمُ (ذو العقائد الحقّة والمعرفة بالعلوم الإلهية) من إثبات الصورة المرادة من النصّ بجدارةٍ، بعكس المترجم اللّغوي الذي قد يَتيهُ ويتخبّطُ في أكثر الأحيان بين الكلمات التي قد يراها غير منسجمة فيما بينها بحسب أفقه الضيّق، ولكونه من غير أهل ألاختصاص في العلومِ والمعارفِ الإلهيَّةِ، فهو لا يستندُ إلى نظريةِ معرفةٍ قد أخذها من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بحبلٍ متينٍ واستقاها من عينٍ صافيةٍ...!، ولو سُئِلَ عمّا ترجم في بعض النصوص المهمّة مثلاً، فإنّه لايستطيع نقل الصورة المرادة حينما يُعمِلُ عقلَهُ وفكرَهُ، بخلاف الأول، الذي له القدرة واللّياقة أن يُثبتَ المراد من النصّ الوارد في أسفار التوراة مثلاً، ويثبتهُ نفسهُ في الإنجيلِ، وإن إختلفت العبارات والألفاظ...وهكذا، ثمّ يستخرجهُ من القرآن الكريم والسنّة الشريفة وعقائد أهل بيت النبّوة والطهارةِ علیهم السلام ، فعندئذٍ يكون مثل هكذا نصّ قد أثبتَ عقيدةً حقّةً واضحةً لاغبارَ عليها في الكتب المقدّسة بأجمعها!، لها بُعْدٌ وعمقٌ شرعيٌّ وتأريخيٌّ وعلميٌّ مهمٌّ؛ والبشريّة بأسرها بحاجةٍ ماسَّةٍ اليها، إذ رُبَّما أَخرَجتْ ولو آدميّاً واحداً من الظلمات الى النور، ومن التَّيهِ والضلالة والحيرةِ الى صراط الله المستقيم، وتلكَ غايةُ الربّانيينَ على مدى التأريخ.

أضرارُ التفاسيرِ والشُّروحِ:

وتُعدُّ هذهِ الحالةُ من أُمهاتِ المسائل العويصةِ حقّاً!، وهي أنَّ الكتاب المقدس ربما كان بريئاً من كلِّ تلكَ الأمور التي لا يُقرُّها الشرع الإلهيّ المقدس([39])!، وقد جرى عليهِ ومورِسَ ضدَّهُ مختلف أنواع الظلم كما ظُلمَ الأنبياءُ والرُّسُلُ وأُذوا واستُبيحت حرمتهم!، وذلك لبسببٍ وجيهٍ جدّاً وهو ما نستطيعُ أن نسميهِ بـ(أضرار التفاسيرِ والشُّروحِ واختلاطها بالنصوص الأصليةِ)!، وكذا اختلاط بعض الإشارات والتأويلات في سطورِ الآيات...الخ!، فالمفسرون والشراح والمدوِّنونَ أنواعٌ ومذاهب وفلسفاتٌ كما مرَّ بكَ سابقاً، وقد تأثَّرَ بهم الكتابُ المقدَّس إلى حدٍّ كبيرٍ على مدى العصورِ والأزمانِ المتباعدةِ!، وللوقوفِ على ذلك كُلِّهِ يكفي للباحث مراجعة بسيطةٌ لتفاسير وترجمات الكتاب المقدس، ليرى بنفسهِ كيفَ ظُلِمَت هذهِ الأسفار ظُلماً متواصلاً مستمرّاً، وليحكم بنفسهِ على حرمة شتمِ المظلوم والإستهانةِ والإستخفاف بهِ!.

إشكالاتٌ وردودٌ

 بقيَ أن نجيبَ ولو بشكلٍ مختصرٍ متواضعٍ على بعض الإشكالات التي أُوردت على الإستدلالِ بأسفارِ العهدين!، لكي ننقُلَ وجهةَ نظرنا إلى طُلاّبِ الحقيقةِ أينما كانوا، أيَّ مذهبٍ ذهبوا، الذين قد لم تصلهم بعدُ المعالمُ الحقَّة للعقائدِ الربانيَّةِ في القرآنِ والكتبِ السماويةِ القديمةِ!، ولم تُتَح لهمُ الفرصةُ بعدُ لفهمِ عقائدنا الإلهيَّةِ المباركةِ، أو الوقوف على مرادنا من بحثنا هذا وغيرهِ!، لذا سننقل الإشكال، ثمَّ نجيبُ عليه بما نراهُ مناسباً، فنقول بعونِ الله عزَّ وجلَّ:

 الإشكال الأول: إن ذكرَ الأئمةِ أو الرؤساء أو القادة أو الكواكب أو المباركون الإثني عشر الذين ذُكروا مراراً في الأسفار القديمة أو الكتاب المقدس (العهدين)، إنما المعنيُّ بهم هم الأسباطُ بنو إسرائيل ـ يعقوب علیه السلام  ـ الإثني عشر فقط لا غير؟، وهذا الإشكال نراهُ وارداً وبجدارةٍ، ويوردهُ الكثير الكثير من غير المسلمين، بل وحتىّ من بعضِ المسلمين أنفسهم!. فكيف جعلتم ما تقدَّمَ دليلاً على أئمتكم الإثني عشر كما تزعمون؟.

 الجواب، وهو مبنيٌّ على نقاطٍ مهمةٍ، نوردها تباعاً، معَ بالغِ احترامنا لأصحابِ هذا الرأي والقائلين بهِ، إذ من حقِّ كلِّ ذي رأيٍ وحجةٍ أن يبيّن ذلكَ حسب ما يعتقدهُ، ولا يضرُّ ذلك ما دمنا نبحثُ عن الحقيقة كيفما كانت، وحيثُ ما وجدت!، فنقول بعونهِ تعالى:

1: إنّ مثل هكذا إشكال يشعرنا بالوحشةِ والألم البالغ، إذ نحنُ نستنتج منهُ أنَّ تعاليم السماء والعقائد الإلهية المباركة قد ذهبت هدراً عندَ الكثيرِ من الناس!، وهو كذلك!، وأنَّ الله وكتبهُ وأولياءهُ صلوات الله عليهم عندَ البعضِ هم آخرُ ما يُفكَّرُ بهِ، ويُهتمُّ لأمرهِ، ولم يُعطهِ نصيباً من وقتهِ وفكرهِ أبداً، فيالها من وحشةٍ!.

2: وهذا الكلام الذي نسمعهُ من ها هنا وها هناك، يدلُّ على عدمِ المعرفةِ بالعقائدِ الإلهيةِ المقدَّسةِ، التي أرستها الكتبُ السماويةِ المقدَّسةِ، ويدلُّ أيضاً على عدمِ التتبعِ وعدمِ الإطلاعِ!. وأنَّ من يعتقد بمثلِ هكذا عقيدةٍ إنسانٌ غريبٌ عن كتب الله المنـزلةِ بأسرها، أو لا أقل لم يُكلِّف نفسهُ يوماً من الأيام في البحثِ عن هذه المسألةِ العقيديّةِ المهمةِ التي أثبتها المولى في جميعِ كتبهِ المباركة وبكلِّ حزمٍ!.

3: إنَّنا لا نريدُ أن نستجديَ مقاماً للأئمةِ الإثني عشر أو لأهلِ بيت العصمةِ والطهارةِ  علیهم السلام  عموماً من أيِّ أحدٍ، أو من أيِّ جهةٍ، أو أيَّ دينٍ أو ملَّةٍ أو مذهبٍ قط، كائناً من يكونُ!، بقدرِ ما نريدُ أن نُلفتَ أذهان جميع من يبحثُ عن الحقيقةِ وأهلها، وعن الحقِّ والصدقِ من جميعِ المللِ والنحلِ، لكوننا نعتقدُ يقيناً أنَّ ذلكَ مسطورٌ في الكتب السماويةِ المباركةِ وبيِّنٌ وواضح قد أحكمهُ علاّمُ الغيوب لأمرٍ عظيمٍ هو الأعلمُ بهِ منّا!.

4: لو كان الأمرُ كما تفضلتم ([40])وسلَّمنا بهِ، فهو يدلُّ على أنَّ كلَّ الأمور الإعتقاديةِ التي ذكرتها الكتبِ المقدسة مختصّةٌ ببني إسرائيل فقط لا غير، ولا وجودَ ولا أثرَ لغيرهم، وهو لازمُ قولكم، وهذا يعني أن لا دين إلّا الدين اليهودي!، وهو باطلٌ بالعقلِ والنقلِ والوجدان!.

5: إنَّ ذكرَ الأسباط الإثني عشر في بني إسرائيل واضحٌ بيِّنٌ في الأسفارِ المقدسةِ، ولم يشك فيهِ إثنان، ولم يعترض أحدٌ على ذلك، ولا مشكلةَ في البين، وهذا أولُ الكلام!، ولكن الكلامَ الذي نحنُ بصددهِ والعقيدةِ المركزيةِ المهمةِ التي تذكرها الكتب السماويةِ همُ الأئمةُ أو الرؤساء أو القادة أو الكواكب أو المباركون الإثني عشر من ذريَّةِ إسماعيل بن إبراهيم ÷ بالخصوص!، وهنا محلُّ الكلام، وهذا موردُ البحث، فلمَ هذهِ المغالطة من البعض، ولِمَ هذا الإعراض من البعض الآخر، وعلامَ عدم الإنصاف في تحكيمِ ما أوحاهُ الله تعالى!؟.

أفهل كان الأئمةُ من ولدِ إسماعيل علیه السلام  هم أسباط بني إسرائيل، فما لكم كيف تحكمون!؟. ولعمري فانَّ ذكرَ الأسباطِ في بني إسرائيل جليٌّ بيّنٌ في الأسفار وهو على حدةٍ بما يحملهُ من خصوصياتٍ ومناسباتٍ وأحوالٍ، وكذا ذكرُ الكواكبِ من ولدِ إسماعيل علیه السلام  فهو نيّرٌ بخصوصياتهِ وموارده، ولا غبارَ على ذلكَ لكلِّ مطلعٍ منصفٍ!. فعلى سبيلِ المثالِ لا الحصر، لو تمعَّنّا في هذا النصِّ الموحى من الله تعالى مخاطباً إبراهيمَ الخليل علیه السلام ، ليحكم المنصفون بأنفسهم، أصلحنا الله وإياكم لما يحبُّ ويرضى إنَّهُ حبيبٌ ودودٌ، فقد وردَ أنّهُ جلَّ شأنهُ قال: ﴿20 وأمّا إسماعيلُ فقد سمعت لكَ فيه!، ها أنا أُباركهُ، وأُثمرهُ، وأُكثرهُ كثيراً جداً إثني عشر رئيساً يَلِدُ، وأجعلهُ أُمةً كبيرةً([41]).

 الإشكال الثاني: إنّنا لا نجد لكم ذكراً في كتبنا!، ولو أنك سألت اليهود أو المسيحيين عن وجود ذكر نبيكم وأهل بيتهِفي كتبهم لأجابوك بالتكذيب، إذ أننا لا نجد اسم نبيكم الخاتم كما تدّعون، أو أيّ أحدٍ من أهل بيتهِ، في كتبنا أبداً، فكيف تدَّعونَ أنَّ هناكَ ذكراً مخصوصاً وبشاراتٍ وثناءاً لنبيكم ولأهلِ بيتهِ!؟.

 الجواب: هذهِ مقولةٌ قديمةٍ قد عفى عليها الزمن، وأكلَ عليها الدهرُ وشرب!، وهي سلاحُ العاجز!، وهكذا كلامٌ هو غير مسؤول، ولا ينبعُ من مؤمنٍ متديِّنٍ متخلِّقٍ بأخلاقِ الدين والشرائعِ السماويةِ، وهو بعيدٌ عن تعاليمِ الحقِّ تعالى ومُراد المولى عزَّ وجلَّ!، بل هو لحدِّ الآن لم يعرف شيئاً عن المولى سبحانهُ ودينهِ!، بل شغلهُ وأنهكهُ التفكيرُ العنصريُّ حتى أعشاهُ عن جمالِ الله عزَّ وجلَّ وما تعلَّقَ بهِ!.

 كيف وقد صرَّحت الكتبُ السماويةِ باسمِ النبي محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وبشَّرت بهِ مراراً وتكراراً!. ولكن لو سألتهم اليومَ عن وجود اسمهِ المبارك لأجابوك بالنفي القطعي وعدمِ الوجود، وبالقطعِ واليقين عند كلِّ منصفٍ مطَّلع أنَّ كلامهم باطلٌ بالعقلِ والنقلِ والوجدان!.

 فقد صرَّح القرآن الكريم عن لسانِ عيسى بنِ مريم÷ قائلاً:﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى الله الكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَالله لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ. يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾([42]).

لذا فإنَّ التفسير النفسي والموضوعي المبسَّط لهذهِ الآيات وغيرها، يُعطي حلولاً شافيةً لطلاّبِ الحقِّ والحقيقةِ، بكُلِّ ما تنطوي عليهِ من معانٍ جليلةٍ!، وذكرهُ  صلى الله عليه وآله وسلم  كحقيقةٍ علميَّةٍ تحقيقيَّةٍ، ثابتٌ بالقطعِ واليقين في كلِّ الشرائعِ السماويةِ، وكلِّ أديانِ التوحيد عقلاً ونقلاً ووجداناً. وهو موضوعٌ مفروغٌ منهُ، وليس محلّهُ ها هُنا، وهو مسطورٌ في أُمهاتِ المصادر، وعليهِ دراساتٌ كثيرةٌ جداً، وسهلٌ يسيرٌ لمن أرادَ الإطلاع عليهِ وسبرِ أغوارهِ!.

وانَّ مثلُ ما تقدَّمَ من كلامٍ، فهو باطلٌ في كلِّ مناهج الاستدلالِ العلميَّةِ، وهكذا في إثباتِ أمرِ أهلِ بيتهِ الطيبين الطاهرين علیهم السلام ، ويكفي للمتتبع أن يمرَّ على بعض المؤلفات والمصادر الخاصةِ بذلك وهي كثيرة!([43]).

 ولكن بودِّنا هنا أن نقولَ عبارةً نراها مهمَّةً في البين نيابةً عن المتعقِّلين الموضوعيّين من كلِّ الأديان والمللِ والنحلِ، ولكن لنقولها بصراحةٍ علميّةٍ موضوعيّةٍ: أننا ـ نحنُ البشر عموماً ـ لسنا بمستوى وبقدرِ المسؤوليةِ، ولم نُعطِ النَّصفَ من أنفسنا لحدِّ الآن!، ولم نستشعر عظمَ المسؤوليةِ في صيانة العقائدِ الإلهيَّةِ الحقَّةِ، والبحث عنها، من أجل ترسيخها وتوطيدها في النفوس، فيجبُ علينا الخجل أمامَ الله تعالى، والإعتراف لهُ بالقصورِ والتقصير، هذا إذا كُنّا نريدُ شيئاً من العلاقةِ بهِ عزَّ وجلَّ، أما إذا كُنّا قد اتخذناهُ عدّواً منذُ زمنٍ بعيدٍ من حيث نشعر أو لا نشعر، فهذا بحثٌ آخر، أنا لا أعرفهُ، وكذا كلُّ منصفٍ!، أجارنا الله وإياكم من كُلِّ ذلك بلطفهِ ومَنِّهِ!.

 الإشكال الثالث: أنتم تتقولونَ علينا أقاويل نحنُ لا نقول بها!، وما أبديتموهُ من أفكارٍ وأراءٍ، وما استنتجتموهُ من الأسفار المقدسة مخالف للديانةِ الرسوليّةِ المسيحية واليهوديَّةِ، وغير مقبول لكونكم تجرّونَ النارَ إلى قرصكم، وتريدونها أن تصبَّ في مصلحتكم، وهذا ليس من الحقِّ في شيء، إذ أن استدلالاتكم لا تمتُّ إلى ما نعتقد بهِ من عقائد حقَّةٍ وتعاليم سماويَّةٍ جاءنا بها الأنبياء الذين أرسلهم الربُّ لهدايةِ البشر!؟.

 أقول: وهذا الإشكال شبيهٌ بالإشكالِ الذي وُجِّهَ من قبلِ البعض، وكان معتَدّاً بعلمهِ، وموقناً بصوابِ رأيهِ، جازماً بهِ، وهو أن قال: ماذا عسانا أن نجيب لو سألنا المسيحيون أو اليهود، وقالوا: أنتم تتقوَّلون عليها خلاف ما نعتقد، وخلاف تعاليم الدين الذي ورثناهُ من أيادي العلماء الإلهيين عن الأنبياء المرسلين...الخ!؟.

وبتوفيق الله عزَّ وجلَّ قلنا في جوابهِ: أنَّ هناك نصّاً في الإنجيل مثلاً، يعتقد المسيحيون وغيرهم أنهُ موحى من الله تعالى مائةٍ بالمائة، وبدون أدنى شكٍّ ولا ريبٍ!، ونحنُ أيضاً نعتقدُ وبعدَ دراساتٍ طويلةٍ أنَّهُ من الوحي الرباني، وذلك لأنهُ ورد في سفرِ الرؤيا، وهو من أصحِّ الأسفار، وهو سفرٌ يحمل بشاراتٍ مستقبليَّة لكلِّ البشر إلى آخر ما بينّاهُ في كتبنا وبحوثنا...الخ!.

وهذا النص يقول ما معناهُ: (أنَّ لذبيح الله الأعظم أبٌ مبارك مقدَّس قد اشترى نفسهُ لله عزَّ وجلَّ، وقد وضعَ الصدّيقونَ والصالحونَ والأولياء اسمهُ على جباههم حُبّاً لهُ وتيمُّناً وتبركاً بهِ، وقد بيَّن عزَّ وجلَّ قدسيَّة وطهارة هؤلاء الميامين، بعدَ أن أوضحَ وبيَّنَ مَن هوَ زعيمهم الروحيّ ومقامهُ المعنوي الشامخ عندهُ...الخ([44]).

وقد فسَّرهُ الإنجيليون والتوراتيون بأن هذا الأب: (هو الله تعالى لا غيرهُ)!، لأنَّهُ والدٌ لعيسى، وعيسى هو الذبيح لا غيرهُ...الخ!، وهذا هو القولُ الفصل في المسألةِ، انتهى كلامهم!. فكيف تريدُ مني بعدَ تجلّي الشيب وتقصّي العمر، أن أُسلِّم بهذهِ العقيدةِ الباطلة على كُلِّ المحامل، والتي تُضحِكُ حتى الثكلى، ويشيبُ لهولها الرضيعُ إن عَقِلها!؟.

أجابَ باصرارٍ وحزمٍ: نعم هذا هو التفسير لهذا النص لا غير!، ويجب أن تعتقدونَ بهِ وتسلِّمونَ لهُ كما يُسلِّمُ بهِ غيركم، وذلكَ لتوجيهٍ بسيطٍ غابَ عن أذهانكم!، فإنهم: أي المسيحييون يقولون بأنَّ الله أبٌ لعيسى وحسبَ عقائدهم، بمعنى أنَّهُ قد أتى من عندهِ، ومشتقٌّ منهُ، متَّصفٌ بصفاتهِ، ومربٍّ لهُ...الخ، وليس كما يذهب الكثير إلى التفسير السلبي لمثلِ هكذا نصوص...الخ!.

فيا أيها الكرام([45]) نُعيذكم وأنفسنا أن نكونَ أُميّينَ في علم العقائد والأديان، أو متعصِّبينَ جاهليينَ، أو مهووسينَ لا نعلم ما نقول، فما لكم كيف تحكمون؟، إنّا لله وإنّا إليهِ راجعون!. وللجواب على هذا الإشكال يجب أن نؤسِّس لأُصولٍ مهمَّةٍ منها:

1: أنتم ليس من حقكم أن تتحكموا بالكتبِ السماويَّةِ، أي (تحكِّموا آرائكم) حسبَ أهوائكم وميولاتكم النفسيَّة، وليس لكم الحقُّ في ذلك لأنَّكم لستم بأنبياء ولا رسل!، كما ليسَ من حقِّ المسلم أن يتحكَّمَ أو يحكِّم رأيهُ في القرآن الكريم وليسَ لهُ الحقُّ في ذلك!، لأنهُ ليس بخاتم النبيين!. من هنا نصل إلى مسألةٍ عقيديَّةٍ مهمَّةٍ في البين، وهي كوننا جميعاً مسؤولونَ عن الكتبِ السماويَّةِ، وفكرة أن المسيحي مثلاً مسؤولٌ عن الإنجيل مختصٌّ بهِ، والمسلم مسؤولٌ عن القرآن ومختصٌّ بهِ، فكرةٌ خاطئةٌ قطعاً حسبَ العقائدِ الربانيَّة والشرائع السماويَّةِ، وهي فكرةٌ متعصِبةٌ جاهليَّةٌ قديمةٌ حسبَ المنطقِ الحديث، كان قد عاشها الإنسان أيام التقاطعِ والتدابرِ والحروبِ المخزيةِ...الخ!، ونعتبرُ هذا أصلاً في العلومِ الربانيَّةِ الحديثةِ ويجبُ وضعهُ نصبَ العين!.

2: أنَّ الكتب السماويَّةِ ـ حسب العقائد الحقّة ـ لم تزل غضةً طريَّةً حيَّةً، وهي لا تموتُ بموتِ الأنبياء والرسلِ أبداً ـ بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون لأنهم سادةُ الشهداء ـ وهي كذلك!، وهي صادرةٌ من علاّمِ الغيوب ـ وما ثبتَ منها بمنهجٍ استدلاليٍّ صحيح أنَّهُ محرَّفٌ فهو كذلك، وما لم يثبت تحريفهُ ووردَ بالتواترِ القاطعِ للشكِّ فهو موحى ـ وهي متجدِّدةٌ في كلِّ عصرٍ وزمان، لأنَّ الحكيم المطلق قَنَّنها كذلك، وهو المتحدثُ فيها لا غيرهُ، وإن آذتها الترجمات والشروح والتفاسير وغيرها وصبغتها بآراءٍ وأفكارٍ وألوانٍ لا تمتُّ إليها بصلةٍ، ولكن كل هذا يخرجُ مع الزبد ويذهبُ جُفاءً، ويبقى بحرها اللجيِّ عميقاً زاخراً ملؤهُ الدرُّ والياقوتُ والمرجان!.

3: نعتقدُ أن المولى عزَّ وجلَّ عندما يُرسلُ كتاباً من السماء، ليس كما يؤلفُ أحدنا كتاباً ضيّقَ الأُفقِ، ليسَ محيطاً بكلِّ العلومِ والعوالم، فهو مهما يكن على قدرنا نحنُ، والباري عزَّ وجلَّ ليس كذلك أبداً!، لذا نعتقد أن ما أرسلهُ سبحانهُ وتعالى كنـزٌ ربانيٌّ عظيمٌ، وفيهِ أسرارٌ لا يمكن حصرها!، ونحن نجلُّها ونحترمها بل نقدسها!.

 الإشكال الرابع: لا يمكن ولا يُعقل أن يذكرَ الانجيل والكتب السماويةِ الأُخرى إمامكم الحسين كما تزعمون!، لأنَّهُ أُنزلَ قبل وقتٍ طويلٍ من مجيءِ إمامكم إلى الدنيا!، فما الفائدة من ذلك؟، وما علاقة الناس الذين عاشوا في تلك الأزمان البعيدة بإمامكم الحسين؟، لذا لا نجد هذا منطقياً، بل هو خلاف الحكمة...الخ!.

 وللجواب على هذا الإشكال، فهناكَ طرقاً كثيرةً وبراهينَ عديدة لها الشرفُ في إثباتِ هذهِ الحقيقةِ الإلهيَّةِ المباركةِ وإن كَرِهَ الظالمون والمنافقون والمتحذلقون والجاهلون، نختارُ منها واحداً فقط للإختصار، ونتمُّهُ عبرَ ثلاث مقدمات:

1: نحنُ نعلمُ بالوجدانِ أنَّ المحبَّ المتيَّم الولهان، لابُدَّ وأن يترنَّم دوماً وأبداً بذكرِ اسمِ محبوبهِ القريبِ إلى نفسهِ، ويردد ذلك دوماً، ويُكثر الحديث عنهُ في كلِّ مناسبةٍ ومكانٍ، ولابُدَّ لهُ أن يذكرُ جمالَ محبوبهِ الذي شُغفَ بهِ، واذا لم يكن كذلك فهو ليسَ بمحبٍّ ولا عاشقٍ!.

 والله تبارك وتعالى والحسينُ المذبوح صلوات الله عليهِ كذلك!، حبيبٌ ومحبوبٌ وعاشقٌ ومعشوقٌ من كلا الطرفين!، بأقدسِ أنواعِ الحبِّ وأعظمها، بل متيَّمان إلى حدٍّ يصعبُ تعقّلهُ وفهمُهُ من قبلِ ذوي العقولُ والأبصار!، ويتضحُ ذلك من المدحِ العجيبِ، والثناءِ الجميلِ، والتقديسِ المنقطعِ النظيرِ، لكلٍّ منهما تجاهَ الآخر!.

ويكفي لكلِّ منصفٍ شريفٍ أن يشهدَ بذلك إن اطَّلعَ على دعاءِ الإمام الحسين علیه السلام  في دُعاءِ عَرَفَةَ حيثُ يقول:

 (...يا إِلهي وإِلهَ آبائي إِبراهيمَ وإِسماعيلَ وإِسحاقَ ويَعقوبَ، ورَبَّ جِبريلَ وميكائيلَ وإِسرافيلَ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وآلِهِ المُنتَجَبينَ، ومُنزِلَ التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالزَّبورِ وَالفُرقانِ العَظيمِ، ومُنزِلَ كهيعص وطه ويس وَالقُرآنِ الحَكيمِ، أَنتَ كَهفي حينَ تُعيينِي المَذاهِبُ في سَعَتِها، وتَضيقُ عَلَيَّ الأَرضُ بِرُحبِها...الخ!).

2: لقد طفحت الكتب السماوية بذكرِ الذبيح الأعظم، وهو كبشُ الله الذي أُريق دمهُ الطاهرُ على وجهِ الأرض...الخ!، ولا تنطبق الخواص التي ذكرت إلّا على الحسين علیه السلام  فقط لا غير!، بحسبِ كلِّ القوانين والمناهجِ العلميةِ والمنطقيةِ الصحيحةِ في الإستدلالِ، ونسألُ الله تباركَ وتعالى أن يوفقنا في إثباتِ كلِّ ذلكَ في بحثنا هذا!، إنَّهُ هوَ اللطيفُ الخبير.

3: لقد سجّل الإمامُ الحسين علیه السلام  وسطَّرَ ملحمةَ العشقِ الإلهيِّ الأقدس، الفريدة من نوعها، اليتيمةِ في سنخيتها، على جبينِ الكونِ بأحرفٍ من نورٍ، لم تزل لامعةً رغمَ السنينِ، وذلك مع قِلَّةِ العددِ، وخذلانِ الناصرِ، وكثرةِ العدو!.

وقد أعطى وبذلَ لله عزَّ وجلَّ، ما لم يُعطِ أحدٌ من الأولين والآخرين قطُّ!، بما فيهم الأنبياءُ والرسل عليهمِ الصلاةُ والسلام!، وليسَ معنى هذا حطٌّ من شأنهم الشريفِ، بل لخصوصيَّةٍ تميَّزَ بها عمَّن سواهُ!، فخلَّدهُ الله عزَّ وجلَّ في جميعِ كتبهِ المقدسة وبلسانِ جميعِ الأنبياء والرسل علیهم السلام ، وهذا منطقُ الكتبِ السماويةِ جميعاً في اثبابِ حقِّهِ واستحقاقهِ في كلِّ العوالمِ!.

علاقةُ أهلِ البيتِ علیهم السلام  بالإنجيل:

 انَّ للإنجيل مكانة شامخة عندَ أهلِ بيت النبوَّةِ والعصمةِ والطهارةِ  علیهم السلام ، تُبيّن مدى قدسيَّةِ ومقامِ هذا الكتاب الشريف المبارك وأهميَّتهِ وامتيازاتهِ، ولعلَّنا نطَّلع على شيءٍ من ذلك عبرَ هذهِ النقاط الموجزةِ التالية:

1: الإنجيلُ والكتب السماويةِ عندَ أهلِ البيت علیهم السلام :

ومن ذلك ما ورد في الكافي، في بَاب أَنَّ الأَئِمَّةَ  علیهم السلام  عِنْدَهُمْ جَمِيعُ الكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ الله عَزَّ وجَلَّ وأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا عَلَى اخْتِلَافِ السِنَتِهَا، ويقرأونها كما كان يقرأها الأنبياء الذين أُرسلوا بها، ويعلمونَ تأويلها!، وفي ذلك أخبارٌ مهمَّةٌ، ومنها:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ الحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الحَكَمِ فِي حَدِيثِ بُرَيْه([46]) أَنَّه لَمَّا جَاءَ مَعَه إِلَى أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام ، فَلَقِيَ أَبَا الحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ علیه السلام ، فَحَكَى لَه هِشَامٌ الحِكَايَةَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَبُو الحَسَنِ علیه السلام  لِبُرَيْه: يَا بُرَيْه!، كَيْفَ عِلْمُكَ بِكِتَابِكَ؟، قَالَ أَنَا بِه عَالِم ([47])ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِه؟، قَالَ مَا أَوْثَقَنِي بِعِلْمِي فِيه!، قَالَ فَابْتَدَأَ أَبُو الحَسَنِ علیه السلام  يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ!، فَقَالَ بُرَيْه: إِيَّاكَ كُنْتُ أَطْلُبُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِثْلَكَ قَالَ فَآمَنَ بُرَيْه وحَسُنَ إِيمَانُه وآمَنَتِ المَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَه فَدَخَلَ هِشَامٌ وبُرَيْه والمَرْأَةُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام  فَحَكَى لَه هِشَامٌ الكَلامَ الَّذِي جَرَى بَيْنَ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى علیه السلام  وبَيْنَ بُرَيْه، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام : *(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)* فَقَالَ بُرَيْه أَنَّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ والإِنْجِيلُ وكُتُبُ الأَنْبِيَاءِ قَالَ هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَؤُوهَا، ونَقُولُهَا كَمَا قَالُوا، إِنَّ الله لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِه يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ لا أَدْرِي([48]).

 وفي خبرٍ آخرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الحَسَنِ مُوسَى علیه السلام ، إِذْ أَتَاه رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ ونَحْنُ مَعَه بِالعُرَيْضِ([49]) فَقَالَ لَه النَّصْرَانِيُّ أَتَيْتُكَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ وسَفَرٍ شَاقٍّ وسَالتُ رَبِّي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يُرْشِدَنِي إِلَى خَيْرِ الأَدْيَانِ وإِلَى خَيْرِ العِبَادِ وأَعْلَمِهِمْ وأَتَانِي آتٍ فِي النَّوْمِ فَوَصَفَ لِي رَجُلاً بِعُلْيَا دِمَشْقَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُه فَكَلَّمْتُه فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ أَهْلِ دِينِي وغَيْرِي أَعْلَمُ مِنِّي فَقُلْتُ أَرْشِدْنِي إِلَى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ فَإِنِّي لا أَسْتَعْظِمُ السَّفَرَ ولا تَبْعُدُ عَلَيَّ الشُّقَّةُ ولَقَدْ قَرَأْتُ الإِنْجِيلَ كُلَّهَا ومَزَامِيرَ دَاوُدَ وقَرَأْتُ أَرْبَعَةَ أَسْفَارٍ مِنَ التَّوْرَاةِ وقَرَأْتُ ظَاهِرَ القُرْآنِ حَتَّى اسْتَوْعَبْتُه كُلَّه فَقَالَ لِيَ العَالِمُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ النَّصْرَانِيَّةِ فَأَنَا أَعْلَمُ العَرَبِ والعَجَمِ بِهَا وإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ اليَهُودِ ـ فَبَاطِي بْنُ شُرَحْبِيلَ السَّامِرِيُّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا اليَوْمَ وإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ الإِسْلَامِ وعِلْمَ التَّوْرَاةِ وعِلْمَ الإِنْجِيلِ وعِلْمَ الزَّبُورِ وكِتَابَ هُودٍ وكُلَّ مَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فِي دَهْرِكَ ودَهْرِ غَيْرِكَ ومَا أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ خَبَرٍ فَعَلِمَه أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِه أَحَدٌ فِيه تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ وشِفَاءٌ لِلْعَالَمِينَ ورَوْحٌ لِمَنِ اسْتَرْوَحَ إِلَيْه وبَصِيرَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الله بِه خَيْراً وأَنِسَ إِلَى الحَقِّ فَأُرْشِدُكَ إِلَيْه فَأْتِه ولَوْ مَشْياً عَلَى رِجْلَيْكَ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَحَبْواً([50]) عَلَى رُكْبَتَيْكَ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَزَحْفاً عَلَى اسْتِكَ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَعَلَى وَجْهِكَ فَقُلْتُ لا بَلْ أَنَا أَقْدِرُ عَلَى المَسِيرِ فِي البَدَنِ والمَالِ قَالَ فَانْطَلِقْ مِنْ فَوْرِكَ حَتَّى تَأْتِيَ يَثْرِبَ فَقُلْتُ لا أَعْرِفُ يَثْرِبَ قَالَ فَانْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ مَدِينَةَ النَّبِيِّ (ص) الَّذِي بُعِثَ فِي العَرَبِ وهُوَ النَّبِيُّ العَرَبِيُّ الهَاشِمِيُّ فَإِذَا دَخَلْتَهَا فَسَلْ عَنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وهُوَ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهَا وأَظْهِرْ بِزَّةَ([51]) النَّصْرَانِيَّةِ وحِلْيَتَهَا فَإِنَّ وَالِيَهَا يَتَشَدَّدُ عَلَيْهِمْ والخَلِيفَةُ أَشَدُّ ثُمَّ تَسْأَلُ عَنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ وهُوَ بِبَقِيعِ الزُّبَيْرِ ثُمَّ تَسْأَلُ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وأَيْنَ مَنْزِلُه وأَيْنَ هُوَ مُسَافِرٌ أَمْ حَاضِرٌ فَإِنْ كَانَ مُسَافِراً فَالحَقْه فَإِنَّ سَفَرَه أَقْرَبُ مِمَّا ضَرَبْتَ إِلَيْه ثُمَّ أَعْلِمْه أَنَّ مَطْرَانَ عُلْيَا الغُوطَةِ([52]) ـ غُوطَةِ دِمَشْقَ هُوَ الَّذِي أَرْشَدَنِي إِلَيْكَ وهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ كَثِيراً ويَقُولُ لَكَ إِنِّي لأُكْثِرُ مُنَاجَاةَ رَبِّي أَنْ يَجْعَلَ إِسْلَامِي عَلَى يَدَيْكَ فَقَصَّ هَذِه القِصَّةَ وهُوَ قَائِمٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى عَصَاه ثُمَّ قَالَ إِنْ أَذِنْتَ لِي يَا سَيِّدِي كَفَّرْتُ لَكَ([53]) وجَلَسْتُ فَقَالَ آذَنُ لَكَ أَنْ تَجْلِسَ ولَا آذَنُ لَكَ أَنْ تُكَفِّرَ فَجَلَسَ ثُمَّ القَى عَنْه بُرْنُسَه ثُمَّ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ تَأْذَنُ لِي فِي الكَلَامِ قَالَ: نَعَمْ، مَا جِئْتَ إِلَّا لَه، فَقَالَ لَه النَّصْرَانِيُّ ارْدُدْ عَلَى صَاحِبِي السَّلَامَ أومَا تَرُدُّ السَّلَامَ فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ علیه السلام  عَلَى صَاحِبِكَ إِنْ هَدَاه الله ـ فَأَمَّا التَّسْلِيمُ فَذَاكَ إِذَا صَارَ فِي دِينِنَا فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَصْلَحَكَ الله قَالَ سَلْ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِ الله تَعَالَى الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ونَطَقَ بِه ثُمَّ وَصَفَه بِمَا وَصَفَه بِه، فَقَالَ * (حم. والكِتابِ المُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناه فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ([54])* مَا تَفْسِيرُهَا فِي البَاطِنِ؟.

 فَقَالَ أَمَّا * (حم) * فَهُوَ مُحَمَّدٌ  صلى الله عليه وآله وسلم  وهُوَ فِي كِتَابِ هُودٍ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْه وهُوَ مَنْقُوصُ الحُرُوفِ وأَمَّا *(الكِتابِ المُبِينِ)* فَهُوَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ علیه السلام  وأَمَّا اللَّيْلَةُ فَفَاطِمَةُ علیه السلام  وأَمَّا قَوْلُه *(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)* يَقُولُ يَخْرُجُ مِنْهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ فَرَجُلٌ حَكِيمٌ ورَجُلٌ حَكِيمٌ ورَجُلٌ حَكِيمٌ فَقَالَ الرَّجُلُ صِفْ لِيَ الأَوَّلَ والآخِرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ، فَقَالَ إِنَّ الصِّفَاتِ تَشْتَبِه ولَكِنَّ الثَّالِثَ مِنَ القَوْمِ أَصِفُ لَكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَسْلِه وإِنَّه عِنْدَكُمْ لَفِي الكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تُغَيِّرُوا وتُحَرِّفُوا وتُكَفِّرُوا وقَدِيماً مَا فَعَلْتُمْ قَالَ لَه النَّصْرَانِيُّ إِنِّي لا أَسْتُرُ عَنْكَ مَا عَلِمْتُ ولا أُكَذِّبُكَ وأَنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ فِي صِدْقِ مَا أَقُولُ وكَذِبِه والله لَقَدْ أَعْطَاكَ الله مِنْ فَضْلِه وقَسَمَ عَلَيْكَ مِنْ نِعَمِه مَا لَا يَخْطُرُه الخَاطِرُونَ ولا يَسْتُرُه السَّاتِرُونَ ولا يُكَذِّبُ فِيه مَنْ كَذَّبَ فَقَوْلِي لَكَ فِي ذَلِكَ الحَقُّ كَمَا ذَكَرْتُ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْتُ([55]) فَقَالَ لَه أَبُو إِبْرَاهِيمَ علیه السلام  أُعَجِّلُكَ أَيْضاً خَبَراً لا يَعْرِفُه إِلَّا قَلِيلٌ مِمَّنْ قَرَأَ الكُتُبَ أَخْبِرْنِي مَا اسْمُ أُمِّ مَرْيَمَ وأَيُّ يَوْمٍ نُفِخَتْ فِيه مَرْيَمُ ولِكَمْ مِنْ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ وأَيُّ يَوْمٍ وَضَعَتْ مَرْيَمُ فِيه عِيسَى علیه السلام  ولِكَمْ مِنْ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ؟.

 فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ لا أَدْرِي فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ علیه السلام : أَمَّا أُمُّ مَرْيَمَ فَاسْمُهَا مَرْثَا وهِيَ وَهِيبَةُ بِالعَرَبِيَّةِ، وأَمَّا اليَوْمُ الَّذِي حَمَلَتْ فِيه مَرْيَمُ فَهُوَ يَوْمُ الجُمُعَةِ لِلزَّوَالِ وهُوَ اليَوْمُ الَّذِي هَبَطَ فِيه الرُّوحُ الأَمِينُ ولَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ كَانَ أَوْلَى مِنْه عَظَّمَه الله تَبَارَكَ وتَعَالَى وعَظَّمَه مُحَمَّدٌ  صلى الله عليه وآله وسلم  فَأَمَرَ أَنْ يَجْعَلَه عِيداً فَهُوَ يَوْمُ الجُمُعَةِ!، وأَمَّا اليَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْ فِيه مَرْيَمُ فَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثَاءِ لأَرْبَعِ سَاعَاتٍ ونِصْفٍ مِنَ النَّهَارِ والنَّهَرُ الَّذِي وَلَدَتْ عَلَيْه مَرْيَمُ عِيسَى÷ هَلْ تَعْرِفُه؟، قَالَ لا، قَالَ هُوَ الفُرَاتُ وعَلَيْه شَجَرُ النَّخْلِ والكَرْمِ ولَيْسَ يُسَاوَى بِالفُرَاتِ شَيْءٌ لِلْكُرُومِ والنَّخِيلِ فَأَمَّا اليَوْمُ الَّذِي حَجَبَتْ فِيه لِسَانَهَا ونَادَى قَيْدُوسُ وُلْدَه وأَشْيَاعَه فَأَعَانُوه وأَخْرَجُوا آلَ عِمْرَانَ لِيَنْظُرُوا إِلَى مَرْيَمَ فَقَالُوا لَهَا مَا قَصَّ الله عَلَيْكَ فِي كِتَابِه وعَلَيْنَا فِي كِتَابِه فَهَلْ فَهِمْتَه؟، قَالَ نَعَمْ وقَرَأْتُه اليَوْمَ الأَحْدَثَ، قَالَ إِذَنْ لا تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ حَتَّى يَهْدِيَكَ الله!.

 قَالَ النَّصْرَانِيُّ مَا كَانَ اسْمُ أُمِّي بِالسُّرْيَانِيَّةِ وبِالعَرَبِيَّةِ؟، فَقَالَ كَانَ اسْمُ أُمِّكَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ عَنْقَالِيَةَ وعُنْقُورَةَ كَانَ اسْمُ جَدَّتِكَ لأَبِيكَ وأَمَّا اسْمُ أُمِّكَ بِالعَرَبِيَّةِ فَهُوَ مَيَّةُ وأَمَّا اسْمُ أَبِيكَ فَعَبْدُ المَسِيحِ وهُوَ عَبْدُ الله بِالعَرَبِيَّةِ ولَيْسَ لِلْمَسِيحِ عَبْدٌ!، قَالَ صَدَقْتَ وبَرِرْتَ، فَمَا كَانَ اسْمُ جَدِّي؟، قَالَ كَانَ اسْمُ جَدِّكَ ـ جَبْرَئِيلَ وهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمَّيْتُه فِي مَجْلِسِي هَذَا، قَالَ أَمَا إِنَّه كَانَ مُسْلِماً قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ علیه السلام  نَعَمْ وقُتِلَ شَهِيداً دَخَلَتْ عَلَيْه أَجْنَادٌ فَقَتَلُوه فِي مَنْزِلِه غِيلَةً والأَجْنَادُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ!، قَالَ فَمَا كَانَ اسْمِي قَبْلَ كُنْيَتِي؟، قَالَ كَانَ اسْمُكَ عَبْدَ الصَّلِيبِ!، قَالَ فَمَا تُسَمِّينِي؟، قَالَ أُسَمِّيكَ عَبْدَ الله، قَالَ فَإِنِّي آمَنْتُ بِالله العَظِيمِ وشَهِدْتُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه فَرْداً صَمَداً لَيْسَ كَمَا تَصِفُه النَّصَارَى ولَيْسَ كَمَا تَصِفُه اليَهُودُ ولا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الشِّرْكِ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه أَرْسَلَه بِالحَقِّ فَأَبَانَ بِه لأَهْلِه وعَمِيَ المُبْطِلُونَ، وأَنَّه كَانَ رَسُولَ الله إِلَى النَّاسِ كَافَّةً إِلَى الأَحْمَرِ والأَسْوَدِ كُلٌّ فِيه مُشْتَرِكٌ فَأَبْصَرَ مَنْ أَبْصَرَ واهْتَدَى مَنِ اهْتَدَى وعَمِيَ المُبْطِلُونَ وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ، وأَشْهَدُ أَنَّ وَلِيَّه نَطَقَ بِحِكْمَتِه وأَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَه مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَطَقُوا بِالحِكْمَةِ البَالِغَةِ وتَوَازَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ لله وفَارَقُوا البَاطِلَ وأَهْلَه والرِّجْسَ وأَهْلَه هَجَرُوا سَبِيلَ الضَّلَالَةِ ونَصَرَهُمُ الله بِالطَّاعَةِ لَه وعَصَمَهُمْ مِنَ المَعْصِيَةِ فَهُمْ لله أَوْلِيَاءُ ولِلدِّينِ أَنْصَارٌ يَحُثُّونَ عَلَى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِه، آمَنْتُ بِالصَّغِيرِ مِنْهُمْ والكَبِيرِ ومَنْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ ومَنْ لَمْ أَذْكُرْ وآمَنْتُ بِالله تَبَارَكَ وتَعَالَى رَبِّ العَالَمِينَ ثُمَّ قَطَعَ زُنَّارَه وقَطَعَ صَلِيباً كَانَ فِي عُنُقِه مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ قَالَ مُرْنِي حَتَّى أَضَعَ صَدَقَتِي حَيْثُ تَأْمُرُنِي فَقَالَ هَاهُنَا أَخٌ لَكَ كَانَ عَلَى مِثْلِ دِينِكَ وهُوَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِكَ مِنْ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وهُوَ فِي نِعْمَةٍ كَنِعْمَتِكَ فَتَوَاسَيَا وتَجَاوَرَا ولَسْتُ أَدَعُ أَنْ أُورِدَ عَلَيْكُمَا حَقَّكُمَا فِي الإِسْلَامِ فَقَالَ والله أَصْلَحَكَ الله إِنِّي لَغَنِيٌّ ولَقَدْ تَرَكْتُ ثَلَاثَمِائَةِ طَرُوقٍ([56]) بَيْنَ فَرَسٍ وفَرَسَةٍ وتَرَكْتُ الفَ بَعِيرٍ فَحَقُّكَ فِيهَا أَوْفَرُ مِنْ حَقِّي، فَقَالَ لَه أَنْتَ مَوْلَى الله ورَسُولِه وأَنْتَ فِي حَدِّ نَسَبِكَ عَلَى حَالِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُه وتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فِهْرٍ وأَصْدَقَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ علیه السلام  ([57])خَمْسِينَ دِينَاراً مِنْ صَدَقَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام  وأَخْدَمَه وبَوَّأَه وأَقَامَ حَتَّى أُخْرِجَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ علیه السلام  فَمَاتَ بَعْدَ مَخْرَجِه بِثَمَانٍ وعِشْرِينَ لَيْلَةً ([58]).

2: الإنجيلُ ومقامُهُ عندَ خاتمِ النبيين:

 إنَّ النبيَّ الأكرم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  يرسمُ لنا صورةً ناصعةً في مقامِ هذهِ الكتبِ المباركة، لذا نجدهُ يفهِّمنا أمراً مهمّاً كما في هذا الخبر الشريفِ:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ سَعْدٍ الإِسْكَافِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله  صلى الله عليه وآله وسلم : أُعْطِيتُ السُّوَرَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وأُعْطِيتُ المِئِينَ مَكَانَ الإِنْجِيلِ، وأُعْطِيتُ المَثَانِيَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وفُضِّلْتُ بِالمُفَصَّلِ ثَمَانٌ وسِتُّونَ سُورَةً، وهُوَ مُهَيْمِنٌ عَلَى سَائِرِ الكُتُبِ والتَّوْرَاةُ لِمُوسَى والإِنْجِيلُ لِعِيسَى والزَّبُورُ لِدَاوُدَ([59])،([60]).

3: نزولُ الإنجيل:

 وفي شأنِ نزولهِ المبارك على قلبِ روحِ الله وكلمتهِ عيسى بن مريم÷ أخبارٌ جليلةٌ، توحي عظيمَ منـزلتهِ، وعلوَّ شأنهِ ومقامهِ، ومن بينها:

 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام  قَالَ: نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ فِي سِتٍّ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ونَزَلَ الإِنْجِيلُ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ونَزَلَ الزَّبُورُ فِي لَيْلَةِ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ونَزَلَ القُرْآنُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ([61]).

 وفي خبرٍ آخرٍ: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه ومُحَمَّدِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام ، قَالَ سَالتُه عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: *(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيه القُرْآنُ)* وإِنَّمَا أُنْزِلَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً بَيْنَ أَوَّلِه وآخِرِه!، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام : نَزَلَ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى البَيْتِ المَعْمُورِ، ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وآله وسلم : نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانِيَةَ عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وأُنْزِلَ القُرْآنُ فِي ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ([62]).

4: الإنجيلُ والإستشهادُ بهِ من قبلِ أهلِ البيت علیهم السلام :

فلقد استشهَدَ واستدلَّ واحتجَّ بهِ أهلُ بيتِ النبوَّةِ والعصمةِ والطهارةِ عليهم الصلاةُ والسلام عموماً، مراراً وتكراراً وفي مناسباتٍ عديدةٍ!، وتبعهم بذلك علماءُ الأمَّة جميعاً، وفي ذلك أخبارٌ مهمَّةٌ، منها:

 عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ المِنْقَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ البَرِيدِ عَنْ أَبِيه قَالَ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ÷ فَسَأَلَه عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ، ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ÷: مَكْتُوبٌ فِي الإِنْجِيلِ لا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لا تَعْلَمُونَ ولَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ، فَإِنَّ العِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِه لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُه إِلَّا كُفْراً، ولَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلَّا بُعْداً ([63]).

 الفصلُ الثاني

بيانُ الإنجيلِ ومَن سَبَقَهُ، في توضيحِ أصلِ مشروعِ الله الأقدسِ في آخرِ الزمانِ، وفيهِ:

 تَمهيدٌ:

 بيانُ ملحمةِ ذبيحِ الله الأعظمِ، التي أسَّست لقيامِ المُنقذِ المُنتظر في آخرِ الزمان.

 إنَّ للثورةِ الإلهيَّةِ العالميةِ العظمى، والتي سيقودها رجلُ الله المقدَّس الموعود في آخر الزمان، وفي يوم الله الأعظم، قواعِدٌ متينةٌ، وأُسُسٌ رصينةٌ، ممتدَّةٌ عبر التأريخ الطويل لعموم البشريَّة، ثابتةٌ في أعماق قلوب الأنبياء والرسلِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ وأتباعهم من المؤمنين الخيِّرينَ، مسطَّرةٌ بأحرفٍ من نورٍ في كتبِ الله المقدَّسةِ المباركةِ؛ وتبتني تلكَ الثورةُ المباركةُ الكبرى على لَبِناتٍ قويَّةٍ مبنيَّة سَلَفاً، وهيَ غايةٌ في الصلابةِ والمتانةِ والأصالة والأحقيَّةِ والمشروعيَّة والقانونيَّة الواضحةِ، التي ليسَ عليها أَيّ غبار، ولا يلحقها شكٌّ ولاريبٌ، ولعلَّنا في المبحث التالي سنقفُ على شيءٍ من ذلك. وكذلك في الفصلين القادمين بعونِ الله تعالى، وذلكَ لإتمامِ الفائدةِ في هذا الموضوع المهمّ، انشاءَ الله تعالى!.

بيانُ الأركانِ الشرعيَّةِ والتأريخيَّةِ لقيامِ المُنقذِ المبارك

إنّ الثورةَ الالهية العظمى التي سيقودها المنقذ الموعود (قرّب الله يومه الشريف)، لم تكن ثورة إبتدائيّة إجتهاديّة تأتي ردّاً على واقعٍ فاسدٍ معاصرٍ لها، لتغيّرَ تغييراً محدوداً في أمّة من الأمم، أو شعب من الشعوب فحسب([64])، بل لها جذور شرعيّة وتاريخيّة عميقة جدّاً، ولها إرثٌ حقوقيّ وقانونيّ مميّزٌ جدّاً وبجدارةٍ!، فهي امتدادٌ طبيعيٌّ شرعيٌّ ـ لثورةالذبيحِ المبارك حسب الأسفارِ المقدَّسةِ!، وعندنا أيضاً ثورةُ السبطِ المبارك المذبوح، ألا وهو الإمامُ المظلوم الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیهم السلام  ـ ومكملةٌ لها والجانية لثمارها.

 فكانت ثورة سبط رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  وسيّد شباب أهل الجنّة ألإلهيّة الكبرى ضدّ الشياطين المتفرعنين ثورةً مُؤَسِّسةً، وجاءت ضمن تخطيط وتقدير ربّانيٍّ عجيب، وكان بتقدير الله سبحانه وتعالى أن تبقى جذوتها مستعرة في الأرض لا تُطفأ ولا تهدأُ أبداً!، برغم الإبادة الجماعيّة لآلِ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  وثقلهِ وعائلتهِ الشريفةِ المقدّسةِ ورحلهِ المبارك وأتباعهم الأبرارِ الميامين الذينَ فَدَوهم بالأرواح!.

 ومن خلال الإطّلاع على خصائص ومزايا الثورتين المباركتين يبدو واضحاً أنّ ثورة السبط المستشهد وثورة المصلح الأعظم في آخر الزمان هما كالشيء الواحد، وهما امتداد للخطّ الإلهيّ المقدّس في هذا العالم. ويتّضح من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عندّ المسلمين، ومن النصوص المقدسة في العهدين وخاصةً الإنجيل، انَّ الذين ذبحوا الحسينَ صلواتُ الله عليهِ، واهلَ بيتهِ الأطهار علیهم السلام  وصحبَهُ الميامين وأتباعهم من أهلِ المروءةِ والغيرةِ والشرفِ الباذخ، والذينأَصرّوا على عِدائهم، واستمروا في ظلمهم، واجتهدوا في ايذائهم، الىحين ظهور وقيام منجي العالمين، المنتقم من الظالمين، المهدي#، هم اعداءُ الله تبارك وتعالى الحقيقيينَ الأصليينَ، وسينتقمُ الله منهم بصورة مرعبةٍ، وليسَ لها مثيلٌ في كلِّ العوالمِ. وسنقفُ على شيءٍ من ذلك، في القرآنِ الكريم أولاً، وفي الإجيلِ وفي مَن سبقَهُ من الأسفارِ في السطورِ التاليةِ إنشاء الله عزَّ وجلَّ، وبعونهِ فهوَ الناصرُ والمعينُ:

اولاً ـ في القرآن الكريم:

1: في قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنةٌ ويكونُ الدينُ لله فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظالمين)([65]).

 عن الحسن بياع الهروي يرفعه عن أحدهما÷ في قوله: (لا عدوان إلا على الظالمين) قال: إلّا على ذريةِ قتلةِ الحسين علیه السلام ([66]).

 وعن إبراهيم، عمن رواه، عن أحدهما÷ قال: قلت: (فلا عدوان إلا على الظالمين) قال: لا يعتدي الله على أحد إلا على نسلِ ولدِ قتلة الحسين  علیه السلام ([67]).

 وحدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا  علیه السلام : يا بن رسول الله ما تقول في حديث روى عن الصادق  علیه السلام : أنه قال: إذا خرج القائم  علیه السلام  قتل ذراري قتلة الحسين  علیه السلام  بفعال آبائهم؟، فقال  علیه السلام : هو كذلك فقلت: وقول الله عز وجل: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ما معناه؟، قال: صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتله الحسين  علیه السلام  يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضيَ شيئاً كان كمن أتاه ولو أن رجلاً قُتل بالمشرق فرضيَ بقَتله رجلٌ في المغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريكُ القاتل، وإنما يقتلهم القائم علیه السلام  إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم قال: فقلت له: بأي شئ يبدأ القائم علیه السلام  منكم إذا قام؟، قال: يبدأ ببني شيبةَ، فيقطع أيديهم لأنهم سراق بيت الله عز وجل([68]).

 وعن محمد بن الأرقط، عن أبي عبد الله  علیه السلام  قال: قال لي: تنـزل الكوفة؟ فقلت: نعم، فقال: ترون قتلة الحسين  علیه السلام  بين أظهركم؟، قال: قلت: جعلت فداك ما بقي منهم أحد، قال: فأنت إذا لا ترى القاتل إلا من قتل، أو من وليَ القتل؟!، ألم تسمع إلى قول الله: (قل قد جاءكم رسلٌ من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين)، فأي رسول قتل الذين كان محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  بين أظهرهم، ولم يكن بينه وبين عيسى رسول، وإنما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين([69]).

 وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله  علیه السلام  في قول الله عز وجل: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها) قال: إن الله بعث إلى بني إسرائيل نبياً يقالُ له إرميا...، (إلى أن قال): فأوحى الله إليه أن قل لهم ان البيت بيت المقدس، والغرس بنو إسرائيل، عملوا بالمعاصي فلأسلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم، فان بكوا إلي لم أرحم بكاءهم وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ثم لأخربنها مأة عام، ثم لأعمرنها، فلما حدثهم اجتمع العلماء، فقالوا: يا رسول الله ما ذنبنا نحن ولم نكن نعمل بعملهم؟ فعاود لنا ربك، (إلى أن قال): ثم أوحى الله قل لهم: لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فسلط الله عليهم بخت نصر فصنع بهم ما قد بلغك الحديث([70]).

 في عقاب الأعمال: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن محمد ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله  علیه السلام  قال: سمعته يقول: القائم والله يقتل ذراري قتلة الحسين  علیه السلام  بفعالِ آبائها([71]).

روي عن الصادق  علیه السلام  قال: «لما كان منأمر الحسين ما كان، ضجّت الملائكة وقالوا: يا ربّنا هذا الحسين صفيّك وابن بنت نبيّك قال: فأقام الله ظل القائم  علیه السلام  وقال: بهذا أنتقم لهذا([72]).

قلتُ: وهناكَ المزيدُ من الأدلَّةِ والرباهين، على ذلك، التي نخلصُ منها لليقينِ الذي لا لبسَ فيهِ أبداً، من خلالِ الأدلَّةِ العقليَّةِ والنقليَّةِ والوجدانيَّةِ، بل وصلَ بهمُ الأمرُ اليوم، إلى ابتكارِ طرقٍ شيطانيَّةٍ وأساليبَ رذيلةٍ قذرةٍ في الفتكِ والغدرِ والخيانةِ لم تصل إليها أسلافُهمُ الطالحة معَ شدَّةِ القسوةِ والنكالِ، والأمرُ جليٌّ لمن يُبصرُ!.

وقد كانت تلكَ الذراري ملعونةٌ بالفعلِ في الأصلابِ، على لسانِ الأنبياءِ والأوصياء والصالحين عليهمُ الصلاةُ والسلامُ، إذ كانوا عليهمُ السلامُ يدينونَ لله بالولايةِ لمحمدٍ وآلِ محمدٍ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ وبالبراءةِ من أعدائهم عليهم لعنةُ الله!.

 قال صاحبُ الكامل(أعلا الله مقامهُ):

 كما ان روح الله المسيح  علیه السلام  كان يخبر بقتل الحسين  علیه السلام  مراراً وتكراراً وفي مناسبات عديدة، ويلعن قاتليه ويأمر بني اسرائيل بلعنهم ويقول: (من ادرك ايامه فليقاتل معه، فانه كالشهيد مع الانبياء مقبلاً غير مدبر وكأني انظر الى بقعتهِ، وما من نبي الا وزارها، وقال: إنّكِ لبقعةٌ كثيرة الخير، فيك يدفن القمر الزاهر)([73]).

 وذكر الصدوق (أعلا الله مقامهُ): ان عيسى علیه السلام  مرّ بأرض كربلاء، وتوقف فوق مطارح الطف ولعن قاتلي الحسين ومهدري دمهُ الطاهر فوق الثرى([74]).

 2: في قوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)([75]).

حدثنا أحمد بن محمد الهيثم العجلي ـ رضي الله عنه ـ قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله  علیه السلام  يقول: إن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  نظر إلى علي والحسن والحسين علیهم السلام  فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي!، قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟، قال: معناه أنكم الأئمة بعدي، إن الله عز وجل يقول: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)، فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة([76]).

ثانياً ـ في سفرِ النبيِّ ارميا:

فقد جاء في (سفر ارميا): ان التوراة قد اخبرت بانتقام صاحب الزمان # من قتلة الحسين سيد الشهداء  علیه السلام ، حيث قالت: ﴿* اعدّوا المجـن والترس وتقدموا للـحـرب، اسرجوا الخيل، واصعدوا ايها الفرسان وانتضـبوا بالخوذ، اصقلوا الرماح، البسوا الدروع، لـماذا أراهم مرتعبين ومدبرين الى الوراء، وقـد تحطمت ابطالهم وفرّوا هاربين ولم يلتفتوا. الخوف حواليهم. يقول الرب: الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو. في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. مـن هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواجهـا([77])...*﴾ الى ان تقول: ﴿*...اصعدي ايتها الخيل وهيجي المركبات ولتخرج الابطال، كوش وفوط القابضان المجن واللوديون القابضون القوس. فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم*﴾. ثم تذكر التوراة ان السبب في هذا الانتقام من الاعداء هو ما يلي: ﴿*ان للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات*﴾([78]).

 وقد اورد صاحب كتاب (البحث عن الحقيقة) ص 49 بالانجليزية هذا النص أيضاً كأحد ادلّة التوراة على خروج صاحب الزمان، وقتل اعداء الله فراجع([79]).

إخبارُ ارميا وتحليلهُ:

 

 كما وأخبر (ارميا): بمعركة كربلاء الدامية قرب نهر الفرات، فقد جاء في سفر (ارميا): ﴿* في ذلك اليوم يسقط القتلى في المعركة، قرب نهر الفرات، وتشبع الحرب والسيوف وترتوي من الدماء التي تسيل في ساحة المعركة، بسبب مذبحة رب الجنود في الارض تقع شمال نهر الفرات*([80]).

حيثُ جاء في الانتصار: أرميا النبي يخبر عن مذبحة كربلاء: جاء في سفر أرميا: (في هيوم ههو كاشلوا في نافلوا تسافونا عل يد نهر فرات في آكلا حيرب في سابعا في راوتا من دمام كي زيبح لأدوناي يهفا تسفاؤوت با إيرتس تسافون إل نهر فرات)([81]).

يعني هذا النص: في ذلك اليوم يسقط القتلى...الخ([82]). فالنص الذي أخبر عنه النبي أرميا يكشف بكل وضوح عن ملحمة الطف في كربلاء الحسين  علیه السلام . فإخبار إرميا النبي بسقوط الشهداء وارتواء السيوف من دمائهم على أرض تقع على نهر الفرات يدل دلالة واضحة على أن هذه الأرض هي كربلاء، لأن عبيد الله بن زياد عندما بعث عمر بن سعد على رأس الجيش فلقي الحسين  علیه السلام  بموضع على الفرات يقال له كربلاء، فمنعوا عنه الماء وحالوا بينه وبين ماء الفرات. ويتضح من خلال هذين النصين المتقدمين وما تضمناه من تنبؤات بما سيحدث على أرض كربلاء وما سيلاقيه سيد الشهداء، ويتطابق مع ما ورد عن الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  والأئمة علیهم السلام  بشأن مظلومية الحسين علیه السلام  والإشارة إلى مكان استشهاده، والحسين  علیه السلام  كان طفلاً صغيراً!)([83]).

ولابدَّ أن نشير هنا إلى مسئلةٍ مهمَّةٍ وتستحقُّ الوقوف عندها مليّاً وفي منتهى التفكر والتأمُّل!، ولكننا نذكرها بالإشارة خوف الإطالة وهي: أنَّهُ قد أجمعت الأسفار المقدَّسة في العهدين على حقيقةٍ مهمَّةٍ وهي من القضايا المحوريَّةِ، وقد وردَ ذكرها كثيراً بطرقِ ومناسباتٍ متعدِّدةٍ، ويَبدو أنَّ لها شأناً عظيماً ومنـزلةً كبيرةً عندَ الله عزَّ وجلَّ، ألا وهي قضيَّةُ: (الكبشِ المذبوح)، أو (الذبيحُ المبارك)!، التي حَيَّرت الأعاظم من الصالحين على مدى تأريخِ الإنسانيَّةِ الطويل!، وسنخصِّصُ لها بحثاً يليقُ بها وبشأنها بعدَ هذا المبحث الذي نحنُ بصددِ إكمالهِ!.

وأما في مجال الاخبار بالملحمة الالهية العظمى في كربلاء وما يرافقها من فواجع وأنّ المذبوح فيها له شأنٌ عظيم وأنّه استشهد من أجل إنقاذ الشعوب وألأمم فهي تبدو بأروعِ صورها في الإنجيل كما في النصِّ الآتي تحت هذا العنوان:

ثالثاً: في الإنجيل

فقد اخبر (يوحنا): بان الحسين  علیه السلام  قدم دمه الطاهر قرباناً لله تبارك وتعالى وانه جسَّدَ البطولة الإلهية والتضيحة باعلى مراتبها، فقد جاء في سفر يوحنا: ﴿*انك الذي ذُبحت، وقدمت دمك الطاهر قرباناً للرب، من اجل انقاذ الشعوب والامم، وسينال هذا الذبيح المجد والعزة والكرامة والى الابد لأنَّهُ جسّد البطولة والتضحية بأعلى مراتبها*([84]).

وجاء في الانتصار: يوحنا النبي يخبر عن الإمام الحسين علیه السلام : في سفر يوحنا (بالعبرية): (كي أتا نشحطتا في بدمخا قانيتا لإيلوهيم من كل مشبحا ولا شون وعم وكوي في إيريه في إشمع كول ملا خيم ربيم كورئيم عوشر في حاخما في كبورها في هدار كافود في براخا). ويعني هذا النص: أنك الذي ذبحت وقدمت دمك الطاهر قربانا للرب...الخ([85]).

فيشير النص العبري إلى الإمام الحسين  علیه السلام  من خلال ما جاء على لسان النبي يوحنا بأنه المذبوح الذي ضحى بنفسه من أجل الله، وأنه سينال المجد والعزة على مرِّ العصور والأجيال، وهذا ما يتضح من خلال التحليل اللغوي للنص العبري حيث نجد الإشارة إلى أنه ذبح وقتل، من خلال صيغة اسم الفاعل (نشحطتا) وهي مشتقة من الفعل (شاحط) أي ذبح أو قتل([86]).

ثم نجد في النص العبري تأكيداً آخر على أن المذبوح يشري دمه الطاهر قربة إلى الله وابتغاء مرضاته من خلال عبارة (بدمخا قانيتا) فالفعل (قانيتا). هو بالأصل (قانا): أي اشترى وباع والتاء في قانيتا، هي تاء المخاطب([87]).

 ثم يؤكد النص على أن الله سيجعل لسيد الشهداء المجد والكرامة والعزة، وهذا ما ينطبق على سيد الشهداء المذبوح بكربلاء، والذي انفرد بهذه الخصوصية التي ميزتهُ عن بقية الشهداء على مرِّ التاريخ([88]).

ولأهميّةِ هذا النصِّ المقدَّس يجب التوقف عندهُ قليلاً وبيان ما يشيرُ اليه من معانٍ جليلةٍ لأهميَّتها العلمية والعقائدية، ومنها ما نستطيع اجمالهُ بما يلي:

1: ان الربَّ تبارك وتعالى يوجّه خطابَهُ المبارك الى حبيبه ـ الذي ذُبحَ من أجله ـ بدون واسطة في عالم ماوراء المادة، بل في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ والإستحقاقِ!، وهذا المخاطب قريبٌ منهُ جدّاً، بل في منتهى القرب والدنوِّ والإلتصاقِ ـ ان صحَّ التعبيرُ، لأنَّهُ محيطٌ بالعوالمِ ولا يخلو منهُ مكانٌ، فالمرادُ هنا هو القربُ الروحيُّ وهو أعظمُ من أيِّ قربٍ آخر ـ ، فيقول: (انك الذي ذُبحت)، وهو يعني: منتهى القربِ والدنوِّ من الربّ عزَّ وجلَّ، في كلِّ العوالمِ والنشئآتِ.

2: ان هذا المذبوح قد ذُبحَ فعلاً وواقعاً، وقدَّم دمهُ الطاهر قرباناً للربّ عزَّ وجلَّ. وأنهُ قد أُريقَ دمهُ الذي وصفهُ المولى سبحانهُ وتعالى بـ(الطاهر)، تقرُّباً لمعبودهِ الأوحد، فهو كان خلال تضحيتهِ الفادحةِ في أعظمِ عبادةٍ شريفةٍ ليس كمثلها عبادة قط!.

وهذا يعني: انهُ خرج بكلِّ جرأةٍ وإقدامٍ وشجاعةٍ، وجاهدَ جهادَ بطلِ الأبطالِ، وقدّم دمهُ الطاهر الزكي وفق تعاليم وأوامر وهديِ الربّ عزَّ وجلَّ، وهذا واضحٌ من كلِّ فقرات النصِّ، وخاصةً في قولِ ربِّهِ ومحبوبهِ الأبديّ: (وقدمت دمك الطاهر قرباناً للرب)، فكانت نيَّةُ القربى الخالصة سابقةً لكلِّ خطاهُ الثابتةِ وفي كلِّ العوالمِ!.

3: ان حبيبهُ أراق دمهُ الطاهر الزكي، لهدفٍ ربانيٍّ سامٍ عظيمٍ، وهوَ انقاذ الشعوب والأُمم جميعاً، أي انهُ سيعم إنقاذ جميع الشعوب والأُمم قاطبةً بسبب تضحيةِ هذا الرجل الالهي المقدس المذبوح. ولذا فهذا المنقذ للشعوب والأُمم بدمهِ الطاهر ليس حكراً على طائفة أو أُمةٍ أو شعبٍ بل هو للجميع ومن أجل كلِّ البشر، والتحليلُ النفسيُّ للنصِّ واضحُ البيانِ!.

4: وجزاء وثواب هذا الذبيح أن يعطيه ربُّهُ عزَّ وجلَّ المجدَ والعزّة والكرامة الى الأبد. وهو اطلاقٌ في اللانهاية والخلود!. فيعطيه ربهُ وحبيبهُ الصفات الربانية العظمى التي تليق بكرم المولى وبحجم التضحية التي قدّمها الحبيب، لذا فهو يعطيه المجد وهو المجيد، ويعطيه العزة وهو العزيز، ويعطيه الكرامة وهو الكريم، وهكذا، فهوَ مظهرٌ لأسماءِ وصفاتِ وتجلياتِ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، بل هو انعكاسٌ لنورهِ المبارك في كلِّ العوالمِ!.

5: وكلُّ هذا العطاء الجزيل، والثناء المنقطع النظير، والحبّ الذي ليس لهُ مثيل، لأنهُ جسَّدَ البطولة الإلهية والتضحية الجسيمة بكل ما يملك، جسَّد كل ذلك وبأعلى المراتب التي رسمها الربُّ جلَّ وعلا في هذه النشأة، والتي ليس لها مرتبةٌ أعلى بعد، أي بأعلى حدٍّ في تكامل الإنسان في هذا العالمِ!.

 من هوَ الذَّبيحُ المبارك في الأسفار المقدَّسة؟.

وهذا الكبشُ المذبوحُ بحسب الأسفار المقدَّسة: هو ذلك الرجلُ الإلهي المقدَّس الذي قدَّمَ دمهُ الطاهر الزاكي قرباناً للربِّ تبارك وتعالى من أجلِ انقاذ الشعوب والأُمم، وأنَّهُ هو الذي أُريقَ دمُهُ من أجلِ كلمةِ الربِّ وشهادتهِ للحقِّ سبحانهُ وتعالى، وأنَّهُ هو الوحيد الذي فكَّ السفر الإلهي المقدَّس وحلَّ رموزَهُ ونظرَ الى مافيهِ([89])، وذلكَ حسب استعداده المدهش العجيب لفداء الله ودينهِ وشرائعهِ بكُلِّ ما يملكُ، بما في ذلك نفسهُ المقدَّسة العزيزة، وأنَّهُ نالَ بذلكَ الذبحِ والقتلِ والصبرِ المجدَ والعزَّةَ والكرامةَ الى أبد الآبدين، لأنَّه ضَحّى للربِّ بأعلى وأعظم تضحيةٍ والتي ليسَ فوقها تضحيةٌ قط، وأنه يجلسُ عن يمين عرش الله عزَّ وجلَّ، أَكرمهُ وحباهُ بذلك جبار السماوات والأرض، وأنَّهُ لم يُدرَك ثأرُهُ الإلهيِّ المقدَّس إلّا في آخر الزمان على يدَي المنتقم والمنقذ والصاحب الذي هو البقيَّةُ المباركةُ من ذريَّةِ الأنبياء علیه السلام ...الخ([90]).

نعم بهذا وغيرهِ صرَّحت الأسفار المقدَّسة، بل هذا الذي أوردناهُ إجمالٌ بتضييقٍ وغيضٌ من فيضٍ. هذا وقد فسَّر الأعمُّ الأغلب من أهل الكتاب، أنَّ المَعنيَّ بذلك كلِّهِ هو (النبيُّ إسحاق عليه الصلاة والسلام) فقط لاغير!، ووافقهم على ذلك بعضُ المسلمين لإستنادهم الى بعض الروايات في هذا المجال([91])، فيما فسَّرَ الأعمُّ الأغلب من علماء المسلمين ذلكَ، بكونهِ (النبيُّ إسماعيل بن إبراهيم÷) بحسبِ ماعندهم([92]).

ولكنَّنا وللحقِّ والإنصافِ نقول: أننا لو أمعنّا النظر وتحقَّقنا من الأمر، لوجدنا أنَّ كلا النَّبيَّينِ الكريمين المشار اليهما، لم يُذبحا حقيقةً، ولم يراق دمهما المبارك على وجهِ الأرضِ أَبداً، ولم يذوقا حتّى أَلَمَ السكينِ أو الخنجرِ، بل ولا أقلَّ من ذلك ولا أكثر!.

وهذهِ لعمري، حقيقةٌ دامغةٌ لايتوقَّفُ فيها أَحدٌ على الإطلاقِ. فكيف توفِّقون بين كلامكم وتفسيراتكم أيها العلماء الأجلاء العظام من الاولين والآخرين وبين النصوص الإلهيَّةِ المباركة!؟، والى كم سيطولُ هذا السباتُ الممِلُّ من جميع البشر([93])؟، والى أيِّ مدى سيصلُ هذا التعامي عن أَمرِ الله جلَّ شأنهُ؟.

 وبعد، فقد أشارت النصوص المقدَّسة الى أنَّ هذا المذبوح العظيم العزيز على الله تبارك وتعالى قد خاضّ معركةً ضاريةً ضدَّ أعداء الله المجرمين بجمعٍ قليلٍ من الأولياءِ الصالحين الذين انتجبهم الله جلَّ شأنهُ واختارهم، وأن أعداءَهُ بجمعهم الكبير وجيشهم الجرار قد انتهكوا حرمتهُ وصحبَهُ وأسقطوهم من فوقِ خيولهم وذبحوهُ ببشاعةٍ وحقدٍ منقطعِ النظير في يومٍ مهولٍ، بل وحتى أطفالهُ لم ينجوا من فتكِ ذلكَ الجيش المفترس الذي أعماهُ حبُّ الدنيا والمالِ والرياسةِ!، بل والأعجبُ من ذلك كُلِّهِ، أمرُ الرُّضَّعِ والطفلِ الرضيع([94]). هذا وقد نسب الله تعالى هذا الذبيح الى نفسهِ المقدَّسة مراراً في الأسفار المقدَّسة([95]).

 لماذا الخروف!؟:

 لماذاأُطلقَت كلمةِ (الخروف) عليهِ؟، وهل هيَ انتهاكٌ لحرمتهِ وقدسيَّتهِ وحَطٌّ من شأنهِ؟، وهل هوَ قتلٌ آخرٌ لهُ في مختلفِ الأزمنةِ والأمكنة؟. لذا فهناكَ سيلٌ من الأسئلةِ المهمَّةِ في البين يجبُ توضيحها والجواب عنها، فترجمتهُ بـهذهِ الكلمة (الخروف) والتي هي كلمةٌ ممجوجةٌ لمتذوِّقي اللغةِ العربيةِ وأهل البلاغة والحسِّ الأدبي الرفيعِ اذا كانت وصفاً لهذا العظيم المقدَّس صاحبِ مقامِ القربِ العجيب!.

والسؤال المهم هنا: أنهُ لماذا فُسِّرت وترجمت هذه الكلمة المقدَّسة المباركة بهذا المعنى واكتفى بها المفسرون والمترجمون!؟، وكأنها صَرفٌ عن المعنى الحقيقي المراد للباري عز وجل ككلمة (الكبش المذبوحِ في الله تعالى) مثلاً؟.

وفي معرض الجواب، نقول: لا يخلو الأمر في هذه المسألة من احتمالاتٍ مهمَّةٍ ومنها:

 الأول: ان العلماء والمترجمين والمفسرين كانوا ملتفتين تمام الالتفات إلى المعنى المراد والمصداق الأتم المعني بهِ أصلاً، ولذلك أرادوا أن يمنعوا وصول المراد الى الشعوب والأُمم لانها قضيةٌ الهيَّةٌ عالميَّةٌ كما سيأتي. وعليه فهم قد أمعنوا في اهانةِ المعنيِّ بهذه الكلمة المقدَّسة التي ردَّدها الباري عز وجل مراراً وتكراراً في كتبهِ المقدسة، وتسطيح المعنى المراد في الكتب السماوية، وعدم توضيح أمرهِ للشعوب والأُمم، فهي تعميةٌ وطمسٌ للمعنى المراد، ووأدٌ وقتلٌ آخر لهذا المقدّس بطريقةٍ حضاريةٍ يندى لها جبينُ الانسانيَّة!، وهو على حدِّ قتلهِ من قبلِ أعداءِ الله المجرمين!.

 وهذا من قبيلِ ما حكى بعضُ الأدباء والشُّعراءِ الصادقين، ما جاء على لسان بعضِ القتلةِ المجرمين، لما قالَ لهُ بعضُ من حضرَ الواقعةَ الأليمة موبخاً إيّاهُ: ويحك!، لماذا تُجهزُ عليهِ بهذه الطريقةِ الوحشيةِ، وتُمعِنُ في إيذاءِ عيالهِ واطفالهِ وهم ينظرون إليه بلوعةٍ وألمٍ ودهشةٍ!؟، فقال: لأنَّهُ ساحةُ قدسٍ واسعةٍ إن بقِيَت كشفت زيفنا!([96]).

 الثاني: ان العلماء والمترجمين والمفسرين كانوا غير ملتفتين تمام الالتفات الى المعنى المراد والمصداق الأتم المعني بهِ أصلاً، ولكن وقع ما وقع صدفةً، أو جرياً على ما أسس لهُ الأوائل، ولم يقع ما وقع عن عمدٍ، ولم تكن هناك سوءُ نيَّةٍ، لذا فانَّ الجميعَ بريءٌ مما حصل!.

 الثالث: ان العلماء والمترجمين والمفسرين يفترقون ويتباينون في ذلك،فمنهم ملتفتٌ ولكن في قلبهِ مرضٌ ورواسبُ عدائيةٍ متجذِّرةٌ فأراد صرف المعنى عن أصلهِ ليلتبس الأمر على الجميع!.

والبعض الآخر غير ملتفت وجرى على ما جرى عليه غيرهُ ظنّاً منهُ أنهُ تمام المعنى لتقصيرٍ أو قصورٍ فيهِ. وللحقِّ والانصاف نقول: أنهُ ربما كان أمرٌ من ذلك!، وان كنّا بحسب ما توصلنا اليه من إطلاعنا القاصر نميلُ الى الرأي والإحتمال الثالث، ولكن يجبُ أن نوضحَ بعضَ الامور المهمة في هذه المسألةِ:

 اولاً: أن ما نحنُ بصدده أمرٌ وجدانيٌّ متعارفٌ عند العلماء والمحققين والمدققين في الترجمات والتفاسير للكتاب المقدَّس، لأنَّ هذه الأسفار المقدَّسةِ منبوذةٌ تقريباً حسب الإستقراء العلمي، وهذا شيءٌ طبيعيٌّ، لأن آخر ما يُفَكَّرُ بهِ هو الله وكتبهِ في عالمٍ ماديٍّ غليظٍ بغيضٍ، ودنياً يكادُ ينسى فيها المرءُ اسمهُ ورسمهُ وأهلهُ، والأعم الأغلب يريدُ (نقداً لا فقداً) بحسب التعبيرات الحديثة خاصَّةً لأهل السياسةِ والمال!، وأن أمرَ الله لم يزل فقديَّاً بزعمهم، وإذا صارَ نقداً فنحن أول المؤمنين والمسارعينَ اليهِ، وهذا غايةُ الإجحاف بحقِّ المولى جلَّ شأنهُ، إذ يُعاملُ هذا الحبيبُ المتحبّب للبشر، والرحمن الرحيم، واللطيف الودود، بهذه الطريقةِ الإبليسية السيئة. ولأن سياسات التعميةِ والتشويش ومحاربةِ النصوص المقدسةِ لم تزل قائمة الى يومنا هذا وما انفكت تُخفي معالم دين الله القويم، سواء ذلك عند اليهود أو النصارى وجرى ذلك في المسلمين حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل. وسنضفي شيئاً من البيان على ما نحن بصدده لاحقاً، تحت عنوان: بيانٌ في طمسِ وتشويش المعناني، فانتظر! لعلَّنا نتمكن من قدحِ هذه المضامين في الاذهان، بعون الله تعالى.

 ثانياً: انَّ هناك من المفسرين والمترجمين لم يكن لديهِ إطلاعٌ واسعٌ في اللغات ومعانيها التي دوِّنت بها هذه الكتب أو التي ترجمت اليها وفُسِّرت بها!، فجعلَ هذه الكلمة (خروف) ظنَّاً منهُ أنها الكلمة الشافية الوافية المعبرة لتمام المعنى، ولكنه أخطأ في ذلك من غيرِ قصدٍ وسوءِ نيَّةٍ.

تشويشٌ، أم تخريبٌ، أم عدمُ فهم!؟:

 وللإختصار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نأخذُ معنىً واحداً هنا للبيان ولتسليط الضوء عليه، فان كلمة (يسّي) والكلمة التي بعدها (عوميد)لم يكن أحدٌ لديهِ الشجاعة والجرأة على ترجمتهما وتفسيرهما خوفاً من العواقب!، لأنهما يكشفان الوجه الناصع لمشروع الله تعالى الأعظم والأتم في هذا الوجود، ولكن للإنصاف فان من بين المفسرين والمترجمين والشرّاح المعاصرين من التفت الى الأمر المخفي، وأبدى شيئاً يشكرُ عليه، من محاولة كشف القناع ولو قليلاً عن السرِّ الإلهي في هذا النصّ المقدّس!، وسيتضح ذلك في البيان التالي، وللتوضيح يجب الوقوف عند هذا النصِّ قليلاً والإلفات الى بعض مافيه:

ففي جانب منسفر اشعياء النبي  علیه السلام  نجد اشارات صريحة بظهور مُنقذ العالم، وكيفية حكمهوارتباطه بالله تعالى، التي لها دلالات لما ورد عن الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم  والائمة الهادين من آلهِ علیهم السلام  وعموم المسلمين بخصوص الامام المهدي #، وقد جاءت الاشارة الى الامام # بأحد القابه المهمّة وهو «القائم: (10 وفي ذلك اليوم سَيرفَعُ «القائمُ رايةً للشعوب والامم التي تَطلبُهُ وتَنتظرُهُ ويكونُ محلُّهُ مَجداً)([97]).

 وكما هو واضح فانّ هذه الفقرة باطلاقها تؤكّد على: أنّ كلّ الشعوب والامم تطلبه وتنتظره قبل مجيئهِ المبارك، وليس قسماً من هذه الشعوب والأمم، وهذا يدلّ على معرفة هذه الشعوب والامم بهذا الرجل الالهيّ المقدس، فهي تعرفه بكلّ أبعاد المعرفة: معرفة فطريّة، ومعرفة عقلية، ومعرفة سماويّة!. حيث زرع الله عزّ وجلّ في فطرتهم معرفة خليفتهِ الأعظم المدّخر، وأوحى اليهم ذلك عبرَ مختلف العصور، وأدركوا ذلك أيضاً بعقولهم من خلال الأدلّة الهائلة التي لا تُعدّ ولاتحصى، ومنها:

 انّ الخالق القادر الحكيم الذي أتقن صنع كلّ شيء في الوجود بدءً بالفيروس الصغير الذي لا يُرى بالعين المجرّدة، وانتهاءً بأعظم مجرّةٍ تمّ أكتشافها لحدّ الآن؛ فمن دواعي حكمتهِ وربوبيّتهِ أن يُمضي حكمَهُ في الأرض، ويُرينا عدلَهُ وقسطَهُ بواسطة ممثّلهِ الشرعي الدّال عليه والحاكم بأسمه، ولايترك الدنيا هكذا على علاّتها، والشعوبَ لقمةً سائغةً لازال يمضغها بفكّيه فرعون وهامان وجنودهما وبقوانين وضعيّة قد تبرّأَ منها كلّ شريف، بل كلُّ من لديهِ شيءٌ من الفطرةِ!.

فهذه الشعوب والأمم، تطلبُهُ ناصراً ومعيناً ومغيثاً ومنقذاً لما أصابها من حيفٍ وظلم على مدى تعاقب العصور!.

 لذا فهي تنتظرُهُ، إنتظارَ الحبيب لحبيبه، انتظاراً فيه الأملُ والرجاءُ، كشوق الأرض الجدباء لقطر السماء؛ وتحنّ اليه حنيناً منقطع النظير. وبعدما بيّنت الفقرة العاشرة انتظار الشعوب والأمم وطلبهم للقائم، ذكرت نتيجة هذا الطلب والانتظار المقدّس عندما يحلّ بينهم حيث قالت: (ويكونُ محلهُ مجداً): أي يكون وجودُهُ بين شعوب الأرض وأممها مفخرةً كبرى، وبركةً ونعمةً عظمى، وأرتقاءً بمستوى الانسانيّة الى أعلى ذُرى المجد والعزّة والكرامة ومباركة الربّ جلّ وعلا.

...الى هنا، كم يبدو هذا المعنى جميلاً ومباركاً وشفّافاً وأخّاذاً، ففيهِ لطفُ الله عز وجلّ ومَنُّهُ وفيضهُ الذي لا تحدُّهُ حدود، وتُقابلهُ البشريةُ جمعاء بالانتظار الجميل وتلقّي المزيد من الكريم المطلق.

ولكن بسبب أهميّة هذا النص ودقَّتهِ وبالخصوصِ هذه الفقرة منه خاصّة فقد عمد (أعداء الحقّ والصّدق)، إلى طمس الحقيقة الالهية الدامغة وتشويشها، لقلب معناها أو لصرفه عن الأذهان قدَرَ الامكان، وقد نجحوا في ذلك الى أمد غير بعيد!، إذ لو عرفَ الناسُ من خلالِ هذا النصّ أحقيَّةَ الثلَّةَ القليلةَ القائلينَ بهذهِ العقيدةِ الإلهيةِ الحقَّةِ والمباركةِ، وهم في الواقعِ ثلَّةٌ قليلةٌ مستضعفةٌ من المسيحيين، وثلَّةٌ قليلةٌ مستضعفةٌ من اليهود، وثلَّةٌ قليلةٌ مستضعفةٌ من بقيّةِ الديانات، وثلَّةٌ قليلةٌ مستضعفةٌ من المسلمين وهم الشيعة!، فمنطق هذهِ العقيدة دقيقٌ وشريفٌ، فنرى كلَّ الأديانِ تؤمنُ بالمخلِّص، ولكن بهذهِ الكيفيَّةِ فكلا وألفُ كلا، بل لها أهلها الذين اصطفاهم الله عزَّ وجلَّ في عوالم قبلَ الدنيا!.

ولإماطَة اللّثام عن هذه المحاولة البائسة وكشفها، نشير الى أمرين: الأول: إنّ اللفظة المخصوصة (يسّسي)([98]) التي وردت في الفقرة(10) من النصّ العبري، تعني: (سيرفع)، وقد جاءت بصيغة الاستقبال لدخول حرف (الياء) عليها([99]). والماضي منه (ناسا) بمعنى: (رفع)([100])، ومترجم (العهد القديم) في النسخة العربيّة([101]) لم يترجم لفظة (يسّسي) العبريّة والتي تعني: (سيرفع)، بل أبقاها على حالها من غير ترجمة الى اللّغة العربيّة محاولةً منه لبس المعنى واثارة الغموض حول مفهوم ـ القائم ـ #!. ولكن ماذا لو صدرت الأوامر المقدَّسة من الكبار في الكنائسِ والديرِ وغيرها بعدمِ السماحِ مطلقاً من ترجمةِ هذهِ الكلمةِ أبداً!، فهل كانَ للمترجمِ والمفسِّرِ والشارحِ طريق آخر، فتأمل!.

وأمّا الأمر الثاني: انّ لفظة (عوميد) جاءت (كاسم فاعل)([102])، وتعني (القائم)([103])...الخ.([104]) وأما ما جاء في الكتاب المقدس، طبعة أُولى، بيروت، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995، في سفر إشعيا 11: (1 و 10) فهو من الروعة بمكان، ويستحقُّ التأمُّل، وهو كالآتي: (1 يخرُجُ فرعٌ من جذع يَسَّى([105]) وينمو غُصنٌ منأُصوله). ثمّ يبيّن عبر ثمانية فقرات صفات ومؤهلات وخيرات هذا الموعود المبارك، ويخلص في القول الى:(في ذلك اليوم يرتفعُ أصلُ يسَّى رايةً للشعوب. تطلُبُهُ الأُمم ويكونُ موطنهُ مجيداً، 11 وفي ذلك اليوم يعودُ الربُّ فيمُدُّ يدَهُ لافتداء بَقيَّة شعبه في أشُّورَ ومصرَ وفتروسَ وكوشَ وعيلامَ وشنعارَ وحماةَ وفي جُزُر البحر، 12ويرفعُ الربُّ رايةً في الأُمم...)([106]).

 وعلى كلِّ حالٍ، فهنا سؤالٌ يطرحُ نفسهُ وهو بجدارةٍ، ألا وهو: من هو القضيب المبارك الذي يخرجُ في آخر الزمان كمنقذٍ لكلّ الشعوب والأُمم وهو من ذريّة الأنبياء علیهم السلام ، ومن جذع (يَسَّى) كما في هذا النصّ وغيره في الكتاب المقدّس، وتارةً في نصوص أُخر قال إنَّه من نسل يوسف علیه السلام ([107]).

و(يَسَّى) هذا، هل هُوَ (يس) في قوله تعالى: (يس. والقرآن الحكيم. إنَّكَ لَمنَ المرسلين)([108])؟. و(ياسين)([109]) في قوله تعالى: (سلامٌ على ال ياسين)([110])؟، أم هو الذي ورد في إنجيل برنابا وسُمّيَ بـ(مسّيا)؟([111]). أم هو شيءٌ، وأمرٌ آخر، وشخصيَّةٌ أُخرى، لا علقةَ ولا مناسبةَ لها فيما أوردناهُ؟.

ولو أنا تمعنّا في سفر إشعياء النبيّ علیه السلام ([112])، الإصحاح 65: 11 ـ  25، وقارنّاها مع: الآياتالمباركة 4 ـ 8 من سورة الإسراء([113])، لخلصنا الى نتيجةٍ مهمّةٍ كما أثبتها العلاّمة محمد الصادقي في كتابه (الإسلام في الكتب السماوية) مفسّراً أقوال إشعياء النبيّ علیه السلام  الآنفة الذكر على الشكل التالي: (هذه الآياتُ البيّناتُ تُبشّرُ عن زمنٍ منيرٍ تبدَّلت شريعة إسرائيل إلى أُخرى، وكذلك خيرةُ الله عن إسرائيل لمختارين آخرين، فلا اسمَ إلّا اسم القائد الديني ألأخير).([114])

ذَبيحُ الله في القرآن الكريم:

 وكذلك ما جاء في القرآن الكريم، في قوله تعالى: (وفديناهُ بذبحٍ عظيمٍ)([115])، فهو يدعو للوقوف عنده طويلاً والتأمُّل فيهُ!. وذلك لإنَّ أغراض القرآن الكريموفوائدهُ لا تنحصر بمرحلةٍ معينة أبداً من مراحل الحياة، أو بقضيَّةٍ وواقعةٍ واحدةٍ بعينها، ومخطيءٌ من حجَّم القرآن واحتكرهُ في أمرٍ ما أو لمصلحةٍ معيَّنةٍ، والنبيمحمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وهو المعلم الالهي للقرآن العظيم يقولُ بحقِّهِ: (ظاهرٌ انيقٌ وباطنٌ عميقٌ)([116])، ويقول أيضاً: «للقرآن بطنٌ وظهرٌ، ولبطنهِ بطنٌ، الى سبعةِ بطونٍ([117]). وبعد فان استيعاب الناس للقرآن متفاوتٌ، وقدرتهم على اكتساب المعارفالسماوية منهُ التي تنير النفوس وتمنحها الحياة فهي متفاوتة، كما قالتعالى:(فسالت اوديةٌ بقدرها)([118])، وإن كان الفيضُ منهُ دائمٌ متَّصلٌ وهو ينـزلُ بالسويّةِ لجميع البشر، ولكن يُأخذُ منه بحسب قدر القابل واستعداده([119]). ولإتمام الفائدة المرجوَّةِ من هذا البحث وجب علينا إبداء بعض المقدماتِ المهمةِ للوصول الى الفائدةِ المرجوَّة، وهي كما يأتي على التوالي:

المعرفةُ القاصرةُ بالقرآن:

 

ان من دواعي الخُلُقِ والأدبِ، في كلِّ عالم الانسان، أن يُقيِّمَ نفسهُ مع بارئهِ وبجنب وإزاء موجده من العدم، وينظرَ الى سعةِ المقامِ بينهما، بتأملٍ وتفكرٍ وإعطاء النصف من نفسهِ ولو قليلاً!، عند ذلك يعرف الفارق بين كلامهِ وكلام مولاه وخالقهِ.

وبنظرةِ انصافٍ طفيفةٍ يعرفُ المرء قيمةَ كتابِ الله العزيز وهو (الفرقان أو القرآن العظيم)، ومن خلال هذه المعرفه يتوصّل حتماً الى معرفةِ أسرارٍ مهمةٍ من الكتب السماوية المقدسة، ويعلمُ يقيناً أنَّ المتكلِّمَ فيها واحدٌ كما سيأتي لاحقاً، وأن هذه الكتب الملقات على الرفِّ، والتي قد غطّاها التراب، فيها كنوزٍ عظيمةٍ مباركةٍ!. ولكن سبحان من نوَّهَ وأفصلَ وقال: {أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (22) الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمْ الله الخِزْيَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ المُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ (34)}([120]). وقال عزَّ من قائل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ(28)}([121]).

محاولةُ تسطيحُ القرآن:

لأسبابٍ عديدةٍ، معروفةٍ ومجهولةٍ، معلنةٍ ومخفيَّةٍ، عَمَدَ أكثرُ الناسِ في مختلفِ العصور الى تسطيح آيات الله في كلِّ كتبهِ المباركة ـ أي جعلوها سطحيَّةً لا عُمقَ فيها ـ وجُرِّدت من أعظم وأكثر معانيها وأسرارها وبُعدِها الغيبي والقدسي، ومن هوان الدنيا على الله تعالى أن يتهكَّمَ البعض ويُزري على مولاه جبار السماوات والأرض ويتَّهمهُ ويسخرَ منهُ، بل ويُبدي شتماً وسبَّاً مروِّعاً لآياتِ الله الكونيّةِ والكُتُبيَّةِ...الخ!، وذلكَ كُلُّهُ بسبب التسطيحِ الذي أسَّسَهُ الأوائل وسارَ في مدارس رعناء وأوساط مجنونةٍ شوَّهت المسيرةِ المقدَّسة لعالم الإنسان بإتجاه بارئهِ وربّهِ سبحانهُ وتعالى.

ظاهرهُ الأنيقُ وباطنهُ العميقُ!:

 ووددنا هنا أن نبيِّن شيئاً من عُمُقِ القرآن الكريم، ولكن بطريقٍ آخر يختلف عمّا مرَّ سابقاً وعرفتهُ، أو المتعارف أصلاً بين الأوساط، والتي جرت عليه الرتابةُ والنقل المتواصل!. ومن خلال أحد تلاميذ القرآن البارّين، وحملتهُ الأوفياء، والعاملين بهديهِ النجباء، لعلنا نفهمُ من حركاته وسكناته شيئاً مما نحنُ بصدد بيانه، كما في الموضوع الآتي:

 فقد جاء في تاريخ الطبري: (...وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر، فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟، قال: ما أصنع!، أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  حتى أُقتل. قال: ذلك الظن بك إما لا فتقدم بين يدي أبى عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتى أحتسبك انا فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منى بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب.

 قال: فتقدم فسلم على الحسين ثم مضى فقاتل حتى قتل، قال ثم قال عابس بن أبي شبيب: يا أبا عبد الله! أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولا بعيدٌ أعزَّ عليَّ، ولا أحبّ إليَّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشئ أعز عليَّ من نفسي ودمى لفعلتهُ السلام عليك يا أبا عبد الله!، أشهد الله أني على هديك وهدى أبيك. ثم مشى بالسيف مصلتاً نحوهم وبه ضربةٌ على جبينه!.

(قال أبو مخنف): حدثني نمير بن وعلة، عن رجل من بنى عبد من همدان، يقال له ربيع بن تميم، شهد ذلك اليوم قال: لما رأيته مقبلاً عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس فقلت: أيها الناس هذا الأسد الأسود هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحدٌ منكم، فأخذ ينادى: ألا رجلٍ لرجل؟، فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة!، قال: فرمى بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك، ألقى درعه ومغفره، ثم شد على الناس فوالله لرأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس، ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل، قال: فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول أنا قتلته، وهذا يقول أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا هذا لم يقتله إنسانٌ واحد ففرق بينهم بهذا القول)([122]).

والآن، لو أردنا أن نُلقيَ نظرةً موضوعيَّةً منصفةً، على فعلِ ومنطقِ ونفسيَّةِ هذا الرجل الإلهيِّ المقدَّس، والذي تَلذّذَ أعداءُ الله بقتلهِ وسلبهِ، والتمثيلِ بِهِ، ومن ثَمَّ سحقهُ بحوافرِ الخيلِ، واستباحتهِ وهتكِ حرمتهِ!، بالبيان المتواضع التالي:

1: في قوله: (ما أمسى)، ولم يقل (ما أصبحَ) وما شابهَ ذلك، لعمقِ وأصالة المراد، ويقينهِ بهذه القضيَّة التي هو بصدد بيانها، لأنَّ قضيَّتهُ المقدَّسة، قد مرَّ عليها صباحُ الحقيقةِ وضُحاها وعصرها ولم يبقى سوى مساءُها، وأنت عالمٌ بأنَّ المساءَ هو آخرُ اليوم!، ثم يكونُ بعدَ ذلكَ في شأنٍ آخر، لكي يصدُقَ عليه خُلُقُ ربّهِ الكريمِ، فهو(كلّ يومٍ هو في شأن) وهو متخلِّقٌ بخلق الله سبحانهُ وتعالى، لا بخلقِ غيرهِ!.

2: في قوله: (على ظهرِ الأرضِ قريبٌ ولا بعيدٌ أعزَّ عليَّ ولا أحبّ إلىّمنك): ومن الذين هم على ظهرِ الأرض آنذاك، هما الامامان الهمامان زينُ العابدين والباقر÷، وكذا الخضر علیه السلام  وهم القريبون على ظهرها. وأما البعيدون فهم عيسى والياس وادريس علیهم السلام  فهم سكّاناً للأرضِ، ومن أهلِ الأرض، ولكنهم بعيدون، بما رفعهم الله عنها، لعدم وجودِ مشترٍ لبضاعة الله النفيسة!.

فقال ذلك، لأنهُ عَلِمَ يقيناً، أن قطبَ رحى الإمكان، وممثل الله الأعظم، وانعكاس نوره الأتم، هو حبيبُهُ الذي جُنَّ بهِ والكُلُّ تبعٌ لهُ بأمر الله عزَّ وجلَّ!.

3: في قوله: (ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشئ أعز عليَّ من نفسي ودمى لفعلته): هذا هو مقدوري، وحدُّ تمكُّني واستطاعتي في هذه النشأة لنصرتكم يا آل الله!، ونصرة مشروع الله المبارك في الوجود، وقد فعلتهُ فأنا الآنَ في غايةِ السعادةِ والنشوة، وفي أعلى مقامٍ خاصٍّ بهذهِ النشأةِ، حيثُ لا يلحقني لاحقٌ، ولا يسبقني سابقٌ!.

4: في قوله: (السلام عليك يا أبا عبد الله!): سلامٌ وتسليمٌ غيرُ منقطعٍ، وزيارةً متواصلةً تشهدُ لي بها جميعُ المخلوقات، في جميعِ العوالم!.

5: في قوله: (أشهد الله أنى على هداك وهدى أبيك): بيَّنَ رضوان الله عليهِ من غير شكٍّ ولا ريبٍ، أن الهدي الأعظم ومقامه الأتم تمثَّلَ بأمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب وولده الحسين÷، وهو خلاصةُ قوله تبارك وتعالى: (انما أنت منذرٌ ولكلِّ قومٍ هاد). فهما ثَمَرَتَي جميع الرسالات والكتب السماوية، وعلى هذا الخط يجري ويسيرُ مشروع الله الأكبر، وسيتَّضح ذلك في مباحث الفصول إلّاحقة انشاء الله تعالى بشيءٍ من البيانِ، بعونِ الله تعالى.

6: ولقائل أن يقول: أنكم قد أطلتم وتعمقتم في مراد الرجل، وهو لم يعني ذلك كُلَّهُ، لأنهُ قال هذه الكلمات في ساحةِ حربٍ ضروسٍ، ولديه يقينٌ من الإبادة الجماعيَّة التي سيتعرَّضونَ لها، فتفوَّهَ بكلماتٍ موجزةٍ مثل كلّ الكلمات التي تصدر مني ومن غيري!، فلمَ هذا التفلسف والتمنطق الغير مجدي!؟.

 قلنا: كلاّ وألفُ كلاّ!، هذا ليس مثلكم ومثل غيركم، لأنهُ وليٌّ صالحٌ، يرى ما لا نرى، ويسمعُ ما لا نسمع، لأنهُ ينظرُ بأتمِّ نورِ الله عزَّ وجلَّ، فهو عابدٌ عالمٌ، وذلك كلُّهُ مستبطنٌ في قوله وفعله في تلك الساعة وذلك اليوم، لو أنصفَ الضميرُ وكوامنُ الانسان.

 قلتُ، ومتى كان ذلك من عابس بن شبيب صلواتُ الله على إمامهِ وقائدهِ وعليهِ؟، كان ذلك حينما أراهم الإمامُ منزلتهم في الجنَّةِ، وكشفَ لهم شيئاً من تلكَ العوالمِ المقدَّسةِ!. فقد جاءَ في أحوالهِ، تلكَ الساعاتِ المباركةِ من حياتهِ الإلهيَّةِ، ما يُخرسُ الخصمَ اللدود، ومنهُ:

 (ولما فرغ الإمام من الصلاةِ حرض أصحابه على القتال، فقال: "يا أصحابي إن هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وزينت قصورها، وتألقت ولدانها، وحورها، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا معه أبي وأمي يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، وهم مشتاقون إليكم، فحاموا عن دين الله، وذبوا عن حرم رسول الله.

 وصاح الإمام بأهله ونسائه، فخرجن مهتكات الجيوب، وصحن: يا معشر المسلمين، يا عصبة المؤمنين الله، الله، حاموا عن دين الله، وذبوا عن حرم رسول الله، وعن إمامكم، وابن بنت نبيكم، فقد امتحنكم الله بنا، فأنتم جيراننا في جوار جدنا، والكرام علينا، والله فرض مودتنا، فدافعوا بارك الله فيكم عنا.

وصاح الحسين: يا أمة القرآن هذه الجنة فاطلبوها، وهذه النار فاهربوا منها، وسمع الجميع صياح النساء، ولم يرمش لأحد من جيش الخلافة رمش، لأن قلوبهم غلفٌ، بل على العكس استبشروا "بالنصر" على ابن بنت محمد، وآل محمد، وأما أصحاب الإمام فأجابوا: لبيك يا حسين، لبيك يا ابن رسول الله، وضجوا بالبكاء والنحيب([123]).

7: والنتيجةُ المهمةُ: أننا لو قلنا لعابس بن أبي شبيب الشاكري (روحي فداه)، هل ان ما قلناهُ وفسرناهُ هو تمامُ مرادك مما قلت أم لا؟. لقال نعم!، جزاكم الله عنّي خيراً، ـ لأنَّ هذا هو منطقُ الربانيينَ الشرفاء، وإن كُنّا لا نستحقّ ذلك،ولكن قد أسلفنا أنَّهُ هكذا خُلُقُ ربِّهِ فهو ماضٍ عليهِ ـ !، ولكن هذا ظاهرٌ وبطنٌ واحدٌ لقولي ومرادي ولي بعدهُ سبعةُ بطونٍ أو قولوا مائة لايفرقُ عندي هذا، وكلُّ تلك البطون أردتها وهي عزيزةٌ على قلبي، منطوٍ فيها مرادي، محتويةً على أسراري...الخ!. لَكانَ الصالحونَ الطيِّبونَ أوَّل المصدِّقين لهُ، لأنهُ وليٌّ ممحَّضٌ في حبّ الله جلّ شأنهُ، ولكان الأعم الأغلب من الناس أوّل المكذبين لهُ ولا يصدّقوه ولو لبطنٍ واحدٍ مما يقول، وهذا التفاوتُ أمرٌ مستقرٌّ ولا مفرَّ منهُ، قال الشاعرُ:

وحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ([124])

 غفرَ الله لنا ولكم ولجميعِ خلقهِ الذين فيهم بذرة الصلاحِ والطيبِ، ومكَّننا من معرفة ما يريد، انهُ هو الغفورُ الرحيم، وبهذا البيان نعتقدُ أننا قدحنا هذا المعنى الجليل في أذهاننا، وبه بان الصُّبحُ لذي عينيين!. وبه ومما تقدَّم نستطيعُ اتمام هذا البحث بعونِ الله جلَّ شأنُهُ، فنقول:

فأيَّةُ عظمةٍ ومقامٍ لذلك الكبشِ المقصود، جعلتهُ يذكرُ في الأسفار المقدّسةِ أكثرَ من ذكرِ خاتمِ النبيين وسيّد المرسلين محمد   صلى الله عليه وآله وسلم ؟، فقد ورد ذكر هذا (الكبش المذبوح) في سفر الرؤيا ليوحنا ـ لوحدهِ فقط ـ في أكثر من أربعةٍ وعسرين موضعاً!.

 فهل يُعقَلُ ذلكَ كلَّه في (خروفٍ)، كما سمَّتهُ بعضُ الترجمات والتفاسير للكتاب المقدَّس!؟.

 ثمَّ إذا كانَ خروفاً على مبنى البعض فأيَّةُ خاصيّةٍ في هذا الخروف جعلتهُ يسمو على جميع الخلق بما فيهم الأنبياء والأوصياء علیهم السلام ، ويكون هو الوحيد الذي نظرَ في سفرٍ الهيٍّ مباركٍ مخصوص واطَّلعَ عليه وحلَّ رموزهُ، ولم يطَّلع عليه غيرهُ أبداً، ولم يحل رموزهُ غيرُه قطُّ من الأولين والآخرين حتى أُولئك الملائكة المقربون!؟.

وإذا كان رمزاً إلهيّاً مخصوصاً، وآيةً ربانيَّةً تستحقُّ التفسير والتدبُّرَ فيها، وقصَّةً عظيمةً مجملةً في بعض كلماتٍ قدسيَّةٍ أشارَ بها المولى جلَّ شأنهُ إشارةً بليغةً الى أتِّباعِ أهلهِ ـ أهلِ الله وأهلِ كرامةِ الله ـ كما هو عليهِ أهلُ الحقِّ واليقينِ، وسار خلفهم أهلُ التحقيقِ والتدقيق والعلم في مختلفِ العصور ومن مختلفِ الأديان...!.

 إذاً فمن عنت تلكَ البشارات في الكتاب المقدّس([125])؟، ومن هو هذا المخصوص بخاصيَّةٍ فريدةٍ عجيبةٍ، لم يزل الجميع منها في حيرةٍ ودهشَةٍ قاتلةٍ لأهلِ القلوب وأتباعِ النور إثرَ تفرُّعِ الحبِّ وتجذُّرهِ في أعماقهم!؟. لذا فإنَّ هذا الموضوع جديرٌ بالبحثِ، ويستحقُّ أن تُكتبَ فيهِ رسائلَ علميّة، لأنَّهُ من العقائدِ الراسخةِ العاليةِ!.

معرفةُ الأعاظمِ بالذبيحِ المبارك:

 قال صاحبُ العيون (أعلا الله مقامهُ): حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري العطار بنيشابور في شعبان سنة اثنين وخمسين وثلاثمأة، قال: حدثنا محمد بن علي ابن قتيبة النيشابوري عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا علیه السلام  يقول:

 لما أمر الله تعالى إبراهيم علیه السلام  ان يذبح مكان ابنهِ إسماعيل الكبش الذي أنزل عليه، تمنى إبراهيم علیه السلام  أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيدهِ، وأنهُ لم يؤمر بذبح الكبش مكانهُ، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيدهِ، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم من أحب خلقي إليك؟ قال: يا رب ما خلقت خلقاً هو أحب إليَّ من حبيبك محمد  صلى الله عليه وآله وسلم ، فأوحى الله عز وجل: يا إبراهيم هو أحب إليك أو نفسك؟، قال: بل هو أحب إليَّ من نفسي، قال: فولده أحب إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلماً على يدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟، قال: يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.

 قال: يا إبراهيم ان طائفة تزعم أنها من أمة محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  ستقتل الحسين علیه السلام  ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم علیه السلام  لذلك فتوجع قلبه وأقبل يبكى، فأوحى الله تعالى إليه: يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، وذلك قول الله عز وجل (وفديناه بذبح عظيم)، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم([126]).

 ـ وفي مجمع البحرين: قوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم)([127])، الفداء: جعل الشئ مكان الشئ لدفع الضرر عنه، قيل وصف بالعظم لضخامة جثته. والذبح بالكسر: ما يذبح من الحيوان، أو معناه إنا جعلنا الذبح بدلاً عنه كالأسير يفدى. وفى الحديث (يعني بكبش أملح يمشي في سواد ويأكل في سواد ويبول في سواد قرن فحل)([128]). وفي حديث آخر: (الذبح العظيم الحسين علیه السلام )([129])،([130]).

 ـ وفي الخصائص الفاطمية:...ولكن يتضح من هذا الحديث اقتران خاتم الأنبياء وسيد الشهداء أرواحنا له الفداء، فشهادته كانت عمادا وإعلاما لشرع المصطفى الخاتم، ولولا شهادته علیه السلام  لاضمحلت هذه الآثار الإلهية والشرائع النبوية، ورجع الخلق القهقرى إلى الضلالة والعمى، كما فعل أبوه سلام الله عليه من قبل، فلولا سيفه « لما مثل الدين شخصا فقاما، ويؤيد هذا المعنى قوله  صلى الله عليه وآله وسلم : «حسين مني وأنا من حسين([131])، وقوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم)([132])، أي ذلك الوجود المقدس الذي فدى دين جده.

 فالنبي الخاتم   صلى الله عليه وآله وسلم  أظهر هذه الشريعة الغراء في بدء الإسلام، وأمير المؤمنين علیه السلام  أنفذها بقوة السيف، والإمام الحسن أمضاها بالصلح مع معاوية بمقتضى الحكمة والمصالح، وسيد الشهداء كشف عن أحقية دين جده وأبقاه، وكان التأييد الأساسي ـ ظاهراً وباطناً ـ حاصلا بشهادته علیه السلام . وتقسيم الأصابع هذا كتقسيم الصلوات، فصلاة الظهر للرسول   صلى الله عليه وآله وسلم ، والعصر لأمير المؤمنين علیه السلام ، والمغرب ـ ومنهم من قال هي الصلاة الوسطى ـ للصديقة الطاهرة  صلى الله عليه وآله وسلم ، والعشاء للإمام الحسن، والصبح ـ وهو وقت بزوغ الشمس النبوية والشريعة المصطفوية ـ لسيد الشهداء، ولذا قالوا «اقرأوا سورة الفجر بعد فرائضكم ونوافلكم لأنها سورة الحسين علیه السلام ([133]).

 وقالوا في قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية)([134])، أن النفس المطمئنة هو الوجود المبارك لمولانا الإمام الحسين علیه السلام ...الخ([135]).

 ـ وفي تأويل الآيات: وقوله تعالى: وفديناه بذبح عظيم، الذبح: معناه المذبوح وليس هو الكبش الذي ذبحه إبراهيم علیه السلام  لقوله (عظيم) ولكنما معناه ما رواه...الخ([136]).

النجاةُ من الحالاتِ الخطرةِ لفهمِ القرآن:

لابُدَّ لنا ولكلِّ البشرِ من السعيِ في محاولة النجاة من بعضِ الحالاتِ الخطرة والعوائقِ المانعةِ، للوصولِ إلى فهمِ المزيدِ من أسرارِ القرآن الكريم، وذلكَ للإطلاع على جمالِ الله سبحانهُ وتعالى في القرآن العظيمِ، ومن تلك الحالات نذكرُ حالتين مهمَّتين في البينِ، وهما على التوالي:

1: الحالةُ الأولى

وبعد كلِّ ماتقدَّم حولَ هذا الأمر وما نحنُ بصددهِ، نسعى بإذنهِ تعالى لإماطةِ اللّثامِ عن وجهِ الحقيقةِ، وإبطالِ الحالةِ المستشريةِ والمتفاقمةِ وهي (الحالةُ الحميريّة) المتفشيةِ عند غالبيّةِ البشر ـ إلّا من رَحِمَ ربي ـ وجعلت الكثير ممن جعلهُ طويلُ حلمِ الله، وهوانُ الدنيا على الله تعالى، يُفتي بالضّدِّ مع الله سبحانهُ وتعالى ورسولهِ وأوليائهِ عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام، ويفسِّر دين الله الأقوم بما لديه من فكرٍ مريضٍ، ونفسٍ أمّارةٍ ضالةٍ، وذلك بسببِ الحالةِ الحميريّةِ المتأصِّلة فيه، والمتجذِّرة عبرَ آلاف السنين، والتي لم يزل المولى سبحانهُ وتعالى في قرآنهِ المجيد يُشبعها توبيخاً وتشنيعاً وتقبيحاً ويحذِّرُ منها أشدَّ الحذرِ!.

والحالةُ الحميريّة هذهِ غير مختصَّة بشعبٍ من الشعوبِ، أو أُمَّةٍ من الأُمم، أو طائفةٍ من الطوائف، بل هي حالةٌ مرضيةٌ مستشريةٌ في كلِّ المجتمعات!، لذلك ولخطورتها ألفت اليها المولى تبارك وتعالى في قرآنهِ الكريم، حيث قال عزَّ من قائل: (مثلُ اللذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)([137]).

وجاء في المجموع: (...أن الحمل ضربان حمل جسم وحمل معنى فإذا قيل في حمل الجسم فلان لا يحمل الخشبة مثلاً فمعناه لا يطيق ذلك لثقله، وإذا قيل في حمل المعنى فلان لا يحمل الضيم فمعناه لا يقبله ولا يلتزمه ولا يصبر عليه، قال الله تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها)، معناه لم يقبلوا أحكامها ولم يلتزموها...الخ)([138]).

قلنا: وكذلك، فانَّ مَنْ حُمِّلوا القرآن، ولم يحملوه، وكان لعقاً على السنتهم، ولا يتجاوزُ تراقيهم، ومن حُمِّلوا السيرةَ النبويَّة الشريفة المباركة، ولم يحملوها، كان الحكمُ في حقِّهِم أوثقُ وأشدُّ وأعظمُ، ومن بابٍ أولى، لأنَّ القبيحَ من كلِّ أحدٍ قيبحٌ، ومنك أقبحُ لقربكَ منّا، وانتمائكَ إلينا، فشينُكَ راجعٌ علينا، وزينُكَ مختصٌّ بنفسكَ!.

2: الحالةُ الثانية

وهي الحالةُ الأخصُّ من الحالةِ الآنفةِ الذكر، ويعتبرُ أكثر مصاديقها أهلُ العلم!، فأصحابُ كلِّ علمٍ وتخصُّصٍ عرضةً لهذه الحالةِ الذميمة ونسمّيها بـ(الحالة الكلبيَّة)!.

وقد بيَّنها المولى عزَّ وجلَّ بشكلٍ دقيقٍ، وبيانٍ عميقٍ، بل وملفتٍ للنظر!، حيثُ قال عزَّ وجلَّ: [ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ المُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الغَافِلُونَ (179) وَلله الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ(184)]([139]).

 قال صاحبُ الميزان:

 في تفسير القمي في قوله تعالى: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا" الآية، قال: حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : أنه أعطى بلعم ابن باعورا الاسم الأعظم، وكان يدعو به فيستجيب([140]) له، فمال إلى فرعون، فلما مرَّ فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم: ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسهُ علينا، فركب حمارته ليمرَّ في طلب موسى فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها، فأنطقها الله عز وجل، فقالت: ويلك على ما ذا تضربني؟، أتريد أن أجئ معك، لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟، ولم يزل يضربها حتى قتلها فانسلخ الاسم من لسانه، وهو قوله: "فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" وهو مثلٌ ضربهُ الله([141]).

وبعد أن أوضحنا الخطرَ الناجمَ من هاتينِ الحالتين العجيبتينِ في البشر، وتوخي الحذر منهما، يجب أن نوضحَ ما ذكرهُ الباري عزَّ وجلَّ في حبيبهِ المذبوح في سبيلهِ صبراً، وماذا قالَ عنهُ!؟، بعونِ الله عزَّ وجلَّ وكما يلي:

أولاً: سورة الحسين في القرآن والعهدين

أ: سورة الحسين في التوراة:

 بالتمعُّنِ فيما جاء في التوراة وفي سفر ارميا على سبيلِ المثالِ لا الحصر نتعرَّف على درسٍ بليغٍ وهو غاية في الروعةِ والحكمةِ الإلهية التي يتذوَّقها فقط أهلُ العقول والمعرفة والفطرة ـ وليس لأهلِ الحالةِ الحميريَّةِ، ولا الكلبيَّةِ، التي أوضحناها ـ حظٌّ فيها أبداً! فهم، مثلهم كمثلِ ابليس رأى جمالَ وجلالَ الله سبحانهُ وتعالى عن قربٍ وعاشَ مع ملائكتهِ جنباً الى جنبٍ، وكانَ حقاً عليهٍ أن يذوبَ في حبّهِ والإسراع في تنفيذِ أوامرهِ، لا أن يتسبَّب في معركةٍ خسيسةٍ نذلةٍ من جانبهِ تجاه بارئهِ وموجدِهِ من العدم، وهذهِ الخسَّةُ والنذالةُ ثابتةٌ لأتباعهِ من شياطين الجنِّ والإنسِ في كلِّ عصرٍ وفي كلِّ مصرٍ، فلننظر معاً عن قربٍ الى بعض ما يريد بيانهُ منـزلُ التوراة سبحانهُ وتعالى: [1 كلمة الرب التي صارت إلى إرميا النبي عن الأمم. 2... عن جيش فرعون نخو ملك مصر... 3 أعدوا المجن والترس وتقدموا للحرب. 4 أسرجوا الخيل واصعدوا أيها الفرسان وانتصبوا بالخوذ. اصقلوا الرماح. البسوا الدروع. 5 لماذا أراهم مرتعبين ومدبرين إلى الوراء وقد تحطمت أبطالهم وفروا هاربين ولم يلتفتوا. الخوف حواليهم يقول الرب. 6 الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو. في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. 7 من هذا الصاعد كالنيل كأنهار تتلاطم أمواهها([142])... 9 اصعدي أيتها الخيل وهيجي أيتها المركبات ولتخرج الأبطال. كوش وفوط القابضان. المجن واللوديون القابضون والمادون القوس. 10 فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم. لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات...]([143]).

ب: سورة الحسين في القرآن:

 بِسمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلاَدِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلاَدِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي (16) كَلاَّ بَل لاَ تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ (17) وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبّاً جَمّاً (20) كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) ([144]).

وحدةُ الهدفِ في السورتين:

1: هذه النبوءةُ وهذه السورة ـ في القرآنِ والتوراة ـ تخصُّ جميعَ الشعوبِ والأُمم على الإطلاق وليس لأُمةٍ خاصةٍ أو شعبٍ بعينهِ: حيثُ قال تعالى في القرآن الكريم: ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يخلق مثلها في البلاد (8) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9) وفرعون ذي الأوتاد (10) الذين طغوا في البلاد (11). وقال تعالى:...يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى(23). وجاءَ في التوراة: (1 كلمة الرب التي صارت إلى إرميا النبي عن الأمم...).

2: بدأت كلٌّ من السورتين بشرح حال أعداء الله عزَّ وجلَّ وما كانوا عليه من العدة والعدد والبطشِ والقوة. وقد شدَّدَ وركَّزَ المولى تبارك وتعالى في السورتين على فرعون وجيشهِ الكبير بصورةٍ خاصَّةٍ وأشباههِ وأمثالهِ، وكيف بدَّدَ شملهم وكسرَ شوكتهم وصبَّ عليهم صنوف العذاب صبّاً: حيثُ قال تعالى في القرآن الكريم: فصب عليهم ربك سوط عذاب (13) إن ربك لبالمرصاد(14). وجاءَ في التوراة: (10فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم)([145]).

3: خصَّص الله عزَّ وجلَّ ذكر هذهِ الحوادث التأريخيّةِ ليبني عليها قصَّتهُ المركزيّة وقضيَّتهُ الكبرى ومشروعهُ المبارك المقدَّس وهي قضيّةُ ثورة حبيبه الحسين صلوات الله عليهِ وشهادتهِ، وثورة المنقذ العالمي الحجةُ المهدي عليه الصلاةُ والسلام.

 وهي تنبيءُ عن عظيمِ شأنهِ عند الله والملإ الأعلى، حيثُ طوى سبحانهُ وتعالى كلَّ ذلك في السورتين بما يلي: حيثُ قال تعالى في القرآن الكريم: يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي(30).

 وجاءَ في التوراة: (6... في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. 7 من هذا الصاعد كالنيل كأنهار تتلاطم أمواهها)([146]). وجاءَ في التوراة أيضاً: (10... لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات)([147]).

4: أوضحت السورتان غضب الله عزَّ وجلَّ على كلِّ أعداءهِ المجرمين: حيثُ قال تعالى في القرآن الكريم: فصب عليهم ربك سوط عذاب (13) إن ربك لبالمرصاد (14). وجاءَ في التوراة: (25 ويقول الرب القدير إله إسرائيل: ها أنا أعاقب آمون طيبة وفرعون، ومصر وآلهتها، وملوكها، وكل من يتكل على فرعون. 26 وأسلمهم إلى يد طالبي حياتهم...)، وقال أيضاً: (10 فهذا اليوم هو يوم قضاء السيد الرب القدير، يوم الانتقام. فيه يثأر لنفسه من أعدائه...)([148]).

5: ختمت السورتان بالنصر لاولياءهِ تعالى بمختلف صنوف النصر برغم قتلهم واستباحتهم، حيثُ قال تعالى في القرآن الكريم: فصب عليهم ربك سوط عذاب (13). وقال تعالى: فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30). وجاءَ في التوراة: (17 ويهتفون هناك: إن فرعون ملك مصر ليس سوى طبل أجوف أضاع فرصته. 18 حي أنا يقول الملك الذي اسمه الرب القدير...)([149]).

6: بعد السرد التأريخي الهادف، وبعد الربط العجيب للأحداث بقضية الله المركزية، أوضحت السورتان عظمة شهادة الحسين علیه السلام  وصحبه الميامين، وأول المرحبين والمستقبلين لروحه المقدسه هو الله سبحانهُ وتعالى: حيثُ قال تعالى في القرآن الكريم: يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي(30). وجاءَ في التوراة: (7من هذا الصاعد كالنيل كأنهار تتلاطم أمواجها)([150]).

ثانياً: رؤيا إبراهيم الخليل علیه السلام :

أ: تنفيذُ وتطبيقُ الرؤيا

الرؤيا المباركة التي رآها خليلُ الرحمن علیه السلام ، والتي آمن بها وصدّقَّها ونفَّذها وطبقها وأجراها وأمضاها دون تأويلٍ، ومن غيرِ تعبيرٍ، بحسب الظاهر!، أمرٌ لا نكاد نستسيغهُ، لما نعرفهُ من مقامِ هذا النبيِّ العظيم، وخصائصهِ الكبرى، ألم ينقدح في ذهنهِ الشريف  ـ  إن صحَّ التعبيرُ ـ أيُّ شيءٍ آخر سوى أنَّهُ أسرعَ إلى السكين ليذبح ولدَهُ؟!، هل هذا هو كلُّ ما يريدُ بيانهُ القرآنِ الكريم وسائرِ الكتبِ السماويَّةِ، أم هناكَ معانٍ جليلةٍ أُخرى، ينبغي لأهلِ التحقيقِ وغيرهم الوقوف عليها!؟.

ب: تعبير الرؤيا:

إنَّ خليلَ الرحمن لم يكن شخصاً مثلنا ضيّقَ الأُفق، قليلَ العلم، لا ينظر بنورِ الله تعالى إلّا بمنظارٍ ضيِّقٍ، بل كانَ علیه السلام  على العكسِ من ذلكَ تماماً، فهو عظيمٌ في كلِّ شيءٍ، ومسألةُ عدم تعبيرِهِ لرؤياهُ بنفسهِ الشريفةِ، أو بالإستعانةِ بالوحي الأمينِ، أمرٌ بعيدٌ جداً!، بل هذا من قبيل ما يضحك الثكلى، وليس لهُ حقٌّ من الواقعِ أبداً!.

ج: تأويل الرؤيا:

وإذا كانَ من هو أدونُ من إبراهيمَ علیه السلام  مرتبةً من الأنبياءِ عليهم السلام لا تمرُّ عليهِ رؤيا، أو من غيرهِ، إلّا أوّلها التأويلَ الربانيَّ المطلوب، وأعطاها استحقاقها، وأشارَ إليها، ونبَّهَ عنها!، وكان يقرأُ الأحداث قراءةً ملكوتيّةً، فما حالُ إبراهيمَ الخليلِ علیه السلام  إذاً، فهو أبو الأنبياء وبطلُ التوحيد، والممتاز بالخلَّةِ، فهل بقيَ من غيرِ معرفةٍ لتأويلِ رؤياهُ العجيبة؟!.

ثالثاً: سورة الحسين عندَ أهل البيت علیهم السلام :

1: روى محمد بن العباس بإسناده عن الحسن بن محبوب بإسناده عن صندل([151])، عن دارم([152]) بن فرقد قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي÷ وارغبوا فيها رحمكم الله تعالى، فقال [له] أبو أسامة ـ وكان حاضر المجلس: وكيف صارت هذه السورة للحسين علیه السلام  خاصة؟، فقال: ألا تسمع إلى قوله "يا أيتها النفس المطمئنة" الآية، إنما عنى([153]) الحسين بن علي صلوات الله عليه، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية، وأصحابه من آل محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  هم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راض عنهم. وهذه السورة([154]) في الحسين بن علي÷ وشيعته وشيعة آل محمد خاصة، من أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين بن علي÷في درجته في الجنة، إن الله عزيز حكيم([155]).

2: تفسير علي بن إبراهيم: جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن ابن البطائني، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام ، في قوله (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنت)([156])، يعني الحسين بن علي÷([157]).

3: عنه  صلى الله عليه وآله وسلم : (من قرأها في ليالي عشر غفر الله له ومن قراها في ساير الأيام كانت له نوراً في القيمة)([158]).

4: وعن الصادق علیه السلام : (من قرأها في فرائضه ونوافله كان مع الحسين علیه السلام  في درجته في الجنة فإنها سورة الحسين علیه السلام )([159]).

5: وعنه علیه السلام : قال اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي علیه السلام  من قرأها كان مع الحسين بن علي علیه السلام ([160]).

الفصل الثالث

السِرُّ في عقيدةِ الذَّبيحِ

      السِرُّ في عقيدةِ الذَّبيحِ

تمَهيدٌ:

 تحتلُّ عقيدةُ الكبشِ المذبوح مساحةً واسعةً في الكتبِ السماويّةِ المقدَّسةِ بأسرها، وهو انعكاسٌ لما تحكيهِ هذهِ العقيدةِ الإلهيّةِ من إرادةٍ وحُبٍّ وقربٍ من الله تباركَ وتعالى، وذلك واضحٌ لكلِّ مطَّلعٍ. وهي تعتبرُ من أُمهات العقائدِ الربانيَّةِ الحَقَّةِ، لكثرةِ ما وردَ بشأنها من نصوصٍ غايةٍ في الأهميةِ والروعةِ والجمالِ، نقطعُ باليقينِ ومن دونِ شكٍّ ولا ريبٍ أنَّها صدرت من جبّارِ السماواتِ والأرض، الذي تعاملَ بلطفهِ معَ كُلِّ خلقهِ، فوسعتْ رحمتهُ كُلَّ شيءٍ، وأنَّها كانت أُنشودةَ الأنبياءِ والرُّسلِ والأوصياء طولَ الدهر!، إذ ما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلّا وكانَ لهُ شغلٌ شاغلٌ بها، لأنها تمثِّلُ مشروعَ الله الأكبر في هذا الوجود، ولدقَّةِ وضخامةِ وغزارةِ المعاني الجليلةِ للنصوصِ المقدَّسةِ الواردة بالتواترِ في حقِّ هذا الكبشِ المباركِ المذبوحِ في الله ولله عزَّ وجلَّ.

 ولما كان البحث في مثلِ هكذا موضوع، شاسعاً واسعاً، متراميَ الأطراف، ولا تحدُّهُ حدودٌ، كما نعتقدُهُ، نظراً لعظمِ أسرارِ المولى عزَّ وجلَّ فيه، وكثرةِ ما ورد في الأسفار المقدَّسة من تفاصيلِ هذا الموضوع الربانيِّ العجيبِ!، وهذهِ العقيدةِ الإلهيةِ المقدَّسةِ. لذا فإننا سنمرُّ على سفرٍ واحدٍ فقط، من بين ثلاثةٍ وسبعينَ سفراً!، وهي مجموعُ أسفارِ الكتابِ المقدَّس، ألا وهو (سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي) فقط لا غير!. لكي نرى بأُمِّ أعيننا، إنَّ هذا السفر لوحدهِ فقط وفقط!، قادرٌ على تبيينِ كلّ تفاصيل هذهِ العقيدةِ الإلهيةِ المقدَّسةِ، ووضعِ النقاطِ على الحروف بشأنها، وشأنِ مكانتها عندَ الله سبحانهُ وتعالى. وسيكون بحثنا فيه مشوباً بالإيجازِ، والإختصارِ قدرَ الإمكان، على بيان المهمِّ في موضوعِ الكبشِ المذبوح، وما يُبيّن ملامحهُ للوقوفِ عليهِ عن قربٍ بعون الله تباركَ وتعالى. إذ أنَّ التفصيلَ فيهِ يحتاج إلى مجلَّداتٍ متعدِّدةٍ، وبحوثٍ كثيرةٍ للأسبابِ التي تقدَّمت!، فنقولُ بعونِ الله عزَّ وجلَّ:

 كيفيَّةُ الوصول إلى المعاني والعقائدِ في الأسفارِ!؟:

 بعدَ الإطلاعِ على الكثيرِ من المعلَن والمخفيّ من عقائدِ الأديانِ السماويةِ من غير المسلمين، وجدنا وكنتيجةٍ لدراسةٍ طويلةٍ، أنَّ هناك الكثيرَ من عدمِ الفهم، والخلطِ والخبطِ، والتهاون في دراسةِ وتفسيرِ الموروث الديني المبارك، الذي يحملُ بقايا الوحي، وعطرَ النبّوة، وتعاليم الرسالةِ الربانيةِ، والإستهانةِ والتلاعب بالعقائد الإلهية العظيمة، بل والفرار من الكثيرِ منها فرارَ الخائفِ الهَلِعِ من الأسدِ الضاري، وعدمِ الترابطِ في فهمِ نصوص الأسفار والإستفادةِ منها للخروجِ بنتائج طيّبةٍ ومرضيةٍ تفيدُ عموم البشر في كلِّ زمانٍ ومكان، وتسري في حياتهم مسرى الدم في البدن!، كما أرادَ ذلكَ مولاهمُ الحقّ جلَّ شأنهُ.

 هذا وكأنَّ الأعم الأغلب من الماضين، بل وحتى المعاصرين قد فهموا حقيقةً لا مناصَ منها، وهي كون الربّ تباركَ وتعالى يتكلَّمُ في وادٍ والناسُ في وادٍ آخر، وليسَ بالضرورة أن تفهم الناسُ مايقولهُ الربُّ في كتبهِ المقدَّسة، وهذه العدوى الخطيرة ـ معَ شديدِ الأسى والأسفِ والحزن ـ قد انتقلت أيضاً إلى أوساطِ وشرائح كبيرةٍ من المسلمين، حتى عادَ الربُّ غريباً، والدينُ غريباً، والأنبياء بالنتيجةِ الآنيّةِ العمليَّةِ حالةٌ طارئةٌ على مسيرةِ البشرية، وذهبوا إلى غيرِ رجعة!، فإنّا لله وإنّا إليهِ راجعون، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلّا بالله العليِّ العظيمِ.

 فمن هوانِ الدنيا على الله عزَّ وجلَّ أّنَّ العقائدَ الربانيةِ قد شُوِّشت وجُنِّدت بما يخدمُ ألاعيبِ الشيطانِ والسلطانِ وحبائلهِما من حيثُ يعلمونَ ولا يعلمون، وكانت وسيلة الكهنةِ لثراءِ الكنيسةِ والديرِ وبالتالي رفعتهم وسمِّوهم إلى أبدِ الآبدينَ بزعمهم!، وهو الأسلوبُ البغيض الذي استخدمهُ مدمِّروا الدين الإلهي المقدَّس من أحزابٍ وتيّاراتٍ وحكوماتٍ...الخ، في الأُمَّةِ الإسلاميَّة!.

هذا وقد استفادَ أُولئكَ الظالمون والنفعيّون وتجّار الموت إلى حدٍّ كبيرٍ من هذهِ اللعبةِ الخسيسةِ الدنيئةِ!، وطُمِسَ الكثيرُ الكثير من العقائدِ الربانيّةِ المباركةِ، وسيقَ الباقي منها أسيراً مُرغماً مُتَخَطَّفاً من كلِّ الجوانب، بل ومغلوباً مهاناً بزعمهم إلى مآربٍ ومنافعٍ توَّجَت عملَ إبليس وجندهِ وخيلهِ ورجلهِ، وكذا شياطين الأرض المارقينَ المفسدين، بتاجٍ لم يكونوا أهلهُ في يومٍ من الأيامِ أبداً!.

 نعم!، هكذا سيقت العقيدة أسيرةً، كما سيقَ بقيّةُ أهلِ الله أُسارى بعدَما أفنَوا رِجالهم ـ رجالَ الله العظام وأولياءَهُ وأحبّاءَهُ، وذبَّحوا أطفالهم، وجلدوا النساءَ بالسياطِ، بل بأفاعي الحقدِ المعتَّق والمُتَجَذِّرِ بالجهلِ الأول، وهُنَّ ودائعُ الأنبياء والرسل!، وأدموا منهُنَّ المعاصِمَ والأكتاف، فإنّا لله وإنّا إليهِ راجعون!.

 ولو أردنا تنـزُّلاً، أن نقبلَ ما قالهُ القائلون فيما نحنُ بصددهِ، من مفسرينَ للأسفارِ والعلماء والمحقِّقين الماضينَ والأعمُّ الأغلبُ من المعاصرينَ، وغيرهم!، فما تُعَدُّ أقوالهم وتفاسيرهم وآراءهم وأحكامهم إلّا عُموماتٍ مخجلةٍ تفتقرُ ـ في بعضها معَ احترامنا للكُلِّ، ولجميعِ الجهودِ العلميّةِ والأدبيّةِ  ـ  إلى أدنى المعرفةِ بالعلومِ الربانيّةِ والعقائدِ الإلهيّةِ التي جاءَ بها جميعُ الانبياءِ والرسل  علیهم السلام  من عندِ الله عزَّ وجلَّ، ويُعدُّ ما نحكم بهِ ونثبِتهُ إنشاء الله تعالى عند أهلِ الموضوعيًّةِ والإنصاف تخصيصٌ لتلكَ العمومات، بأدلَّةٍ لا مرَدَّ لها بإذنِهِ تباركَ وتعالى، وذلكَ لأننا أَتباعُ خاتمِ الأنبياءِ والرسلِ محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وقد فصَّلَ كلَّ ذلك تفصيلاً بيِّناً، ذلكَ لأنهُ بيَّنَ القرآن الكريم الذي فيهِ تبيانُ كلِّ شيءٍ، وهو عهدُ الله لخلقهِ.

 ولكوننا نستطيعُ بعون الله تباركَ وتعالى، أن نجيبَ على كُلِّ ما لم يستطيعوا الجواب عنهُ في كتبهم وتفاسيرهم وترجماتهم، لإنسدادِ الطرق عندهم بما وقفوا عليه، وهو جمودٌ مقيتٌ، وتحجُّرٍ جاهليٌّ لا داعيَ لهُ!، ولا يوصلُ إلى نتيجةٍ أبداً، وهو خلافُ الجبِلّةِ البشريّةِ، والفطرةِ الإنسانيّةِ، والتكاملُ الطبيعيِّ لعالمِ الإنسان الذي أرادهُ الله تبارك وتعالى لسموِّ جيعِ خلقهِ!.

الولوجُ إلى أعماقِ سفرِ الرؤيا:

وللوقوفِ ومعرفةِ ما قدَّمنا، يجبُ علينا أن نَرِدَ بِلُطفٍ وثِقَةٍ مشوباً بالإحترامِ والتقديرِ والمعرفةِ إلى الموروثِ الديني السماوي، والولوجُ في هذا الإرث الإلهيِّ المبارك يستوجِبُ المزيد من العنايةِ!، لأنَّهُ وحي الله، أو بقايا وحيه، الذي أرادَهُ لإنتشالِ البشرِ من الحضيضِ، الذي أوقعوا أنفسهم فيهِ، جرّاءَ تجرُّئِهم على بارئهم، وموجدهم من العدم، ونكرانِ نعَمِهِ وآلائهِ عزَّ وجلَّ. ولأنَّهُ تأريخُ الحضارةِ الربانيَّةِ المنير والمشعّ، تلكَ الحضارةِ التي رسمها الرَّحمنُ الرحيمُ للبشرِ وسائرِ المخلوقات، وهو تأريخٌ طويلٌ مشَرِّفٌ ومقَدَّسٌ لأنهُ يضمُّ في طيّاتهِ أيامَ الله الخالدةِ، التي أمَرنا بالتذكُّرِ والتفكُّرِ فيها جبّارُ السماواتِ والأرضِ وهيَ من العبادة، وإلى هنا نشرعُ بدراسةٍ متواضعةٍ لبعضِ النصوص المهمَّةِ تباعاً والتي سترشدُنا إلى فهمِ المزيدِ من الأسرار حولَ هذهِ العقيدةِ العظيمةِ بعونِ الله تعالى، وكما يلي:

أولاً: سورة (الشجرةُ المُباركةُ):

نستطيعُ أن نسمّي هذا النصّ بـ(سورة الشجرةِ المُباركةِ الطيِّبةِ)، وقد أكَّدَ النصُّ على ثمارها الطاهرةِ الإثني عشر، وورقها الذي هو شفاءٌ لكلِّ الأُممِ والشعوبِ، وكيف قد رُفعت اللعنةُ عن كلِّ الوجود ببركتها، وقد بدأت السورةُ بحكايةِ الفيضِ الإلهيِّ المبارك الذي لا انقطاعَ لهُ، إذ لم يزل الفيضُ منهُ دائمٌ متَّصلُ، وهناك العديدُ من المعاني الجليلة التي يبيِّنها هذا النصُّ المهمُّ، حيثُ وردَ في الإصحاح الثاني والعشرين من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:

 ﴿1وأراني نهراً صافياً من ماءِ حياةٍ لامعاً كبلورٍ خارجاً من عرش الله والخروف* 2 في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرةُ حياةٍ تصنع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كل شهرٍ ثمرها وورق الشجرة لشفاء الأُمم* 3 ولا تكون لعنة ما في ما بعد وعرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه* 4 وهم سينظرون وجهه واسمه على جباههم* 5 ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراجٍ أو نور شمسٍ لأنَّ الرب الإله ينيرُ عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين* 6 ثم قال لي هذه الأقوال أمينة وصادقة والرب اله الأنبياء القديسين أرسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي أن يكون سريعاً * 7 ها أنا آتي سريعاً طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب* 8 وأنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا وحين سمعت و نظرت خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا* 9 فقال لي انظر لا تفعل لأني عبد معك و مع إخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب اسجد لله*...الخ([161]).

 ويمكن لكل مَن يمرُّ بهذا النصّ، من أيِّ المللِ والنحلِ كانَ، أن يلحظَ بيسرٍ بعضَ الأمور المهمةِ التي يثبتها هذا النصُّ وبجدارةٍ، ومنها:

1: أنَّ الربَّ قرنَ ويقرنُ في كلِّ حديثهِ الخروفَ  ـ  أي الذبيح المبارك ـ مع عرشهِ المقدَّس المبارك، وكأنَّهما شيءٌ واحدٌ!، بل هما صنوانِ لا يفترقان، لشدَّةِ الترابط الوثيق بينهما، وعدمِ الإنفكاك بأيِّ حالٍ من الأحوالِ أبداً، فالعرشُ والذبيحُ من سنخٍ واحدٍ!، ولو كانَ بينها أدنى تخالفٌ، أو في أحدهما شائبةٌ ما لما صحَّت السنخيَّةُ والتقارب، إذ المقامُ ليسَ مقامُ دارِ التزاحمِ والبلاءِ الدنيوي، بل هذهِ القضيَّةٌ تجري في أشرفِ العوالم وأرفعها كما يحكيها النصُّ!.

2: أنَّ النبعَ الصافي، والمعين الذي لا ينضب، ونهر الحياة المبارك، إنما كان ذلك كُلُّهُ ببركةِ العرش والجالس عن يمينهِ وهو الكبشُ المذبوحُ، فالبركةٌ والفيضُ يجري من كليهما سويَّةً.

3: إنَّ أشدَّ الخزي والعذاب وهو اللعن، وهو يعني الطردُ من رحمة الله عزَّ وجلَّ!، قد رُفعَ عن الأُممِ والشعوب، بل وكلِّ الخلقِ، ببركةِ هذهِ الشجرةِ المباركة وثمرها وورقها وقدسيةِ الكبش المذبوح المبارك وقرب كلِّ ذلكَ من عرش الله عزَّ وجلَّ، كما يصوِّرُهُ النصُّ.

4: لابدَّ من أنَّ الوجود سيخدمُ الكبش المذبوح، ويعترفُ بعظمِ حقِّهِ على الجميعِ، ويسخِّرُ نفسهُ لخدمتهِ وردِّ جميلهِ بكلِّ ما يملك، وسيفتخرُ الوجود الخيّر بتلكَ الخدمة، لأنَّها من أعظمِ العبادات.

5: وسيكون قبالهم دوماً، ينظرون نورَ وجههِ الشريف المبارك، ولا يغيبُ عنهم مطلقاً، وسيحمل الطيبون اسمَهُ المقدَّس على جباههم، وهذا يدلُّ على منتهى التقديس لهذا العظيم عند الله وعند المؤمنينَّ بالله كما أراد هو، ونهجَ لهم، وخطَّ لهمُ الطريق.

6: وسيرفعُ الظلام أصلاً من كلِّ العالم، وتنقشعُ جميعُ الظُلَم، لأنَّ النور الأعظم سيتجلّى بأعظم صوره بإلتفات العالم بأسرهِ إلى حقِّ الذبيحِ العظيم عليهم وفضلهِ السابق على كلِّ مَن سواهُ.

7: وسيملكُ أحبابُ الكبشِ المذبوح وهم أحبابُ الله وأوِدّاءُهُ إلى أبدِ الآبدين، وسيغدقهم الربُّ بعظيمِ منهِ ونعمهِ وكراماتهِ، وهو النصرُ العظيم في آخر الزمان للحقِّ وأهلهِ، وهو ملكوت الله ويوم الله الأعظم كما صرَّحت بذلكَ الكتبُ السماويةِ المقدَّسةِ بأسرها.

8: ولإتمامِ هذا الموضوع والمراد من النصّ لابدَّ من الرجوع إلى ذكر الشجرةِ المباركة ونقول شيئاً فيها، فقد جاء في النصّ: ﴿ في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرةُ حياةٍ تصنع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كل شهر ثمرها وورق الشجرة لشفاء الأُمم* 3 و لا تكون لعنة ما في ما بعد وعرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه: إنَّ الشجرة المباركة هي عظيمةٌ بكلِّ معنى العظمة، ومن عظمتها أنها ممتدةٌ من هاهنا وها هناك، أو قل مابين طرفي الوجود بأسرهِ، بدؤُهُ ومنتهاهُ، أو ما بين مشرقهِ ومغربهِ، وكلُّ ذلك ثابتٌ لهذهِ الشجرة المباركة المقدّسة!، كما سيتَّضح لأهلِ الإنصافِ من الآتي بعونِ الله ومنِّهِ.

9: إنَّ هذه الشجرة المباركة الميمونة تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربّها، لذلكَ عبَّرَ النصُّ بقولهِ: (وتعطي كل شهرٍ ثمرها)، ولا فرق بين هذا النصّ ومنطق القرآن كما هو معلوم.

10: وذكرُ الشجرة المباركة العتيدة هنا لهُ معانٍ جليلةٍ وكثيرة، ولا يمكن التطرُّق لها جميعاً هنا، سوى ما أوضحهُ النصُّ من أنَّها تمنحُ الوجود اثنتي عشرة ثمرة مقدَّسة وأُكلُها دائمٌ وورقها شفاءٌ للأُمم جميعاً.

وقد ذكرها الباري جلَّ وعلا مراراً وتكراراً في جميعِ كتبهِ المقدَّسةِ بلا استثناءٍ، وقد ذكرها القرآنُ ببيانٍ عجيبٍ وجعلها مثلاً لمصداقٍ أجلّ وأشرف وهو حيٌّ بيننا ويمشي معَ الناس في كلِّ حين، حيثُ قال عزَّ من قائل: ﴿أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القَرَارُ(29)﴾([162]).

 هذا وقد قام النبيُّ الأكرم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وهو خاتمُ الرُّسل والنبيين، ومُبيّنُ القرآن، بإيضاح تفاصيل هذه الآيات الشريفة والمراد منها، وكذا الأئمةُ الميامين من آلهِ الطاهرين، وهم أهلُ بيت النبوَّة والعصمةِ والطهارة علیهم السلام  وكذا أصحابهُ المنتجبين (رضوان الله عليهم أجمعين) وروى المسلمون عنهم ذلك بأجمعهم، ومن بين ذلك:

 أ: مارواهُ الكنجي:

 

 أخبرنا المفتي أبو نصر بن هبة الله الشيرازي، أخبرنا الحافظ علي بن عساكر، أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أخبرنا إسماعيل بن مسعدة، أخبرنا حمزة بن يوسف، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا عمر بن سنان، حدثنا الحسن بن علي أبو عبد الله الغني الأزدي، حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرحمن بن عوف أنه قال: ألا تسألوني قبل أن يشوب الأحاديث الأباطيل قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وشيعتنا ورقها، والشجرة أصلها في جنة عدن، والأصل والفرع واللقاح والورق في الجنة. وأنشدنا الشيخ أبو بكر بن فضل الله الحلبي الواعظ:

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة ما في الجنان لها شبه من الشجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة ثم اللقاح عليٌّ سيد البشر

والهاشميان سبطاها لهـا ثمرٌ والشيعة الورق الملتف بالثمر

هذا حديث رسول الله جاء به أهل الرواية في العالي من الخبر

إني بحبهم أرجو النجاة غداً والفوزَ مع زمرةٍ من أحسن الزمر

قلت: أخرجه محدث دمشق بطرقٍ شتى([163])،([164]).

ب:...عن جابر الجعفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، عن قول الله عز وجل:﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾؟، قال: أما الشجرة فرسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، وفرعها علي علیه السلام ، وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، وثمرها أولادها عليهم السلام، وورقها شيعتنا، ثم قال علیه السلام : إن المؤمن من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة، وإن المولود من شيعتنا ليولد فتورق الشجرة ورقة([165]).

ج: وجاء في الغدير:

 وذكر شيخنا عماد الدين الطبري في الجزء الثاني من كتابه (بشارة المصطفى) لأبي يعقوب النصراني قوله: يا حبذا دوحة في الخلد نابتة * ما في الجنان لها شبه من الشجر...وذكر الأبيات إلى قولهِ: إني بحبهم أرجو النجاة غدا * والفوز مع زمرة من أحسن الزمر، أشار بها إلى ما أخرجه الحفاظ([166]) عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أنه قال:

أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائر ذلك في سائر الجنة. هذا لفظه عند العامة وأما عند مشايخنا فهو:

 (خلق الناس من أشجار شتى وخلقت أنا وعلي بن أبي طالب من شجره واحدة، فما قولكم في شجرة أنا أصلها، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقته إلى الجنة، ومن تركها هوى في النار)([167]).

أقول وقد وردت عند جميعِ المسلمين على اختلافهم، واختلافِ متبنياتهم، أخبارٌ كثيرةٌ، وبأسنيد عديدةٍ، تثبتُ هذهِ العقيدة المباركة المتقدِّمة بكلِّ جزئيّاتها وتفاصيلها، بل وبكلِّ قدسيَّتها، كما ثبتت قديماً وبجدارةٍ في الكتبِ السماويَّةِ الأُخرى، التي مرَّ عليكَ آنفاً تفاصيلٌ واضحةٌ عنها، وكلُّ ذلكَ يعتبرُ حجَّةً دامغةً، لكُلِّ منصفٍ في العالم، يريدُ الوصولَ إلى لحقيقةِ الإلهيَّةِ التي لا مفرَّ منها!.

لذا قلتُ: هناكَ حكمةٌ أنشدها سبطُ رسولِ الله الأكبرُ الحسنُ المجتبى عليه الصلاةُ والسلامُ عندما أفحمَ معاوية ـ وما وجدَ أبو يزيد بُدّاً ولا حيلةً للردِّ عليهِ بشيءٍ غثٍّ أو سمينٍ، وعدمِ التسليمِ لهُ ـ لبديعِ حكمةِ السبطِ المجتبى وفيضِ علمهِ الزاخرِ المتلاطم، حيثُ ختمَ السبطُ الكريمُ قولهُ المبارك بهذا البيت الناسع

الحق أبلجٌ ما يحيل سبيلُهُ        والحقُّ يعرفهُ ذوو الألباب([168]).

ثانياً: سورة (الذبيحُ هوَ السراجُ)

فقد أكَّدت الأدلةُ المنيرةُ في الكتابِ المقدَّس أنَّ ذبيحَ الله الأعظم هو السراجُ المبارك ـ أي المصباح المضيءُ دائماً وأبداً، والذي يهدي جميع الأمم والشعوب، ببركةِ عطائهِ المتواصل، الممتدِّ الذي لا انقطاعَ لهُ بحالٍ من الأحوالِ أبداً ـ حيثُ وردَ في الإصحاح رقم(21) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:

 ﴿1ثم رأيت سماءً جديدةً وأرضاً جديدةً لأنَّ السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد في ما بعد* 2وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة اورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأَةً كعروس مزينةً لرجلها* 3 وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً هو ذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم* 4 و سيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت* 5 وقال الجالس على العرش ها أنا اصنع كل شيء جديداً وقال لي اكتب فان هذه الأقوال صادقة وأمينة* 6 ثم قال لي قد تمَّ أنا هو الألف والياء البداية والنهاية أنا أُعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا* 7 من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً* 8 وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعَبَدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني* 9 ثم جاء إليَّ واحد من السبعة الملائكة الذين معهم السبعة الجامات المملوة من السبع الضربات الأخيرة وتكلم معي قائلاً هلمَّ فأُريك العروس امرأة الخروف* 10 وذهب بي بالروح إلى جبل عظيم عال وأراني المدينة العظيمة اورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله* 11 لها مجد الله ولمعانها شبه اكرم حجر كحجر يشب بلوري* 12 كان لها سور عظيم وعال وكان لها اثنا عشر باباً على الأبواب اثنا عشر ملاكاً وأسماء مكتوبة هي أسماء أسباط بني إسرائيل الإثني عشر* 13 من الشرق ثلاثة ابواب ومن الشمال ثلاثة أبواب ومن الجنوب ثلاثة أبواب ومن الغرب ثلاثة أبواب* 14 وسور المدينة كان له اثنا عشر أساساً وعليها أسماء رسل الخروف الإثني عشر* 15 والذي كان يتكلم معي كان معه قصبة من ذهب لكي يقيس المدينة و أبوابها وسورها* 16 والمدينة كانت موضوعة مربعة طولها بقدر العرض فقاس المدينة بالقصبة مسافة اثني عشر ألف غلوة الطول والعرض والارتفاع متساوية* 17 وقاس سورها مئة وأربعاً وأربعين ذراعا ذراع إنسان اي الملاك* 18 وكان بناء سورها من يشب والمدينة ذهب نقي شبه زجاج نقي* 19 و أساسات سور المدينة مزينة بكل حجر كريم الأساس الأول يشب الثاني ياقوت ازرق الثالث عقيق ابيض الرابع زمرد ذبابي* 20 الخامس جزع عقيقي السادس عقيق احمر السابع زبرجد الثامن زمرد سلقي التاسع ياقوت اصفر العاشر عقيق اخضر الحادي عشر اسمانجوني الثاني عشر جمشت* 21 والإثنا عشر باباً اثنتا عشرة لؤلؤة كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة وسوق المدينة ذهب نقي كزجاج شفاف* 22 و لم أَرَ فيها هيكلاً لأنَّ الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلُها* 23 والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجُها* 24 وتمشي شعوب المخلصين بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم و كرامتهم إليها* 25 وأبوابها لن تغلق نهاراً لأن ليلاً لا يكون هناك* 26 ويجيئون بمجد الأُمم وكرامتهم إليها* 27 ولن يدخلها شيءٌ دنسٌ ولا ما يصنع رجساً وكذباً إلّا المكتوبين في سفر حياة الخروف*.([169])

ويمكن للمطَّلع الذي يمرُّ بهذا النص من سفر يوحنا المعمدان اللاهوتي أن يلحظَ بعض الأمور المهمةِ، ومنها:

1: أنَّ الربَّ في الأحداث الأخيرة للأرضِ، يريد تكريمَ ذبيحهِ المبارك بأنواعِ الكراماتِ والحبواتِ والعطيّاتِ الفاخرىتِ، ويرفعُ من شأنهِ أمامَ الجميع!، لأنَّ الناسَ بعدُ لم يعرفوهُ كاملَ المعرفةِ المتعلقةِ بحسبِ كلِّ نشأةٍ من نشئأتِ وجودهم!.

2: أثبتَ النصُّ أنَّ للذبيحِ رُسلاً...!، وهذا يثبتُ أن َّ لهُ تصرُّفاً مهماً ومميَّزاً في الوجود بإذنِ الله تباركَ وتعالى، فهو مطِلٌّ ومشرفٌ علينا، ولهُ نوعٌ من الرعايةِ والتربيةِ للعوامِ حسبَ مقامهِ الشامخِ المُنيفِ!.

3: أنَّ الربَّ القديرَ قد قرنَ معهُ هنا أيضاً وفي أماكنِ عديدةٍ الذبيحَ المبارك!، فهما كشيءٍ واحدٍ لشدَّةِ الترابط الوثيق بينهما، وقوة العُلقَةِ العجيبةِ التي تربطهما!.

4: أنَّ الذبيحَ المبارك هو النور المتجلّي من نورِ ربهِ وبارئهِ الأقدسِ، فهو سراجُ نورِ الربِّ تعالى  ـ  أي هو مصباحُ الهدى ـ ، وفي هذا النصُّ وغيرهُ إشاراتٌ بيِّنةٌ بأنَّهُ لن ينطفيء أبداً، وهو ينيرُ كُلَّ عوالم الخيرِ، بل كلِّ العوالم مطلقاً، إلّا من أبى وعاندَ فهم مطرودون مبعدون بالفعلِ، لكنَّهم يأخذونَ ويستمدّونَ النورَ منهُ تكويناً وهم لا يشعرون...!، ففضلهُ سابقٌ وسابغٌ حتى لأعدائهِ وإن جهلوا!، ولن يضرّوهُ شيئاً.

5: أنّ للذبيح المبارك  ـ المعنيِّ بهذهِ النصوصِ الصريحة، وهو فردٌ لا يشاركهُ في أمرهِ هذا أحدٌ أبداً ـ سفراً مقدَّساً مذخوراً لحياتهِ الدائمةِ المباركةِ التي منحها إيّاها مولاهُ، فيهِ أسماءُ محبيهِ وأنصارهِ وعشاقهُ في كلِّ عصرٍ وزمان، وسيجزيهم ربهم تعالى لذة الوصالِ والقربِ، من حبيبهم ومعشوقهم الذي طالما ذابوا فيهِ، وحنّوا إليهِ، واشتاقوا إليهِ اشتياقَ القاحلةِ الجدباء لغيثِ السماءِ!.

6: الإستغناءُ بنورِ الذبيح المبارك عن الشمسِ والقمر، بل وعن أمثالهما وغيرهما...!، وهو رجوعٌ إلى أصلِ الأصلِ، بعدَ أزمانٍ طويلةٍ من التيهِ في الآثارِ، لذا فهو رجوعٌ وعودةٌ إلى معدنِ الأنوار، وخزائنِ الأسرار، ومن ثمَّ إلى سِرِّ الأسرارِ المكنونِ!.

7: أنَّ واسطةَ الفيض النُّوريّ المبارك هو الكبشُ المذبوح، فهو وحدُهُ القادرُ على إختِزالِ النور الرباني، وبثَّهُ لجميعِ المخلوقات، والتعبيرُ واضحٌ بقوله: (لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجُها) فهو واسطةُ الفيض الأعظم، والتجلي الأقدس!.

8: أنَّ قدسيَّة الذبيح المبارك هي بعينها قدسيَّة المولى جلَّ شانهُ، فقد عبَّر النصّ بقولهِ: (ولم أَرَ فيها هيكلاً لأنَّ الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلُها).

قلتُ: وهذهِ المقاماتُ العاليةُ جدّاً، الشامخةُ في عالمِ الحقِّ، والتي يثبتها النصُّ بجدارةٍ للشخصِ الوحيدِ المعنيّ بها، من الصعبِ المستصعبِ أن يهضمها الجميعُ، وخاصَّةً من كانَ من أهلِ الفظاظةِ واللجاج، وفي قلبهِ الغلاظة والمجاج، لأننا نوقنُ أنَّ من كانَ قد رسمَ صورةً في داخلهِ لنبيِّهِ الخاتم من كونهِ مثلاً، يبول واقفاً في قارعةِ الطريق، ويحملُ احدى أزواجهِ وهي الصغيرةُ الحميراء على كتفيهِ لتشاهدَ رقصَ الاحباش وسمرهم وغنائهم، وربُّهُ ينزلُ على حمارٍ فخمٍ إلى الأرضِ ليلةَ الجمعةِ...الخ!، فكيفَ من كان ربُّهُ ونبيُّهُ بهذا المستوى السخيف من الوجود، أن يُقرَّ بأنَّ هناكَ مقدَّسينَ مطهَّرينَ بما للكلمةِ من معنى!؟.

ثالثاً: سورة (تكريمُ الذَّبيحِ)

 وفي هذا النصُّ الممَيَّز، فانَّ الربَّ القدير يريدُ تكريمَ ذبيحهِ المبارك بأنواعِ الكرامات المتميِّزات الباهرات والتي عليها تدور أحداثِ الدنيا بأسرها!، إذ يقرنُ الربُّ العظيم تكريمَهُ لكبشهِ الفادي للدينِ الإلهيّ وبينَ المنقذِ المنتقم في آخرِ الزمانِ بأروعِ صورةٍ من حيث الوضوح والتأكيد ورسمِ الأحداث الأخيرةِ!([170]).

 فقد جاء في الإصحاح التاسع عشر من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ: ﴿1وبعد هذا سمعت صوتاً عظيماً من جمع كثير في السماء قائلاً هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا* 2 لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بِزِناها وانتقم لدم عبيده من يدها* 3 وقالوا ثانية هللويا ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين* 4 وخر الأربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين آمين هللويا* 5 وخرج من العرش صوت قائلاً سبحوا لإلهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار* 6 وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه كثيرة وكصوت رعود شديدة قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء* 7 لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأنَّ عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها* 8 وأُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً لان البز هو تبررات القديسين* 9 وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي أقوال الله الصادقة* 10 فخررت أمام رجليه لأسجد له فقال لي انظر لا تفعل أنا عبد معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع اسجد لله فان شهادة يسوع هي روح النبوة* 11 ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب* 12 وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسمٌ مكتوبٌ ليس احدٌ يعرفهُ إلّا هو* 13 وهو متسربل بثوب مغموس بدمٍ ويدعى اسمهُ كلمة الله* 14 والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيلٍ بيض لابسين بزاً ابيض ونقياً* 15 ومن فمه يخرج سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الأُمم وهو سيرعاهم بعصاً من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء* 16 وله على ثوبه وعلى فخذه اسمٌ مكتوبٌ ملك الملوك ورب الأرباب* 17 ورأُيت ملاكاً واحداً واقفاً في الشمس فصرخ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً لجميع الطيور الطائرة في وسط السماء هلم اجتمعي إلى عشاء الإله العظيم* 18 لكي تأكلي لحوم ملوك و لحوم قواد ولحوم أقوياء ولحوم خيل والجالسين عليها ولحوم الكل حراً وعبداً صغيراً وكبيراً* 19 ورأيت الوحش وملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده* 20 فقبض على الوحش والنبي الكذاب معه الصانع قدامه الآيات التي بِها أضلَّ الذين قبلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته وطرح الاثنان حيين إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت* 21 والباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس الخارج من فمه وجميع الطيور شبعت من لحومهم*([171]).

ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ والتي قد نستطيع إجمال بعضها بما يلي:

1: وبعد هذا سمعت صوتاً عظيماً من جمع كثير في السماء قائلاً هللويا([172]) الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا: النصُّ في معرضِ بيان التجلّي، الأعظم، والظهور الأتم، للمولى عزَّ وجلَّ بأعظمِ مصاديقِ ظهورهِ وتجلياتهِ، ولذا يجبُ الالتفات الى مضامينِ النصِّ بعنايةٍ وتأمُّلٍ يليقُ بالمقامِ، ففقراتُ النصِّ ملحميَّةٌ وبجدارةٍ!.

2: وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين آمين هللويا* وخرج من العرش صوت قائلاً سبحوا لإلهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار: عبادةٌ تليقُ بأهلِ القلوبِ العارفينَ بربِّهم جلَّ شأنهُ الأقدس، وهي ليسَ حِكراً على أحدٍ لأنَّ هؤلاءِ الصالحين أصنافٌ متعدِّدةٌ بحسبِ مراتبِ قربهم فهم صغارٌ وكبارٌ بكلِّ معاني هذهِ الكلمات، فكلٌّ بحسبِ استعدادهِ، ولكنَّ الكلّ يشيرُ اليهِ!، وكما قالَ الشاعرُ:

 عباراتنا شتّى وحسنك واحدٌ وكلّ إلى ذاك الجمال يشير([173]).

3: وسمعت كصوتِ جمعٍ كثيرٍ وكصوت مياهٍ كثيرةٍ وكصوت رعودٍ شديدةٍ قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء: إشارةٌ بليغةٌ لبدايةِ حكمِ الله على الأرضِ بواسطةِ المصلح الأعظم، وأنَّ حكمهُ إنما هو حكمُ الربِّ حرفيّاً أي الحكم الواقعي، وهو الذي يُعرفُ بخاتمِ الأولياءِ عندَ الأعمِّ الأغلبِ من عرفاءِ العالمِ الواصلينُ، وموضوعهُ من أُمهاتِ العقائدِ الربانيّةِ الدقيقةِ([174])، التي أقرَّ بها أهلُ العقلِ والنقلِ والوجدانِ، من كلِّ دياناتِ العالمِ!.

4: لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأنَّ عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها. وأُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً لان البز هو تبررات القديسين: وهو رمزٌ لبداية التكريمِ العظيم والإنتصار الكبير الحتميّ في آخرِ الزمان الذي يقومُ باسمِ الكبشِ المذبوح بل هو شعلةُ الثورةِ وشعارُ الثوّارِ المؤمنين الصالحين في آخرِ الزمانِ.

5: وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي أقوال الله الصادقة: لأنَّ المدعوين إلى هذا التكريم الإلهيِّ العظيم هم أولياء ومحبّي ومريدي وخدّام الكبشِ المذبوحِ فقط وفقط، ولن يحظى بهذا التكريم غيرهم أحدٌ أبداً، إلّا من انتسبَ إليهم بصلةٍ!.

6: ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب: وهو نصٌّ غيبيٌّ عجيبٌ في وراثةِ خاتمِ الأولياء والمصلحِ الأعظم، لأنهُ يكون على قلبِ خاتمِ الأنبياءِ والرسلِ وهو الوريث الشرعي الصادق الأمين، والمعنى بمكانٍ من الوضوحِ والاشراقِ لا يستدعي مزيداً من البيانِ!.

7: وعيناه كلهيب نارٍ وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسمٌ مكتوبٌ ليس احدٌ يعرفهُ إلّا هو([175]): إشارةٌ إلى قوَّةِ وشدَّةِ وحزمِ المصلحِ الأعظم المنتقمِ من الظالمين نفسي لهُ الفداءُ، لهذا فقد ورد عن النبي الأعظم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  في وصف القائم المنتقم انه قال: «أسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار([176]).

 ولعلَّ ما جاء في العهد الجديد من سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح الأول ما يبيّن المزيد مما نحن بصدده: ﴿1 إعلانُ يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليُرِيَ عَبيدَهُ ما لا بد ان يكون عن قريبٍ و بَيَّنهُ مُرسلاً بيدِ مَلاكِهِ لعبدِهِ يوحنا* 2 الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه* 3 طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب*...إلى أن يقول:

7 هو ذا يأتي مع السحاب([177]) وستنظرهُ كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض نعم آمين* 8 أنا هو الألف و الياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء* 9 أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت([178]) يسوع المسيح وصبره كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس من اجل كلمة الله ومن اجل شهادة يسوع المسيح* 10 كنت في الروح في يوم الرب وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق* 11 قائلا أنا هو الألف والياء الأول والآخر والذي تراه اكتب في كتاب وارسل إلى،...إلى أن يقول: 12التفتُّ لأنظرَ الصوت الذي تكلَّمَ معي ولما التفت رأيتُ سبعَ مناير من ذهب* 13 وفي وسط السبع المناير شبهُ ابن إنسان([179]) متسربلاً بثوبٍ إلى الرجلين ومتمنطقاً عند ثدييه بمنطقةٍ من ذهب* 14 وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج وعيناه كلهيب نار* 15 و رجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في اتون وصوته كصوت مياه كثيرة* 16 ومعه في يده اليمنى سبعةُ كواكبٍ وسيفٌ ماضٍ ذو حدين([180]) يخرج من فمه ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها* 17 فلما رايته سقطت عند رجليه كميتٍ فوضع يده اليمنى علي قائلاً لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر* 18 والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلى ابد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت* 19 فاكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيدٌ أن يكون بعد هذا*...([181]).

 وأما إشارة (وعلى رأسه تيجان كثيرة):

فهي للتعريف بعظيمِ ملكه على كلِّ العوالم، وما كانَ ملكُ سليمان النبيّ (على نبيّنا وآلهِ وعليه أفضلُ الصلاةِ والسلام) وغيرهُ ممّن ملَّكهُ الله سبحانهُ وتعالى إلّا رمزٌ من رموزِ هذهِ الخلافةِ الإلهيةِ العظمى وحكمِ الله تعالى الأعظمِ والأتم!.

8: وهو متسربلٌ بثوبٍ مغموسٍ بدمٍ ويدعى اسمهُ كلمة الله: ولهذا الثوب المغموس بالدمِ ألفُ نصٍّ وقصَّةٍ وحديثٍ وروايةٍ عنِ الله ورسولهِ وأهلهِ، وهو رمزٌ لإدراكِ ثأرِ الله الأكبر، وهو تارةً يأتي مصداقٌ لذلكَ الثوب الذي ذُبحَ فيهِ كبشُ الله الأعظم، وتارةً رمزٌ لإدراكِ ثأرِ كلِّ قطرةِ دمٍ أُريقت على وجهِ الأرضِ ظلماً، وكلاهما متَّحدُ المعنى والمغزى، إذ أنَّ المصداقَ الأشرف مقدَّمٌ في كلِّ الأحوال.

وأما إشارة (ويدعى اسمهُ كلمة الله): فهي للتنويه عن مقامهِ وقربِهِ، وهو وارث لجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، وبهِ يتكللُ نصرهم!، وبجهودهِ يتمُّ نورهم الذي أُرسلوا بهِ!.

9: والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزاً ابيض ونقياً: فهم أحد قواه، والملائكةُ جندٌ من جندهِ، وهم طوعَ أمرهِ ونهيهِ، وينتصرُ بهم على أعدائهِ، وسيقاتلونَ بينَ يديهِ!.

10: ومن فمه يخرج سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الأُمم، وهو سيرعاهم بعصاً من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء: وقد مرّت الإشارة إلى قوّتهِ وشدّة بأسهِ، ولعلَّ الإشارة إلى ذلك في سفر أشعيا واضحة المعنى: ﴿ويحكم بالإنصافِ لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميتُ المنافقَ بنفخةِ شفتيهِ([182]).

11: وله على ثوبه وعلى فخذه اسمٌ مكتوبٌ ملك الملوك ورب الأرباب: وهي من سماتِ وأوصافِ المنقذ الأعظم التي أجمعت عليها الأديان السماوية، وهي تنبعُ من ذاتهِ المقدَّسهِ، وليست من المقتنيات الطارئة عليه، ولكن يجب أن تظهر للجميع، فهي تظهرُ على ثوبهِ المبارك، أي تظهرُ للجميع وعلى كلِّ ما ارتبط بهذا الرجل الإلهيِّ المقدَّس، وذلك لإبداءِ الخلافةِ الإلهيةِ العظمى بأتمِّ صورها بمنظرٍ ومسمعٍ من جميعِ عوالم الإمكان.

12: ورأيت الوحش و ملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده:

 وهي إشارةٌ بليغةٌ غيبيَّةٌ تُبدي حالةَ أعداءِ الله تعالى وما يكونُ من أمرهم، فهم حتى آخرَ لحظةٍ لم يكلّوا ويملّوا من حربِ أهلِ الله عزَّ وجلَّ ظلماً وعدواناً، لذا يكونُ القصاص الحقّ الذي ذكرهُ النصُّ في محلِّهِ ولابدَّ منهُ لتحقيقِ عدلِ الله تعالى شأنهُ، وأوَّلهُ هذا القصاص الدنيوي المرعب الذي أشارَ اليهِ وإلى أشباههِ وأمثالهِ القرآن الكريم بقولهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمْ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ (16) ﴾([183]).

 وفي قولهِ تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾([184]).

 وفي قولهِ تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ(39)﴾([185]).

 وفي النصِّ أيضاً إشاراتٌ واضحةٌ للملاحمِ والفتن التي تجري في ظهور المنتقم من الظالمين والمنقذ لمستضعفي الخلائقِ أجمعين، لنتجاوزها رعايةً للإختصار ونأملُ بحثها في محلٍّ آخر مناسبٍ إنشاء الله تعالى شأنهُ.

رابعاً: سورة (المرأةُ المتسربلةُ بالشمسِ)

 وهذهِ المرأةُ العتيدةُ والمباركة الميمونة، لها شأنٌ عظيمٌ عندَ الله تعالى، ولها مقامُ قُربٍ عجيبٍ عندهُ عزَّ وجلَّ، ولها أعداءٌ كثيرونَ جدّاً وخطرون، وقد حاربوها في كُلِّ العوالم، وظلموها ظلماً لا مثيلَ لهُ في تأريخِ الوجودِ!، واعتدوا عليها إعتداءً سافراً، وهم قد حاربوا كلَّ أحدٍ متصلٍ بها أو يمتُّ إليها بصلةٍ!، ولم تُثنِهم قدسيَّتها وطهارتها وحنانها وعطفها على العوالم بأجمعها أبداً!.

 حيثُ جاء في الإصحاح رقم (12) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ: ﴿1وظهرت آيةٌ عظيمةٌ في السماء، امرأةٌ متسربلةٌبالشمسِ، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليلٌ من إثني عشر كوكباً* 2 وهي حُبلى تصرخُ متمخضةً ومتوجعةً لتَلِد* 3 وظهرت آية أُخرى في السماء هو ذا تنينٌ عظيمٌ أحمرٌ له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان* 4 وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت* 5 فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأُمم بعصاً من حديد واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه* 6 والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولوها هناك ألفاً ومئتين وستين يوماً* 7 وحدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته* 8 ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء* 9 فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكتهُ* 10 وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً في السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً* 11 وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت* 12 من اجل هذا افرحي أَيتها السماوات والساكنون فيها ويل لساكني الأرض والبحر لأَن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً * 13 ولما رأى التنين انه طرح إلى الأرض اضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر* 14 فأُعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تعال زماناً وزمانين ونصف زمان من وجه الحية* 15 فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماءً كنهر لتجعلها تحمل بالنهر* 16 فأعانت الأرض المرأة وفتحت الأرض فمها وابتلعت النهر الذي ألقاهُ التنين من فمه* 17 فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح*([186]).

ونظراً لأهميّةِ هذا النصِّ المقدَّس، وللتمكُّنِ من معرفةِ بعضِ أسرارهِ والوقوف عليها، نرجعُ إلى أصولهِ وجذورهِ في تفاسير اليهودِ والمسيحيين، فالنصُّ ألفتَ انتباههم منذُ القدم، ولكن حاولوا فكِّ رموزهِ بتساهلٍ عجيبٍ، وحاولَ البعضُ الفرارَ من بعضِ الفقراتِ العجيبةِ ومعانيها الجميلة، ذلكَ لأنَّهُ لم يستطعِ تفسيرها حسب مايعرفهُ من العقائدِ الربانيّةِ، وبالإضافةِ إلى ذلك التساهلِ العجيب الذي كان منهم، عمدوا إلى السطحيَّةِ وعدمِ التَّعمُّق في فهمِ ما يريدهُ الربُّ عزَّ وجلَّ!.

ولكن يمكن لكلِّ مطَّلعٍ ينظرُ في هذا النص من سفر يوحنا المعمدان اللاهوتي أن يلحظَ معانٍ جليلة وعقائد رصينة، فالنص يمثِّلُ ملحمةً إلهيَّةً غايةً في الأهميَّةِ والروعةِ والجمال، ولعلَّنا نوفق في توصيلِ شيءٍ منها إلى أهلِ النورِ والمعرفةِ والرقَّةِ والشفّافيةِ عبرَ النقاط التالية:

1: هذا النصُّ كنايةٌ عن أن المقدسين والربانيين الذين أُستشهدوا في سبيل الله تعالى، ومضوا مقهورين مضطهدين سينتصرون وسيغلبون ببركةِ دم الذبيح المبارك انتصاراً تفرحُ بِهِ جميعُ السماوات والساكنون فيها، بل وجميع عوالم الخير، وهو واضحٌ في قولهِ: ﴿11 وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت*.

2: أكَّدَ النصوص على أنَّ هذهِ المرأة هي كالشمس، بل هي الشمسُ بعينها، لشدَّةِ نورها وظهورها في كلِّ العوالم، بل يذكرها النصُّ هنا في مقامٍ آخرٍ أسمى وأرفع يصعبُ وصفهُ ومعرفةِ كنهِهِ، وهو درجتها الإلهيَّةِ في عالمِ الحقِّ والحقيقة!، والإشارةُ اليهِ واضحةٌ وصريحةٌ في قولهِ (متسربلةٌ بالشمس) فكلُّ مقامِ الشمسِ وعظمتها أَصبحَ ثوباً ترتديهِ هذهِ المرأةُ المباركة، فهو مسارعٌ لخدمتها، مطيعٌ لها، بل هو شأنٌ من شؤونها!.

 ولما كانت كذلكَ فإنَّ كلَّ الكواكب تدورُ في فلكها، منشدَّةً إليها، مستنيرةً بنورها، فتأمَّل ذلكَ في قولهِ: (على رأسها إكليلٌ من اثني عشرَ كوكباً). فهيَ المشكاةُ في القرآن الكريم، قال عزَّ من قائل: ﴿الله نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)﴾([187]).

هذا وقد نطقَ روحُ القدس على لسانِ شاعرُ أهلِ البيت النبوي، حيث تكلَّمَ بمنطقِ الكتب السماوية المقدَّسة حين قال:

شعَّت فلا الشمس تحكيها ولا القمر زهراءُ من نورها الأكوان تزدهرُ

بنت الخلود لها الأجيال خاشعةً أمُّ الزمان إليها تنتمي العصرُ

روح الحياة فلو لا لطف عنصرها لم تأتلف بيننا الأرواح والصورُ([188])

3: (والقمر تحت رجليها):

وذلكَ لأنها أَشرفُ أمٍّ في الوجودِ على الإطلاقِ بدليلِ النصّ، والجنةُ تحتَ أقدامِ الأُمهات، وقسيمُ النارِ والجنَّةِ بعلُها، وهو القمرُ الذي اقترنَ بها، وهو من أعظمِ أَهلِ الجنةِ، والجنَّةُ وما فيها تحتَ قدميها، وليسَ معنى هذا حطّاً لشأنهِ عليه الصلاةُ والسلام، بل لأَنها أُمٌّ لهُ ولغيرهِ، حيثُ وصفها النبيُّ الخاتمِ بـ(أُمّ أبيها)، وقال  صلى الله عليه وآله وسلم : (أنا وعليّ أَبوا هذهِ الأمة)، وأنتَ عليمٌ بأنَّ أُمَّ الأب أمٌّ عُليا حقيقيةً، وقالَ شاعرهم لله درّهُ:

بنتُ النبيِّ الذي لولا هدايتهما كان للحق لا عينٌ ولا أثرُ

هي التي ورثت حقاً مفاخره والعطر فيه الذي في الورد مدخرُ

في عيد ميلادها الأملاكُ حافلة والحورُ في الجنةِ العليا لها سَمَرُ

تزوجت في السماء بالمرتضى شرفاًوالشمسُ يقرنها في الرتبةِ القمرُ

على النبوةِ أضفت في مراتبها فضل الولاية لا تبقى ولا تذرُ

أم الأئمة مَن طوعاً لرغبتهم يعلو القضاء بنا أو ينـزل القدرُ

قف يايراعي عن مدح البتول ففي مديحها تهتفُ الألواحُ والزبرُ([189])

 بلى والله! فهذا عينُ الحقِّ والصِّدقِ والصواب، فلقد هتفتْ بمدحها، وبيانِ مقامها، وفضلِها وأسرارها، جميعُ الألواحِ والصحفِ والزُّبُرِ، ولكن لو أنصفَ البشرُ!.

4: (وعلى رأسها إكليلٌ من اثني عشر كوكباً): رمزٌ لتمامِ عزِّها وعظمتها وبركتها تشيرُ اليهِ الكواكب الإثني عشر في الإكليلِ الثابتِ على رأسها المقدَّس، ولا يصلحُ هذا الوصف في التفسيرِ والتأويلِ والتعبيرِ إلّا لأشخاصٍ معدودين مُعَيَّنينَ عظماء منصوص عليهم، بل وهُم ذريَّةُ الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ([190]).

فقد عبَّرَ الباري عزَّ وجلَّ بالشمسِ عن أُمِّ يوسف التي ربّتهُ وترعرعَ في حجرها([191])، وبالقمرِ عن أَبيهِ يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم  علیهم السلام  وبالكواكبِ عن إخوتهِ، ولكنَّ الفرقَ واضحٌ بينَ النصَّين فهيَ متسربلةٌ بالشمس والشمسُ أحدُ شؤونها!، وغيرُها ليس كذلكَ في المقام حيثُ وصفَ بالشمس ليسَ إلّا، فتأمَّل في مقارنةِ النَّصيين لكي يتضح لك مقامها الشريف!.

5: وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد: وذلكَ لثقلِ حملها المبارك وأهميَّتهِ، وعظيمِ آلامها في هذهِ الدنيا ومعاناتها ومِحَنِها، فهي لم تُقابل إلّا بالحربِ والجورِ والحقد والإعتداءآتِ السافرةِ، بينما كانت تحملُ آلامَ العالمِ وآهاتهِ بأسرها لأنَّها أُمَّ هذا العالم وغيرهِ حقيقةً!، واستقرَّ كُلُّ ذلكَ الألمِ في قلبها الشريفِ الطاهر!.

قل للذي راح يخفي فضلها حسداً وجهُ الحقيقةِ عنّا كيفَ ينسترُ

أتقرن النورَ بالظلماءِ من سفهٍ ما أنتَ في القول إلّا كاذبٌ أشرُ([192])

6: (وظهرت آية أُخرى في السماء هو ذا تنين عظيم احمر...)!: إنَّ ظهور التنيين هذا، والذي هو العدوُّ اللدودُ لهذهِ المرأة المباركةِ الطاهرةِ الميمونةِ،كانَ مساوقاً لظهورها في هذا العالمِ، أي عاصرها، فحاربها، وكادَ لها المكائد، وأعتدى عليها بشكلٍ سافرٍ!، بل وكان قد عاداها في العوالمِ الأولى التي سبقت عالمِ الدنيا والطبيعةِ، وخطَّطَ لقتالها وأذاها، وسعى للنيلِ منها بكلِّ ما أُوتيَ من قوَّةٍ، حسداً منهُ وحقداً!.

7: وهذه المرأة هي أقربُ مخلوقٍ إلى الله تعالى من الإناث على الإطلاق!، وحبيبةٌ إلى ذاتهِ المقدَّسة، فهي صاحبةُ الزلفى لديهِ، والكلُّ يأتي خلفها وبعدها في مقامها السامي المنيف!، لذا فإنَّ جميع ملائكةِ الباري عزَّ وجلَّ تخدمها، وتنصرها، وتقاتل معها في صفٍّ واحدٍ، وجنباً إلى جنبٍ، وهم جندٌ لها، وأنصارٌ لها، وأحدُ قواها، التي تنتصرُ بها، إذا جاءَ الوقتُ المعلومُ، وخسرت صفقةُ الأعداءِ وحلَّ بوارُ القوم!. ولله درُّ الشاعرِ الشريفِ الذي أنطقهُ الحقُّ والإنصافُ، فقال:

سمت عن الأفق لا روح ولا ملكوفاقت الأرض، لا جن ولا بشر

مجبولةٌ من جلال الله طينتـهايرفُّ لطفاً عليها الصون والخفر

ما عاب مفخرها التأنيث أن بها على الرجال نساء الأرض تفتخر

8: ركَّزَ النصُّ، على أن وليدها ذكرٌ، مُبشرٌ بهِ قبل ولادتهِ، مصنوعٌ بعينِ الله، ومُعَدٌّ من قبلهِ تعالى، والملائكة تعرف ذلك!، بل حتى إبليس وجنده على معرفةٍ تامةٍ بهِ وبخطورتهِ عليهم!، وكذلك العدو المباشر لحربِ المرأة المباركةِ وجندهُ الظلمةُ القساةُ!، لذلك فهم أَعدّوا العدَّةَ، وأحكموا الخُطَّةَ مسبقاً، للتخلُّصِ منهُ بمختلفِ الطرقِ والوسائلِ، ولو بقتلهِ جنيناً كان أم رضيعاً...الخ!.

ولله درُّ الشاعر الموالي لها، حيثُ يقول:

وارجع لنستخبر التأريخ عن نبأ قد فاجأتنا به الأنباء والسيرُ

هل أسقط القوم ضرباً حملها فهوت تأنُّ ممـا بها والضلع منكسرُ

وهل كما قيل قادوا بعلها فعدت وراهُ نادبة والدمع منهمـرُ

إن كان حقاً فإن القوم قد مرقوا عن دينهم وبشرع المصطفى كفروا([193])

9: (فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأُمم بعصاً من حديد واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه* 6 والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضعٌ مُعَدٌ من الله لكي يعولوها هناك...الخ!):

نعم، فقد كان ولدها ذكراً عتيداً، مبشَّراً بهِ، لكي يكون مُنقذاً لكلِّ البشرِ، بل ولكلِّ العوالم، ولكنَّ كيدَ الظالمين، ومكرَ الأبالسةِ والشياطين، حالَ دون ذلك، وهذا ليسَ غلباً لأمرِ الله سبحانهُ وتعالى وتدبيرهِ، بل لأمرٍ عظيمٍ أرادهُ جبّارُ السماواتِ والأرض، فجرت عليهِ مشيئتهُ جلَّ شأنهُ، وكلُّ ذلكَ لحكمةٍ بالغةٍ، سيعرفها الوجود عندَ الفرجِ الأعظمِ، قرَّبَ الله عزَّ وجلَّ ذلكَ اليومِ الشريف!.

 وبهذا يكون النصّ المقدَّس، قد أشار بشكلٍ عجيبٍ، إلى أمرٍ عقيديٍّ مهمٍ، وهوَ غايةٌ في الدقَّةِ والأصالةِ، وهو أنَّ إبنها المولود المبارك، قد أخفاهُ الله عزَّ وجلَّ، وحفظهُ إلى الوقتِ المعلوم ويوم حكمهِ الأتمِّ، حيثُ تُبسطُ لهُ الولايةُ العظمى!، وهذا واضحٌ من النصِّ وصريحٌ!.

ولكنَّ الربَّ القدير تعالى شأنهُ المنيف هنا، يشيرُ إلى إبنها الأول المقتول المستباح، وهو لم يزل جنيناً في بطنها!، وقد أشارَ النصُّ إلى اعتزال المرأة المباركة عن هؤلاءِ المجرمين السفّاكين!، وفرارها عنهم في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ والروح والمعنى وكذا في عالمِ المادَّةِ أيضاً!، فهم ليسوا من سنخها، بل وليس لهم حظٌّ من ذلك أبداً، وذلكَ لخيانتهم وظلمهم وجورهم!، بل قد صُنِّفوا أعداءاً لها في كلِّ العوالم، وفي كلِّ الأزمان.

وأمّا السببُ في جمعِ النصِّ المقدَّس لكلا إبنيها معاً، وذلك لأنَّهما منقذانِ مباركان ومنجيانِ لكلِّ الخلقِ!، وبذلك جاءت الأخبارُ المباركةُ عن أهلِ بيتِ النبوَّةِ والعصمةِ والطهارةِ أنَّهُ لو قُدِّرَ أن يشم جنينها المقتول هواءَ دنياكم هذهِ!، لما دخلَ النار أحدٌ أبداً!، وذلك لبركتهِ وعظيمِ شأنهِ سلامُ الله عليهِ، وأما ابنُها الثاني وهو المرفوعُ، والمخفيُّ، والمغيَّبُ، فإنَّ أمرهُ أوضحُ من الشمسِ في رابعةِ النهار، وهوَ المدَّخرُ لكي يملأها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت جوراً وظلماً!.

10: أنّ عدوَّ هذه المرأةِ المباركةِ يجرُّ خلفهُ ثُلثَي العالم الذي يستطيع التأثير عليه وإضلالهِ وحرفهِ عن تعاليمِ الباري عزَّ وجلَّ، أي يجرُّ (75%) من مجموع العوالم الممتحنةِ التي يستطيع إضلالها كالجنِّ والإنس، وهو الذي جاء بالشرِّ كلِّهِ إلى الأرض بذنبهِ العظيم وآثامهِ التي أردتهُ في الهاويةِ، بل هو يحاولُ جاهداً إضلالَ العالمِ كلِّهِ!.

هذا وقد أكَّدَ القرآن هذهِ الحقيقة  ـ  بانَّ ما يساوي ثلثي العالم يعيشون الضلال ـ بقولهِ جلَّ شأنهُ المنيفُ:

 (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الكَافِرُونَ)([194]).

 (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِين)([195]).

 (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)([196]).

 (مِنْهُمْ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الفَاسِقُونَ)([197]).

 (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)([198]).

 (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ)([199]).

 (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ)([200]).

 (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)([201]).

 (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)([202]).

 (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الغَافِلُونَ)([203]).

 (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ).([204])

 (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ المُخْلَصِينَ)([205]).

 (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)([206]).

 وهناك الكثير من الآيات الدالة على ذلك، هذا وقد وصف الباري سبحانه وتعالى السابقين وصنّفهم بقوله: (ثلةٌ من الأولين. وقليلٌ من الآخرين)([207]). وقال عز وجل واصفاً أصحاب اليمين: (ثلّةٌ من الأولين. وثلّةٌ من الآخرين)([208]). ولم يحدِّد عزَّ وجلَّ مقدار أصحاب الشمال، بل قال مباشرةً: (في سموم وحميم. وظلّ من يحموم...)([209])، وذلك لما بيّن تبارك وتعالى نسبة الطائفتين الأوليين وقلّتهما، فأصبحت النتيجة بديهيّة وواضحة، أي أن نسبة أهل الضلال هي النسبة الكبيرة الفائقة، فهنيئاً لعالم البشريَّةِ مخالفةَ ربِّها وبارئها والتمرُّد عليهِ، وسبحانكَ يا ربَّنا ما أوسعَ حِلمك، وأحكمَ أمرَكَ وقضيَّتَكَ!([210]).

11: وانَّ النصّ المقدَّس قد جمعَ بين الشيطان السماوي والأرضي، أي إبليس السماء الذي تمرَّدّ هناك، وإبليس الأرض الذي فعلاً كان بيدهِ الآثمةِ حربُ تلك المرأة بأنواع الحروب في عالم الدنيا، وقد قرنَ بينهما النصَّ لشدَّةِ القربِ والتماثل بينهما، ووحدةِ الهدفِ والمشروعِ، فهما كالشيءِ الواحدِ، وهما مصداقانِ لحقيقةٍ واحدةٍ، ووجهانِ لعملةٍ واحدةٍ!.

12: وكان هذا العدو القاسي والظالم متربصاً بها، وواقفاً أمام المرأة العتيدة، أي مراقباً إياها بجميعِ المراصد، لكي تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت، وهذا التصويرُ العجيب يعبِّرُ عن منتهى الحقدِ والشدَّةِ والغلاضةِ والفظاظةِ، وهو عندَ الظالمين قائدهم الأعظم ومدبِّرُ أمورهم والمخطِّط لكلِّ شؤونهم وتحرّكاتهم، فيالَ حظّهم التعيس، فما أقبحهُ وما أقبحم، حيثُ طردهم الله الرؤوفُ من رحمتهِ!.

13: وانّ الوجود بأسرهِ سيعينُ هذه المرأةُ المباركةُ، في انتصارها على أعدائها المجرمين، في آخرِ المطاف، لأنهُ مدينٌ لها بكلِّ شيءٍ، وسيدركُ العالم بأسرهِ أنَّ هذهِ الصدّيقةُ الطاهرةُ الميمونةُ، قد عَمِلت على نجاتهم، واستنقاذهم، منذُ أمدٍ بعيدٍ جداً، وهم لم يكونوا يدركوا شيئاً من قدرها وجاهها وفضلها ومقامها، قال شاعرُ العارفُ بها:

خصالها الغر جلَّت ان تلوك بها منا المقاول أو تدنو لها الفكرُ

معنى النبوة سر الوحي قد نزلت في بيت عصمتها الآيات والسورُ

حوت خلال رسول الله أجمعها لولا الرسالة ساوى أصله الثمرُ

تدرجت في مراقي الحق عارجة لمشرق النور حيث السر مستترُ

ثم انثنت تملأ الدنيا معارفهاتطوى القرون عَيّاء وهي تنتشرُ([211])

14: حروب العدوِّ للمرأةِ المباركةِ:

انَّ حرب هذا العدو اللدودُ، لم تنتهي بعد شهادة هذه الطاهرة المباركة، بل امتدت إلى جميع ولدها، فغَضَبُ وحقدُ هذا العدو الجافي الجاهل والأرعن الأحمق، على هذهِ المرأة الطاهرة وكلِّ ما ارتبطَ بها، جعلتهُ يشنُّ حرباً ضروساً لا تُبقي ولا تَذرُ على باقي نسلها الشريف المقدّسِ الطاهر الذين يحفظون وصايا الله جلَّ شأنهُ الشريف، وعندهم شهادةٌ وبشارةٌ وعهدٌ معهودٌ من عيسى المسيح علیه السلام !، وذلكَ لأنَّهُ آخرُ الأنبياءِ والرسل علیهم السلام ، فوجب عليه ذلك!، وقد فعلَ ذلك، وأدّى ذلك الحقُّ المعهودُ إليهِ، وقد بشَّرَ بهم فعلاً، مراراً وتكراراً، ونصَّ عليهم، وأكَّدَ عليهم، بل كانَ ذلكَ عهدٌ معهودٌ من جميعِ الأنبياءِ والرسل وأوصيائهم علیهم السلام  إلى جميعِ الشعوبِ والقبائلِ والأممِ!.

15: ولعلَّ الأمر الأهم في هذا النصّ المختصُّ ببحثنا هذا، هو يكمنُ في الجواب على الأسلة الآتيةِ التي لابدُّ منها، والتي تطرحُ نفسها بجدارةٍ وبقوَّةٍ، ولعلَّنا نجملها بما يأتي:

 أولاً: ما هي المناسبةُ والقربُ، بين هذا السردِ التاريخي العقيدي الرباني، لما يجري على هذه المرأة العتيدة بعلمِ الله السابقِ وبين الخروف ـ أي الكبش المبارك المذبوح ـ ؟.

 ثانياً: وما هو سرُّ الترابطِ الوثيقِ، بين هذه المرأة العتيدة، وبين الخروف ـ أي كبش الله المذبوح ـ ؟.

 ثالثاً: وما هو سرُّ القرابةِ والنسبةِ بين هذه المقدَّسةِ الطاهرة التي قُتِلت بظلمٍ لا مثيلَ لهُ، واعتداءآتٍ ذكرتها السماءُ بحزنٍ بالغ، حيث كانت أيامها معدودةً بعدَ الإعتداءآت الأثيمةِ كما يشيرُ بذلك النصُّ صراحةً وبين الخروف ـ أي كبش الله المذبوح ـ ؟.

 رابعاً: ولمَ لا تكون الغلبة والنصر النهائي المؤزَّر للحقِّ وأتباعهِ وهم أتباع المرأة المقدَّسة إلّا بالدم الطاهر للخروفِ ـ أي الذبيحِ الأعظم ـ وبكلمة شهادتهم وعقيدتهم التي يعيشونها ويحملونها في قلوبهم، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت، لأنهم عشقوا ما جعلهم يزهدون بأغلى شيءٍ عندهم وهي حياتهم!؟.

وعليه تكون النتيجةُ لما تقدَّمَ في هذا النص: أنَّ كل من يستطيع أن يكون منصفاً ولو لساعةٍ من عمرهِ، ويجيبُ بالعدلِ وتحكيمِ الضمير، وينظر إلى النصِّ بشجاعةٍ وإقدامٍ، وموضوعيَّةٍ واحترامٍ، ويتحرَّرَ من كلِّ المرتكزات الذهنيّةِ التي أخذها عمَّن كان قبلهُ، لوصل إلى الحقِّ واليقين، وعاشَ في صفِّ الصالحين، وعاشَ السعادةَ الربانيَّةِ من لحظةِ تسليمهِ إلى الحقِّ وأهلهِ عليهمُ الصلاةُ والسلام!.

لذا نأملُ من جميعِ أحرارِ العالم ومثقفيهِ النظرَ إلى هذا الإرثِ الحضاريِّ المقدَّس الذي تتضمنهُ الكتبُ الإلهيةُ المقدَّسةُ بأسرها والبحث فيهِ مَليّاً!، فهوَ من أسرارِ الله سبحانهُ وتعالى، والتحرُّرِ من السذاجةِ والمجاجةِ والسخافةِ التي لم تزل تفتكُ في عالمِ الخيرِ والفضيلةِ لحدِّ هذا اليوم الذي نعيشهُ فرحينَ مسرورين في جنبِ الله تعالى بما آتانا الله من فضلهِ، رغمَ الظلمِ والمرارةِ والألمِ والتي هيَ من صنيعةِ أعداءِ الله عزَّ وجلَّ!.

فضلُ ومقامُ ونورُ المرأةِ المباركة

 بقي أن نشيرُ ولو اجمالاً إلى شيءٍ من مقامِ وفضلِ ونورِ هذهِ المباركةِ الميمونةِ، ونكتفي بشيءٍ يسيرٍ ما رواهُ المسلمون في حقِّها وشرفها الباذخِ المنيفِ، ومن ذلك:

 عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس قال: سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت سول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  وهي تحركها بيدها، قلت: نعم!، أصلح الله الأمير، دخلت عائشة على فاطمة  صلى الله عليه وآله وسلم  وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم، في قدر، والقدر على النار يغلي (وفاطمة  صلى الله عليه وآله وسلم ) تحرك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق([212]).

 فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتى دخلت على أبيها، فقالت: يا أبه، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً [عجباً]، رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي، وهي تحرك ما في القدر بيدها! فقال لها: يا بنية! اكتمي، فإن هذا أمرٌ عظيمٌ. فبلغ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

 إن الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار، والذي بعثني بالرسالة، واصطفاني بالنبوة، لقد حرم الله تعالى النار على لحم فاطمة، ودمها، وشعرها، وعصبها، [وعظمها] وفطم من النار ذريتها وشيعتها. إن من نسل فاطمة من تطيعه النار([213])، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، وتضرب الجنُّ بين يديه بالسيف، وتوافي إليه الأنبياءُ بعهودها، وتسلِّمُ إليه الأرضُ كنوزها، وتنـزل عليه من السماء بركات ما فيها. الويل لمن شكَّ في فضل فاطمة. [لعن الله من يبغضها] لعن الله من يبغض بعلها، ولم يرض بإمامةِ ولدها. إن لفاطمة يوم القيامة موقفاً، ولشيعتها موقفاً. وإن فاطمة تُدعى فتكسى، وتشفع فتشفع، على رغم كل راغمٍ([214]).

وانتَ عليمٌ بأنَّ أمرَ النبيِّ الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم  كأمرِ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، فنراهُ يقرنِها في كلِّ حديثهِ عنها بولدها منقذِ العالم ومُنجيهِ، وهذا الأمر يستحقُّ الوقوفَ عنده والتأمُّل فيهِ، فالحقُّ والصدق مع الربِّ ورسولهِ، لا معَ السرّاقِ والنفعيين والقتلةِ الإرهابيين أصحابِ التنيينِ الأحمر، الذي قد مرَّ عليكَ ذكرهُ، وعرفت خُبثهُ!.

وروى أنس قال: سألت أمي عن صفة فاطمة بنت رسول الله فقالت: يا بني أشبه الناس برسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، بيضاء مشربة حمرة، كأنها القمر ليلة البدر، أو كأنها الشمس كفر غماما، لها شعرة سوداء تعثر فيها، قال عبد الله بن المثنى الأنصاري أحد رواة هذا الحديث كانت فاطمة كما قال الشاعر:

 بيضاء تسحب من قيام شعرهاوتغيب فيه وهو جثل أسحمُ

 فكأنَّها فيه نهار مشرق وكأنه ليل عليها مظلم([215])

 وإن كان ليس من الأدبِ أصلاً، نقلُ هكذا شعرٍ في المقام، ولكن إنما نريدُ بيان الحقائق وما يقولهُ المسلمون في سيدةِ نساء العالمين بمختلف مشاربهم ومناهلهم، وأعتذرُ إلى مقامِ قدسها السامي، والعذرُ عندَ كرامِ الناسِ مقبولُ!.

وقد جاء في نظم الدرر:...عائشة قالت: كان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  يكثر من تقبيل فاطمة، فقلت يا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أراك تكثر من تقبيل فاطمة، فقال: أني إذا اشتقت إلى رائحة الجنة قبلتها([216]).

ولله درُّ شاعر أهلِ البيت، حيث يقول:

شعت فلا الشمس تحكيها ولا القمر زهراءُ من نورها الأكوان تزدهر

بنت الخلود لها الأجيال خاشعة أم الزمان إليها تنتمي العصر

روح الحياة، فلو لا لطف عنصرها لم تأتلف بيننا الأرواح والصور

سمت عن الأفق، لا روح ولا ملك وفاقت الأرض، لا جن ولا بشر

مجبولة من جلال الله طينتها يرف لطفا عليها الصون والخفر

ما عاب مفخرها التأنيث أن بها على الرجال نساء الأرض تفتخر([217])

خامسأً: سورة (سفرُ الذبيحِ المباركِ)

 فقد أكدت النصوص أنَّ لذبيحِ الله الأعظم سفراً مباركاً، وقد خلقهُ الله تعالى قبلَ خلقِ السموات والأرض، فيهِ أسماء محبيهِ وعشاقهِ وأنصارهِ وسلاّكِ طريقهِ وخدامهِ، وقد دوِّنت هذه الاسماء الشريفة قبل خلقِ السموات والأرض أيضاً، فقد جاء في الإصحاح رقم (13) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:

﴿1ثم وقفت على رمل البحر فرأيت وحشاً طالعاً من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى قرونه عشرة تيجان وعلى رؤوسه اسم تجديف* 2 والوحش الذي رأيته كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد وأعطاه التنين قدرته و عرشه و سلطاناً عظيماً* 3 ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي وتعجبت كل الأرض وراء الوحش* 4 وسجدوا للتنين الذي أُعطى السلطان للوحش وسجدوا للوحش قائلين من هو مثل الوحش من يستطيع أن يحاربه* 5 وأُعطي فَماً يتكلم بعظائم وتجاديف وأُعطي سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً* 6 ففتح فمهُ بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء* 7 وأُعطي أن يصنعَ حرباً مع القديسين ويغلبهم وأُعطي سلطاناً على كل قبيلة ولسان وأُمة* 8 فسيسجدُ لهُ جميع الساكنين على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبةٌ منذ تأْسيس العالم في سفر حياةِ الخروفِ الذي ذُبِحَ* 9 من له أُذن فليسمع* 10 إن كان احد يجمع سبياً فإلى السبي يذهب وإن كان احد يقتل بالسيف فينبغي أن يقتل بالسيف هنا صبر القديسين وإيمانهم* 11 ثم رأيت وحشاً آخر طالعاً من الأرض وكان له قرنان شبه خروف وكان يتكلم كتنين* 12 ويعمل بكل سلطان الوحش الأول أمامه ويجعل الأرض والساكنين فيها يسجدون للوحش الأول الذي شفي جرحه المميت* 13 ويصنع آياتٍ عظيمةٍ حتى انه يجعل ناراً تنـزل من السماء على الأرض قدام الناس* 14 ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التي أُعطي أن يصنعها أمام الوحش قائلاً للساكنين على الأرض أن يصنعوا صورة للوحش الذي كان به جرح السيف وعاش* 15 وأُعطي أن يعطي روحاً لصورة الوحش حتى تتكلم صورة الوحش و يجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون* 16 ويجعل الجميع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم* 17 وان لا يقدر احد أن يشتري أو يبيع إلّا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه* 18 هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش فانه عدد إنسان وعدده ست مئة وستة وستون*([218]).

 ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ، أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ والتي قد نستطيع إجمال بعضها بما يلي:

1: إنَّ الذبيح المبارك قد ذُبحَ بالفعل حقّاً وصدقاً، وليسَ هو مقامُ تشريفٍ كما يلقَّب بِهِ غيرهُ ممن لم يُذبح بالفعل!، أو ذُبحَ ولكن من أجلِ قضيَّةٍ فرعيَّةٍ جانبيَّةٍ، كما سيأتي بيانهُ في محلِّهِ إن شاءَ الله تعالى!.

2: إنَّ أولياءَ وأحباءَ وعشّاقَ وخُدامَ الكبشِ المبارك الذي ذُبحَ بالفعلِ وأُريقَ دَمُهُ الطاهرِ، مَكْتوبونَ في سفرهِ المبارك منذُ تأسيسِ العالم، وهم لا يدينون إلّا بالدينِ الحقِّ الذي عليهِ نهجُ هذا الذبيح المقدس وهو نهجُ الله عزَّ وجلَّ وصراطهُ المستقيم.

3: إنَّ كلِّ القِدِّسينَ يقفون في صفِّ الذبيح على مرِّ العصورِ وتعاقبِ الدّهور، ولهم صبرٌ عظيمٌ في وقوفهم هذا مع المظلوم المضطهد في كلِّ زمانٍ ومكان، فهم يصبرونَ على مضضٍ وحُرقةٍ وألمٍ، منتظرينَ أمرَ الباري عزَّ وجلَّ، وكيفَ سيكون!؟.

4: إنَّ السجود لأعداءِ الله تعالى وأعداء الذبيح وإطاعتهم، كالذين أُشربوا في قلوبهم محبَّةَ العجلِ، لم يكن أمراً إعتباطيّاً، وقضيَّةً عابرةً، بل هو دينهم ومعتقدهم، وانما كانَ ذلك، نتيجةً ما جنَوهُ على أنفسهم بأيديهم الآثمةِ، وأنتَ عليمٌ بأنَّ حُكمَ الله الثابتِ هو كيفما تدينُ تُدانُ، وحسب المنطقِ الربانيِّ في القرآنِ الكريمِ: ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَء وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً([219]).

5: يبيّنُ النصُّ النسبةَ الكبيرةَ للضلالِ في الأرض، والكلُّ أعداءٌ بجهلهم لله وللذبيحِ المباركِ والقدِّيسين، إذ الجاهلونَ لأهلِ العلمِ أعداءُ، فكيفَ إذا كانَ العداءُ بعلمٍ وسبقِ إصرارٍ وعصبيَّةٍ وحسدٍ كما لايخفى!.

6: والنصُّ يُبيِّنُ حُكمَ الله عزَّ وجلَّ في الأعداء منذُ البدايةِ وما يؤولُ إاليهِ أمرهم، فقد جاء فيهِ: ﴿10 إن كان احدٌ يجمعُ سبياً فإلى السبي يذهب وإن كان احدٌ يَقتل بالسيف فينبغي أن يُقتل بالسيف هنا صبر القديسين وإيمانهم*، فقد حكمَ عليهم بمثلِ ما حكموا على أوليائهِ وأحبابهِ، ويجبُ أن يقعَ ذلكَ حتماً، وذلك بظهورِ وليِّهِ المدَّخرُ، وهو بقيَّتهُ في أرضهِ التي لا تخلو من حُجَّةٍ أبداً!.

سادساً: سورة (الذبيحُ هو الشهيدُ والشاهدُ)

انَّ ذبيح الله تبارك وتعالى، ومن مقامهِ الشامخ المنيف، وجلوسهِ عن يمينِ العرشِ وهوَ مكانهُ الشرعيُّ الذي أكرمهُ وحباهُ بهِ جبّارُ السماوات والأرض، يشهدُ ثوابَ الصابرين الطيبين، وكذا عقابَ المسيئين المجرمين، فهو الشاهدُ وهو الشهيدُ، فقد جاء في الإصحاح رقم (14) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ: ﴿1 ثم نظرت وإذا خروفٌ واقفٌ على جبل صهيون ومعهُ مئةٌ وأربعة وأربعون ألفاً لهم اسم أبيهِ مكتوباً على جباههم* 2 وسمعت صوتاً من السماء كصوت مياه كثيرة وكصوت رعد عظيم وسمعت صوتاً كصوت ضاربين بالقيثارة يضربون بقيثاراتهم* 3 وهم يترنمون كترنيمة جديدة أمام العرش وأمام الأربعة الحيوانات والشيوخ ولم يستطع احدٌ أن يتعلم الترنيمة إلّا المئة والأربعة والأربعون ألفاً الذين اشتروا من الأرض* 4 هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب هؤلاء اشتروا من بين الناس باكورة لله وللخروف* 5 وفي أفواههم لم يوجد غشٌّ لأنهم بلا عيبٍ قدامَ عرش الله* 6 ثم رأيت ملاكاً آخر طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية ليبشر الساكنين على الأرض وكل أُمة وقبيلة ولسان وشعب* 7 قائلاً بصوتٍ عظيمٍ خافوا الله وأُعطوه مجداً لأنه قد جاءت ساعة دينونتهِ([220]) واسجدوا لصانع السماء والأرض البحر ينابيع المياه* 8 ثم تبعه ملاك آخرٌ قائلاً سقطت سَقَطت بابل المدينة العظيمة لأنها سقت جميع الأُمم من خمر غضب زناها* 9 ثم تبعهما ملاك ثالث قائلاً بصوت عظيم إن كان احدٌ يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده* 10 فهو أيضاً سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً في كاس غضبه ويعذب بنارٍ وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف * 11 ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ولا تكون راحة نهاراً و ليلاً للذين يسجدون للوحش ولصورته ولكل من يقبل سمة اسمه* 12 هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع* 13 وسمعت صوتاً من السماء قائلا لي اكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم* 14 ثم نظرت و إذا سحابة بيضاء وعلى السحابة جالس شبه ابن إنسان له على رأسه إكليل من ذهب وفي يده منجل حاد* 15 وخرج ملاك آخر من الهيكل يصرخ بصوت عظيم الى الجالس على السحابة ارسل منجلك واحصد لأنه قد جاءت الساعة للحصاد إذ قد يبس حصيد الأرض* 16 فألقى الجالس على السحابة منجله على الأرض فحصدت الأرض* 17 ثم خرج ملاك آخر من الهيكل الذي في السماء معه أيضا منجل حاد* 18 وخرج ملاك آخر من المذبح له سلطان على النار وصرخ صراخاً عظيماً إلى الذي معه المنجل الحاد قائلاً أرسل منجلك الحاد واقطف عناقيد كرم الأرض لان عنبها قد نضج* 19 فألقى الملاك منجله إلى الأرض وقطف كرم الأرض فالقاه إلى معصرة غضب الله العظيمة* 20 وديست المعصرة خارج المدينة فخرج دم من المعصرة حتى إلى لجم الخيل مسافة ألف وست مئة غلوة*([221]).

ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ والتي قد نستطيع إجمال بعضها بما يلي:

1: يبيّنُ النصُّ أنَّ للذبيح المقدّس أباً مباركاً مقدَّساً، وقد وضعَ اسمَهُ القدِّيسونَ والمخلصون على جباههم، تيمُّناً بهِ وتبرُّكاً، وذلكَ بسببِ استعدادهمُ العجيب وسعيهم في كُلِّ العوالمِ لنصرةِ الحقِّ وأهلهُ، وقد كتبَ اسمَهُ المبارك ربُّهُم الأعزِّ الأجلِّ على جباههم الكريمة، لأنَّهم أهلٌ لذلكَ، وهو تشريفٌ ومقامٌ شامخٌ شريفٌ، وذلك لأنَّ اسمهُ المبارك حبيبٌ إلى الله تعالى عظيمٌ في كلِّ العوالم، ولهذا الإسمِ شؤونٌ عظيمةٌ في كلِّ مسيرةِ الحياة لكلِّ المخلوقات، سواءٌ الذين عرفوهُ والذينَ لم يعرفوهُ، ولكن من عرفهُ انتفعَ بهِ انتفاعاً عظيماً، ونالهُ الخيرُ الكثير، والبركات التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، بخلافِ الذي حجبتهُ أعمالهُ القبيحةُ عن معرفتهِ، فهو قد يصنَّفُ عدّواً للحقِّ جلَّ سأنهُ بسببِ جهلهِ أو حسدهِ أو حقدِهِ على ذلك الأسمِ المبارك والمسمّى بهِ!.

2: إنَّ أتباع الكبشِ المذبوحِ العظام لهم عبادةٌ خاصةٌ لا يعرفها غيرهم، بل ولا يهتدي إليها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ. وهم الذين اشترَوا أنفسهم لله تعالى، ولم تأسرهم الدنيا بغرورها، ولم تخدعهم أنفسهم بخيانتها وبجنايتها أبداً، فهم أهلُ الزُّلفى عندَ الباري جلَّ شأنهُ.

3: وفي أفواههم لم يوجد غشٌّ لأنهم بلا عيبٍ قدامَ عرش الله...الخ!: وهذا تنـزيهٌ مباركٌ مهمٌّ، وتزكيةٌ عظيمةٌ، لأتباعِ المذبوحِ في الله عزَّ وجلَّ وأنصارهِ الميامينَ وأحبائهِ، وشهادةٌ لهم من ربِّهم بطهارتم عن كلِّ رجسٍ وعيبٍ ونقصٍ، وليسَ بينهم وبين العرش المقدّس حاجبٌ ولا بوّاب، وذلك كلُّهُ ببركةِ الكبشِ المذبوح ومقامهِ وقربهِ من الله عزَّ وجلَّ، وشفاعتهِ العجيبةِ لهم عند الله عزَّ وجلَّ.

4: كانَ لزاماً أنْ يُذكر هنا موضوع (شراءِ النفسِ لله تعالى) وهو كذلك، لمناسبةِ ذكرِ أبِ الكبش المذبوح، للعُلقةِ المتينةِ، والرابطةِ الوثيقةِ، بينَ والدِ الذبيحِ وبينَ بيعِ نفسهِ لله تعالى، وهي حقيقةٌ قرآنيّةٌ أيضاً، وفي طيّاتها أسرارٌ مقدَّسةٌ لها أهلها!، فقد علَّمَ هذا المباركُ العظيمُ الوجودَ بأسرهِ حقيقةَ شراءِ النفسِ لله تعالى، تعليماً واقعيّاً عمليّاً لا نظريّاً، فقد جاء في محكمِ الكتابِ العزيز قولهُ سبحانهُ وتعالى:﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وَالله رَءُوفٌ بِالعِبَادِ﴾([222]).

 والسِّرُّ يكمنُ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ الشريفةِ ومناسبةِ نزولها، والمستحقِّ الأصليّ المعنيّ بهذهِ الآيةِ أوّلاً، فهو معلِّمُ الخلق أجمعين كيفيّة الشراءِ لله، وكيفيّة بيع كلّ وجودهِ للحقّ عزَّ وجلّ. هذا وقد فصّلَ الحقُّ تباركَ وتعالى موضوعَ الشراء في مكانٍ آخرَ من كتابهِ الكريم، لكي يتَّضح لكلِّ ذي لُبٍّ أو شيءٍ من عقلٍ، فقال تقدَّست أسماءُهُ:

 ﴿إِنَّ الله اشْتَرَى مِنْ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ. التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّرْ المُؤْمِنِينَ﴾([223]).

هذا وقد بيَّن عزَّ وجلَّ قدسيَّةَ وطهارةَ هؤلاء الميامين، بعدَ أن أوضحَ وبيَّنَ مَن هوَ زعيمهم الروحيّ ومقامهُ المعنوي عندهُ تقدَّست أسماءُهُ، حيث كتبَ اسمَهُ الشريف على جباهِ الصِّدّقينَ والصالحين والأولياء، لأنَّهُ قد اشتقَّ لهُ اسماً من أسمائهِ الحسنى وسمّاهُ بهِ، لعِظَمِ شأْنهِ عندهُ، فتباركَ ذلكَ الأسمُ والمسمّى!.

 هذا وقد روى القندوزي الحنفي في ينابيعهِ خطبةَ هذا المقدَّس الكبير من على منبرِ مسجدِ الكوفةِ، فقال موضِّحاً بعضَ مقاماتهِ الساميةِ:

 (...أنا حجَّةُ الحجج، أنا مسدِّدُ الخلائق، أنا محقق الحقائق، أنا مأول التأويل، أنا مفسِّر الإنجيل، أنا خامس الكساء، أنا تبيان النساء، أنا ألفة الايلاف، أنا رجال الأعراف، أنا سر إبراهيم، أنا ثعبان الكليم، أنا ولي الأولياء، أنا ورثة الأنبياء، أنا أوريا الزبور، أنا حجاب الغفور، أنا صفوة الجليل، أنا إيليا الإنجيل، أنا شديد القوى، أنا حامل اللوا، أنا إمام المحشر، أنا ساقي الكوثر، أنا قسيم الجنان، أنا مشاطر النيران، أنا يعسوب الدين، أنا إمام المتقين، أنا وارث المختار، أنا ظهير الاظهار، أنا مبيد الكفرة، أنا أبو الأئمة البررة، أنا قالع الباب، أنا مفرق الأحزاب، أنا الجوهرة الثمينة، أنا باب المدينة، أنا مفسر البينات، أنا مبين المشكلات، أنا النون والقلم، أنا مصباح الظلم، أنا سؤال متى، أنا ممدوح هل أتى، أنا النبأ العظيم، أنا الصراط المستقيم، أنا لؤلؤ الأصداف، أنا جبل قاف، أنا سر الحروف، أنا نور الظروف، أنا الجبل الراسخ، أنا العلم الشامخ، أنا مفتاح الغيوب، أنا مصباح القلوب، أنا نور الأرواح، أنا روح الأشباح، أنا الفارس الكرار، أنا نصرة الأنصار، أنا السيف المسلول، أنا الشهيد المقتول، أنا جامع القرآن، أنا بنيان البيان، أنا شقيق الرسول، أنا بعل البتول، أنا عمود الاسلام...الخ)([224]).

هذا في مقامٍ وفي حالةٍ من حالاتهِ الشريفةِ المباركةِ، ونراهُ في مقامٍ آخر كيفَ يناجي المولى تباركَ وتعالى بالدعاءِ الذي حفظهُ ورواهُ عن الخضرِ علیه السلام ، فيصيحُ بيدينِ مرتعشتينِ وعينينِ جاريتينِ:

(يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ، يا اِلهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ، وَمالِكَ رِقِّي، يا مَنْ بِيَدِهِ ناصِيَتِي، يا عَليماً بِضُرِّي (ِفَقْرِي) وَمَسْكَنَتِي، يا خَبيراً بِفَقْرِي وَفاقَتِي، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ، وَأَعْظَمِ صِفاتِكَ وَأَسْمائِكَ، أَنْ تَجْعَلَ أَوْقاتِي مِنَ (فِي) اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَأَعْمالِي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً، حَتّى تَكُونَ أَعْمالِي وَأَوْرادِي (وَإرادَتِي) كُلُّها وِرْداً واحِداً، وَحالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً، يا سَيِّدِي يا مَنْ عَلَيْهِ مُعَوَّلِي، يا مَنْ إلَيْهِ شَكَوْتُ أَحْوالِي، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ!، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحِي، وَاشْدُدْ عَلَى العَزيمَةِ جَوانِحِي، وَهَبْ لِيَ الجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ، وَالدَّوامَ فِي الاِتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ، حَتّى أَسْرَحَ إلَيْكَ فِي مَيادينِ السّابِقينَ، وَأُسْرِعَ إلَيْكَ فِي البارِزينَ (المُبادِرينَ)، وَأَشْتاقَ إلى قُرْبِكَ فِي المُشْتاقينَ، وَأَدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ المخْلِصينَ، وَأَخافَكَ مَخافَةَ المُوقِنينَ، وَأَجْتَمِعَ فِي جِوارِكَ مَعَ المُؤْمِنينَ، اَللهمَّ وَمَنْ أَرادَنِي بِسُوء فَأرِدْهُ، وَمَنْ كادَنِي فِكِدْهُ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَحْسَنِ عَبيدِكَ نَصيباً عِنْدَكَ، وَأَقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ، وَأَخَصِّهِمْ زُلْفَةً لَدَيْكَ، فَإنَّهُ لا يُنالُ ذلِكَ إلّا بِفَضْلِكَ، وَجُدْ لِي بِجُودِكَ، وَاعْطِفْ عَلَىَّ بِمَجْدِكَ، وَاحْفَظْنِي بِرَحْمَتِكَ، وَاجْعَلْ لِسانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً، وَقَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً، وَمُنَّ عَلَىَّ بِحُسْنِ إجابَتِكَ، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَاغْفِرْ زَلَّتِي، فَإنَّكَ قَضَيْتَ عَلى عِبادِكَ بِعِبادَتِكَ، وَأَمَرْتَهُمْ بِدُعائِكَ، وَضَمِنْتَ لَهُمُ الإجابَةَ، فَإلَيْكَ يا رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهِي، وَإلَيْكَ يا رَبِّ مَدَدْتُ يَدِي، فَبِعِزَّتِكَ اسْتَجِبْ لِي دُعائِي، وَبَلِّغْنِي مُنايَ، وَلا تَقْطَعْ مِنْ فَضْلِكَ رَجائِي، وَاكْفِنِي شَرَّ الجِنِّ وَالإنْسِ مِنْ أَعْدائِي، يا سَريعَ الرِّضا!، اِغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ إلّاَ الدُّعاءَ، فَإنَّكَ فَعّالٌ لِما تَشاءُ، يا مَنِ اسْمُهُ دَواءٌ!، وَذِكْرُهُ شِفاءٌ، وَطاعَتُهُ غِنىً، اِرْحَمْ مَنْ رَأْسُ مالِهِ الرَّجاءُ، وَسِلاحُهُ البُكاءُ، يا سابِغَ النِّعَمِ، يا دافِعَ النِّقَمِ، يا نُورَ المُسْتَوْحِشينَ فِي الظُّلَمِ، يا عالِماً لا يُعَلَّمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَافْعَلْ بِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ وَصَلَّى الله عَلى رَسُولِهِ وَالأئِمَّةِ المَيامينَ مِنْ آلِهِ (أَهْلِهِ) وَسَلَّمَ تَسْليماً كَثيراً)([225]).

وبعدُ، فانَّ حياةَ هذا الوليُّ الصالح، ومعرفةُ مقاماتهِ عند الحقِّ سبحانهُ وتعالى لجديرةٌ بالإهتمامِ والدراسةِ المعمَّقةِ حقّاً، وذلك لأنها تقودُ حتماً إلى معرفةِ الله عزَّ وجلَّ، فهو انعكاسٌ لنورهِ الأعظمِ!.

5:إنَّ أتباعَ الكبشِ المذبوح قد اتَّبعوهُ خطوةً اثرَ خطوةٍ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ وفي كلِّ العوالمِ التي مرّوا ويمرّونَ بها!، لاعتقادهم الراسخ بهِ، وبطريقهِ الأقوم الموصلِ إلى الله عزَّ وجلَّ من غيرِ تيهٍ وضلالٍ!.

6: ويحملُ النصُّ البشارة الأبديةِ المباركةِ لكلِّ الشعوب والأُمم، وهي موضوعُ حُكمِ الله الأتمِّ والأكمل وهو لا يكون إلّا بواسطةِ وليّهِ وبقيَّتهِ في أرضهِ في يومهِ الموعود. ولتبيانِ هذهِ الحقيقةِ المهمة نأتي بما أوضحناهُ في دلائل قربِ الظهور:...فيكون نداء الملك (بصوت عظيم) غير مألوف لدى سكّان الأرض ولم يسمعوا بمثله من قبل، وهو يوجبُ على الناس المخافة من الله تعالى، وأن يعطوه مجده وقدره، لأنّه قد جاءت لتوّها ساعة حكمهِ في الأرض بواسطة المنجي المدّخر لهذا الغرض!، وكأنَّ الله عزّ وجلّ لم يحكم في الأرض قطُّ([226])!، وهذا حقٌّ وصدقٌ لأنّ الله عزّ وجلّ بريءٌ من جميعِ الأحكامِ الوضعيّةِ الجائرةِ التي حكمت الأرض بأيدي الجبابرةِ والطُّغاةِ المجرمينَ الذين أهانوا وقتلوا ومثّلوا بأنبياءه وأولياءه وأحبّاءه!. وهذا مايُسمى بـ (ملكوت الله عند السيد المسيح ع)، ويعني حكم الله في آخر الزمان([227])، وأنَّ الكتاب المقدس وخاصةً العهد الجديد منهُ مليءٌ بالبشارةِ بملكوت الله تبارك وتعالى على لسان السيد المسيح  علیه السلام  حتى ورد ذكر ذلك في الصلوات المسيحية التي تقرأُ كُلَّ يوم. وأنَّ هذا الملكوت حتميٌّ قطعيٌّ([228])، كما جاء في البشارة التي دوَّنها (متى) في الإنجيل: ﴿17 لا تظنوا إني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأُكمل 18 فاني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل 19 فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السماوات وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات([229]).

 وأما وقتُ حدوث هذا الملكوت المنتظر، فقد جاء في إنجيل متى: ﴿12 ويعمُّ الفساد، فتبردُ المحبَّةُ في أكثرِ القلوب 13 ومَن يثبُت إلى النهاية يخلص 14 وتجيءُ النهايةُ بعدما تُعلنُ بشارةُ ملكوت الله هذه في العالم كُلِّه، شهادةً لي عند الأُمم كلّها([230]).

ويمكنُ تفسير هذه النبؤة بما يلي: (أي نهاية التدبير الإلهي الحاضر، وإقامة ملكوت الله على وجهٍ نهائيّ...)([231]).

هذ وقد أخبر إنجيل لوقا أنَّ ملكوت الله يأتي نتيجةً لإستضعاف المؤمنين والظلم الذي يقع عليهم([232]): ﴿20 ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال: طوبا كم أيها المساكين لان لكم ملكوت الله 21 طوبا كم أيها الجياع الآن لأنكم تشبعون، طوبا كم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون 22 طوباكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيروكم واخرجوا اسمكم كشرير من اجل ابن الإنسان 23 افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا فهو ذا أجركم عظيم في السماء لان آباءهم هكذا كانوا يفعلون بالأنبياء﴾.

هذا ويُفصحُ النصُّ المقدَّس عمّا يكونُ من عاقبةُ أهلِ الباطل بقوله: ﴿24 ولكن ويل لكم أيها الأغنياء لأنكم قد نلتم عزاءكم 25 ويل لكم أيها الشباعى لأنكم ستجوعون ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون و تبكون 26 ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس...([233]).

 كما وقد جاء في الصلاة المسيحية: ﴿ليَتَقَدَّس اسمكَ 10 ليأتِ مَلَكوتُكَ لتكُن مشيئتُكَ في الأرض كما في السماء...﴾([234]).

 ويبدو واضحاً أنَّ يوم الملكوت الذي ذُكِرَ كثيراً في الكتب السماويَّة هو يومُ الله الأكبر وهو يومُ النصر النهائيّ المؤزَّر، وقد أشار الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿يُريدونَ ليُطفؤا نورَ الله بأفوههم والله مُتمُّ نوره ولو كرهَ الكفرون. هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودين الحقّ ليُظهرَهُ على الدين كله ولو كَرهَ المشركون﴾([235]). وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيداً﴾([236]). وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾([237]).

 وقوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ... ﴾([238]). وقوله تعالى: ﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ ﴾([239]). وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([240]). وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾([241]).

7: إن كان احدٌ يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده. فهو أيضاً سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً في كاس غضبه و يعذب بنار...الخ!: ولموضوعِ أعداءِ الله تعالى وأعداءِ أحبائهِ الطاهرين بيانٌ هنا، فلهم سمَةٌ ويحملون على جباههم اسمَ زعيمهم وقائدهم في كلِّ عوالم ضلالهم وغيّهم ولقد أمهلهم الباري عزَّ وجلَّ برحمتهِ التي وسعت كُلَّ شيءٍ، ولسعةِ حلمهِ، ولكنَّ كلَّ ذلكَ إستدراجاً لهم، وقد أمدهم في طغيانهم فهم يعمهون!.

8: (ثم تبعهما ملاك ثالث قائلاً بصوت عظيم إن كان احدٌ يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده* فهو أيضاً سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً في كأس غضبه ويعذب بنار وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف* ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ولا تكون راحة نهاراً وليلاً للذين يسجدون للوحش ولصورته ولكل من يقبل سمة اسمه * هنا صبر القديسين، هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع):

إنَّ الكبش المذبوح يجب أن يشهدَ وإلى جنبِهِ الملائكةُ المقرَّبون عذابَ المجرمينَ والكافرين والمنافقين الذين اختاروا بأنفسهم طريقَ الغيِّ والبغي والضلالِ، وواصلوا حربَ الله وأولياءهِ إلى النهايةِ. وأشادَ النصُّ بصبرِ المقدَّسين المباركين وهم أتباعُ المذبوح في الله تعالى وأحبائهِ الذين حفظوا الأمانةَ والوصيَّةَ والإيمان النقيّ، الذي ورثوهُ بجدارةٍ عنِ السلالةِ المقدَّسةِ الطاهرة المباركةِ التي حفظت الأمانةَ ودينَ الله تعالى بدمائِها الزاكيةِ ومهجها الشريفةِ!.

سابعاً: سورة (دعاءُ موسى والذبيحِ)

إنَّ أقوالَ ودعاءَ وعلمَ ومآثرَ موسى كليم الله عليهِ الصلاةُ والسلامُ، هي نفسها وبعينها أقوالُ ودعاءُ وعلمُ ومآثرُ الذبيحِ المبارك، لأنَّهُ وريثهُ الشرعي كما ورث كلَّ الأنبياءِ والرسلِ والأوصياء وزادَ عليهم شرفاً وعلماً ومقاماً...الخ!، وذلكَ واضحٌ جليٌّ عندَ أهلِ الإنصافِ والمعرفةِ، ومن ذلكَ ما وردَ في الإصحاح رقم (15) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:﴿1ثم رأيت آية أُخرى في السماء عظيمة وعجيبة سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الأخيرة لأن بها أُكملَ غضب الله* 2 ورأيت كبحر من زجاج مختلط بنار والغالبين على الوحش وصورته وعلى سمته وعدد اسمه واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله* 3 وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف قائلين عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين* 4 من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لان جميع الأُمم سيأتون ويسجدون أمامك لان أحكامك قد اظهرت* 5 ثم بعد هذا نظرت وإذا قد انفتح هيكل خيمة الشهادة في السماء* 6 وخرجت السبعة الملائكة ومعهم السبع الضربات من الهيكل وهم متسربلون بكتان نقي وبهي ومتمنطقون عند صدورهم بمناطق من ذهب* 7 وواحد من الأربعة الحيوانات أعطى السبعة الملائكة سبعة جامات من ذهب مملوة من غضب الله الحي إلى أبد الآبدين* 8 وامتلأ الهيكل دخاناً من مجد الله ومن قدرته ولم يكن احد يقدر أن يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبعة الملائكة*([242]).

ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ، والتي قد نستطيع إجمال ما تيسَّرَ منها بما يلي:

1:ثم رأيت آية أُخرى في السماء عظيمة وعجيبة سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الأخيرة لأن بها أُكملَ غضب الله: إنَّ النصَّ مختصٌّ بأحداثِ آخرِ الزمان، وهو مستقبَلٌ بالنسبةِ لزمنِ صدورِ النصِّ، ويحكي تفاصيلَ حُكمِ الله تعالى، وتعاملَهُ معَ الأُممِ والشعوبِ التي تقتضيهِ حكمتهُ تعالى، وقوانينَ تأديبيَّةٍ لعمومِ خلقهِ عزَّ وجلَّ، وكيفَ سيكونُ التأديبُ آخرَ الزمانِ، وبأيِّ طريقةٍ!؟.

2: ورأيت كبحر من زجاج مختلط بنار والغالبين على الوحش وصورته وعلى سمته وعدد اسمه واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله: إنَّ الذين انتصروا على مكائدِ عدوِّ الله الأعظم، وغلبوهُ ببركةِ الخروفِ أي الكبشِ المذبوح، وإمدادهِ الغيبي لهم، ورعايتهِ لهم، أُعطوا كراماتٍ وحبواتٍ من الله تعالى، منها مناجاتَهُ وقربَهُ والحديثَ معهُ وأُعطوا وسائلَ وأسرارَ ذلك، وأُعطوا فوقَ ذلكَ الكثيرَ الكثيرَ، والذي لا يعرفهُ إلّا المعطي والمفيضُ جلَّ شأنهُ!.

3: وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف قائلين عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين*. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لأن جميع الأُمم سيأتون ويسجدون أمامك لأنَّ أحكامك قد اظهرت:

يُثبتُ هذا النصُّ وغيرُهُ من نصوصِ الأسفارِ المقدَّسةِ بأنَّ هناكَ صلةً وعُلقةً وثيقةً وفريدةً من نوعها للذبيحِ الأعظمِ معَ كُلِّ الأنبياءِ والرسل علیهم السلام  كما يتبيَّنُ جليّاً من النصوصِ التي تعرضنا لها. وهنا يثبتُ هذا النصُّ أنَّ ترتيلَ موسى الكليم علیه السلام  وترنيمتَهُ المباركة هي نفسها ترنيمةُ الكبشِ المذبوحِ، وترتيلهُما واحد، ودعاءُهما واحدٌ، وعلمهما واحدٌ، إذ المنبعُ والمنهلُ واحدٌ، والمعينُ الصافي الزلالُ واحدٌ!، بل لأنَّ الجميعَ، بمن فيهم الأنبياءُ والرسلُ، قد أخذوا من الذبيح وتلقَّوا الفيضَ الربانيَّ بواسطةِ هذا المقدس المبارك وعبرهُ في كلِّ العوالمِ!. وقد جاء ذلك في اشاراتٍ مهمَّةٍ للذينَ يريدونَ المعرفةَ الحقَّةِ ويسعَونَ إلى أصلِ ما ينفعُ الناسَ ويذرونَ الزَّبَدَ خلفَ ظهورِهِم!، ومنها:

 عن جابر، عن أبي عبد الله علیه السلام  قال: قال عليٌ للحسين: يا أبا عبد الله أسوة أنت قدماً؟...الخ!([243]). وأنت عليمٌ بأنَّ الأُسوةَ هي القدوةُ، وما يأتسي بهِ الحزينُ، والمعنى المرادُ، أي ثبت قديماً أنك أسوةُ الخلق يقتدون بكَ، أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين...الخ!([244]). وسيأتي بيانُ ذلك في محلّهِ بعونِ الله عزَّ وجلَّ.

ثامناً: سورة (الذبيحُ وأنصارهُ هُمُ الغالبون)

 أكدت النصوص المقدسة على حتميّةِ النصرِ المؤزَّرِ لذبيحِ الله وأنصارهِ الميامين في كلِّ عصرٍ وزمانٍ، وهوَ النصرُ المعنويُّ والروحيُّ والنفسيُّ، وفيهِ نيلُ درجاتِ القربِ والمنازلِ الرفيعةِ عندَ الحقِّ جلَّ شأنهُ، وذلكَ بالصبرِ العظيمِ، والجهادِ بالجسيمِ، في كلِّ الأحوالِ والأحداثِ!، وأكَّدت أيضاً بشكلٍ مباشرٍ على النصرِ النهائيِّ الحاسمِ في آخرِ الزمانِ، وكيفَ سيكونُ نصراً معنوياً روحياً، وكذلكَ ماديّاً أيضاً وهو الإنتصارُ الكبيرُ في عالمِ الدنيا!، هذا وقد رسمت لهذا النصر الإلهيِّ المبارك صوراً رائعةً فريدةً من نوعها في عظمتها وجمالها، حيثُ جاء في الإصحاح رقم (17) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:

﴿1 ثم جاء واحد من السبعة الملائكة الذين معهم السبعة الجامات وتكلم معي قائلاً لي هلم فأُريك دينونة الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة* 2 التي زنى معها ملوك الأرض وسكر سكان الأرض من خمر زناها* 3 فمضى بي بالروح إلى برية فرأيت امرأة جالسة على وحش قرمزي مملوء أسماء تجديف له سبعة رؤوس وعشرة قرون* 4 والمرأة كانت متسربلة بارجوان وقرمز ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ ومعها كأس من ذهب في يدها مملوة رجاسات ونجاسات زناها* 5 وعلى جبهتها اسم مكتوب سر بابل العظيمة أُم الزواني ورجاسات الأرض* 6 ورأيت المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع فتعجبت لما رأيتها تعجباً عظيماً* 7 ثم قال لي الملاك لماذا تعجبت أنا أقول لكَ سر المرأة والوحش الحامل لها الذي له السبعة الرؤوس والعشرة القرون* 8 الوحش الذي رأيت كان وليس الآن وهو عتيد أن يصعد من الهاوية ويمضي إلى الهلاك وسيتعجب الساكنون على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم حينما يرون الوحش انه كان وليس الآن مع انه كائن* 9 هنا الذهن الذي له حكمة السبعة الرؤوس هي سبعة جبال عليها المرأة جالسة* 10 وسبعة ملوك خمسة سقطوا وواحد موجود والآخر لم يأت بعد ومتى أتى ينبغي أن يبقى قليلا* 11 والوحش الذي كان وليس الآن فهو ثامن وهو من السبعة و يمضي إلى الهلاك* 12 والعشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك لم يأخذوا ملكا بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش* 13 هؤلاء لهم رأي واحد ويعطون الوحش قدرتهم وسلطانهم* 14 هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون* 15 ثم قال لي المياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي شعوب وجموع وأُمم والسنة* 16 وأما العشرة القرون التي رأيت على الوحش فهؤلاء سيبغضون الزانية وسيجعلونها خربة وعريانة ويأكلون لحمها ويحرقونها بالنار* 17 لان الله وضع في قلوبهم أن يصنعوا رأيه وأن يصنعوا رأيا واحدا ويعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال الله* 18 والمرأة التي رأيت هي المدينة العظيمة التي لها ملك على ملوك الأرض*([245]).

 ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ والتي قد نستطيع إجمال اليسير منها بما يلي:

1: ورأيت المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع فتعجبت لما رأيتها تعجباً عظيماً: وهي كنايةٌ عما تعرَّضَ لهُ المقدَّسون والشهداءِ عليهمُ السلام من إبادةٍ وظلمٍ منقطعِ النظير، والسكرُ من دمائهم دلالةٌ على التشفّيّ والحقد الذي مارسهُ عدُّوهم اللدود ضدَّهم، وهو محيِّرٌ وعجيب جدّاً، فهوَ يُنبيءُ عن حسدٍ وحقدٍ معتَّقٍ قَلَّ نظيرهُ في كلِّ عوالمِ الوجودِ!.

2: وسيتعجب الساكنون على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم: وهذا السفر المبارك الذي ذُكِرَ مراراً وتكراراً في الأسفارِ المقدَّسةِ، هو سفرُ ذبيحِ الله الأعظم، الذي فيهِ أسماءُ محبيهِ ومريديهِ وأتباعه وخدامهِ وعشاقهِ منذُ تأسيسِ العالمِ وإلى انقضاءِهِ، فقد دوِّنت تلكَ الأسماءُ المباركة وختمت بختمٍ من ذهبٍ ليسَ من أختامِ الدنيا، فهمُ المباركونَ!، وأما غيرهم فسيُبهرونَ حتماً بتلكَ الأحداثِ وحينَما يرونَ المقامَ الشامخ والدرجات الرفيعةِ لأُلئكَ الكرامِ البررةِ!، فيالها من حسرةٍ لا تنقضي أبداً، ويالهُ من خسرانٍ مبينٍ!.

3: هؤلاء لهم رأي واحد ويعطون الوحش قدرتهم وسلطانهم* 14 هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون:

 وهو إجماعٌ لا ينفكُّ وتحالفٌ عجيبٌ عِبرَ العوالمِ على حربِ الكبشِ المبارك في كلِّ الدهورِ والعصور، حرباً لا هوادةَ فيها أبداً!، ولكن النص هنا يشيرُ إلى النصرِ الإلهيِّ المؤزَّر في آخرِ الزمان وذلك لورود سينُ الإستقبال الواضحةِ في النصِّ، ولأنَّ روحَ النصِّ كذلك، وما عليهِ العقلُ والنقلُ والوجدان في كلِّ الأديانِ السماويةِ!.

وكذلكَ يبيِّنُ النصُّ ما يكونُ عليهِ في الحروبِ الأخيرةِ في الأرضِ ضِدَّ الحقِّ وأهلهِ، ووراثتها لأحبابِ الكبشِ المذبوح. والنصُّ واضحُ الدلالةِ في كثيرٍ من فقراتهِ أيضاً في النصرِ النهائيِّ الحتميِّ، وتجلّي الاسم الأعظم لجبارِ السماواتِ والأرض على حبيبهِ ووليِّهِ المذبوح في حُبِّهِ ومن أجلِ دينهِ وأحكامهِ وإنقاذِ الأممِ والشعوبِ!.

 ونرى في النصوص تكرُّرَ اسم (رب الأرباب وملك الملوك)، وهو تارةً يُعطى للمنقذِ الأعظمِ عليهِ الصلاة والسلام الذ يظهرُ في آخر الزمان، وأُخرى للكبشِ المذبوح في الله!، فهما مظهرٌ لاسمٍ واحدٍ، ولا فرقَ بينهما أبداً، فهما نورٌ واحدٌ!. ووصَفَ النصُّ أنصارَهُ الذينَ معهُ، أي المرابطونَ معهُ على السرَّاءِ والضرَّاءِ، وفي كُلِّ تقلُّباتِ العصورِ والدُّهورِ، وترادفِ الإمتحاناتِ العسيرةِ، بأنَّهم مدعوُّونَ في كلِّ العوالمِ، مصطفوونَ من قبلِ الله تعالى، ومختارونَ من بينِ جميعِ الخلائقِ بعلمِ الله عزَّ وجلَّ الأزليِّ السابقِ!، ومؤمنون حقَّ الإيمانِ الذي يحبُّهُ ويرتضيهِ الباري جلَّ شأنُهُ الأقدس!، فقال النصُّ: (والذين معهُ مدعوُّون ومختارون ومؤمنون...الخ!)، فهم كذلك كما عرفناهم بالوجدانِ!، فهنيئاً لهم هذا المقام الشامخ، والشرف الباذخ، وهذا الثناء الجميل من جبّارِ السماواتِ والأرضِ، ويالها من حسرةٍ لا تنقضي لأعدائهِ المارقين!.

تاسعاً: سورة (الذبيحُ هو الفاتحُ لخزائنِ الأسرارِ)

 وهذا الذبيحُ المباركُ هو الفاتحُ الأعظمُ لخزائنِ أسرارِ الربِّ الودود جلَّ شأنهُ المنيف، وقد قامَ فعلاً في عالمِ الحقِّ والإستحقاقِ من وسطِ الأنبياء والرسلِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ، ولكنَّ قيامهُ هذا كانَ مؤلماً ومبكياً وباعثاً للحُزنِ والأسى لجميعِ الخلقِ الخيّرِ في كلِّ العوالمِ وأولهمُ الأنبياء والرسلِ ومن هو في مرتبتهم!، وذلكَ لأنَّهُ قامَ بالهيئةِ التي ذُبِحَ فيها، وبالحالةِ التي انتُهكت فيها حرمتُهُ...الخ!، فقد جاء في الإصحاح رقم (5) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:

﴿1ورأيت على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء مختوماً بسبعةِ خُتومٍ* 2 ورأيت ملاكاً قويّاً ينادي بصوتٍ عظيمٍ من هو مستحقٌ أن يفتح السفر ويفك ختومه* 3 فلم يستطع أحد في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض ان يفتح السفر ولا أن ينظر إليه* 4 فصرت أنا أبكي كثيراً لأنهُ لم يوجد احدٌ مستحقاً أن يفتح السفر ويقرأهُ ولا أن ينظر إليه* 5 فقال لي واحد من الشيوخ لا تبكِ هوَ ذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومَهُ السبعة* 6 ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروفٌ قائمٌ كأنَّهُ مذبوحٌ له سبعةُ قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض* 7 فأتى وأخذ السفر من يمين الجالس على العرش* 8 ولما أخذ السفر خرَّت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخاً أمامَ الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملؤة بخوراً هي صلوات القديسين* 9 وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأُمة* 10 وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنةً فسنملك على الأرض* 11 ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف* 12قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة* 13 وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبدِ الآبدين* 14 وكانت الحيوانات الاربعة تقول آمين والشيوخ الاربعة والعشرون خروا وسجدوا للحي إلى ابد الآبدين*([246]).

ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ والتي قد نستطيع إجمال بعضها بما يلي:

1: (ورأيت على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء): إنَّ هذا السفرُ المبارك كُلُّهُ وجهٌ وليسَ فيهِ ظهرٌ أبداً، وكلُّهُ يمينٌ لا شمالَ فيهِ!، وكلّهُ يمنٌ وبركةٌ وليسَ فيهِ غير ذلكَ!، وهو كذلك، ويجبُ أن يكون هكذا!، لأنّهُ يحكي صاحبهُ الذي استوى على العرش، وحكمَ الوجودَ بالرحمةِ والرأفةِ المطلقةِ تقدَّست أسماءُهُ!، وأنتَ عليمٌ! بأنَّ الإستواء على العرشِ ليسَ بمعنى الجلوسِ الماديِّ الذي يتبادرُ للأذهان للوهلةِ الأولى، بل هي إشارةٌ بليغةٌ واضحةٌ للقوَّةِ والقدرةِ والسلطانِ وهي من صفاتِ الله عزَّ وجلَّ الذاتيَّةِ!.

2: وهو مختومٌ بسبعةِ خُتومٍ مباركةٍ هي الأسرارِ المباركةِ لبدءِ الخليقةِ والغايةِ منها، ووسائطِ فيضهِ إلى كلِّ مخلوقٍ في الوجود!، وعددُها سبعةٌ لا تزودُ ولا تنقص أَبداً!، فمن أزادَ أو أنقصَ فيها فهو لم ولن يعرفَ من سرِّ الله ولطفهِ وجمالهِ وحسنهِ وبهائهِ وعظمتهِ وكذا سخطهِ وغضبهِ شيئاً أبداً!، وعليهِ فتكون المعرفةُ لديهِ ناقصةً، فلن يتمكَّن أبداً من شكرهِ وحمدِهِ على عظيمِ نِعَمهِ أبداً، كما أرادَ الباري عزَّ وجلَّ، لأنَّهُ لم يعرفها بعدُ!، إذ هو لم يزلْ في التيهِ والبعدِ يتخبَّط!.

وحتميَّةُ ولابُدّيَّةُ هذهِ المعرفةِ بالنسبةِ لنا، هي ليست كما يعرفها الذَّبيحُ المباركُ، لأنَّ علمَهُ بها كانَ حضوريّاً، يقينيّاً، ويُعبَّرُ عنهُ بالنفسِ الأمري!، فالأسماءُ والأسرارُ كانت حاضرةً بين يديهِ، وتعيشُ معهُ، وذكرها وشؤونها مستقرَّة في قلبهِ الشريفِ!.

 والختوم السبعة التي هي رمزُ وسِرُّ فتحِ هذا السفرِ المبارك، هي أَحبُّ وأعزُّ شيءٍ لمليكِ السماواتِ والأرض، والأقربُ إلى ذاتهِ المقدَّسة، وهي الأسماءُ المباركةِ المطهَّرةِ، وجمعُها سبعةٌ فقط لا غير!، ونعتذر عن الإفصاحِ عنها هنا، لصعوبةِ الحالةِ الحميريةِ والكلبيَّةِ المستحكمةِ والمستشريةِ عندَ الكثيرِ، التي عرفتها في بحثنا هذا وقد تقدَّمَ سَبرُ أغوارها، فارجعْ إليها لكي تفرَّ منها وتهربَ منها هروبكَ من الأسدِ الضاري!، وسنُبيِّنُ بعضَ أسرارها في بحثِ آخرَ مستقل بعونِ الله تعالى، ولكن يبقى أن نقول بأنَّ للأسماءِ أهلها، والعارفونَ بها، وهمُ السُّعداءُ بحضوتهم الكبرى هذهِ، فهم يعيشونَ في جَنَّتها الفردوسيَّةِ العليا وهم بعدُ في عالمِ الدّنيا!.

3: إنَّهُ قد نُوديَ في عالم الحقِّ والإستحقاقِ، في جميعِ الخلقِ، مَن يستطيع التشرُّف بمقامٍ وَترٍ فريدٍ من نوعهِ، ومن هو كفؤٌ لحلِّ رموزِ هذا السفرِ المباركِ، وفتحهِ عن ثقةٍ وجدارةٍ ونفسٍ مطمئنَّةٍ راضيةٍ مرضيَّةٍ، وباقدامٍ منقطعِ النظيرِ!، إذ أَنَّ هذا المقامُ الفريدُ، وهذا السفرُ الوحيدُ، هو مكتوبٌ وموسومٌ ومُمضى من قبلِ علامِ الغيوب عزَّ وجلَّ باسمِ صاحبهِ، وصاحبهُ هوَ سرُّ الأسرار، وقطبُ عالمِ الأنوار، وهوَ السراجُ في التوراةِ والإنجيلِ والزبورِ وهو المصباحُ في القرآنِ الكريم...الخ!.

4: لم يستطع أيُّ أحدٍ لا من الجنِّ ولا من الإنسِ ولا من الملائكةِ، بل وكلُّ الخلق أن ينظرَ الى هذا السفرِ المبارك فضلاً عن أن يفتحهُ، وعجزت كلُّ الخليقةِ عنهُ!، إلّا من أعدَّهُ الله لذلك، وصنعهُ على عينهِ، واسطنعهُ لنفسهِ المقدَّسةِ المباركةِ!.

5: والبكاءُ هنا مناسبٌ جدّاً في كُلِّ العوالم، ومنَ الجميعِ، وأوّلهم الأنيباءُ والرسلُ علیهم السلام ، لأنَّ موضوعهُ ـ أي البكاءُ على هذا الذبيحِ المباركِ وبالهيئةِ التي ظهرَ فيها ـ قد حضرَ، وهو بدايةُ السرِّ، والبكاءُ الكثيرُ كما أوضحَ هذا النصُّ وغيرهُ يناسبُ هذا المقام، والذي ملؤهُ الشحى والأسى واللوعة!.

6: انَّ الأسد الإلهيِّ الشجاع والمنتصرُ في كلِّ العوالم، لبسالتهِ وقوَّتهِ في ذاتِ الله تعالى، قدْ غلبَ الجميعَ في عالمِ الحقِّ والأستحقاقِ في جميعِ النشئآتِ، حسب درجة قربهِ ويمنهِ وبركتهِ وبكلِّ جدارةٍ فهو المستحقُّ الوحيد لفتحِ هذا السفر المقدَّس.

7: وهذا الاسدُ الغالبُ، هو فرعٌ مباركٌ من شجرةِ النبوَّةِ والعصمةِ والطهارة، فلقد قامَ من وسطِ الأنبياءِ العظامِ والرُّسلِ الكرام، وهذا التعبيرُ واضحُ الدلالةِ، غَنيٌّ بالأسرارِ!.

8: (ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروفٌ قائمٌ كأنَّهُ مذبوحٌ له سبعةُ قرون وسبع أَعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض): إنَّ قيامهُ من وسطِ الأنبياءِ والرسلِ عليهمُ السلامُ لهُ معنىً عميقٌ جدّاً، فهو من وسطهم ومن بينهم ومنهم وإليهم، وقد صُنِعَ بدعائهم المبارك وتضرّعهم الخالص مصحوباً بدموعهم الغزيرةِ في ذلكَ الموقفِ الكريمِ!. وهو يترائى في ذلك العالم كأنَّهُ مذبوح، وكلُّ ما فيهِ كنايةٌ عن مقامهِ الرفيع وطاقاتهِ الروحيةِ الجبّارةِ!.

9: لقد تناولَ هذا الذبيحُ المباركُ السفرَ المقدَّس عن يمينِ صاحبِ العرشِ العظيمِ، فهو يأخذُ منهُ بدونِ أيِّ واسطةٍ، وليسَ بعدَ هذا القربِ مقامُ قربٍ أبداً!.

10: (ولما أخذ السفر خرَّت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخاً أمامَ الخروف): تعظيماً وتكريماً لهُ، واعترافاً بفضلهِ، وسموِّ روحهِ، ومقامهِ في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ!.

11: (وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه): إلى هنا فقد بدأت عندهم عبادةٌ جديدةٌ في ذلكَ العالمِ المجرَّد الكريمِ، وهي تقومُ على أساسِ تمجيد الخروف (ذبيحِ الله الأعظمِ) وذكرِ شؤونهِ وفضائلهِ واستحقاقاتهِ وحملهِ الأعباء العظمى التي لم يستطع غيرهُ حملها!.

12: (لأنك ذُبحتَ واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأُمة): التصريحُ بالحقيقةِ الدامغةِ هنا وهي ـ ذبحُهُ في سبيلِ الله المعروفةِ والمتيقَّنةِ في كلِّ العوالم ـ وبهذا التعبير الصادعِ بالحقِّ والحقيقةِ، وبهذا النوعِ من الفهمِ والإعتراف بفضلهِ، والتحنُّنِ إليهِ، والتودُّدِ إليهِ، والتقرُّبِ منهُ، دليلٌ على أنَّ كلَّ العوالمِ مدينةٌ لهُ بكلِّ شيءٍ، وإنما كانَ من خيرٍ وبركةٍ فهو ببركةِ دمهِ الذي أُريقَ وسالَ على الأرضِ!، وكانَ ذلكَ الدّمُ الطاهرِ، وتلكَ الواقعةِ الأليمةِ بمنظرٍ ومسمعٍ من الله تعالى، وقد تقبَّلهُ رَبُّهُ بقبولٍ حسَنٍ وأنبتهُ نباتاً حسناً!.

13: إنَّ الكبشَ المذبوح ليسَ حكراً على طائفةٍ معينةٍ أو ملَّةٍ أو دينٍ معيَّنٍ أبداً، بل هوَ وُجدَ للجميعِ، وعمَّت بركتهُ الجميعَ، لأنهُ متخلِّقٌ بأخلاقِ ربِّهِ وحبيبهِ صاحبِ العرش والكرسيِّ العظيم، فروحُ هذا النصِّ وغيرهُ توحي هذهِ الحقيقةِ!.

14: (وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنةً فسنملكُ على الأرض): وصفٌ للإنتصارِ العظيمِ في آخرِ الزمان، وهو تمامُ مشروعِ الله المقدَّسِ في الأرضِ، الذي سَعى لهُ جميعُ الأنبياءِ والرسلِ والأوصياءِ وأتباعهم (عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام)، وقد أُبيدوا بأجمعهم في هذا السبيل، وكانت أعينهم عندَ رحيلهم وكذا قبلَ رحيلهم ترنوا اليهِ وتتلهَّفُ الى ذلكَ اليومِ الموعود.

ولكنَّ الشرارة العظمى وبيرقُ هذا النصر وشعارهُ هوَ الكبشُ المذبوح وما قدَّمهُ من تضحيةٍ فهوَ الذِّبْحُ العظيم، وستكونُ وراثةُ الأرض بيدِ أوليائهِ وأحبائهِ وأنصارهِ السالكينَ نهجهُ الشريف المبارك رغمَ أُنوفِ الأبالسةِ والشياطين والظالمين!.

هذا وقد وَعَدَ الله تعالى هؤلاءِ الكرام بذلك النصرِ العظيم، حيثُ قال في محكمِ كتابهِ الكريم: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ)([247]). وقال عزَّ وجلَّ: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوَارِثِينَ)([248])، والإشارةُ في وراثتهِ سبحانهُ وتعالى دقيقةٌ وعجيبةٌ وواضحةٌ، وهي تعني وراثةَ أوليائهِ وأحبائهِ، فملكُهُم ملكَهُ، وحكمُهُم حكمَهُ، ووراثتهم وراثتهُ عزَّ وجلَّ!.

15: (ونظرت وسمعت صوتَ ملائكةٍ كثيرينَ حولَ العرشِ والحيوانات والشيوخ وكان عددهم رَبَوات رَبَوات وألوف ألوف. قائلين بصوت عظيم: مستحقٌّ هو الخروف المذبوح...الخ). وهو اعترافٌ جمعيٌّ في الملإِ الأعلى بالشرف الباذخِ والطَولِ الشامخِ للكبشِ المذبوح وفضلهِ على الجميع بدونِ استثناءٍ أبداً!، وهذا ديدنهم في تلكَ العوالم، بلْ هيَ عبادةٌ شريفةٌ لأنهم معصومون لم يتفوَّهوا بغيرِ الحقِّ أمامَ بارئهم سبحانهُ وتعالى، وفي محضرِ قربهِ المبارك، وكانَ كلّ ذلك برضى ومحبَّةِ الله عزَّ وجلَّ، وهو يجري وفقَ مشيئةِ المولى عزَّ وجلَّ.

16: (مستحقٌّ هو الخروف المذبوحُ أن يأخذَ القدرةَ والغنى والحكمةَ والقوةَ والكرامةَ والمجدَ والبركةَ...الخ): استحقاقهُ عندَ ربهِ تبارك وتعالى أن يمنحهُ صفاتهُ وأسماءَهُ، ويكونَ مشتملاً على نورِ ربهِ، وخازناً لهُ، وعاكساً لهُ على جميعِ مخلوقاتهِ، فقد أضفى عليهِ مولاهُ عزَّ وجلَّ نورَهُ الأتمِّ وبهاءَهُ الأعمِّ لينالَ هذا المقام.

17: (وكلّ خليقةٍ مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلةً: للجالسِ على العرشِ وللخروفِ البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبدِ الآبدين): وها هوَ يُعطى كلَّ البركةِ والكرامةِ والمجدِ والسلطانِ الربانيِّ إلى أبدِ الآبدين بكُلِّ جدارةٍ وحزمٍ، وقد شهِدَ جميعُ الخلقِ لهُ في تلكَ العوالمِ النورانيَّةِ، وكفاهُ بذلكَ فخراً، ولكنهُ ليسَ كما نظنُّ نحنُ فهوَ مستأنسٌ بقُربِ الله وذائبٌ في نورهِ العظيمِ، وإنما تمجِّدُهُ الخلائقُ بأسرها لأنهم وعَوا أمرَهُ عندَ الله سبحانهُ وتعالى، فهي عبادةٌ ليسَ لها مثيلٌ، وتقرُّبٌ بهِ إلى الله عزَّ وجلَّ، وإلّا كانت الملائكةُ وغيرهم في شُغلٍ شاغلٍ عن كُلِّ ذلك!.

18: (وكانت الحيوانات الأربعة تقول آمين والشيوخ الأربعة والعشرون خرّوا وسجدوا للحيِّ إلى أبدِ الآبدين): كانَ هذا السجودُ لله تبارك وتعالى طاعةً وعبادةً ومحبَّةً وتقرُّباً، وكان قبالةَ الكبشِ المذبوح الجالس عن يمين العرش وبحضورهِ، فهو لاينفكُّ عن هذا المكان منذُ أن أنعمَ عليهِ الباري بهِ، فهو ينظرُ الى الجميعِ من ذلكَ المكان الشريفِ المقدّس، ويرعى العوالمَ بأسرها، وهي تحتَ نظرهِ الشريفِ.

عاشراً: سورة (إنتصارُ الذبيحِ في آخرِ الزمان)

لقد كانَ الفتحُ كُلَّ الفتحِ ببركةِ ذبيحِ الله الأعظم، فهو الفاتحُ الأكبرُ بكُلِّ أصالةٍ وبجدارةٍ، وبيدهِ مفاتيحُ السرِّ الأعظم، وقد كُشفت ببركتهِ أمامَ القدّيسينَ والأبرار، واستنارَ بها القريبُ والبعيد. لذا نجدُ في الإصحاح رقم (6) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ: ﴿1ونظرت لما فتحَ الخروف واحداً من الختومِ السبعةِ وسمعتُ واحداً من الأربعة الحيوانات قائلاً كصوتِ رعدٍ هلمَّ وانظر* 2 فنظرت وإذا فرسٌ ابيضٌ والجالس عليه معه قوسٌ وقد أُعطي إكليلاً وخرج غالباً ولكي يغلب* 3 ولما فتح الختم الثاني سمعت الحيوان الثاني قائلاً هلمَّ وانظر* 4 فخرج فرسٌ آخر أحمر وللجالس عليه أُعطي أن ينـزع السلام من الأرض وأن يقتل بعضهم بعضاً وأُعطي سيفاً عظيماً* 5 ولما فتح الختم الثالث سمعت الحيوان الثالث قائلاً هلمَّ وانظر فنظرت وإذا فرس اسود والجالس عليه معه ميزان في يده* 6 وسمعت صوتاً في وسط الأربعة الحيوانات قائلاً ثمنية قمح بدينار و ثلاث ثماني شعير بدينار و أما الزيت والخمر فلا تضرهما* 7 و لما فتح الختم الرابع سمعت صوت الحيوان الرابع قائلاً هلم وانظر* 8 فنظرت وإذا فرس اخضر والجالس عليه اسمه الموت والهاوية تتبعه وأُعطيا سلطاناً على ربع الأرض أن يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض* 9 ولَمّا فتحَ الختمَ الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم* 10 وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض* 11 فأُعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيراً أيضاً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وأُخوتهم أيضاً العتيدون أن يقتلوا مثلهم* 12 ونظرت لما فتح الختم السادس وإذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر والقمر صار كالدم* 13 ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تطرح شجرة التين سقاطها إذا هزتها ريح عظيمة* 14 والسماء انفلقت كدرج ملتف وكل جبل وجزيرة تزحزحا من موضعهما* 15 وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر اخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال* 16 وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف * 17 لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف*([249]).

 يمثِّلُ هذا النصُّ إجمالاً بديعاً، وإيجازاً وسيعاً، لأنهُ متعلِّقٌ بفضاءِ الوحيِ الرباني، لأَحداثِ المسيرةِ الحياتيَّةِ المهمَّةِ لهذهِ الحياةِ الدنيا الخاصَّةِ بعالمِ الإنسانِ أوَّلاً وبالذات فهو المحورُ والمنتقى والمجتبى، وبعوالمِ الخلقِ الأُخرى بأسرها، وارتباطِ كُلِّ ذلكَ بعالمِ المعنى، الذي لا تحدُّهُ حدودٌ ولا قيودٌ إلّا قوانينهُ الخاصَّةِ بهِ التي منحهُ إيّاها بديعُ السماواتِ والأرض، ونحاولُ هنا جاهدينَ بعونِ الله تعالى اختصارَ بعض المعاني الواردةِ في هذا النصِّ عِبرَ النقاطِ التاليةِ:

1: إنَّما كانَ الفتحُ كُلَّ الفتحِ بواسطةِ الكبشِ المذبوح، وذلكَ لأنهُ هوَ الفاتحُ الأعظم!، وبالتالي فإنَّ فيضَ العلومِ الربانيَّةِ بواسطتهِ لا محالة!. وليسَ بوسعنا الإسترسال هنا، ولكن نُبيّنُ نقطةً من بحرٍ وغيظاً من فيضٍ لأهلها الطالبينَ لها، فنقول: لقد وردَ متواتراً في الموروثِ الإسلامي الشريفِ، أنَّ كبشَ الله العظيم قد أوصى إلى كلِّ أهلهِ ومحبِّيهِ ومُريديهِ، وأعلنَ ذلكَ رسميّاً على رؤوسِ الأشهادِ، وعرفت بذلك الكثير من الناسِ وسمعتهُ ووعتهُ، وذلكَ قبلَ ذبحهِ ومصرعهِ الشريفِ، بل وقبلَ توجههِ إلى أرضِ مذبحهِ الموعودةِ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: (...أما بعد فان من لَحِقَ بِيَ استُشهد، ومن لم يلحقْ بِيَ لم يدرك الفتح، والسلام)([250])، فكلُّ من ركبَ في سفينتهِ المباركةِ في كلِّ العصورِ والدهورِ قدْ أدركَ الفتحَ حتماً!.

2: (فنظرت وإذا فرس ابيض والجالس عليه معه قوس وقد أُعطي إكليلاً وخرجَ غالباً ولكي يغلب): بشارةٌ مباركةٌ بمنقذِ العالم ومنجيهِ، ولقد كُتبَ لهُ النصرُ المؤزَّرُ قبلَ خلقِ العالم، فهو إنما وجدَ لتحقيقِ النصرِ الإلهيِّ الحاسمِ الموعود.

3: (فخرج فرس آخر أحمر وللجالس عليه أُعطي أن ينـزع السلام من الأرض وأن يقتل بعضهم بعضاً وأُعطي سيفاً عظيماً): وعدٌ إلهيٍّ بعظيمِ الفتنةِ التي سترافق مجيء المخلِّصِ الربانيِّ العظيم، وشدَّةِ الفتنةِ والإمتحان في آخرِ الزمانِ، وبيانِ بطشِ الأعداءِ مخرِّبي السلام الذي نادى بهِ جميعُ الرُّسلِ عنِ الله تعالى!.

5: (ولَمّا فتحَ الختمَ الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض...الخ): قلنا في الإعتقاد بمنجي العالم([251]): ويحدث ذلك اثرَ الأحداث المريرة التي تقع في الفتنة الكونية الكبرى والتي تسود العالم بأسره، وإن كان هذا ـ التضرُّعُ والبكاءُ والضجيجُ إلى الله تعالى ـ يحدث دوماً من الأنبياء والرسلِ علیهم السلام  كما سيتبيَّن، ولكن هناك وقتٌ محدَّد، ويوم معلوم، وساعة معيَّنة، يكون فيها الدعاء والتضرُّعُ منهم علیهم السلام  على أشُدّهِ، واستجابتهُ محتَّمةٌ، كما في القرآن والعهدين:

1: في القرآن والحديث: ومن ذلك المطالبة بتحقّقِ وَعد الله تعالى في الآية الشريفة: (وَعَدَ الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً...)([252]). فقد رويَ عن يونس بن ظبيان عن ابي عبد الله علیه السلام  قال: (إذا كان ليلةُ الجمعة لأهبط الربُّ تبارك وتعالى ملائكته الى السماء الدنيا، فاذا طلع الفجر نصب لمحمد وعليّ والحسن والحسين منابر من نور عند البيتالمعمور، فيصعدون عليها ويجمع الله لهم الملائكة والنبيين والمؤمنين، ويفتحأبواب السماء، فاذا زالت الشمس قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : يا رب ميعادك الذي وعدت في كتابك وهو هذه الآية: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم) الاية، ويقول الملائكة والنبيّون مثل ذلك، ثم يخرُّ محمدٌ وعليٌّ والحسن والحسين سجّداً ويقولون: يا ربّ اغضب فانه قد هُتِكَ حريمك، وقُتِلَ اصفياؤك، واذلّ عبادك الصالحون، فيفعل ما يشاء، وذلك وقت معلوم، وهذا شأنهم ودعاؤهم في كل يوم جمعة إلى أن ينجز وعده ويظهر وليّه، فاذا خرج وليّ الله وظهر حجّة الله...الخ)([253]).

2: في العهدين: حيث جاء في سفر الرؤيا: (9 ولما فتح الختم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم10وصرخوا بصوت عظيم قائلين: حتّى متى أيّها السيد القدّوس والحق! لاتقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض. 11فاعطوا كلّ واحد ثياباً بيضاً، وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً... الى أن يقول: 15وملوك الأرض، والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء، وكلّ عبد وكلّ حرّ، أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال16 وهم يقولون للجبال والصخور: اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف 17 لأنّه قد جاء يوم غضبه العظيم، ومن يستطيع الوقوف)([254]).

ولو أمعنّا النظر في النصّين([255])، لوجدنا أنّ كلٌ منهما يصدّق الآخر، ويحكي تلك الصورة الجميلة ليوم الفرج الأعظم الموعود والذي جاءَ دعاءُ الأنبياءِ والرسلِ والمقدّسين عليهم الصلاةُ والسلامُ كأحد الأسباب المهمّة لتعجيل ذلك اليوم المبارك. وربما قد يقال إنَّ هذا النص من سفر الرؤيا قد لايتعلَّق أو لايدلُّ على أنَّهُ بخصوصِ بيان حالةٍ مهمَّةٍ تقعُ قبل ظهور ومجيء منجي العالم!؟. وفي معرض الجواب على مثل هكذا طرح يجب أن نؤكِّد على مايلي:

1: إنَّ كُلَّ ما وردَ في سفر الرؤيا لا يتعلَّق بزمن صدوره قطعاً، وإنَّما هو: (بشاراتٌ وتحذيراتٌ وعلومٌ وأحداثٌ مستقبليَّةٍ...الخ!) وهي تخصُّ جميعَ البشر دون استثناءٍ، وهذا واضحٌ لكلِّ مُطَّلع، ويكفي إلقاء نظرةٍ على أولِّ السفر المقدّس لإثبات ذلك، حيث جاء فيه: (1إعلانُ يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليُرِيَ عَبيدَهُ ما لا بد أن يكون عن قريبٍ وبَيَّنهُ مُرسلاً بيدِ مَلاكِهِ لعبدِهِ يوحنا... إلى أن يقول: 7 هو ذا يأتي مع السحاب([256]) وستنظرهُ كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض نعم آمين* 8 أنا هو الألف والياء البداية و النهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء* 9 أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت([257]) يسوع المسيح وصبره... إلى أن يقول:

12التفتُّ لانظرَ الصوت الذي تكلَّمَ معي ولما التفت رايتُ سبعَ مناير من ذهب* 13 وفي وسط السبع المناير شبهُ ابن إنسان([258]) متسربلاً بثوبٍ إلى الرجلين ومتمنطقاً عند ثدييه بمنطقةٍ من ذهب* 14 وأما رأسه وشعره فابيضان كالصوف الابيض كالثلج وعيناه كلهيب نار* 15 ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في اتون وصوته كصوت مياه كثيرة* 16 ومعه في يده اليمنى سبعةُ كواكبٍ و سيفٌ ماضٍ ذو حدين([259]) يخرج من فمه و وجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها* 17فلما رايته سقطت عند رجليه كميتٍ فوضع يده اليمنى علي قائلاً لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر* 18 والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت* 19 فاكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيدٌ ان يكون بعد هذا*...)([260]).

 2: أنّهُ رأى ـ حسب الإطلاق ـ نفوسَ جميع الشهداء وعلى رأسهم الأنبياء والرسل علیهم السلام ، وليس النص خاصاً بشهداء فترة معيَّنةٍ أو زمنٍ محدَّدٍ، بل حتى آخر شهيدٍ يسقطُ قبل مجيء مخلِّص العالم الموعود (عجل الله فرجهُ).

 3:ثمَّ أنَّ خوف جميع ملوك الأرض، والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء، وكلّ عبد وكلّ حرّ، الذين أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يتمنَّونَ الموت بدلَ أنَّهم يشهدون يوم الله الموعود، كُلُّ ذلكَ لم ولن يحدث على وجهِ الأرض إلّا عندَ مجيء منجي العالم في يومه الموعود، حيث عبِّرَ عنهُ بيومِ الغضبِ العظيم([261]).

6: (فأُعطوا كل واحد ثياباً بيضاً و قيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وأُخوتهم أيضاً العتيدون أن يقتلوا مثلهم): وهم في مقعدهم المبارك وهو مقعدُ الصدقِ عند مليكهم المقتدر، لكنهم مرتبطونَ ارتباطاً وثيقاً بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم بعدُ، والإعطاءُ هنا يمثِّلُ منتهى التحنُّن والرعاية من قبلِ المولى جلَّ وعلا!.

7: (وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف. لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف): إنَّ للكبشِ المذبوحِ ظلماً وعدواناً يومُ غضبٍ عظيمٍ مهولٍ لا يستطيعُ أن يتحمَّلهُ أعداءُهُ المجرمينَ والمحاربينَ لهُ على مرِّ العصورِ وتخالفِ الدهورِ أبداً!، ولابدَّ من مجيءِ ذلكَ اليومِ وحدوثهِ، لأنهُ وعدُ الله تباركَ تعالى.

حادي عشر: سورة (رعايةُ الذَّبيحِ للجميعِ)

انَّ ذبيحَ الله الأعظم بنفسهِ المقدَّسةِ المنتصرةِ، وروحهِ الأبويَّةِ الكبيرةِ، لهُ رعايةٌ خاصَّةٌ وعامَّةٌ تشملُ الخلق جميعاً، فهو المربي الأكبرُ، وهو المعلِّمُ الأروعُ في الوجود، لذا فقد وردَ في الإصحاح رقم (7) من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي ما نصُّهُ:﴿ 1وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الأرض ممسكين أربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض ولا على البحر ولا على شجرة ما* 2 ورأيت ملاكاً آخر طالعاً من مشرق الشمس معه ختم الله الحي فنادى بصوت عظيم إلى الملائكة الأربعة الذين أُعطوا أن يضروا الأرض والبحر* 3 قائلاً لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتى نختم عبيد إلهنا على جباههم* 4 وسمعت عدد المختومين مئة وأربعة وأربعين ألفاً مختومين من كل سبط من بني إسرائيل* 5 من سبط يهوذا اثنا عشر ألف مختوم من سبط راوبين اثنا عشر ألف مختوم من سبط جاد اثنا عشر ألف مختوم* 6 من سبط اشير اثنا عشر ألف مختوم من سبط نفتالي اثنا عشر ألف مختوم من سبط منسى اثنا عشر ألف مختوم* 7 من سبط شمعون اثنا عشر ألف مختوم من سبط لاوي اثنا عشر ألف مختوم من سبط يساكر اثنا عشر ألف مختوم* 8 من سبط زبولون اثنا عشر ألف مختوم من سبط يوسف اثنا عشر ألف مختوم من سبط بنيامين اثنا عشر ألف مختوم* 9 بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع احد أن يعده من كل الأُمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل* 10 وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف* 11 وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخروا أمام العرش على وجوههم وسجدوا لله* 12 قائلين آمين البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين آمين* 13 وأجاب واحد من الشيوخ قائلاً لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتَوا* 14 فقلت له يا سيد أنت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف* 15 من اجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلاً في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم* 16 لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر* 17 لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم و يقتادهم إلى ينابيع ماءٍ حيّةٍ ويمسح الله كل دمعةٍ منعيونهم*([262]).

ويمكن لكلِّ مطَّلع يمرُّ بهذا النصّ من سفر الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي أن يلحظَ بيسرٍ الكثيرَ من الأمور المهمةِ والتي قد نستطيع إجمال اليسيرَ منها بما يلي:

1: ﴿بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع احد أن يعدهُ من كل الأُمم و القبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل﴾: بعدَ أن أرى الله عزَّ وجلَّ جميعَ الأنبياءِ والأولياءِ لنبيِّهِ المعني، بل ولكلِّ تلكَ العوالم المباركة ولكن كلٌّ حسبَ استعدادهِ وإناءهِ الذي يتلقّى الفيضَ فيهِ، فهو ما بين هذا المنظر المذهل والعجيب، رأى مقامَ الكبشِ المذبوح السامي والشامخ والمرتفعِ فوقَ الجميعِ ورأى مقامَ أحباءِ وأودّاءِ وأتباعَ الكبشِ المبارك المذبوح وهم من كل الأُمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمامَ عرشِ الله سبحانهُ وتعالى وأمام ذبيحهم المحبوب الذي لطالما حنّوا اليهِ شوقاً جرّاءَ عشقهم لهُ ومكانته المميَّزة عندهم بعدَ معرفتهم لهُ، وقد بيضَّ الله وجوههم وذكرهم في الدنيا والآخرةِ لذا فهم متسربلونَ بالبياض لأنَّ ربَّهم نقّاهم وطهَّرهم ببركةِ معشوقهم الأبدي دمهِ الطاهرِ!.

 ولكن لماذا يحملون سعف النخل بعينهِ لا غيره؟، أليس من المناسبِ أن يحملوا أغصانَ الزيتون بدلاً عنهُ؟، لأنها علامةُ السلامِ والأمانِ والخيرِ والبركة مثلاً!؟.

 وعلينا في معرضِ الجوابِ أن نقول: أنَّ الحديثَ لو كانَ عن روحِ الله عيسى أو كليمِ الله موسى أو إسحاقَ...الخ، عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام، لكان هذا الأمرُ مناسباً جدّاً، ولكنَّ النص في معرضِ بيانِ علامةٍ وإشارةٍ غيبيَّةٍ مهمَّةٍ، وهي كونُ هذا الرمز متعلِّقاً بالكبشِ المذبوحِ لا بغيرهِ أبداً، وعلامةِ البلدِ الذي ذُبحَ فيهِ، والمكانِ الذي جرت فيهِ المصيبةِ المروِّعة التي هانت وصغُرت عندها كلُّ المصائبِ والرزايا، إذ لا يومَ كيومهِ في كلِّ العوالمِ والدهور، ولا ذَبحٌ كذبحهِ مطلقاً، فهو ذُبحَ بجميعِ أنواعِ الذبحِ، وقُتلَ بجميعِ أنواعِ القتلِ، وهُتِكَ بجميعِ أنواعِ الهتك، وصبرَ بجميعِ أنواعِ الصبرِ!، لكنَّهُ عبدَ الله تعالى وأخلصَ لهُ في جميعِ ذلكَ قُربةً لوجههِ الكريم!.

2: ﴿13وأجاب واحد من الشيوخ قائلاً لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتَوا* 14 فقلت له يا سيد أنت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف: إن دمَ الكبشِ المبارك يطهِّرُ وينقّي النفوسَ والأرواحَ ظاهراً وباطناً، وفي كلِّ العوالم، وذلكَ لكون هذا الحدث العظيم المرئيّ في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ والنور!، ولكن كم هو عجيبٌ أمر هذا الدم الطاهر المقدَّس المبيِّض لثيابِ هؤلاءِ الصفوةِ المباركين وهو رمزٌ يحملُ معانٍ جليلةٍ يشيرُ إلى مقامِ ذبيحِ الله الأعظمِ ودورهُ العظيم في كمالِ هؤلاء الأحبَّة!. وأما الضيقة العظيمة فرمزٌ لشدَّةِ الإمتحانات العسيرة والفتن والمحن التي خرجوا منها مفلحين مُنجحين ببركةِ تضحيةِ الكبشِ المبارك ودمهِ الطاهرِ المقدّس الذي جرى على وجهِ الأرض، فهو لم يزل يفورُ في عالمِ الملكِ والملكوتِ، ولم يستقر أبداً إلّا بانتصارِ المخلِّص!.

3: ﴿10وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف: إنَّ تقديسَ الكبشِ المبارك هو عينُ تقديسِ الله عزَّ وجلَّ، والصراخ بالصوتِ العظيم كنايةٌ عن منتهى الحبِّ لذا فهم متيَّمونَ والهونَ!، والقربِ الذي إن بقيَ مستوراً ولم يظهر فإنَّهُ يقتلُ صاحبهُ!. وأما الإشارة في فقرةِ (قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف)، هو ليسَ من قبيلِ الشِّركِ في العبادةِ كما يزعمُ ويطبِّلُ الجهّال وأصحابُ العقولِ الطيّارةِ!، بل لكونهِ الوسيلة العظمى للوصولِ إلى الحقِّ تعالى وإلى أقصى قربٍ منهُ جلَّ شأنهُ، وانَّ مثلَ هذهِ الأُمور العقيديَّةِ المهمَّةِ لا تُدركُ إلّا بالصَّفاءِ والورعِ والعبادةِ للحيِّ القيّومِ، لذا لا يستطيع فهمَ حلاوةِ مثل هذهِ الأُمورِ العقيديَّةِ المهمَّةِ إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ!.

4: ﴿16 لن يجوعوا بعدُ ولن يعطشوا بعدُ ولا تقع عليهم الشمس ولا شيءٌ من الحر* 17 لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم*: انَّما كانَ كلُّ ذلكَ ببركةِ الكبشِ المذبوحِ وتضحيتهِ العظيمةِ الجسيمةِ، فقد نالوا تلكَ المنـزلة القدسيَّة الساميةِ، وتبدَّلت كلّ الأحوال المؤلمةِ إلى أحسن حالٍ وأجملهِ وألطفهِ...الخ!.

 ولكنَّ الأمر المهم جدّاً هنا والأعجب، هو تبدّلُ مكان الخروفِ المذبوحِ أي ذبيحِ الله الأعظم، إذ كانت النصوص تُأكِّد أنَّ مكانهُ عن يمينِ العرش!، فهل لتوسطهِ العرش تضاربٌ في النصوص!؟، أم أخذَ مكاناً ليسَ من شأنهِ خاصاً بالحقِّ جلَّ شأنهُ!؟.

وفي معرض الجواب لابُدَّ أن نقول: كلاّ وألف كلاّ، بل هو تكريمٌ فائقُ العظمةِ، وأعظمُ من التكريم الأول!، والذي هو عن يمينِ العرش، وهذا مقامٌ خاصٌّ بهِ فقط، لم يسبقهُ إليهِ أحدٌ قبلهُ ولا بعدهُ أبداً!، ولأصحابهِ الذين فدَوهُ بأنفسهم ومهجهم مقامٌ من مقامهِ الشريف أيضاً، فقد روي عن باقر علمِ النَّبيين (عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والسلام) أنه قال: خرج علي علیه السلام ([263])، يسير بالناس حتى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل تقدم بين أيديهم حتى طاف بمكان يقال له المقذفان، فقال: قُتلَ فيها مائتا نبيٍّ ومائتا سبطٍ كلهم شهداءٌ، ومناخُ ركابٍ ومصارعُ عشاقٍ شهداءٍ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من جاء بعدهم([264]).

والمقامُ هنا ليسَ باستطاعةِ اللسانِ وصفُهُ أبداً فهو يقصرُ عن ذلكَ!، وانَّما يُفهمُ بالتفكُّرِ، والتأمُّلِ الشديدِ، واستحضارِ أُمهاتِ العقائدِ الربانيَّةِ الحقَّةِ في البالِ واللُّبِّ ثمَّ الحكمَ بعدَ ذلكَ!.

 وأما الإشارة في فقرةِ (يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماءٍ حيَّةٍ...الخ!)، لأنَّهُ أي الذبيح الأعظم شأنٌ مباركٌ من شؤون الحقِّ القدسيَّةِ المباركةِ، وآيةٌ من آياتهِ الكبرى، وواسطةُ الفيضِ العظمى بينهُ وبينَ خلقهِ جميعاً!، وهو الذي يوصلهم إلى الحقِّ جلَّ شأنهُ طاهرينَ نقيينَ عبرَ خطِّهِ الشريف الذي رسمهُ لهم وهو عينُهُ الصراطُ المستقيمُ!.

وأما الإشارة في فقرةِ (ويمسحُ الله كلَّ دمعةٍ من عيونهم...الخ!)، وذلكَ لأنَّهم بكوا كثيراً عليهِ بكاءً مُرّاً، وحزنوا عليهِ حزناً شديداً ليسَ فوقهُ حُزن!، وكان ذلك في كلِّ العوالم التي كانوا قد مرّوا عبرها وسافروا فيها!، وفي كلِّ الأزمان والأحوالِ، ولكن بقيَ هذا الحزنُ والجزعُ الشديدُ عليهِ ـ وكلُّ جزعٍ مذمومٌ إلّاَ الجزع عليهِ فهو محمودٌ ويُدخلُ الجنَّةَ ـ في نفوسهم وأرواحهم، مستقرَّاً في كلِّ كيانهم، إلى يومِ اللقاءِ الأعظم، فوجبَ بلطفهِ كما وعدهم أن يمُنَّ عليهم بهذهِ المنَّةِ المقدَّسةِ!.

 وأما الأشارةُ البيّنةُ في أنَّ الله جلَّ شأنهُ هو الذي يمسحُ الدموعَ من أعيُنهم، فهذا يعنى مُنتهى الرحمةِ والتحنُّنِ والرأفةِ بهم من قبلِهِ عزَّ وجلَّ، فقد وصلوا عن طريقِ حبيبهِ المعنيِّ المبارك إلى مقامٍ سامٍ ليسَ بمقدورٍ أحدٍ الوصولُ إليهِ أبداً إلّا عن طريقِ الذّبيحِ!.

 الفصل الرابع

تظافُر الأدلةِ في الذَّبيحِ المعنيّ

وفي هذا الفصل وددنا جمعَ الأدلةِ والنتائج المحصَّلة من دراساتنا للنصوصِ المقدَّسةِ، والجواهر الثمينةِ المنتقاة من خلالِ ولوجنا في أعماقِ سفرِ واحدٍ فقط من بينِ ثلاثةٍ وسبعينَ سفراً، ألا وهو سفرُ الرؤيا ليوحنا المعمدان اللاهوتي علیه السلام  مراعينَ الإجمال والإختصار في ذلكَ، وقد عبَّرنا عن ذلكَ باليسير، لأنَّهُ يمكننا حسب التحقيقِ الدقيق أن نجمعَ أكثر من مأتي دليلٍ في هذا السفر لوحدِهِ يدلُّ على مدَّعانا، ولكن من خلالِ هذا اليسير يبينُ الصبحُ ان شاء الله تعالى لمن يعشقُ الصبحَ!، ومن ثمّ نقومُ بإثباتِ وإحكامِ العقيدةِ الإلهيَّةِ الحقَّةِ بشأنِ ذبيحِ الله المبارك المعنيِّ بهذهِ النصوصِ وحدهُ لا غيرهُ، فنقولُ بعونِ الله وتوفيقهِ:

أولاً: استعراضٌ للنتائج والأدلَّة:

1: أنَّ الربَّ قرنَ ويقرنُ في كلِّ حديثهِ الخروفَ  ـ  أي الذبيح المبارك ـ مع عرشهِ المقدَّس المبارك، وكأنَّهما شيءٌ واحدٌ!، بل هما صنوانِ لا يفترقان، لشدَّةِ الترابط الوثيق بينهما، وعدمِ الإنفكاك بأيِّ حالٍ من الأحوالِ أبداً، فالعرشُ والذبيحُ من سنخٍ واحدٍ!، ولو كانَ بينها أدنى تخالفٌ، أو في أحدهما شائبةٌ ما لما صحَّت السنخيَّةُ والتقارب، إذ المقامُ ليسَ مقامُ دارِ التزاحمِ والبلاءِ الدنيوي، بل هذهِ القضيَّةٌ تجري في أشرفِ العوالم وأرفعها كما يحكيها النصُّ!.

2: أنَّ النبعَ الصافي، والمعين الذي لا ينضب، ونهر الحياة المبارك، إنما كان ذلك كُلُّهُ ببركةِ العرش والجالس عن يمينهِ وهو الكبشُ المذبوحُ، فالبركةٌ والفيضُ يجري من كليهما سويَّةً.

3: إنَّ أشدَّ الخزي والعذاب وهو اللعن، وهو يعني الطردُ من رحمة الله عزَّ وجلَّ!، قد رُفعَ عن الأُممِ والشعوب، بل وكلِّ الخلقِ، ببركةِ هذهِ الشجرةِ المباركة وثمرها وورقها وقدسيةِ الكبش المذبوح المبارك وقرب كلِّ ذلكَ من عرش الله عزَّ وجلَّ، كما يصوِّرُهُ النصُّ.

4: لابدَّ من أنَّ الوجود سيخدمُ الكبش المذبوح، ويعترفُ بعظمِ حقِّهِ على الجميعِ، ويسخِّرُ نفسهُ لخدمتهِ وردِّ جميلهِ بكلِّ ما يملك، وسيفتخرُ الوجود الخيّر بتلكَ الخدمة، لأنَّها من أعظمِ العبادات!.

5: وسيكون قبالهم دوماً، ينظرون نورَ وجههِ الشريف المبارك، ولا يغيبُ عنهم مطلقاً، وسيحمل الطيبون اسمَهُ المقدَّس على جباههم، وهذا يدلُّ على منتهى التقديس لهذا العظيم عند الله وعند المؤمنينَّ بالله كما أراد هو، ونهجَ لهم، وخطَّ لهمُ الطريق.

6: وسيرفعُ الظلام أصلاً من كلِّ العالم، وتنقشعُ جميعُ الظُلَم، لأنَّ النور الأعظم سيتجلّى بأعظم صوره، وذلكَ بإقبالِ والتفاتِ العالم بأسرهِ إلى حقِّ الذبيحِ العظيم عليهم وفضلهِ السابق على كلِّ مَن سواهُ!.

7: وسيملكُ أحبابُ الكبشِ المذبوح وهم أحبابُ الله وأوِدّاءُهُ إلى أبدِ الآبدين، وسيغدقهم الربُّ بعظيمِ منهِ ونعمهِ وكراماتهِ، وهو النصرُ العظيم في آخر الزمان للحقِّ وأهلهِ، وهو ملكوت الله ويوم الله الأعظم كما صرَّحت بذلكَ الكتبُ السماويةِ المقدَّسةِ بأسرها.

8: ولإتمامِ هذا الموضوع والمراد من النصّ لابدَّ من الرجوع إلى ذكر الشجرةِ المباركة ونقول شيئاً فيها، فقد جاء في النصّ: ﴿ في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرةُ حياةٍ تصنع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كل شهر ثمرها وورق الشجرة لشفاء الأُمم* 3 ولا تكون لعنة ما في ما بعد وعرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه: إنَّ الشجرة المباركة هي عظيمةٌ بكلِّ معنى العظمة، ومن عظمتها أنها ممتدةٌ من هاهنا وها هناك، أو قل مابين طرفي الوجود بأسرهِ، بدؤُهُ ومنتهاهُ، أو ما بين مشرقهِ ومغربهِ، وكلُّ ذلك ثابتٌ لهذهِ الشجرة المباركة المقدّسة!، كما سيتَّضح لأهلِ الإنصافِ من الآتي بعونِ الله ومنِّهِ.

9: إنَّ هذه الشجرة المباركة الميمونة تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربّها، لذلكَ عبَّرَ النصُّ بقولهِ: (وتعطي كل شهرٍ ثمرها)، ولا فرق بين هذا النصّ ومنطق القرآن، فالمُتكلِّمُ في القرآنِ والكُتبِ السماويَّةٍ واحدٌ أحدٌ، ولكنَّ الفسادَ والإفساد هو ممن أرادوا تشويهَ الحقائق الربّانيَّةِ،كما هو معلوم لذوي العقولِ والبصائر!، جعلنا الله وإياكم منهم!.

10: وذكرُ الشجرة المباركة العتيدة هنا لهُ معانٍ جليلةٍ وكثيرة، ولا يمكن التطرُّق لها جميعاً هنا، سوى ما أوضحهُ النصُّ من أنَّها تمنحُ الوجود اثنتي عشرة ثمرة مقدَّسة وأُكلُها دائمٌ وورقها شفاءٌ للأُمم جميعاً!. وقد ذكرها الباري جلَّ وعلا مراراً وتكراراً في جميعِ كتبهِ المقدَّسةِ بلا استثناءٍ، وقد ذكرها القرآنُ ببيانٍ عجيبٍ وجعلها مثلاً لمصداقٍ أجلّ وأشرف وهو حيٌّ بيننا ويمشي معَ الناس في كلِّ حين، حيثُ قال عزَّ من قائل: ﴿أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القَرَارُ(29)﴾([265]). هذا وقد قام النبيُّ الأكرم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وهو خاتمُ الرُّسل والنبيين، ومُبيّنُ القرآن، بإيضاح تفاصيل هذه الآيات الشريفة والمراد منها، وكذا الأئمةُ الميامين من آلهِ الطاهرين، وهم أهلُ بيت النبوَّة والعصمةِ والطهارة (صلوات الله عليهم أجمعين) وكذا أصحابهُ المنتجبين (رضوان الله عليهم أجمعين) وروى المسلمون عنهم ذلك بأجمعهم، وقد مرَّ بكَ شيءٌ من ذلك!.

11: أنَّ الربَّ في الأحداث الأخيرة للأرضِ، يريد تكريمَ ذبيحهِ المبارك بأنواعِ الكراماتِ والحبواتِ والعطيّاتِ الفاخرات، ويرفعُ من شأنهِ أمامَ الجميع!، لأنَّ الناسَ بعدُ لم يعرفوهُ كاملَ المعرفةِ المتعلقةِ بحسبِ كلِّ نشأةٍ من نشئآتِ وجودهم! فقد جُهِلَ حقُّهُ وقدْرُهُ منذُ أمدٍ بعيدٍ جدّاً!

12: أثبتت النصوصُ المقدَّسةِ أنَّ لذبيحِ الله الأعظمِ رُسلاً...الخ!، وهذا يثبتُ أن َّ لهُ تصرُّفاً مهماً ومميَّزاً في الوجود بإذنِ الله تباركَ وتعالى، فهو مطِلٌّ ومشرفٌ علينا، ولهُ نوعٌ من الرعايةِ والتربيةِ لكلِّ العوالمِ والنشئآتِ حسبَ مقامهِ الشريفِ الشامخِ المنيفِ!.

13: أنَّ الربَّ القديرَ تباركَ وتعالى قدْ قرنَ معهُ حسبَ النصوصِ المقدَّسةِ وفي أماكنِ عديدةٍ الذبيحَ المبارك!، لذا فهما كشيءٍ واحدٍ، لشدَّةِ الترابط الوثيق بينهما، وقوة العُلقَةِ العجيبةِ التي تربطهما!.

14: أنَّ الذبيحَ المبارك هو النور المتجلّي من نورِ ربهِ وبارئهِ الأقدسِ، فهو سراجُ نورِ الربِّ تعالى ـ أي هو مصباحُ الهدى ـ ، وفي النصوصِ التي مرَّت عليكَ إشاراتٌ بيِّنةٌ بأنَّهُ لن ينطفيء أبداً، وهو ينيرُ كُلَّ عوالم الخيرِ، بل كلِّ العوالم مطلقاً، إلّا من أبى وعاندَ فهم مطرودون مبعدون بالفعلِ، لكنَّهم أيضاً يأخذونَ ويستمدّونَ النورَ منهُ تكويناً وهم لا يشعرون!، بل يأكلونَ من نعمتهِ المبسوطةِ وهم يسبُّوهُ ويشتموهُ، فيالَ شدَّةِ قبحهم، ويالَ عظيمِ كرمهِ!، ففضلهُ سابقٌ وسابغٌ حتى لأعدائهِ وإن جهلوا!، وهم لن يضرّوهُ شيئاً مهما تمادَوا في الخسَّةِ والنَّذالةِ والجورِ!. وهذا المعنى المتقدِّمُ يعني أنَّهُ مصباحُ الهدى وسفينةُ النجاة بكلِّ جدارةٍ واستحقاقٍ!.

15: أنّ للذبيح المبارك  ـ المعنيِّ بهذهِ النصوصِ الصريحة، وهو فردٌ لا يشاركهُ في أمرهِ هذا أحدٌ أبداً ـ لهُ سفرٌ مقدَّسٌ مذخورٌ لحياتهِ الدائمةِ المباركةِ التي منحها إيّاها مولاهُ عزَّ وجلَّ، فيهِ أسماءُ محبيهِ وأنصارهِ وعشاقهُ في كلِّ عصرٍ وزمان، وقد دوِّنت أسماءُ محبيهِ فيهِ قبلَ خلقِ العالم!. وسيجزيهم ربهم تعالى لذة الوصالِ والقربِ، من حبيبهم ومعشوقهم الذي طالما ذابوا فيهِ، وحنّوا إليهِ، واشتاقوا إليهِ اشتياقَ القاحلةِ الجدباء إلى غيثِ السماءِ!.

16: الإستغناءُ بنورِ الذبيحِ المبارك عن الشمسِ والقمر، بل وعن أمثالهما وغيرهما...!، وهو رجوعٌ إلى أصلِ الأصلِ، بعدَ أزمانٍ طويلةٍ من التيهِ في الآثارِ، لذا فهو رجوعٌ وعودةٌ إلى معدنِ الأنوار، وخزائنِ الأسرار، ومن ثمَّ إلى سِرِّ الأسرارِ المكنونِ!.

17: أنَّ واسطةَ الفيض النُّوريّ المبارك هو الكبشُ المذبوح، فهو وحدُهُ القادرُ على إختِزالِ النور الرباني بامتيازٍ، وبثَّهُ لجميعِ المخلوقات، والتعبيرُ واضحٌ بقوله: (لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجُها) فهو واسطةُ الفيض الأعظم، والتجلي الأقدس!.

18: أنَّ قدسيَّة الذبيح المبارك هي بعينها قدسيَّة المولى جلَّ شانهُ، فقد عبَّرت النصوصُ عن ذلك بمختلفِ التعابيرِ المشيرةِ إلى ذلك ومنها: (ولم أَرَ فيها هيكلاً لأنَّ الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلُها)!. ولكنَّ هذهِ المقاماتُ العاليةُ جدّاً، الشامخةُ في عالمِ الحقِّ، والتي تثبتها النصوصُ بجدارةٍ للشخصِ الوحيدِ المعنيّ بها، من الصعبِ المستصعبِ أن يهضمها الجميعُ، وخاصَّةً من كانَ من أهلِ الفظاظةِ واللجاج، وفي قلبهِ الغلاظة والمجاج، لأننا نوقنُ أنَّ من كانَ قد رسمَ صورةً مشوَّهَةً سخيفةً لعقائدهِ، فكيفَ يتحمَّلُ هذهِ المقاماتِ المبهرةِ للعقولِ!.

19: (وبعد هذا سمعت صوتاً عظيماً من جمع كثير في السماء قائلاً هللويا([266]) الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا): النصوصُ في معرضِ بيان التجلّي، الأعظم، والظهور الأتم، للمولى عزَّ وجلَّ بأعظمِ مصاديقِ ظهورهِ وتجلياتهِ، ولذا يجبُ الالتفات الى مضامينِ هذا النصِّ وغيرهِ بعنايةٍ وتأمُّلٍ يليقُ بالمقامِ، ففقراتُها ملحميَّةٌ وبجدارةٍ!.

20: (وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين آمين هللويا* وخرج من العرش صوت قائلاً سبحوا لإلهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار): عبادةٌ تليقُ بأهلِ القلوبِ العارفينَ بربِّهم جلَّ شأنهُ الأقدس، وهي ليسَ حِكراً على أحدٍ لأنَّ هؤلاءِ الصالحين أصنافٌ متعدِّدةٌ بحسبِ مراتبِ قربهم فهم صغارٌ وكبارٌ بكلِّ معاني هذهِ الكلمات، فكلٌّ بحسبِ استعدادهِ، ولكنَّ الكلّ يشيرُ اليهِ!، وكما قالَ الشاعرُ:

 عباراتنا شتّى وحسنك واحدٌ وكلّ إلى ذاك الجمال يشير([267]).

21: (وسمعت كصوتِ جمعٍ كثيرٍ وكصوت مياهٍ كثيرةٍ وكصوت رعودٍ شديدةٍ قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء): إشارةٌ بليغةٌ لبدايةِ حكمِ الله على الأرضِ بواسطةِ المصلح الأعظم، وأنَّ حكمهُ إنما هو حكمُ الربِّ حرفيّاً أي الحكم الواقعي، وهو الذي يُعرفُ بخاتمِ الأولياءِ عندَ الأعمِّ الأغلبِ من عرفاءِ العالمِ الواصلينُ، وموضوعهُ من أُمهاتِ العقائدِ الربانيّةِ الدقيقةِ([268])، التي أقرَّ بها أهلُ العقلِ والنقلِ والوجدانِ، من كلِّ دياناتِ العالمِ!.

22: (لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأنَّ عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها. وأُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهيّاً لان البز هو تبررات القديسين): وهو رمزٌ لبداية التكريمِ العظيم والإنتصار الكبير الحتميّ في آخرِ الزمان الذي يقومُ باسمِ الكبشِ المذبوح بل هو نفسُهُ الذيحُ شعلةُ الثورةِ وشعارُ الثوّارِ المؤمنين الصالحين في آخرِ الزمانِ!.

23: (وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي أقوال الله الصادقة): لأنَّ المدعوّين إلى هذا التكريم الإلهيِّ العظيم هم أولياء ومحبّي ومريدي وخدّام الكبشِ المذبوحِ فقط وفقط، ولن يحظى بهذا التكريم غيرهم أحدٌ أبداً، لأنَّهُ يكونُ ليسَ من سنخهم، خارجٌ عن موضوعهم!. إلّا من انتسبَ إليهم بصلةٍ!.

24: (ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب): وهو نصٌّ غيبيٌّ عجيبٌ في وراثةِ خاتمِ الأولياء والمصلحِ الأعظم، لأنهُ يكون على قلبِ خاتمِ الأنبياءِ والرسلِ صلى الله عليهِ وآلهِ وسلَّم، وهو الوريث الشرعي للصادق الأمين، وهو الصادقُ الأمينُ كذلك، والمعنى بمكانٍ من الوضوحِ والاشراقِ لا يستدعي مزيداً من البيانِ!.

25: (وعيناه كلهيب نارٍ وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسمٌ مكتوبٌ ليس احدٌ يعرفهُ إلّا هو)([269]): إشارةٌ إلى قوَّةِ وشدَّةِ وحزمِ المصلحِ الأعظم المنتقمِ من الظالمين نفسي لهُ الفداءُ، لهذا فقد ورد عن النبي الأعظم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  في وصف القائم المنتقم انه قال: «أسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار([270]). وما جاء في العهد الجديد من سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح الأول ما يبيِّنُ ما نحن بصدده([271]).

26: (وهو متسربلٌ بثوبٍ مغموسٍ بدمٍ ويدعى اسمهُ كلمة الله): ولهذا الثوب المغموس بالدمِ ألفُ نصٍّ وقصَّةٍ وحديثٍ وروايةٍ عنِ الله ورسولهِ وأهلهِ صلواتُ الله عليهم، وهو رمزٌ لإدراكِ ثأرِ الله الأكبر، وهو تارةً يأتي مصداقٌ لذلكَ الثوب الذي ذُبحَ فيهِ كبشُ الله الأعظم، وتارةً رمزٌ لإدراكِ ثأرِ كلِّ قطرةِ دمٍ أُريقت على وجهِ الأرضِ ظلماً، وكلاهما متَّحدُ المعنى والمغزى، إذ أنَّ المصداقَ الأشرف مقدَّمٌ في كلِّ الأحوال. وأما إشارة (ويدعى اسمهُ كلمة الله): فهي للتنويه عن مقامهِ وقربِهِ، وهو وارث لجميع الأنبياء والرسل علیهم السلام ، وبهِ يتكللُ نصرهم!، وبجهودهِ يتمُّ نورهم الذي أُرسلوا بهِ!.

27: (والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزاً أَبيض ونقياً): فهم أحدُ قواهُ، والملائكةُ جندٌ من جندهِ، وهم طوعَ أمرهِ ونهيهِ، وينتصرُ بهم على أعدائهِ، وسيقاتلونَ بينَ يديهِ! وسيتشرَّفونَ وسيفرحونَ بنُصرتهِ!.

28: (ومن فمه يخرج سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الأُمم، وهو سيرعاهم بعصاً من حديدٍ وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء): وقد مرّت الإشاراتُ في النصوصِ السالفةِ إلى قوّتهِ وشدّةِ بأسهِ العظيمِ، ولكنَّ النصوصَ أيضاً في معرِضِ بيانِ تجلّي سخطُ الربِّ فيهِ، فهو إنعكاسٌ ومظهَرٌ لله عزَّ وجلَّ. ولعلَّ الإشاراتُ إلى ذلك في سفر أشعيا واضحة المعنى: (ويحكم بالإنصافِ لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميتُ المنافقَ بنفخةِ شفتيهِ)([272]).

29: (وله على ثوبهِ وعلى فخذهِ اسمٌ مكتوبٌ ملك الملوك ورب الأرباب): وهي من سماتِ وأوصافِ المنقذ الأعظم التي أجمعت علي

ها الأديان السماوية، وهي تنبعُ من ذاتهِ المقدَّسهِ، وليست من المقتنيات الطارئة عليه، ولكن يجب أن تظهر للجميع، فهي تظهرُ على ثوبهِ المبارك، أي تظهرُ للجميع وعلى كلِّ ما ارتبط بهذا الرجل الإلهيِّ المقدَّس، وذلك لإبداءِ الخلافةِ الإلهيةِ العظمى بأتمِّ صورها بمنظرٍ ومسمعٍ من جميعِ عوالم الإمكان!.

30: (ورأيت الوحش وملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده): وهي إشارةٌ بليغةٌ غيبيَّةٌ تُبدي حالةَ أعداءِ الله تعالى وما يكونُ من أمرهم، فهم حتى آخرَ لحظةٍ لم يكلّوا ويملّوا من حربِ أهلِ الله عزَّ وجلَّ ظلماً وعدواناً، لذا يكونُ القصاصُ الحقّ الذي تذكرهُ النصوصُ في محلِّهِ ولابدَّ منهُ لتحقيقِ عدلِ الله تعالى شأنهُ، وأوَّلهُ هذا القصاص الدنيوي المرعب الذي أشارَ اليهِ وإلى أشباههِ وأمثالهِ القرآن الكريم مراراً وتكراراً!. وفي النصِّ أعلاهُ والنصوصِ الأُخرى أيضاً إشاراتٌ واضحةٌ للملاحمِ والفتن التي تجري عندَ ظهورِ المنتقم من الظالمين والمنقذ لمستضعفي الخلائقِ أجمعين، وكذا قبلَ ظهورهِ المبارك، لنتجاوزها رعايةً للإختصار ونأملُ بحثها في محلٍّ آخر مناسبٍ إنشاء الله تعالى شأنهُ.

31: في هذهِ النصوصُ كنايةٌ عن أن المقدسين والربانيين الذين أُستشهدوا في سبيل الله تعالى، ومضوا مقهورين مضطهدين سينتصرون وسيغلبون ببركةِ دم الذبيح المبارك انتصاراً تفرحُ بِهِ جميعُ السماوات والساكنون فيها وكذا الأرض وسكانها، بل وجميع عوالم الخير قاطبةً!، وهو واضحٌ جليٌّ في قولهِ: ﴿11 وهم غلبوهُ بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت*.

32: أكَّدَت النصوص على أنَّ هذهِ المرأة هي كالشمس، بل هي الشمسُ بعينها، لشدَّةِ نورها وظهورها في كلِّ العوالم، بل يذكرها النصُّ هنا في مقامٍ آخرٍ أسمى وأرفع يصعبُ وصفهُ ومعرفةُ كنهِهِ، وهو درجتها الإلهيَّةِ في عالمِ الحقِّ والحقيقة!، والإشارةُ اليهِ واضحةٌ وصريحةٌ في قولهِ (متسربلةٌ بالشمس)، فكلُّ مقامِ الشمسِ وعظمتها أَصبحَ ثوباً ترتديهِ هذهِ المرأةُ المباركة، فهو مسارعٌ لخدمتها، مطيعٌ لها، بل هو شأنٌ من شؤونها المباركةِ المقدَّسةِ!. ولما كانت كذلكَ فإنَّ كلَّ الكواكب تدورُ في فلكها، منشدَّةً إليها، مستنيرةً بنورها، فتأمَّل ذلكَ في قولهِ: (على رأسها إكليلٌ من اثني عشرَ كوكباً). فهيَ المشكاةُ في القرآن الكريم([273]).

33: (والقمر تحت رجليها): وهذا مقامٌ آخر لها، ويمكن لنا قَدحُ المعنى المراد في أذهاننا، فنقول: ذلكَ لأنها أَشرفُ أمٍّ في الوجودِ على الإطلاقِ بدليلِ هذا النصّ وغيره، والجنةُ تحتَ أقدامِ الأُمهات، وقسيمُ النارِ والجنَّةِ بعلُها، وهو القمرُ الذي اقترنَ بها في كلِّ العوالمِ، وهو أعظمُ أَهلِ الجنةِ بل سيِّدُهم، والجنَّةُ وما فيها تحتَ قدميها المباركتينِ!، وليسَ معنى هذا حطّاً لشأنهِ عليه الصلاةُ والسلام ولغيرهِ، بل لأَنها أُمٌّ لهُ ولغيرهِ في عالمِ الحقِّ والإستحقاقِ، حيثُ وصفها النبيُّ الخاتمِ بـ(أُمّ أبيها)، وقال  صلى الله عليه وآله وسلم : (أنا وعليّ أَبوا هذهِ الأمة)، وأنتَ عليمٌ بأنَّ أُمَّ الأبِ أمٌّ عُليا حقيقيةً، فتأمَّل ذلكَ جيِّداً!. ولقد هتفتْ بمدحها، وبيانِ مقامها، وفضلِها وأسرارها، جميعُ الألواحِ والصحفِ والزُّبُرِ، ولكن لو كانَ هناكَ أنصافٌ من البشرِ!.

34: (وعلى رأسها إكليلٌ من اثني عشر كوكباً): رمزٌ لتمامِ عزِّها وعظمتها وبركتها تشيرُ اليهِ الكواكب الإثني عشر في الإكليلِ الثابتِ على رأسها المقدَّس، ولا يصلحُ هذا الوصف في التفسيرِ والتأويلِ والتعبيرِ إلّا لأشخاصٍ معدودين مُعَيَّنينَ عظماء منصوص عليهم، بل وهُم ذريَّةُ الأنبياء والرسل المحدَّدينَ بحسبِ الأدلةِ والبراهينِ المقطوعِ بها!، كما مرَّت بكَ الإشارةُ إلى ذلكَ في قولهِ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ([274]).

فقد عبَّرَ الباري عزَّ وجلَّ بالشمسِ عن أُمِّ يوسف التي ربّتهُ وترعرعَ في حجرها([275])، وبالقمرِ عن أَبيهِ يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم علیهم السلام  وبالكواكبِ عن إخوتهِ، ولكنَّ الفرقَ واضحٌ بينَ النصَّين فهيَ متسربلةٌ بالشمس والشمسُ أحدُ شؤونها!، وغيرُها ليس كذلكَ في المقام حيثُ وصفَ بالشمس ليسَ إلّا، فتأمَّل في مقارنةِ النَّصيين لكي يتضح لك مقامها الشريف!.

35: وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد: وذلكَ لثقلِ حملها المبارك وأهميَّتهِ، وعظيمِ آلامها في هذهِ الدنيا ومعاناتها ومِحَنِها، فهي لم تُقابل إلّا بالحربِ والجورِ والحقد والإعتداءآتِ السافرةِ، بينما كانت تحملُ آلامَ العالمِ وآهاتهِ بأسرها لأنَّها أُمَّ هذا العالم وغيرهِ حقيقةً!، واستقرَّ كُلُّ ذلكَ الألمِ في قلبها الشريفِ الطاهر! وذلكَ لأنها أمُّ الوجودِ الحنونةِ الشفيقةِ!.

36: (وظهرت آية أُخرى في السماء هو ذا تنين عظيم احمر...)!: إنَّ ظهور التنيين هذا، والذي هو العدوُّ اللدودُ لهذهِ المرأة المباركةِ الطاهرةِ الميمونةِ،كانَ مساوقاً لظهورها في هذا العالمِ، أي عاصرها، فحاربها، وكادَ لها المكائد، وأعتدى عليها بشكلٍ سافرٍ!، بل وكان قد عاداها في العوالمِ الأولى التي سبقت عالمِ الدنيا والطبيعةِ، وخطَّطَ لقتالها وأذاها، وسعى للنيلِ منها بكلِّ ما أُوتيَ من قوَّةٍ، حسداً منهُ وحقداً!.

37: وهذه المرأة هي أقربُ مخلوقٍ إلى الله تعالى من الإناث على الإطلاق!، وحبيبةٌ إلى ذاتهِ المقدَّسة، فهي صاحبةُ الزلفى لديهِ، والكلُّ يأتي خلفها وبعدها في مقامها السامي المنيف!، لذا فإنَّ جميع ملائكةِ الباري عزَّ وجلَّ تخدمها، وتنصرها، وتقاتل معها في صفٍّ واحدٍ، وجنباً إلى جنبٍ، وهم جندٌ لها، وأنصارٌ لها، وأحدُ قواها، التي تنتصرُ بها، إذا جاءَ الوقتُ المعلومُ، وخسرت صفقةُ الأعداءِ وحلَّ بوارُ القوم!.

38: ركَّزَ النصُّ، على أن وليدها ذكرٌ، مُبشرٌ بهِ قبل ولادتهِ، مصنوعٌ بعينِ الله، ومُعَدٌّ من قبلهِ تعالى، والملائكة تعرف ذلك!، بل حتى إبليس وجنده على معرفةٍ تامةٍ بهِ وبخطورتهِ عليهم!، وكذلك العدو المباشر لحربِ المرأة المباركةِ وجندهُ الظلمةُ القساةُ!، لذلك فهم أَعدّوا العدَّةَ، وأحكموا الخُطَّةَ مسبقاً، للتخلُّصِ منهُ بمختلفِ الطرقِ والوسائلِ، ولو بقتلهِ جنيناً كان أم رضيعاً...الخ!.

39: (فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأُمم بعصاً من حديد واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه* 6 والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضعٌ مُعَدٌ من الله لكي يعولوها هناك...الخ): نعم، فقد كان ولدها ذكراً عتيداً، مبشَّراً بهِ، لكي يكون مُنقذاً لكلِّ البشرِ، بل ولكلِّ العوالم، ولكنَّ كيدَ الظالمين، ومكرَ الأبالسةِ والشياطين، حالَ دون ذلك، وهذا ليسَ غلباً لأمرِ الله سبحانهُ وتعالى وتدبيرهِ، بل لأمرٍ عظيمٍ أرادهُ جبّارُ السماواتِ والأرض، فجرت عليهِ مشيئتهُ جلَّ شأنهُ، وكلُّ ذلكَ لحكمةٍ بالغةٍ، سيعرفها الوجود عندَ الفرجِ الأعظمِ، قرَّبَ الله عزَّ وجلَّ ذلكَ اليومِ الشريف!.

 وبهذا تكون النصوصُ المقدَّسةِ، قد أشار بشكلٍ عجيبٍ، إلى أمرٍ عقيديٍّ مهمٍ، وهوَ غايةٌ في الدقَّةِ والأصالةِ، وهو أنَّ إبنها المولود المبارك، قد أخفاهُ الله عزَّ وجلَّ، وحفظهُ إلى الوقتِ المعلوم ويوم حكمهِ الأتمِّ، حيثُ تُبسطُ لهُ الولايةُ العظمى!، وهذا واضحٌ من النصوصِ وصريحٌ بيّنٌ لا ريبَ فيهِ!.

ولكنَّ الربَّ القدير تعالى شأنهُ المنيف، يشيرُ إلى إبنها الأول المقتول المستباح أيضاً، وهو لم يزل جنيناً في بطنها!، وقد أشارَ النصُّ إلى اعتزال المرأة المباركة عن هؤلاءِ المجرمين السفّاكين!، وفرارها عنهم في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ والروح والمعنى وكذا في عالمِ المادَّةِ أيضاً!، فهم ليسوا من سنخها، بل وليس لهم حظٌّ من ذلك أبداً!، وذلكَ لخيانتهم وظلمهم وجورهم!، بل قد صُنِّفوا أعداءاً لها في كلِّ العوالم، وفي كلِّ الأزمان.

وأمّا السببُ في جمعِ النصوصِ المقدَّسةِ لإبنيها معاً، وذلك لأنَّهما منقذانِ مباركان ومنجيانِ لكلِّ الخلقِ!، وبذلك جاءت الأخبارُ المباركةُ عن أهلِ بيتِ النبوَّةِ والعصمةِ والطهارةِ أنَّهُ لو قُدِّرَ أن يشم جنينها المقتول هواءَ دنياكم هذهِ!، لما دخلَ النار أحدٌ أبداً!، وذلك لبركتهِ وعظيمِ شأنهِ سلامُ الله عليهِ، وأما ابنُها الثاني وهو المرفوعُ، والمخفيُّ، والمغيَّبُ، فإنَّ أمرهُ أوضحُ من الشمسِ في رابعةِ النهار، وهوَ المدَّخرُ لكي يملأها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت جوراً وظلماً!.

40: أنّ عدوَّ المرأةِ المباركةِ يجرُّ خلفهُ ثُلثَي العالم الذي يستطيع التأثير عليه وإضلالهِ وحرفهِ عن تعاليمِ الباري عزَّ وجلَّ، أي يجرُّ (75%) من مجموع العوالم الممتحنةِ التي يستطيع إضلالها كالجنِّ والإنس، وهو الذي جاء بالشرِّ كلِّهِ إلى الأرض بذنبهِ العظيم وآثامهِ التي أردتهُ في الهاويةِ، بل هو يحاولُ جاهداً إضلالَ العالمِ كلِّهِ!. هذا وقد أكَّدَ القرآن هذهِ الحقيقة  ـ  بانَّ ما يساوي ثلثي العالم يعيشون الضلال ـ كما أوضحنا في محلِّهِ!.

41: والنصوصُ المقدَّسةُ قد جمعَت بين الشيطان السماوي والأرضي، أي إبليس السماء الذي تمرَّدّ هناك وعاندَ وحسدَ مقامَ الحقِّ والإستحقاقِ!، وإبليس الأرض وهو الآدميُّ الذي فعلاً كان بيدهِ الآثمةِ حربُ تلك المرأة بأنواع الحروب في عالم الدنيا، وقد قرنَت بينهما النصوصُ لشدَّةِ القربِ والتماثل بينهما، ووحدةِ الهدفِ والمشروعِ، فهما كالشيءِ الواحدِ، وهما مصداقانِ لحقيقةٍ واحدةٍ، ووجهانِ لعملةٍ واحدةٍ!.

42: وكان هذا العدوُّ القاسي والظالم متربصاً بها، وواقفاً أمام المرأة العتيدة، أي مراقباً لها بجميعِ المراصد، لكي تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت، وهذا التصويرُ العجيب التي تُأكِّدُ عليهِ النصوصُ، يعبِّرُ عن منتهى الحقدِ والشدَّةِ والغلاضةِ والفظاظةِ، وهو عندَ الظالمين والسّفاكينَ قائدهم الأعظم، ومدبِّرُ أمورهم حَسبَ زعمهم، والمخطِّط لكلِّ شؤونهم وتحرّكاتهم، فيالَ حظّهم التعيس، فما أقبحهُ وما أقبحم، حيثُ طردهم الله الرؤوفُ من رحمتهِ وحنانهِ الذي تمثَّلَ بهذهِ المرأةِ المباركةِ والأُمِّ الشفيعةِ!.

43: وانّ الوجود بأسرهِ سيعينُ هذه المرأةُ المباركةُ، في انتصارها على أعدائها المجرمين، في آخرِ المطاف، لأنهُ مدينٌ لها بكلِّ شيءٍ، وسيدركُ العالم بأسرهِ أنَّ هذهِ الصدّيقةُ الطاهرةُ الميمونةُ، قد عَمِلت على نجاتهم، واستنقاذهم، منذُ أمدٍ بعيدٍ جداً، وهم لم يكونوا يدركوا شيئاً من قدرها وجاهها وفضلها ومقامها، وقد فارقتهم وهي مجهولةُ القدرِ مظلومةٌ!.

44: انَّ حرب هذا العدو اللدودُ، لم تنتهي بعد شهادة هذه الطاهرة المباركة، بل امتدت إلى جميع ولدها، فغَضَبُ وحقدُ هذا العدو الجافي الجاهل والأرعن الأحمق، على هذهِ المرأة الطاهرة وكلِّ ما ارتبطَ بها، جعلتهُ يشنُّ حرباً ضروساً لا تُبقي ولا تَذرُ على باقي نسلها الشريف المقدّسِ الطاهر الذين يحفظون وصايا الله جلَّ شأنهُ الشريف، وعندهم شهادةٌ وبشارةٌ وعهدٌ معهودٌ من عيسى المسيح علیه السلام !، وذلكَ لأنَّهُ آخرُ الأنبياءِ والرسلِ علیهم السلام ، فوجب عليه ذلك!، وقد فعلَ ذلك، وأدّى ذلك الحقُّ المعهودُ إليهِ، وقد بشَّرَ بهم فعلاً، مراراً وتكراراً، ونصَّ عليهم، وأكَّدَ عليهم، بل كانَ ذلكَ عهدٌ معهودٌ من جميعِ الأنبياءِ والرسل وأوصيائهم علیهم السلام  إلى جميعِ الشعوبِ والقبائلِ والأممِ!.

45: ومنَ الأمورِ المهمَّةِ في هذهِ النصوصِ المختصةِ ببحثنا هذا، والتي قد اشتملت عليها وبكلِّ جدارةٍ، ما يكمنُ في الجواب على الأسلة الآتيةِ التي لابدُّ منها، والتي تطرحُ نفسها بكلِّ قوَّةٍ وأحقيَّةٍ، ولعلَّنا نجملُ بعضاً منها بما يأتي:

 أولاً: ما هي المناسبةُ والقربُ، بين هذا السردِ التاريخي العقيدي الربّاني، لما يجري على هذه المرأة العتيدة المباركةِ بعلمِ الله السابقِ وبين الخروف ـ أي الكبش المبارك المذبوح في الله عزَّ وجلَّ ـ ؟.

 ثانياً: وما هو سرُّ الترابطِ الوثيقِ، بين هذه المرأة العتيدة المباركةِ، وبين الخروف ـ أي كبش الله المذبوح في حُبِّ الله عزَّ وجلَّ ـ ؟.

 ثالثاً: وما هو سرُّ القرابةِ والنسبةِ بين هذه المقدَّسةِ الطاهرة ـ التي قُتِلت بظلمٍ لا مثيلَ لهُ!، واعتداءآتٍ ذكرتها السماءُ بحزنٍ وألمٍ بالغينِ، حيث كانت أيامها معدودةً بعدَ الإعتداءآت الأثيمةِ كما تُشيرُ بذلك النصوصُ صراحةً ـ وبين الخروف أي كبش الله المذبوح لإحياءِ أمرِ الله عزَّ وجلَّ؟.

 رابعاً: ولمَ لا تكون الغلبة والنصر النهائي المؤزَّر للحقِّ وأتباعهِ وهم أتباع المرأة المقدَّسة إلّا بالدم الطاهر للخروفِ ـ أي الذبيحِ الأعظم ـ وبكلمة شهادتهم وعقيدتهم التي يعيشونها ويحملونها في قلوبهم، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت، لأنهم عشقوا ما جعلهم يزهدون بأغلى شيءٍ عندهم وهي حياتهم الشريفة!؟.

وعليه تكون النتيجةُ لما تقدَّمَ في النصوصِ التي وقفتَ عليها: أنَّ كل من يستطيع أن يكون منصفاً ولو لساعةٍ من عمرهِ، ويجيبُ بالعدلِ وتحكيمِ الضمير، وينظر إلى النصوصِ بشجاعةٍ وإقدامٍ، وموضوعيَّةٍ واحترامٍ، ويتحرَّرَ من كلِّ المرتكزات الذهنيّةِ التي أخذها عمَّن كان قبلهُ، لوَصَلَ إلى الحقِّ واليقين، وعاشَ في صفِّ الصالحين، وعاشَ السعادةَ الربانيَّة من لحظةِ تسليمهِ إلى الحقِّ وأهلهِ عليهم أفضلُ الصلاةُ والسلام!.

لذا نأملُ من جميعِ أحرارِ العالم ومثقفيهِ النظرَ إلى هذا الإرثِ الحضاريِّ المقدَّس الذي تتضمنهُ الكتبُ الإلهيةُ المقدَّسةُ بأسرها والبحث فيهِ مَليّاً!، فهوَ من أسرارِ الله سبحانهُ وتعالى، والتحرُّرِ من السذاجةِ والمجاجةِ والسخافةِ التي لم تزل تفتكُ في عالمِ الخيرِ والفضيلةِ لحدِّ هذا اليوم الذي نعيشهُ فرحينَ مسرورين في جنبِ الله تعالى بما آتانا الله من فضلهِ، رغمَ الظلمِ والمرارةِ والألمِ والتي هيَ من صنيعةِ أعداءِ الله عزَّ وجلَّ!.

46: انَّ الفضلَ والمقام والنور الإلهيَ للمرأةِ المباركةِ الميمونةِ العتيدةِ التي أثبتتهُ الأسفارُ المقدَّسة، يتناسبُ بشكلٍ عجيبٍ، وينطبقُ كاملَ الإنطباقِ معَ الذي رواهُ المسلمونَ بأسرهم، ونقلوهُ مُسنداً وصحيحاً مثبتاً كابراً عن كابرٍ عن سيّدةِ نساءِ العالمين الحوراءِ الإنسيَّةِ عليها وعلى أهلِ بيتها الطيبيينَ الطاهرين أفضلُ الصلاةِ والسلام، وهذا واضحٌ وفي غايةِ البيانِ لدى كلِّ من تحلّى بالإنصافِ!.

47: أجمعت النصوصُ على أنَّ الذبيح المبارك قد ذُبحَ بالفعل حقّاً وصدقاً، وليسَ هو مقامُ تشريفٍ كما يلقَّب بِهِ غيرهُ ممن لم يُذبح بالفعل!، أو ذُبحَ ولكن من أجلِ قضيَّةٍ فرعيَّةٍ جانبيَّةٍ، كما سيأتي بيانهُ في محلِّهِ إن شاءَ الله تعالى!.

48: إنَّ أولياءَ وأحباءَ وعشّاقَ وخُدامَ الكبشِ المبارك الذي ذُبحَ بالفعلِ وأُريقَ دَمُهُ الطاهرِ، مَكْتوبونَ في سفرهِ المبارك منذُ تأسيسِ العالم، وهم لا يدينون إلّا بالدينِ الحقِّ الذي عليهِ نهجُ هذا الذبيح المقدس وهو نهجُ الله عزَّ وجلَّ وصراطهُ المستقيم!.

49: إنَّ كلِّ القِدِّسينَ يقفون في صفِّ الذبيح على مرِّ العصورِ وتعاقبِ الدّهور، ولهم صبرٌ عظيمٌ في وقوفهم هذا مع المظلوم المضطهد في كلِّ زمانٍ ومكان، فهم يصبرونَ على مضضٍ وحُرقةٍ وألمٍ، منتظرينَ أمرَ الباري عزَّ وجلَّ، وكيفَ سيكون!؟.

50: إنَّ السجودَ المشار إليهِ في النصوصِ المتقدِّمةِ من قبلِ الأعمِّ الأغلبِ لأعداءِ الله تعالى وأعداء الذبيح وإطاعتهم ومساندتهم ونصرتهم، هو من قبيلِ ما ذكرهُ القرآنُ الكريم في الذين أُشربوا في قلوبهم محبَّةَ العجلِ، فهوَ لم يكن أمراً إعتباطيّاً، وقضيَّةً عابرةً، بل هذا هوَ دينهم ومعتقدهم، وانما كانَ ذلك وغيرهُ، نتيجةً ما جنَوهُ على أنفسهم بأيديهم الآثمةِ، وأنتَ عليمٌ بأنَّ حُكمَ الله الثابتِ هو كيفما تدينُ تُدانُ، وأن الله تعالى عند ظنِّ عبدهِ إن كان خيراً فخيراً وإن كان شرّاً فشرّاً!. وحسب المنطقِ الربانيِّ في القرآنِ الكريمِ: ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَء وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً([276])، فهو استدراجٌ رهيبٌ لأعداءِهِ عزَّ وجلَّ وأعداءِ أولياءِهِ الصالحينَ، لكي يبلغوا ما سعوا إليهِ جاهدينَ في كلِّ عوالمِ وجودهم المقيتِ، ويحصدوا ما زرعوهُ وفيراً!.

51: تُبيّنُ النصوصُ النسبةَ الكبيرةَ للضلالِ في الأرض، والكلُّ أعداءٌ بجهلهم لله وللذبيحِ المباركِ والقدِّيسين، إذ الجاهلونَ لأهلِ العلمِ أعداءُ، فكيفَ إذا كانَ العداءُ بعلمٍ وسبقِ إصرارٍ وعصبيَّةٍ وحسدٍ كما لايخفى!.

52: والنصوصُ تُبيِّنُ حُكمَ الله عزَّ وجلَّ في الأعداء منذُ البدايةِ، وما يؤولُ إاليهِ أمرهم، فقد جاء في بعضها مثلاً: ﴿10 إن كان احدٌ يجمعُ سبياً فإلى السبي يذهب، وإن كان احدٌ يَقتل بالسيف فينبغي أن يُقتل بالسيف، هنا صبرُ القديسين وإيمانهم*، فقد حكمَ عليهم بمثلِ ما حكموا بهِ على أوليائهِ وأحبابهِ، ويجبُ أن يقعَ ذلكَ حتماً!، وذلك بظهورِ وليِّهِ المدَّخرُ، وهو بقيَّتهُ في أرضهِ التي لا تخلو من حُجَّةٍ أبداً!.

53: يبيّنُ النصُّ أنَّ للذبيح المقدّس أباً مباركاً مقدَّساً، وقد وضعَ اسمَهُ القدِّيسونَ والمخلصون على جباههم، تيمُّناً بهِ وتبرُّكاً، وذلكَ بسببِ استعدادهمُ العجيب وسعيهم في كُلِّ العوالمِ لنصرةِ الحقِّ وأهلهُ، وقد كتبَ اسمَهُ المبارك ربُّهُم الأعزِّ الأجلِّ على جباههم الكريمة بنفسهِ، لأنَّهم أهلٌ لذلكَ!، وهو تشريفٌ ومقامٌ شامخٌ شريفٌ، وذلك لأنَّ اسمهُ المبارك حبيبٌ إلى الله تعالى عظيمٌ في كلِّ العوالم، ولهذا الإسمِ شؤونٌ عظيمةٌ في كلِّ مسيرةِ الحياة لكلِّ المخلوقات، سواءٌ الذين عرفوهُ أو الذينَ لم يعرفوهُ، ولكن من عرفهُ انتفعَ بهِ انتفاعاً عظيماً، ونالهُ الخيرُ الكثير الذي لا يوصف، والبركات التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، بخلافِ الذي حجبتهُ أعمالهُ القبيحةُ عن معرفتهِ، فهو قد يصنَّفُ عدّواً للحقِّ جلَّ سأنهُ بسببِ جهلهِ أو حسدهِ أو حقدِهِ على ذلك الأسمِ المبارك والمسمّى بهِ!.

54: إنَّ أتباع الكبشِ المذبوحِ العظام لهم عبادةٌ خاصةٌ لا يعرفها غيرهم، بل ولا يهتدي إليها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ. وهم الذين اشترَوا أنفسهم لله تعالى، ولم تأسرهم الدنيا بغرورها، ولم تخدعهم أنفسهم بخيانتها وبجنايتها أبداً، فهم أهلُ الزُّلفى عندَ الباري جلَّ شأنهُ.

55: (وفي أفواههم لم يوجد غشٌّ لأنهم بلا عيبٍ قدامَ عرش الله...الخ)!: وهذا تنـزيهٌ مباركٌ مهمٌّ، وتزكيةٌ عظيمةٌ، لأتباعِ المذبوحِ في الله عزَّ وجلَّ وأنصارهِ الميامينَ وأحبائهِ، وشهادةٌ لهم من ربِّهم بطهارتم عن كلِّ رجسٍ وعيبٍ ونقصٍ، وليسَ بينهم وبين العرش المقدّس حاجبٌ ولا بوّاب، وذلك كلُّهُ ببركةِ الكبشِ المذبوح ومقامهِ وقربهِ من الله عزَّ وجلَّ، وشفاعتهِ العجيبةِ لهم عند الله عزَّ وجلَّ!.

56: وكانَ لزاماً أنْ تذكرَ النصوصُ هنا موضوعَ (شراءِ النفسِ لله تعالى) وهو كذلك، لمناسبةِ ذكرِ أبِ الكبش المذبوح ووالدهِ المبارك، للعُلقةِ المتينةِ، والرابطةِ الوثيقةِ، بينَ والدِ الذبيحِ وبينَ بيعِ نفسهِ لله تعالى، وهي حقيقةٌ قرآنيّةٌ أيضاً، وفي طيّاتها أسرارٌ مقدَّسةٌ لها أهلها!، فقد علَّمَ هذا المباركُ العظيمُ الوجودَ بأسرهِ حقيقةَ شراءِ النفسِ لله تعالى، تعليماً واقعيّاً عمليّاً لا نظريّاً، فقد جاء في محكمِ الكتابِ العزيز قولهُ سبحانهُ وتعالى:﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وَالله رَءُوفٌ بِالعِبَادِ([277]). والسِّرُّ يكمنُ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ الشريفةِ ومناسبةِ نزولها، والمستحقِّ الأصليّ المعنيّ بهذهِ الآيةِ أوّلاً، فهو معلِّمُ الخلق أجمعين كيفيّة الشراءِ لله، وكيفيّة بيع كلّ وجودهِ للحقّ عزَّ وجلّ. هذا وقد فصّلَ الحقُّ تباركَ وتعالى موضوعَ الشراء في مكانٍ آخرَ من كتابهِ الكريم، لكي يتَّضح لكلِّ ذي لُبٍّ أو شيءٍ من عقلٍ!([278]). هذا وقد بيَّن عزَّ وجلَّ قدسيَّةَ وطهارةَ هؤلاء الميامين، بعدَ أن أوضحَ وبيَّنَ مَن هوَ زعيمهم الروحيّ ومقامهُ المعنوي عندهُ تقدَّست أسماءُهُ، حيث كتبَ اسمَهُ الشريف على جباهِ الصِّدّقينَ والصالحين والأولياء، لأنَّهُ قد اشتقَّ لهُ اسماً من أسمائهِ الحسنى وسمّاهُ بهِ، لعِظَمِ شأْنهِ عندهُ، فتباركَ ذلكَ الأسمُ والمسمّى!. هذا وقد أعلنَ ذلكَ هو بنفسهِ المقدَّسةِ  ـ أي المشتري الأعظم لله جلَّ شأنهُ، فراجع!([279]). هذا وفي مقامٍ وفي حالةٍ من حالاتهِ الشريفةِ المباركةِ، نراهُ في مقامٍ آخر كيفَ يناجي المولى تباركَ وتعالى بالدعاءِ الذي حفظهُ ورواهُ عن الخضرِ علیه السلام ، فيصيحُ بيدينِ مرتعشتينِ وعينينِ جاريتينِ!([280]). وبعدُ، فانَّ حياةَ هذا الوليُّ الصالح، ومعرفةُ مقاماتهِ عند الحقِّ سبحانهُ وتعالى لجديرةٌ بالإهتمامِ والدراسةِ المعمَّقةِ حقّاً، وذلك لأنها تقودُ حتماً إلى معرفةِ الله عزَّ وجلَّ، فهو انعكاسٌ لنورهِ الأعظمِ!.

57:إنَّ أتباعَ الكبشِ المذبوح قد اتَّبعوهُ خطوةً اثرَ خطوةٍ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ وفي كلِّ العوالمِ التي مرّوا ويمرّونَ بها!، لاعتقادهم الراسخ بهِ، وبطريقهِ الأقوم الموصلِ إلى الله عزَّ وجلَّ من غيرِ تيهٍ وضلالٍ!.

58: وتحملُ النصوصُ البشارات الأبديةِ المباركةِ لكلِّ الشعوب والأُمم، وهي موضوعُ حُكمِ الله الأتمِّ والأكمل وهو لا يكون إلّا بواسطةِ وليّهِ وبقيَّتهِ في أرضهِ في يومهِ الموعود، والذي هو الإمتدادُ الطبيعيِّ للذبيح الأعظمِ. وهذهِ من الحقائقِ والعقائدِ المهمَّةِ التي يجبُ الوقوفُ عليها، والتأمُّلُ فيها مليّاً!([281])!.

59: ويبدو واضحاً من النصوصِ المقدَّسةِ أنَّ يوم الملكوت الذي ذُكِرَ كثيراً في الكتب السماويَّة هو يومُ الله الأكبر، وهو يومُ النصر النهائيّ المؤزَّر، وقد أشار الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿يُريدونَ ليُطفؤا نورَ الله بأفوههم والله مُتمُّ نوره ولو كرهَ الكفرون. هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودين الحقّ ليُظهرَهُ على الدين كله ولو كَرهَ المشركون([282]). وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيداً﴾([283]). وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾([284]). وقوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ...﴾([285]). وقوله تعالى: ﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ ﴾([286]). وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([287]). وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾([288]).

60: (إن كان احدٌ يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده. فهو أيضاً سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً في كاس غضبه و يعذب بنار...الخ)!: ولموضوعِ أعداءِ الله تعالى وأعداءِ أحبائهِ الطاهرين بيانٌ مهمٌّ حسب النصوصِ، فهم لهم سمَةٌ ويحملون على جباههم اسمَ زعيمهم وقائدهم في كلِّ عوالم ضلالهم وغيّهم ولقد أمهلهم الباري عزَّ وجلَّ برحمتهِ التي وسعت كُلَّ شيءٍ، ولسعةِ حلمهِ، ولكنَّ كلَّ ذلكَ انقلبَ بسببِ فعالهم إلى إستدراج لهم، وأمدهم في طغيانهم فهم يعمهون!، فكانت عاقبتهم مريرة!.

61: (ثم تبعهما ملاك ثالث قائلاً بصوت عظيم إن كان احدٌ يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده* فهو أيضاً سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً في كأس غضبه ويعذب بنار وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف* ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ولا تكون راحة نهاراً وليلاً للذين يسجدون للوحش ولصورته ولكل من يقبل سمة اسمه * هنا صبر القديسين، هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع): إنَّ الكبش المذبوح يجب أن يشهدَ وإلى جنبِهِ الملائكةُ المقرَّبون عذابَ المجرمينَ والكافرين والمنافقين الذين اختاروا بأنفسهم طريقَ الغيِّ والبغي والضلالِ، وواصلوا حربَ الله وأولياءهِ إلى النهايةِ. وأشادَ النصُّ بصبرِ المقدَّسين المباركين وهم أتباعُ المذبوح في الله تعالى وأحبائهِ الذين حفظوا الأمانةَ والوصيَّةَ والإيمان النقيّ، الذي ورثوهُ بجدارةٍ عنِ السلالةِ المقدَّسةِ الطاهرة المباركةِ التي حفظت الأمانةَ ودينَ الله تعالى بدمائِها الزاكيةِ ومهجها الشريفةِ!.

62:(ثم رأيت آية أُخرى في السماء عظيمة وعجيبة سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الأخيرة لأن بها أُكملَ غضب الله): إنَّ هذا النصَّ وغيرهُ أيضاً مختصٌّ بأحداثِ آخرِ الزمان، وهو مستقبَلٌ بالنسبةِ لزمنِ صدورِ هذهِ النصوصِ، ويحكي تفاصيلَ حُكمِ الله تعالى، وتعاملَهُ معَ الأُممِ والشعوبِ التي تقتضيهِ حكمتهُ تعالى، وقوانينَ تأديبيَّةِ لعمومِ خلقهِ عزَّ وجلَّ، وكيفَ سيكونُ التأديبُ آخرَ الزمانِ، وبأيِّ طريقةٍ!؟.

63: (ورأيت كبحر من زجاجٍ مختلطٍ بنارٍ والغالبين على الوحش وصورته وعلى سمته وعدد اسمه واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله...الخ)!: إنَّ الذين انتصروا على مكائدِ عدوِّ الله الأعظم، وغلبوهُ ببركةِ الخروفِ أي الكبشِ المذبوح، وإمدادهِ الغيبي لهم، ورعايتهِ لهم، أُعطوا كراماتٍ وحبواتٍ من الله تعالى، منها مناجاتَهُ وقربَهُ والحديثَ معهُ وأُعطوا وسائلَ وأسرارَ ذلك، وأُعطوا فوقَ ذلكَ الكثيرَ الكثيرَ، والذي لا يعرفهُ إلّا المعطي والمفيضُ جلَّ شأنهُ الأقدس!.

64: (وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف قائلين عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين*. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لأن جميع الأُمم سيأتون ويسجدون أمامك لأنَّ أحكامك قد اظهرت): يُثبتُ هذا النصُّ وغيرُهُ من نصوصِ الأسفارِ المقدَّسةِ بأنَّ هناكَ صلةً وعُلقةً وثيقةً وفريدةً من نوعها للذبيحِ الأعظمِ معَ كُلِّ الأنبياءِ والرسل علیهم السلام  كما يتبيَّنُ جليّاً من النصوصِ التي تعرضنا لها. وهنا يثبتُ هذا النصُّ أنَّ ترتيلَ موسى الكليم علیه السلام  وترنيمتَهُ المباركة هي نفسها ترنيمةُ الكبشِ المذبوحِ، وترتيلهُما واحد، ودعاءُهما واحدٌ، وعلمهما واحدٌ، إذ المنبعُ والمنهلُ واحدٌ، والمعينُ الصافي الزلالُ واحدٌ!، بل لأنَّ الجميعَ، بمن فيهم الأنبياءُ والرسلُ، قد أخذوا من الذبيح وتلقَّوا الفيضَ الربانيَّ بواسطةِ هذا المقدس المبارك وعبرهُ في كلِّ العوالمِ!، منَ الذي قد ذُبحَ في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ إذ قد عمَّ جودهُ وكرمهُ كُلَّ العوالم.. وقد جاء ذلك في اشاراتٍ مهمَّةٍ للذينَ يريدونَ المعرفةَ الحقَّةِ ويسعَونَ إلى أصلِ ما ينفعُ الناسَ ويذرونَ الزَّبَدَ خلفَ ظهورِهِم!([289]).

65: أكدت النصوص المقدسة على حتميّةِ النصرِ المؤزَّرِ لذبيحِ الله وأنصارهِ الميامين في كلِّ عصرٍ وزمانٍ، وهوَ النصرُ المعنويُّ والروحيُّ والنفسيُّ، وفيهِ نيلُ درجاتِ القربِ والمنازلِ الرفيعةِ عندَ الحقِّ جلَّ شأنهُ، وذلكَ بالصبرِ العظيمِ، والجهادِ بالجسيمِ، في كلِّ الأحوالِ والأحداثِ!، وأكَّدت أيضاً بشكلٍ مباشرٍ على النصرِ النهائيِّ الحاسمِ في آخرِ الزمانِ، وكيفَ سيكونُ نصراً معنوياً روحياً، وكذلكَ ماديّاً أيضاً وهو الإنتصارُ الكبيرُ في عالمِ الدنيا!، هذا وقد رسمت لهذا النصر الإلهيِّ المبارك صوراً رائعةً فريدةً من نوعها في عظمتها وجمالها!.

66: (ورأيت المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع فتعجبت لما رأيتها تعجباً عظيماً...الخ)!: وهي كنايةٌ بالغةٌ عما تعرَّضَ لهُ المقدَّسون والشهداءِ عليهمُ الصلاةُ والسلام من إبادةٍ وظلمٍ منقطعِ النظير، والسكرُ من دمائهم دلالةٌ على التشفّيّ والحقد الذي مارسهُ عدُّوهم اللدود ضدَّهم، وهو محيِّرٌ وعجيب جدّاً، فهوَ يُنبيءُ عن حسدٍ وحقدٍ معتَّقٍ قَلَّ نظيرهُ في كلِّ عوالمِ الوجودِ!.

67: (وسيتعجب الساكنون على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ تأسيس العالم...الخ)!: وهذا السفر المبارك الذي ذُكِرَ مراراً وتكراراً في الأسفارِ المقدَّسةِ، هو سفرُ ذبيحِ الله الأعظم، وهو كتابهُ الخاصُّ بهِ ودفترهُ وديوانهُ...الخ، الذي فيهِ أسماءُ محبيهِ ومريديهِ وأتباعه وخدامهِ وعشاقهِ منذُ تأسيسِ العالمِ وإلى انقضاءِهِ، فقد دوِّنت تلكَ الأسماءُ المباركة وختمت بختمٍ من ذهبٍ ليسَ من أختامِ الدنيا، فهمُ المباركونَ!، وأما غيرهم فسيُبهرونَ حتماً بتلكَ الأحداثِ وحينَما يرونَ المقامَ الشامخ والدرجات الرفيعةِ لأُلئكَ الكرامِ البررةِ!، فيالها من حسرةٍ لا تنقضي أبداً، ويالهُ من خسرانٍ مبينٍ!، وقانا الله وإياكم شرَّ تلك الحسرة والخسران بلُطفهِ ومنِّهِ العظيم، إلهي آمين!. هذا وقد سمَّت الروايات الشريفة الواردة عن النبيِّ الأكرم وآلهِ الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وما تواتر عند أصحابهم وعشّاقهم هذا السفر المبارك بـ(الديوان، الكتاب، الدفتر، السفط، السجل).

68: (هؤلاء لهم رأي واحد ويعطون الوحش قدرتهم وسلطانهم* 14 هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون...الخ)!: وهو إجماعٌ لا ينفكُّ وتحالفٌ عجيبٌ عِبرَ العوالمِ على حربِ الكبشِ المبارك في كلِّ الدهورِ والعصور، حرباً لا هوادةَ فيها أبداً!، ولكن النص هنا وبقيَّة النصوص كذلك يشيرُ إلى النصرِ الإلهيِّ المؤزَّر في آخرِ الزمان وذلك لورود سينُ الإستقبال الواضحةِ في هذا النصِّ وغيرهِ، ولأنَّ روحَ النصوصِ كذلك، وما عليهِ العقلُ والنقلُ والوجدان في كلِّ الأديانِ السماويةِ!. وكذلكَ تبيِّنُ النصوصُ ما يكونُ عليهِ في الحروبِ الأخيرةِ في الأرضِ ضِدَّ الحقِّ وأهلهِ، ووراثتها لأحبابِ الكبشِ المذبوح. والنصوصُ واضحةُ الدلالةِ في كثيرٍ من فقراتها أيضاً في النصرِ النهائيِّ الحتميِّ، وتجلّي الاسم الأعظم لجبارِ السماواتِ والأرض على حبيبهِ ووليِّهِ المذبوح في حُبِّهِ ومن أجلِ دينهِ وأحكامهِ ومن أجلِ إنقاذِ الأممِ والشعوبِ!.

69: ونرى في النصوص أيضاً تكرُّرَ اسم (رب الأرباب وملك الملوك)، وهو تارةً يُعطى للمنقذِ الأعظمِ عليهِ الصلاة والسلام الذي يظهرُ في آخر الزمان، وأُخرى للكبشِ المذبوح في الله!، فهما مظهرٌ لاسمٍ واحدٍ، ولا فرقَ بينهما أبداً، فهما نورٌ واحدٌ!.

70: ووصَفَت النصوصُ أنصارَ الذبيحِ الأعظمِ الذينَ معهُ، أي المرابطونَ معهُ على السرَّاءِ والضرَّاءِ، وفي كُلِّ تقلُّباتِ العصورِ والدُّهورِ، وترادفِ الإمتحاناتِ العسيرةِ، بأنَّهم مدعوُّونَ في كلِّ العوالمِ، مصطفوونَ من قبلِ الله تعالى، ومختارونَ من بينِ جميعِ الخلائقِ بعلمِ الله عزَّ وجلَّ الأزليِّ السابقِ!، ومؤمنون حقَّ الإيمانِ الذي يحبُّهُ ويرتضيهِ الباري جلَّ شأنُهُ الأقدس!، وكان اختيارهم بحقٍّ واستحقاقٍ!، فقالت في بعضِ فقراتها: (والذين معهُ مدعوُّون ومختارون ومؤمنون...الخ!)، فهم كذلك كما عرفناهم بالوجدانِ!، فهنيئاً لهم هذا المقام الشامخ، والشرف الباذخ، وهذا الثناء الجميل من جبّارِ السماواتِ والأرضِ، ويالها من حسرةٍ لا تنقضي لأعدائهِ المارقين!.

71: وأكدت النصوصُ على أنَّ الذبيح المبارك هو الفاتحُ الأعظمُ لخزائنِ أسرارِ الربِّ الودود جلَّ شأنهُ المنيف، وقد قامَ فعلاً في عالمِ الحقِّ والإستحقاقِ من وسطِ الأنبياء والرسلِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ، ولكنَّ قيامهُ هذا كانَ مؤلماً ومبكياً وباعثاً للحُزنِ والأسى لجميعِ الخلقِ الخيّرِ في كلِّ العوالمِ وأولهمُ الأنبياء والرسلِ ومن هو في مرتبتهم!، وذلكَ لأنَّهُ قامَ بالهيئةِ التي ذُبِحَ فيها، وبالحالةِ التي انتُهكت فيها حرمتُهُ...الخ!.

72: (ورأيت على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء...الخ)!: إنَّ هذا السفرُ المبارك كُلُّهُ وجهٌ وليسَ فيهِ ظهرٌ أبداً، وكلُّهُ يمينٌ لا شمالَ فيهِ!، وكلّهُ يمنٌ وبركةٌ وليسَ فيهِ غير ذلكَ!، وهو كذلك، ويجبُ أن يكون هكذا!، لأنّهُ يحكي صاحبهُ الذي استوى على العرش، وحكمَ الوجودَ بالرحمةِ والرأفةِ المطلقةِ تقدَّست أسماءُهُ!، وأنتَ عليمٌ! بأنَّ الإستواء على العرشِ ليسَ بمعنى الجلوسِ الماديِّ الذي يتبادرُ للأذهان للوهلةِ الأولى، بل هي إشارةٌ بليغةٌ واضحةٌ للقوَّةِ والقدرةِ والسلطانِ وهي من صفاتِ الله عزَّ وجلَّ الذاتيَّةِ!.

73: وهذا السفرُ المبارك مختومٌ بسبعةِ خُتومٍ مباركةٍ هي الأسرارِ المباركةِ لبدءِ الخليقةِ والغايةِ منها، ووسائطِ فيضهِ إلى كلِّ مخلوقٍ في الوجود!، وعددُها سبعةٌ لا تزودُ ولا تنقص أَبداً!، فمن أزادَ أو أنقصَ فيها فهو لم ولن يعرفَ من سرِّ الله ولطفهِ وجمالهِ وحسنهِ وبهائهِ وعظمتهِ وكذا سخطهِ وغضبهِ شيئاً أبداً!، وعليهِ فتكون المعرفةُ لديهِ ناقصةً، فلن يتمكَّن أبداً من شكرهِ وحمدِهِ على عظيمِ نِعَمهِ أبداً كما ينبغي، وكما أرادَ الباري عزَّ وجلَّ، لأنَّهُ لم يعرفها بعدُ!، إذ هو لم يزلْ في التيهِ والبعدِ يتخبَّط!.

74: وانَّ حتميَّةَ ولابُدّيَّةَ هذهِ المعرفة بالنسبةِ لنا، هي ليست كما يعرفها الذَّبيحُ المباركُ، لأنَّ علمَهُ بها كانَ حضوريّاً، يقينيّاً، ويُعبَّرُ عنهُ بالنفسِ الأمري!، فالأسماءُ والأسرارُ كانت حاضرةً بين يديهِ، وتعيشُ معهُ، وذكرها وشؤونها مستقرَّة في قلبهِ الشريفِ!.

75: والختوم السبعة التي هي رمزُ وسِرُّ فتحِ هذا السفرِ المبارك، هي أَحبُّ وأعزُّ شيءٍ لمليكِ السماواتِ والأرض، والأقربُ إلى ذاتهِ المقدَّسة، وهي الأسماءُ المباركةِ المطهَّرةِ، وجمعُها من حيث الاسمِ والشكلِ والصورةِ سبعةٌ فقط لا غير!، ونعتذر عن الإفصاحِ عنها هنا، لصعوبةِ الحالةِ الحميريةِ والكلبيَّةِ المستحكمةِ والمستشريةِ عندَ الكثيرِ مِنّا، التي عرفتها في بحثنا هذا وقد تقدَّمَ سَبرُ أغوارها، فارجعْ إليها لكي تفرَّ منها وتهربَ منها هروبكَ من الأسدِ الضاري!، وسنُبيِّنُ بعضَ أسرارها في بحثِ آخرَ مستقل بعونِ الله تعالى، ولكن يبقى أن نقول بأنَّ للأسماءِ أهلها، والعارفونَ بها، وهمُ السُّعداءُ بحضوتهم الكبرى هذهِ، فهم يعيشونَ في جَنَّتها الفردوسيَّةِ العليا وهم بعدُ في عالمِ الدّنيا!.

76: ومعرفةُ الأسماءِ وهي الأسرارُ السبعة بكُنهها كان سرّاً دفيناً لا يعرفهُ إلّا الذبيحُ الأعظمُ، ولكن بفضلهِ وجودهِ وكرمهِ استطاعَ بعضُ الخلقِ بعدَ ذلكَ الوقوفَ على شيءٍ من أسرارها ومقامها ونورها!. ونعتذر عن ايضاحِ شيءٍ من نورها وكُنهها ولو يسيراً، إذ لابدَّ من مقدِّماتٍ لذلك!، وينبغي أن يكونَ لها بحثٌ خاصٌ بها ومناسبٌ لها، مستوعبٌ لكلِّ ما يدورُ حولها، إذ نرى من العيبِ أن نطرقها على نحوِ العجلةِ والسرعةِ!، ولكن بهذا البيانِ المقتضب وما مرَّ عليكَ، يبينُ الصبحُ لذي عينيين، ان شاءَ الله تعالى!.

77: أكَّدت النصوصُ المقدَّسة أنَّهُ قد نُوديَ في عالم الحقِّ والإستحقاقِ، وبصوتٍ عالٍ، في جميعِ الخلقِ: مَن يستطيع التشرُّف بمقامٍ وَترٍ فريدٍ من نوعهِ، ومن هو كفؤٌ لحلِّ رموزِ هذا السفرِ المباركِ، وفتحهِ عن ثقةٍ وجدارةٍ ونفسٍ مطمئنَّةٍ راضيةٍ مرضيَّةٍ، وباقدامٍ منقطعِ النظيرِ!، إذ أَنَّ هذا المقامُ الفريدُ، وهذا السفرُ الوحيدُ، هو مكتوبٌ وموسومٌ ومُمضى من قبلِ علامِ الغيوب عزَّ وجلَّ باسمِ صاحبهِ، وصاحبهُ هذا هوَ سرُّ الأسرارِ، وقطبُ عالمِ الأنوارِ، وهوَ السراجُ في التوراةِ والإنجيلِ والزبورِ وهو المصباحُ في القرآنِ الكريم...الخ!، هذا وقد خطَّ الباري سبحانهُ ذلك بقلمِ قدرتهِ على عرشهِ العظيمِ!.

78:: لم يستطع أي أحدٍ لا من الجنِّ، ولا من الإنسِ، ولا من الملائكةِ، ولا من سكّانِ السماواتِ، بل وكلُّ الخلق، وكلُّ ما سوى الله تعالى، أن ينظرَ إلى هذا السفرِ المبارك الشريفِ، فضلاً عن أن يفتحهُ، وعجزت كلُّ الخليقةِ عن ذلك بأسرها!، إلّا المعنيُّ الأوحد،وهوَ من أعدَّهُ الله لذلك، وصنعهُ على عينهِ، واسطنعهُ لنفسهِ المقدَّسةِ المباركةِ!، فهو المؤهلُ الوحيد لهذه المهمَّةِ الإلهيِّةِ الكبرى التي ستتوجُ جهودَ الأنبياءِ والأولياءِ بالنجاحِ الباهرِ والإنتصارِ العظيمِ!.

79: والبكاءُ عليهِ ولأجلهِ التي أكَّدت عليهِ النصوص المقدَّسةِ التي مرَّت عليكَ ووقفتَ عليها، وكانَ منَ الجميعِ، وأوّلهم الأنيباءُ والرسلُ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ، مناسبٌ جدّاً في كُلِّ العوالم، ولكلِّ العوالم، لأنَّ موضوعهُ ـ أي البكاءُ على هذا الذبيحِ المباركِ وبالهيئةِ التي ظهرَ فيها ـ قد حضر وبانَ، ووقفَ عليهِ الجميع، وهو بدايةُ السرِّ، والبكاءُ الكثيرُ يناسبُ هذا المقام، كما أوضحتهُ النصوص المقدَّسة، إذ أنَّ البكاءَ رافقهُ في كلِّ العوالم على الإطلاق، وما خلا منهُ عالمٌ قط!. وكانَ هذا البكاءُ ملؤهُ الشحى والأسى واللوعة!.

80: الأسدُ الإلهيِّ الشجاعُ والمنتصرُ في كلِّ العوالم، لبسالتهِ وقوَّتهِ في طاعةِ الله، وشدَّتهِ في ذاتِ الله تعالى، غلبَ الجميعَ حسب درجة قربهِ ويُمنهِ وبركتهِ، وبكلِّ جدارةٍ، فهو المستحقُّ الوحيدُ لفتحِ هذا السفرِ المقدَّس، وللنظرِ لما فيهِ، وفكِّ أسرارهِ العظمى، والعمل بموجبِ كلِّ ذلك!، فيالهُ من مقامٍ كريمٍ لم يصلْهُ أحدٌ من الخلقِ مطلقاً!، وليس معنى هذا الحطُّ من مقامِ البعض إذا ما قورِنَ بهِ، وإنما تريدُ النصوصِ المقدسة ابداء خصوصيّاتٍ تفرَّدَ بها هذا المبارك الميمون!.

81: وهذا الأسدُ الغالبُ كما تؤكدُ النصوص، هو فرعٌ مباركٌ من شجرةِ النبوَّةِ والعصمةِ والطهارة، وقد بيَّنها الباري عزَّ وجلَّ في كتبهِ السماويةِ المقدَّسةِ، وقد أشرنا إليها بشيءٍ من البيان. وقد قامَ من وسطِ الأنبياءِ العظامِ والرُّسلِ الكرام، وهذا التعبيرُ واضحُ الدلالةِ، غَنيٌّ بالأسرارِ!.

82: (ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروفٌ قائمٌ كأنَّهُ مذبوحٌ له سبعةُ قرون وسبع أَعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض): إنَّ قيامهُ من وسطِ الأنبياءِ والرسلِ عليهمُ السلامُ لهُ معنىً عميقٌ جدّاً، فهو من وسطهم ومن بينهم ومنهم وإليهم، وقد صُنِعَ بدعائهم المبارك وتضرّعهم الخالص مصحوباً بدموعهم الغزيرةِ في تلكَ المواقفِ الكريمةِ ومنها الموقفُ الذي نحنُ بصددهِ!. وهو يترائى في ذلك العالم كأنَّهُ مذبوح، وكلُّ ما فيهِ كنايةٌ عن مقامهِ الرفيع وطاقاتهِ الروحيةِ الجبّارةِ!، فهو يوصلُ فيضَ باريهِ عزَّ وجلَّ إلى جميعِ العوالمِ دون استثناءٍ، فهو واسطةٌ كبيرةٌ بينَ حبيبهِ المطلقِ الجالسِ على العرشِ وعومِ المخلوقات!.

83: لقد تناولَ هذا الذبيحُ المباركُ، السفرَ المقدَّس عن يمينِ صاحبِ العرشِ العظيمِ، فهو يأخذُ منهُ بدونِ أيِّ واسطةٍ تُذكرُ!، وليسَ بعدَ هذا القربِ مقامُ قربٍ نعرِفهُ في هذا الوجود أبداً!.

84: (ولما أخذ السفر خرَّت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخاً أمامَ الخروف): خرّوا لله سُجَّداً، وكانَ الذبيحُ قبلةً لهم في تلكَ العوالمِ، وكان منهم ذلك تعظيماً وتكريماً لهُ، واعترافاً بفضلهِ، وسموِّ روحهِ، ومقامهِ في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ!، وقد عرفوهُ بتلكَ المقامات الجليلةِ!.

85: (وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه...)!: إلى هنا فقد بدأت عندهم عبادةٌ جديدةٌ في تلكَ العوالمِ المجرَّدةِ الشريفةِ، وهي تقومُ على أساسِ تمجيدِ الكبشِ المذبوحِ، والتوسلِ بهِ إلى الله تعالى، وذكرِ شؤونهِ وفضائلهِ ومقاماتهِ واستحقاقاتهِ، وتكرُّمهِ بحملِ الأعباءِ الكبيرةِ، ونجاحهِ الباهرِ بأداءِ الرسالةِ العظمى، وتنفيذ ما رسمهُ الباري بدقَّةٍ فائقةٍ، وشجاعتهِ الكبيرةِ في حملِ الأمانةِ العظمى التي عجزت عن حملِها الجبالُ الرواسي!.

86: (لأنك ذُبحتَ واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأُمة): التصريحُ بالحقيقةِ الدامغةِ هنا وهي ـ ذبحُهُ في سبيلِ الله المعروفةِ والمتيقَّنةِ في كلِّ العوالم ـ وبهذا التعبير الصادعِ بالحقِّ والحقيقةِ، وبهذا النوعِ من الفهمِ والإعتراف بفضلهِ، والتحنُّنِ إليهِ، والتودُّدِ إليهِ، والتقرُّبِ منهُ، دليلٌ على أنَّ كلَّ العوالمِ مدينةٌ لهُ بكلِّ شيءٍ وبكلِّ ما تملُك، وما كانَ من خيرٍ وبركةٍ فهو ببركةِ دمهِ الذي أُريقَ وسالَ على الأرضِ، وسكنَ في الخُلدِ،!، وكانَ ذلكَ الدّمُ الطاهرِ، وتلكَ الواقعةِ الأليمةِ بمنظرٍ ومسمعٍ من الله تعالى، وقد تقبَّلهُ رَبُّهُ بقبولٍ حسَنٍ وأنبتهُ نباتاً حسناً!.

87: إنَّ الكبشَ المذبوح في الله عزَّ وجلَّ ليسَ حكراً على طائفةٍ معينةٍ أو ملَّةٍ أو دينٍ معيَّنٍ أبداً، بل هوَ وُجدَ للجميعِ، وعمَّت بركتهُ الجميعَ، وذلك لأنهُ متخلِّقٌ بأخلاقِ ربِّهِ الأعزِّ الأجلِّ الأكرم، فحبيبهُ الأصليُّ هو صاحبُ العرش والكرسيِّ العظيم، وروحُ هذهِ النصوصُ توحي هذهِ الحقائقِ الدامغة، فضلاً عمّا مرَّ بكَ ووقفتَ عليهِ من نصوصٍ دلَّت على ذلكَ بصورةٍ مباشرةٍ!.

88: (وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنةً فسنملكُ على الأرض): وصفٌ للإنتصارِ العظيمِ في آخرِ الزمان، وهو تمامُ مشروعِ الله المقدَّسِ في الأرضِ، الذي سَعى لهُ جميعُ الأنبياءِ والرسلِ والأوصياءِ وأتباعهم علیهم السلام ، وقد أُبيدوا بأجمعهم في هذا السبيل، وكانت أعينهم عندَ رحيلهم وكذا قبلَ رحيلهم ترنوا اليهِ وتتلهَّفُ الى ذلكَ اليومِ الموعود.

ولكنَّ الشرارة العظمى وبيرقُ هذا النصر وشعارهُ هوَ الكبشُ المذبوح وما قدَّمهُ من تضحيةٍ فهوَ الذِّبْحُ العظيم، وستكونُ وراثةُ الأرض بيدِ أوليائهِ وأحبائهِ وأنصارهِ السالكينَ نهجهُ الشريف المبارك رغمَ أُنوفِ الأبالسةِ والشياطين والظالمين!.

هذا وقد وَعَدَ الله تعالى هؤلاءِ الكرام بذلك النصرِ العظيم، حيثُ قال في محكمِ كتابهِ الكريم: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ)([290]). وقال عزَّ وجلَّ: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوَارِثِينَ)([291])، والإشارةُ في وراثتهِ سبحانهُ وتعالى دقيقةٌ وعجيبةٌ وواضحةٌ، وهي تعني وراثةَ أوليائهِ وأحبائهِ، فملكُهُم ملكَهُ، وحكمُهُم حكمَهُ، ووراثتهم وراثتهُ عزَّ وجلَّ!.

89: (ونظرت وسمعت صوتَ ملائكةٍ كثيرينَ حولَ العرشِ والحيوانات والشيوخ وكان عددهم رَبَوات رَبَوات وألوف ألوف. قائلين بصوت عظيم: مستحقٌّ هو الخروف المذبوح...الخ). وهو اعترافٌ جمعيٌّ في الملإِ الأعلى بالشرف الباذخِ والطَولِ الشامخِ للكبشِ المذبوح وفضلهِ على الجميع بدونِ استثناءٍ أبداً!، وهذا ديدنهم في تلكَ العوالم، بلْ هيَ عبادةٌ شريفةٌ لأنهم معصومون لم يتفوَّهوا بغيرِ الحقِّ أمامَ بارئهم سبحانهُ وتعالى، وفي محضرِ قربهِ المبارك، وكانَ كلّ ذلك برضى ومحبَّةِ الله عزَّ وجلَّ، وهو يجري وفقَ مشيئةِ المولى عزَّ وجلَّ.

90: (مستحقٌّ هو الخروف المذبوحُ أن يأخذَ القدرةَ والغنى والحكمةَ والقوةَ والكرامةَ والمجدَ والبركةَ...الخ!): استحقاقهُ عندَ ربهِ تبارك وتعالى أن يمنحهُ صفاتهُ وأسماءَهُ، ويكونَ مشتملاً على نورِ ربهِ الأعظمِ، وخازناً لهُ، وعاكساً لهُ على جميعِ مخلوقاتهِ، فقد أضفى عليهِ مولاهُ عزَّ وجلَّ نورَهُ الأتمِّ وبهاءَهُ الأعمِّ لينالَ هذا المقام السامي الشريف.

91: (وكلّ خليقةٍ مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلةً: للجالسِ على العرشِ وللخروفِ البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبدِ الآبدين): وها هوَ يُعطى كلَّ البركةِ والكرامةِ والمجدِ والسلطانِ الربانيِّ إلى أبدِ الآبدين بكُلِّ جدارةٍ وحزمٍ، وقد شهِدَ جميعُ الخلقِ لهُ في تلكَ العوالمِ النورانيَّةِ، وكفاهُ بذلكَ فخراً، ولكنهُ ليسَ كما نظنُّ نحنُ فهوَ مستأنسٌ بقُربِ الله وذائبٌ في نورهِ العظيمِ، وإنما تمجِّدُهُ الخلائقُ بأسرها لأنهم وعَوا أمرَهُ عندَ الله سبحانهُ وتعالى، فهي عبادةٌ ليسَ لها مثيلٌ، وتقرُّبٌ بهِ إلى الله عزَّ وجلَّ، وإلّا كانت الملائكةُ وغيرهم في شُغلٍ شاغلٍ عن كُلِّ ذلك!.

92: (وكانت الحيوانات الأربعة تقول آمين والشيوخ الأربعة والعشرون خرّوا وسجدوا للحيِّ إلى أبدِ الآبدين...الخ!): وكانَ هذا السجودُ لله تبارك وتعالى طاعةً وعبادةً ومحبَّةً وتقرُّباً، وكان قبالةَ الكبشِ المذبوح الجالس عن يمين العرش وبحضورهِ، فهو لاينفكُّ عن هذا المكان منذُ أن أنعمَ عليهِ الباري بهِ، فهو ينظرُ الى الجميعِ من ذلكَ المكان الشريفِ المقدّس، ويطلُّ عليهم، وسيتبشرُ بأنصارهِ ومريديهِ، وهو يرعى العوالمَ بأسرها، وهي تحتَ نظرهِ الشريفِ، وقد جعلهُ المقرَّبونَ قبلةً لهم ووسيلةً لهم في تلكَ العوالمِ الكبيرةِ لنيلِ رضا ومحبَّةِ الله تباركَ وتعالى!.

93: تُمثِّلُ هذهِ النصوصُ إجمالاً بديعاً، وإيجازاً وسيعاً، لأنها متعلِّقَةٌ بفضاءِ الوحيِ الرباني، لأَحداثِ المسيرةِ الحياتيَّةِ المهمَّةِ لهذهِ الحياةِ الدنيا الخاصَّةِ بعالمِ الإنسانِ أوَّلاً وبالذات فهو المحورُ والمنتقى والمجتبى، وبعوالمِ الخلقِ الأُخرى بأسرها، وارتباطِ كُلِّ ذلكَ بعالمِ المعنى، الذي لا تحدُّهُ حدودٌ ولا قيودٌ إلّا قوانينهُ الخاصَّةِ بهِ التي منحهُ إيّاها بديعُ السماواتِ والأرض، ولكن المحور الأساسيّ فيها، وقطب الرحى فيها هو الذبيحُ الأعظم، فهو الفاتحُ لكلِّ أبوابِ الخيرِ على الإطلاقِ!.

94: إنَّما كانَ الفتحُ كُلَّ الفتحِ بواسطةِ الكبشِ المذبوح، وذلكَ لأنهُ هوَ الفاتحُ الأعظم!، وبالتالي فإنَّ فيضَ العلومِ الربانيَّةِ والنعمِ كانت بواسطتهِ لا محالة!. وليسَ بوسعنا الإسترسال هنا، ولكن نُبيّنُ هنا نقطةً من بحرٍ وغيظاً من فيضٍ لأهلها الطالبينَ لها، فنقول: لقد وردَ متواتراً في الموروثِ الإسلامي الشريفِ، أنَّ كبشَ الله العظيم قد أوصى إلى كلِّ أهلهِ ومحبِّيهِ ومُريديهِ، وأعلنَ ذلكَ رسميّاً على رؤوسِ الأشهادِ، وعرفت بذلك الكثير من الناسِ وسمعتهُ ووعتهُ، وذلكَ قبلَ ذبحهِ ومصرعهِ الشريفِ، بل وقبلَ توجههِ إلى أرضِ مذبحهِ الموعودةِ، فقد قالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: (...أما بعد فان من لَحِقَ بِيَ استُشهد، ومن لم يلحقْ بِيَ لم يدرك الفتح، والسلام)([292])، فكلُّ من ركبَ في سفينتهِ المباركةِ في كلِّ العصورِ والدهورِ قدْ أدركَ الفتحَ حتماً!.

95: (فنظرت وإذا فرس ابيض والجالس عليه معه قوس وقد أُعطي إكليلاً وخرجَ غالباً ولكي يغلب...الخ!): بشارةٌ مباركةٌ بمنقذِ العالم ومنجيهِ، ولقد كُتبَ لهُ النصرُ المؤزَّرُ قبلَ خلقِ العالم، فهو إنما وجدَ لتحقيقِ النصرِ الإلهيِّ الحاسمِ الموعود، وقد ادَّخرهُ الباري سبحانهُ لتلك المهمة الشريفةِ.

96: (فخرج فرس آخر أحمر وللجالس عليه أُعطي أن ينـزع السلام من الأرض وأن يقتل بعضهم بعضاً وأُعطي سيفاً عظيماً): وعدٌ إلهيٍّ بعظيمِ الفتنةِ التي سترافق مجيء المخلِّصِ الربانيِّ العظيم، وشدَّةِ الفتنةِ والإمتحان في آخرِ الزمانِ، وبيانِ بطشِ الأعداءِ مخرِّبي السلام الذي نادى بهِ جميعُ الرُّسلِ عنِ الله تعالى!. وتلكَ الفتنةُ طالما ذكرتها الكتبُ السماويةِ وحذَّرت منها، والتي هي أُمُّ الفتن وتكونُ فيها حربٌ عقائدية منتشرة في كلِّ الأرض!.

97: (ولَمّا فتحَ الختمَ الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض...الخ!): ويحدث ذلك اثرَ الأحداث المريرة التي تقع في الفتنة الكونية الكبرى والتي تسود العالم بأسره، وإن كان هذا ـ التضرُّعُ والبكاءُ والضجيجُ إلى الله تعالى ـ يحدث دوماً من الأنبياء والرسلِ علیهم السلام  كما سيتبيَّن، ولكن هناك وقتٌ محدَّد، ويوم معلوم، وساعة معيَّنة، يكون فيها الدعاء والتضرُّعُ منهم علیهم السلام  على أشُدّهِ، واستجابتهُ محتَّمةٌ، كما في القرآن والعهدين وقد أشرنا إلى شيءٍ منذلك فراجع!، والنصُّ صريحٌ في الطلبِ والدعاء والإلحاحِ على الله عزَّ وجلَّ بتعجيلِ النصرِ وأخذِ الثأرِ للمظلومينَ الذين سُفِكت دماءُهم من أنبياء ورسل وأولياء وصالحين([293]).

98: أنّهُ رأى ـ حسب الإطلاق ـ النصوصِ المقدَّسةِ، نفوسَ جميع الشهداء وعلى رأسهم الأنبياء والرسل علیهم السلام ، وليس النص خاصاً بشهداء فترة معيَّنةٍ أو زمنٍ محدَّدٍ، بل حتى آخر شهيدٍ يسقطُ قبل مجيء مخلِّص العالم الموعود#!.

99:ثمَّ أنَّ خوف جميع ملوك الأرض، والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء، وكلّ عبدٍ وكلّ حرّ، الذين أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يتمنَّونَ الموت بدلَ أنَّهم يشهدون يوم الله الموعود، كُلُّ ذلكَ لم ولن يحدث على وجهِ الأرض إلّا عندَ مجيء منجي العالم في يومه الموعود، حيث عبِّرَ عنهُ بيومِ الغضبِ العظيم([294])، وهو مُدركَ ثأرَ الذبيحِ وأحبابهِ الميامين!.

100: (فأُعطوا كل واحد ثياباً بيضاً و قيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وأُخوتهم أيضاً العتيدون أن يقتلوا مثلهم...الخ!): وهم في مقعدهم المبارك وهو مقعدُ الصدقِ عند مليكهم المقتدر جلَّ شأنهُ، لكنهم مرتبطونَ ارتباطاً وثيقاً بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم بعدُ!، والإعطاءُ هنا يمثِّلُ منتهى التحنُّن والرعاية من قبلِ المولى جلَّ وعلا!.

101: (وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف. لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف...): إنَّ للكبشِ المذبوحِ ظلماً وعدواناً يومُ غضبٍ عظيمٍ مهولٍ لا يستطيعُ أن يتحمَّلهُ أعداءُهُ المجرمونَ والمحاربونَ لهُ على مرِّ العصورِ وتخالفِ الدهورِ أبداً!، ولابدَّ من مجيءِ ذلكَ اليومِ الموعودِ وحدوثهِ، لأنهُ وعدُ الله تباركَ تعالى!.

102: اوضحت النصوصُ انَّ ذبيحَ الله الأعظم بنفسهِ المقدَّسةِ المنتصرةِ، وروحهِ الأبويَّةِ الكبيرةِ، لهُ رعايةٌ خاصَّةٌ وعامَّةٌ تشملُ الخلق جميعاً، فهو المربي الأكبرُ، وهو المعلِّمُ الأروعُ في الوجود...الخ!.

103: ﴿بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع احد أن يعدهُ من كل الأُمم و القبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل﴾: بعدَ أن أرى الله عزَّ وجلَّ جميعَ الأنبياءِ والأولياءِ لنبيِّهِ المعني، بل ولكلِّ تلكَ العوالم المباركة ولكن كلٌّ حسبَ استعدادهِ وإناءهِ الذي يتلقّى الفيضَ فيهِ، فهو ما بين هذا المنظر المذهل والعجيب، رأى مقامَ الكبشِ المذبوح السامي والشامخ والمرتفعِ فوقَ الجميعِ ورأى مقامَ أحباءِ وأودّاءِ وأتباعَ الكبشِ المبارك المذبوح وهم من كل الأُمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمامَ عرشِ الله سبحانهُ وتعالى وأمام ذبيحهم المحبوب الذي لطالما حنّوا اليهِ شوقاً جرّاءَ عشقهم لهُ ومكانته المميَّزة عندهم بعدَ معرفتهم لهُ، وقد بيَّضَ الله وجوههم وذِكْرَهم في الدنيا والآخرةِ لذا فهم متسربلونَ بالبياض لأنَّ ربَّهم نقّاهم وطهَّرهم ببركةِ معشوقهم الأبدي وبدمهِ الطاهرِ!. ولكن لماذا يحملون سعف النخل بعينهِ لا غيره؟، أليس من المناسبِ أن يحملوا أغصانَ الزيتون بدلاً عنهُ؟، لأنها علامةُ السلامِ والأمانِ والخيرِ والبركة مثلاً!؟. وفي معرضِ الجوابِ قلنا: بأنَّ الحديثَ لو كانَ عن روحِ الله عيسى أو كليمِ الله موسى أو إسحاقَ...الخ، عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام، لكان هذا الأمرُ مناسباً جدّاً، ولكنَّ النص في معرضِ بيانِ علامةٍ وإشارةٍ غيبيَّةٍ مهمَّةٍ، وهي كونُ هذا الرمز متعلِّقاً بالكبشِ المذبوحِ لا بغيرهِ أبداً، وعلامةِ البلدِ الذي ذُبحَ فيهِ، والمكانِ الذي جرت فيهِ المصيبةِ المروِّعة التي هانت وصغُرت عندها كلُّ المصائبِ والرزايا، إذ لا يومَ كيومهِ في كلِّ العوالمِ والدهور، ولا ذَبحٌ كذبحهِ مطلقاً، فهو ذُبحَ بجميعِ أنواعِ الذبحِ، وقُتلَ بجميعِ أنواعِ القتلِ، وهُتِكَ بجميعِ أنواعِ الهتك، وصبرَ بجميعِ أنواعِ الصبرِ!، لكنَّهُ في جميعِ ذلك قد عبدَ الله تعالى وأخلصَ لهُ في جميعِ تلك البلاءآت قُربةً لوجههِ الكريم!.

104: ﴿13وأجاب واحد من الشيوخ قائلاً لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتَوا* 14 فقلت له يا سيد أنت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف...الخ!: إن دمَ الكبشِ المبارك يطهِّرُ وينقّي النفوسَ والأرواحَ ظاهراً وباطناً، وفي كلِّ العوالم، وذلكَ لكون هذا الحدث العظيم المرئيّ في عالمِ الحقِّ والحقيقةِ والنور!، ولكن كم هو عجيبٌ أمر هذا الدم الطاهر المقدَّس المبيِّض لثيابِ هؤلاءِ الصفوةِ المباركين وهو رمزٌ يحملُ معانٍ جليلةٍ يشيرُ إلى مقامِ ذبيحِ الله الأعظمِ ودورهِ العظيم في كمالِ هؤلاء الأحبَّة!. وأما الضيقة العظيمة فرمزٌ لشدَّةِ الإمتحانات العسيرة والفتن والمحن التي خرجوا منها مفلحين مُنجحين ببركةِ تضحيةِ الكبشِ المبارك ودمهِ الطاهرِ المقدّس الذي جرى على وجهِ الأرض، فهو لم يزل يفورُ في عالمِ الملكِ والملكوتِ، ولم يستقر أبداً إلّا بانتصارِ المخلِّص!.

105: ﴿10وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف...الخ!: إنَّ تقديسَ الكبشِ المبارك هو عينُ تقديسِ الله عزَّ وجلَّ، والصراخ بالصوتِ العظيم كنايةٌ عن منتهى الحبِّ لذا فهم متيَّمونَ والهونَ!، وبالعشقِ الذي إن بقيَ مستوراً ولم يظهر فإنَّهُ يقتلُ صاحبهُ!. وأما الإشارة في فقرةِ (قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف)، هو ليسَ من قبيلِ الشِّركِ في العبادةِ كما يزعمُ ويطبِّلُ الجهّال وأصحابُ العقولِ الطيّارةِ!، بل لكونهِ الوسيلة العظمى للوصولِ إلى الحقِّ تعالى وإلى أقصى قربٍ منهُ جلَّ شأنهُ، وانَّ مثلَ هذهِ الأُمور العقيديَّةِ المهمَّةِ لا تُدركُ إلّا بالصَّفاءِ والورعِ والعبادةِ للحيِّ القيّومِ، لذا لا يستطيع فهمَ حلاوةِ مثل هذهِ الأُمورِ العقيديَّةِ المهمَّةِ إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ، وليس مَن عرفت!.

106: ﴿16 لن يجوعوا بعدُ ولن يعطشوا بعدُ ولا تقع عليهم الشمس ولا شيءٌ من الحر* 17 لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم...*: انَّما كانَ كلُّ ذلكَ ببركةِ الكبشِ المذبوحِ وتضحيتهِ العظيمةِ الجسيمةِ، فقد نالوا تلكَ المنـزلة القدسيَّة الساميةِ، وتبدَّلت كلّ الأحوال المؤلمةِ لديهم إلى أحسن حالٍ وأجملهِ وألطفهِ...الخ!.

107: ولكنَّ الأمر المهم جدّاً التي أشارت إليه النصوصُ وهو الأعجب من نوعهِ، هو تبدّلُ مكان الكبش المذبوحِ أي ذبيحِ الله الأعظم، إذ كانت النصوص تُأكِّد أنَّ مكانهُ عن يمينِ العرش!، فهل لتوسطهِ العرش حسب النصوصُ الأخرى تضاربٌ وتنافي أم لا!؟، أم أخذَ مكاناً ليسَ من شأنهِ خاصاً بالحقِّ جلَّ شأنهُ!؟. وفي معرض الجواب لابُدَّ أن نقول: كلاّ وألف كلاّ، بل هو تكريمٌ فائقُ العظمةِ، وأعظمُ من التكريم الأول!، والذي هو عن يمينِ العرش، وهذا مقامٌ خاصٌّ بهِ فقط، لم يسبقهُ إليهِ أحدٌ قبلهُ ولا بعدهُ أبداً!، ولأصحابهِ الذين فدَوهُ بأنفسهم ومهجهم مقامٌ من مقامهِ الشريف أيضاً، فقد روي عن باقر علمِ النَّبيين علیه السلام  أنه قال: خرج علي علیه السلام ([295])، يسير بالناس حتى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل تقدم بين أيديهم حتى طاف بمكان يقال له المقذفان، فقال: قُتلَ فيها مائتا نبيٍّ ومائتا سبطٍ كلهم شهداءٌ، ومناخُ ركابٍ ومصارعُ عشاقٍ شهداءٍ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من جاء بعدهم([296]). والمقامُ هنا ليسَ باستطاعةِ اللسانِ وصفُهُ أبداً فهو يقصرُ عن ذلكَ!، وانَّما يُفهمُ بالتفكُّرِ، والتأمُّلِ الشديدِ، واستحضارِ أُمهاتِ العقائدِ الربانيَّةِ الحقَّةِ في البالِ واللُّبِّ ثمَّ الحكمَ بعدَ ذلكَ!.

108: وأما الإشارة في فقرةِ (يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماءٍ حيَّةٍ...الخ!)، لأنَّهُ أي الذبيح الأعظم شأنٌ مباركٌ من شؤون الحقِّ القدسيَّةِ المباركةِ، وآيةٌ من آياتهِ الكبرى، وواسطةُ الفيضِ العظمى بينهُ وبينَ خلقهِ جميعاً!، وهو الذي يوصلهم إلى الحقِّ جلَّ شأنهُ طاهرينَ نقيينَ عبرَ خطِّهِ الشريف الذي رسمهُ لهم وهو عينُهُ الصراطُ المستقيمُ!.

109: وأما الإشارة في فقرةِ (ويمسحُ الله كلَّ دمعةٍ من عيونهم...الخ!)، وذلكَ لأنَّهم بكوا كثيراً عليهِ بكاءً مُرّاً، وحزنوا عليهِ حزناً شديداً ليسَ فوقهُ حُزن!، وكان ذلك في كلِّ العوالم التي كانوا قد مرّوا عبرها وسافروا فيها!، وفي كلِّ الأزمان والأحوالِ، ولكن بقيَ هذا الحزنُ والجزعُ الشديدُ عليهِ ـ وكلُّ جزعٍ مذمومٌ إلّاَ الجزع عليهِ فهو محمودٌ ويُدخلُ الجنَّةَ ـ في نفوسهم وأرواحهم، مستقرَّاً في كلِّ كيانهم، إلى يومِ اللقاءِ الأعظم، فوجبَ بلطفهِ كما وعدهم أن يمُنَّ عليهم بهذهِ المنَّةِ المقدَّسةِ!.

110: وأما الأشارةُ البيّنةُ في أنَّ الله جلَّ شأنهُ هو الذي يمسحُ الدموعَ من أعيُنهم، فهذا يعنى مُنتهى الرحمةِ والتحنُّنِ والرأفةِ بهم من قبلِهِ عزَّ وجلَّ، فقد وصلوا عن طريقِ حبيبهِ المعنيِّ المبارك إلى مقامٍ سامٍ ليسَ بمقدورٍ أحدٍ الوصولُ إليهِ أبداً إلّا عن طريقِ الذّبيحِ، فهو الفاتحُ الأعظمِ وهم أصحابُ الفتحِ!.

ثانياً: إثباتُ العقيدةِ الإلهيَّةِ الحقّةِ بشأنِ الذَّبيحِ

وإلى هنا فقد تجلَّت العقيدةِ الإلهيَّةِ الحقّةِ بشأنِ المذبوحِ في الله تعالى، وعظمةِ شأنهِ المبارك!، وأصبحَ باستطاعةِ كلِّ منصفٍ من أيِّ ملَّةٍ ودينٍ وحزبٍ كان، أن يرى كم هي ـ هذهِ العقيدة ـ محببةٌ للباري عزَّ وجلَّ، عزيزةٌ عليهِ، قريبةٌ إلى ذاتهِ المقدَّسةِ، منطوٍ فيها أمرُهُ، محيطةٌ بالوجودِ، عجيبةٌ في الخلودِ!.

ولكن يبقى هناك تساؤلٌ مهمٌّ في البين، ألا وهو: من هذا المشارُ إليهِ بكلِّ هذه القدسيَّةِ والطهارةِ ودرجةِ القربِ العجيبةِ؟، ومن هذا الذي لا يكلُّ ولا يملُّ الكتاب المقدَّس من رثائهِ ونعيهِ والتغنّي باسمهِ ورمزهِ وصفاتهِ وأنوارهِ وقدسيَّتهِ وبركتهِ وجودهِ وكرمهِ، بل ذهبَ الكتاب المقدس في شأنهِ مذهبَ العاشقِ الولهانِ المتيَّم مترنِّماً بذكرِ معشوقهِ الأعزِّ والفردِ الأوحدِ؟.

 واجمالاً، فقد تغنَّت بهِ وبذكرهِ جميعُ الأُممِ والمللِ والنحلِ، وما ذهبَ إليهِ المغترفونَ من بحرِ جودهِ وكرمهِ الهائمونَ بذكرهِ من حيث يعلمون كُنْهَ كُنههِ أو لا يعلمون!، وبملخَّصٍ من البيان نقول بعونِ الله عزَّ وجلَّ:

1: هل كانَ ذلك كُلّهُ في إسماعيل بن إبراهيم الخليل÷، وهل كان ذلك المقامُ الشامخُ المنيفُ لهُ وحدهُ لا غير، كما ذهبَت إليهِ بعضُ الأديانِ والمذاهب؟.

2: هل كانَ ذلك كُلّهُ في إسحاق بن إبراهيم الخليل÷، وهل كان ذلك المقامُ الشامخُ المنيفُ لهُ وحدهُ لا غير، كما ذهبَت إليهِ بعضُ الأديانِ والمذاهب؟.

3: هل كانَ ذلك كُلّهُ في يحيى بن زكريا÷ وهل كان ذلك المقامُ الشامخُ المنيفُ لهُ وحدهُ لا غير، كما ذهبَت إليهِ بعضُ الأديانِ والمذاهب؟.

4: هل كانَ ذلك كُلّهِ في روح الله عيسى بن مريم÷، وهل كان ذلك المقامُ الشامخُ المنيفُ لهُ وحدهُ لا غير، كما ذهبَت إليهِ بعضُ الأديانِ والمذاهب؟.

5: أم كانَ ذلك كُلّهُ لشخصٍ آخرَ غير هؤلاء المشار إليهم صلواتُ الله عليهم أجمعين، أعظمُ شأناً، وأقوى رتبةً، وأشرف مقاماً، يقومُ عليهِ مشروعُ الله المقدَّس في الأرضِ أولاً وآخراً...!؟.

وفي معرضِ الجواب نقول بعونهِ تعالى: إنّ كل ما وردَ بخصوصِ هذهِ المسألةِ من قبلِ المفسِّرين والشّراح والكتابِ والمترجمين للكتابِ المقدّس والذي أجملناهُ في النقاطِ الأربعِ الأول الآنفةِ الذكر، هو: تحكُّمٌ مرفوضٌ!، ومصادراتٌ لا نوافقُ عليها!، وإبداءٌ لآراءٍ تفتقرُ إلى الدليلِ والبرهان!، ولا تصمدُ أمامَ التحقيقِ العلميّ المنصفِ في حالٍ من الأحوالِ أبداً، ولا تنسجمُ مع روح العصرِ، وتطوّرِ الفكرِ الإنساني!.

نعم!، قد كان لها شأنٌ وتفسيرٌ موضوعيٌّ في حينها ينسجمُ مع روحِ العصر آنذاك، ولكن لو كانت الكتب المقدسة المنـزلة تتحدَّثُ عن أسبابِ النـزول والحالةِ الآنيَّةِ آنذاك، فعلى الدين والعقائدِ السلام!، لأنها تتحدثُ عن مرحلةٍ قد انقرضت وتصرَّمت، وهي مرحلةٌ وقتيَّةٌ، ويُعدُ كثرةُ الحديث عن الوقائعِ التأريخيةِ القديمةِ وفيما نحن بصددهِ افراطٌ مقيتٌ خارجٌ عن الحكمةِ والمنطقِ السليم!. لذا فنحنُ نجملُ القولَ في جوابنا هذا ببضعِ نقاطٍ تستوعبُ الموضوع إنشاءَ الله تعالى فنقول بإذنهِ جلَّ شأنهُ الشريف:

 أولاً: القولُ في كونهِ إسماعيل وإسحاق÷: فأما إسماعيل وإسحاق÷، فهما خارجانِ عن الموضوعِ تخصُّصاً، لأنهما لم يُذبحا أبداً، ولم يذوقا ألمَ الحديدِ مطلقاً!، هذا أولاً، وثانياً: فإن الإجماع والتواتر في النصوص المقدسةِ أنَّ المعنيَّ قد ذُبِحَ بالفعل وأُريقَ دمهُ الطاهر على وجهِ الأرض من أجلِ هدفٍ سامٍ كبيرٍ وهو انقاذ الشعوب والأُمم!. وإنا لنعجبُ من البعضِ أشدَّ العجبِ إذ لم يزل يرددُ مقولةً قد أكلَ عليها الدهرُ وشرِب، من دونِ أدنى معرفةٍ ولا حجة ولا برهانٍ!. ومنح لقبِ (الذبيحِ) لبعضهم عليهم الصلاةُ والسلام إنما كانَ من بابِ التشريف وليسَ بحقيقيٍّ أبداً، وهذا لا يُنكرهُ ذو مسكةٍ من عقلٍ أبداً!.

 ثانياً: القولُ في كونهِ يحيى بن زكريا÷: وأما كونهُ يحيى بن زكريا÷، فقد أصرَّ البعض على ذلك حتى ظنّوا أن لا غالب لهم على رأيهم فيهِ أبداً، ولكنهُ مردودٌ على أصحابهِ بكثيرٍ من الأدلَّةِ والبراهين، ومنها:

1: أنَّ المعنيَّ قد ذُبِحَ من أجلِ هدفٍ سامٍ عظيمٍ وهو إنقاذُ الشعوبِ والأُمم بأجمعها بواسطةِ دمهِ الطاهرِ المقدَّس...، إلى آخر ما نصَّت عليهِ الكتبُ المقدسة والذي وقفت على بعضهِ من النصوص!. لذا فإنّ قضيَّتهُ عالميَّة كونيَّة لا تحُدُّها حدودٌ ولا أديانٌ ولا مذاهب، وموضوعُ ذَبح يحيى علیه السلام  ليس كذلك!، بل ذُبِحَ من أجلِ قضيَّةٍ فرعيَّةٍ شرعيَّةٍ جزئيَّةٍ، وهي زواج الملك من ربيبتهِ([297]).

فالقضيَّةُ وما فيها جرت في بني إسرائيل لهدايتهم، بل وحتى العرب وهم أقرب الناس إليهم لم يشملهم هذا الأمر من قريبٍ ولا بعيد لأنَّهم كانوا يحرِّمون الزواج من البنتِ والرَّبيبةِ قبل الإسلام!، لذا فهي قضيَّةٌ جانبيَّةٌ فرعيَّةٌ جزئيَّةٌ تدور مدار أُمَّتهِ فحسب!، وأما موضوعُ ذبيح الله الأعظم فهي كونيَّةٌ عالميَّةٌ بجدارةٍ وموضوعها شراءُ كُلِّ البشرِ للحقِّ جلَّ شأنهُ، هذا كُلُّهُ بحسب منطقِ النصوص المقدسة المتقدِّمة!.

2: لم تُبنى ثورةُ المنقذُ الإلهيّ الأعظم في آخرِ الزمانِ على قضيَّةِ يحيى علیه السلام  ولا على غيرهِ، بل على قضيَّةِ ذبيح الله الأعظم، كما عليهِ العقلُ والنقلُ والوجدان، وهي حقيقةٌ دامغةٌ لا مفرَّ منها لا يخالفُ فيها إلّا ضالٌّ أو جاهلٌ!.

3: لم تُقرن أحداثُ العالم في أول الزمان وفي وسطهِ وفي آخرهِ بواحدٍ من الأربعةِ المتقدِّمين أبداً ـ لا بإسماعيل ولا بإسحاق ولا بيحيى ولا بعيسى  علیهم السلام  ـ بل قُرنت كلُّ الأحداثِ بقضيَّةِ ذبيح الله الأعظم، وذلك واضحٌ من خلالِ النصوصِ المقدَّسةِ، وهي من الحقائقِ الدامغةِ لا يخالفُ فيها ذو مسكةٍ!.

4: يُبنى الفتح الإلهيِّ الكبير في آخرِ الزمان ـ وهو يومُ حكمِ الله أو ملكوتهِ ـ على قضيَّةِ ذبيح الله الأعظم، وقد صرَّح للعالمِ قبلَ ذَبحهِ قائلاً: (...أما بعد فان من لَحِقَ بِيَ استُشهد، ومن لم يلحقْ بِيَ لم يدرك الفتح، والسلام)([298]).

كما أنَّهُ ـ أي الذبيح المبارك ـ قد ذكرَ يحيى علیه السلام  مراراً وتكراراً تنبيهاً على وحدةِ الهدفِ وتشابهِ الذبح، فقال: [(إن من هوان الدنيا أن يُهدى رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل)، أي إن ظروفي تشابه من هذه الناحية ظروف وأحوال يحيى...]([299]). وفي هذهِ إشارةٌ بليغةٌ على عظمِ مصيبتهِ، إذ أن رأسهُ بعد الذبح أُهديَ من طاغوتٍ إلى طاغوت، ومن دولةٍ إلى دولةٍ، ومن مدينةٍ إلى مدينةٍ، وطيفَ برأسهِ الشريفِ في كلِّ البلدانِ الداخلةِ في ملكِ بني أُميَّة، إمعاناً بالتشفّي بآلِ محمدٍ صلى الله عليه وآلهِ، وإرعاباً وإخافةً لكلِّ المظلومين!.

5: ذكرت النصوص المقدَّسة أنَّ ذبيح الله الأعظم ذُبحَ عندَ نهرِ الفرات، وسينتقمُ الله من قاتليهِ وأعداءهِ بواسطةِ المنتقم في آخرِ الزمان[300]، وهذا تخصيصٌ انفردَ بهِ عمَّن سواهُ!.

6: ثبتَ في الموروثِ الديني الذي نقطع بهِ أنَّ يحيى علیه السلام  بكى على ذبيحِ الله الأعظم بكاءً مرّاً وجزعَ جزعاً شديداً وطلَّقَ الدنيا وعزف عنها لمّا عَلِمَ بقصَّةِ ذبيحِ الله الأعظم وما يجري عليه!([301]).

ثالثاً: القولُ في كونهِ روح الله عيسى بن مريم÷: وأما كونهُ روحُ الله عيسى بن مريم÷: وهو الرأيُ الأقوى والأكثر شيوعاً، والذي جزمَ بهِ العددُ الأكبر من مفسري وشرّاح الكتاب المقدس وغيرهم، وبالأخص الإنجيليين منهم، فهو مردودٌ على أصحابهِ لأدلَّةٍ كثيرةٍ، ومنها:

1: إنّ عيسى علیه السلام  لم يُقتل ولم يُصلب!، بل رفعهُ الله إليهِ...!، فهو حيٌّ عند الله تعالى يُرزق، ولم يذق ألمَ الحديد أبداً، نعم عانى ما عانى من اليهود من السبِّ والشتمِ والإهانةِ والضربِ والجلدِ والإستهزاءِ والإستخفافِ بهِ وقد جُلدَ مراراً وتكراراً حتى أُدميَ...الخ!، هذا كلُّهُ صحيح، وأما الذبح، وفصلُ الرأسِ عن الجسد كما عليهِ النصوص، فكلاّ وألف كلاّ، ولم يقلهُ سليمُ عقلٍ أبداً!.

2: ولو تنزلنا وقبلنا منهم ذلك...!، فإنَّهُ لم يُذبح قط، بل صُلبَ وطُعِنَ في بطنهِ، كما هو جليٌّ ومعروفٌ عند اليهود والنصارى!.

3: لم يُفصل رأسهُ عن بدنهِ والنصوصُ صريحةٌ أنَّ ذبيحَ الله الأعظم قد فُصلَ رأسهُ المبارك عن جسدِهِ الشريف، لذا فانهُ يقومُ في محضرِ الله تعالى من غيرِ رأس...الخ، وقد وقفتَ على ذلكَ!.

4: ذكرت النصوص المقدَّسة أنَّ ذبيح الله الأعظم ذُبحَ عندَ نهرِ الفرات، وسينتقمُ الله من قاتليهِ وأعداءهِ بواسطةِ المنتقم في آخرِ الزمان[302]، وهذا تخصيصٌ انفردَ بهِ عمَّن سواهُ!.

5: ثبتَ في الموروثِ الديني الذي نقطع بهِ أنَّ عيسى علیه السلام  قد زار مراراً وتكراراً مذبح كبشِ الله الأعظم، وجلس هناكَ للنوحِ والبكاء، وادَّخرَ لأبيهِ ـ والد ذبيح الله الأعظم ـ هديَّة مواساةً منهُ ومعرفةً، وتوثيقاً لوحدة الخطِّ والهدف!([303]).

ثالثاً: الأدلَّةُ العامَّةُ على اثباتِ الذبيحِ المعنيّ

هناك عددٌ لا بأسَ بِهِ من الأدلَّةِ العامَّة أيضاً، والتي تثبتُ بحقٍّ وصدقٍ المُدَّعى الذي ذهبنا إليهِ، يمكن إجمالُ بعضٍ منها بما يلي:

1: أنَّهُ لم يدَّعِ أحدٌ من الأنبياء ولا الأولياء علیهم السلام  ذلك المقام لنفسهِ أبداً!، حسب كلِّ الموروثِ الدينيّ لكُلِّ الأديان قاطبةً، بل إنَّ المُدَّعي لهذا المقام هو شخصٌ واحدٌ فقط لا غير، مشهودٌ لهُ ذلكَ، ولم يخالفهٌ أحدٌ منهم ولا من غيرهم مطلقاً!.

2: ثبتَ أنَّ لهذا المقامِ شخصاً واحداً معيَّناً معروفاً ومشاراً إليهِ في كلِّ الأزمانِ والعصور!، وقد اعترف جميعُ الأنبياء والأولياء والمقدسين علیهم السلام  بفضلهِ واستحقاقهِ في كلِّ العوالمِ، فالكلُّ مدينٌ لهُ، عارفٌ بهِ، شاهدٌ بفضلهِ...الخ!.

3: ثبتَ أنَّ الأنبياء والأولياء والمقدسين علیهم السلام ، كلُّهم تبعٌ لهُ في بعضِ مقاماتِهِ الشريفةِ الشامخةِ!، ومنها المقام الذي وصلَ إليهِ عند الله تعالى عن طريق الذبحِ في الله والصبرِ على عظيمِ بلائهِ...الخ!، بل وحتى خاتم النبيين محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  فقد قال بصريحِ لسانهِ الشريف الطاهرِ: (...وأنا من حسين)، ـ وذلك لخصوصيَّاتٍ مهمَّةٍ في هذا الإمام علیه السلام  ومن بينها الذبحُ بطريقةٍ بشعةٍ...الخ! ـ ، وهذهِ التبعيَّةُ لهُ في بعضِ مقاماتِهِ الشريفةِ الشامخةِ المباركةِ حقيقةٌ من الحقائقِ العرفانيَّةِ العاليةِ جدّاً!، قد لا يستسيغها البعض لضيق أُفقهِ العلميِّ والنفسيِّ، وحشوِ ذهنهِ بمرتكزاتٍ شبيهةٍ بصخورِ الجبالِ الرواسي، لا سبيلَ لتكسيرها وتفتيتها أبداً!، أعاذنا الله وإياكم بمنِّهِ ولطفهِ، إنَّهُ هوَ السميعُ المجيبُ.

4: أجمعت النصوص أنهُ كان مميَّزاً ومعروفاً في كلِّ العوالم، وفي كلِّ النَّشئآتِ، وكان يُبكى عليهِ في جميعها...!. ومشارٌ إليهِ بالتبجيلِ والتقديسِ والعظمةِ في كلِّ العوالمِ العلويّةِ والسفليَّةِ!.

5: كان هؤلاء الأنبياء والرُّسُل علیهم السلام ، وغيرهم من الأولياءِ والصالحين، حسب التفحُّصِ العقيدي مُمَهِّدين ليوم السبطِ العظيم وقيامهِ المبارك، وقد شاركوهُ جميعاً الأجرَ والثواب في قيامهِ وثورتهِ المباركةِ وشهادتهِ وقطعِ رأسهِ الشريفِ المبارك!.

6: أنَّهُ كان أُسوةٌ للخلقِ أَجمعين بما فيهم الأنبياء والرُّسلِ، فعن جابر، عن أبي عبد الله علیه السلام  قال: قال عليٌ للحسين: يا أبا عبد الله أسوة أنت قدماً؟، فقال: جعلت فداك ما حالي؟، قال: علمتَ ما جهلوا وسينتفع عالمٌ بما علم، يا بني اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك، فو الذي نفسي بيده ليسفكن بنو أمية دمك ثم لا يريدونك عن دينك، ولا ينسونك ذكر ربك، فقال الحسين علیه السلام : والذي نفسي بيده حسبي، وأقررت بما أنزل الله وأصدق نبي الله ولا أكذب قول أبي([304]).

وقال العلامة المجلسي(رض): بيان: الأسوة ويضم القدوة، وما يأتسي به الحزين. أي ثبت قديماً أنك أسوة الخلق يقتدون بك، أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين. قوله علیه السلام : (لا يريدونك) أي لا يريدون صرفك عن دينك والأصوب لا يردونك. وقال في الحاشية:: بل الصحيح: (لا يزيلونك) كما في المصدر ص 72، و(يريدونك) تصحيف منه ظاهر([305]).

 وقال جعفر بن محمد بن قولويه: الأسوة: القدوة، وما يأتسي به الحزين، اي ثبت قديما انك أسوة الخلق يقتدون بك، أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين([306]).

 وقال الشيخ عبد الله البحراني: توضيح: الأسوة ويضم القدوة وما يتأسى به الحزين أي ثبت قديما أنك أسوة الخلق يقتدون بك، أو يتأسى بذكر مصيبتك كل حزين([307]).

 وعن موسى بن جعفر، عن أبيه علیهم السلام  قال: جمع رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام  وأغلق عليه وعليهم الباب، وقال: يا أهلي وأهل الله! إن الله عز وجل يقرأ عليكم السلام، وهذا جبرئيل معكم في البيت، يقول: إني قد جعلت عدوكم لكم فتنة، فما تقولون؟ قالوا: نصبر يا رسول الله لأمر الله، وما نزل من قضائه حتى نقدم على الله عز وجل ونستكمل جزيل ثوابه، فقد سمعناه يعد الصابرين الخير كله. فبكى رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  حتى سمع نحيبه من خارج البيت، فنزلت هذه الآية: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً)([308])، إنهم سيصبرون، أي سيصبرون كما قالوا صلوات الله عليهم([309]). ومن أجل ذلك لقد أمرنا الله سبحانه قائلا: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)([310]). فالواجب هو الاقتداء بمن هداهم الله. وهذا ما عناه الإمام علي علیه السلام  حينما خاطب ولده الحسين بأرق كلمة وأهدئها لطافة وأدبا وحناناً حيث قال: (يا أبا عبد الله أسوة أنت قدما)([311]). ويقول أيضاً: في الأدب والتصديق والقبول:...، ثم يورد الحديث ويقول: التسليم لأمر الله تعالى والتصديق للرسول والإمام الولي روح الأخلاق وحقيقتها وجوهرها، وقد تمثل في موقف الحسين علیه السلام  من قضاء الله وقدره، وتأدبه في محضر أبيه علیه السلام . فلن يخطأ أبوه علیه السلام  إذن حينما بدأ الكلام معه بأن (أسوة أنت قدماً). فالحسين أسوة قديمة في الخير كله، قد عرفه الأنبياء والأوصياء وكل الذين عرفوا الله فأخلصوا له العمل، هكذا قال عنه أمير المؤمنين علیه السلام ، الذي لا يقول إلا عن الرسول الأمين  صلى الله عليه وآله وسلم  القائل عن الله رب العالمين([312]).

 فالاطلاق في الحديث بمعنى: أنك قدوةٌ لمن قبلكَ ولمن بعدك، أي أُسوةٌ للأولين والآخرين بما فيهم الأنبياء والأوصياء عليهمُ السلام، ومن المعلوم في كل الأعراف والقوانين أنّ أحداً لا يتخذ أحداً آخرَ قدوةً وأسوةً إلّا بأُمورٍ وخصالٍ بيِّنةٍ قد اجتمعت في شخصيَّتهِ وقد اطّلعَ عليها المقتدي بنفسهِ عن قربٍ، ومن تلك الأُمور:

1: معرفة القدوة.

2: الإطلاع الكامل على عوامل الإنتصار في شخصيّة القدوة.

3: أفضلية القدوة أو تميّزهُ عمَّن سواه.

4: محبة القدوة وعشقه.

5: السير على درب وخطى القدوة. فكان من الأولين العارفين لعظمة ومقام الحسين علیه السلام  والمقتدين والمتأسين به هم الأنبياء علیهم السلام .

وإلى هنا أعتقدُ بأنّنا وصلنا إلى نتائج مهمَّةٍ يحكمُ بها كلّ منصفٍ من أهلِ العلمِ والتحقيقِ والإطِّلاع، راجينَ أن يجعلنا الله وإياكم من المدافعينَ عن العقائدِ الحقَّةِ المباركةِ التي أرادها الله سبحانهُ وتعالى وأولياءُهُ الميامين عليهمُ السلام لهدايةِ البشرِ وغيرهم إلى صراطهِ المستقيمِ والوصولُ إلى ساحةِ قدسهِ الأعظمِ سالمينَ غانمينَ منتصرينَ إنهُ سميعٌ مجيب!.

 الفصل الخامس

بيانُ الإنجيلِ في وحدةِ الهدفِ والمشروعِ بين الذبيحِ والمخلِّصِ!.

يبدو واضحاً أنالله تبارك وتعالى قد كتب على نفسه المقدّسة أن ينتقم من اعداءه المجرمين بواسطة القائم المُنتظر والمنتصر في آخر الزمان!، وقد بشّرَ بذلكَ انبياءَهُ ورسلَهُ واهل الكرامة عليه منذُ أمدٍ بعيدٍ جداً وفي مناسباتٍ مختلفةٍ بهذا الامرِ الحتميِّ والقطعيِّ، وقد ثبّتَ ودوَّنَ ذلك كُلِّهِ في كتبه المنـزلة المباركة وأوضحَ ذلك لعموم البشريةِ وغيرهم على مدى مسيرة حياتهم الطويلة!.

 لذا فان هذا الموضوع، هو عهدٌ ووعدٌ الهيّ حتميّ وقطعيّ، لا يختلف ولا يتخلّفطرفةَ عينٍ أبداً، فان تَخَلَّفَ كان الاحكامُ ناقصاً، والوجود عبثاً، والقضاءُ والحكمُ الالهيّ غير تامٍّ...!، وذلك لخلوِّ الارضِ من خليفتهِ، وهو ممتنعٌ على ساحةِ قُدسِهِ عزَّ وجلَّ. وقد أوجَبَ ذلكَ الامرَ على نفسهِ القُدسيَّةِ المباركةِ بلطفهِ وفيضهِ ومنِّهِ بقوله عزَّ من قائل: (وإذْ قالَ ربُّكَ للملائكةِِ إنّي جاعِلٌ في الارضِِ خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يفسدُ فيها ويَسفِكُ الدماء ونحن نسبّحُ بحمدك ونقدّس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون)([313]). وسنبين ذلك: في القرآن الكريم والروايات الشريفة اولاً، وفي العهدين ثانياً وخاصةً في أسفارِ الإنجيل المتداولةِ اليوم!، فنقولُ بعونِ الله عزَّ وجلَّ:

اولاً: في القرآن الكريمِ والروايات الشريفة:

 

في قوله تعالى: (ومن قُتلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنَّهُ كان منصوراً)([314]). فقد وردَ عن أبي عبد الله علیه السلام  قال: سألتهُ عن قول الله عزَّ وجلَّ: ومن قُتلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنَّهُ كان منصورً: قال: نزلت في الحسين علیه السلام ، لو قتلَ وليُّهُ أهلَ الأرض بهِ ما كان سرفاً([315]).

 وروي عن الصادق علیه السلام  أيضاً، قال: (لماّ كان منأمرِ الحسين ما كان، ضجّت الملائكة وقالوا: يا ربّنا هذا الحسين صفيّك وابن بنت نبيّك قال: فأقام الله ظل القائم علیه السلام  وقال: بهذا أنتقم لهذا)([316]).

 هذا وقد روى هلال بن نافع، قال: (اني لواقف مع اصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ: أبشر أيها الامير، فهذا شمرقد قتل الحسين علیه السلام . قال: فخرجت بين الصفّين، فوقفت عليه، فانه ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمهِ أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله. فاستسقىِ في تلك الحال ماءً، فسمعت رجلاً يقول له: والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها!. فقال له الحسين علیه السلام :« لا، بل أرد على جدي رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر، وأشرب من ماء غير آسن، وأشكو اليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي. قال: فغضبوا بأجمعهم، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً، فاحتزوا رأسه وانهُ ليكلمهم، فعجبت من قلّة رحمتهم وقلتُ: والله لااجامعكم على أمر أبداً)([317]).

 ومن حقّ كلّ شريف وغيور في العالم أن ينظر بحيرةٍ ودهشةٍ وحزنٍ عميقٍ إلى هذه الواقعة المأساويةالمروّعة التي يحكيها لنا هذا الفرد الضّال من أعداء الإنسانيّة، وكم يبدو متأثراً!، رغم ما به من عوامل النقص والخلود الى الارض!، وهذا غيضٌ من فيضٍ.

 ولهذا ورد في شدّة المنتقم من الظالمين ومنجي المستضعفين، كما في سفر أشعيا: (ويحكم بالانصاف لبائسي الارض، ويضرب الارض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه)([318]). وقد ورد هذا أيضاً عن لسان النبيّ الأكرم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  في وصف القائم المنتقم انه قال: « اسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار([319]). إذ لابُدَّ من ذلكَ معَ القلوبِ المتحجرةِ والعقولِ الصلدةِ!.

ثانياً: في التوراة

ورغم الازمان المتباعدة، وايادي التحريف الآثمة، وما أُخفيَ من الشريعةِ الموسويَّةِ والعيسويةِ (على صاحبيهما آلافُ التحيَّةِ والسلام)، طمعاً في الدنيا الدنيئةِ وزخرفها وزبرجها، اخفاءً لأمرِ الله تعالى ونورهِ، وما عَلِموا أنَّهم (يمكرون ويمكر الله والله خيرالماكرين)([320])، وأنَّهم (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)([321]). رغم ذلك كلِّهِ، فهناك ما يثبتُ الحقيقةَ الدامغةَ التّي لامفرَّ منها، والله بالغُ أمرهِ وهوَفعّاَلٌ لما يُريدُ. فلو انّنا نظرنا بإمعان الى بعض النصوص، لرأينا جمالالصورة التي يرسمها علاّمُ الغيوبِ سبحانه وتعالى عن الملحمة الالهية الماضية([322])، (ألا وهي ثورة الحسين الشهيد علیه السلام )، والآتية وهي (ثورة المصلح والمنجي في آخرِ الزمان) لبدا ذلك رائعاً، ولنبدأ بالفقرات الواردة في (سفر ارميا)، حيث يقول: « أَعِدّوا المجن والترس وتقدموا للحرب اسرجوا الخيل، واصعدوا ايها الفرسانوانتصبوا بالخوذ اصقلوا الرماح. البسوا الدروع.... وهي اوامر([323]) من الرب المتعال الى جنوده الابطال الذين يأتمرون بامره وينتهون بنهيه لخوضِ الحرب المشروعة الكبرى والأخيرة بحسب ارادةِ ربِّهم واعدادهِ وامدادهِ لهم والذي يتم عبر مراحلمتعددة منها:الاعداد (اعدوا المجن والترس...)، واعطائهم زمام المبادرة(وتقدموا للحرب...)، والتهيؤ للحرب (اسرجوا الخيل، واصعدوا...)، والاستعداد التام والاقتراب من ساعة الصفر وهي ساعة الحسم المبشّر بها (اصقلوا الرماح. البسوا الدروع...). ثم يطرح الربُّ المتعال ما كان ويكونبسابق علمه الذي احاط بكل شيء، وعلى شكلِ تساؤلٍ واستفسارٍ عن عاقبه المستكبرين والكافرين بقوله: «لماذا اراهم مرتعبين ومدبرين الى الوراء، وقد تحطمت ابطالهم وفروا هاربينولم يلتفتوا. الخوف حواليهم... وهي اشارةٌ بليغة الى مسيرةِ الرُّعبِ والخوفِ الذييسير بين يديمنجي العالم المنتظر# مسيرة شهر، وما الى ذلك من الادبارِ، والفرارِ، وعدمِ التفاتِ ومواجهة المصلح الإلهيّ# وجنودهِ البواسلِ، لأنهم مذعورين وأخذهم الخوف من كل جانب ومكان، جرّاء تحطم ابطالهم وفشلمخططاتهم الشيطانيَّةِ...الخ. ويتحدث الربّ تعالى بعد ذلك عن سبب هذا الانتقام حسب الاوامر والتخطيط الالهيالمسبق بقوله: «في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. من هذا الصاعد كالنيل كانهارٍ تتلاطم امواجها.... وذلكلأنّأحبّاءَهُ وأولياءَهُ عَثَروا وسَقطوا بجنب نهر الفرات، وكانت عثرتهموسقوطهم بعينهِ وبمسمعٍ منهُ جَلَّت قدرتهُ، وذلكَ كُلُّهُ عزيزٌ عليهِ تباركَ وتعالى، وهذا بمثابة مجلسِ عزاءٍ من الربّ جلّ وعلا الى كل الاجيال، لرثاء اولئك الابطال الذين سطّروا أحرفَ الملحمة الالهية الخالدة بدمائهم الزكيةِ الطاهرةِ من أجلِ الربِّ وإنقاذ الشعوبِ والأُمم!.

وأنّ من المحزن المشجي حقّاً لكلِّ غيورِ وشريفِ عبر َالدُّهور، ان يَعثُرَ الفارسُالأبي الشريف المدافع عن حقّه ومبادئه السامية في الميدان ويكون عثوره هذا مسقطاً له فكيف اذا عثرَ وسقط خليفةَ الله ووصي خاتمِ رُسُلِهِ، وأحبَّ الخلقِ إليهِ، الذي سمّاهُ الجليلُ باجملِ اسماءهِ المباركة، حيثُ سمّاهُ (الحسين)، وهوَ مصغّرُ (حسن)، وهو يعني مُنتهى الحسنُ والجمال، وغاية الاحسان واللطف والكرم، وأَقوى اضداد القبح والشّحّ...الخ!؟؛ ولم يكنآنذاك سالماً، بل كانت جراحهُ لا تعدّ ولا تُحصى من كثرةِ الضربِ والطعن، وكانَ في اقصى حالاتِ الظمأ والجُهدِ والغربةِ.

 ويُعطي الرب اوامره الى جنده الابطال بطريقة أُخرى بعد تلك الفقرات بقليلٍ كماجاء في (سفر أرميا): «اصعدي ايتها الخيل وهيجي المركبات ولتخرج الابطال... الى ان يقول: «فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمةٍ للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم. فأن (مبغضيهِ) هم مبغضي احباءَهُ واولياءَهُ، فببغضهم لهم أبغضوا المولى تعالى، وبحربهم لهم حاربوهُ، وبإنتهاكِ حرمتهم إنتهكوا حرمتهَ عزَّ وجلَّ !، والامر واضحٌ لكُلِّ لبيبٍ!.

ثم تذكر التوراة كما اسلفنا أن سبب هذا الانتقام العجيب من الاعداء هو: « لانّ للسيد ربّ الجنود ذبيحة في ارضِ الشمالِ عند نهر الفرات([324]).

بلى!، والله ذبيحة وأيّةُ ذبيحةٍ! في كربلاء، وما ادراك ما كربلاء!؟. ان لهذه الارض ولهذه الذبيحةعند الله تباركَ وتعالى وأنبياءه واولياءه عليهمُ السلام الف قصّةٍ وقصّة!.

 ومن ذلك ماروى مجاهد عن ابن عباس قال: كنت مع امير المؤمنين علیه السلام  في خرجته الى صفين، فلما نزل نينوى([325])، وهو بشط الفرات قال باعلى صوته: يابن عباس اتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما اعرفه يا امير المؤمنين قال علیه السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتىتبكي كبكائي!. قال: فبكى طويلاً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبكينا معه وهو يقول: أوه أوه، ما لي ولآلِ حربٍ حزب الشيطان واولياء الكفر، صبراً يا ابا عبد الله([326])، فقد لقي ابوك مثل الذي تلقى منهم، ثم دعا بماءٍ فتوضأ وضوء الصلاة، فصلى ما شاء الله ان يصلي، ثم ذكر نحو كلامه الاول إلا انه نعسعند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثم انتبه فقال يابن عباس: قلت ها أنا ذا. فقال: ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟. فقلت: نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين. قال: رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ومعهم اعلام بيض وقد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع وقد خطّوا حول هذه الارض خطة، ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت باغصانها الارض تضطرب بدم عبيطٍ، وكأني بالحسين سخلتي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرقفيه، يستغيث فلا يُغاث وكان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون: صبراً آل الرسول فانكم تُقتلون على ايدي شرار الناس، وهذه الجنة يا اباعبد الله اليك متشاقة ثم يعزونني ويقولون: يا ابا الحسن أبشر فقد أقرّ الله به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا، والذي نفس عليّ بيده لقد حدثني الصادق المصدق ابو القاسم  صلى الله عليه وآله وسلم  في خروجي الى اهل البغي علينا، وهذه ارض كربٍ وبلاء يدفن فيها الحسين علیه السلام  وسبعة عشر رجلاًمن ولدي وولد فاطمة وانها لفي السموات معروفة تذكر ارض كرب وبلاء، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس، ثم قال لي: يا بن عباس اطلب في حولها بعر الظباء، فوَالله ما كذبت ولا كذبت وهي مصفرّة لونها لون الزعفران!.

قال ابن عباس فوجدتها مجتمعة فناديته: يا امير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها. فقال علي علیه السلام  صدق الله ورسوله، ثم قام علیه السلام  يهرول اليها فحملها وشمها وقال: هي هي بعينها. اتعلم يابن عباس ما هذه الابعار؟، هذه شمها عيسى ابن مريم علیه السلام !، وذلك انه مرّ بها ومعه الحواريون، فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي فجلسعيسى علیه السلام  وجلس الحواريون معه فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى فقالوا: يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال: اتعلمون اي ارض هذه؟ قالوا: لا. قال: هذه ارضٌ يُقتلُ فيها فرخ الرسولاحمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيهة امي، ويلحد فيها، طينة اطيب من المسك لانها طينة الفرخ المستشهد. وهكذا تكون طينةالانبياء واولاد الانبياء، فهذه الظباء تكلمني وتقول انها ترعى في هذه الارض شوقاً الى تربةِ الفرخ المبارك وزعمت انها آمنة في هذه الارض، ثم ضرب بيده الى هذهالبعرات فشمها فقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فابقها ابداً حتى يشمها ابوه فيكون له عزاء وسلوه قال: فبقيت الى يومنا هذا، وقد اصفرت لطول زمانها. وهذه ارض كرب وبلاء، ثم قال باعلى صوته: يا رب عيسى ابن مريم لا تبارك في قتلته والمعين عليه والخاذل له، ثم بكى طويلاً وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم افاق واخذ البعر فصّره في ردائه وامرني ان اصرّها كذلك ثم قال: يا بن عباس اذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيل منها دم عبيط فاعلم ان ابا عبد الله قد قتل بها ودفن. قال ابن عباس: فوالله لقد كنت احفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله ـ عزوجل ـ عليّ، وانا لا احلّها من طرف كُمّي. فبينما انا نائم في البيت اذا انتبهت فاذا هي تسيل دماً عبيطاً!. وكان كمي قد امتلا دماً عبيطاً فجلست وأنا باكٍ وقلت قد قتل والله الحسين، والله ما كذبني عليّ علیه السلام  قط في حديث حدثني قط، ولا اخبرني بشيء قط انهيكونإلّا كان كذلك، لان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  كان يخبره باشياء لا يخبر بها غيره، ففزعت وخرجت، وذلك عند الفجر، فرأيت والله المدينة كأنها ضباط لا يستبين منها اثر عين، ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة ورأيت كان حيطان المدينة عليها دم عبيط فجلست وانا باكٍ فقلت قد قتل والله الحسين!، وسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول اصبروا يا آل الرسول، قتل فرخ البتول، نزل الروح الامين ببكاءٍ وعويل، ثم بكى باعلى صوته وبكيتفاثبت عندى تلك الساعه وكان شهر محرم يوم عاشواء لعشر مضين منه فوجدته قتل!. ورد علينا خبره وتاريخه فحدثت كذلك هذا الحديث اولئك الذينكانوا معه فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولا ندري ما هو!؟، فكنا نرى انه الخضر علیه السلام ([327]).

 و...عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: خرج أمير المؤمنين علي علیه السلام  يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين تقدم بين أيديهم حتى صار بمصارع الشهداء، ثم قال: قبض فيها مائتا نبي ومائتا وصي ومائتا سبط كلهم شهداء باتباعهم، فطاف بها على بغلته خارجا رجله من الركاب، فأنشأ يقول: مناخ ركاب ومصارع شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من أتى بعدهم([328]).

 و...عن محمد بن سنان، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: خلق الله تعالى كربلا قبل ان يخلق الكعبة بأربعة وعشرين الف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل ان يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك، ويجعلها أفضل ارض في الجنة([329]).

نظرةٌ في فقرات التوراة:

وبعده الفقرة التي تحمل في طيّاتها رثاءَ الاحبّةِ والاولياءِ التي تقول:(في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا)، جاءت مباشرةً فقرةٌ تقول: (من هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواجها...)!.ولعمري إنّ هذا لمن ابلغ التعابير التي وجدناها وأدقّها، وتحمل اسراراً مهمّة ولا نستطيعُ الإلمامإلّا ببعضها، ومن ذلك:

فَهُم بعد سقوطهم المؤلم مباشرةً عَرَجت ارواحُهُمإليه تبارك وتعالى يقدمهم امامهم وقائدهم ومعلِّمهم الحسين علیه السلام  بروحه الجبارة العظيمة!، حيث يزرع الربُّ عزَّ وجلَّ في نفوسنا وعلى مدى كُلِّ العصور والدهورِ تساؤلاً وتعجباً ودهشةً تفوق الخيال، مَن هذا الامامُ الفذُّ الذي تعجّبت منصبره ملائكة السماء!؟، ولطمت عليه الحور العين!؟، واقرح قلوب الانبياء والاوصياء!؟، وبكت له الارض والسماء!؟.

 فها هو يصعد الى السماء بكلّ ثباتٍ وهَيبةٍ وفيأعلى درجات الانتصارِ والظفرِ، بشوقٍ كبير ومرأى ومسمع من ربّه الحنان المنان، وبحشود ذلك العالم العلوي المبارك، ليتم إستقباله في عالم الملكوت إستقبالاً يليق بمقامه المقدّس. وتشبيه الإمام الحسين علیه السلام  بنهر النيل!، كان تشبيها غيبيّاً عجيباً، لأنّ من خواص هذا النهر:

1: انّه أطول نهر في العالم([330])، وكلّما كان النهر طويلاً زادت بركته وعمّ كرمُهُ وفيضهُ، لانه سوف يسقي ويروي كل ما يمرّ به من حجرٍ وشجرٍ ومدرٍ، ويغسل درن الاعداد الكبيرة من البشر وغير البشر، فتنموا الحياة وتزدهر ببركة جريانه، ثم ان فيه علاجاً نفسيّاً لكل البشر بلونه الأخّاذ وخرير مياهه العذبة...الخ!. وهذا كلّه ثابت لسيد الشهداء علیه السلام ، بل واكثر من ذلك بكثير، مما لا نستطيع الوقوف عليه بحال من الاحوال، فتأمّل!.

2: وان هذا النهر هو النهر الوحيد في العالم الذي ينبع من الجنوب ويصبُّ فيالشمال!، حيث يخترق الاراضي السودانية والمصريّة ويصبُّ في البحر الابيض المتوسط. ولعمري فانّ الامام الحسين علیه السلام  كذلك، فانّه نبع من مكة المكرَّمة والمدينة المنوَّرةِ، وجرى باتجاه الشمال، حتى صبّ جوده وكرمه الاعظم في كربلاء، هذا وقد عبّرت الكتبالسماوية السابقة وصحف الانبياء علیهم السلام  عن كربلاء بأنّها (أرض الشمال)([331])، وقد مرتّ علينا بعض النصوص بهذا الشأن.

3: وبعدُ فانَّ هذا النهر على كبره وعظمته، ليس بمقدوره تحمّل جود وكرم الحسين علیه السلام ، لذا فانّ هذا التشبيه يكون ناقصاً وغير تام إن بقي كما هو فقال الربُّ المتعال: (...كانهارٍ تتلاطم امواجها...) أجل، فان صعوده كان كصعود النيل، ولكن كالانهار المتلاطمة الامواج بقوته واقتداره، فانّ النيل وفي مسافات شاسعة يكون ماءهُ فاتراً، والحسين ليس كذلك، فتأمّل!. وبعدُ فانَّ الانهار المتلاطمة ديدنها الجريان والفيضان والسقي المتواصل بمائها العذبالدّفاق، بخلاف البحار فهي شديدة الملوحة شرسة الطباع...الخ!، فكان الوصف بالانهارِ أبلغ!.

 وفي التوراة أيضاً: أنّ الديانة اليهودية بشرت بالمصلح المنقذ للبشرية، حيث نجد الاشارة في (سفر أشعيا) الى كون المبشّر به هو صنيعةالغيرة والشرفوالثأر الالهي، فقد تضمنت احدى الفقرات هذا المعنى بقولها: (ستخرج من القدس، بقية منجبل صهيون، غيرةُ ربِّ الجنودِ ستصنع هذا)([332]).

وفي سفر إشعياء النبي علیه السلام  أيضاً: (6 لانَّهُ يُولَدُ لنا ولدٌ، ونُعطى إبناً([333])، وتكون الرياسةُ على كتفهِ ويدعى اسمه عجيباً مشيراً الهاً قديراً أَباً أَبدياً رئيس السلام 7 لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحقِّ والبِّر من الان الى الابد، غيرة رب الجنود تصنع هذا)([334]).

أجل!، فهو غيرةُ الله، وفي هذا وردت أحاديثٌ جليلةٌ عن أهل بيت النبوة علیهم السلام  نتركها للإختصار!، هذا وقد تحدَّثَ شاعرُ اهل البيت بمنطقِ التوراة حينما كان يندبُ منجي العالم بقوله:

يا غيرةَ الله اهتفي بحميّة الدين المنيعة([335])

وضُبا انتقامكِ جرِّدي لطلا ذوي البغي التليعة

ودعي جنود الله تملأُ هذه الأرض الوسيعة

وأما الإشاراتُ في قوله: (لانَّهُ يُولَدُ لنا ولدٌ، ونُعطى إبناً([336])، وتكون الرياسةُ على كتفهِ ويدعى اسمه عجيباً مشيراً الهاً قديراً أَباً أَبدياً رئيس السلام 7 لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحقِّ والبِّر...)!، فهي واضحةٌ بيِّنةٌ، أي أنَّنا معاشرَ الأنبياءِ والرسلِ سوفَ يُكرمنا المولى جلَّ شأنهُ بابنٍ مباركٍ يحكمُ بحكمِ داودَ علیه السلام ، وقد جعلهُ الله رئيساً حسبَ علمهِ ومنِّهِ السابقِ رغمَ أُنوفِ الظالمينَ الذينَ سلبوا الرياسةَ من الأنبياءِ والاوصياءِ عليهم السلام، وفي النصِّ اشاراتٌ ومعانٍ جليلةٍ يتذوقها أهلُ المعرفةِ الحقَّةِ!.

ثالثاً: بيانُ الإنجيل:

وللإنجيلِ بيانهُ الشيِّقِ الجميل في هذا المضمار، حيث صرَّحَ بما مضمونهُ، انه# في ظهوره المبارك يُنادى بصوتٍ عظيمٍ يسمعُهُ كلُّ البشر: «خافوا الله واعطوه مجداً، لانه قد جاءت ساعة حكمه([337]).

ولجمال هذا النصّ والبشارة الواضحة فيهِ، نقفُ عليهِ قليلاً، حيثُ جاء في بعضِ فقراتهِ: ﴿6 ثم رأيت ملاكاً آخر طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية ليبشر الساكنين على الأرض وكل أُمة وقبيلة ولسان وشعب* 7 قائلاً بصوتٍ عظيمٍ خافوا الله وأُعطوه مجداً لأنه قد جاءت ساعة دينونتهِ([338]) واسجدوا لصانع السماء والأرض البحر ينابيع المياه*([339]).

وهذهِ الاشاراتُ واضحةُ الدلالةِ في كون حكم الربِّ بواسطة دولةمنجي العالم#، باعتباره الخليفة الاعظموهو المنتظر المؤمّل لتجديد الفرائض والسنن، وما ضيع من حقٍّ وصدقٍ!. والفقرة تشير الى مسألة مهمةٍ أيضاً وهي: كأن الرب تبارك وتعالى لم يحكم قبل ظهور المهدي#!، بل يبدأ حكمهُ المبارك بمجيئه وبسط يده على كلِّ الارض!.

وهذا حقٌّ وصدقٌ، لان الله تبارك وتعالى بريءٌ من جميع الاحكام الوضعية والقوانين المادية الجائرةِ التي حكمت ولا زالت تحكم الامم بايدي الجبابرة والظالمين وتجّار الدنيا الذين ملؤا الدنيا رجساً وفساداً، قال جلَّت قدرتهُ: «ظهرَ الفسادُ في البرِّ والبحرِ بما كسبت ايدي الناس ليُذيقهم بعضَ الذي عمِلوا لعلَّهم يرجعون([340]).

وفي مستدرك الصحيحين ومسند احمد وغيرهما، عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تُملأُ الارض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من اهل بيتيمن يملأُها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً([341]).

وعن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: «ويح هذه الامة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلّا من اظهرَ طاعتهم، فالمؤمن المتقي يصانعهم بلسانهِ ويفرُّ منهم بقلبهِ، فاذا اراد الله عزّ وجلَّ ان يُعيدَ الاسلامُ عزيزاً قصم كل جبار، وهو القادر على ما يشاء ان يصلح امة بعد فسادها...، الى أن يقول...فقال علیه السلام : «يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجلٌ من اهل بيتي يجري الملاحم على يديه، ويظهر الاسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب([342]).

 هذا وقد مرَّت عليكَ الكثيرُ من الفقراتِ المهمَّةِ التي أكَّدت على وحدةِ الهدفِ والمشروعِ بين ذبيح الله الأعظمِ وبينَ المصلحِ والمنقذِ الذي سيشرقُ علينا في آخرِ الزمان بوجههِ الربانيِّ المنيرِ، فمن رآهُ فكأنَّما رأى جميعَ الأنبياءِ والأوصياء، بل كأنَّما رأى وجهَ الله تباركَ وتعالى!، ومن نصرهُ فهو كمن نصرَ جميعَ الأنبياءِ والأوصياء عليهم السلام، بل كأنَّما نصرَ الله تعالى، وهو كذلكَ والأمرُ بيِّنٌ جليٌّ!.

 وإذا رجعت للنصوصِ التي أثبتناها في الفصولِ السابقةِ تجدْ عَجباً، وإليكَ واحداً منها، على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ:

﴿6 وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه كثيرة وكصوت رعود شديدة قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء* 7 لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأنَّ عرسَ الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها* 8 وأُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً لان البز هو تبررات القديسين* 9 وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي أقوال الله الصادقة* 10 فخررت أمام رجليه لأسجد له فقال لي انظر لا تفعل أنا عبد معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع اسجد لله فان شهادة يسوع هي روح النبوة* 11 ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب* 12 وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسمٌ مكتوبٌ ليس احدٌ يعرفهُ إلّا هو* 13 وهو متسربل بثوب مغموس بدمٍ ويدعى اسمهُ كلمة الله* 14 والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيلٍ بيض لابسين بزاً ابيض ونقياً* 15 ومن فمه يخرج سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الأُمم وهو سيرعاهم بعصاً من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء* 16 وله على ثوبه وعلى فخذه اسمٌ مكتوبٌ ملك الملوك ورب الأرباب* 17 ورأُيت ملاكاً واحداً واقفاً في الشمس فصرخ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً لجميع الطيور الطائرة في وسط السماء هلم اجتمعي إلى عشاء الإله العظيم* 18 لكي تأكلي لحوم ملوك و لحوم قواد ولحوم أقوياء ولحوم خيل والجالسين عليها ولحوم الكل حراً وعبداً صغيراً وكبيراً* 19 ورأيت الوحش وملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده* 20 فقبض على الوحش والنبي الكذاب معه الصانع قدامه الآيات التي بِها أضلَّ الذين قبلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته وطرح الاثنان حيين إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت* 21 والباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس الخارج من فمه وجميع الطيور شبعت من لحومهم*([343]).

 فقد قرنَ الباري جلَّ شأنهُ المنيف قضيَّةَ الذبيحِ الأعظمِ وتكريمهِ مع المصلحِ والمخلِّصِ في آخرِ الزمان وانتصارهِ الساحقِ فهما من الشجرةِ الطاهرةِ المباركةِ، ومشروعها الإلهيّ واحدٌ...الخ!. وقد تقدَّمَ مزيدُ بيانٍ حولَ النصوصِ التي نقدَّمت في الفصولِ السابقةِ، نكتفي بها!.

الفصل السادس

بيانُ الأسفارِ المقدَّسةِ عن أرضِ مذبحِ السبطِ وأنصارهِ الميامين

 فقد كان الأنبياءُ والرسلُ علیهم السلام  في كلِّ العصورِ والدهورِ على علمٍ واطلاعٍ كاملٍ بمصرعِ السبطِ المبارك وذبحهِ وكيفيَّةِ سفكِ دمهِ الطاهر الشريفِ وما يجري على آلِ الرسولِ الأكرمِ في تلكَ الواقعةِ الأليمةِ...!، كيفَ لا!، وهو الوريث الأتم والأكمل لخصالهم وشرائعهم، بل لكلِّ قدسيَّتهم وطهارتهم، وكانت عندهم تفاصيلُ ذبحهِ المشجي لكلِّ غيورٍ، وأرض مذبحهِ ذات الكربِ والبلاء!، وقد أخبرهم بذلكَ وأطلعهم عليهِ جبّارُ السماواتِ والأرضِ، وأثبتَ ذلكَ في كتبهم وأسفارهم وصحفهم المقدَّسةِ...!، ويمكنُ لنا اثباتُ أرضِ مذبحِ السبطِ وأنصارهِ الميامين في كونها هي الوحيدةُ المعنيَّةُ بكلِّ ذلكَ، عبرَ تلخيصِ بعضِ الأدلَّةِ، ومنها:

أوَّلاً: اثباتُ أرضِ المذبحِ

 اثباتُ أرضِ المذبحِ المقدَّسِ في كونها هي البقعةُ المباركةِ الطاهرةِ!: وللوصولِ إلى ذلكَ، يجبُ أن نستعرضَ بعضَ الأدلَّةِ على كونها هيَ الأرضُ المباركةُ المعنيَّةُ بكلِّ ذلكَ، ومنها:

1: إذا عُرِفَ السببُ، بطُلَ العجبُ!:

 فإنَّهُ مما تقدَّمَ من الفصولِ السابقةِ، وما احتوتهُ من أدلَّةٍ دامغةٍ من كونهِ هو الذبيحُ المباركُ المقدَّسُ، وهو السبطُ الشهيدُ وابنُ الأنبياءِ والرسلِ عليهمُ السلام...الخ!، فاذا عرفنا ذلك، استدللنا على مكانِ مذبحهِ المبارك، واستدللنا على وقعتهِ الأليمةِ، ويومهِ العظيمِ المهولِ، مباشرةً ومن دونِ عناءٍ أبداً!.

2: صراحةُ النصوصِ في ذلك!:

علاوة على ذلك، فقد جاءت النصوصُ صريحة في ذلك!، ومنها ما جاء في سفر ارميا النبي علیه السلام :

﴿في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. مـن هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواجهـا([344])...*﴾ الى ان يقول: ﴿*... اصعدي ايتها الخيل وهيجي المركبات ولتخرج الابطال، كوش وفوط القابضان المجن واللوديون القابضون القوس. فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم*﴾. ثم تذكر التوراة وفي سفر ارميا النبيّ علیه السلام ان السبب في هذا الانتقام من الاعداء هو ما يلي: ﴿*ان للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات*﴾([345]). وعليهِ فقد بانتِ الشمسُ في ضُحاها!، ولكنَّ الأعمى يحسُّ بحرارتها لكنَّهُ لا يراها!.

3: اشارةُ النخيل لأرضِ المذبحِ:

 

 وقد جاءت الإشاراتُ واضحة الدلالةِ في أسفارِ الإنجيل على كونها هي البقعةُ المباركةُ المعنيَّةُ، ومن ذلك:

﴿* 9بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع احد أن يعده من كل الأُمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل* 10 وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف* 11 وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخروا أمام العرش على وجوههم وسجدوا لله* 12 قائلين آمين البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين آمين* 13 وأجاب واحد من الشيوخ قائلاً لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتَوا* 14 فقلت له يا سيد أنت تعلم فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف* 15 من اجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلاً في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم* 16 لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر* 17 لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماءٍ حيّةٍ ويمسح الله كل دمعةٍ من عيونهم*﴾([346]).

 والفراتُ المبارك رمزهُ النخيل المخيِّمُ على ضفافهِ الطيِّبةِ، وقد جاءت تلكَ الإشاراتُ في حديثِ أهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ، ومن ذلك:

 قال موسى بن جعفر عليهِ الصلاةُ والسلامُ في محاججتهِ مع العالمِ النصراني الذي كانَ يبحثُ عنِ الحقيقةِ وأهلها:

﴿*...وأَمَّا اليَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْ فِيه مَرْيَمُ، فَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثَاءِ، لأَرْبَعِ سَاعَاتٍ ونِصْفٍ مِنَ النَّهَارِ، والنَّهَرُ الَّذِي وَلَدَتْ عَلَيْه مَرْيَمُ عِيسَى÷ هَلْ تَعْرِفُه؟، قَالَ لا، قَالَ هُوَ الفُرَاتُ وعَلَيْه شَجَرُ النَّخْلِ والكَرْمِ ولَيْسَ يُسَاوَى بِالفُرَاتِ شَيْءٌ لِلْكُرُومِ والنَّخِيلِ فَأَمَّا اليَوْمُ الَّذِي حَجَبَتْ فِيه لِسَانَهَا ونَادَى قَيْدُوسُ وُلْدَه وأَشْيَاعَه فَأَعَانُوه وأَخْرَجُوا آلَ عِمْرَانَ لِيَنْظُرُوا إِلَى مَرْيَمَ فَقَالُوا لَهَا مَا قَصَّ الله عَلَيْكَ فِي كِتَابِه وعَلَيْنَا فِي كِتَابِه فَهَلْ فَهِمْتَ...*﴾([347]).

ثانياً: علمُ المقدَّسينَ ويقينهم بمصرعهِ:

 وقد عرفت أنّهُ كان الأنبياءُ والرسلُ علیهم السلام  في كلِّ العصورِ على علمٍ حضوريٍّ كاملٍ، بل يقينٍ مطلقٍ، بمصرعِ سبطِهم وذبحهِ وكيفيَّةِ سفكِ دمهِ الطاهر، وما يجري على آلِ الرسولِ الأكرمِ محمدٍ صلى الله عليهِ وآلهِ في تلكَ الواقعةِ الأليمةِ، فهو وريثهم الأتم والأكمل، وكانت عندهم تفاصيلُ ذبحهِ المشجي لكلِّ غيورٍ، وأرض مذبحهِ ذات الكربِ والبلاء!، وقد أخبرهم بذلكَ وأطلعهم عليهِ جبّارُ السماواتِ والأرضِ، وأثبتَ ذلكَ في كتبهم وأسفارهم وصحفهم المقدَّسةِ، فكانَ من ذلكَ اشاراتٌ مهمَّةٌ، ومنها:

1: كونهُ الأُسوة والقدوة:

 فانّ الأنبياء والرسلِ علیهم السلام  قد اتخذوهُ أُسوةً وقدوةً لهم، منذُ أن طلبوهُ فعرفوهُ، ثمَّ أحبّوهُ، ثمَّ عشقوهُ، فذابوا فيهِ ذوباناً أنساهم آلامهم ومصائبهم!، والأدلَّةُ في ذلكَ كثيرةٌ جدّاً، لا سبيل للإطالةِ فيها، سوى بعض الإشارات!، فلقد وقفتَ على نصوصِ الأسفارِ المقدَّسةِ وفيها الكثير من ذلك!، ولكن بقي القولُ في موروثنا الدينيِّ المبارك، ومن ذلك ماجاء في الخبرِ:

 حدثني أبي&، قال: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن محمد بن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: ان إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: (واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)([348])، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم علیه السلام ، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه الله إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالى فقال: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين علیه السلام ([349]).

 وفي خبرٍ آخر: حدثني أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عنهما جميعاً، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران([350])، عن أبي عبد الله علیه السلام  قال: انه كان لله رسولاً نبياً تسلط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه، فأتاه رسول من رب العالمين فقال له: ربك يقرؤك السلام ويقول: قد رأيت ما صنع بك وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين أسوة([351]).

 وفي خبرٍ آخر: حدثني محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن مروان بن مسلم، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : يا بن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: (واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)، أكان إسماعيل بن إبراهيم علیه السلام ، فان الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم، فقال علیه السلام : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وان إبراهيم كان حجة لله كلها قائما صاحب شريعة، فإلى من أُرسل إسماعيل إذن، فقلت: جعلت فداك فمن كان. قال علیه السلام : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي علیه السلام ، بعثه الله إلى قومه فكذبوه فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم فوجه إليه اسطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل أنا اسطاطائيل ملك العذاب وجهني إليك رب العزة لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك. فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل، فقال: يا رب انك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي÷ من بعد نبيها، وانك وعدت الحسين علیه السلام  أن تكرَّ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب إن تكرني إلى الدنيا حتى انتقم ممن فعل ذلك بي كما تكر الحسين علیه السلام ، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكر مع الحسين علیه السلام ([352]).

2: كان أهلاً للتوسُّل والتشفُّع:

 فقد توسّلَ بهِ حتى الملائكةُ وتشفَّعَ لهم، ولقد عرِفتهُ جميعُ العوالم بذلك، وأدركت مقامهُ وقربهُ، وقد مرَّت بكَ الإشاراتُ الواضحةُ في نصوصِ الأسفارِ المقدَّسةِ!، وبقي القولُ في موروثنا الدينيِّ المبارك، ومن ذلك ما جاء في الخبر:

 حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز الكوفي، قال: حدثني خالي محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني موسى بن سعدان الحناط، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن إبراهيم بن شعيب الميثمي، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام  يقول: إن الحسين بن علي÷ لما ولد أمر الله عز وجل جبرئيل علیه السلام  إن يهبط في الف من الملائكة فيهنئ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  من الله ومن جبرئيل علیه السلام ، قال: وكان مهبط جبرئيل علیه السلام  على جزيرة في البحر، فيها ملك يقال له: فطرس، كان من الحملة، فبعث في شي فأبطا فيه، فكسر جناحه والقي في تلك الجزيرة يعبد الله فيها ستمائة عام حتى ولد الحسين علیه السلام ، فقال الملك لجبرئيل علیه السلام : أين تريد. قال: ان الله تعالى أنعم على محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  بنعمة فبعثت أهنيه من الله ومني، فقال: يا جبرئيل احملني معك لعل محمداً  صلى الله عليه وآله وسلم  يدعو الله لي. قال: فحمله، فلما دخل جبرئيل على النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وهنأه من الله وهنأه منه وأخبره بحال فطرس، فقال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ادخله. فلما أدخله أخبر فطرس النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بحاله، فدعا له النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وقال له: تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك. قال: فتمسح فطرس بالحسين علیه السلام  وارتفع، وقال: يا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أما أن أمتك ستقتله وله عليَّ مكافاةً أن لا يزوره زائرٌ إلّا بلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم إلّا بلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصلٍّ إلّا بلغته عليه صلاته، قال: ثم ارتفع([353]). والقول في مثلِ هذهِ الأخبار فوقَ حدِّ الإحصاءِ!.

3: جميعُ المقدَّسين يقفونَ معَ الذبيحِ المبارك

لقد صرّحت النصوصُ المقدَّسةِ بأنَّ جميع القدِّسينَ يقفونَ معَ الذبيحِ المبارك، وفي صفِّهِ، وفي جبهتهِ التي قاتلَ، ولازالَ يقاتلُ فيها أعدائه المجرمين، ولقد صرَّحَ الجميعُ بذلك ووقفت على شيءٍ منهُ في الفصولِ السابقةِ!، ولكن بقي ما في الرسالةِ الخاتمةِ من قولٍ في ذلك!، فمن ذلك بعض الإشارات، فقد جاء في الخبر:

حدثني أبي&، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد القماط، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: بينما رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  في منزل فاطمة  صلى الله عليه وآله وسلم  والحسين في حجره إذ بكى وخر ساجداً ثم قال: يا فاطمة يا بنت محمد إن العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيا هيئة، وقال لي: يا محمد أتحب الحسين علیه السلام ، فقلت: نعم!، قرةُ عيني، وريحانتي، وثمرة فؤادي، وجلدة ما بين عيني!، فقال لي: يا محمد ـ ووضع يده على رأس الحسين علیه السلام  ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه، أما انه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ـ وذكر الحديث([354]).

وفي خبرٍ آخر: حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الله بن علي الناقد، قال: حدثني أبو هارون العبسي، عن أبي الأشهب جعفر بن حنان([355])، عن خالد الربعي، قال: حدثني من سمع كعبا يقول: أول من لعن قاتل الحسين بن علي÷ إبراهيم خليل الرحمان، لعنه وأمر ولده بذلك واخذ عليهم العهد والميثاق، ثم لعنه موسى بن عمران وأمر أمته بذلك، ثم لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال: يا بني إسرائيل العنوا قاتله وان أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه، فان الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل([356]) غير مدبر، وكأني انظر إلى بقعته، وما من نبي الا وقد زار كربلاء ووقف عليها، وقال: انك لبقعة كثيرة الخير، فيك يدفن القمر الأزهر([357]).

ثالثاً: قُدسِيَّةُ أرضِ المذبحِ:

لأرضِ المذبحِ المباركةِ قدسيَّةٌ وعظمةٌ ملفتةٌ للنظرِ في جميعِ العوالم!، ولقد وقفتَ على شيءٍ من ذلك في الأسفار، إذ أكَّدت النصوصُ بأنَّ جميعَ الشعوبِ والأُممِ سيأتونَ إليها وملؤهم الشوقُ والحنين، وسينحنونَ لها إجلالاً وتبجيلاً لها متقربينَ بذلكَ إلى الله تعالى!، ومن ذلك ما جاء في الإنجيلِ في سفرِ الرؤيا:

 ﴿* 3 وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف قائلين عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين* 4 من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لان جميع الأُمم سيأتون ويسجدون أمامك لان أحكامك قد اظهرت*﴾([358]). فمجيءُ جميع الأُممِ، وسجودهم لهُ، وهو السجودُ المباركُ المقبول عندهُ عزَّ وجلَّ، وظهورُ أحكامهِ، تدلُّ على ذلكَ!، والنصُّ مختصٌّ بالذبيحِ الأعظم!، كما هو واضح معلوم!.

وبعد فإنَّ في الحديثِ الشريف لها وقعٌ عظيمٌ كذلك!، ومن ذلك اشاراتٌ مهمَّة، فقد جاء في الخبر:

عبد الله ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام  يقول لرجل من مواليه: يا فلان أتزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي÷، قال: نعم اني أزوره بين ثلاث سنين مرة، فقال له وهو مصفر الوجه: أما والله الذي لا اله الا هو لو زرته لكان أفضل لك مما أنت فيه، فقال له: جعلت فداك أكل هذا الفضل، فقال نعم والله لو اني حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً وما حج منكم أحد، ويحك أما تعلم أن الله اتخذ كربلاء حرماً امناً مباركاً قبل ان يتخذ مكة حرماً. قال ابن أبي يعفور: فقلت له: قد فرض الله على الناس حج البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين علیه السلام ، فقال: وإن كان كذلك فان هذا شئ جعله الله هكذا، أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين علیه السلام  حيث يقول: ان باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم، ولكن الله فرض هذا على العباد أو ما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم، ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم([359]).

رابعاً: ماجرى على الذبيحِ وعشّاقهِ بلسان المقرَّبين

 وقد عرفت كيفَ تحدَّثَ الإنجيلُ عن مصابهِ الأليمِ، وهيئةِ ذبحهِ الدالةِ على عظيمِ مصابهِ الذي أبكى جميعَ العوالمِ!، ويكفي في رجوعكَ إلى بعضِ النصوص التي تقدَّمت في الفصولِ السابقةِ لكي تقف بنفسكَ على صدقِ ما ذهبنا إليهِ!، ولكن للإشارةِ فقط نستعرضُ حادثةً مهمَّةً قد ذكرها الإنجيل بجدارةٍ في قولهِ:

 ﴿4 فصرت أنا أبكي كثيراً لأنهُ لم يوجد احدٌ مستحقاً أن يفتح السفر ويقرأهُ ولا أن ينظر إليه* 5 فقال لي واحد من الشيوخ لا تبكِ هوَ ذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومَهُ السبعة* 6 ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروفٌ قائمٌ كأنَّهُ مذبوحٌ له سبعةُ قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض* 7 فأتى وأخذ السفر من يمين الجالس على العرش* 8 ولما أخذ السفر خرَّت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخاً أمامَ الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملؤة بخوراً هي صلوات القديسين* 9 وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأُمة* 10 وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنةً فسنملك على الأرض* 11 ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف* 12قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة* 13 وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبدِ الآبدين* 14 وكانت الحيوانات الاربعة تقول آمين والشيوخ الاربعة والعشرون خروا وسجدوا للحي إلى ابد الآبدين*([360]).

 ولأنّ ماجرى على ذبيحِ الله الأعظم وأنصارهِ الأبرار، لم يكن شيئاً عاديّاً ليُنسى خلال مرورِ الأزمان المتطاولة، بل هو شيءٌ تعجَّبت منهُ الملائكةُ المقربون، فضلاً عن عمومِ الملائكةِ، وكذا سكانُ العوالمِ الأُخرى والنشئآت!، كما مرَّ بكَ من نصوصِ الأسفارِ!.

وقد فصَّل الربُّ المتعالِ جلَّ شأنهُ تلكَ الواقعةَ الأليمة، وما جرى على حبيبهِ وأنصارهِ الميامين في أماكن متعدِّدةٍ من الأسفارِ المقدَّسةِ، ومن ذلك:

 ﴿* يقول الرب: الخفيف لا ينوص والبطل لا ينجو. في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. مـن هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواجهـا([361])...*﴾ الى ان يقول: ﴿*...فهذا اليومُ للسيد ربّ الجنود يومُ نقمةٍ للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم*﴾. وقد ذكرَ جلَّ شأنهُ المنيف ان السبب في هذا الانتقام من الاعداء هو: ﴿*ان للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في ارض الشمال عند نهر الفرات*﴾([362]).

وأما ذكرُ ذلكَ في الحديثُ الشريف، فهو كثيرٌ جدّاً، ولكن نكتفي من ذلك بإشارات، منها:

حدثني قدامة بن زائدة، عن أبيه، قال: قال علي بن الحسين÷: بلغني يا زائدة انك تزور قبر أبي عبد الله الحسين علیه السلام  أحيانا، فقلت: ان ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا!؟، فقلت: والله ما أريد بذلك الا الله ورسوله، ولا احفل بسخط من سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله ان ذلك لكذلك، فقلت: والله ان ذلك لكذلك ـ يقولها ثلاثاً، وأقولها ثلاثا ـ فقال:

 أبشر ثم أبشر ثم فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون. فإنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي علیه السلام  وقتل من كان معه من ولده واخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت انظر إليهم صرعي ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري واشتد لما ارى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي علیه السلام ، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وأخوتي!؟، فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أري سيدي وأخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم، مرملين بالعري، مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر!؟.

فقالت: لا يجزعنك ما ترى فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد اخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات انهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس اثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد اثره الا ظهوراً، وأمره الا علواً!.

 فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر!؟، فقالت: نعم!، حدثتني أم أيمن ان رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  زار منـزل فاطمة   صلى الله عليه وآله وسلم  في يوم من الأيام، فعملت له حريرة وأتاه علي علیه السلام  بطبق فيه تمر، ثم قالت أم أيمن: فاتيتهم بعس فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  وعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام  من تلك الحريرة، وشرب رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  وشربوا من ذلك اللبن، ثم اكل واكلوا من ذلك التمر والزبد، ثم غسل رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  يده وعلي يصب عليه الماء، فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه، ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً، ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجداً وهو ينشج، فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه، ثم رفع رأسه واطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين علیهم السلام  وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم ، وهبناه ان نسأله، حتى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله!؟، لا أبكى الله عينيك!، فقد اقرح قلوبنا ما نرى من حالك!؟.

 فقال: يا أخي سررت بكم ـ وقال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا: فقال: يا حبيبي ـ إني سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط واني لا نظر إليكم واحمد الله على نعمته فيكم. إذ هبط على جبرئيل علیه السلام  فقال: يا محمد ان الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فاكمل لك النعمة وهناك العطية، بان جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة، لا يفرق بينك وبينهم، يحبون كما تحبي (يحيون كما تحيي (خ ل)، وما في المتن هو الأنسب وهو من الحباء وهو العطاء) ويعطون كما تعطي، حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك، ويزعمون انهم من أمتك، برءا من الله ومنك، خبطاً خبطاً وقتلاً قتلاً، شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم. ثم قال لي جبرئيل: يا محمد!، ان أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقى البرية، يكون نظير عاقر الناقة، ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم، وان سبطك هذا ـ وأومى بيده إلى الحسين علیه السلام  ـ مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها: كربلاء، من اجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة، وانها من بطحاء الجنة، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها، ومادت الجبال وكثر اضطرابها، واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السماوات باهلها غضباً لك يا محمد ولذريتك، واستعظاماً لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافي به في ذريتك وعترتك، ولا يبقى شئ من ذلك الا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين، الذين هم حجة الله على خلقه بعدك!.

فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن: اني انا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع، وانا أقدر فيه على الانتصار والانتقام، وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي، وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهل بيته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فعند ذلك يضج كل شئ في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوءة من ماء الحياة، وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء والبسوها الحلل، وحنطوها بذلك الطيب صلت الملائكة صفاً صفاً عليهم، ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية، فيوارون أجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء، يكون علما لأهل الحق وسببا للمؤمنين إلى الفوز، وتحفه ملائكة من كل سماء مائة الف ملك في كل يوم وليلة، ويصلون عليه ويسبحون الله عنده، ويستغفرون الله لمن زاره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمتك متقرباً إلى الله تعالى واليك بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله: هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء.

 فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من اثر ذلك الميسم نور تغشى منه الابصار يدل عليهم ويعرفون به، وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي امامنا، ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصي عددهم، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق، حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك، يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله عز وجل، وسيجتهد أناسٌ ممن حقت عليهم اللعنة من الله والسخط ان يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا اثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً!.

ثم قال رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم : فهذا أبكاني وأحزنني، قالت زينب: فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي علیه السلام  ورأيت عليه اثر الموت منه، قلت له: يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا وكذا وقد أحببت ان أسمعه منك، فقال: يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن، وكأني بك وبنساء أهلك (ببنات أهلك (خ ل) سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين، تخافون ان يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم، ولقد قال لنا رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  حين أخبرنا بهذا الخبر: ان إبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير فرحاً فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته، فيقول: يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية ادم الطلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية وأورثناهم النار الا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم واغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب، انه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر.

قال زائده: ثم قال علي بن الحسين÷ بعد أن حدثني بهذا الحديث: خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولاً لكان قليلاً([363]).

خامساً: تفضيلُ أرضِ المذبح على غيرها

 فلقد فُضِّلت على مَن سواها تفضيلاً بيِّناً، وذلكَ واضحٌ بيّنٌ عند أهلِ المعرفةِ، ولسنا بصددِ ابداءِ النصوصِ في ذلك، لأنَّها طويلةُ الذيل، ومتعددةُ الصورِ والأحداث، لذا سنوكلها إلى بحثٍ آخر يستوعبها إن شاء الله تعالى!، ولكن نشيرُ هنا إلى طلاّبِ الحقائقِ العاليةِ، من أنَّ كلَّما مرَّ بكَ من نصوصٍ قد تحدَّثت عن موضوعِ ذبيحِ الله الأعظم، قد وصفت أرض مذبحهِ بأنها الأرضُ المقدَّسة، ووصفتها تارةً بأنَّها سفينةُ النجاة، وكونها منيرةً مشرقةً بنورِ الذبيحِ المبارك، وتأتيها الأُممُ والشعوب مطأطئينَ رؤوسهم خاشعينَ لها...الخ!، ويكفي لمن أرادَ ذلكَ مراجعةً سريعةً للنصوصِ ملاحظاً الرموزَ التي أبديناها لكي يقفَ على الحقائق!.

وأما ما وردَ في الأخبارِ الشريفةِ في تفضيلِ تلك الأرضِ المباركةِ فهو فوقَ حدِّ الإحصاءِ!، من ذلك بعض الإشارات، فقد جاء في الخبر:

 عن عمر بن يزيد بياع السابري، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: ان ارض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري، ويأتيني الناس من كل فج عميق، وجعلت حرم الله وامنه!؟، فأوحى الله إليها: ان كفي وقري فوعزتي وجلالي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به ارض كربلاء الا بمنـزلة الإبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمنته ارض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به، فقري واستقري وكوني دنيا متواضعا ذليلاً مهيناً، غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، والا سخت بك وهويت بك في نار جهنم([364]).

سادساً: قصَّةُ خلقِ أرضِ المذبح

فمادامَ صاحبها المقدَّسُ الذي عرفت!، قد خُلقَ وصُنعَ على عينِ الله سبحانهُ وتعالى، وباركَ الله فيهِ وبكلِّ ما ارتبطَ بهِ منذُ أمدٍ بعيدٍ جدّاً فأرضُ مصرعهِ كذلك!، فهي مرتبطةٌ بهِ ارتباطاً وثيقاً في كلِّ العوالمِ والنشئآتِ!، وقد وقفتَ على أسرارٍ من ذلكَ في نصوصِ الأسفارِ المقدَّسةِ التي أوضحناها في الفصولِ السابقةِ، فراجع!، وأما في الأخبارِ الشريفةِ فهو كثيرٌ، ومن ذلكَ على سبيلِ الإشارةِ!:

حدثني أبو العباس الكوفي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: خلق الله تبارك وتعالى ارض كربلاء قبل ان يخلق الكعبة بأربعة وعشرين الف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل ارض في الجنة وأفضل منـزل ومسكن يسكن الله فيه أوليائه في الجنة([365]).

سابعاً: زمنُ خلقِ أرض المذبح وعَودتها إلى الأصلِ

حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي سعيد، عن بعض رجاله، عن أبي الجارود، قال: قال علي بن الحسين÷: اتخذ الله ارض كربلاء حرماً امناً مباركاً قبل ان يخلق الله ارض الكعبة ويتخذها حرما بأربعة وعشرين الف عام، وانه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنها الا النبيون والمرسلون ـ أو قال: أولو العزم من الرسل ـ وانها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض، يغشي نورها ابصار أهل الجنة جميعا، وهي تنادي: انا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة([366]).

وفي خبرٍ آخر: حدثني أبي رحمه الله وجماعة مشايخي، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: خلق الله تعالى كربلا قبل ان يخلق الكعبة بأربعة وعشرين الف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل ان يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك، ويجعلها أفضل ارض في الجنة.

 وروي هذا الحديث جماعة مشايخنا رحمهم الله أبي وأخي وغيرهم، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن علي، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت أبي المقدام، عن أبيه، عن أبي جعفر علیه السلام  مثله، وزاد فيه: وأفضل منـزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة([367]).

 فكانت مسكنُ أولياءَهُ الذين عرفتهم من خلالِ هذا البحث ووقفتَ على عظيمِ منزلتهم!.

ثامناً: ماذا حصَّلَ القدِّيسونَ من الذبيحِ وأرضِ مذبحهِ؟.

 لقد حازَ الأنبياءُ والأولياءُ علیهم السلام  فيها على المقامات العليَّةِ، والرتبِ السنيَّةِ، ومن ذلك ما جاء في الخبر: قال أبو جعفر علیه السلام : الغاضرية هي البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمران علیه السلام ، وناجي نوحا فيها، وهي أكرم ارض الله عليه، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أولياءه وأبناء نبيّه([368])، فزوروا قبورنا بالغاضرية([369]). وقال أبو عبد الله علیه السلام : الغاضرية من تربة بيت المقدس([370]).

وعنهما بهذا الاسناد، عن أبي سعيد العصفري، عن حماد ابن أيوب، عن أبي عبد الله علیه السلام ، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم : يقبر ابني بأرض يقال لها: كربلاء، هي البقعة التي كانت فيها قبة الاسلام التي نجا الله عليها المؤمنين الذين امنوا مع نوح في الطوفان([371]).

 وباسناده عن ابن ميثم التمار، عن الباقر علیه السلام ، قال: من بات ليلة عرفة في كربلاء وأقام بها حتى يعيد وينصرف، وقاه الله شر سنته([372]).

 وبهذا الاسناد، عن علي بن الحارث([373])، عن الفضل بن يحيى، عن أبيه، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: (زوروا كربلاء ولا تقطعوه، فان خير أولاد الأنبياء ضمنته، الا وان الملائكة زارت كربلاء الف عام من قبل ان يسكنه جدي الحسين علیه السلام ، وما من ليلة تمضي إلّا وجبرائيل وميكائيل يزورانه، فاجتهد يا يحيى ان لا تفقد من ذلك الموطن)([374]).

تاسعاً: رثاءُ القدِّسين في أرضِ المذبح

 فقد كان الأنبياءُ والرسلُ والأوصياء علیهم السلام  يأتونَ أرضَ مذبحِ السبطِ المظلوم، ويبكونَ فيها بكاءاً مُرّاً، ويأمرونَ أتباعهم بالبكاءِ عليهِ والتأسِّي بهِ!، ويكفي مراجعة المصادرِ التي صدعت بذلك!، وهو كثير، نتاوجزهُ خوفَ الإطالةِ([375])!. ومن ذلكَ أيضاً في الرواياتِ الشريفةِ نُجملُ اليسيرَ منها:

 حدثني أبي وجماعة مشايخي رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: (مرَّ أمير المؤمنين علیه السلام  بكربلاء في أناس من أصحابه، فلما مر بها اغرورقت عيناه بالبكاء، ثم قال: هذا مناخ ركابهم وهذا ملقى رحالهم، وهنا تهرق دماؤهم، طوبى لك من تربة عليك تهرق دما الأحبة)([376]).

وفي خبرٍ آخر: حدثني أبي و محمد بن الحسن رحمه الله، عن الحسن بن متيل، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن محمد بن سنان، عمن حدثه، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: خرج أمير المؤمنين علي علیه السلام  يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين تقدم بين أيديهم حتى صار بمصارع الشهداء، ثم قال: قبض فيها مائتا نبي ومائتا وصي ومائتا سبط كلهم شهداء باتباعهم، فطاف بها على بغلته خارجا رجله من الركاب، فأنشأ يقول: مناخ ركاب ومصارع شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من أتى بعدهم([377]).

عاشراً: أرضُ المذبح وحديثها معَ الباري

 ومعلومٌ لدى أهل التحقيقِ والتدقيقِ بأنَّ ما مرَّ عليكَ من نصوصٍ في الفصولِ السابقةِ من أنَّ الأرضَ المقدَّسة التي ذكرها عزَّ وجلَّ انَّما هي رمزٌ مباشرٌ لأرضِ كربلاءِ المقدَّسةِ، وهذا معروفٌ في الكتبِ السماويَّةِ مُثبتٌ وعليهِ أدلَّةٌ كثيرةٌ لسنا بصددها الآن مخافةَ التطويلِ المملِّ!، وأما في الرواياتِ الشريفةِ فهناك إشاراتٌ كثيرةٌ، منها:

عن صفوان الجمال، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام  يقول: ان الله تبارك وتعالى فضل الأرضين والمياه بعضها على بعض، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت، فما من ماء ولا ارض الا عوقبت لتركها التواضع لله، حتى سلط الله المشركين على الكعبة وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه، وان ارض كربلا وماء الفرات أول ارض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى وبارك الله عليهما، فقال لها: تكلمي بما فضلك الله تعالى فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض، قالت: انا ارض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي، ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر على من دوني بل شكرا لله فاكرمها، وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين علیه السلام  وأصحابه. ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله تعالى([378]).

 نتائجُ البحثِ

في الختام، نشير بعون الله تبارك وتعالى، إلى أهم النتائج التي توصَّلنا إليها من خلال هذه الدراسة المتواضعةِ، وهذا الإبحار والتمعُّن في الموروث الديني السماوي، والذي كان بقدرنا، لا بقدر أنبيائهِ وأوليائهِ والصالحين من عبادهِ عليهم أفضلُ الصلاةِ والسلام، ونجملُ بعض النتائج بما يلي، فنقولُ بمنِّ وتوفيقِ الله عزَّ وجلَّ:

1: لابُدَّ من إنصافِ الأسفارِ المقدَّسةِ وخاصَّةً أسفار الإنجيلِ

لابُدَّ لكلِّ طُلاّبِ الحقيقةِ ومُريديها من محقِّقينَ ومطَّلعينَ من انصافِ جميع الأسفار المقدَّسةِ، بما فيها أسفارُ الإنجيل، والنظر اليها بعينِ العدلِ والدقّةِ، لكونها إرثاً دينيَّاً وأخلاقيَّاً وتأريخيّاً وحضاريّاً كبيراً؛ وأنَّ القول بأنّها أسفارٌ محرّفةٌ، ولا يمكنُ الإعتماد عليها، سلاحُ العاجِزِ!.

نعم!، ربّما أفتى بعضُ الأعاظم بضرورةِ اجتنابها في مراحل خطرةٍ من حياةِ المسلمين، وهو صحيحٌ!، وذلك لكونِ مَنْ لم تكن عقائدهُ محكمةٌ رصينةٌ من المسلمينَ وغيرهم، فانَّهُ قد يتيهُ في لُججِ تلك الأسفارِ دون أن يعرفَ المخرج، لذا فهذا خطرٌ عليهِ، لجهلِهِ وطراوةِ العقيدةِ عندهُ...!.

وأنَّ بعضَ ما وردَ فيها هو بلا شكٍّ ولاريبٍ ترجمةٌ أو نقلٌ شفاهيٌّ أو تواترٌ لِوَحيٍ موحى من الله عزَّ وجلّ!، نعم!، لقد وصلت اليها يدُ التحريف و...الخ، ولكنّ التمعّن في بعض النصوص يورث الإطمئنان بأنّها ترجمةٌ لنصٍّ مُوحى وإن سَقَطَ منه شيء أو أُضيف اليه شيءٌ أو حُذفَ منهُ شيءٌ!، وذلك لأنّها تحتوي على نفحةٍ من الغيب واضحةٍ، وسُمُوٍّ في نقل الصورة المستقبلية للحدث المنتظر!، يصعبُ جدّاً، بل يستحيلُ على أيّ إنسانٍ مهما كانت درجتُهُ العلميّة الإلمام بها والإحاطة بجزئيّاتها!. وهذا ما أُطلقَ عليه عندَ العلماء والباحثين بـ (من بقايا الوحي في العهدين) وهو وإن كان قليلاً كما يُعبَّر عنهُ، لكنَّهُ كثيرٌ وكثيرٌ جدَّاً!.

ولا يتوهمُ أحدٌ أنَّ هذا القليل من بقايا الوحي يستطيعُ انسانٌ مثلنا الوقوف عليه، وإحصائه، والتمكُّن منهُ، كلاّ وألف كلاّ!، لأنّه علمٌ شاسعٌ واسعٌ، دقيقٌ عميقٌ، إذ لرُبما حيَّرت العلماء والباحثين فقرةٌ واحدةٌ من بقايا الوحي في العهدين فجعلتهم في بالغ الحيرة والدهشة، وأُسقطَ ما في أيديهم!، وذلك من خلال ربطِ أو إضافةِ أو مقارنةِ هذه الفقرة بغيرها أو بشبيهاتها، وعدم التمكن من تفسيرها على الوجه الصحيح، كما في الفقرات الدالة على (يوم الله العظيم) في آخر الزمان، وخلطها خطئاً بالفقرات الدالة على يوم القيامة والفقرات والدالة على نزول عيسى بن مريم ÷ في آخرِ الزمان!، وهذه مشكلةٌ لم يواجهها أصحاب الكتاب المقدس فحسب، بل انما وقعت عند العلماء والمفسرين والباحثين المسلمين أنفسهم، فقد خلط الكثير منهم بين يوم القيامة وبين يوم الله الأعظم، وهوَ يوم ظهور المخلِّصِ الأعظم والمنجي والمنقذ لكلِّ العالم، وذلك واضحٌ في تفاسيرهم وكتبهم الأُخرى!.

2: آفاتُ الترجماتِ الخطيرة

 أنَّ للترجماتِ آفاتٌ خطيرةٌ قد صبَّتها وطَلَت بها الكتاب المقدّس ـ بما فيه الإنجيل ـ ؛ يجبُ الإلتفات اليها والوقوف عليها قبل كيل الشتائم الى (العهدين) بغير علمٍ!.

 فقد لعبت الترجمات دوراً مهماً في التشويش وإخفاءِ الحقائقِ!، والأعم الأغلب منها جاءت عن غير قصدٍ ولا عمدٍ!، بل لقصورٍ عند المترجمين أنفسهم؛ وسواء كان هذا الأمر في نطاقه السلبي، أو الإيجابي، فهو لاينطلي ولا يخفى على الباحثين المنصفين والمدقّقين والعلماء في جميعِ أنحاءِ العالم!.

 هذا وقد شمَّر علماءٌ ربّانيّون أيَّدهمُ الله تعالى بلطفهِ عن سواعدهم الشريفة لمحاولة ترجمة العهدين الترجمة المنصفةَ الحقَّةَ، وقد برعوا في ذلك الى حدٍّ كبيرٍ، ولكنهُ جهدٌ فرديٌّ وهم يشكرون عليه ولهم الأجرُ والثواب، ولكن عتبنا على الحواضر العلميةِ والمؤسسات!، لأننا نطمحُ الى جهدٍ جماعيٍّ لذلك، سواءٌ كانَ رسميّاً أو غير رسميٍّ، ومن ثم محاولة عرض تلك الجهود الكبيرةِ على ذوي الشأنِ من الديانات، والتوصُّلِ الى حلٍّ عالميٍّ لذلك!، نصرةً لبقايا الوحي في الكتاب المقدَّس، وتتويجاً للعقائد الربانيَّةِ الحقّةِ والمباركةِ في القرآن الكريم، من حيث وجود أُصولها وروحها ومعانيها في الكتب السماوية الأُخرى، وهو أمرٌ يُنبيءُ عن عمق العقائدِ الإلهيةِ المقدَّسةِ، وهي نصرةٌ لصراطِ الله الأقدس، وخدمةٌ لجميعِ البشرِ على حَدٍّ سواء!.

3: براءَةُ الأسفارِ والإنجيل مِنَ الرجسِ

 إنَّ الكتاب المقدس بأسرهِ فضلاً عن الإنجيل، ربما كان بريئاً من كلِّ تلكَ الأمور التي لا يُقرُّها الشرع المقدس كالإساءَةِ للأنبياء والرسل علیهم السلام !، وأنَّهُ قد جرى عليهِ مختلف أنواع الظلم كما ظُلمَ الأنبياءُ والرسل نفسُهُم ظُلماً لا مثيلَ لهُ!،وذلك لبسببٍ وجيهٍ جدّاً، وهو ما نسميهِ بـ(آفات التفسير وخلطها بالأصل)!، وكذا اختلاط بعض الشروحات والإشارات في سطورِ الآيات...الخ!، فالمفسرون والشراح والمدوِّنونَ أنواعٌ ومذاهب وفلسفاتٌ كما هوَ معلومٌ بيِّنٌ، وقد تأثَّرَ بهم الكتاب المقدَّس الى حدٍّ كبيرٍ على مدى العصورِ والأزمانِ المتباعدةِ، وبعض ما كتبوهُ من تفسيرٍ وملاحظاتٍ واشاراتٍ قد خُلِطت بأصلِ الكتابِ المقدَّس وشوَّهت وجههُ النيِّرِ الجميل!،كما شُوِّهت سُمعةُ الأنبياءِ والرسلِ علیهم السلام  من قبل!.

4: تصديقُ القرآنِ الكريمِ للإنجيلِ وبقيَّةِ الأسفارِ

 أنَّ القرآن الكريم وأسفار الإنجيل وبقيّة أسفار الكتاب المقدس، كلاهما يصدّقُ الآخرَ في مواضيع كثيرةٍ جداً!، وخاصةً العقائدية، ومنها موضوع ذبيحِ الله الأعظم، وهو البطلُ الخالدُ الذي هوى بجنبِ الفرات، وكان قيامهُ المبارك من أجلِ انقاذ الشعوبِ والأُمم، وقد ذُبحَ هناك وفصلَ رأسهُ المبارك عن جسدهِ الشريف...الخ!، وكذلك ما ارتبط بمشروع الله الأكبر وهو المنقذ الموعود في آخر الزمان وغيرها، وهذه حقيقةٌ ثابةٌ لاغبارَ عليها  ـ أعني تصديق كلٌّ منهما الآخر ـ ، وهي واحدة من الحقائق التي قد بيَّنها الله تبارك وتعالى وأشارَ اليها في القرآن الكريم في آياتٍ عديدةٍ ومنها قوله تَقَدَّست أَسماؤهُ: (الله لا إلهَ إلّا هو الحيُّ القيُّومُ. نَـزَّلَ عليكَ الكتبَ بالحقّ مصدّقاَ لما بينَ يديه وأَنزلَ التوراةَ والإنجيلَ. من قبلُ هُدىً للنّاس وأنزلَ الفرقانَ إنَّ الَّذينَ كفروا بآيت الله لهم عذابٌ شديدُ والله عزيزٌ ذو إنتقامٍ)([379]). وقوله تعالى: (يا أيها الذين أُوتوا الكتابَ آمنوا بما نزَّلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نَطمسَ وجوهاً فنَرُدُّها على أدبارها أو نَلعَنَهم كما لَعنّا أصحابَ السبتِ وكانَ أمرُ الله مفعولاً)([380]).

وأنَّ القرآن الكريم هو: كنـزُ الله الذي لايُقدَّرُ بثمنٍ في هذا العالم أبداً، وسرُّهُ المكنون، وقولهُ الحقّ، ووعدهُ الصدق، وهو يرتكزُ على قواعدَ صُلبَةٍ ومتينةٍ وغايةٍ في الأهميَّة في هذا المجال، ألا وهي الكتب الإلهيةِ المقدسةِ: التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام، وإن وَصَلَنا النـزرُ اليسير منها، إلّا أنَّهُ ذا قيمةٍ دينيَّةٍ وعلميَّةٍ وعقائديةٍ وأخلاقيَّةٍ وتأريخيَّةٍ... عاليةٍ جدّاً، لا يمكن تجاهلها بحالٍ من الأحوالِ أبداً!. وقد يفسر كلاهما الآخر في بعضِ الحقائق والعقائد المهمةِ والعلوم الغيبية...الخ!.

5: اجماعُ الكتبِ السماويَّةِ ونعيها وبكائها على الذبيحِ الأعظم

 أنَّ الكتب السماوية قد أجمعت، وأنشدت، وتغنَّت، ورثت، ونَعَت، وبكت ذبيحَ الله الأعظم وقُربانَهُ المنحور بيدِ الظالمين، وكذلك موضوع ثأرهِ الإلهيّ والانتقام من أعدائهِ بيدِ منجي العالم والمخلّص، وإن إختلفت في بعض الشكليّات، وليس هذا بدليلٍ سلبيٍّ بل إيجابي لإثبات هذه الحقيقة الدامغة، وإنّا لنعطي العذرَ للقدماء في بعض التشويش الحاصل حول هذه العقيدة وغيرها!، بسبب عدم وجود مثل ما نمتلكهُ اليوم نحنُ من أجهزة ألإتصال والكتابة والإعلام وغيرها لتثبيت تلك الحقائق كما هي.

وأنَّ موضوع المنقذ والمنتقم قد ذكرهُ جميعُ الأنبياء والرسل بما هو أهلُهُ، وحنّوا وحلموا بيومهِ الموعود، وذابوا اليه شوقاً!. وكذا يوم معشوق الله وذبيحهِ والذي هو من ذريَّةِ الأنبياءِ والرسلِ ورثوهُ وجزعوا لهُ جزعاً شديداً، وبكوا عليهِ بكاءً مرّاً، وعلى يومهِ الإلهيِّ المقدس وذكَّروا بهِ، وأثبتت أنَّ المنجي هو المنتقم الذي يدرك ثأرهُ وثأرَ الأنبياءِ والرسلِ وجميع المظلومين، وهناك علاقةٌ وثيقةٌ بينهما...الخ!.

6: الأملُ الربانيّ الحقيقيّ سارٍ في كلِّ زمانٍ

أنَّ الأملَ الربّانيَّ الحقيقيّ باقٍ وموجودٌ ومتحقِّقٌ لجميع الإنسانية وعلى مدى جميعِ العصور وإلى يومِ القيامةِ، والمخطّطَ الإلهيَّ الذي رَسَمَهُ عالمُ الغيب والشهادة سارٍ ومُثبَتٍ، ويجري بدقَّةٍ فائقةٍ والله بالغُ أمرهِ وقد جعلَ لكلِّ شيءٍ قدرا!، وأنَّ الإنتصار الساحق في آخرِ الزمان ببركةِ دمِ الذبيحِ المقدَّس واقعٌ لامحالةَ، لأنَّهُ وعدٌ وعهدٌ الهيّ حتميّ، ويملكُ من الأدلّة والبراهين العقليةِ والنقليةِ([381]) ما لا يحصى!. فقد ذكرت الكتبُ السماويةِ أنَّ عشاق الكبشِ المذبوح ومريديه ومحبيهِ وخدامهِ يُعطَونَ مثلَ أجرهِ وسيكونون معهُ وفي زمرتهِ في كلِّ العوالم، وأنَّ كلَّ ماجرى ويجري عليهِ وعليهم هو بعينِ الله تبارك وتعالى، وهو مذخورٌ لهم عندهُ عزَّ وجلَّ.

7: الذبيحُ المبارك ليسَ لملَّةٍ وطائفةٍ معيَّنةٍ بل هوض للجميع

 أنَّ السبطَ المذبوح ومعشوقِ الله عزَّ وجلَّ، صاحبُ المقامِ الأرفعِ، والجالس عن يمين العرش، وكذا المنقذ والمخلص المُنتظر ومُدركُ ثأرهِ ليسَ مُلكاً لطائفةٍ من المسلمين أو طائفةٍ من المسيحيين أو طائفةٍ من اليهود...، وليسَ ملكاً لشعبٍ من الشعوب أو أُمَّةٍ من الأُمم...، بل انما ثارَ من أجلِ الإنسانيّة جمعاء، وانقاذ البشريّة، وأُريق دمهُ الطاهر من أجلِ كلِّ ذلك!. وسيكملُ الدورَ رجلٌ منهُ وهو المخلصُ الذي يصلُ بالإنسانيّة الى أعلى مقامِ كمالٍ بمقدورها الوصول اليه في هذه النشأة.

 وأنَّ كُلَّ الشعوب والأُمم تنتظرهُ كـ (منقذٍ ومخلّصٍ ولكونهِ رجل الله المقدَّس والضروري...)، وإن اختلفوا في بعض الشكليّات والإشارات اليه!، ولكنَّ لسان حالهم وحالنا جميعاً في ساحةِ قدسهِ المنيفة:

 عباراتنا شتّى وحسنك واحدٌ وكلّ إلى ذاك الجمال يشير([382]).

8: انتصارُ العالمِ بالذبيحِ الأعظمِ

 أنَّ عالمَ الإنسان سينتصرُ إنتصاراً إلهيّاً ساحقاً لا هزيمةَ بعدَهُ أبداً!، وكلُّ ذلكَ ببركةِ الدّمِ الطاهرِ لكبشِ الله والسبط المذبوح ويومهِ ووقفتهِ وثورتهِ العظيمة الخلاقةِ!، ومجيء المصلح الأعظم في يوم الله الموعود وهو: (المنجي والمخلّص والأملُ والرجاء)، وادراك ثأرهِ وثأرِ كلِّ مظلومٍ ومضطهدٍ، وحلول المعاجز الكبيرةَ في عهده المبارك!، وذلك عندما يرى ألإنسان رأيَ العين أنَّ الله تعالى يقفُ معهُ وفي صفّه وفي خندقهِ، ويأخذ بيده الى عالم الحقّ والحقيقة والملكوت ويلمسُ ذلك لمسَ اليد!.

ولعلَّ القرآن الكريم يشيرُ الى ذلك النصر، بحسب مجرى الآيات في وقائع كثيرة فضلاً عن واقعةٍ معيَّنةٍ أو سببٍ للنـزول، وكذلك التأويل وبطون التفسير، ومن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (وكان حقّاً علينا نصرُ المؤمنين)([383]). و(يُريدونَ ليُطفؤا نورَ الله بأفوههم والله مُتمُّ نوره ولو كرهَ الكفرون. هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودين الحقّ ليُظهرَهُ على الدين كله ولو كَرهَ المشركون)([384]). و(هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودين الحقّ ليُظهرَهُ على الدين كله وكفى بالله شهيداً)([385]). و(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرضَ يرثها عباديَ الصالحون. إنَّ في هذا لَبَلـغاً لقومٍ عـبدين. وما أرسلنـكَ إلّا رحمةً للعـلمين)([386]). و(ونريدُ أن نَمُنَّ على الذين استُضِعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين)([387]). و(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّنّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعدخوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً...)([388]). و(كتبَ الله لأغلبَنَّ أنا ورُسُلي انَّ الله قويٌّ عزيزٌ)([389]).

9: الترابطُ ووحدةُ المشروعِ بين الذبيحِ والمخلِّص

 أن هناكَ ترابطاً وثيقاً ووحدةٌ في المشروعِ والهدف بينَ ثورةِ كبشِ الله المذبوح وبينَ منقذِ العالم، وأنّ مخلّص العالم يملكُ قواعدَ ومتبنياتٍ عظيمةٍ، ويستندُ الى أُسُسٍ شرعيّةٍ وقانونيَّةٍ وتأريخيةٍ وأخلاقيَّةٍ مقدَّسةٍ لثورتهِ الإلهيّةِ العظمى!، وهي امتدادٌ لثورةِ جدّهِ المذبوح ويومهِ ووقفتهِ، وأنّهُ صنيعةُ ربّ العالمين، الذي ادّخَرَهُ الى مرحلةٍ رائعةٍ من تأريخ الحياة البشرية؛ أَرانا الله وإيّاكم وجميع البشريةِ يومهُ المبارك ووجههُ الشريف، انهُ سميعٌ مجيبٌ.

10: الإنجيلُ هوَ الممهِّدُ الأخيرُ وقد بيَّنَ ملحمةَ العشق

 لقد امتازَ الإنجيلُ عن غيرهِ لكونهِ الممهِّد الأخير لنزولِ القرآن الكريم ومجيء النبيُّ الخاتم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم ، لذلك فصَّلَ في البشارات لذلكَ كُلِّهِ، وقد خصَّ بالذكرِ ملحمةَ العشقِ الإلهي التي سيسطّرها سبطُ الأنبياءِ وحبيبهم ووريثهم الشرعي وهو الإمامُ الحسين بن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء بنتِ خاتمِ الأنبياء محمد صلواتُ الله عليهم أجمعين، وقد بيَّنها بصورها الخالدةِ العجيبة، وأضفى عليها قدسيَّةً ليسَ لها حدود ومنقطعةِ النظير!.

11: القربانُ المذبوحُ، هو ليس عيسى ولا غيرهُ من الأنبياء علیهم السلام

 انَّ الذبيحَ المبارك والقربان المطهَّر الذي نعاهُ الإنجيل، هوَ ليسَ عيسى بن مريم صلواتُ الله عليهما، بل انَّ عيسى نفسهُ قد نعاهُ، وبكى عليهِ، وبشَّرَ بهِ مراراً وتكراراً على ضوءِ ما جاءَ بهِ الإنجيل!. ولا اسماعيل ولا اسحاق ولا يحيى صلواتُ الله عليهم، بل هو شخصٌ آخر مباركٌ عظيمٌ في جودهِ وعطائهِ وكرمهِ، وبيَّنت الخصائص الفريدة التي ذكرها الإنجيل والكتب الأُخرى أنها تنطبق على سبطِ الأنبياء ووارثهم الشرعي وامتدادهم الطبيعيّ الحسين صلواتُ الله عليه حصراً لا على غيره!، نعم قد يشترك معهُ نبيٌّ أو وصيٌّ في بعضِ الخصائص والصفاتِ، لكنهُ قد فاقهم جميعاً في مزايا وخصائص عديدة لا تثبت إلّا لهُ وحدهُ!، معَ حفظِ مقامهم الشريف جميعاً كلٌّ بحسبهِ. فخصوصيّاتهُ محفوظةٌ في كلِّ عوالمِ وجودهِ المبارك!، وهي بيِّنةٌ وحجَّةٌ في كلِّ العوالمِ على كلِّ الخلائقِ!.

12: تمهيدُ الأنبياء علیهم السلام  ومشاركتهم في الأجر وخاصَّةً عيسى علیه السلام

ثبت أنَّ الأنبياء صلواتُ الله عليهم بأجمعهم كانوا ممهدينَ لثورةِ السبطِ ويومهِ العظيم!، وقد شاركوهُ الأجرَ والثواب، لأنهم على خطهِ وهو على خطهم، فالطريقُ والهدفُ واحدٌ، وخاصّةً صاحبُ الإنجيل علیه السلام !، بل هو المشاركُ الأكبر، ومن مقامهِ المُحصَّل في ذلك، وفرطِ عشقهِ لذلك، سوفَ ينزلُ فعلاً ليشارك في الثأرِ لذبيحِ الله الأعظم، ويكونُ وزيراً لابنهِ المهدي وهو البقيةُ الباقية من آلِ محمد صلواتُ الله عليهم أجمعينَ. وامعاناً في الشوقِ العظيمِ منهُ فهو يصلّي خلفهُ ويكونُ وزيرهُ وأحدُ قوّادِ جيشهِ العظيم!.

13: الشيعةُ هُم أقربُ الناسِ للذبيحِ وللمنقذِ

انَّ التَّتبع العلمي التحقيقي ـ في موضوع ذبيحِ الله الأعظمِ المبارك، وكذا الآخذ بثأرهِ وثأرِ الأنبياءِ أي القائم المصلح ـ في القرآن الكريم والروايات الشريفة وفي بقيَّةِ الكتب السماوية المقدَّسة يقودنا الى حقيقةٍ مهمَّةٍ ناصعة لاغبارَ عليها ولابُدَّ من تثبيتها، وإن قد يعتبرها البعض قاسيةً وليس بمقدوره استساغتها أويصعُبُ عليه الأَخذ بها لضيق أُفقهِ الدّيني والعلمي والنفسي!. ولكنَّ الواجب الديني والعلمي والأخلاقي يفرضُ علينا جميعاً تثبيتها سواء كنّا مسلمين أو مسيحيين أو يهود...الخ؛ وهي كون أقرب الناس ـ أو قل الطوائف والمذاهب الدينيَّة الى الكبشِ المذبوح وهو معشوق الله الذي يزيِّن بهِ عرشهُ، وكذا المنقذ في آخر الزمانِ، المُدرك لثأرهِ وثأرِ المظلومين ـ وأكثرهم معرفةً بهِ، هم أتباع أهل البيت علیهم السلام  الذين يُسمَّونَ بـ (الشيعة)!.

فقد شُحنت المصادر المهمةِ والمنابعِ الرئيسيةِ عندهم بكلّ ما ارتبط بذبيحِ الله ويومهِ الكبيرِ وتضحياتهِ وبطولاتهِ وانتصاراتهِ الربانيّةِ، وهم موقنين بالسيرِ خلفهُ، واقتفاء أثرهِ، والبكاءِ عليهِ، والنياحةِ على مصائبِهِ وما حلَّ بهِ من خطبٍ فادحٍ ومصائبِ أهل بيتهِ الطاهرينَ المظلومين مقتدينَ في ذلكَ بجميعِ الأنبياءِ والمرسلِين وأوصيائهم الميامين الذينَ بكوا عليهِ بكاءاً مرّاً في جميعِ العوالمِ!.

ويأتي من بعهدهم في ذلك وبالدرجة الثانيه اخوانهم (السنَّة) لأنّهم رووا في صحاحهم وكتبهم الأُخرى بأسانيدهم عن رسول الله محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  الكثير الكثير مما جعلهم يوقنونَ بمقامهِ الشامخِ المنيف ويعترفون بفضلهِ ويحبونهُ حُبّاً جّما!، ما خلا من نصب العداء لله ورسولهِ وأهلِ بيتهِ وقد كشفتهم الأيامُ والسنين لكلِّ الأممِ والشعوبِ، وهم ليسوا من أهلِ السنَّةِ في شيءٍ أبداً!.

ثمَّ يأتي المسيحيُّون من بعدهم بالدرجةِ الثالثةِ على التوالي، وذلك لأنَّ عقيدتهم ثابتَةٌ قطعيَّةٌ في الإنجيل لغزارة ماورد فيه، وكما مرَّ بكَ من نصوصٍ مقدَّسةٍ بخصوصِ ذبيحِ الله علیه السلام !.

ثمَّ يأتي اليهودُ من بعدهم بالدرجة الرابعةِ، لما ورد في أسفارهم المقدَّسة (التوراة) من مجالسِ عزاءٍ مبكيةٍ مفجعةٍ عندَ ذكرِ هذا الذبيحِ المبارك ويومهِ المقدس، فقد بكتهُ التوراةُ بكاءاً مراً، وبحزنٍ بالغٍ ملفتٍ للنظر! ولم تزل تبكيهِ إلى يومنا هذا!.

وهكذا على التوالي تأتي بقيَّةُ الأديان والفلسفات الأُخرى تباعاً وعلى التوالي من حيث الرصيد الديني والعلمي والتأريخي والأخلاقي في هذهِ القضيَّةِ الكونيَّةِ العقيديَّةِ!. وليس معنى كلُّ ما تقدَّم وجودُ عيبٍ او نقصٍ في الأديان السماوية!، او تفاوتٍ وخللٍ في ثبوت هذه العقيدةِ الربانيَّة الجليلة  ـ  عقيدة البطلِ الذَّبيح في الله عزَّ وجلَّ ـ وانما هي حالةٌ طبيعيَّةٌ وترجعُ الى أسبابٍ موضوعيَّةٍ مهمَّةٍ، ومنها:

أ) البعدُ الزمني الكبير ومؤثّراتهِ السلبيّةِ، وما طرأَ على الكتبِ المقدّسةِ، وضياعِ كتبِ الأديان الأصليَّة، وعدم وصول الكثير من تراث الرسلِ والأنبياءِ علیهم السلام  إلينا، وليسَ معنى هذا ضياعُ أمرِ الله تعالى ودينهِ ومشروعهِ وهدمهِ من الأساس...الخ، كما هوَ المتيقَّنُ عند أعدائهِ عزَّ وجلَّ، والسائرين في دربهم من غيرِ هدىً ولا نور، بل إنَّ أمرَهُ ومشروعهُ عزَّ وجلَّ نيِّرٌ جليٌّ بهيَّ عند أهلِ القلوبِ والبصائرِ وذوي الفطرةِ السليمةِ، جعلنا الله وإياكم منهم!، إلهَ الحقِّ آمين.

ب) وكما لا يخفى على الجميع، فانَّ حالة التكامل التدريجي للأديان جعلت هنالك فوارق في أنحاءٍ شتّى بين الديانات  ـ  والمقصود من حالة التكامل انما هو على المستوى البشري، وليس التشريعي وما يخصّ ساحتهِ المقدَّسة جلَّ وعلا، لأنَّ المشرَّع واحدٌ فردٌ صمدٌ تقدَّست أسماؤهُ  ـ  وذلك بتطوّر الإنسان ومدى قربهِ من حلول يوم الله الأعظم، وحكمهِ الأتمّ، وهو يومُ الإنتقام من أعدائهِ ومُبغضيهِ!؛ وذلك واضحٌ بيّنٌ اذ أنَّ ما جاءَ به بعض الرسل أشمل وأعظم مما جاء به البعض الآخر، وهكذا، إلى الشريعة السهلةِ السمحةِ الخاتمة التي جاءَ بها الرسول الأكرم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  فهي أشمل وأكمل وأعظم من الجميع، وهذه سُنَّةٌ الهيَّةٌ ثابتةٌ منذُ فجر الإنسانيةِ الأول والى ظهور المنقذ العالمي حيث يعطيه الله تبارك وتعالى ما لم يُعطِ أيَّ أحدٍ قبلهُ من الخلقِ أبداً!، من حيث تمام العلم، وتمامُ السلطةِ الربانيّةِ على الكون، ومظهر الخلافةِ الإلهية الأعظم، وحكمهُ اللدُنيّ المباشر من غير بيّنةٍ يحتاجها، وتجلّي حكمُ الله وملكوتُهُ وجمالهُ وجلالُه بخليفته ووليّه في الأرض (منقذ العالم)، وعندها تُشرقُ الأرضُ بنورِ ربِّها، وتُملأُ قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً...!.

ولكن منذُ البدء وفي الأيام الأُلى للثورة الإلهيةِ العُظمى للمنقذِ، يجبُ وضع النقاطِ على الحروف كما يُقالُ في الأمثال، ولابدَّ من تنبيهِ العوالم أجمع إلى مَن تدينُ إليهِ بوجودها وبكلِّ ما تملك!، ففي الأيام الأُولى لإنطلاقِ الثورة الإلهيةِ الكبرى، يأتي المنقذ ماشياً، بخطواتٍ ثقيلةٍ، وبقلبٍ محترقٍ مفجوعٍ، وبدموعٍ كأنَّها المطرُ الغزيرُ، ويقفُ على الضريحِ المقدّس لذبيحِ الله المظلومِ المضطهد، وهو يصيحُ بصوتٍ هادرٍ ملؤهُ الشجى والحزن المعتَّق: يا أهلَ العالم لقد قُتِلَ سبطُ الأنبياءِ عطشانا!، يا أهلَ العالم لقد ذُبِحَ جَدّيَ كما يُذبحُ الكبش، يالثاراتِ ذبيحِ الله...!.

14: القُربانُ المذبوح هو الوارثُ لجميعِ الأنبياء علیهم السلام

انَّ المتتبِّعَ لما أوردناهُ من نصوصٍ مقدَّسةٍ في مختلفِ أحوالِ الذبيحِ المبارك، يخلُصُ إلى نتيجةٍ مهمَّةٍ وهو كونهُ الوارثَ لجميعِ الأنبياء، والمكلِّلَ لجميعِ جهودهم بالنجاحِ، إذ هو الفاتحِ الأعظم...الخ!، هذا وقد علَّمَ الصادقُ علیه السلام  العالمَ بأسرهِ في كيفيةِ زيارةِ السبط الذبيح المبارك بهذهِ الكلمات النورّيةِ إذ قال علیه السلام : السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث علي وصي رسول الله، السلام عليك يا وارث الحسن الرضي، السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول الله، السلام عليك أيها الشهيد الصديق، السلام عليك أيها الوصي البار التقي، السلام على الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك، السلام على ملائكة الله المحدقين بك، أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته([390]).

ولا جعلهُ الله آخرَ العَهدِ مِنّا لزيارتكم، بأبي أنتم وأُمّي، طبتم وطابتِ الأرضُ التي فيها دُفِنتم، وفُزتم والله فوزاً عظيماً!. وكان هذا آخر ماخطته يميني القاصرة المقصّرة من هذا السفر المتواضع المبارك والذي أسميناه: (الحسينُ، القربانُ الذي نعاهُ الإنجيل) في العشرين من صفرِ الخير 1433هـ ق. بيد العبد الفقير كاظم بن مزعل بن جابر بن عبد الله بن راضي الوَيسيِّ الأسديِّ، في عُشِّ آلِ محمدٍ قـم المقدّسـة، على ساكنتها كريمة أهلِ البيت فاطمةَ المعصومةِ وأهلِ بيتها الطيبيينَ الطاهرينَ آلاف الصلواتِ والسلام والشكرِ والثناء!.

 آملين أن ينفعنا جميعاً من أيِّ دينٍ وملَّةٍ كُنّا، وخاصَّةً من يبحثُ عن الحقِّ والحقيقةِ في هذه المسائل العقيدية التي تهمُّ جميعَ البشرِ!. وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين، وأفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليمِ على سيدنا وحبيبنا محمدٍ وآله الطيبينَ الطاهرين وصحبهِ الميامين، ومن سارَ على هديهِ إلى يومِ الدين وسلّم تسليماً كثيراً.

فهرس المصادر

 

*القرآن الكريم، كتاب الله تبارك وتعالى.

1.     الشريف الرضي، نهج البلاغة، وهو ما اختاره من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، شرح الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً، الأولى، 1412 ـ 1370 ش، النهضة قم، دار الذخائر، قم، إيران.

2.     تفسير الإمام العسكري، مدرسة الإمام المهدي#، الأولى محققة، ربيع الأول 1409ق،مهر ـ قم المقدسة، إيران.

3.     الطبري، محمد بن جرير(الشيعي)، المسترشد، الشيخ أحمد المحمودي، الأولى المحققة، 1415، سلمان الفارسي، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور، قم، ايران.

4.     المحقق البحراني، الحدائق الناضرة، فقه الشيعة من القرن الثامن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، ايران.

5.     ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376 ـ 1956م، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

6.     الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت)، قسم الفقه، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الثانية،1414، مهر، قم، ايران.

7.     المفيد، الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد، تحقيق مؤسسة آل البيت  علیهم السلام  لتحقيق التراث، دار المفيد طباعة ـ نشر ـ توزيع، الطبعة الثانية 1414 هجرية ـ 1993م، بيروت، لبنان.

8.     الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا علیه السلام ، صححه وقدم له وعلق عليه الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الأولى، منشورات 1404 ق ـ 1984م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان.

9.     الكليني، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الرابعة، 1365 ش، حيدري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ايران.

10.    الشيخ الصدوق، علل الشرائع، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385 ق ـ 1966 م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

11.    ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 1415ق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت  ـ  لبنان.

12.    البخاري، صحيح البخاري، قسم الفقه1401ق ـ 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول.

13.    الهيثمي، مجمع الزوائد، 1408 ق ـ 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبع بإذن خاص من ورثة حسام الدين القدسي مؤسس مكتبة القدسي بالقاهرة.

14.    الترمذي، سنن الترمذي وهو جامع الصحيح، تحقيق وتصحيح: عبد الرحمن محمد عثمان، الثانية، 1403ق ـ 1983 م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

15.    ابن حنبل، الإمام احمد، مسند احمد، مصادر الحديث السنية، قسم الفقه، دار صادر، بيروت، لبنان.

16.    الترمذي، سنن الترمذي وهو جامع الصحيح، مصادر الحديث السنية، قسم الفقه، تحقيق وتصحيح: عبد الرحمن محمد عثمان، الثانية، 1403ق ـ 1983 م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

17.    الذهبي، سير أعلام النبلاء، أهم مصادر رجال الحديث عند السنة، تحقيق وتخريج وتعليق: شعيب الأرنؤوط، محمد نعيم العرقسوسي، الرابعة، 1406ق ـ 1986 م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

18.    الرازي، فخر الدين، تفسير الكبير، مصادر التفسير عند السنة، الطبعة الثالثة، بيروت، لبنان.

19.    العيني، عمدة القاري، العيني، مصادر الحديث السنية، قسم الفقه، دار إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

20.    المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تصحيح أحمد عبد السلام، الأولى، 1415ق ـ 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

21.    الطبري، تاريخ الطبري، مصادر التاريخ، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، الرابعة، 1403ق ـ 1983م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة (بريل) بمدينة لندن في سنة 1879م.

22.    الطبري، إبن جرير، جامع البيان، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، 1415ق ـ 1995 م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

23.    الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، الشيخ عماد الدين أحمد حيدر ـ مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، الثالثة، 1414ق ـ 1993م، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان.

24.    النيسابوري، الحاكم، المستدرك، قسم الفقه، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث الشريفة.

25.    الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، قسم الفقه، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت،لبنان.

26.    الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصادر الحديث الشيعية، قسم الفقه، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385 ق ـ 1966 م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

27.    النسائي، سنن النسائي، الطبعة الأولى سنة 1348 ق ـ سنة 1930 م، مصادر الحديث السنية، قسم الفقه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

28.    الحاكم، عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي النيسابوري، شواهد التنـزيل، الشيخ محمد باقر المحمودي، الأولى،1411ق ـ 1990م، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، طهران، إيران.

29.    الطبراني، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني المتوفي سنة 360ق‍، المعجم الصغير، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

30.    الطبراني، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد‍، المعجم الكبير، مصادر الحديث السنية، القسم العام، حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة، دار إحياء التراث العربي.

31.    الزمخشري، أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، الكشاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم ـ خلفاء، الطبعة الأخيرة 1385 ق ـ 1966م.

32.    العياشي، أبي النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي، تفسير العياشي، وقف على تصحيحه وتحقيقه والتعليق عليه السيد هاشم الرسولي المحلاتي، تصدى لطبعه ونشره السيد محمود الكتابچي وأولاده صاحب المكتبة العلمية الاسلامية طهران، ايران.

33.    الشافعي، الامام أبي عبد الله محمد بن إدريس، كتاب المسند، صححت هذه النسخة بكل مافيها على النسخة المطبوعة في مطبعة بولاق الأميرية والنسخة المطبوعة في بلاد الهند، مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

34.    السيوطي، الإمام الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن الشيخ كمال الدين أبو المناقب أبو بكر السيوطي الشافعي، الإتقان في علوم القرآن، مصادر التفسير عند السنة، سعيد المندوب، الطبعة الأولى، 1416 ق ـ 1996م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

35.    النووي، الإمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف الدمشقي، الأذكار النووية، طبعة جديدة منقحة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414 ق ـ 1994م بيروت، لبنان.

36.    ابن كثير، الإمام الحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القران العظيم، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع،1992 م ـ 1412 ق، بيروت، لبنان.

37.    الطبراني، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، مسند الشاميين، حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية 1417 ق ـ 1996 م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

38.    الموصلي، أبو يعلى، مسند أبو يعلى، الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي مسند أبي يعلى المولي الامام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي (210 ـ 307 ق)، حققه وخرج أحاديثه حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، سوريا.

39.    القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لاحكام القرآن، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، طبعه دار احياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي،1405 ق ـ 1985م، بيروت، لبنان.

40.    الحر العاملي، الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة،تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 ق ـ 1372ش، قم، ايران.

41.    الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، من لا يحضره الفقيه، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، ايران.

42.    الدارمي، الامام أبو محمد عبد الله بن الرحمن بن الفضل بن بهرام، مصادر الحديث السنية، قسم الفقه، 1349ق، مطبعة الاعتدال، طبع بعناية محمد أحمد دهمان، دمشق، سوريا.

43.    الطبراني، لحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، مصادر الحديث السنية، القسم العام، قسم التحقيق بدار الحرمين، 1415 ق ـ 1995 م، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.

44.    الطبراني، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، الأحاديث الطوال، مصادر الحديث السنية، القسم العام، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى 1412 ق ـ 1992م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

45.    المازندراني، المولى محمد صالح، شرح أصول الكافي، تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط و تصحيح السيد علي عاشور، الطبعة الأولى 1421‍ ق ـ 2000م دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

46.    ابن عطية الأندلسي، الإمام الحافظ أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عبد الرحمن، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد السلام عبد الشافي محمد، الأولى، 1413 ق ـ 1993م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

47.    الترمذي، الامام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي وهو الجامع الصحيح، حققه وصححه عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

48.    السيوطي، الامام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، الأولى،1401 ق ـ 1981 م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

49.    الراوندي، قطب الدين، المتوفي سنة 573 ق، الخرائج والجرائح، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام  قم المقدسة، ايران.

50.    النسائي، سنن النسائي، الطبعة الأولى سنة 1348 هجرية ـ سنة 1930 م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

51.    النووي، الامام أبي زكريا بن شرف، التبيان في آداب حملة القرآن، حققه وعلق عليه محمد الحجار، الطبعة الثالثة مزيدة ومنقحة 1414 هـ 1994م دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، لبنان.

52.    ابن حبان، صحيح ابن حبان، مصادر الحديث السنية، القسم العام، بترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، الطبعة الثانية 1414 ه‍ ـ 1993م، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الارنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

53.    الأصبهاني، الإمام أبي نعيم أحمد بن عبد الله، مسند الإمام أبي حنيفة، الطبعة الأولى 1415ه‍ ـ 1994م، تحقيق وتعليق نظر محمد الفاريابي، مكتبة الكوثر، الرياض، السعودية العربية.

54.    السجستاني، الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، مصادر الحديث السنية، قسم الفقه، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، الأولى،1410 ـ 1990م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، أخرجه وراجعه ووضع فهارسه مكتب الدراسات والبحوث في دار الفكر، بيروت، لبنان.

55.    الشعراني، سيدي عبد الوهاب، لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية، مصادر الحديث السنية، القسم العام، الطبعة الثانية 1393 ه‍. 1973م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر شريف محمود الحلبي وشركاه، خلفاء.

56.    الأندلسي، أبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الجياني، تفسير البحر المحيط، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ـ الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق: د.زكريا عبد المجيد النوقي،و د.أحمد النجولي الجمل، الأولى، 1422 ـ 2001م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

57.    البخاري، الامام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي، صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ـ 1981 م، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول.

58.    ابن حجر، الامام الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية أعيد طبعه بالأوفست، بيروت، لبنان.

59.    الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بتحرير الحافظين الجليلين: العراقي وابن حجر، 1408 ه‍. ـ 1988 م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

60.    النيسابوري، الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، وهو الجامع الصحيح، مصادر الحديث السنية، دار الفكر، بيروت، لبنان.

61.    السيوطي، الامام جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

62.    النسفي، الإمام أبي البركات عبد الله ابن أحمد بن محمود، تفسير النسفي، مصادر التفسير عند السنة.

63.    ابن ماجة، الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، مصادر الحديث السنية،حقق نصوصه، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه، وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

64.    ابن العربي، أحكام القرآن، محمد عبد القادر عطا، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

65.    الحاكم النيسابوري، الامام الحافظ أبي عبد الله، المستدرك، بإشراف د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة بيروت، لبنان.

66.    النسائي، الامام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، السنن الكبرى، تحقيق دكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، الطبعة الأولى 1411 ه‍ ـ 1991 م، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان.

67.    المجلسي، الشيخ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة 1403 ه‍ ـ 1983 م، بيروت، لبنان.

68.    البيهقي، الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، السنن الكبرى، دار الفكر، بيروت، لبنان.

69.    ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الأولى، عيد الغدير 1417، مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة نشر الفقاهة.

70.    البحراني، السيد هاشم، مدينة المعاجز، مؤسسة المعارف الإسلامية بإشراف الشيخ عزة الله المولائي، الأولى، 1414، فروردين، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ايران.

71.    الكجوري، الشيخ محمد باقر، الخصائص الفاطمية، مصادر سيرة النبي والائمة، ترجمة: سيد علي جمال أشرف، الأولى، 1380 ش، شريعت، انتشارات الشريف الرضي، قم، ايران.

72.    المهتدي البحراني، عبد العظيم، من أخلاق الإمام الحسين علیه السلام ، مصادر سيرة النبي والائمة، الأولى، 1421 ـ 2000 م، علمية، قم، انتشارات شريف الرضي، قم، ايران.

73.    التوراة والإنجيل، موقع arabicbible، نسخة التوراة والإنجيل من موقع: www. arabicbible. com.

74.    الكتاب المقدس، ط 1، بيروت، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995م. العهد الجديد، ط1، الإصدار الرابع 1993م.

75.    الكتاب المقدس، ط 2، القاهرة، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، دارالكتاب المقدس بمصر، الإصدار الثاني 2004م.

76.    عماد، الأستاذ عماد كامل عبده اسكندر، الكتاب المقدس، النسخة الكاملة 73 سفراً، ط 2، القاهرة، دار الكتاب المقدس بمصر، الإصدار الثاني، 26 فبراير 2003م.

77.    التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، شركة ماستر ميديا، الطبعة الرابعة، 2002م، القاهرة، مصر.

78.    ماريا لويزا برنيري، Jourmey theough Utopia، ترجمة: عطيات أبو السعود، في عالم المعرفة، رقم 225 عدد أيلول / سبتمبر 1997م.

79.    الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين، الطبعة الأولى،1377 ـ 1958م.

80.    الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1379 ـ 1338 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

81.    ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق،الأولى،عيد الغدير 1417، مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة نشر الفقاهة.

82.    شرف الدين، السيد شرف الدين الحسيني العاملي، تأويل الآيات، 2، ن 965، مصادر سيرة النبي والائمة، رمضان المبارك 1407 ـ 1366 ش، أمير، مدرسة الإمام المهدي (عج) ـ قم المقدسة، إشراف: السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الاصفهاني.

83.    الأسدي، الشيخ كاظم بن مزعل بن جابر، الاعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين. (رسالة ماجستير)، جامعة آل البيت علیهم السلام  العالمية، سنة 1384 ـ 1385هـ ش، قم المقدسة، ايران.

84.    الأسدي، الشيخ كاظم بن مزعل بن جابر، المنقذُ الأعظم عقيدةُ ومشروعُ الكتبِ السماويةِ، مؤسسة العهد الصادق الثقافية، مطبعة ثامن الحجج علیه السلام ، ط أولى 1431ه ق ـ 2010م، قم، ايران.

85.    النصيري، الشيخ كاظم الواسطي، أهل البيت في الكتاب المقدس، طبعة 1، 1997م، مطبعة صدر، قم، ايران.

86.    الأردني، عودة مهاوش، الكتاب المقدس تحت المجهر، طبعة 1412هـ ق، مؤسسة أنصاريان، قم، ايران



[1]: الملهوف: ص68. بحار الانوار: ج45، ص36. العوالم: ص279.

[2]: قاموس الكتاب المقدّس: ص762، بتصرُّف!.

[3]: مقدّمة الكتاب المقدّس: بايجاز وتصرّف.

[4]: هبة السماء (رحلتي من المسيحية الى الإسلام)، ص19 -20. بايجازٍ وتصرّفٍ.

[5]: قاموس الكتاب المقدّس، ص763، بايجازٍ.

[6][6]: مقدّمة الكتاب المقدّس، بايجاز.

[7]: الهدى الى دين المصطفى: ص7.

[8]: كتاب (المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية): ص111.

[9]: (الترجمة السبعينيّة): (التي بدأت سنة 250 وانتهت حوالي 150 ق. م وقد بدأت هذه الترجمة بأمر بطليموس فيلادلفوس الذي حكم مصر عام 280 ق. م وقيل إنّ عدد هؤلاء المترجمين كان إثنين وسبعين ولهذا دعيت بالسبعينيّة. وكان اليهود يزعمون أنّ الله أوحى للعلماء الذين قاموا بالترجمة البعينية بكلمات هذه الترجمة، ولكن عندما أخذ المسيحيون يستشهدون بآياتها ضد العادات والتعاليم اليهودية التي كانت سائدة في عصرهم عاد اليهود الى الأصل العبراني وأهملوا هذه الترجمة) قاموس الكتاب المقدس: 768.

[10]: المسيح في الفكر الإسلامي: ص110.

[11]: نفس المصدر.

[12]: قاموس الكتاب المقدس: ص763.

[13]: انظر: سفر التكوين 19: 1- 38، و(1 ملوك: 11: 1-25)، و (التكوين: 9: 1- 29)، و (اصم: 19: 20 - 24)، وأيضاً أشعيا (20: 1 - 6).

[14]: ففي سفر التكوين ينقل عن قصة نوح والسفينة بأنه أمر أن يأخذ معه من كلّ ذي جسد اثنين ذكراً وانثى. انظر: (تك 6: 19- 20)، وفي نفس السفر يأتيه الأمر (أن تأخذ سبعة سبعة ذكراً وانثى) انظر: (تك 7: 2 - 3) وأمثال هذا كثير في أسفار العهد القديم.

 [15]: هبة السماء (رحلتي من المسيحية الى الإسلام)، ص21- 30. بإيجاز وتصرّف.

[16]: يعتقد بعض علماء الكنيسة أنّ اللغة اليونانية مناسبة جدّاً للفلسفة واللاهوت ولذلك إختارها الله لإعطاء وصاياه بواسطتها من جهة التعاليم المسيحيّة، ويونانيّة العهد الجديد هي ما تسمّى (بالكوني) وهي اللغة العاميّة ممزوجة ببعض الإصطلاحات العبرانيّة، ويظهر هذا الإمتزاج بنوع خاص في إنجيلي متى ومرقس وسفر الرؤيا.

[17]: قاموس الكتاب المقدّس، ص764.

[18]: المرشد إلى الكتاب المقدس ص73.

[19]: المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ص117.

[20]: نفس المصدر ص118.

[21]: ومن تلك الاسباب: رغبة المسيحيين بالحصول على معلومات أوسع عن حياة وتعاليم المسيح علیه السلام ، وأيضاً تقدم السن بالرسل الاولين والاضطهادات التي كانت تحيطهم وتهدد حياتهم، وكذلك ظهور الافكار العقائدية الباطلة تحت تأثير الوثنية والعنصرية اليهودية، واخيراً البعد الزمني، لظهور المسيح علیه السلام وتعاليمه وكذلك الابتعاد عن مركز المسيحية أي مدينة أورشليم وغيرها من الاسباب: المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ص113.

[22]: المسيح في الفكر الإسلامي الحديث وفي المسيحية ص120.

[23]: حقيقة المسيح: ص13 - 17. بتصرّف.

[24]: المرشد إلى الكتاب المقدس: ص532.

[25]: إذ ليس بمقدور أحد أن يوثّق كل ما جاء في العهدين القديم والجديد، ويثبت أنّ كل ماجاء فيهما هو كلام موحى، والعكسُ بالعكس!.

[26]: يطلقُ عليها ويسميها بعض العلماء والباحثين: (الآيات) أُسوةً بآيات القرآن الكريم، لأنهم يعتقدون أن بعضها من بقايا الوحي!، انظر: الإسلام في الكتب السماوية، ص237 ـ 238. المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص53 ـ 54. المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص245... الخ، وستأتي الإشارة الى بعض ذلك في بحثنا هذا انشاء الله تعالى.

[27]: فقه السيد الخوئي، كتاب الطهارة - ج2 ص317، و ج3 ص316، هل يحرم إعطاء المصحف بيد الكافر...:(ثالثاً):... الخ.

[28]: الكلامُ على مستوى الحد الوسط بين معتقدات الجميع، وأمّا عقيدتنا في الأنبياء والأوصياء(عليهم الصلاة والسلام) فهي تفوق ذلك بالكثير الكثير، وهم فوق ذلك بكثير.

[29]: سورة المائدة: آية 44 - 48.

[30]: البقرة: 40- 44.

[31]: البقرة: 101.

[32]: النساء: 47.

[33]: آل عمران: 199.

[34]: المائدة: 68.

[35]: يونس: 94.

[36]: سورة آل عمران: 113- 115

[37]: وسنمرّ بشيء منها في بحثنا هذا كلٌّ حسب موضوعه و موقعه مع شيء من التحليل للوقوف على جمال ودقّة النصوص المقدّسة.

[38]: وخير ما عبّرَ به العلماء قولهم هي: من بقايا الوحي، انظر على سبيل المثال لاالحصر: المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص245. والنص في سفر إشعياء النبيّ علیه السلام  11: 1 ـ 10. وحواشي الكتاب المقدس، على المجلد الأول، ص5.

[39]:كما في: سفر التكوين 19: 1-38، و(1 ملوك: 11: 1-25)، و (التكوين: 9: 1- 29)، و(اصم: 19: 20 - 24)، وأيضاً أشعيا (20: 1- 6).

[40]: أي أنَّ المعني بها هم الأسباطُ من بني إسرائيل الإثني عشر فقط لا غير!.

[41]: سفر التكوين: الإصحاح رقم 17: 20، العهد القديم، الأصل العبري. العهد القديم، سفر التكوين، الإصحاح 17، الفقرة 20، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.

[42]:سورة الصف: الآيات 6-9.

[43]: راجع على سبيل المثال، لا الحصر: الحلمُ الإلهيّ المقدس في خلافةِ الأرض، والمنقذُ الاعظم عقيدةُ ومشروع الكتب السماويةِ، والإعتقاد بمنجي العالم في القرآنِ والعهدينِ، والإعتقادُ بالحسين علیه السلام  في القرآنِ والعهدين، وهي للمؤلف!.

[44]: راجع: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 14: 1- 20، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 14، الفقرات 1 - 20، ص223 -224، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 14: 1 - 20، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس. ودراساتنا عليه في هذا الكتاب في النص السادس، في تعليقنا عليه في الفقرة الرابعة، وفي غيره من كتبنا.

[45]: قالَ تعالى في القرآن الكريم: (ولقد كرَّمنا بني آدم).

[46]:في بعض النسخ [بريهة] مكان بريه في جميع المواضع.

[47]:تقديم الظرف لإفادة الحصر الدال على كمال العلم. و(كيف ثقتك بتأويله) أي كيف اعتمادك على نفسك في تأويله والعلم بمعانيه. و(ما أوثقني) صيغة تعجب أي انا واثق به وثوقا تاما بما اعرف من تأويله.

[48]:الكافي، الكليني: ج1 - ص227.

[49]:عريض كزبير واد بالمدينة (في).

[50]:في بعض النسخ [ولو جثوا].

[51]:البزة بالكسر: الهيئة.

[52]:الغوطة بالضم موضع بالشام كثير الماء والشجر وهو غوطة دمشق.

[53]:التكفير وضع اليدين على الصدر.

[54]:الدخان: 1 4.

[55]:في بعض النسخ [كلما ذكرت].

[56]:الطروق: الضراب.

[57]:يعني إلى بغداد بأمر الخليفة.

[58]:الكافي، الكليني: ج1 - ص478 ـ 481.

[59]: السور الطوال: هي السبع الأول بعد الفاتحة على أن تعد الأنفال والتوبة واحدة [لنزولها جميعا في مغازي النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وتدعيان قرينتين ولذلك لم يفصل بينهما بالبسملة] أو السابعة سورة يونس والمثاني هي السبع التي بعد هذا السبع سميت بها لأنها ثنتها واحدها مثنى مثل معاني ومعنى وقد تطلق المثاني على سور القرآن كلها طوالها وقصارها وأما المئون فهي من بني إسرائيل إلى سبع سور سميت بها لان كلا منها على نحو من مائه أية كذا في بعض التفاسير (في).

[60]:الكافي، الكليني: ج2 - ص601.

[61]:الكافي، الكليني: ج4 - ص157.

[62]:الكافي، الكليني: ج2 - ص628 ـ 629.

[63]:الكافي، الكليني: ج1 - ص44 ـ 45.

[64]: انظر، المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص31، تحت عنوان: ضروب الثورة العالمية: ان الثورة العالمية ضد الظلم هي ثورةٌ لم تدعُ اليها الأديان فقط، بل توصَّل اليها الفكر الإنساني عن طريق معاينة أطوار التأريخ ودراسة سننه. و: ماريا لويزا برنيري، Jourmey theough Utopia، ترجمة عطيات أبو السعود في عالم المعرفة، وقد لخَّص الكتاب آراء الطوباويات منذ العصر اليوناني القديم حتى يومنا الحاضر، رقم 225 عدد أيلول / سبتمبر 1997م.

[65]: سورة البقرة: آية 193.

[66]: العياشي: ج1ص86، ح 214. وسائل الشيعة، ج16، ص142. البحار: ج45 ص298 ح 8. تفسير الصافي: ج1 ص210. البرهان: ج1 ص191 ح3. العوالم (الامام الحسين ع)، ص609.

[67]: العياشي: ج1ص87، ح 216. البحار: ج45 ص298 ح 9. تفسير الصافي: ج1 ص210. البرهان: ج1 ص191ح4.

[68]: عيون أخبار الرضا علیه السلام ، ج2، ص247. علل الشرائع، 229. وسائل الشيعة، ج11، ص410. بحار الأنوار، ج45 ص295 ح1، وج52 ص313 ح6.

i)          [69]:وسائل الشيعة: ج11، ص412 ـ 413.

ii)          [70]:وسائل الشيعة: ج11، ص412 ـ 413.

iii)          [71]: العوالم، الإمام الحسين علیه السلام ، ص609. وروى المفيد في الإرشاد، ص361-362: الفضل بن شاذان عن محمد بن عليّ الكوفي عن وهب بن حفص عن ابي بصيرقال: قال ابو عبد الله علیه السلام : (ينادى باسم القائم علیه السلام  في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهواليوم الذي قتل فيه الحسين بن عليّ عليهما السلام، لكأني في يوم السبت العاشرمن المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبرئيل علیه السلام  عن يمينه ينادي البيعة لله، فتصير إليه شيعته من اطراف الارض تطوى لهم طيّاً حتى يبايعوه فيملا الله به الارض عدلاً كما ملئت جوراً وظلما).

[72]: الملهوف على قتلى الطفوف، ص176 ـ 177.

[73]: كامل الزيارات: ص67

[74]: كمال الدين وتمام النعمة، ص295.

[75]: سورةُ القصص: آية 5.

[76]: معاني الأخبار، ص79. كنز الدقائق، 10 ح 3. بحار الأنوار، ج24، ص168 ح1. الميزان في تفسير القرآن، ج16 ص14. البرهان، ج3، ص217 ح2. نور الثقلين، ج4، ص110.

[77]: تتلاطم امواههـا: في بعض المصادر، والمرادُ واحدٌ.

iv)          [78]:سفر ارميا 46: 3 - 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 3- 10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155. سفر إرميا 46: 3 - 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

[79]: الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155.

[80]: سفر (ارميا): 46: 6 -10ص782 (الأصل العبرى)، العهد القديم. وللوقوف على النصيين بالعبريه والعربية، انظر: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص116- 118. سفر إرميا 46: 6 -10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. مع فرقٍ يسير في عبارات الترجمة.

[81]: سفر أرميا 46: 6، 10 ص782.

[82]: وقد مرت الترجمة للنص آنفاً.

[83]: الانتصار: ج9، ص49 ـ 50.

v)          [84]: يوحنا - 5: 9- 12، ص463 (ألأصل العبرى)، العهد الجديد. للوقوف على النصيين العبرى والعربى ومعاينة الترجمه، انظر: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص113- 115. رؤيا يوحنا، 5: 9 - 12، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص400. مع تقديم ٍ وتأخيرٍ في كلمات المترجمين لاتضر بالمعنى.

[85]: وقد مرت الترجمة للنص آنفاً.

[86]: (المعجم الحديث - 240 و 369 و 84).

[87]: (المعجم الحديث - 104 و 425).

[88]: الانتصار: ج9، ص48 ـ 49.

vi)          [89]: انظر: رؤيا يوحنا، الإصحاح الخامس، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص339 - 400.

[90]: للإطلاع على التفاصيل والمزيد، والوقوف على الكثير من مصادر هذهِ القضيّةِ الإلهيَّة الكبرى: يرجى مراجعة الكتب التالية: منجي العالم في عقائد الأديان السماوية. الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين، رسالة ماجستير. المنقذ الموعود رجل الله المقدّس والضروري. الحلم الإلهي المقدّس في خلافة الأرض. المنقذ الأعظم عقيدةُ ومشروع الكتب السماوية...الخ، للمؤلف.

[91]: انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج7 ص232 وما قبلها ومابعدها: أنَّ روايات أهل السنة انقسمت الى قسمين، فنصفٌ قال: أنه اسحاق علیه السلام  ونصفٌ قال: أنه علیه السلام .

[92]: انظر، الميزان في تفسير القرآن، ج7 ص232 وماقبلها ومابعدها، اجماع مذهب أهل البيت^، وكثيرٌ من اهل السنة على الأمر الثاني من ان الذبيح في القرآن هو اسماعيل علیه السلام ، ولا يخفى المعنى على مذهب أهل البيت^ وكثيرٌ من العلماء والباحثين هو الرمزيَّة في الأمر وليس إرادة المعنى الحقيقي من الذبحِ والذبيح.

[93]: في الحديث الشريف: (الناسُ نيام حتى إذا ماتوا انتبهوا).

[94]: راجع على سبيل المثال لا الحصر:سفر ارميا 46: 6 - 8، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات6 - 8، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155. سفر إرميا 46: 6 - 8، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. مع ملاحظة الفرقٍ اليسير بين عبارات المترجمين كما لايخفى.

[95]: راجع على سبيل المثال لا الحصر: سفر ارميا 46: 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155. سفر إرميا 46: 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. مع ملاحظة الفرقٍ اليسير بين عبارات المترجمين كما لايخفى.

vii)          [96]: مخطوط، من النثرِ المتميِّزِ لشاعرِ أهلِ البيتِ عليهمُ السلام وخادمهم الأديبِ الكبيرِ الراحل: أبي يقين البصري، الأُستاذ ضياء البدران رفعهُ الله في عليين مع من خدمَ وبكى وأبكى عليهم.

[97]: سفر أشعيا 11: 10: ألأصل العبرى، العهد القديم، ص625. انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 11، الفقرة، 10، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر أشعيا 11: 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص924. وسنقف على ترك كلمة (يسَّى) دون ترجمة على التوالي. (أهل البيت فى الكتاب المقدس)، ص123 - 127. وفي بعض النسخ: ويكونُ محلهُ مجيداً، والمعنى واحد!.

viii)          [98]:(اهل البيت علیه السلام  فيالكتاب المقدس) ص127 - 128، عن سفر أشعيا 11: 10، ص1005، النسخة العربية. وجاءت في المصادر كلمة (يسَّي) بسينٍ واحدةٍ مشدَّدةٍ ومفتوحةٍ، ولعلّ صاحب (أهل البيت في الكتاب المقدس) أثبتها بسينيين للتوضيح فأُضيفت الشدَّة إشتباهاً. وانظر: سفر إشعياء 11: 1 ـ 10 وشرحهُ وجوابهُ في انجيل برنابا، ففي الفصل الثامن والثمانون: 15 ـ 18، برنابا: من تلاميذ المسيح علیه السلام ، ونسخة الإنجيل المنسوبة اليه، ترجمها العلامة المسيحي اللبناني الدكتور خليل سعادة من الإنكليزية الى العربية ـ وهي من خزائن الفاتيكان باللغة الإيطالية. و في: كتاب، نظرات في انجيل برنابا، محمد علي قطب، ص92 وفيهما: انهُ أثبت انجيل برنابا القائم المنقذ في آخر الزمان باسم (مسّيا)...الخ، انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص31 ـ 52.

[99]: قواعد اللغة العربية، ص98.

[100]: المعجم الحديث، عبري - عربي، ص315.

[101]: سفر أشعيا 11: 10، ص1005. سفر أشعيا 11: 10، ألأصل العبرى، العهد القديم ص625. العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 11، الفقرة، 10، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر: فقد أردف كلمة (يسّي) بالقائم، فقال: يسّي القائم...الخ. سفر أشعيا 11: 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص924. وقد تُركت كلمة (يسَّي) على حالها دون ترجمة.

[102]: قواعد اللغة العربية، ص38.

[103]: المعجم الحديث: ص349.

[104]: (اهل البيت علیه السلام  فيالكتاب المقدس) ص127 - 128 بتصرّف.

[105]: يسّي: هو والدُ داود علیه السلام ، وقد بشّرت التوراة بأن المنجي ومخلص العالم هو من نسل داود علیه السلام  حيناً، وحينأً آخر من نسل يوسف علیه السلام ... الخ، غير ان مفسري التوراة يصرون على القول أنَّ هذه الشخصيات تمثّلُ المسيح علیه السلام ...، فهل الحقّ كذلك ؟ لكن لو رجعنا على سبيل التمثيل لا الحصر: الى المزمور 72، في الكتاب المقدّس، مصر: حيث جاء فيه: (1 اللهم اعط احكامك للملك و برك لابن الملك* 2 يدين شعبك بالعدل و مساكينك بالحق* 3 تحمل الجبال سلاما للشعب و الاكام بالبر* 4 يقضي لمساكين الشعب يخلص بني البائسين و يسحق الظالم* 5 يخشونك ما دامت الشمس و قدام القمر الى دور فدور* 6 ينزل مثل المطر على الجزاز و مثل الغيوث الذارفة على الارض* 7 يشرق في ايامه الصديق و كثرة السلام الى ان يضمحل القمر* 8 ويملك من البحر الى البحر ومن النهر الى اقاصي الارض* 9 امامه تجثو اهل البرية و اعداؤه يلحسون التراب* 10 ملوك ترشيش و الجزائر يرسلون تقدمة ملوك شبا وسبا يقدمون هدية* 11 و يسجد له كل الملوك كل الامم تتعبد له* 12 لانه ينجي الفقير المستغيث و المسكين اذ لا معين له* 13 يشفق على المسكين و البائس و يخلص انفس الفقراء* 14 من الظلم و الخطف يفدي انفسهم و يكرم دمهم في عينيه* 15 و يعيش و يعطيه من ذهب شبا و يصلي لاجله دائما اليوم كله يباركه* 16 تكون حفنة بر في الارض في رؤوس الجبال تتمايل مثل لبنان ثمرتها و يزهرون من المدينة مثل عشب الارض* 17 يكون اسمه الى الدهر قدام الشمس يمتد اسمه و يتباركون به كل امم الارض يطوبونه* 18 مبارك الرب الله اله اسرائيل الصانع العجائب وحده* 19 و مبارك اسم مجده الى الدهر و لتمتلئ الارض كلها من مجده امين ثم امين تمت صلوات داود بن يسى*).مع ملاحظة الإختلاف في ألفاظ الترجمة (وكلا المعنيين واحد) في: الكتاب المقدس، طبعة أُولى، بيروت، دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، العهد القديم، الإصدار الثاني 1995م، ص 787، المزمور 72. ونظيرُ هذا كثير. فهل يمكن أن يكون هذا المسيح علیه السلام  وهو لم يقم بشيءٍ من هذا ؟ انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص57 وما بعدها، تحت عنوان: المخلّص في التوراة.

[106]: الكتاب المقدس، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، ص924، سفرإشعيا
11: (1،10، 11، 12).

[107]: وفي نصوص أُخرى، أنه من نسل يوسف علیه السلام ، انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص57.

[108]: سورةُ يس: 1- 3.

[109]: أحدُ أسماء النبيّ محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وقد وردَ في القرآن.

[110]: انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص48، وما بعدها.

[111]: وشرحهُ ُ في انجيل برنابا، في الفصل الثامن والثمانون: 15 ـ 18، برنابا: من تلاميذ المسيح علیه السلام ، ونسخة الإنجيل المنسوبة اليه، ترجمها العلامة المسيحي اللبناني الدكتور خليل سعادة من الإنكليزية الى العربية، وهي من خزائن الفاتيكان باللغة الإيطالية. و في: كتاب، نظرات في انجيل برنابا، محمد علي قطب، ص92 وفيهما: انهُ أثبت انجيل برنابا القائم المنقذ في آخر الزمان باسم (مسّيا)...الخ، انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص31 ـ 52.

ix)          [112]: انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 65، الفقرة: 11 ـ 25، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. فقد جاءت كما يلي:(11 اما انتم الذين تركوا الرب و نسوا جبل قدسي و رتبوا للسعد الاكبر مائدة و ملاوا للسعد الاصغر خمرا ممزوجة* 12 فاني اعينكم للسيف و تجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عيني و اخترتم ما لم اسر به* 13 لذلك هكذا قال السيد الرب هوذا عبيدي ياكلون و انتم تجوعون هوذا عبيدي يشربون و انتم تعطشون هوذا عبيدي يفرحون و انتم تخزون* 14 هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب و انتم تصرخون من كابة القلب و من انكسار الروح تولولون* 15 و تخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب و يسمي عبيده اسما اخر* 16 فالذي يتبرك في الارض يتبرك باله الحق و الذي يحلف في الارض يحلف باله الحق لان الضيقات الاولى قد نسيت و لانها استترت عن عيني* 17 لاني هانذا خالق سماوات جديدة و ارضا جديدة فلا تذكر الاولى و لا تخطر على بال* 18 بل افرحوا و ابتهجوا الى الابد في ما انا خالق لاني هانذا خالق اورشليم بهجة و شعبها فرحا* 19 فابتهج باورشليم و افرح بشعبي و لا يسمع بعد فيها صوت بكاء و لا صوت صراخ* 20 لا يكون بعد هناك طفل ايام و لا شيخ لم يكمل ايامه لان الصبي يموت ابن مئة سنة و الخاطئ يلعن ابن مئة سنة* 21 و يبنون بيوتا و يسكنون فيها و يغرسون كروما و ياكلون اثمارها* 22 لا يبنون و اخر يسكن و لا يغرسون و اخر ياكل لانه كايام شجرة ايام شعبي و يستعمل مختاري عمل ايديهم* 23 لا يتعبون باطلا و لا يلدون للرعب لانهم نسل مباركي الرب و ذريتهم معهم* 24 و يكون اني قبلما يدعون انا اجيب و فيما هم يتكلمون بعد انا اسمع* 25 الذئب و الحمل يرعيان معا و الاسد ياكل التبن كالبقر اما الحية فالتراب طعامها لا يؤذون و لا يهلكون في كل جبل قدسي قال الرب). وللوقوف على النص بجماله وروعته، انظر: سفر أشعيا 65: 11 - 25، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص990. والفرقُ في الترجمة واضحٌ!.

[113]: سورة الإسراء: الآيات، 4 ـ 8: (وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوّاكبيرا. فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شدشد فجاسوا خلالالديار وكان وعدا مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم بأموال وبنينوجعلناكم اكثر نفيرا. إنْ أحسنتم أحسنتم لانفسكم وان أسأتم فلها فاذا جاء وعدُ الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّة وليتبِّروا ما علوا تتبيرا. عسى ربكم أن يرحمكم وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا. انهذا القرآن يهدي للتي هي أقوام ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهماجرا كبيرا. وان الذين لا يؤمنون بالا´خرة اعتدنا لهم عذاباً أليما). ومفاد هذه الآيات المباركة في:الصحيح من سيرة النبى الأعظم   صلى الله عليه وآله وسلم : ج3 ص35 ـ 36.

x)          [114]: انظر: الإسلام في الكتب السماوية، ص237 ـ 238.المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص53 وما بعدها. وللمزيد يراجع: الاعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين (رسالة ماجستير)، ص150 - 157. ومنجي العالم في عقائد الاديان السماوية، ص120 - 219. وكلاهما للمؤلف.

[115]: سورة الصافات: آية 107. وتفسير ذلك في: تفسير مجمع البيان، ج8ص324. تفسير الميزان، ج17ص153. ولمَ سمّيَ عظيماً في: تفسير الثعلبي، ج8ص157.وانظر: تأويل الآية والأخذ والردِّ في ذلك، في الإنتصار، العاملي، ج2ص326-328.

[116]: تفسير الصافى: ص4. بايجاز وتصرف.

[117]: نفس المصدر، ص15.

[118]: انظر: الشيعه فى الاسلام: ص104 ـ 105.

[119]: نظرة معاصرة للقرآن الكريم، للمؤلف: ص23. بايجاز وتصرف.

[120]: سورة الزمر: 22 - 34.

[121]: سورة ص: 28.

[122]: تاريخ الطبري: ج4، ص338 ـ 339.

[123]: معالي السبطين: ج1 ص361، والدمعة الساكبة: ج4 ص302، وناسخ التواريخ: ج2 ص287، وأسرار الشهادة ص295. والموسوعة ص446. كربلاء الثورة والمأساة: ص317.

[124]: من أبيات ابن الصيفي المشهورة.

[125]: للمزيد انظر: الخصال ص59. عيون أخبار الرضا علیه السلام ، ج2ص187- 190. مسند الإمام الرضا علیه السلام ، ج1ص56.وروايات أهل البيت علیه السلام  في ذلك وعلاقته بشهادة الامام الحسين علیه السلام .

[126]: تفسير نور الثقلين: ج4 ص429. عن عيون اخبارالرضا(عليه الصلاة والسلام).

[127]: الصافات: آية 107.

[128]: البرهان ج4 ص29.

[129]: البرهان ج4 ص30.

[130]: مجمع البحرين: ج2 - ص83.

[131]: بحار الأنوار: ج37، ص64، ح 40، باب 50.

[132]: الصافات: 107.

[133]: بحار الأنوار: ج24 ص93 ح 6 باب 34.

[134]: الفجر: 28.

[135]: الخصائص الفاطمية: ج2 - ص311 ـ 313.

[136]: تأويل الآيات: ج2 - ص497.

[137]: سورة الجمعة: آية 5.

[138]: المجموع، محيى الدين النووي: ج1، ص116.

[139]: سورة الأعراف: الآيات،175-184.

[140]: فيستجاب خ ظ.

[141]: تفسير الميزان: ج8 - ص337.

[142]: تتلاطم امواجهـا: في بعض المصادر.

[143]: الكتاب المقدس (العهد القديم)، الكنيسة، مصادر عقائد أهل الكتاب وردودها، 1980م، دار الكتاب المقدس: الأصحاح السادس والأربعون، ص1149 ـ 1151. وللمزيد لاحظ: التوراة والإنجيل، موقع arabicbible، نسخة التوراة والإنجيل من موقع: www.arabicbible.com، ص1288 ـ 1290، مع بعض الفروقات الطفيفة بسبب الترجمة كما لا يخفى!.

[144]: القرآن الكريم، سورة الفجر: رقم 89.

[145]: سفر ارميا 46: 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 10، مصر.

[146]: تتلاطم امواجهـا: في بعض المصادر.

xi)          [147]: سفر ارميا 46: 6 - 7و 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 6 - 7 و 10، مصر. سفر إرميا 46: 6 - 7و 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. وللمزيد راجع المصادر التاليه: التوراة والإنجيل، موقع arabicbible، نسخة (التوراة والإنجيل) من موقع: www. arabicbible. com، ص1288 ـ 1290. الكتاب المقدس (العهد القديم)، الكنيسة، مصادر عقائد أهل الكتاب وردودها، 1980م، دار الكتاب المقدس: الأصحاح السادس والأربعون، ص1149 ـ 1151. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

[148]: التوراة والإنجيل، موقع arabicbible، نسخة (التوراة والإنجيل) من موقع: www. arabicbible. com، ص1288 ـ 1290. الكتاب المقدس (العهد القديم)، الكنيسة، مصادر عقائد أهل الكتاب وردودها، 1980م، دار الكتاب المقدس: الأصحاح السادس والأربعون، ص1149 ـ 1151.

[149]: سفر ارميا 46: 17 - 18، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 17 - 18، مصر. سفر إرميا 46: 17 - 18، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. وللمزيد راجع المصادر التاليه: التوراة والإنجيل، موقع arabicbible، نسخة (التوراة والإنجيل) من موقع: www. arabicbible. com، ص1288 ـ 1290. الكتاب المقدس (العهد القديم)، الكنيسة، مصادر عقائد أهل الكتاب وردودها، 1980م، دار الكتاب المقدس: الأصحاح السادس والأربعون، ص1149 ـ 1151. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

[150]: وقد مرَّ عليك النص والمراد منهُ ومعناه مسبقاً.

[151]: في المصدر: مندله.

[152]: في المصدر: داود.

[153]: في المصدر والبحار: يعني.

[154]: في المصدر: وهذه السورة نزلت.

[155]: كنـز الفوائد:ص 386. تأويل الآيات: مخطوط ص258 ح 5 والبحار: ج24، 93 ح 6، و: ج44، 218 ح 8.عوالم، الإمام الحسين علیه السلام : ص97-98.

[156]: البحار: ج24، 350 ح 62، و: ج44، 219 ح 11. عوالم، الإمام الحسين علیه السلام : ص98.

[157]: البحار: ج24، 350 ح 62، و: ج44، 219 ح 11. عوالم، الإمام الحسين علیه السلام : ص98.

[158]: المصباح، الكفعمي: ص450

[159]: المصباح، الكفعمي: ص450

[160]: وسائل الشيعة (آل البيت): ج6، ص144

[161]: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 22: 1-10، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 22، الفقرات 1 - 10، ص229 ـ 230، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 22: 1 - 10، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[162]: سورة إبراهيم: الآيات 24 ـ 29.

[163]: كفاية الطالب: ص278، طبعة الغري. المنتخب للطريحي: المجلس الأول من الجزء الأول. الشيعة في أحاديث الفريقين، السيد مرتضى الأبطحي: ص230 ـ 231.

[164]: الشيعة في أحاديث الفريقين، السيد مرتضى الأبطحي: ص230 ـ 231.

[165]: معاني الأخبار، الشيخ الصدوق: ص400 ـ 401.

[166]: الحاكم في (المستدرك): 3 ص160، وابن عساكر في تاريخه ج4 ص318، ومحب الدين في (الرياض) 2 ص253، وابن الصباغ (في الفصول) ص11، والصفوري في (نزهة المجالس) 2 ص222.

[167]: الغدير، الشيخ الأميني: ج3، ص8 ـ 9.

[168]: كشف الغمة: 1 / 575، وفى المناقب لابن شهرآشوب: 3 / 186، من أخبار أبى حاتم مثله، عنهما البحار: 44 / 103 ح 11، وفى العدد القوية: 6 (مخطوط). نزهة الناظر وتنبيه الخاطر - الحلواني - ص76.

[169]: سفر الرؤيا:الإصحاح رقم 21: 1-27، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 21، الفقرات 1 - 27، ص228 ـ 229، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 21: 1 - 27، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

xii)          [170]: الأخيرةُ، هنا بمعنى الأحداث التي تسبقُ ظهورَ المصلحِ الأعظم، أو ترافقُ ظهورهُ الشريف المبارك، لحينِ ظهورِ أمرِ الله تعالى وحكمهُ في العالمين!.

xiii)          [171]: سفر الرؤيا: الأصحاح رقم 19: 1- 21، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 19، الفقرات 1 - 21، ص227 ـ 228، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 19: 1 - 21، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص415.

[172]: هللويا: كلمةُ تقديسٍ وتمجيدٍ للربِّ تعالى خاصَّةٌ بلغاتِ الكتبِ السماويةِ الأصليَّةِ وبألسنةِ أهلها الناطقينَ بها.

[173]: تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم - السيد حيدر الآملي - ج1 - ص67. تفسير الصراط المستقيم: السيد حسين البروجردي: ج3، ص86.

[174]: وللوقوفِ على المزيدِ من التفاصيل: انظر، الأشتياني والقمشئي وسيد حيدر الآملي والقيصري...الخ في شروحِهم لفصوص الحكم.

[175]: هذا الاسم: هل هو اسمُ الله الأعظم؟، والذي يحمله هل هو صاحبُ الخلافة ألأسمائية (الخلافة والإمامة التي قال بها القرآن الكريم) عند أهل الله...الخ، للمزيد: دروس السيد كمال الحيدري، شرح فصوص الحكم للقيصري، ص56 وما قبلها وما بعدها.

[176]: الزام الناصب: ج1 ص475.

[177]: إشارة الى رجوع عيسى بن مريم علیه السلام  ونزوله الى الأرض من السماء بأمرِ الله تعالى.

[178]: وقد أشرنا الى موضوع الملكوت عند عيسى علیه السلام  والذي يعني حكمُ الله في هذا العالم في بحثنا هذا، وهنا أيضاً إشارة واضحة لرجوع يحيى ابن زكريا علیه السلام  حيّاً من قبره في ذلك الزمن وهو مايُسمّى بزمن الرجعة عند المسلمين.

[179]: لقب (ابن الإنسان) يطلقُ على عيسى علیه السلام  للردِّ على الذين إدَّعوا أنه إله وهو كثيرٌ في الكتاب المقدس، ولعلَّ المعنى: إن هذا الرجلُ المُشار اليه شبيهٌ بعيسى بن مريم علیه السلام  الى حدٍّ كبير، ولعلَّ هذا ما تواترت به الأخبار الشريفة من كون منجي العالم وأملِ الإنسانيّةِ من حيث الشكل والهيئة كأنَّهُ من بني إسرائيل وهو شبيهُ عيسى علیه السلام ... الخ.

[180]: يشيرُ بعضُ الباحثين والمحققين أنَّ هذا إشارةٌ واضحة الى منجي العالم الذي يأتي بمواريث الأنبياء^ ومن بينها سيف رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  ذو الفقار، والذي هو ذو حدّين، الذي أعطاهُ لـ(عليّ بن أبي طالب علیه السلام ) ليدافع به عن دين الله الحنيف، وهو مذخورٌ عندهم، وهذا ماجاءت به الروايات الشريفة، وأثبتهُ عدد غير قليلٍ من أهل العلم والتحقيق.

[181]:العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 1، الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. سفر الرؤيا، 1: الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص395 - 396، مع إختلاف يسير في عبارات الترجمة.

[182]: سفر أشعيا 11: 4، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص625. انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 11، الفقرة: 4، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص123- 127.

[183]: سورة الدخان: الآيات9-16.

[184]: سورة البروج: الآية 12.

[185]: سورة القمر: الآيات34-39.

[186]: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 12: 1- 27، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 12، الفقرات 1 - 27، ص223، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 12: 1- 27، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[187]: سورة النور: الآيات 35- 38.

[188]: من قصيدةٍ للعلامة السيد محمد جمال الهاشمي النجفي.

[189]: من قصيدةٍ للعلامة السيد محمد جمال الهاشمي النجفي.

[190]: سورة يوسف: الآية 4.

[191]: وهي خالتهُ  صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنَّ أُمَّهُ توفيت بعد ولادةِ بنيامين علیه السلام .

[192]: من قصيدةٍ للعلامة السيد محمد جمال الهاشمي النجفي.

[193]: الأسرار الفاطمية: ص321. والقصيدة للعلامة السيد محمد جمال الهاشمي النجفي.

[194]: سورة النحل: 83.

[195]: سورة الروم: 42.

[196]: سورة البقرة: 100.

[197]: سورة آل عمران: 110.

[198]: سورة الأعراف: 102.

[199]: سورة يونس: 60.

[200]: سورة يوسف: 106.

[201]: هود: 17.

[202]: الفرقان: 50.

[203]: ألأعراف: 179.

[204]: الروم: 42.

[205]: ص: 82 ـ 83.

[206]: الأنعام: 116.

[207]: الواقعه: 13- 14.

[208]: الواقعه: 39 ـ 40.

[209]: الواقعه: 42 ـ 43.

[210]: انظر، دلائل قرب الظهور: ص76 ـ 77.

[211]: الأسرار الفاطمية: ص321. والقصيدة للعلامة السيد محمد جمال الهاشمي النجفي.

[212]: البقبقة: حكاية صوت القدر في غليانه (تاج العروس: 6 / 297).

[213]: وهو ولدها الحجة الغائب المهدي(عليه الصلاة والسلام) وبذلك قالت التورات والإنجيل والزبور والقرآن وروايات طوائف المسلمين بأجمعهم.

[214]: العوالم: ج1 ص198. الأسرار الفاطمية: ص343-344.

[215]: نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي: ص180 ـ 181. مسند المناقب ومرسلها. الغدير.

[216]: نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي: ص177.

[217]: الأسرار الفاطمية: ص321. والقصيدة للعلامة السيد محمد جمال الهاشمي النجفي.

[218]: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 13: 1-18، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 13، الفقرات 1 - 18، ص223 -224، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.رؤيا يوحنا، 13: 1 - 18، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[219]: سورة الإسراء: آية 20.

[220]: (لأنه قد جاءت ساعة حكمِهِ)، في بعضِ المصادر، ولا فرق بين الكلمتين من حيث الواقعِ واللُبِّ كما هو واضح. وعلى سبيل المثال لا الحصر كما في: سفر يوحنا 14: 6 - 7، العهد الجديد، ألأصل العبري، ص474. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 14، الفقرات 6 - 7، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر يوحنا 14: 6 - 7، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص409. والنص كما في ترجمة: أهل البيت في الكتاب لمقدس: ص129 - 130.

[221]: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 14: 1- 20، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 14، الفقرات 1 - 20، ص223 -224، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 14: 1 - 20، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[222]: سورة البقرة: 207.

[223]: سورة التوبة: الآيات:111-112.

[224]: نابيع المودة لذوي القربى، القندوزي: ج3 - ص207 ـ 208.

[225]: مصباحُ المتهجد، الطوسي: ص849-850.

xiv)          [226]: انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص119- 124.في موضوع: ملكوت الله عند السيد المسيح، يعني حكم الله في آخر الزمان وحتميته ووقت حدوثه.

xv)          [227]: للمزيد انظر: المهدي والمسيح، في موضوع: ملكوت الله عند السيد المسيح علیه السلام . المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص119 وما بعدها، وشرح ملكوت الله في ص126.

[228]: انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص119 - 120.

[229]: العهد الجديد، متى، الإصحاح 5، الفقرات 17 - 19، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. متى، 5: 17 - 19، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 8. مع فرقٍ في عبارات الترجمة.

[230]: متى، 24: 12 - 14، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 45. العهد الجديد، متى، الإصحاح 5، الفقرات 17 - 19، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. مع فرق يسير في العبارات.

[231]: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص121 وما بعدها، عن: العهد الجديد، ص103. الرهبانية اليسوعية، طبعة 1989م.

[232]: للمزيد انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص125 وما بعدها.

xvi)          [233]:العهد الجديد، لوقا، الإصحاح 6، الفقرات 20 - 26، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. إنجيل لوقا، 6: 20 - 26، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص106، مع إختلاف في عبارات الترجمة.

[234]: متى، 6: نهاية الفقرة: 9 - 10، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص10. العهد الجديد، متى، الإصحاح 6، الفقرات 9 - 10 الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. والفرق في بعض العبارات واضح.

[235]: سورة الصف:8 - 9. سورة التوبة:33.

[236]: سورة الفتح: آية 28.

[237]: سورةُ الأنبياء: 105 - 107.

[238]: سورةُ القصص: 5 -6.

[239]: سورة النور: آية 55

[240]: سورة المجادلة: آية 21.

[241]: سورة الروم: آية 47

[242]: سفر الرؤيا: الأصحاح رقم 15: 1- 8، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 15، الفقرات 1 - 8، ص225، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 15: 1 - 8، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[243]: كامل الزيارات: ص150. بحار الأنوار: ج44، ص262. العوالم: ص152.

[244]: انظر، بحار الأنوار: ج44، ص262.

[245]: سفر الرؤيا: الأصحاح رقم 17: 1- 18، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 17، الفقرات 1 - 18، ص226، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 17: 1 - 18، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[246]: سفر الرؤيا: الاصحاح رقم 5: 1- 14، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 5، الفقرات 1 - 14، ص219، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.رؤيا يوحنا، 5: 1 - 14، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[247]: سورة القصص: 5 ـ 6.

[248]: سورة القصص: آية 58.

[249]: سفر الرؤيا:الأصحاح رقم 6: 1- 17، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 6، الفقرات 1 - 17، ص219 -220، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.رؤيا يوحنا، 6: 1 - 17، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[250]: كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه: ص157. عنه البحار: ج45: ص87. رواه في بصائر الدرجات: ص481، مختصر البصائر: 6، دلائل الإمامة: 77، مناقب آل أبي طالب: 230، اللهوف: 27، عنهم البحار 42: 81، 45: 84، إثبات الهداة 5: 186.

[251]: الإعتقاد بمنجي العالم في القرآنِ والعهدين، رسالة ماجستير، للمؤلف، جامعة أهل البيت العالمية، قم المقدسة.

[252]: سورة النور: آية 55.

xvii)          [253]: بحار الأنوار، ج52، ص297 بإيجاز. نور الأبصار: 430 - 431. الغيبة للنعماني، ص284. تفسير البرهان، ج3 ص146 ح 5. معجم أحاديث المهدي، ج5 ص283 ح1710. مستدركات علم رجال الحديث، ص304. مكيال المكارم، ج1ص362...الخ، والحديث طويل أخذنا من موضع الحاجة.

[254]: سفر الرؤيا 6: 9،10، 11،15، 16، 17، العهد الجديد، الأصل العبري.رؤيا يوحنا اللاهوتي تحت رقم (27): الإصحاح 6: الفقرات 9، 10،11،15، 16، 17، العهد الجديد، الكتاب المقدس باللغة العربية، مصر.

[255]: الأوّل في القرآن الكريم والرواية الشريفة، والثاني في سفر الرؤيا.

[256]: إشارة الى رجوع عيسى بن مريم (عليهما السلام) ونزوله الى الأرض من السماء بأمرِ الله تعالى.

[257]: وقد أشرنا الى موضوع الملكوت عند عيسى علیه السلام  والذي يعني حكمُ الله في هذا العالم في بحثنا هذا، وهنا أيضاً إشارة واضحة لرجوع يحيى ابن زكريا علیه السلام  حيّاً من قبره في ذلك الزمن وهو مايُسمّى بزمن الرجعة عند المسلمين.

[258]: لقب (ابن الإنسان) يطلقُ على عيسى علیه السلام  للردِّ على الذين إدَّعوا أنه إله وهو كثيرٌ في الكتاب المقدس، ولعلَّ المعنى: إن هذا الرجلُ المُشار اليه شبيهٌ بعيسى بن مريم علیه السلام  الى حدٍّ كبير، ولعلَّ هذا ما تواترت به الأخبار من كون منجي العالم من حيث الشكل والهيئة كأنَُّه إسرائيلي... الخ.

[259]: يشيرُ بعضُ الباحثين أنَّ هذا إشارةٌ واضحة الى منجي العالم الذي يأتي بمواريث الأنبياء علیه السلام  ومن بينها سيف رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم  ذو الفقار، والذي هو ذو حدّين، الذي أعطاهُ لأمير المؤمنين (عليّ بن أبي طالب -ع -) ليدافع به عن دين الله الحنيف، وهو مذخورٌ عندهم، وهذا ماجاءت به الروايات الشريفة، وأثبتهُ عدد غير قليلٍ من أهل العلم والتحقيق!.

[260]:العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 1، الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. سفر الرؤيا، 1: الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص395 - 396، مع إختلاف يسير في عبارات الترجمة.

[261]: الإعتقاد بمنجي العالم في القرآنِ والعهدين، رسالة ماجستير، جامعة أهل البيت العالمية، للمؤلف: ص119_124، بإيجاز.

[262]: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 7: 1- 17، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 7، الفقرات 1 - 17، ص220، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 7: 1 - 17، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[263]: وهو وصيُّ خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين محمد(صلى الله عليه وآلهِ).

[264]: بحار الأنوار: ج41، ص295، ح 18.

[265]: سورة إبراهيم: الآيات 24 ـ 29.

[266]: هللويا: كلمةُ تقديسٍ وتمجيدٍ للربِّ تعالى خاصَّةٌ بلغاتِ الكتبِ السماويةِ الأصليَّةِ وبألسنةِ أهلها الناطقينَ بها.

[267]: تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم - السيد حيدر الآملي - ج1 - ص67. تفسير الصراط المستقيم: السيد حسين البروجردي: ج3، ص86.

[268]: وللوقوفِ على المزيدِ من التفاصيل: انظر، الأشتياني والقمشئي وسيد حيدر الآملي والقيصري...الخ في شروحِهم لفصوص الحكم.

[269]: هذا الاسم: هل هو اسمُ الله الأعظم؟، والذي يحمله هل هو صاحبُ الخلافة ألأسمائية (الخلافة والإمامة التي قال بها القرآن الكريم) عند أهل الله...الخ، للمزيد: دروس السيد كمال الحيدري، شرح فصوص الحكم للقيصري، ص56 وما قبلها وما بعدها.

[270]: الزام الناصب: ج1 ص475.

[271]: العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 1، الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. سفر الرؤيا، 1: الفقرات كما مشار اليها في ترقيم النص، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص395 - 396، مع إختلاف يسير في عبارات الترجمة.

[272]: سفر أشعيا 11: 4، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص625. انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 11، الفقرة: 4، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص123- 127.

[273]: راجع سورة النور: الآيات 35- 38.

[274]: سورة يوسف: الآية 4.

[275]: وهي خالتهُ   صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنَّ أُمَّهُ توفيت بعد ولادةِ بنيامي علیه السلام .

[276]: سورة الإسراء: آية 20.

[277]: سورة البقرة: 207.

[278]: راجع سورة التوبة: الآيات:111-112.

[279]: راجع، ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي: ج3 - ص207 ـ 208، في خطبةِ مَن اشترى نفسهُ لمرضاةِ الله عزَّ وجلَّ.

[280]: راجع، مصباحُ المتهجد، الطوسي: ص849-850.

xviii)          [281]: انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص119- 124.في موضوع: ملكوت الله عند السيد المسيح، يعني حكم الله في آخر الزمان وحتميته ووقت حدوثه. وللمزيد أيضاً، انظر: المهدي والمسيح، في موضوع: ملكوت الله عند السيد المسيح علیه السلام . المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص119 وما بعدها، وشرح ملكوت الله في ص126. وراجع، العهد الجديد، متى، الإصحاح 5، الفقرات 17 - 19، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. متى، 5: 17 - 19، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص8. مع فرقٍ في عبارات الترجمة. وراجع، متى، 24: 12 - 14، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 45. العهد الجديد، متى، الإصحاح 5، الفقرات 17 - 19، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. مع فرق يسير في العبارات. والمسيح الموعود والمهدي النتظر، أيضاً، ص121 وما بعدها، عن: العهد الجديد، ص103. الرهبانية اليسوعية، طبعة 1989م. وللمزيد أيضاً انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص125 وما بعدها. والعهد الجديد، لوقا، الإصحاح 6، الفقرات 20 - 26، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. إنجيل لوقا، 6: 20 - 26، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 106، مع إختلاف في عبارات الترجمة.

[282]: سورة الصف:8 - 9. سورة التوبة:33.

[283]: سورة الفتح: آية 28.

[284]: سورةُ الأنبياء: 105 - 107.

[285]: سورةُ القصص: 5 -6.

[286]: سورة النور: آية 55

[287]: سورة المجادلة: آية 21.

[288]: سورة الروم: آية 47.

[289]: انظر، بحار الأنوار: ج44، ص262.

[290]: سورة القصص: 5 ـ 6.

[291]: سورة القصص: آية 58.

[292]: كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه: ص157. عنه البحار: ج45: ص87. رواه في بصائر الدرجات: ص481، مختصر البصائر: 6، دلائل الإمامة: 77، مناقب آل أبي طالب: 230، اللهوف: 27، عنهم البحار 42: 81، 45: 84، إثبات الهداة 5: 186.

[293]: وللمزيد يراجع: الإعتقاد بمنجي العالم في القرآنِ والعهدين، رسالة ماجستير، جامعة أهل البيت العالمية، قم المقدَّسة، للمؤلف: ص119-124.

[294]: الإعتقاد بمنجي العالم في القرآنِ والعهدين، رسالة ماجستير، جامعة أهل البيت العالمية، للمؤلف: ص119_124، بإيجاز.

[295]: وهو وصيُّ خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين محمد(صلى الله عليه وآلهِ).

[296]: بحار الأنوار: ج41، ص295، ح 18.

[297]: يستفاد من بعض الأناجيل وقسم من الروايات أن هيروديس قد تزوج امرأة أخيه، وقد كان هذا الزواج ممنوعا في قانون التوراة، وقد لامه يحيى على هذا العمل بشدة، ثم أن تلك المرأة حملت هيروديس على قتل يحيى بإغرائه بجمال بنتها. إنجيل متى باب 14، إنجيل مرقس باب 6، الفقرة 17 وما بعدها. هامش تفسير الأمثل: ص422.

[298]: اللهوف: 27، دلائل الإمامة: 77، مناقب آل أبي طالب: 230، في بصائر الدرجات: ص481، كامل الزيارات: ص157. البحار: ج45: ص87.

[299]: تفسير الأمثل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج9، ص422.

[300]: كما في سفر ارميا 46: 3 - 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 3 ـ 10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155.

[301]: والروايات في ذلك عندنا متواترةٌ، وأما في الأسفار فيراجع على سبيل المثال لا الحصر: سفر الرؤيا:الإصحاح رقم 5: 1- 14، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 5، الفقرات 1 - 14، ص219، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.رؤيا يوحنا، 5: 1 - 14، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[302]: كما في سفر ارميا 46: 3 - 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 3- 10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155.

[303]: وقد مرت عليك النصوص أن الأنبياء والأولياء قد وضعوا اسمهُ - والد ذبيح الله الأعظم- الشريف على جباههم...الخ.

[304]: كامل الزيارات: ص150. بحار الأنوار: ج44، ص262. العوالم: ص152.

[305]: بحار الأنوار: ج44، ص262.

[306]: كامل الزيارات: هامش ص150.

[307]: العوالم، الإمام الحسين علیه السلام : ص153.

[308]: سورة الفرقان: الآية 20.

[309]: بحار الأنوار: ج24 ص219 حديث 16، تفسير البرهان 3: 158.

[310]: سورة الأنعام: الآية 90.

[311]: من أخلاق الإمام الحسين علیه السلام : ص36 ـ 37.

[312]: من أخلاق الإمام الحسين علیه السلام : ص113.

[313]: البقرة: 30، وقد أحضر جميع ملائكته وأخبرهم بهذا الأمر الإلهيّ الكبير والخطير، وذلك واضحٌ في تفاسير المسلمين، انظرمثلاً:التفسيرألكبير:ج2 ص152.

[314]: سورة الإسراء: آية 33.

[315]: الكافي، ج8ص255. ومثله: تأويل الآيات، ج1ص 280.

[316]: الملهوف على قتلى الطفوف، ص176- 177.

 [317]:الملهوف على قتلى الطفوف، ص177.

xix)          [318] سفر أشعيا 11: 4، ألأصل العبرى، العهد القديم ص625. وللوقوف على النص العبرى والعربى انظر: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص123 ـ 127. سفر أشعيا 11: 4، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص924. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

[319]:الزام الناصب: ج1، ص475. الغيبة للنعماني، ص247. بحار الأنوار، ج51، ص77. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

[320]:سورة الأنفال، آية 30

[321]: سورة الصف، آية 8

[322]: ماضية بالنسبة لعصرنا، وأما لعصر هذه النصوص فهي قادمة (مستقبلية).

[323]:أوامر تكوينيّة وتشريعيّة، فأمّا كونها تكوينيّة: لأنّها أوامر مستقبليّة، يخاطب الله بها جنوده الميامين (جند وأصحاب القائم المنجي) وهم بعدُ في الأصلاب ليجبلهم على الشجاعة والإقدام المنقطع النظير. وأمّا كونها تشريعيّة: فلأنّ شرع الله واحد قديماً وحاضراً ومستقبلاً، فهو يشرّع لجنده الأبطال تفاصيل تطبيق هذه الأوامر لنيل الإنتصار المحتّم.

[324]: هذه الفقره والفقرات التى سبقتها فى: سفر أرميا 46: 3 ـ 10، الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155.

[325]: أحد أسماء كربلاء المقدسة.

[326]: كنية ذبيحِ الله الأعظم الحسين علیه السلام .

[327]: الخصائص الحسينيه:للعلامه الشيخ جعفر التسترى، ص156- 158. الملاحم والفتن: للسيد ابن طاووس، ص103 -104، ب25، 26 وغيرها من الروايات في هذا الصدد.

[328]: عنه البحار 101: 109، الوسائل 14: 516، بعضه المستدرك 10: 324. وكل هذه الروايات في:كامل الزيارات: ص444 ـ 456.

[329]: عنه البحار 101: 109، الوسائل 14: 516، بعضه المستدرك 10: 324. وكل هذه الروايات في:كامل الزيارات: ص444 ـ 456.

[330]: لايخفى ؛ أن النيل كان مشهوراً ومعروفاً فى كل البلدان منذ الحضارات الموغله فى القدم، ولطالما قدمت له النذور والقرابين...، وكان يحمل نوعاً من القدسيّة الكبيرة لدى المصريين القدماء خاصّة، وعدد كبير من شعوب العالم عامة...الخ. وكان معروفاً بأنه الأطول فى العالم الى العصر الحديث، حيث تم اكتشاف نهر الأمازون في البرازيل، فكان الأخير يفوقه بالطول قليلاً. فجاء التشبيه بالأول لشهرته منذ القدم، ولمعرفته بين الشعوب والأمم، بخلاف الأمازون حيث لم يكن معروفاً، فتأمّل!.

[331]: وقد تواتر في الكتب السماوية المقدسة القديمة هذا المعنى وهذه العبارة وعنت العراق وكربلاء بالخصوص.

[332]: سفر اشعيا 37: 32، الأصل العبرى، العهد القديم، ص612. انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 37، الفقرة، 32، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. وربما اكتفى المترجمون بوضع (سين المستقبل) في بداية الفقرة في كلمة (ستخرج) ورفعت من كلمة (ستصنع) كما في المصدر الذي نحن بصدده ولاضير في ذلك فكلّ الترجمات تفيد المعنى المستقبلي. وانظر النص العبري والعربي في: (أهل البيت فى الكتاب المقدس)، ص122-123. سفر اشعيا 37: 32، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص954. مع فرقٍ يسير في عبارات الترجمة.

[333]: لماذا تفسَّر هذه العبارات ببني إسرائيل دوماً ‍! ماذا لو فُسِّرَ مراد إشعياء النبي علیه السلام  وغيره من الأنبياء بأنَّهُ نحنُ معاشرَ الأنبياء سيولدُ لنا ولدٌ من صُلبنا في آخر الزمان...، وأنهُ يحكمُ بحكم داود علیه السلام  كما جاء ذلك متواتراً عند المسلمين؟.

xx)          [334]: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 9، الفقرة، 6 - 7، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر اشعيا 9: 5 - 7، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص921. مع فرقٍ لايخفى في عبارات الترجمة.

[335]: أعيان الشيعة، ج6، ص268. عصر الظهور، ص381. رياض المدح والرثاء، ص32. ديوان السيد حيدر الحلى، ج1، ص37: من قصيدته المعروفه فى ندبة الامام منقذ العالم (عج) والتي مطلعها: الله ياحامي الشريعة أتقرّ وهي كذا مروعة

[336]: لماذا تفسَّر هذه العبارات ببني إسرائيل دوماً ‍! ماذا لو فُسِّرَ مراد إشعياء النبي علیه السلام  وغيره من الأنبياء بأنَّهُ نحنُ معاشرَ الأنبياء سيولدُ لنا ولدٌ من صُلبنا في آخر الزمان...، وأنهُ يحكمُ بحكم داود علیه السلام  كما جاء ذلك متواتراً عند المسلمين؟.

xxi)          [337]: سفر يوحنا 14: 6 - 7 ألأصل العبرى، ص474. أهل البيت فى الكتاب المقدس: ص129- 130. رؤيا يوحنا، 14: 6 - 7، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص409.

[338]: (لأنه قد جاءت ساعة حكمِهِ)، في بعضِ المصادر، ولا فرق بين الكلمتين من حيث الواقعِ واللُبِّ كما هو واضح. وعلى سبيل المثال لا الحصر كما في: سفر يوحنا 14: 6 - 7، العهد الجديد، ألأصل العبري، ص474. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 14، الفقرات 6 - 7، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر يوحنا 14: 6 - 7، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص409. والنص كما في ترجمة: أهل البيت في الكتاب لمقدس: ص129 - 130.

[339]: سفر الرؤيا:الإصحاح رقم 14: 6- 7، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 14، الفقرات 6 - 7، ص223 -224، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.رؤيا يوحنا، 14: 6 - 7، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[340]: سورة الروم: آية 41.

[341]: مستدرك الصحيحين 4: 557 ورواه ابونعيم فى حليته 3:101 باختلاف يسير فى اللفظ، وأحمد بن حنبل في مسنده 3: 36 وغيرهم، والسيوطى فى تفسير الآيه (فهل ينظرون الا الساعه...) من سورة محمد   صلى الله عليه وآله وسلم  6: 58.

[342]: غاية المرام: ص700، ب 141، ح 99. ينابيع الموده: ص448، ب 78. برهان المتقى:ص92، ب2، ح12. عقد الدرر: ص62، ب 4، ف 1.

xxii)          [343]: سفر الرؤيا: الأصحاح رقم 19: 6- 21، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 19، الفقرات 6 - 21، ص227 ـ 228، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 19: 1 - 21، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص415.

[344]: تتلاطم امواههـا: في بعض المصادر، والمرادُ واحدٌ.

xxiii)          [345]:سفر ارميا 46: 3 - 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 3- 10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155. سفر إرميا 46: 3 - 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

[346]: سفر الرؤيا: الإصحاح رقم 7: 9- 17، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 7، الفقرات 9 - 17، ص220، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 7: 9 - 17، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[347]: الكافي، الكليني: ج1 - ص478 ـ 481، والحديثُ طويلٌ ومهمٌّ أخذنا منهُ موضعَ الحاجة!.

[348]: كامل الزيارات: ص137.

[349]: كامل الزيارات: ص137. البحار 44: 227. رواه في علل الشرائع 1: 73. ومن الروايات الأُخرى أيضاً: حدثني محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن جده علي بن مهزيار، عن محمد بن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال: إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه: (واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد)، اخذ فسلخت فروة وجهه ورأسه، فأتاه ملك فقال: إن الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بالحسين ابن علي (عليهما السلام). كامل الزيارات: 138-139. البحار 44: 227.

[350]: في علل الشرائع: سماعة بن مهران عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام ، وكلاهما صحيح، لان سماعة يروي عنه علیه السلام  بلا واسطة ومع الواسطة.

[351]: كامل الزيارات: ص138. البحار 44: 227. رواه في علل الشرائع 1: 74.

[352]: كامل الزيارات: 138-139. البحار 44: 237.

[353]: كامل الزيارات: 140-139. البحار 44: 237.

[354]: كامل الزيارات: 142. البحار 44: 238.

[355]: أبو هارون العيسي، جعفر بن حيان (خ ل).

[356]: - كذا، والصواب: مقبلاً، أي كشهيد استشهد معهم حال كونه مقبلا على القتال غير مدبر، وعلى ما في النسخ صفة لقوله: كالشهيد، لأنه في قوة النكرة.

[357]: كامل الزيارات: 142. البحار: ج44: 301.

[358]: سفر الرؤيا: الأصحاح رقم 15: 3- 4، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 15، الفقرات 3- 4، ص225، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر. رؤيا يوحنا، 15: 3- 4، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[359]: بحار الأنوار: ج45: ص179. وبعضه في بحار الأنوار: ج101: ص115 أيضاً. بحار الأنوار: ج101: ص33، وبعضه في بحار الأنوار: ج101: 110، الوسائل 14: 513، صدره المستدرك: ج10: ص261. المستدرك: ج3: ص522.

[360]: سفر الرؤيا: الاصحاح رقم 5: 4- 14، العهد الجديد، الأصل العبري. العهد الجديد، سفر الرؤيا (رؤيا يوحنا اللاهوتي)، الإصحاح 5، الفقرات 4- 14، ص219، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط، القاهرة، مصر.رؤيا يوحنا، 5: 4 - 14، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس.

[361]: تتلاطم امواههـا: في بعض المصادر، والمرادُ واحدٌ.

xxiv)          [362]:سفر ارميا 46: 3 - 10، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم 28، الإصحاح 46: الفقرات 3- 10، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155. سفر إرميا 46: 3 - 10، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص1060. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

[363]: العس -بالضم والسين المهملة المشددة- القدح الكبير. نشج الباكي نشيجا: غص بالبكاء في حلقه من غير انتخاب، والقدر غلت فسمع لها صوت. خبط خبطا: ضرب ضربا شديداً. اصطفق الأشجار: اضطربت واهتزت بالريح، والعود تحركت أوتاده. بحار الأنوار: ج45، ص179، بعضه 101: 115، المستدرك 3: 522 (مع التنبيه بأنها ليس من كلام المؤلف). بحار الأنوار: ج101: ص33، بعضه 101: 110. الوسائل: ج14: ص513، صدره المستدرك: ج10: ص261.

[364]: بحار الأنوار: ج101: ص106، الوسائل: ج14: ص515.

[365]: التهذيب: ج6: ص72. بحار الأنوار: ج101: ص107، الوسائل: ج14، ص516.

[366]: بحار الأنوار: ج101، ص108، الوسائل: ج14، ص515. المستدرك: ج10: ص323. رواه أبو سعيد العصفري في أصله: 17 (ضمن الأصول الستة عشر).

[367]: انظر الروايات في كامل الزيارات: ص444 ـ 456.

[368]: أنبياءه (خ ل)، ويأتي بعيد هذا ان كربلاء قبض فيها مائتا نبي ومائتا وصي. بحار الأنوار: ج101:90، المستدرك: ج10:ص 287. علي بن الحرب (خ ل)، وقد ورد في معاجم الرجال بالاسمين، راجع معجم الرجال: ج11: 299.

[369]: بحار الأنوار: ج101، ص106، المستدرك: ج10، ص324.

[370]: بحار الأنوار: ج101: ص109، المستدرك: ج10: ص324.

[371]: كامل الزيارات: ص269. بحار الأنوار: 98: 109، المستدرك: ج10: ص324.

[372]: بحار الأنوار: ج101: ص90، المستدرك: ج10: ص287.

[373]: علي بن الحرب (خ ل)، وقد ورد في معاجم الرجال بالاسمين، راجع معجم الرجال: ج11، ص299.

[374]: كامل الزيارات: ص269. بحار الأنوار: 98: 109، المستدرك: ج10: ص261.

[375]: راجع على سبيل المثالِ لا الحصرِ، كامل الزيارات: ص67، وكمال الدين وتمام النعمة، ص295. والخصائصِ الحسينيَّةِ للعلامةِ التُستري، في مجيءِ آدمَ ونوحٍ وابراهيم واسماعيل وعيسى...^ إلى كربلاء وبكائهم فيها!.

[376]: بحار الأنوار: ج101، ص116.

[377]: انظر ما تقدَّم من روايات شريفة في كامل الزيارات: ص444 ـ 456.

[378]: كامل الزيارات: ص270. بحار الأنوار: ج98: ص110، الوسائل: ج14: ص516، بعضه المستدرك: ج10: ص324. انظر الروايات التي اوردناها في هذا الفصل في: كامل الزيارات: ص444 ـ 456.

[379]: سورة آل عمران: الآيات 2 ـ 4.

[380]: سورة النساء: آية 47.

[381]: الواردة في الكتب السماوية المقدسة وصحف الأنبياء والروايات الشريفة.

[382]: تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم - السيد حيدر الآملي - ج1 - ص67. تفسير الصراط المستقيم: السيد حسين البروجردي: ج3، ص86.

[383]: سورة الروم: آية 47

[384]: سورة الصف: 8 - 9. سورة التوبة: 33

[385]: سورة الفتح: آية 28

[386]: سورةُ الأنبياء: 105 ـ 107.

[387]: سورةُ القصص: 5.

[388]: سورة النور: آية 55.

[389]: سورة المجادلة: آية 21.

[390]: بحار الأنوار: ج98، ص163.