العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي

المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي

  • المؤلف: زينب غدير محمد علي القريني

  • الطبعة: الأولى

  • الناشر : مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

  • سنة الطبع: 1443هـ ـ 2022م

الإهداء..

إلى مولاي... بقيّة الله في أرضه... وحجّته على عباده الإمام المنتظر

لإقامة الأمتِ والعوج.... المرتجى لإزالة الجور والعدوان

صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء

إلى... فرسان ساحات القتال

إلى... القوّات المسلّحة والحشد المقدّس

إلى... من أحمل اسمه بكلّ فخر.... إلى من وضعني على طريق خدمة الحسين منذ الصغر

إلى... صاحب القلب الكبير خادم الحسين.... أبي&

إلى... روضة الحبّ وينبوع الحنان... إلى من أفتقدها في أوقات الفرح والأحزان

ولم تمهلني الدنيا لأرتوي من حنانها... أمّي

إلى... رمز التضحية والحبّ والعطاء بلا حدود... إلى من غمرتني وأخوتي بحبّها وحنانها

صاحبة الصدر الحنون... أمّي الثانية

إلى... قناديل الدرب... سندي في الحياة...أخوتي وأخواتي

إلى...من سار معي خطوة بخطوة امتناناً وتقديراً زوجي الغالي...

أهدي ثمرة جهدي.

شكر وتقدير

أشكر الله ربّ العالمين الذي خلق وهدى وسدّد الخطى، فبنعمته أتممت هذا البحث، نحمده حمداً كثيراً كما ينبغي لكرم وجهه وعزّ جلاله.

وبعد، فانطلاقاً من قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ يطيب لي أن أتقدّم بالشكر الجزيل والعرفان الجميل لكلّ مَن مدَّ لي يد العون والمساعدة، وفي مقدّمتهم الأستاذ الدكتور عقيل صادق زعلان؛ لتفضّله بالإشراف على هذه الرسالة، ولم يبخل عليَّ بإسداء النصيحة، وكلّ ما يراه نافعاً، فجزاه الله خيراً.

وأتقدّم بوافر شكري للأخ الأستاذ الدكتور سلمان جودي؛ لما قدَّمه لنا من توجيهات قيّمة في إجراء الاستبانة الخاصّة بالمنبر الحسيني ودوره الإصلاحي.

كما لا يفوتني أن أشكر كلّ مَن ساعدني في إنجاز هذه الرسالة، وأخصّ بذلك زوجي ورفيق دربي؛ حيث تحمّل معي كلّ ما واجهته من صعوبات.

كما أتقدّم بالشكر والتقدير إلى منتسبات مكتبة العتبة الحسينيّة ومكتبة العتبة العبّاسية المقدّستين؛ لتعاونهنَّ معي في توفير ما أحتاجه من مصادر، فلهنَّ منّي كلّ الشكر والتقدير.

كما لا يفوتني أن أقدّم وافر شكري وامتناني لِمَن يواصلون العطاء... أساتذتي الأعزاء في الجامعة العالميّة للعلوم الإسلاميّة... تلوح في الأذهان أسماؤكم التي علقت بالذاكرة... تشرّفت بكم رغم بعد دياركم... دمتم رموزاً واضحة شامخة للعطاء والوفاء.

وأتقدّم بخالص شكري وتقديري للدكتور الشيخ عماد الكاظمي؛ لجهوده المبذولة في مراجعة الرسالة، فلم يبخل علينا بوقته الثمين وملاحظاته القيّمة.

كذلك أتقدّم بالشكر الجزيل إلى أعضاء لجنة المناقشة؛ لتكرّمهم بالموافقة على مناقشة هذه الرسالة.

وأخيراً شكري وتقديري إلى كلّ مَن أعانني بتوجيه أو تشجيع أو دعاء.

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعل ما قدّمتُ من جهد خالصاً لوجهه الكريم، نافعاً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا مَن أتى الله بقلب سليم، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

الباحثة

مقدّمة المؤسّسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين. ‏

إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلى الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلى غايته الحقيقيّة ‏وسعادته الأبديّة المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدّد خيارات الإنسان الصحيحة، وفي ضوئهما يسير في ‏سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل على أساس العلم والمعرفة فضّله الله على سائر المخلوقات، ‏واحتجّ عليهم بقوله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[1]، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر، ويتفوّق بعضهم على بعض عند الله ، إذ (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[2]، وبهما تُسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.

ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمّة والأولياء^، تضحيات جسام كان هدفها منع ‏الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلى مبتغاه وهدفه، إلى كماله، إلى حيث يجب ‏أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلى الله} بغية إرسال الرسل ‏التي تعلّم المجتمعات فقالوا: ‏ (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[3]، فكانت الإجابة: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[4]، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم. ‏

بل هو دعاء الأئمّة^ ومبتغاهم من الله لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالى بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»[5].

وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيّات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون على علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.

فهذه سيرة الأنبياء والأئمّة^ سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار؛ لأجل نشـر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم على مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.

وهذه القاعدة التي أسّسنا لها لا يُستثنى منها أيّ نبيّ أو وصيّ، فلكلّ منهم^ سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمر بين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلى المهام التي أُنيطت بهم^، كما أخبر} بذلك في قوله: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)[6]، فسيرة النبي الأكرم’ ليست كبقيّة سِيَر الأنبياء^، كما أنّ سيرة الأئمّة^ ليست كبقيّة سِيَر الأوصياء السابقين^، كما أنّ التفاوت في ‏ سِيَر الأئمّة^ فيما بينهم ممّا لا شكّ فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء على بقيّة الأئمّة^.‏

والإمام الحسين× تلك الشخصيّة القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة الذين دلّت ‏النصوص على فضلهم ومنزلتهم على سائر المخلوقات، الإمام الحسين× الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الربّاني، ‏الذي يأبى الله أن ينطفئ، الإمام الحسين× الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.‏

فمن سيرة هذه الشخصيّة العظيمة التي ملأت أركان الوجود، تعلّم الإنسان القيم المثلى التي بها حياته الكريمة، كالإباء ‏والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفيّة والعمليّة، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم ‏وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلى مجتمعات كانت ولا زالت بأمسّ الحاجة إلى هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قِبَل ‏الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم، وأفنوا أغلى أوقاتهم، وزهرة أعمارهم؛ لأجل هذا الهدف النبيل.‏

إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفيّة التي تركها× للأجيال اللاحقة ـ فضلاً عن الجوانب ‏المعرفيّة في حياة سائر المعصومين^ ـ إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليه بالمقدار المطلوب، وهي ليست ‏بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: هي أكثر ممّا تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف لتُعرَّف، بل لا بدّ ‏من العمل على البحث فيها ودراستها من زوايا متعدّدة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤوليّة المهتمّين بالشأن ‏الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛ استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع ‏الطائفة الحقّة.‏

ومن هذا المنطلق بادرت الأمانة العامّة للعتبة الحسينيّة المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكريّة ‏والعلميّة حول شخصيّة الإمام الحسين× ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولى وبالأساس بمسك هذا الملف التخصّصي، فعمدت إلى زرع بذرة ضمن أروقتها القدسيّة، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء ‏للدراسات التخصّصيّة في النهضة الحسينيّة، التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة، حيث أخذت على عاتقها مهمّة تسليط الضوء ـ ‏بالبحث والتحقيق العلميّين ـ على شخصيّة الإمام الحسين×، ونهضته المباركة، وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطّة ‏مبرمجة، وآليّة متقنة، تمّت دراستها وعرضها على المختصّين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة ‏من المشاريع العلميّة التخصّصيّة، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفِّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة ‏الحسينيّة المقدّسة.‏

كما ليس لنا أن ندّعي ـ ولم يدّعِ غيرنا من قبل ـ الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصيّة الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا ‏أنّنا قد أخذنا على أنفسنا بذل قصارى جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء×، وإيصال أهدافه ‏السامية إلى الأجيال اللاحقة.‏

المشاريع العلميّة في المؤسّسة

بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلميّة في المجال الحسيني، تمّ تحديد ‏مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ ‏منها أهميّته القصوى، ووفقاً لجدول الأولويّات المعتمد في المؤسّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر ‏العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعيّة للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي: ‏

الأوّل: قسم التأليف والتحقيق

إنّ العمل في هذا القسم على مستويين:

أ ـ التأليف

ويُعنَى هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينيّة التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ ‏استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء ‏الملاحظات العلميّة وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها، يتمّ طباعتها ونشرها.‏

ب ـ التحقيق

والعمل فيه قائم على جمع وتحقيق وتنظيم التراث الحسيني، وقد تمّ العمل على نحوين:

 الأوّل: التحقيق في المقاتل الحسينيّة، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، ‏سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، وذلك تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم ‏على رصد المخطوطات الحسينيّة التي لم تُطبع إلى الآن؛ وقد قمنا بجمع عدد كبير من المخطوطات القيّمة، التي لم يطبع كثير منها، ولم يصل إلى أيدي القرّاء إلى الآن.

الثاني: استقبال ‏الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسّسة، لغرض طباعتها ونشرها بعد إخضاعها للتقويم العلمي من قبل اللجنة العلميّة ‏في المؤسّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها، وتأييد صلاحيتها للنشر، تقوم المؤسّسة بطباعتها.‏

الثاني: قسم مجلّة الإصلاح الحسيني

‏ وهي مجلّة فصليّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، تهتمّ بنشـر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء على تاريخ ‏النهضة الحسينيّة وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانيّة والاجتماعيّة والفقهيّة والأدبيّة في تلك النهضة المباركة، وقد ‏قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلّات العلميّة الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا ‏الفكري بالبحوث العلميّة الرصينة.‏

الثالث: قسم ردّ الشُّبُهات عن النهضة الحسينيّة

إنّ العمل في هذا القسم قائم على جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبّع مظانّ ‏تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونيّة، وما إلى ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها ‏وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علمي تحقيقي في عدَّة مستويات.‏

 

الرابع: قسم الموسوعة العلميّة من كلمات الإمام الحسين×

وهي موسوعة علميّة تخصّصيّة مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين× في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون العمل فيها من خلال جمع كلمات الإمام الحسين× من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلميّة، والعمل على دراسة هذه الكلمات المباركة؛ لاستخراج نظريّات علميّة تمازج بين كلمات الإمام× والواقع العلمي.  وقد تمّ العمل فيه على تأليف موسوعتين في آن واحد باللغتين العربيّة والفارسيّة.

الخامس: قسم دائرة المعارف الحسينيّة الألفبائيّة

وهي موسوعة تشتمل على كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين× ونهضته المباركة من أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤى، وأعلام، وبلدان، وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب الحروف الألفبائيّة، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلى شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَى فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصـريّة وأُسلوبٍ حديث، وقد أُحصي آلاف المداخل، يقوم الكادر العلمي في هذا القسم بالكتابة عنها، أو وضعها بين يدي الكُتّاب والباحثين حسب تخصّصاتهم؛ ليقوموا بالكتابة عنها وإدراجها في الموسوعة بعد تقييمها وإجراء التعديلات اللازمة عليها من قبل اللجنة العلميّة.

السادس: قسم الرسائل والأطاريح الجامعيّة

يتمّ العمل في هذا القسم على مستويين: الأوّل: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعيّة التي كُتبتْ حول النهضة الحسينيّة، ومتابعتها من قبل لجنة علميّة متخصّصة؛ لرفع النواقص العلميّة وإدخال التعديلات أو الإضافات المناسبة، وتهيئتها للطباعة والنشر. الثاني: إعداد موضوعات حسينيّة ـ يضمّ العنوان وخطّة بحث تفصيليّة ـ من قبل اللجنة العلميّة في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعيّة، وتوضع في متناول طلّاب الدراسات العليا.

السابع: قسم الترجمة

الهدف من إنشاء هذا القسم إثراء الساحة العلميّة بالتراث الحسيني عبر ترجمة ما كتب منه بلغات أخرى إلى اللغة العربيّة، ونقل ما كتب باللغة العربيّة إلى اللغات الأخرى، ويكون ذلك من خلال إقرار صلاحيّة النتاجات للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف على ذلك إذا كانت الترجمة خارج القسم.

الثامن: قسم الرَّصَد والإحصاء

يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيّات، والمواقع الإلكترونيّة، والكتب، والمجلّات والنشريّات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضيّة الحسينيّة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقيّة المؤسّسات والمراكز العلميّة في شتّى المجالات.ويقوم هذا القسم بإصدار مجلّة شهريّة إخباريّة تسلّط الضوء على أبرز النشاطات والأحداث الحسينيّة محليّاً وعالميّاً في كلِّ شهر، بعنوان: مجلّة الراصد الحسيني.

التاسع: قسم المؤتمرات والندوات والملتقيات العلميّة

يعمل هذا القسم على إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكريّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علمي بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، وتتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة على الكوادر العلميّة في المؤسّسة، وكذا سائر الباحثين والمحقّقين، وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينيّة وفق الأدوات الاستنباطيّة المعتمَدة لديهم.

العاشر: قسم المكتبة الحسينيّة التخصّصيّة

يضمّ هذا القسم مكتبة حسينيّة تخصّصيّة تعمل على رفد القرّاء والباحثين في المجال الحسيني على مستويين:

أ ـ المكتبة الحسينيّة التخصّصيّة، والتي تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصّصها.

ب ـ المجال الإلكتروني، إذ قامت المؤسّسة بإعداد مكتبة إلكترونيّة حسينيّة يصل العدد فيها إلى أكثر من ثمانية آلاف عنوان بين كتب ومجلّات وبحوث.

الحادي عشر: قسم الإعلام الحسيني

يتوزّع العمل في هذا القسم على عدّة جهات:

الأُولى: إطلاع العلماء والباحثين والقرّاء الكرام على نتاجات المؤسّسة وإصداراتها، ونشر أخبار نشاطات المؤسّسة وفعّاليّاتها بمختلف القنوات الإعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع.

 الثانية: إنشاء القنوات الإعلاميّة، والصفحات والمجموعات الإلكترونيّة في وسائل التواصل الاجتماعي كافّة.

الثالثة: العمل على إنتاج مقاطع مرئيّة في الموضوعات الحسينيّة المختلفة، مختصرة ومطوّلة، وبصورة حلقات مفردة ومتسلسلة، فرديّة وحواريّة.

الرابعة: إعداد وطباعة نصوص حسينيّة وملصقات إعلانيّة، ومنشورات حسينيّة علميّة وثقافيّة.

الخامسة: التواصل مع أكبر عدد ممكن من القنوات الإعلاميّة والصفحات والمجموعات الإلكترونيّة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتزويدها بأنواع المعلومات من مقاطع مرئيّة ومنشورات وملصقات في الموضوعات الحسينيّة المختلفة الشاملة للتاريخ، والسيرة، والفقه، والأخلاق، وردّ الشبهات، والمفاهيم، والشخصيّات.

الثاني عشر:قسم الموقع الإلكتروني

 وهو موقع إلكتروني متخصّص، يقوم بنشر إصدارات وفعاليّات مؤسّسة وارث الأنبياء، وعرض كتبها ومجلّاتها، والترويج لنتاجات أقسامها ونشاطاتها، وعرض الندوات والمؤتمرات والملتقيات التي تقيمها، وكذا يسلِّط الضوء على أخبار المؤسّسة، ومجمل فعّاليّاتها العلميّة والإعلاميّة. بالإضافة إلى ترويج المعلومة الحسينيّة والثقافة العاشورائيّة عبر نشر المقالات المختلفة، وإنشاء المسابقات الحسينيّة، والإجابة عن التساؤلات والشبهات.

الثالث عشر: قسم إقامة الدورات وإعداد المناهج

يتكفّل هذا القسم بإعداد الدورات الحسينيّة في المباحث العقديّة والتاريخيّة والأخلاقيّة، ولمختلف الشرائح والمستويات العلميّة، وكذلك إقامة دورات تعليميّة ومنهجيّة في الخطابة الحسينيّة، كما يضطلع هذا القسم بمهمّة كبيرة، وهي إعداد مناهج حسينيّة تعليميّة وتثقيفيّة لمختلف الفئات وعلى عدّة مستويات:

الأوّل: إعداد مناهج تعليميّة للدراسات الجامعيّة الأوّليّة والدراسات العليا.

الثاني: إعداد مناهج تعليميّة في الخطابة الحسينيّة.

الثالث: إعداد مناهج تعليميّة عامّة لمختلف شرائح المجتمع.

الرابع: إعداد مناهج تثقيفيّة عامّة.

الرابع عشر: القسم النسوي

يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصّص وبأقلام علميّة نسويّة في الجانب الديني والأكاديمي على تفعيل دور المرأة ‏المسلمة في الفكر الحسيني، ورفد أقسام المؤسّسة بالنتاجات النسويّة، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبيّة، وفق الأساليب المعاصرة في ‏التأليف والكتابة.‏

الخامس عشر: القسم الفنّي

إنّ العمل في هذا القسم قائم على طباعة وإخراج النتاجات الحسينيّة التي تصدر عن المؤسّسة، من خلال برامج إلكترونيّة ‏متطوِّرة، يُشرف عليها كادر فنّي متخصّص، يعمل على تصميم أغلفة الكتب والإصدارات، والملصقات الإعلانيّة، والمطويّات العلميّة والثقافيّة، وعمل واجهات الصفحات الإلكترونيّة، وبرمجة ‏الإعلانات المرئيّة والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخرى التي تحتاجها أقسام المؤسّسة كافّة.‏

وهناك مشاريع أُخرى سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالى.‏

قسم الرسائل والأطاريح الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء

يتكفّل قسم الرسائل والأطاريح الجامعية بمهمّة نشر الفكر الحسيني المبارك، من خلال تفعيل الدراسات والأبحاث العلمية الحسينية في الأوساط الجامعية والأكاديمية بمستوياتها الثلاثة: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، مضافاً إلى الرُقي بالمستوى العلمي والتحقيقي للكفاءات الواعدة المهتمّة بالنهضة الحسينية في جميع مجالاتها. وقد تصدّى لهذه المسؤولية نخبة من الأساتذة المحقِّقين في المجال الحوزوي والأكاديمي.

أهداف القسم

الغاية من وراء إنشاء هذا القسم جملة من الأهداف المهمّة، منها: ‏

‏1ـ إخضاع الدراسات والأبحاث الحسينية لمناهج البحث المعتمَدَة لدى المعاهد والجامعات.‏

‏2ـ إبراز الجوانب المهمّة وفتح آفاق جديدة أمام الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالنهضة الحسينية، من خلال اختيار عناوين ‏ومواضيع حيوية مواكبة للواقع المعاصر.‏

‏3ـ الارتقاء بالمستوى العلمي للكوادر الجامعية، والعمل على تربية جيل يُعنَى بالبحث والتحقيق في مجال النهضة الحسينية ‏الخالدة.‏

‏4ـ إضفاء صبغة علمية منهجية متميزة على صعيد الدراسات الأكاديمية، المرتبطة بالإمام الحسين× ونهضته المباركة.‏

‏5ـ تشجيع الطاقات الواعدة في المعاهد والجامعات؛ للولوج في الأبحاث والدراسات العلمية في مختلف مجالات البحث ‏المرتبطة بالنهضة الحسينية، ومن ثمّ الاستعانة بأكفّائها في نشر ثقافة النهضة، وإقامة دعائم المشاريع المستقبلية للقسم.‏

‏6ـ معرفة مدى انتشار الفكر الحسيني في الوسط الجامعي؛ لغرض تشخيص آلية التعاطي معه علمياً.

‏7 ـ نشر الفكر الحسيني في الأوساط الجامعية والأكاديمية.‏

‏8 ـ تشخيص الأبعاد التي لم تتناولها الدراسات الأكاديمية فيما يتعلّق بالنهضة الحسينية، ومحاولة العمل على إبرازها في ‏الدراسات الجديدة المقترحة.‏

‏9ـ التعريف بالرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين× ونهضته المباركة؛ والتي تمّت كتابتها ومناقشتها في الجامعات.‏

آليات عمل القسم

إنّ طبيعة العمل في قسم الرسائل والأطاريح الجامعية تكون على مستويات ثلاثة:

 

المستوى الأوّل: العناوين والمواضيع الحسينية

يسير العمل فيه طبقاً للخطوات التالية:

‏1ـ إعداد العناوين والموضوعات التخصّصية، التي تُعنَى بالفكر الحسيني طبقاً للمعايير والضوابط العلمية، مع الأخذ بنظر ‏الاعتبار جانب الإبداع والأهمية لتلك العناوين.‏

‏2ـ وضع الخطّة الإجمالية لتلك العناوين والتي تشتمل على البحوث التمهيدية والفصول ومباحثها الفرعية، مع مقدّمة ‏موجَزَة عن طبيعة البحث وأهميته والغاية منه.‏

‏3ـ تزويد الجامعات المتعاقد معها بتلك العناوين المقترَحَة مع فصولها ومباحثها.‏

المستوى الثاني: الرسائل قيد التدوين

يسير العمل فيه على النحو التالي:

‏1ـ مساعدة الباحث في كتابة رسالته من خلال إبداء الرأي والنصيحة.‏

‏2ـ استعداد القسم للإشراف على الرسائل والأطروحات فيما لو رغب الطالب أو الجامعة في ذلك.‏

‏3ـ إنشاء مكتبة متخصِّصة بالرسائل الجامعية؛ لمساعدة الباحثين على إنجاز دراساتهم ورسائلهم، فضلاً عن إتاحة الفرصة ‏أمامهم للاستفادة من مكتبة المؤسَّسة المتخصّصة بالنهضة الحسينية.‏

المستوى الثالث: الرسائل المناقشة

يتمّ التعامل مع الرسائل التي تمّت مناقشتها على النحو التالي: ‏

‏1ـ وضع الضوابط العلمية التي ينبغي أن تخضع لها الرسائل الجامعية، تمهيداً لطبعها ونشرها وفقاً لقواعد ومقرَّرات ‏المؤسَّسة.‏

‏2ـ رصد وإحصاء الرسائل الأكاديمية التي تمّ تدوينها حول النهضة الحسينية المباركة.‏

‏3ـ استحصال متون ونصوص تلك الرسائل من الجامعات المتعاقَد معها، والاحتفاظ بها في مكتبة المؤسَّسة.‏

‏4ـ قيام اللجنة العلمية في القسم بتقييم الرسائل المذكورة، والبتِّ في مدى صلاحيتها للطباعة والنشر من خلال جلسات علمية ‏يحضرها أعضاء اللجنة المذكورة.‏

‏5ـ تحصيل موافقة صاحب الرسالة لإجراء التعديلات اللازمة، سواء أكان ذلك من قبل الطالب نفسه أم من قِبل اللجنة ‏العلمية في القسم.‏

‏6ـ إجراء الترتيبات القانونية اللازمة لتحصيل الموافقة من الجامعة المعنِيَّة وصاحب الرسالة على طباعة ونشر رسالته التي ‏تمّت الموافقة عليها بعد إجراء التعديلات اللازمة.‏

‏7ـ فسح المجال أمام الباحث؛ لنشر مقال عن رسالته في مجلة (الإصلاح الحسيني) الفصلية المتخصِّصة في النهضة ‏الحسينية التي تصدرها المؤسَّسة.‏

‏8 ـ العمل على تلخيص الرسائل الجامعية، ورفد الموقع الإلكتروني التابع للمؤسَّسة بها، ومن ثمّ طباعتها تحت عنوان: ‏دليل الرسائل والأطاريح الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين× ونهضته المباركة. ‏

هذه الرسالة: المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي

إنّ المنبر الحسيني له دور فاعل ومتميّز في الإصلاح، سواء على المستوى الفردي أم الاجتماعي؛ لذلك نجد تارةً تأثيره في إيمان الأفراد وهدايتهم وإرشادهم إلى الصواب، وأٌخرى نجد تأثيره في ثقافة مجتمع كامل، فقد كان مؤثّراً في مواقف حسّاسة مرّت بها الأُمّة الإسلامية على طول التاريخ، ممّا أدّى بالسلطات الظالمة وحكّام الجور بالوقوف في وجهه، بحيث يقتلون روّاده وحضّاره، وهذا بمجمله يبيّن لنا السبب الذي جعل أهل البيت^ يؤكّدون على تلك المجالس، ويبيّنون أنّ في حضورها الثواب والأجر الجزيل، لذلك يمكن أن نقول: إنّ المنبر الحسيني هو هوية الإسلام.

يعتبر المنبر الحسيني من أهمّ القنوات الإعلامية، والتبليغية، والتثقيفية، والتعليمية، والترويجية، والتوجيهية، والنقدية، وما إلى ذلك، بل يُعدّ الأهمّ؛ لأنّه احتوى على ما تقدّم من الصفات مجتمعة، وهو ما لم نجده في مورد آخر. ويمكن الوقوف على أهمّية أيّ موضوعٍ من خلال مجموعة من النقاط، التي من أهمّها: وظيفة ورسالة ذلك الأمر أوّلاً، وتأثيره وفائدته للمجتمع والمخاطب ثانياً، وإذا أردنا أن نقف على هذين الأمرين في مسألة المنبر الحسيني، نجده يحوز على أهمّية قصوى ووظيفة مصيرية لم ولن يؤدّيها غيره، ويمكن أن نذكر بعض هذه الوظائف التي منها: إيصال الفكرة الصحيحة، وبيان العقيدة الحقيقية، وإيصال الحكم الشرعي، والاهتمام بالجانب الأخلاقي، والتركيز على صفات الفضيلة والرذيلة، ونقل المعلومة التاريخية بصدق وأمانة، وتوجيه المجتمع إلى ما فيه نفعه وصلاحه، وتحديد المشاكل والأمراض الاجتماعية وعلاجها، وتحديد الأولويات وترتيبها وتنظيمها، وما إلى ذلك. لذلك نجد أنّ المنبر الحسيني لا يقتصر على مسألة السرد التاريخي، أو ذكر المصائب وتهييج المشاعر، والبيان العاطفي، وإنّما أصبحت له وظائف عدّة، ومهام جسيمة، يمكن أن نجملها في جوانب:

الجانب العقدي: إنّ المنبر دائماً ما يعرض العقائد الصحيحة ويبيّنها، ويستدلّ عليها بشكل علمي واضح، ممّا يجعل المجتمع ذا عقائد قويمة ورصينة، مع الأدلّة والبراهين والفهم المستقيم.

الجانب الفقهي: من الواضح أنّ نشر الثقافة الفقهية في المجتمع تعتمد اعتماداً كبيراً على المنبر الحسيني، بما يشمل المسائل الأساسية والابتلائية والفرعية.

الجانب الأخلاقي: كان للمنبر الحسيني دور فعّال في نشر المبادئ والقيم الأخلاقية، سواء الدينية منها أو الإنسانية، وقد تربّت أجيال ومجتمعات كثيرة تحته، واستفادت من تعاليمه وهديه وإرشاده.

الجانب الاقتصادي: فهو يؤثّر في الجانب الاقتصادي، من خلال بيان موارد الصرف الصحيح، والتحذير من الإسراف والتبذير، والمصاريف الممنوعة شرعاً وعرفاً وقانوناً، وبذلك يكون المنبر من أهمّ الأدوات المؤثّرة في استقرار الاقتصاد، هذا فضلاً عن بيان القانون الاقتصادي المبسّط الذي يفهمه عموم أفراد المجتمع؛ ممّا يصنع ثقافة اقتصادية مستقيمة.

الجانب التثقيفي: إنّ المنبر يؤثّر تأثيراً كبيراً في صناعة الشخصية العلمية، من خلال إثراء البحث بالمعلومات القيّمة في مختلف المجالات، ما من شأنه أن يصنع فرداً مثقّفاً واعياً في مختلف المجالات، ولو بشكل مبسّط ومعلومات ثقافية عامّة.

الجانب السياسي: استطاع المنبر الحسيني وبما له من انتساب مقدّس إلى سيّد الشهداء الإمام الحسين×، أن يقف بوجه السياسات المنحرفة والظالمة لحكّام الجور، وأن يقوّم مسار المجتمعات نحو العدالة والتنمية وإحقاق الحق. إلى غير ذلك من الجوانب العديدة الاخرى.

وجاءت هذه الرسالة لتسلّط الضوء على الدور الإصلاحي للمنبر الحسيني على مرّ التاريخ من خلال البحث في الماضي والحاضر، واستشراف المستقبل، وتسليط الضوء على الإيجابيات الكثيرة؛ كي يمكن تنميتها، مع الإشارة إلى بعض السلبيّات التي لابدّ من الحدّ منها قدر الإمكان، مع إعطاء مجموعة من المقترحات التي يمكن أن توصلنا إلى مرحلة الطموح للوظائف التي يضطلع بها المنبر الحسيني.

وفي الختام نسأل الله تعالى للمؤلِّف دوام السَّداد والتوفيق لخدمة القضية الحسينية، ونسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أعمالنا إنَّه سميعٌ مجيبٌ.

اللجنة العلمية في

مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية

مقدّمة قسم الرسائل والأطاريح الجامعيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين محمّد، وآله البررة الميامين الأئمة المعصومين.

لا يخفى أنّ المنبر الحسيني وعِبر قرون متمادية من الزمن ساهم في طرح مختلف الأفكار والعلوم، ومارس عملية التثقيف والتربية للجمهور ونشر الوعي والفضائل، ونحوها من المسائل المهمة، فضلاً عن مناقشة مختلف القضايا الاجتماعية.

يُعدّ المنبر الحسيني أحد أهمّ القنوات الإعلامية، والتثقيفية، والتبليغية، والتعليمية، والتوجيهية، والنقدية، وغيرها، فهو الوسيلة لإيصال الفكرة الصحيحة إلى المجتمع، وبيان العقيدة الحقيقية للمجتمع، وإيصال الحكم الشرعي، ونقل المعلومة التاريخية بصدق وأمانة، وتوجيه المجتمع إلى ما فيه نفعه وصلاحه، وتحديد المشاكل والأمراض الاجتماعية وبيان حلولها، وتغذية المجتمع بالعناصر الأخلاقية، والتركيز على صفات الفضيلة والرذيلة وغيرها من المسائل المهمّة.

فلا ينحصر دور المنبر الحسيني على السرد التاريخي، أو البيان العاطفي، بل أصبحت له وظائف عدّة، ومهام جسيمة، اضطلع بها ونجح فيها نجاحاً باهراً وأثّر أيّما تأثير، ومن والواضح أنّ هذا الدور الواسع والكبير للمنبر الحسيني لم يكن كذلك في كلّ الأزمان، وإنّما تطوّر شيئاً فشيئاً، إلى أن صار على ما هو عليه من السعة والتنوّع والشمولية.

 وعلى هذا الأساس انبثقت هذه الرسالة لتضع النقاط على الحروف في سبيل التعرُّف على أدوار المنبر الحسيني وعطائه، والوصول إلى دراسة الدور الإصلاحي المهمّ الذي مارسه المنبر على مرّ العصور، وما يُرجى منه في العصر الحالي، وكيفية ترشيده وتأهيله بما يتلاءم ومتطلّبات العصر؛ لكي يكون عاملاً مهمّا في تفعيل وتأكيد الإصلاح الذي نادى به الإمام الحسين×.

وقد امتازت هذه الرسالة بترتيب مباحثها شكلاً ومضموناً ترتيباً منطقياً متسلسلاً، بحيث تفرّع الخاص على العام والأخص على الخاص، مبتدأةً بذلك من عرض نظرة تأريخيّة عامّة عن المنبر الحسيني، مشفوعة ببيان حقيقة الإصلاح وأنواعه، وتلاه بعد ذلك بيان دور المنبر الحسيني في الإصلاح، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على عرض واقع المنبر الحسيني وما يطمح الوصول إليه.

وقد انتهجت الباحثة المنهج الوصفي والتحليلي، الذي عادة ما يُعتمد في مثل هذه الدراسات، وقد اختصّت كذلك بما تضمّنه البحث من الجانب التطبيقي للمنبر الحسيني، من خلال عرض آراء وعيّنات من المجتمع، عن طريق توزيع استبانة أُعدّت خصّيصاً لهذا البحث.

جميع هذه العناصر والخصائص دفعت أعضاء قسم الرسائل والأطاريح الجامعية في مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية لتُرشّح الرسالة للطباعة، وقد تركّز العمل من قبل قسم الرسائل في تقييم الرسالة، ومن ثمّ التقويم واجراء جملة من التعديلات والتصحيحات من صياغة العبارات، وتغيير بعض المباحث بالشكل الذي يتناسب مع مضمون ومحتوى العنوان، كما تمّ توثيق المصادر، وبعد ذلك تقديمها الى الطباعة لتظهر بهذا الشكل الماثل بين يدي القارئ الكريم.

اللجنة العلمية في

قسم الرسائل والأطاريح الجامعية

مؤسّسة وارث الأنبياء

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين الذي وهب لنا العلم نوراً نهتدي به، والصلاة والسلام على الحبيب الأمين المصطفى محمّد بن عبد الله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين المخلصين، أمّا بعد:

فلا يختلف اثنان في أنّ النهضة الحسينيّة هي نهضة إصلاحيّة بامتياز، ولأجل ذلك كان من المفروض أن تكون الأمّة الإسلاميّة في مقدّمة الأمم في كلّ ميادين الحياة المعنويّة والمادّية، باعتبار أنّ الإمام الحسين× قد سبق المصلحين الأوربيين وغيرهم الذين تمكّنوا من إحداث نقلة فكريّة، وعلميّة، وأخلاقيّة في مجتمعاتهم في العصور الحديثة.

كما أنّ الإمام الحسين× بنهضته المباركة طرح مشروعاً لإعادة بناء الأمّة، تمثّل بخطابه: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جـدّي’»، وعززّ هـذا المشروع (بآليّة) فاعلة لتحقيقه عندما قال×: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

ولو دقّقنا النظر في طبيعة الإصلاح الذي نادى به الإمام الحسين×، لوجدنا إصلاحاً شاملاً (فكريّاً ودينيّاً واجتماعيّاً وأخلاقياًّ وسياسيّاً)، أراد من خلاله إعادة الأمّة إلى واقعها في زمن النبي’، بعد أن اجتهد الأمويّون في تغيير ذلك الواقع الذي أوشك أن يتبدّل تماماً لصالح الشرك والفساد، وهذا الأمر يضع أتباع تلك النهضة المباركة أفراداً وجماعات أمام مسؤوليّة دينيّة وشرعيّة، وهي تحقيق آمال قائدهم وإمامهم من خلال المنهج الذي رسمه للوصول إلى تحقيق تلك الأهداف.

وقد وظّف أئمّة أهل البيت× هذهِ النهضة المباركة لبثّ الوعي والعزّة في الأمّة؛ من خلال حثّهم على إحياء تلك الواقعة العظيمة بإقامة مجالس العزاء، والحرص على تحويل الواقعة إلى قضيّة وليس مجرّد ذكرى، وكان المنبر الحسيني ثمرة مباركة لتلك الجهود، وكان له دورٌ متميّزٌ على مرّ العصور في الحفاظ على جذوة النهضة الحسينيّة حيّة متّقدة في النفوس، ساعياً دائماً إلى تحقيق ذلك الهدف والغاية التي خرج من أجلها الإمام الحسين×، ألا وهو طلب الإصلاح في الأمّة. فرسالة المنبر الحسيني إذن هي الدعوة إلى الإصلاح الشامل في مجالات الحياة كافّة، عن طريق العمل بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الثقافة الإسلاميّة الأصيلة، وإحياء مدرسة أهل البيت×، وذلك بإظهار علومهم ومناقبهم، والحثّ على التمسّك بهم، والسير على منهجهم.

 ـ أسباب اختيار موضوع البحث:

إنَّ الذي دعاني للبحث عن (المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي) أسباب عدّة، أهمّها:

1 ـ الرغبة الصادقة في إضاءة شمعة على طريق الإصلاح.

2 ـ إنّ الضرورة باتت ملحّة لدراسة علميّة موثّقة، تتناول مؤسّسة المنبر الحسيني، والتعرُّف على أدواره وعطائه، وبالتالي لنصل إلى دراسة الدور الإصلاحي المهم الذي مارسه المنبر على مرّ العصور، وما يُرجى منه في العصر الحالي، وكيف نسعى إلى ترشيده وتأهيله بما يتلاءم ومتطلّبات العصر.

3 ـ حاجة المجتمع إلى الإصلاح، ولا سيّما أنَّ المجتمع الإسلامي في أشدّ الحاجة إلى أن يسير على النهج القويم، وأن يأخذ بالعوامل والأسباب والوسائل التي بها صلاحه، وأن يسير على النهج الذي سار عليه خاتم الأنبياء والمرسلين’، والأئمّة الهادين المهديّين من أهل بيته^. فتمّ اختيار البحث في هذا الموضوع عسى أن يكون سبباً في تفعيل وتأكيد أهمّية الإصلاح، الذي نادى به الإمام الحسين×، والتأكيد على أنّ المنبر الحسيني لا بدّ أن يكون منبراً إصلاحيّاً بكلّ ما للكلمة من معنى.

4 ـ المساهمة في رفد المكتبة العلميّة والبحث العلمي بدراسة تجمع بين الإصلاح وبيان أهمّ المسائل المتعلّقة بإصلاح واقع الأمّة، وبين المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي؛ ليتسنّى لكلّ مهتمّ في الإصلاح ولكلّ مَن ينادي به، وبخاصّة أنَّ مَن يرتقي منبر الحسين× يجب أن يطّلع على القضايا الإصلاحيّة المهمّة، وبالتالي كيفيّة طرحها وتفعيلها من خلال ذلك المنبر.

 ـ أهمّية البحث:

يكتسب البحث أهمّية من خلال الآتي:

1 ـ معرفة الهدف الذي من أجله خرج الإمام الحسين×، وهو طلب الإصلاح، لا من أجل السلطة.

2 ـ بيان أنّ الجذور الأولى للمنبر كانت بأمر أئمّة أهل البيت×.

3 ـ حاجة الأمّة بصورة دائمة إلى الإصلاح.

4 ـ معرفة الدور الإصلاحي للمنبر الحسيني من بداياته وحتى وقتنا الحاضر.

5 ـ معرفة مواطن القوّة والضعف في المنبر الحسيني؛ لأجل المعالجة والنهوض به.

 ـ منهج البحث:

 المنهج المتّبع في هذه الدراسة هو المنهج الوصفي والتحليلي، كما تضمّن البحث جانباً تطبيقيّاً لمعرفة دور المنبر الحسيني الإصلاحي، من خلال آراء عيّنات من المجتمع، وذلك عن طريق توزيع استبانة أُعدّت خصّيصاً لهذا البحث، ولقد رُوعي تصميم الأسئلة ذات النهايات المغلقة؛ وذلك لسهولة وسرعة الإجابة عليها من قبل المبحوثين، ولسهولة تحليلها، كما أجرت الباحثة (لقاءات) مع بعض الخطباء.

 ـ مشكلة البحث:

 جاءت مشكلة البحث من خلال الإجابة على تساؤلات عدّة، منها ما يتعلّق بالدور الفعَّال للمنبر الحسيني في عمليّة الإصلاح والتغيير؛ نظراً لما يحتلّه المنبر من حضور فاعل في الأمّة، ويستقطب شرائحها المتنوّعة في حشود جماهيريّة لافتة للنظر، بالإضافة إلى بيان كيفيّة النهوض والارتقاء بالمنبر الحسيني، ومن خلال معرفة أهمّية المرأة وأثرها في بناء المجتمع، وبالتالي ضرورة التطوير والارتقاء بالمنبر النسائي، وأن يكون بالمستوى المطلوب كما هو الحال كخطابة الشيخ الوائلي، وأن لا تكون مجالس النساء للبكاء والتباكي فقط، وأن يكون المنبر الحسيني مدرسة متكاملة من شتّى الوجوه والمعطيات.

 ـ صعوبات البحث:

 تكمن صعوبة البحث في أنّه يعاني من الفقر في المصادر التي تتحدّث بخصوص المنبر الحسيني، والتعرّف على أدواره في المجتمع، ولا سيّما الدور الإصلاحي، إضافة إلى ندرة المصادر التي تتحدّث عن كيفيّة النهوض والارتقاء بالمنبر الحسيني.

 ـ الدراسات السابقة:

 أُجريت عن المنبر الحسيني دراسات مفيدة، نذكر ما صدر منها مؤخّراً:

1 ـ (دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة): للخطيب الدكتور محمّد باقر المقدسي، والدراسة ـ كما يقول المؤلّف ـ تناول فيها الأدوات والوسائل والأساليب التي استُخدِمت أو يمكن استخدامها في التوعية، وذكر أنّ من أهمّها المنبر الحسيني.

2 ـ (المنبر الحسيني ـ نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل): للخطيب الدكتور فيصل الكاظمي، وقد تناول فيه المؤلّف المنبر الحسيني في نشأته الأولى، ومراحل تطوّره، وعرض فيه الآراء في مسألة بداياته بشكل مفصّل، ووصف فيه كلّ ما يتعلّق بالمنبر من حيث (أماكن إقامة المجالس، الأزمنة التي تقام بها، والجهات التي تتولّى إقامة المنبر الحسيني، والخطيب ومواصفاته، وغيرها...)، كما تعرّض في دراسته إلى المنبر الحسيني في مرحلة التأهيل والمستقبل.

 ـ الجديد في هذه الدراسة:

لم أقف على مؤلّف مستقل يجمع بين بيان أهمّية الإصلاح في كلّ مجالاته للأمّة الإسلاميّة كافّة، وبين تفعيله واستثماره من خلال المنبر الحسيني، وبيان دوره الإصلاحي وقابليّته للقيام بهذا الدور، ومن ثمّ إمكانيّة حصاد نتائج طيّبة إذا ما حاز هذا المنبر بالاهتمام والرعاية والتطوّر المطلوب، لذلك جاءت دراستنا في المنبر الحسيني، لتتناول التأكيد على الدور الإصلاحي للمنبر، وأهمّية ذلك الإصلاح، والتعرّف على بعض مجالاته وأشكاله وأساليبه، وجعلتُ لذلك فصلاً خاصّاً بالإصلاح، من أجل بيان ضرورته وأهمّيته دون الولوج في تفاصيل ومناهج الإصلاح، إذ إنّ البحث فيه بتلك الدقّة والتفصيل له مجاله الخاصّ به، لذلك كانت دراستنا في النهضة الحسينيّة وأهدافها، وفي الإصلاح وأشكاله، وفي المنبر الحسيني وأثره الإصلاحي، حيث يجعلنا البحث نقف على مثلّث لا تنفصل أضلاعه، ويكمّل بعضه بعضاً (فنهضة الحسين إصلاحيّة بكل معنى الكلمة)، (والإصلاح ضرورة لا ينبغي التفريط فيها)، (والمنبر الحسيني لسان النهضة الحسينيّة الناطق، وينبغي أن يلهج دائماً بهدف الإمام الحسين× وهو طلب الإصلاح في الأمّة)، وكذلك تناول البحث جانب المنبر النسائي، وأهمّية وضرورة الارتقاء به، مع إجراء استبانة خاصّة لمعرفة آراء عيّنات من المجتمع في المنبر الحسيني، وأحسب أنّه من أهمّ ما تمّ إنجازه من خلال هذه الدراسة؛ لأنّه عبّر عن آراء المجتمع، وأعطى نتائج فعليّة لبيان دور المنبر.

 ـ خطّة البحث:

جاء البحث مكوّناً من مقدّمةٍ، وأربعة فصول، وخاتمة، وتوصيّات، ويسبق كلّ فصل تمهيد.

جاء الفصل الأوّل بعنوان (نظرة تأريخيّة عامّة عن المنبر الحسيني)، وانقسم على ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأوّل (الإمام الحسين× سيرته ومسيرته الجهاديّة ونتائجها)، وتمّ التعرّض فيه إلى أسباب الواقعة ودوافعها. واختصّ المبحث الثاني بدراسة المنبر الحسيني في عهد أئمّة أهل البيت^، وكيف كانت بداياته وصوُره. وجاء المبحث الثالث لبيان مراحل تطوّر المنبر الحسيني.

أمّا الفصل الثاني فقد جاء بعنوان (الإصلاح حقيقته، أنواعه)، وانقسم على ثلاثة مباحث: المبحث الأوّل جاء بالتعريف بمفهوم الإصلاح من خلال بيان الدلالة اللغويّة والاصطلاحيّة له، مع ذكر مفهوم الإصلاح في القرآن الكريم. وفي المبحث الثاني تمّ تناول الإصلاح الفكريّ بوصفه شكلاً من أشكال الإصلاح، وأشارت الباحثة فيه إلى أهمّية الإصلاح في الفكر الديني. واختصّ المبحث الثالث في بيان الإصلاح الاجتماعي، مع ذكر دعوة القرآن الكريم إلى الإصلاح الاجتماعي من خلال آياته الكريمة، كذلك بيان شروط وصفات المصلح.

وأمّا الفصل الثالث فكان بعنوان (دور المنبر الحسيني في الإصلاح)، وانقسم على ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأوّل منه المنبر الحسيني وهموم المجتمع، وذلك بعرض القضايا التي اهتمّ المنبر الحسيني بمعالجتها. وجاء المبحث الثاني متناولاً المنبر الحسيني وعمليّة التثقيف. أمّا المبحث الثالث فقد عرض نتائج الاستبانة، التي أُجريت لغرض معرفة آراء عيّنات من المجتمع بشكل عشوائي، فكانت متنوّعة في شرائحها؛ لمعرفة دور المنبر في عمليّة الإصلاح والتغيير.

وكان الفصل الرابع بعنوان (المنبر الحسيني بين الواقع والطموح)، حيث انقسم على ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأوّل الركائز الأساسيّة للخطابة الحسينيّة، حيث ذكرت الباحثةُ فيه الخطيبَ ومؤهّلاته، وموضوع الخطبة، والمتلقّي، بوصفها العناصر الأساسيّة للمنبر الحسيني. وتناول المبحث الثاني كيفيّة النهوض بالمنبر المعاصر من خلال عرض المعوّقات التي تواجه المنبر، مع طرح الحلول المقترحة لعلاجها. أمّا المبحث الثالث فتناول المنبر النسائي والخطابة النسويّة، بوصف أنّ المرأة تتحمّل مسؤوليّة عظيمة في تربية الأجيال الصالحة وإعدادها، فتكون بحاجة إلى منبر نسائي إصلاحي في خطابه، ولا يقتصر على الجانب العاطفي فقط.

وجاءت الخاتمة متضمّنة أهمّ النتائج التي تمّ التوصّل إليها، فضلاً عن التوصيّات، مع استعراض أهمّ المصادر والمراجع التي تمّ اعتمادها.

ومن الله تعالى التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

الفصل الاول

الإمام الحسين× وخطابة المنبر الحسيني

 

المبحث الأوّل: الإمام الحسين×سيرته ومسيرته الجهاديّة ونتائجها

المبحث الثاني: الخطابة والمنبر الحسيني لدى أئمّة أهل البيت^

المبحث الثالث: مراحل تطوّر المنبر الحسيني

 الفصل الأول: الإمام الحسين× وخطابة المنبر الحسيني

تمهـيد

إذا أردنا الحديث عن المنبر الحسيني، فينبغي أن نتوقّف أوّلاً عند معنى لفظ (المنبر) لغةً واصطلاحاً، ثمّ معرفة ارتباط هذا المنبر بالحسين×، ولأنَّ المنبر الحسيني يُعدّ ثمرة من ثمرات واقعة الطف الأليمة، فلا بدّ من تسليط الضوء على هذه الواقعة التي تُعدّ من أفجع الحوادث على مرّ التأريخ، وكان صداها وما زال يتردّد في الأسماع والأذهان إلى الآن وحتى قيام الساعة؛ ذلك لأنّ الإمام الحسين× لم يخرج على طاغية عصره يزيد رغبة منه في الحكم، ولا طلباً للجاه والمال كما يعتقد البعض، وإنّما هي ثورة في وجه الظلم والاستبداد، ورفضاً للبغي والفساد، رافعاً بيده الشريفة راية الإصلاح، مصرّحاً بذلك في مقولته الشهيرة «لم أخرج أَشِراً ولا بَطِراً...». وستبقى راية الإصلاح التي رفعها الإمام الحسين× دائماً وفي كلّ زمان ومكان، هدف وغاية كلّ أنسان صالح يدعو إلى الإصلاح.

وهذا ما كان يتأمّله الإمام الحسين×، لأنّه كان يعلم جيّداً أنّه حتى وإن لم يتحقّق إسقاط دولة بني أميّة، فإنّه سيكون لخروجه واستشهاده الأثر العظيم في النفوس، وكلّ نفس عظيمة تأبى الضيم وهضم الحقوق، وهذا ما جعل الإمام الحسين× عنواناً ـ عالميّاً ـ للفداء والتضحية والكرامة.

وإذا عرفنا نسب الإمام الحسين× وصفاته وأقوال النبي’ في حقّه، سيتّضح لِمَن لا يعرف الحسين حقّ معرفته سرّ خلود نهضته، وعمق تأثيرها، ولماذا ملكَت هذه النهضة العقول والقلوب، ولا تزال حيّة في الضمائر، بل تتجدّد على مرّ الزمان.

وبعد معرفة أسباب خروج الإمام الحسين×، وأنّ التخطيط لفاجعة الطفّ كان إلهياً، يأتي بيان دور الخطابة الحسينيّة باعتبارها الأداة الفاعلة، واللسان الناطق لهذه الحركة الإصلاحيّة، وقد تكفّل المنبر الحسيني هذا المنهج الخطابي المتميّز؛ لذلك يكون من المهمّ والضروري التعرّف على بدايات نشوء هذا المنبر؛ باعتباره أحد الآليّات والأدوات الإعلاميّة المهمّة، لبيان أدقّ التفصيلات في قضيّة الحسين× وأصحابه، وبيان أنّ الهدف من إقامة مجالس العزاء وإحياء ذكرى عاشوراء ليس مجرّد إحياء الذكرى وإقامة النياحة والبكاء واللطم، وإنّما هو في حقيقته شحذ العزائم وبعث للهمم من أجل الاقتداء بهم، والسير على مناهجهم في إعلاء كلمة الحقّ ورفض الباطل، وسنتوقّف ـ أيضاً ـ عند بعض مظاهر الحزن والتأثّر العاطفي، التي انعكست على مشاعر المسلمين إثر مقتله×، ونتابع المظاهر العزائيّة التي بدأت من كربلاء، ورافقت سير السبايا في الكوفة والشام وحتى رجوعهم إلى المدينة، وأيضاً تطوّر مظاهر العزاء في وجود أئمّة أهل البيت^، وتأكيدهم الدائم على إحياء ذكرى استشهاد الحسين× بمختلف الوسائل، شعراً أو نثراً، بكاءً وإبكاءً.

المنبر لغةً واصطلاحاً

المنبر (لغةً): من قولهم نبرَ الشي، أي: رفعه، وبابه (ضرب)، ومنه سُمِّيَ (المنبر) لارتفاعه[7].

 أيضاً هو: مرقاة الخطيب، يسمّى منبراً لارتفاعه وعلوّه، وانتبر الأمير: ارتفع فوق المنبر[8].

وفي المصباح المنير «النُّبرُ: في الكلام الهَمزُ وكلّ شيء رُفِعَ فقد (نُبر) ومنهُ (المِنبَرُ) لارتفاعهِ، وكُسِرت الميم على التشبيهِ بالآلة»[9].

المنبر (إصطلاحاً): هو مكان مرتفع في المسجد، يقف فيه الإمام لإلقاء خطبة الجمعة.

المنبر الحسيني

بعد تعريف المنبر لغةً واصطلاحاً، بقي علينا أن نُعرّف اللفظ المركّب من (المنبر) و (الحسـيني)، كما لا بدّ أن نوضّح لماذا أضـيف المنبر إلى الحسـيني، ولم يضـف إلى (العلوي) أو (الحسني) مثلاً.

أمّا (الحسيني) فإنّ (الحسين) هنا هو الذي نعني به الإمام السبط الحسين بن علي بن أبي طالب×، الشهيد في كربلاء يوم عاشوراء، عام 61 للهجرة، وأمّه فاطمة الزهراء‘ بنت رسول الله’، إذن فهو منبر مضاف إلى الإمام الحسين×، والياء للنسبة[10].

وإذا أردنا أن نُعرِّف المنبر الحسيني فيمكن أن نقـول: «هو فرع من المنبر الإسلامي الخاصّ، ويختصّ بالمسلمين الشيعة، وقد ركّز في صورته ومعناه على ظلامة الإمام الحسين×، وعظم مأساته، وعمق نهضته، مصوّراً قبح الحكم الأُموي ودمويّته، وبُعدهُ عن الإسلام»[11].

ويمكن أن يبدأ هذا المنبر ـ هذه الخطبة ـ في بعض الأحيان بقصيدة يعرج منها إلى ذكر إحدى الفجائع التي جرت على الحسين×، أو لمن كان معه، بحيث يتضمّن هذا المنبر أو الخطبة الشدّ العاطفي في مقدّمتها ونهايتها، ويتطرّق الخطيب فيما بينهما للموضوع الذي يختار طرحه، ومن هنا عرفنا سبب هذه النسبة إلى الإمام الحسين×، من دون سواه من أئمّة أهل البيت^؛ ذلك لأنّه منبر لا بدّ فيه من ذكر إحدى المصائب المرتبطة بالإمام الحسين×، دون غيره من الأئمّة^.

المبحث الأوّل

الإمام الحسين ×  سيرته ومسيرته الجهاديّة ونتائجها

إذا أردنا الحديث عن نهضة الإمام الحسين× التي انتهت بفاجعة الطفّ الأليمة، لا بدّ من معرفة السرّ الذي جعل هذه الثورة تتغلغل في أعماق الوجدان الشعبي للأمّة بوجه عام، وللمسلمين الشيعة بوجه خاصّ، وكيف غدت هذه الثورة جزءاً من الجوّ الثقافي العام للإنسان الشيعي، أسهم، ولا يزال يسهم حتى الآن، بدور مهمّ في تكوين شخصيّته الثقافيّة، وأخلاقياته الاجتماعيّة والسياسيّة. كما لا بدّ من معرفة كيف أصبحت هذه النهضة المباركة إحياءً للإسلام المحمّدي الأصيل، وإرجاع القرآن إلى الحياة. وما هو عطاؤها الإنساني، وهل غيّرت هذه الثورة شيئاً من واقع المجتمع الذي انفجرت فيه أم لا.

لذلك كان من الضروري تسليط الضوء على بعض جوانب هذه النهضة المباركة، ومعرفة أسبابها الحقيقيّة وأهدافها ونتائجها وثمراتها، إذ كان المنبر الحسيني ثمرة مباركة من ثمراتها.

 لذا فعلينا ـ لكي نفهم ثـورة الحسـين× ـ أن نبحث عن أهدافها ونتائجها في غير النصر الآني الحاسم، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان، فإنّ ما بين أيدينا من النصوص دالّ على أنّ الحسـين× كان عالماً بالمصير الذي ينتظره وينتظر مَن معه، ومن هذه النصوص ما قاله× لابـن الزبير حين طلب منه إعلان الثورة في مكّة: «وأيمِ الله، لو كنتُ في حجر هامّة مـن هـذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم، والله ليعتدنّ عَلَيَّ كما أعتدت اليهود في السبت»[12].

وإذا ثبُتَ ـ من خلال النصوص والروايات ـ أنّ الإمام الحسين× كان عالماً بما ينتظره من نتائج، يثبت تبعاً لذلك أنّ التخطيط لواقعة الطفّ كان إلهياً «وقد علم به الإمام الحسين× مسبقاً، وأقدم على التضحية في سبيل الله تعالى عالماً بالنتائج، وأنّه بذلك تتجلَّى رفعة مقامه، وعظمة موقفه، وفناؤه في ذات الله تعالى»[13].

وينبغي على كل مَن يريد معرفة أهمّية نهضة سيّد الشهداء، وسرّ خلودها وعظمتها، عليه معرفة أوّلاً عظمة قائدها وشهيدها العظيم الإمام الحسين×، لتكتمل عنده الصورة بمعرفة المقام الديني الرفيع لهذا الثائر الشهيد، ويتّضح ذلك بالرجوع إلى ما ورد في حقّه وحقّ أهل بيته^ في الكتاب المجيد وفي كلام النبي’، بما لا يسعنا استيعابه، كذلك سيتّضح لِمَن يقرأ هذه الواقعة قراءة موضوعيّة «أنّ ثورة الحسين× ليست مجرّد حادثة تاريخيّة وقعت في تاريخ المسلمين ثمّ انتهت، بل إنّ ثورة الحسين× وحركته قضيّة تتجدّد على مرّ العصور والأيّام، ولا زالت هذه القضيّة إلى يومنا هذا تمدّنا بالعطاء والقوّة والعزيمة والقدرة، وشأن قضيّة الحسين× شأن القرآن الكريم الذي لا يختصّ مضمونه بعصر نزوله، وإنّما يتجَدّد في كلّ عصر، ويعالج قضايا كلّ عصر، فهو حيّ متـجدّد كالشمس والقمر»[14].

لعـلّ عنوان المبحث يوحي ـ بدايةً ـ بأنّ الكـلام عن واقعة الطفّ سيتضمّن أحداث الفاجعة، وسرد مفرداتها على غرار المقاتل الكثيرة التي ألّفت في هذا المجال، لكنّ كلامنا أبعد مـا يكون عن ذلك، حيث أردنا بيان الجوانب المهمّة لهذه الواقعة من حيث أبعادها وثمراتها، ليتّضح لكلّ من يقرأ هذا الكلام ـ مهما كان اتجاهه ومُعتقده ـ قداسة هذه النهضة، وسموّ أهدافها، حيث إنّ الإمام الحسين× لخّص لنا ولكلّ الأجيال السابقة واللاحقة، فلسفة نهضته المباركة من خلال قوله الشريف: «أنّي لم أخرج أَشِراً ولا بَطِراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي’، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي»[15].

وبما أنّ المنبر الحسيني ثمرة من ثمرات واقعة الطفّ المباركة، نجده أيضاً يتحمّل في عصرنا هذا مسؤوليّة كبيرة، ويقوم بأدوار مهمّة، تساهم في تربية الأمّة وإعدادها وإصلاحها وربطها بمفاهيم الإسلام ومدرسة أهل البيت^، فضلاً عن أثره التأريخي الفعَّال الهادف لإبقاء واقعة كربلاء حيّة في النفوس، تتجاوب معها الأرواح، وتنفعل بها المواقف.

المطلب الأوّل: لمحة موجزة عن حياة الإمام الحسين×

 أوّلاً: من هو الحسين ×؟

سؤال قد يُطرح ويُكرّر من قبل العديد من الناس، ومن شعوب وأمم مختلفة، إسلاميّة كانت أم من ديانات أخرى، كالمسيحيّة واليهوديّة والصابئة...الخ، ويريد المتسائل أن يعرف استغراباً لهذه الشخصيّة ورمزيّتها، مَن هذه الشخصيّة التي قضت في بداية الإسلام ولم تزل حيةً في ضمائر الكثيرين من أهل الإسلام، وبالخصوص الشيعة منهم؟

 وجوابه: «إنّ الحسين× رمز من رموز الإسلام الخالدة، وإمام الأمّة الشرعي، وهو سبط رسول الله’، وهو والد الأئمّة؛ لما ثبت بالدليل القطعي الصدور والدلالة، من قرآن كريم وسنّة نبويّة صحيحة متواترة مقطوعة الصدور عن النبيّ الأكرم محمد’، منقولة عن أئمّة أهل البيت من آل محمد’، والصحابة النجباء الأبرار الذين لم يُحدثوا في الدين، وعن التابعين وتابعيهم من أصحاب الأئمّة^ وعدول الأمّة في كلّ زمن من الأزمان، منذ زمن الصدور حتى زمننا الحالي، وسنذكر لك هذا الدليل؛ كي تعرف مكانة الحسين× وأحقّيّته وأهليّته عن غيره»[16].

قال تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[17]، أي أنّ الله تعالى قد طهّر أهل البيت^ من كلّ ذنب وخطيئة، ولكن لا بإرادته التكوينيّة؛ حيث لا فضل مع الجبر، ولا بإرادته التشريعيّة؛ لأنّ العصمة موضوع كالعدالة ونحوها، وليست حكماً كالوجوب وغيره من الأحكام الخمسة، وعليه يكون معنى الآية أنّ أهل البيت صدّيقون مطهّرون من كلّ ذنب[18].

وقال تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[19]، لمّا نزلت هذه الآية، قيل: يا رسول الله، مَن هم قرابتك الذين أوجبت علينا مودّتهم؟ قال’: علي وفاطمة والحسن والحسين. ذكر ذلك الطبري، والسيوطي والزمخشري أيضاً[20].

ومن الأدلّة ـ أيضاً ـ على مكانة الحسين× وأحقّيّته وأهليّته عن غيره، ما أخرجه الترمذي والحافظ الدمشقي بسنديهما عن أنس بن مالك، قال: سُئِل النبي’ «أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال’: الحسن والحسين»[21].

كذلك ما ذكره الصدوق عن الإمام الحسن المجتبى×، قوله «ألستُ الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»[22].

ثانياً: نسبه ومولده

أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن قصيّ بن مالك بن النضر، الهاشمي القريشي المضري العدناني المدني، وأمّه سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء‘ بنت محمد’، الهاشميّة القرشيّة المكّية المدنيّة، كانت ولادته الشريفة في المدينة المنوّرة (يثرب)، يوم الثالث من شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة، وقيل غير ذلك، سمّاه رسول الله’ بأمـر من الله تعالى (حسيناً) في اليوم السابع من ولادته[23].

ثالثاً: أقوال النبي’ في حقّه

قال رسول الله’: «إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وإنّه لمَكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدىً وسفينة نجاة»[24].

وقال’: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»[25].

وقال’: «اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه...»[26].

وقال أيضاً: «حسين منّي وأنا من حسين، أَحَبَّ الله من أَحَبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط»[27].

كما وهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة ـ الواردة في مصادر الفريقين السنّة والشيعة ـ المروية عن النبي’ حول استشهاد الحسين×، نذكر منها:

1ـ حديث أمّ الفضل: في المستدرك على الصحيحين، ومقتل الخوارزمي وغيرها، واللفظ للأوّل: «عن أمّ الفضل بنت الحارث، أنّها دخلت على رسول الله’، فقالت: يا رسـول الله، إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة، قال’: وما هو؟ قالت: إنّه شديد. قال: وما هو؟ قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قُطِعت ووُضِعت في حجري، فقال رسول الله’: رأيت خيراً، تلد فاطمة ـ إن شاء الله ـ غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله’، فدخلت يوماً إلى رسول الله’ فوضعته في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة، فإذا عينا رسول الله’ تذرفان الدموع. قالت: فقلت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمّي، ما لكَ؟ قال: أتاني جبرئيل× فأخبرني أنَّ أمّتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟! قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء»[28].

2 ـ حديث أنس بن مالك، عنه أنّه قال: «استأذن ملك القطر ربّه أن يزور النبي’، فأذن له، وكان في يوم أمّ سلمة، فقال النبي’: يا أمّ سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، قال: فبينما هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي×، فاقتحم ففتح الباب فدخل، فجعل النبي’ يلتزمه ويقبّله، فقال الملَك: أتحبّه؟ قال: نعم، قال: إنّ أمّتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه، قال: نعم. قال: فقبض قبضة من المكان الذي قتل فيه فأراه، فجاء بسهلة أو تراب أحمر، فأخذته أمّ سلمة فجعلته في ثوبها»[29].

وغير هذه الروايات الكثير، وهي في حقيقتها تؤكّد ـ بما لا مجال للشكّ فيه ـ أنّ حديث مقتل الحسين× من أسرار الخليقة، وودائع النبوّة.

إذن تتجلّى عظمة الحسين× ونهضته المباركة وشهادته لما فيها من إحياء دين رسول الله’، وإماتة البدعة، وإقامة أركان العدل والتوحيد، حيث ثار الإمام الحسين× على يزيد باعتباره ممثّلاً للحكم الأُموي، هذا الحكم الذي جوّع الشعب المسلم، وصرف أموال هذا الشعب في اللذات والرشا.

ولا بدّ هنا من ذكر البواعث الحقيقيّة التي أدَّتْ إلى القيام بهذه الثورة التي فرّقت بين الحقّ والباطل، وميّزت أحد الفريقين عن الآخر، حتى قيل: إنّ الإسلام بدؤه محمديّ وبقاؤه حسينيّ، وإذا عرف المتتبّع أسباب النهضة الحسينيّة وأهدافها ونتائجها، وأنّ التخطيط لهذه الفاجعة كان إلهيّاً، وعلم أنّ الحقّ كلّه في جانب الحسين× ومن خلفه أئمّة الدين^؛ لم تَدَعْ له عقليّته إلّا السير معهم، واعتناق طريقتهم الُمثلى في الإصلاح.

المطلب الثاني: بواعث الثورة الحسينيّة

يُعدّ الإمام الحسين× رجل العقـيدة، ومحيي الشريعة الإسلاميّة، فهـو نقطة تحوّل التاريخ الإسلامي، حيث شكَّلت ثورته المباركة منعطفاً تاريخيّاً في حياة الإسلام والمسلمين؛ «فقد ثار الحسين× على قوى البغي والتسلّط وطاغوت العصر، المتمثّل بالسلطان الأُموي الغاصب لسلطان المسلمين، المترأس على رؤوس العباد بلا شرعيّة، مع قول الرسول’: الملك حرام على بني أميّة، والأخبار الواردة والدالّة على ذلك كثيرة، منها: ما ورد في عدم جواز حكم المسلمين منهم بالخصوص، ومنها: عدم جواز حكم الطلقاء الذين أسلموا بعد الفتح، ومنها: لعنُ الرسول’ لأبي سفيان ومعاوية...»[30].

فعندما تسلَّم آل أميّة سلطان المسلمين قاموا بطمس معالم الدين، وتسلّطوا على رقاب المسلمين بالغدر والمكر والحيلة، «حتى بلغ الأمر بمعاوية أن يُخرج نظام الحكم من إطاره الديني إلى حكم وراثي، مع غضّ النظر عن الصفات والمؤهّلات الخاصّة، سوى أنّ المرشّح لرئاسة النظام هو ابن معاوية ووارثه، وليكن الملك واحداً من موادّ الإرث ما دام الناس قد ضجروا من الحرب»[31].

إذن ثار الإمام الحسين× من أجل إصلاح الأمّة الإسلاميّة، والحفاظ على الدين، وأوضح ذلك في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفية: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين»[32].

ولا بدّ من الانتباه إلى شيء مهمّ في قوله×: (فمَن قبلني بقبول الحـقّ فالله أولى بالحق)، حيث إنّه لم يقل فمَن قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين، وقرابتي من رسول الله، وما إلى ذلك..، لم يقل شيئاً من هذا، بل بيّن أنّ قبوله إنّما يكون بقبول الحقّ، فهو داعٍ من دعاته، وحين يقبل الناس داعي الحقّ فإنّما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحقّ والخير، لا لنفسه، وفي هذا تعالٍ وتسامٍ عن التفاخر القبلي الذي كان رأس مال كلّ زعيم سياسي أو ديني في عصره[33].

وقد ظهرت بواعث نهضة الإمام الحسين× بوضوح من خلال خطاباته الكثيرة، التي طالما خاطب بها الناس في مواضع متفرّقة خلال مسيره إلى ذلك الفتح المبارك، فقد «كان الحسين× يعتقد في نهضته أنّه فاتح منصور؛ لما في شهادته من إحياء ديـن رسول الله’، وإماتة البدعة، وتفضيح أعمال المناوئين، وتفهيم الأمّة أنّهم أحقّ بالخلافة من غيرهم»[34]، وإلى هذا الفتح أشار الإمام في كتابه إلى بني هاشم: «مَن لحق بنا منكم استُشهد، ومَن تخلّف لم يبلغ الفتح»[35].

كما بيّن الإمامُ الحسين× في خطابه لجيش الحرّ بن يزيد الرياحي ـ أيضاً ـ أسبابَ مجيئه ومبرّرات ثورته، وذلك بعد أن علم× بتخاذل أهل العراق عنه بعد بيعتهم له، وبعد أن انتهى إليه نبأ قتل رسوله وسفيره إليهم مسلم بن عقيل، فخطب فيهم قائلاً: «أيُّها الناس، إنّ رسول الله’ قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلالـه، وأنا أحقّ مَن غيّر، وقـد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم بيعتكم، وأنّكم لا تُسَـلِّموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فإنّي الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله’، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أسوة، وإن لم تفعلوا، ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور مَن اغترَّ بكـم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه»[36].

بيّن الإمام ـ هنا ـ لهم أسباب ثورتـه، ومنها: الظلـم، والاضطهـاد والتجويع، وتحريف الديـن، واختلاس أموال الأمّة. ثمّ لمّح لهم إلى ما يخشون، إذ علم أنّهم يخشون الثورة لخشيتهم الحرمان والتشريد، فهم يؤثرون حياتهم على ما فيها من انحطاط وهوان على محاولة التغيير؛ خشية أن يفشلوا فيعانوا القسوة والضنك، لقد علم منهم هذا، فقال لهم: (وأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله)، فبيّن لهم مركزه أوّلاً، ثمّ قال لهم: (نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أسوة) فيما قد يحدث من اضطهاد وحرمان. ويقف المتأمّل وقفة أخرى عند قوله: (وأنا أحقّ مَن غيَّر)، ففيها تعبير عن شعوره بدوره التاريخي الذي يتحتّم عليه أن يقوم بأدائه[37].

وفي موضع آخر ـ بعد أن أمر اللعينُ عبيدُ الله بن زياد الحرَّ بن يزيد الرياحي بالتضييق على الإمام ـ قام الحسين× خطيباً في أصحابه قائلاً: «إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تنكَّرت وتغيّرت وأدبر معروفها واستمرّت جَذَّاء، ولم يبقَ منها إلّا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادةً، والحياة مع الظالمين إلّا برماً»[38].

وقد بيّن الإمام الحسين× في خطابه هذا باعثاً وهدفاً آخر إلى التضحية والفداء، ألا وهو تصحيح سلوك الناس وأخلاقهم في ظلّ النظام الأُموي، بعد أن تلوَّن بطابع العنف والظلم والاستبداد والوحشيّة والاستهتار، وأنّه× يؤثر ويرغب في لقاء ربّه على أن يحيا حياة الذلّ والظلم والهوان.

والملاحظ في هذه الخطبة أنّ الإمام الحسين× حَدَّثهم عن أنفسهم، وعن واقعهم وزيف حياتهم، حدّثهم كيف أنّهم استصرخوه على جلّاديهم، ثمّ انكفأوا مع هؤلاء الجلّادين عليه، هؤلاء الجلّادين الذين لم يسيروا فيهم بالعدل، وإنّما حملوهم على ارتكاب الحرام في مقابل عيش خسيس، خسيس في نفسه، قليل دون الكفاية، خسيس؛ لأنّه يعمل على مدّ الأجل بحياة حقيرة ذليلة، خسيس باعتباره أجراً لعمل خسيس، وحدّثهم عن مواقفهم المتكرّرة من الحركات الإصلاحيّة، وأنّهم دائماً يظهرون العزم على الثورة والرغبة فيها، يظهرون العزم على تطوير واقعهم السيّء، حتى إذا جدّ الجدّ انقلبوا جلّادين للثورة بدل أن يكونوا وقوداً لها، حدّثهم عن أعدائه باعتبارهم أعداءهم أيضاً، ولكنّهم يزيّفون حياتهم بأيديهم، يحاربون محرّريهم[39].

إلى هنا نكتفي بذكر هذه البواعث والأهداف، والتي ذكرها الإمام الحسين×، وأكّد عليها في خطاباته؛ لكي لا يقول قائل إنّ الحسين× كان قاصداً في خروجه محض السلطة والرئاسة، وخفقان الرايات.

ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الخطابات لسيّد الشهداء× من جانب كانت من الأساليب النفسيّة والإعلاميّة، التي لها بالغ الأثر في الحفاظ على قدسيّة هذه الثورة وصيانة صورتها، وكذلك فضح وإحباط دعايات العدوّ، ومن جانب آخر أراد الإمام الحسين× إتمام الحجّة عليهم، وإغلاق السبيل أمام أيّ تبرير في المستقبل، وكذلك السعي لإيقاظ الضمائر الميّتة.

بقي علينا أن نثبت أنّ رسالة الحسين× رسالة عظيمة، وهي في حقيقتها تعتبر الامتداد الحقيقي لرسالة جدّه المصطفى محمد’؛ وذلك من خلال إثبات أنّ التخطيط لواقعة الطفّ كان تخطيطاً إلهيّاً، وليس بشريّاً كما يتصوّر البعض.

لا بدّ أولا من بيان أنّ هناك اتجاهان ونظريتان حول التخطيط لواقعة الطف، عند أهل الحديث من الفريقين والمؤرّخين عامّة، هما:

1 ـ نظريّة أنّ التخطيط لواقعة الطف بشريّ، وأنّ الإمام الحسين× قد خطّط للنهضة على وفق قناعاته وحساباته المادّية من أجل الاستيلاء على السلطة، وكان لمزاجيّته في التعامل مع الأحداث وموقفه الحدّي الإنفعالي من خصومه عامّة ومن يزيد خاصّة، أعظم الأثر في ذلك، بل قد يظهر من بعضهم أنّ ذلك قد أفقده النظرة الموضوعيّة في تقييم الظروف المحيطة به، والموازنة بين القوى التي له والتي عليه، وأنّه قد وَثِقَ بمواعيد من كتب له من أهل الكوفة، أو انخدع بنصيحة ابن الزبير له بالخروج ليخلو له الحجاز.

2 ـ نظرية أنّ التخطيط لواقعة الطفّ إلهيّ، وأنّ الله سبحانه وتعالى قـد عهد للإمام الحسـين× وأمره عن طريق النبي’ بتنفيذ مشروع ينتهي بإستشهاده وإستشهاد مَن معه، وجميع ما حدث من مآسي وفجائع، وكان له× ـ بما يمتلك من مؤهّلات ذاتيّة وشخصيّة ـ الدور المتميّز في تنفيذ المشروع المذكور، وفاعليّته وتحقيق أهدافه السامية.

وقد نجح ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في مشروعه، وحقّق ما أراد، وتكلّل سعيه بالنجاح والفلاح، وكان عاقبته الفتح المبين، وأنّ من أشار عليه بعدم الخروج قد خفي عليهم وجه الحكمة، كما خفي على المسلمين وجه الحكمة في صلح الحديبية، فاستنكروه على النبي’، وكما خفي على كثير من أصحاب الإمام الحسن× وغيرهم وجه الحكمة في صلحه لمعاوية، فأنكروا عليه..، إلى غير ذلك من الأمور الغيبيّة التي قد يخفى وجهها، والناس أعداء ما جهلوا، بل قد يكونون معذورين لجهلهم، ونحن الشيعة ـ حيث إنّنا نؤمن بعصمة الإمام الحسين وسائر الأئمّة^ ـ لا بدّ من أن نتبنّى التفسير الثاني للنهضة المباركة، ولجميع ما صدر من الأئمّة× في التعامل مع الأحداث[40].

وهناك الكثير من الشواهد التي تثبت وتؤكّد بأنَّ التخطيط لواقعة الطفّ كان إلهيّاً، وبهذا يبطل كلّ الأقاويل التي أطلقت بشأن الواقعة، والتي تهدف إلى النيل من قدسيّتها، وسموّ أهدافها، وتبطل قول مَن ادّعى أنّ الإمام الحسين× قد خطّط لثورته وفق قناعاته الشخصيّة الذاتيّة، متجاهلاً أنّ قناعات الإمام الحسين× ليست شخصيّة ذاتيّة، وإنّما منبعثة من مبادئه الإلهيّة واعتقاداته السماويّة التي تتجلّى فيها الحقائق دون غموض وضبابيّة. ونذكر من هذه الشواهد ما يلي:

أوّلاً: إخبار النبي’ وأهل البيت^ بالفاجعة قبل وقوعها

ليس ذلك من أجل اعتقادنا بعصمة الإمام الحسين×، ولا من أجل الأحاديث التي أشرنا إليها، بل لأنّه قد استفاض الحديث، بل تواتر عن النبي’ وأمير المؤمنين× وأهل البيت^ بمقتل الإمام الحسين×، كما استفاض الحديث عن الإمام الحسين× نفسه بذلك، بل يبدو أنّ ذلك شاع وعُرِف بين الناس قبل حصوله، فقد رُوي أنّ رسول الله’ خطب بالمسلمين وأخبرهم بقتل الحسين×، فضجّ الناس في المسجد بالبكاء والنحيب، فقال’: «أتبكون ولا تنصرونه ؟!»[41].

ومن الشواهد ـ أيضاً ـ التي تؤكّد كون التخطيط للفاجعة إلهيّاً، ما ذكره الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد الماوردي الشافعي في كتابه أعلام النبوّة، قال ما لفظه: «ومن إنذاره’ ما رواه عروة، عن عائشة، قالت: دخل الحسين بن علي× على رسول الله’ وهو يوحى إليه، فبركَ على ظهره وهو منكب، ولعب على ظهره، فقـال جبرائيل×: يا محمد، إنّ أمّتك ستُفتن بعـدك، ويقتل ابنك هذا من بعدك، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء، وقال: في هذه الأرض يُقتل ابنك، اسمها الطفّ، فلمّا ذهب جبرائيل خرج رسول الله’ إلى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمّار وأبو ذر، وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبرائيل: أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أنّ فيها مضجعه»[42].

ومنها: «عن نجي الحضرمي، أنّه سارَ مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلمّا حاذى نينوى، وهو منطلق إلى صفّين، فنادى علي: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشـطّ الفرات، قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يانبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: قد قام من عندي جبرائيل عليه السلام قبل، فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟ قلت: نعم، قال: فمدّ يده، فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا» [43]. والحقيقة أنّ الشواهد كثيرة، واخترنا منها ذكر القليل بما يناسب حدود ما نريد إثباته.

ونختم هنا بما يؤكّد علم الإمام الحسين× بالشهادة، الشهادة التي فيها إحياء دين رسول الله’، وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين على الصُعد العقديّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، نعم هناك الكثير من الأحاديث الواردة عن الإمام الحسين× نفسه، يصرّح فيها بأنّه مقتول بأرض كربلاء. «أليس هو الذي أعلم أمّ سلمة بقتله ـ حين أبدت له خوفها من سفره هذا؛ لأنّ الصادق المصدّق الذي لا ينطق عن الهوى’ أعلمها بقتله ـ بأرض كربلاء ممنوعاً عن الورود؟ وفيما قال لها: «إنّي أعلم اليوم الذي أقتل فيه، والساعة التي أُقتل فيها، وأعلم مَن يقتل من أهل بيتي وأصحابي، أتظنّين أنّك علمتِ ما لم أعلمـه؟ وهل من الموت بُدٌّ! فإن لم أذهب اليوم ذهبـت غـداً». وقال لأخيه عمر الأطرف: «إنّ أبي أخبرني بأنّ تربتي تكون إلى جنب تربته، أتظنّ أنّك تعلم ما لم أعلمه؟». وقال لأخيه محمّد بن الحنفيّة: «شاء الله أن يراني قتيلاً، ويرى النساء سبايا». وقال لإبن الزبير: «لو كنـتُ في حجر هامّة من هذه الهوامّ لاسـتخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم». وقال لعبد الله بن جعفر: «إنّي رأيت رسول الله في المنام، وأمرني بأمر أنا ماضٍ له». وفي بطن العقبة قال لِمَن معه: «ما أراني إلّا مقتولاً، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني، وأشدّها عليّ كلبٌ أبقع». ولمّا أشار عليه عمرو بن لوزان بالانصراف عن الكوفة إلى أن ينظر ما يكون عليه حال الناس، قال×: «ليس يخفى عليّ الرأي، ولكن لا يغلب علي أمر الله، وأنّهم لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي». إلى غير ذلك من تصريحاته وتلويحاته في المدينة ومكّة والطريق إلى الكوفة، فإنّها شاهدة على أنّه× كان على علم ويقين بأنّه مقتول في اليوم الموعود بأرض كربلاء»[44].

وممّا يشهد على علمه باستشهاده في ارض كربلاء خطابه× لمّا عزم على الخروج إلى العراق، حيث قال: «الحَمدُ للهِ، وما شاءَ الله، ولا قُوّةَ إلّا باللهِ، وصَلَّى الله عَلى رَسُولِهِ وسَلّم، خُطَّ المَوتُ عَلى ولدِ آدَم مَخَطَّ القِلادةِ عَلى جيدِ الفتاةِ، وما أَولهَني إلى أَسلافِي اشتياق يَعقُوب إلى يُوسُف، وخيّرَ لي مَصرَعٌ أنا لاقيه، كَأَنّي بِأوصَالي تُقَطِّعُها عسلان الفَلواتِ، بينَ النواويسِ وكَربلاء، فَيملأَن مِنّي أَكراشاً جُوَفا، وأَجرِبَةً سُغباً، لا مَحيصَ عَن يَومٍ خُطَّ بالقَلمِ، رِضَى الله رَضَانَا أهلَ البَيت، نَصبُر عَلى بَلائِهِ ويوفّينَا أُجورَ الصَّابِرين، لَن تَشُذَّ عن رَسُوِل الله’ لحمَته، بَل هي مجموعةٌ لهُ في حَضيرةِ القُدِس، تَقَرّ بِهِم عَينه، ويَنجِز بِهم وعـدُهُ، مَن كانَ باذِلاً فينا مُهجَتَه، ومُوطّناً على لِقاءِ الله نفسه، فليرحَلْ مَعَنا، فإِنّي راحِلٌ مُصبِحاً إن شاءَ الله»[45].

كذلك نذكر ما دار بينه× وبين أخيه محمّد بن الحنفيّة، حينما طلب منه التريّث في السفر، أو الذهاب في أرض الله العريضة، ممّا يدلّ بوضوح على علم الإمام بما يجري عليه وعلى أهل بيته من أسر وسَبْي، حيث «جاء محمّد بن الحنفيّة إلى الحسين× في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكّة، فقال له: يا أخي، إنّ أهل الكوفة مَن قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خِفتُ أن يكون حالك كحال مَن مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنّك أعزّ مَن بالحرم وأمنعه. فقال: يا أخي، قد خفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت. فقال له أخوه محمّد بن الحنفيّة: فإن خِفتَ ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر؛ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد. فقال: أنظر فيما قلتَ. فلمّا كان السحر ارتحل الحسين×، فبلغ ذلك ابـن الحنـفيّة، فأتاه فأخـذ زمام ناقته وقـد ركبها، فقال: يا أخي، ألم تعدني النـظر فيما سألتك؟ قال: «بلى». قال: فما حـداك على الخـروج عاجـلاً؟ فقال: أتاني رسول الله’ بعدما فارقتك فقال: يا حسـين، أخرج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً. فقال محمّد بن الحنفـيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هـذا الحال؟ قال: فقال له: قد قال لي: إنّ الله قـد شاء أن يراهـنَّ سبايا. وسلّم عليه ومضى»[46].

ونحن نعلم أنّ شخصيّة الإمام الحسين× غير محتاجة إلى ذكر المزيد من الأدلّة والشواهد، وغير مفتقرة لشيء من ذلك، فهي كالشمس الساطعة الدالّة على وجودها، وأثبتت نهضته المقدّسة ثمراتها ونتائجها، وعلم الجميع المحبّ والمبغـض، عظمة تلك الشخصيّة الرساليّة الفذّة، ولكنّنا إنّما نذكر ما نراه مناسباً لطبيعة البحث، وإتماماً للفائدة المرجوّة؛ لتصل الصورة كاملة عن تلك الثورة المعطاء على مرّ الزمن.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الظروف التي أحاطت بالنهضة لا تناسب انتصاره العسكري، فإقدامه على تلك النهضة، وما استتبعه من تضحيات جسام ومآسِ قاسية، لا بدّ أن يكون لهدف آخر غير الانتصار العسكري. والإمام الحسين× كثيراً ما يسمع نصح الناصحين بعدم الخروج والتراجع عن قراره، فتراه تارة يكتفي ببيان تصميمه على الخروج، أو قد يعدهم النظر في الأمر، أو أنّه سوف يستخير الله تعالى في ذلك، أو يشكر لهم نصحهم؛ مراعاة لخواطرهم، وتارة أخرى يصوّب رأيهم بحسب الظاهر، إلّا أنَّه لا بدّ من تجاوزه؛ من أجل أمور هم لا يعلمونها، فقد قال لأحد أشخاص بني عكرمة: «يا عبد الله، إنّه ليس يخفى عليّ، الرأي ما رأيت، ولكنّ الله لا يُغلب على أمره»[47]. «والإمام الحسين إنّما لم يصارح بما عنده من العلم لكلّ مَن رغب في إعراضه عن السفر إلى الكوفة؛ لعلمه بأنّ الحقائق لا تفاض لأيّ متطلّب بعد اختلاف الأوعية، سعة وضيقاً، وتباين المرامي قرباً وبعداً، فلذلك كان× يجيب كلّ أحد بما يسعه ظرفه، وتتحمّله معرفته وعقليّته، فإنّ علم أهـل البيت^ صعـب مستصعب، لا يتحمّله إلّا نبي مرسل، أو ملك مقرّب، أو مؤمـن امتحن الله قلبه بالإيمان».[48]

ممّا تقدّم يظهر جلياً عظمة الإمام الحسين×، وعزيمته وتصميمه على تنفيذ مشروعه الإصلاحي طويل الأمد، مع علمه مسبقاً بأنّه ينتهي بمثل هذه التضحيات الجسام.

«والناظر في تفاصيل واقعة الطف ـ بموضوعيّة وإنصاف ـ يرى أنّ الإمام الحسين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ منذ امتنع من بيعة يزيد في أواخر شهر رجب، وتحرّك ركبه من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة، صمّم على المضيّ في مشروعه وتحقيق هدفه، عالماً أنّ ذلك ينتهي بقتله وقتل أهل بيته نجوم الأرض من آل عبد المطلب ـ كما تقول العقيلة زينب‘ في خطبتها الجليلة ـ مع الصفوة من أصحابه، مع ما يتـرتّب على ذلك من نهب رحله، وانتـهاك حرمته، وسـبي عياله، والتشهير به وبهم، وتركهم غنيمة بأيدي تلك الوحوش الكاسرة، والنفوس المغرقة في الجريمة والرذيلة»[49].

ونلاحظ أنّ تصميم الإمام الحسين× وإصراره، غير مهتمٍّ بإزهاق الأرواح المقدّسة ونفوس الأزكياء من أهل بيته وصحبه؛ إنّما يدلّ على سموّ الهدف، وعظمة هذه الملحمة الإلهيّة، وأهمّية الثمرات المترتّبة عليها لصالح الدعوة إلى الله تعالى، وحفظ دينه العظيم الذي هو خاتم الأديان، وبذلك يتمّ الجواب على كلّ التساؤلات التي قد تطرح بشأن خلود هذه الفاجعة وعظم أثرها، فقد بيّنا بالأدلّة والشواهد أنّ اختيار الحسين× كان من الله تعالى، واصطفاء له؛ لما يتمتّع به، فهو من أهل البيت^ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ثانياً: نتائج وثمرات الثورة الحسينيّة

بقي لنا أن نبحث في ثمرات تلك النهضة المباركة؛ استكمالاً للصورة واستقراءً لتلك الأسطر النوريّة التي سجّلها الإمام الحسين× على جبين الدهر، ولا سيّما أنَّ ما يعنينا هو البحث عن موضوع (المنبر الحسيني)، أو ما يرادفه من ألفاظ تحمل نفس الهدف والغاية، كـ(المأتم الحسيني) أو (المجلس الحسيني)، بوصفه ثمرة من الثمرات المضيئة لتلك النهضة العظيمة، وباعتبار أنّ (المنبر الحسيني) أو (المجلس الحسيني) هو في حقيقته إحياء القضيّة الحسينيّة، بل هو الوسيلة والأداة الأولى من حيث الأهمّية والتأثير في التعبير عن صوت الحسين، صوت العدل والحقّ والحرّية.

فالكلام ـ هنا ـ عن ثمرات هذه الثورة ونتائجها وعطائها الإنساني، وهل غيّرت هذه الثورة شيئاً من واقع المجتمع الذي انفجرت فيه، بل هل حقّقت نصراً لصانعيها؟ وهل حطّمت أعداءها ؟ هذه الأسئلة ربّما تدور في ذهن كلّ مَن يقرأ أو يسمع عن أيّ ثورة من الثورات، حيث يتوقّف الحكم على الثورة بالنجاح أو الفشل بحسب ما تقدّمه مـن نتائج وثمرات، ونرى أنّ الثورة الحسينيّة وأن لم تكن قد حقّقت الانتصار العسكري الحاسم؛ لأنّ الظروف التي أحاطت بالنهضة لا تناسب الانتصار العسكري، لكنّها انتصرت معنويّاً وإنسانياً[50].

قال الشيخ القرشي: «وقد أدرك المستشرق الألماني (ماربين)[51] تخطيط الإمام الحسين× لثورته، فاعتبر أنّ الحسين قد توخّى النصر منذ اللحظة الأولى، وعلـم النصر فـيه، فحركة الحسين× في خروجه على يزيد كما يقول: إنّما كانت عزمة قلب كبير عزّ عليه الإذعان، وعزّ عليه النصر العاجل، فخرج بأهله وذويه، ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته، ويحيي به قضيّة مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة، لقد أيقن أبو الشهداء× أنّ القضيّة الإسلاميّة لا يمكن أن تنتصر إلّا بفخامة ما يقدّمه من التضحيات، فصمّم بعزم وإيمان على تقديم أروع التضحيات»[52].

قد يدّعي البعض ـ ممّن ينظر بمنظار ضيّقـبأنّها ثورة فاشلة، فهي لم تحقّق نصراً سياسيّاً يطوّر الواقع الإسلامي، كما أنّ صانعيها صاروا ضحيّة لنارها، وكذلك أعقابهم، فقد عانوا ما عانوا من الظلم والتشريد! ولكنّ الحقّ غير ذلك في عين الباحث البصير، فنهضة الإمام الحسين× ـ كما مرّ ـ كانت بتخطيط وتسديد إلهي، فلا بدّ أن يكون هدفها الأوّل المحقّق هو مصلحة الدين الذي هو أهمّ شيء عند الله تعالى، وعلى ذلك تكون نتائج وثمرات ثورة الإمام الحسين× تختلف عمّا تعوّدناه في سائر الثورات، ونلتمس نتائجها في الميادين التالية:

1 ـ «تحطيم الإطار الديني المزيّف الذي كان الأمويّون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم، وفضح الروح اللادينيّة الجاهليّة التي كانت توجّه الحكم الأُموي»[53].

وممّا ينبغي ذكره أيضاً في هذا المجال أنَّ كشف حقيقة زيف الأُمويين لم يقتصر على الإمام الحسين× فحسب، بل امتدّ في أل البيت^ من بعده؛ بسلاح الكلمة التي كان لها عظيم الأثر في فضح الزيف الديني الذي يقوم عليه الحكم الأُموي، «انتهت فاجعة كربلاء بمصرع الحسين وآله وصحبه، ولكنّ نضال بقيّة آل البيت في سبيل إشعار المسلمين بالزيف الديني الذي يقوم عليه الحكم الأُموي، وفي سبيل بثّ الوعي في هذه الجماهير، لم ينته، ولكنّ النضال منذ اليوم لن يأخذ شكل الثورة المسلّحة، فقد صُرع في كربلاء جميع الثائرين، إنّه منذ اليوم نضال كلامي، ولقد واصلت ثورة الحسين في هذا الاتجاه أخته زينب عقيلة آل أبي طالب»[54].

2 ـ تحرير الإنسان المسلم وإعادة الكرامة إليه: فكما هو ثابت في علم الاجتماع إنّ الإنسان يشكّل وحدة أساسيّة في بنية المجتمع، فأيّ ضعف يتسرّب إليه يؤثّر سلباً في الآخرين، ويتضاعف الضعف إذا انعدمت في المجتمع عوامل النهوض؛ لذلك «نهض الإمام أبو عبد الله الحسين×؛ ليضخّ الكرامة في عروق الأمّة؛ كي تستعيد إرادتها، فكان لا بدّ من حدث كبير يهزّها من الأعماق، ويوقظ فيها الروح الإنسانيّة...، وتجلّت القيم الإلهيّة في كربلاء بكلّ إشراقاتها حتى أضحت عنواناً عريضاً يعلو جبين الزمان»[55].

3 ـ الشعور بالمسؤوليّة الجهاديّة: «لقد أثّرت نهضة الحسين× بالأفراد، حيث ركّزت في نفوسهم الشعور بالمسؤوليّة الجهاديّة، انطلاقاً من القاعدة الإسلاميّة (كُلُّكم راعٍ، وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيّته)، فالحسين لم ينهض بهذه المهمّة الشاقّة مع قلّة الناصر، ووحشة الطريق إلّا لأنّ الباطل أخذ يتفاقم إلى درجة باتت دعوة جدّه رسول الله’ ترزح من الكابوس الأُموي الخطير، والانحراف عن الخطّ الرسالي، إنّ الإنسان المسلم يخضع لشعور إيماني واعٍ برسالة الإسلام، وأنّه بحكم مسـؤوليّته العقائديّة تتفاعل في أعماقه دوافع ذاتيـّة لإداء واجباته الرساليّة، وفي مقدّمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باعتبارها السبيل إلى مواجهة الواقع العملي الجهادي في تثبيت المجتمع الإنساني القويم على أساس من إقامة العدل، وتحطيم الباطل، ومهما تكن قوّة الاندفاع الذاتيّة في الإنسان الملتزم، فإنّه بحاجة إلى مثير وحافز يقتدي به في عمليّة التنفيذ»[56].

ولا ننسى تلك المواقف المشرقة لأصحاب الإمام الحسين×، وكلّ مَن وقف معه في يوم عاشوراء، حيث كانوا على صعيد واحد من الإيمان الجهادي.

4 ـ «بثّ الشعور بالإثم في نفس كلّ فرد: وكان لثورة الحسين ونهايته في كربلاء أثر آخر، هو ما سبّبته هذه النهاية وهذا المصير من إثارة الشعور بالإثم في ضمير كلّ مسلم استطاع نصره فلم ينصره، وسمع واعيته فلم يُجبها، ولقد كان الشعور أقوى ما يكون في ضمائر أولئك الذين كفّوا أيديهم عن نصره بعد أن وعدوه النصر وعاهدوه على الثورة، ولهذا الشعور بالإثم طرفان، فهو من جهة يحمل صاحبه على أن يكفِّر عن إثمه الذي ارتكبه، وجرمـه الـذي اقترفه، وهو من جهة أخرى يثير في النفس مشاعر الحقد والكراهية لأولئك الذين دفعوه إلى ارتكاب الإثم، وهو ما نراه جليّاً في الشعب المسلم بعد ثورة الحسين، فقد دفع الشعور بالإثم كثيراً من الجماعات الإسلاميّة إلى العمل للتكفير، وزادهم بغضاً للأُمويين وحقداً عليهم. وكان التعبير الطبيعي للرغبة في التكفير وللحقد هو الثورة، وهكذا كان، فقد استهدف الأُمويون لثورات أجّجها مصرع الحسين، وكان باعثها التكفير عن القعود عن نصره، والرغبة في الانتقام من الأُمويين»[57].

وتعدّ هذه الثمرة وهذا العطاء للثورة الحسينية بحقٍّ أبرز عطاء لهذه الثورة الخالدة على المستوى الجماهيري.

5 ـ إحياء المبادئ والقيم في المجتمع الإسلامي: بعد أن دفع الأُمويّون باتجاه هجر المبادئ والقيم أو تحريفهما جاءت هذه الثورة وأحيتهما. ولأنّ الدعوة إلى نموذج من الأخلاق السامية ضرورة لازمة، «قدّم الحسين× وآله، وأصحابهم ـ في ثورتهم على الحكم الأُموي ـ الأخلاق الإسلاميّة العالية بكلّ صفائها ونقائها، ولم يقدِّموا إلى المجتمع الإسلامي هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم، وإنّما كتبوه بدمائهم وحياتهم»[58].

وعند البحث والمطالعة يجد الإنسان أنّ نتائج واقعة الطفّ وثمراتها كثيرة جدّاً، ويطول الحديث عنها، فرأينا أن نكتفي بذكر بعضها بحسب ما تقتضيه طبيعة البحث وموضوعه، وحيث إنّ موضوع بحثنا لا يركّز على الواقعة وتفاصيلها، وإنّما ما يهمّنا هو الولوج والبحث في إحدى ثمراتها، ألا وهي (المنبر الحسيني)، ومعرفة دوره في تحقيق الإصلاح الذي رفع شعاره سيّد الشهداء في واقعة الطفّ، والمنبر الحسيني هو الصوت المُلحّ الذي يواصل الدعوة إلى العمل في خطّ الإصلاح، لذلك نأتي على ذكر هذه الثمرة المهمّة من ثمرات الواقعة الأليمة، ونختم بها المبحث الأوّل، ليكون لنا في المبحث الثاني بحثاً مفصّلاً ـ نوعاً ما ـ مع أئمّة أهل البيت^، واهتمامهم بتوجيه النفوس نحو ذكر حادثة الطفّ، وبمختلف الأساليب الممكنة، من إقامة المجالس أو إنشاد الشعر أو سرد القصّة.

6 ـ بقاء الذكر الخالد لصاحب الثورة عن طريق إحياء الشعائر الحسينيّة، وإقامة مجالس العزاء المشتملة على منابر الموعظة والإرشاد، والدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من أجل إبقاء الروح الحسينيّة حيّة في جسد الأمّة، وما أحوجها إلى ذلك في ظلّ التيّارات الفاسدة التي تهبّ عليها. فالمنبر الحسيني يستمدّ خطابه وقوّته من تلك النهضة المقدّسة «التي كانت في واقعها حرباً ضد المظاهر الشيطانيّة، والانحرافات الفكريّة، والتردّيات الأخلاقيّة والسلوكيّة، التي كانت كفيلة بمحق الدين الإسلامي إذا ما انتشرت وتوسّعت، ولم تُردع من قِبَل رجال الله العظماء»[59].

وقد عمل أئمّة أهل البيت^ كثيراً على تحرّي مختلف الأساليب لإحياء ذكرى استشهاد الحسين×، وذكر المأساة، بالرثاء والبكاء وإقامة المجلس الحسيني؛ لما لهذه الشعائر من أثر عظيم في حفظ المذهب من الإندراس.

المبحث الثاني

الخطابة والمنبر الحسيني لدى أئمّة أهل البيت ^

لقد كان لاستشهاد الإمام الحسين×، ومَن كان معه من أهل بيته وأنصاره، وما تبعه من سبي نسائه وبناته وأخواته، والسير بهم من كربلاء إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، تصحبها رؤوس الشهداء محمولة على الرماح؛ الأثر الكبير على مشاعر المسلمين وعواطفهم، انعكس في مظاهر الحزن والبكاء، «وبرزت بعض مظاهر الحزن هذه ـ أحياناً ـ في تجمّع هنا أو هناك يُقام للنوح والبكاء على الإمام الحسين×، إمّا تأثّراً بقصيدة رثاء أو تذكّراً لحادثة مؤلمة، تتفاعل معها النفوس بالحزن والحسرة، ثمّ تطوّر الأمر، لتتحوّل مظاهر الحزن وتجمّعات البكاء، إلى ظاهرة دينيّة ـ اجتماعية عند المسلمين الشيعة، حتى صارت تقليداً سنويّاً، قطبها ما يعرف بالمنبر الحسيني، وخطيبه المتخصّص في هذا الشأن»[60].

وبما أنّنا خصّصنا الفصل الأوّل لإعطاء نظرة تاريخيّة عامّة عن سيرة ومسيرة الإمام الحسين×، وبدأنا في المبحث الأوّل منه دراسة هذه الواقعة، وتعرّفنا على أسبابها وغاياتها ونتائجها وثمراتها، بقي لنا في هذا المبحث تسليط الضوء على المنبر الحسيني في حياة أئمّة أهل البيت^، بصفته إحدى ثمرات واقعة الطفّ الأليمة، ولأنّه موضوع بحثنا. فالبحث ـ هنا ـ يدور عن كيفية تعامل أهل البيت^ مع مجالس العزاء، وكيف كان حثّهم وتأكيدهم على إقامة المآتم الحسينيّة، وما هي السُبُل والأساليب التي كانت بدايات لنشوء المنبر الحسيني.

ومن الجدير بالذكر أنّ للمنبر الحسيني ألفاظاً أخرى تحمل المعنى نفسه، والغاية منها إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين×. وسبق وأن عرّفنا المنبر الحسيني على أنّه عبارة عن نوع من أنواع الخطابة الدينيّة عند أغلب المسلمين الشيعة، يعرّج في نهايتها وبأسلوب فنّي خاصّ على ذكر فاجعة مؤلمة من فجائع مقتل الإمام الحسين×، فالخطابة الحسينيّة حقيقةً هي مادّة المنبر الحسيني بما تضمّه من شعر ورثاء ونياحة وذكر ما جرى على الحسين× وأهل بيته من مصائب وحوادث.

وقبل الحديث والبحث في الدور الكبير لأئمّة أهل البيت^ في إحياء واقعة كربلاء عن طريق الحثّ على النياحة والبكاء وإنشاد الشعر وتذاكر أحداث الثورة، هذه المفردات التي كانت الجذور الأولى لمؤسّسة المنبر الحسيني، أو بمعنى آخر الخطابة الحسينيّة؛ لا بدّ من ذكر وتوثيق الخطابات الأولى التي تلت واقعة الطفّ، والتي من الممكن اعتبارها من الخطابة الحسينيّة التي أسّست وغرست البذور الأولى للمنبر الحسيني، مع ما رافقها من مآتم وصفها بعض العلماء والباحثين بالمآتم العفويّة، وشكّلت بالتالي أرضيّة لبروز المآتـم الهادفـة، فالمآتم الهادفة لم تنطلق من فراغ، بل سبقتها مآتم أخرى، كانت قد برزت تعاطفاً مع أحداث كربلاء[61].

يتّضح ممّا سبق أنّ (المآتم العفويّة) هي تلك المظاهر العزائيّة التي تبعت الواقعة مباشرة وبدون تخطيط مسبق، وترافقت مع مسيرة السبايا في الكوفة والشام وإلى حين الرجوع إلى المدينة. أمّا (المآتم الهادفة) هي المآتم التي أقيمت خصّيصاً لأجل إحياء تلك الواقعة، واستلهام العِبَر منها، مع إثارة مشاعر الحزن والبكاء.

وهنا وإن كان ما يهمّنا في البحث النوع الثاني من المآتم، التي كان لأئمّة أهل البيت^ الأثر الكبير في إرساء قواعدها، ولكن لا بأس من ذكر بعض مظاهر العزاء العفويّة التي شكّلت الأرضيّة، أو باعتبارها غرست البذور الأولى للمنبر الحسيني بما يضمّه من شعر ونياحة وبكاء، وذكر أحداث الثورة، حيث تشكّل بمجموعها الخطابة الحسينيّة، والتي هي موضوع بحثنا.

المطلب الأوّل: الخطابة في مظاهر العزاء بعد واقعة الطفّ

من مصاديق المآتم العفويّة بعد مقتل الحسين× هي الخُطب الأولى من بعض أهل البيت×، وحواراتهم مع اهل المُدن التي كان موكب السبايا يمرّ بها، تلك الخطابات والحوارات التي كان لها الأثر البالغ في نفوس الجمهور، ممّا دعته إلى الحزن والبكاء والجزع لِما جرى في كربلاء من مصائب وانتهاك وتعدّي على الإمام الحسين× ومَن كان معه.

تذكر المصادر أنّ أوّل مَن خطب وأبلغ في مظلوميّة الحسين وأهل بيته وأبكى الناس، هي العقيلة زينب‘، عندما خطبت في أهل الكوفة خطبتها المعروفة، إذ قالت ـ بعد أن حمدت الله وصلَّت على النبي وآله ـ : «أمّا بعد، يا أهلَ الكوفةِ، يا أهلَ الخَتلِ والغَدرِ، أتبكون؟! فـلا رَقأَت الدمعة، ولا هَدأت الرنّة، إنّما مَثلُكم كمَثَلِ التي نَقَضَتْ غَزلَها مِن بَعدِ قُوّةٍ أنكاثاً، تتَّخذِونَ أَيمانكُم دَخَلاً بينَكُم...»[62]، إلى آخر خطبتها‘، ويذكر المصدر نفسه أنّ السيّدة فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين×، أيضاً خطبت في أهل الكوفة بعد ورودها من كربلاء، كذلك السيّدة أمّ كلثوم بنت علي‘، كانت لها خطبة عند دخولهم الكوفة.

لقد كانت لهذه الخُطب من نساء بيت النبوّة الأثر الكبير في الجمهور، حيث ارتفعت أصواتهم بالبكاء والنحيب، ودعوا على أنفسهم بالويل والثبور.

وأمّا الإمام زين العابدين× فقد كانت له خطبة في أهل الكوفة في أثناء مسيرهم، وخطبة أخرى في الشام عندما أدخلوهم مقيّدين بالسلاسل إلى قصر يزيد، وكانت خطبته بعد خطبة عَمَّته زينب بنت أمير المؤمنين.

أوّلاً: تعريف الإمام زين العابدين× لوظيفة الخطابة

ذكر المؤرّخون أنّ يزيدَ دعا بخطيب، وأمره أن يصعد المنبر، فيذمّ الحسين وأباه صلوات الله عليهما، فصعدَ وبالغ في ذمّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين الشهيد، والمدح لمعاوية ويزيد، فصاح به علي بن الحسين×: «ويلك أيّها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسَخَط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار»[63]، ثمّ قال الإمام× ليزيد: «أتأذن لي أن أرقى هذهِ الأعواد، فأتكلّم بكلام فيه لله تعالى رضى، ولهؤلاء أجر وثواب؟»[64].

فوظيفة الخطابة في منهج المعصوم× هي نيل رضا الله}، ورُقيّ المستمع إلى ما أعدّه الباري له من الأجر الجزيل والثواب الجميل، والتسلّق نحو الكمال الذي خُلق الإنسان من أجله، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[65]، وبدونه يعيش الإنسان في عالم البهيميّة التي همُّها علفها، وشغلها تقمّمها[66].

ويذكر الكاتب عبد العزيز ما أحدثته خطبة الإمام زين العابدين× من أثر في نفوس مستمعيها، حيث يقول: «جعل علي بن الحسـين يخطب، ويفتخر بأهل بيته، ويسمّيهم بأسـمائهم فرداً فرداً، ويذكر فضائلهم وأياديهم على الملّه والناس، وما زال يقول ويطنب حتى بكى الناس وانتحبوا، وتحرّكوا أو كادوا»[67].

ثانياً: أئمّة أهل البيت ^ والعزاء الحسيني

بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي× مع ثلّة من أصحابه وأتباعه وأهل بيته، وجّه أهل البيت^ شيعتهم ومحبّيهم إلى استذكار هذه المصيبة، وإظهار مظلوميّة الإمام الحسين×، فلقد «حرص أهل البيت^ على إبقاء الثورة وتفاصيلها الفاجعة حيّة في الذهنيّة العامّة للأمّة؛ وذلك بالتشجيع على قول الشعر فيها وإنشاده، وبعقدهم المجالس الخاصّة لسماع هذا الشعر، وبدعوتهم إلى عقد المجالس والاجتماعات المخصّصة للمذاكرة في أحداث الثورة، وأنشائهم لمؤسّسة الزيارة، وبتوجيهات أخرى غير ما ذكرنا، تخدم كلّها هدفاً واحداً هو إبقاء الثورة حيّة في العقول والقلوب»[68].

ومن ذلك نرى أنّ اهتمام أئمّة أهل البيت^ بعقد المجالس الخاصّة لتذاكر فاجعة كربلاء، هو من تلك (المآتم الهادفة)، التي تُقام خصّيصاً لأجل إحياء الواقعة واستلهام العِبر منها. وقد تقدّم سابقاً أنّ هذه المآتم الهادفة هي التي شكّلت الأساس لقيام المنبر الحسيني وتوسُّع مدرسته.

ولم يكتفِ أئمّة أهل البيت^ بإقامة تلك المآتم فحسب، بل ورد الحثّ والتأكيد منهم على إقامتها، حيث أورد علماء الشيعة العديد من الروايات والأخبار والممارسات التي تدعوا شيعتهم إلى إقامة مجالس العزاء، وتبيّن ثواب البكاء على الحسين×، قال السيد محسن الأمين[69]: «أما إنّهم بكوا على الحسين×، وعدّوا مصيبته أعظم المصائب، وأمروا شيعتهم ومواليهم وأتباعهم بذلك، وحثّوا عليه، واستنشدوا الشعر في رثائه، وبكوا عند سماعه، وجعلوا يوم قتله يوم حزن وبكاء، وذمّوا من اتّخذه عيداً، وأمروا بترك السعي فيه في الحوائج، وعدم ادّخار شيء فيه. فالأخبار فيه مستفيضة عنهم تكاد تبلغ حدّ التواتر، روتها عنهم ثقات شيعتهم ومحبّيهم بأسانيدها المتّصلة إليهم»[70].

ونلاحظ أنّ تأكيد أئمّة أهل البيت^ على إقامة المجالس الحسينيّة والدعوة إليها، تمثَّل باهتمامهـم بعنصرين مهمّين، يعمـلان معـاً في تحقـيق أهداف ثورة الحسـين× مـن جهة، وتحقيق هدف إحيائها من جهة أخرى، والعنصران هما:

 1 ـ الاهتمام بالبناء الفكري والعقدي

يظهر هذا الاهتمام من خلال لقائهم بالشعراء، وإثارة الحديث حول الواقعة، وبيان أهدافها، وحثَّهم وتشجيعهم على إنشاد الشعر في الإمام الحسين×. ولا يخفى على كلّ مَن ينظر نظرة تدقيق في المنبر الحسيني كيف أصبح هذان العنصران ـ أعني جانب العاطفة والبكاء، وجانب الفكرة والاعتبار ـ عنصرين أساسيين في تركيبة الخطابة الحسينيّة.

2 ـ الاهتمام بالجانب العاطفي:

اهتمّ الأئمّة^ على الجانب العاطفي من خلال الحثّ على البكاء على الإمام الحسين×، والتأكيد على إحياء واقعة كربلاء، حيث نرى بوضوحٍ التلازم الوثيق بينهما في كلّ أعمال ونشاطات أئمّة أهل البيت^، إذ أكّدوا على البناء والتربية والإعـداد وتثقيف الأمّة، كما أكّدوا^ علـى الجـانب العاطفي في كربلاء؛ لأنّ الفكرة إذا كانت مجرّد فكرة بعيدة عن العاطفة، فإنّ من الممكن أن تتلاشى وتندثر بمرور الزمن؛ لعدم تفاعلها مع القلب، كذلك مجرّد الاهتمام بالجانب العاطفي بعيداً عن الفكرة التي تحملها تلك المأساة قد تضيّع الفكرة، وتنحرف عن مسارها الصحيح، وهذا يعني أنَّ وجود الفكرة الهادفة يعمل على توجيه العاطفة بالشكل الصحيح.

وإذا عرفنا ذلك نستنتج مشروعيّة هذه الشعائر، بل أهمّية التأكيد عليها من خلال اهتمام أئمّة أهل البيت^ بها، فإنّ هناك ـ للأسف ـ مَن يعيب على الشيعة اهتمامهم وتقديسهم لهذه المناسبة، بل أراد الحطّ من شأنها بادّعائه أنّه لا لـزوم لها، «وربّما غالى بعضهم في العـيب، فقال: إنّ يزيد قتل الحسـين×، وأنتم تقتلونه كلّ عام مرّة. وقد يقول آخر: إنّ الأمر الفظيع لا ينبغي تناسيه. وبعض يرى أنّ في إعادة ذكره حطّاً من مقام أهـل البيت^ التي جرت معهم تلك الفظاعة»[71]. وسنتطرّق في الفصول القادمة إلى فوائد إقامة المآتم الحسينيّة، وبيان الدور الكبير للمنبر الحسيني في توجيه الأمّة نحو المبادئ السامية التي نهض الإمام الحسين× من أجلها.

بعد أن عرفنا ـ ممّا سبق ذكره ـ أنّ الشيعة يعتقدون أنّ الأخبار في مسألة حثّ أئمّة أهل البيت^ وتأكيدهم على البكاء وإنشاد الشعر في الإمام الحسين×، قد بلغت حدّ التواتر، وأنّ رواتها ثقات يُعتمد عليهم، بقي أن نقف عند بعض ما أورده علماء الشيعة من أقوال الأئمّة من أهل البيت في هذا الموضوع، ضمن النقطتين التاليتين:

الأولى: حَثّ الأئمّة^ على البكاء على الإمام الحسين×

من أقدم النصوص التي تدعو إلى البكاء بعد استشهاد الإمام الحسين×، والتي أدّت ـ فيما بعد ـ إلى تكوّن مؤسّسة المنبر الحسيني، تعود إلى الإمام زين العابدين×، الذي شهد الواقعة مع أبيه، وذاق مرارة السبي مع نساء أهل البيت^، ثمّ توالت النصوص الداعية إلى البكاء عليه عن سائر أهل البيت^. فيما يلي ذكر لبعض النصوص الواردة في هذا المعنى (البكاء على الإمام):

1 ـ عن الإمام علي بن الحسـين× أنّه قال: «أيّما مؤمن دمُعت عيناه لقتل الحسـين بن علي دمعةً حتى تسيل على خدّه؛ بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً»[72].

2ـ عنه× أيضاً: «أيّما مؤمن دمُعت عيناه حتى تسيل على خدّه فيما مسّنا من الأذى من عدوّنا؛ بوّأه الله في الجنّة مُبوّأ صدق»[73].

3 ـ عن الإمام محمّد بن علي الباقر× ـ حيث أعطى توجيهاً فيما ينبغي عمله يوم عاشوراء لإحياء ذكرى الحسين× ـ : «ثمّ ليندب الحسين× ويبكيه، ويأمر مَن في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصـيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين×...»[74].

4ـ في عهد الإمام جعفر بن محمّد الصادق× تُظهر النصوص أنّ التجمّع وتذاكر أمر أهل البيت^ ومصائبهم والبكاء والجزع عليهم، وفي مقدّمتهم الإمام الحسين×، أصبح مألوفاً في أوساط الشيعة، فقد رُوي أنّ الإمام الصادق× قال للفضيل بن يسار: «يا فضيل، أتجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جُعِلتُ فداك، قال: إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، رحم الله مَن أحيا أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه...»[75].

5 ـ عن الإمام علي بن موسى الرضا× مخاطِباً أحد أصحابه، وهو الريّان بن شبيب، وقد دخل عليه في أوّل يوم من المحرّم: «يا ابن شبيب، إن كنتَ باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب؛ فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتِلَ معه من أهل بيته اثنا عشر رجلاً، ما لهم على الأرض شبيهون»[76].

6 ـ عنه × أيضاً: «مَن تذكّر مصابنا وبكى لِما أُرتُكِب بنا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومَن ذكّر بمصابنا وبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»[77].

إنّ ما ذُكر أعلاه من روايات ونصوص عن بعض أئمّة أهل البيت^، فيه تأكيد واضح بخصوص حثّ أئمّة أهل البيت شيعتهم على إحياء واقعة الطفّ، بالبكاء وإقامة العزاء على الإمام الحسين×.

الثانية: حَثّ أئمّة أهل البيت^ على قول الشعر في الإمام الحسين×:

حثّ أئمّة أهل البيت^على إقامة مجالس عزاء الإمام الحسين× وذكر فجائع كربلاء، وعادة يقترن هذا الذكر بأشعار الرثاء وما يصاحبها من بكاء ونحيب، ممّا شكّل البدايات الأولى للمنبر الحسيني.

ذكر الصدوق في الامالي، وابن قولويه في الكامل، بسنديهما عن أبي عمارة المُـنشد[78]، عن أبي عبد الله الصادق×، قال: «قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين بن علي، فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله، ما زلت أنشده فيبكي حتى سمعت البكاء من الدار، فقال: يا أبا عمارة، مَن أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة...».[79]

وروى الصدوق في ثواب الأعمال، وابن قولويه في الكامل، بسنديهما عن أبي هارون المكفوف[80]، قال: «قال أبو عبد الله×: يا أبا هارون، أنشدني في الحسـين×، قال: فأنشدته فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدوني، يعني بالرقّة،، قال فأنشدتهُ:

أمرر على جَدَث الحُسين
وقُل لأعظُـمهِ الزكيَّـة

قال: فبكى، ثمّ قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلمّا فرغـت قال لي: يا أبا هـارون، مَـن أنشـد فـي الحسـين× شعراً فبكى وأبكى عشراً كُتِبت له الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كُتِبت له الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتِبت له الجنّة... » إلى آخر الحديث[81].

 وهذا يعني أنّ هناك تطوّراً شكلياً أخذ يُراعى في المأتم الحسيني، وهو أخذ عامل الصوت وحسن الإنشاد بالاعتبار؛ كي يتمّ التفاعل العاطفي الحزين مع واقعة كربلاء، حتى برز مَن عُرفـوا بـ (المنـشدون) في مجالات إنشاد الشـعر الرثائي الـذي قِيـل في الحسين×[82].

نلاحظ ـ ممّا سبق ذكره من النصوص ـ انعكاس آثار ثورة الإمام الحسين× انعكاساً كبيراً على المسلمين، من خلال شعر الرثاء واهتمام وتشجيع أئمّة أهل البيت^ على نظم الشعر في الإمام الحسين×؛ من أجل إبقاء واقعة الطفّ حيّة في النفوس. مع ملاحظة أنّ «قلّة الآثار الشعريّة التي ترجع إلى الحقبة الأولى بعد الثورة، تعود إلى الخوف من اضطهاد الأُمويّين الذين شنّوا حملة واسعة النطاق لحصر أثر الثورة في حيّز ضيّق، وذلك بعد أنْ اكتشفوا خطر التفاعلات التي أطلقت الثورة عقالها»[83].

وممّا يجدر بنا ذكره ـ أيضاً ـ أنّ الشعراء الذين نظّموا شعر الرثاء في الإمام الحسين× أغلبهم لم يدفعهم إلى ذلك حبّ الدنيا، بل كانوا يعرّضون أنفسهم بذلك إلى التنكيل والتشريد من السلطات الظالمة، وربّما يؤدّي قول الشعر في الإمام الحسين× بحياتهم. إذن ما الذي دفعهم إلى إحياء الواقعة بنظم القصائد الرثائيّة والتي تطوّر شكلها فيما بعد إلى إنشادها مع صوت فيه رقّةً، وأسلوب نائح ـ كما تقدّم ـ مع كلّ ما كان يحيط بهم من مخاطر؟

يرجع السبب في ذلك إلى أقوال الأئمّة^ في حقّ مَن ينشد الشعر في الإمام الحسين×، وتشجيعهم على ذلك، بحيث أخذت المسألة بُعداً ولائيّاً ودينيّاً، «وقد نشأت ظاهرة الشعر الرثائي الحسيني في الأدب الشيعي، نتيجة لكون المسألة الحسينيّة ليست ذات بعد عاطفي فقط، وإنّما هي بالإضافة إلى ذلك ذات بعد ديني أيضاً، يجعل تخليدها في الشعر عملاً من أعمال التقوى»[84].

إذن قول الشعر في رثاء الإمام الحسين× وأهل البيت^ ـ والذي يعتبر البدايات الأولى للمنبر الحسيني، وهو ما شجّع عليه أهـل البيت^ ودعوا إليه ـ كان عملاً دفعت إليه العاطفة والدين، دفعت إليه العاطفة من جهة العلاقة الحميمة بين الإنسان الشيعي وبين الثائر المظلوم، ودفع إليه الدين متمثّلاً في النصوص التي ذكرنا بعضها، الداعية إلى إنشاد الشعر في أهل البيت^، لهذا وذاك غدا نظم الشعر وإنشاده عملاً دينياً يدخل في تعظيم شعائر الله، فالحسين لم يَسْعَ من وراء ثورته إلى مجد شخصي، وإنّما قام بها خدمة للشعب على هدى الإسلام، فتخليد الثورة في شخصه، ونشر شعاعها وتأثيرها في المجتمع المسلم وغيره، هو عمل من أعمال التقوى، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[85].

وقد عبّر الشعراء أنفسهم عن هذه الرؤية الدينيّة لعملهم الشعري في الحسين× نتيجةً لتوجيه أئمّة أهل البيت^، فمن أقدم النصوص الشعريّة التي تعكس هذه الرؤية الدينيّة للشعر الرثائي الحسيني، ما قاله أبو الأسود الدؤلي ظالـم بن عمرو المتوفّى سنة 69هـ، والبالغ خمساً وثمانيـن سنة، في قصيدة يرثي بها الإمام الحسين× ومَن أصيب معه من بني هاشم[86]:

«سأجعل نفسـي لهـم جُنَّـة
فلا تُكثري لي مـن اللّائمة
أرجو بذلك حوض الرسـول
والفـوز والنعمـة الدائمـة
لتهلــك إن هلكـت بـرة
وتخلص إن خلصت غانمة
»ْ
[87].

ولإيضاح الصـورة أكثر فيما يخـصّ المأتم الحسـيني، وإحياء ذكرى استشهاد الحسين× عند أئمّة أهل البيت^، لا بدّ لنا أن نذكر أمراً في غاية الأهمّية، وهو ما تضمّنه نظم الشعر في الحسين× ورثاؤه في ذلك العهد، وذكر ما نزل بهم من الظلم والبراءة من ظالميهم، حيث كان هذا يتضمّن موقفاً سياسيّاً موالياً لأهل البيت^ ورافضاً للسلطة القائمة، ممّا يعرِّض صاحب هذا الموقف إلى الموت على أيدي رجال السلطة، وإلى التشريد والمطاردة، أو السجن والتعذيب. «لقد أدركت السلطات الحاكمة على اختلاف العهود السياسيّة، في العصر الأُموي، ثمّ في العصر العبّاسي، وما تلاه، خطورة هذا اللون من الشعر، فهو يؤجّج الحميّة الدينيّة، ويعزّز العلاقة العقيديّة والعاطفيّة بالمعارضة، ويثير الشبهات حول شرعيّة الحكم القائم، ونتيجة لهذا الإدراك فقد واجهت السلطات شعراء أهل البيت بالقمع والتنكيل؛ ولذلك فقد كان الشعر الرثائي يتداول بين الشيعة سرّاً، وكان الشعراء يتكتّمون أمام السلطات، ويحرصون على أن لا يُعرفوا بشيء من هذا الشعر الذي إذا عرفوا بشيء منه فإنّهم يلاحقون»[88].

 ومن هذا نعرف السبب الذي من أجله يستحقّ هذا الراثي للحسين الشهيد× الأجر والثواب الجزيل عند الله، كما ورد في روايات أهل البيت^ السابقة الذكر. كذلك فيما يخصّ عهد الأئمّة^، وانتشار المآتم الحسينيّة ونموّها وتعدّد أشكالها، نرى أنّ زيارة الحسين× صارت موسماً متّصلاً لإقامة المآتم وإنشاد الشـعر عند قبره الشريف، «إذ حثّ أئمّة أهل البيت شيعتهم على الزيارة في أيّام وليال، ذات بُعْدٍ عبادي، يشترك في معظمها عموم المسلمين، مثل ليلة منتصف شعبان، وليالي القدر المباركة، وليلة عرفة ويومها، وليلة العيد ويومها، إضافة إلى زيارة يوم عاشوراء، ويوم الأربعين (أي: الأربعون يوماً بعد قتل الحسين×، ويقع في العشرين من صفر)، فغدت هذه المواسم مواسم عبادة وزيارة لقبر الإمام الحسين×، ولا تزال كربلاء إلى اليوم تزدحم بوفود الزائرين من كلّ أنحاء الأقاليم الشيعيّة من العراق وخارجه، في تلك المناسبات التي توفّر أجواء مؤاتية لازدهار ونموّ مؤسّسة المنبر الحسيني»[89].

وتشير المصادر التاريخيّة إلى تطوّر مواسم زيارة الحسين× إلى مآتم للبكاء منذ عهد أئمّة أهل البيت^، ولعلّ أوّل إشارة إلى ذلك كانت في زمن الإمام جعفر بن محمّد الصادق× (ت: 148هـ)، ونجد تأكيد ذلك في رواية يستوضح الإمام الصادق×، من أحد أصحابه الكوفيّين عمّا سمعه من اجتماع الزائرين عند قبر جدّه الحسين×، حيث يسأل الإمام الصادق×: «بلغني أنّ قوماً يأتونه أي: قبر الحسين من نواحي الكوفة، وناساً من غيرهم، ونساء يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن قارىء يقرأ، وقاصّ يقصّ، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي، فقلت له: نعم، جُعِلت فداك، قد شهدت بعض ما تصف، فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس مَن يَفِد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا...»[90].

ويبدو من هذه الرواية أنّ هناك قصّاصاً يدخلون في قصصهم سيرة الحسين×، فضلاً عن النوّاح والمنشدين، وأنّ هؤلاء هم الأسلاف الأقدمون لخطباء المنبر الحسيني.

ويظهر ممّا تقدّم أنّ شعيرة الزيارة كانت من الأمور المهمّة التي دعا إليها أئمّة أهل البيت^، ولها الدور الكبير في الحفاظ على ديمومة العزاء الحسيني؛ لأنّهم بتشجيعهم على زيارة قبر الإمام الحسين×، يجعلون من القضيّة الحسينيّة شيئاً حيّاً نابضاً، حاملاً التمجيد والتكريم للحسين وآله، مشتملاً على معاهدة الزائر نفسه أمام الله أن يسير على هذا النهج، ويتّبع هذا الطريق، مشتملاً أيضاً على إدانة القوى المنحرفة الظالمـة التي ارتكبت جريمتها البشعة في كربلاء، وإدانة كلّ القوى الأخرى المتأخّرة في الزمان، التي تتابع تلك القوى المجرمة في مُثُلها وشعاراتها ومواقفها.

تَتّضحُ ممّا سبق عظمة هذه المؤسّسة،وأثرها الكبير في صنع الإنسان الشيعي، والإمكانات الضخمة التي تحفل بها، ومدى قدرتها على التحوّل النفسي للإنسان الشيعي من وضعه الاستسلامي إلى وضع متحرّك فاعل، فيما لو استعاد المفهوم الصحيح للزيارة، ومارسها بالروحيّة الأساسيّة التي انطلقت منها. ويتّضح مدى فداحة الخطأ الذي قد يقع فيه بعض الشيعة حين فهم الزيارة على أنّها تكريم وتعظيم للأشخاص فقط، وغفل عن الأهداف التربويّة المتعدّدة الجهات التي قُصِدت منها.

ومن ذلك نعلم أنّ مؤسّسة الزيارة تسير جنباً إلى جنب مع مؤسّسة المنبر الحسيني، ولها نفس الأهداف التربويّة، وكلاهما يهدف إلى إبقاء الإنسان الشيعي على صلة حيّة بمنابع الإسلام الأصيل، «إنّ أئمّة أهل البيت^ حين جعلوا من الزيارة مؤسّسة فكريّة سياسيّة اجتماعيّة، أرادوا أن يجعلوا الإنسان الشيعي على صلة حيّة ومباشرة بمنابع إسلامه في الفكر والنظريّة، في التطبيق والممارسة»[91].لذلك كان لمؤسّسة الزيارة أثرٌ كبيرٌ في خدمة المنبر الحسيني، «على صعيد ترسيخ الشعور بالقضيّة الحسينيّة في الوجدان الشعبي، وعلى صعيد تأسيس المآتم في أصقاع جديدة عاماً بعد عام»[92].

 ولأجل ذلك واجهت هذه الشعيرة، كما واجهت مجالس العزاء الحافلة بإنشاد الشعر الرثائي والبكاء، رفضاً عنيفاً من السلطات الحاكمة؛ لعلمهم بانعكاسات هذه الشعائر على الفرد الشيعي، حيث تذكر المصادر التاريخيّة مواجهة القوى الحاكمة في عهد الأُمويّين والعبّاسيين ومَن تلاهم، والتفاتهم إلى خطورة ذلك العمل، فعملوا جهدهم في منع تدفّق الزائرين إلى كربلاء.

 ويجدر بنا هنا ذكر شاهد تاريخي، يجمع الشعيرتين معاً ـ نعني شعيرة الزيارة مع شعيرة إنشاد الشعر الرثائي ـ وموقف السلطات الحاكمة منهما، حيث كان قبر الإمام الحسين× يُقصد للزيارة، ولا شكّ أنّ الحضور عند قبر الحسين× يستدعي تذكّر مقتله، ثمّ التأثُّـر والحزن والبكاء، «وقد أخذ قبر الحسين× يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى موضع يقصده بعض الشيعة للسكن والاستقرار فيه، حتى غدا قرية أو ما قاربها، يبرز فيها تجمّع شيعي كبير في مواسم الزيارة وإقامة العزاء، ممّا حدا بالخليفة العبّاسي المتوكّل[93] أن يصدر قراره بهدم القبر»[94].

ويحسن بنا هنا أن نذكر حديثاً عن أئمّة أهل البيت^، فيه تأكيد منهم^ على الحثِّ على زيارة الحسين×، والبكاء عليه، والتأكيد على أهمّية الدمعة، ونجد ذلك واضحاً في حديث معاوية بن وهب، ودعاء الإمام الصادق× لزوّار الحسين× بقوله: «اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلـك عن الشـخوص إلينا، خلافـاً منهم على مَن خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وأرحم تلك الخدود التي تتقلّب على حضرة أبي عبد الله×، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا...»[95].

واستمرّ الأئمّة^ في التشجيع على زيارة قبر الحسين×؛ لما فيها من توعية وشدّ الناس إلى سيّد الشهداء ومبادئه وأهدافه السامية، ذلك أنّ قضية الحسين× تجمع بين الفكر والعاطفة، والتأكيد على أحدهما دون الأخر تقصير في أداء حقّ الحسين×، وتفريغ لمحتوى الثورة الحسينيّة، فزيارة قبر الحسين ومَن استشهد معه في كربلاء من جهة: تثير الألم في النفس، والرقّة في القلب، والدمعة في العين، ومن جهة أخرى: تنبّه الزائر إلى الأسباب والأهداف التي دعت الإمام الحسـين× إلى الثورة، فتبعث فيه اليقظة والوعي والحماس[96].

وبالتالي فإنّ اهتمام أئمّة أهل البيت^ بقضيّة إحياء الشعائر الحسينيّة بمختلف أشكالها ـ سواء كانت بحثّهم وتشجيعهم على قول الشعر الرثائي في الإمام الحسين×، أم من خلال الحثّ على البكاء وفضيلته، أو عن طريق حضور مجالس العزاء الحسيني ـ كانت البدايات أو الجذور الأولى لمؤسّسة المنبر الحسيني. ونعرف أيضاً من خلال ذلك الاهتمام والتأكيد، أهمّية هذا الإحياء وأهدافه، وضرورة تخصيص هذه المؤّسسة (المنبر الحسيني) بمزيد من الرعاية والعناية والتطوير، ما دامت قد حملت وتحمل على مرّ العصور والأزمان مسؤوليّة إصلاح المجتمع، وحماية الدين الإسلامي الأصيل، والأخذ بتعاليمه الحقّه.

المطلب الثاني: الحكمة في التأكيد على إقامة المجالس

يجدر ـ هنا ـ معرفة الحكمة من وراء تأكيد أئمّة أهل البيت^ على الأمور التي سبق ذكرها، ونعني إنشاد الشعر الرثائي والبكاء والنياحة، وإقامة المجالس الحسينيّة، والتي ربّما يجهلها البعض من الناس، أو يحاول التقليل من أهمّيتها. نورد هنا ما قاله السيّد محمّد سعيد الحكيم في ذلك: «وقد يخفى وجه الحكمة من ذلك على فريق من الناس، ويرون أو يقولون: إنّ الهدف السامي لنهضة الإمام الحسين× التي انتهت بفاجعة الطفّ، هو إصلاح المجتمع وتوجيهه نحو المبادئ السامية التي نهض الإمام الحسين× من أجلها، فاللازم الاهتمام بذلك، أمّا هذه الممارسات فهي لا تزيد عن أن تكون تقاليد وعادات لا أهمّية لها في تحقيق الهدف المذكور، ولا تستحقّ هدر هذه الطاقات الهائلة من أجلها، وقد سبق رفـع شعار يقول: (إنَّ الحسين قُتل من أجل العِبرة لا من أجل العَبرة)، كما قد يُقال: إنَّه× قُتل من أجل الإصلاح، لا من أجل البكاء والضجيج والنياح. لكن ملاحظة وضع الناس في تعاملهم مع الأمر الواقع وتعايشهم معه وخفّة وقع الأحداث في أنفسهم بمرور الزمن، تشهد بأنّه لولا إصرار الشيعة على إحياء فاجعة الطفّ، وإبراز الجوانب العاطفيّة فيها، التي تحمل على البكاء وتستدرّ الدمعة، وتثير العجيج والضجيج، لخفَّ وقع الفاجعة بمرور الزمن، ولنسيها الناس، كما نسوا كثيراً من الأحداث المهمّة، نتيجة طول المدّة، وحينئذ لا يتسنّى لنا الاستفادة من الفاجعة في استحصال العِبر، وإصلاح المجتمع، وتنفيره من الظلم والظالمين، وتذكيره بالمبادئ السامية التي نهض الإمام الحسين× من أجلها، وضحّى هو وجميع أهل البيت^ في سبيلها، ولضاعت علينا الثمرات الكثيرة التي لا زال التشـيّع والشيعة تجنيها بإحياء فاجعة الطفّ، والانطلاق منها لإحياء جميع مناسبات أهل البيت^، ولعلّ ذلك هو الوجه في التأكيد المكثّف من قبل الأئمّة^ على إحياء هذه المناسبات، والتذكير بها، والتركيز على الجوانب العاطفيّة فيها، وعلى الصرخة، واستدرار الدمعة، وهم^ الأعرف بالأهداف السامية التي حملت الإمام الحسين× على نهضته المباركة، والإقدام على تلك التضحيات الجسيمة التي تمخّضت عنها، كما أنّهم^ الأعرف أيضاً باستثمارها لصالح الدين وأهله»[97].

يتضح ممّا سبق أنّ الأئمّة^ هم أوّل من دعا إلى إقامة المآتم، بل أكّدوا عليها، من خلال التجمّعات لإنشاد الشعر، والبكاء على الإمام الحسين× وشهداء كربلاء، والتي تطوَّرت بعد ذلك إلى المنبر الحسيني اليوم، هذا الاهتمام والتأكيد الذي بدأت معالمه بشكل واضح بعد أحداث كربلاء، وتحديداً بالإمام زين العابدين علي بن الحسين×، واستمرّ مع بقيّة الأئمّة من ولده.وقد استمرّت رعاية أهل البيت^ لمؤسّسة المأتم الحسيني، يتعهّدونها بالدعم والتوجيهات، ويستقبلون بأنفسهم الشعراء والمنشدين، ويعقدون لهم المجالس الخاصّة؛ لسماع شعـرهم وإنشادهم، وبحضور نسائهم وخـواصّ أصحابهم[98].

ولاحظنا ـ ممّا سبق ذكره ـ في دعاء الإمام الصادق× كيف أنّ هذا الإحياء وهذه الشعائر والممارسات منذ ولادتها قد تعرّضت لأقسى أنواع المقاومة والتشنيع والتهريج، لكنّها ثبتت وفرضت نفسها متحدّية ذلك الواقع، وحقّقت أهدافها على أفضل وجه وأكمله بتسديد الله تعالى ورعايته.

وممّا ينبغي ذكره أيضاً هو اهتمام أئمّة أهل البيت^ وتأكيدهم على ضرورة الحفاظ على قدسيّة هذه الممارسات ونزاهتها، وعدم خروجها عن الضوابط الشرعيّة التي بخلافها تخرج هذه الشعائر والممارسات عن أهدافها السامية التي أكّد عليها أئمّتنا^.وسيأتي الحديث بشيء من التفصيل عن هذه الضوابط، التي تحفظ هيبة تلك الشعائر وقدسيّتها في الفصول القادمة، مع تسليط الضوء على (مؤسّسة المنبر الحسيني) بصفتها الأداة الأولى لإحياء أمر أهل البيت^، والتذكير بمظلوميّتهم، ونشر تعاليمهم التي هي مدار بحثنا هذا.

 المبحث الثالث

 مراحل تطوّر المنبر الحسيني

إذا أردنا أن ننظر نظرة مقارنة بين بدايات المنبر الحسيني، والتي تمثّلت في عهد أئمّة أهل البيت^ باهتمامهم وتأكيدهم على إقامة مجالس العزاء، وحثّهم على إنشاد الشعر في رثاء الإمام الحسين×، وما يصاحب ذلك من إبكاء وانتحاب، وقَارنَّا ذلك مع المجلس الحسيني في الوقت الحاضر؛ لا شـكّ أنّنا سندرك مدى التطوّر الكبير الذي طرأ على المنبر الحسيني وأداء خطبائه.

ولبيان أهمّية هذه المؤسّسة ومعرفة التطوّر الذي طرأ عليها، لا بدّ لنا من متابعة ودراسة مراحل تطوّر هذا المنبر، بصفته الأداة الأولى المعبّرة عن أهداف الطفّ، ومعرفة أدواره المتميّزة التي مرّ بها حتى انتهى في أيّامنا هذه إلى الشكل الذي نراه اليوم.

من خلال المتابعة والبحث في موضوع مراحل تطوّر المنبر الحسيني، وجدنا أنّ كلّ مَن بحث في هذا الموضوع، قد قسَّم أدوار تطوّر المنبر على حسب ما توصَّل إليه من نتيجة بحثه، وذلك بالنحو التالي:

الرأي الأول: ما طرحه الشيخ محمّد مهدي شمس الدين[99].

الرأي الثاني: لمركز دراسات الإمام الحسين في لندن.

ومن الجدير بالذكر أنّ هناك رأياً للخطيب السيّد داخل السيّد الحسن[100]، لكنّه لم يحدّد تأريخاً معيّناً لبداية كلّ دور ونهايته[101].

وفيما يلي ذكر لتلك الأدوار التي مرّ بها المنبر الحسيني بحسب كلّ رأي من هذه الآراء لإتمام الفائدة، وللخروج بصورة أكمل ومعرفة أوسع لمراحل تطوّر المنبر الحسيني.

المطلب الأوّل: أدوار تطوّر المنبر الحسيني ومراحله، حسب رأي الشيخ محمّد مهدي شمس الدين

الدور الأوّل

بدأ هذا الدور من مرحلة ما بعد الثورة ـ أي: ما بعد أوّل سنة إحدى وستّين هجريّة ـ إلى سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 654هـ، أو قبل ذلك بقليل، وقد بدأ المأتم الحسيني في هذا الدور بشكل بسيط ـ كما ذكرنا سابقاً ـ ثمّ تطوّر تطوّراً شكليّاً ونوعيّاً.

أمّا من الناحية الشكليّة فيُقدَّر أنّه غدت للمأتم أوقات ثابتة، فغدا نشاطاً ثقافيّاً مبرمجاً من الناحية الزمنيّة، وهذا البرنامج الزمني يتكوّن من:

أوّلاً: المواعيد المتّصلة بالذكرى الزمنيّة لثورة الحسين، وهي الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم، فبعد أن كان اليوم العاشر في الواقعة هو الموعد الزمني، غدت ـ في فترة متأخّرة في هذا الدور ـ أيّام محرّم الأولى (من اليوم الأوّل إلى اليوم العاشر) هي الموعد الزمني، وهذا يعني أنّ المساحة الزمنيّة لأعمال المأتم ومظاهر الحزن قد اتّسعت عمّا كانت عليه في بداية تأسيس المأتم الحسيني.

ثانياً: الأيّام التي غدت مواسم لزيارة الحسين، وأبرز تلك الأيّام ـ فيما يقدِّر الشيخ محمّد مهدي شمس الدين ـ هو النصف من شعبان ليله ونهاره، يدلّنا على ذلك بعض النصوص الصادرة عن الإمام الباقر محمّد بن علي÷، والتي تحثّ على زيارة الحسين في النصف من شعبان، وما صدر عن الإمام الصادق× في هذا الشأن أكثر[102].

وتلي ليلة النصف من شعبان في الأهمّية من حيث إقامة المأتم الحسيني أيّام أخرى في السنة، حثَّ أئمّة أهل البيت^ على زيارة الحسين× فيها، مثل يوم عرفة وليلة الفطر وغيرها، وهذه الأيّام كانت مواسم كبرى للمأتم الحسيني والرثاء للحسين وآله وصحبه، وتذكُّر وقائع معركة كربلاء.

كما أنّ ثمّة تطوّراً شكليّاً آخر دخل على ممارسة المأتم الحسيني، حيث ظهر رجال ونساء متخصّصون في تلاوة سيرة الحسين×، وآخرون متخصّصون في إنشاء الشعر المقول في رثائه بأسلوب النوح، حيث يُستدعى النائح أو النائحة فينشد الشعر بطريقة خاصّة، فيها مؤثّرات صوتيّة تخدم هدف البكاء الذي هو من أهداف المأتم الحسيني.

وفي هذا الدور أيضاً نجد أنّ المأتم الحسيني قد حقَّق لنفسه تطوّرات نوعيّة في محتواه، وذلك في الأمور التالية[103]:

أولاً:التوسّع في عرض تفاصيل الأحداث ومسبّباتها القديمة السابقة عليها ممّا يتّصل بخلافة رسول الله’، والسياسات التي اتُّبعت في عهد عثمان، والسياسة الأُمويّة بصورة شاملة.

ثانياً:نموّ البُعد الفضائلي للمأتم الحسيني، فقد غدا المأتم يشتمل على ذكر فضائل أئمّة أهل البيت^، وموقفهم البارز في تأريخ الإسلام، ووصايا رسول الله’، ومخالفة بعض الأمّة لهذه الوصايا، ويُضاف إلى ذلك صيغ تكريميّة معيّنة في التعبير عن الإمام الحسين×.

 ثالثاً: تكامل الشعر والنثر، فيُقدَّر أنّ المأتم بدأ حواراً، ثمّ غدا قصّة تُروى، أو قصيدة تُنشد، ثمّ غدا نصّاً مكتوباً (المقتل)، ثمّ بدأت في نهاية هذا الدور تنشأ صيغة يتكامل فيه الشعر والنثر، وغدا المأتم مزيجاً منهما معاً، النثر يحكي قصّة المأساة بروح تاريخيّة، والشعر يلوّن القصّة، ويضفي عليها طابعاً فنّياً مأساويّاً حزيناً، وليس معنى هذا أنّ الخطيب الحسيني الذي نعرفه اليوم كان قد وُجِد في نهاية هذا الدور، وإنّما سلف هذا الخطيب كان قد بدأ يتكوّن في نهاية هذا الدور، يتمثّل بقاصّ يحلّي قصصه بقطع من الشعر، أو مُنشد يعقّب على إنشاده بذكر بعض القصص والفضائل.

رابعا:دخول مصائب سائر أئمّة أهل البيت^ في مضمون المأتم الحسيني، حيث قُتل بالسيف أو السّم ـ بعد واقعة كربلاء ـ الأئمة وبعض العلويّين الثائرين على بني أُميّة أو بني العبّاس، ممّا أدّى انعكاس هذا الواقع على الشعر الرثائي، وبالتالي انعكاسه على المأتم الحسيني.

الدور الثاني

يبدأ هذا الدور ـ بحسب هذا الرأي ـ من سقوط بغداد، وما تلته من قرون التخلّف، حتى عصر النهضة الحديث، وخلال هذا الدور حافظ المأتم الحسيني على العنصر الثابت فيه، وهو المأساة ونقد السلطة.

ومن الجدير بالذكر أنّ نقد السلطة في هـذا الدور كان نقـداً مباشراً صريحاً للأُمويين والعبّاسيين؛ لأنّه لم يعد لهم وجود في الحياة السياسيّة في العراق وإيران، وغيرها من البلاد الإسلاميّة. أمّا بالنسبة للسلطات المعاصرة لهذا الدور فإنّ النقد المباشر لها كان عملاً خطيراً، يعرّض صاحبه لأعظم الأخطار، وربّما الموت. هذا ما يرتبط بالعنصر الثابت في المأتم الحسيني في هذا الدور.

وقد طرأت على المأتم تطوّرات شكليّة ونوعيّة ذات أهمّية بالغة.

 أمّا من حيث التطوّر الشكلي، فقد ظهر في الأمريين التاليين:

أحدهما: لقد غدت المواعيد الزمنيّة للمأتم أكثر ثباتاً وتنظيماً، كما أنّ العناصر البشريّة المتفرّعة للمأتم من نوّاح، ومنشدين، وقصّاص غدت أكثر عدداً، ولكنّ المأتم شهد في هذا الدور اضطهاداً وتضييقاً عليه في كلّ مكان من العالم الإسلامي تقريباً.

والآخر: غدا اللطم في هذا الدور عنصراً أصيلاً في بعض المآتـم الحسينيّة في العراق وإيران، وقد رافق ـ عادة ـ اللطم في المأتم نشوء نوع من الشعر المُرقّع بالفصحى و العاميّة.

أمّا من حيث التطوّر النوعي فقد ظهر في الأمور الآتية:

أوّلاً: لغة المأتم

لقد كانت لغة المأتم لغة موضوعيّة هادئة في بداية الدور الأوّل، ثمّ داخلها التغيير في هذه الجهة في نهاياته إلى لغة عاطفيّة، وكان هدفها في الدور الأوّل تصوير أحداث الثورة، فغدا هدفها في الدور الثاني الإثارة النفسيّة والعاطفيّة لدى روّاد المأتم الحسيني.

ثانياً: الدقّة التاريخيّة الروائيّة

 لقد اتّسع المجال في هذا الدور للزيادة في رواية الأحداث، والتساهل في قبول الروايات، خاصّة فيما يتعلّق بالأفعال التي تؤدّي إلى إثارة عاطفيّة، ومن نماذج ذلك رواية زواج القاسم ابن الإمام الحسن بن أمير المؤمنين^.

ثالثاً: الشعر

لقد كان المأتم يقتصر على الشعر الذي يتّصل اتّصالاً عضويّاً بواقعة كربلاء، كأرجاز المقاتلين وشبهها، ثمّ تطوّر المأتم من هذه الناحية خلال الدور الثاني، فغدا يشتمل على شعر رثائي وفضائلي في إنشاء الشعراء.

 رابعاً: الفضائل

 كان من جملة التطوّرات التي دخلت على المأتم في دوره الأوّل، اشتماله على الفضائل التي وردت عن الرسول’ في شأن أئمّة أهل البيت^، وقد ازدادت هذه السمة الفضائليّة للمأتم وضوحاً في دوره الثاني.

خامساً: الأئمّة الآخرون

ازداد التطوّر الذي تحقّق للمأتم الحسيني في دوره الأوّل، وأصبح أكثر وضوح وتأصيل في هذا الدور الثاني.

الدور الثالث

بدأ هذا الدور منذ أوائل العصر الحديث، ولا يزال المأتم الحسيني يمرّ بهذا الدور حتى وقتنا الحاضر. أمّا عن التغييرات النوعيّة التي دخلت على المأتم في هذا الدور، فقد جعلت المأتم يتجاوز قصّة الواقعة إلى أغراض ومضامين أخرى.

ولتوضيح واقع المنبر الحسيني في هذا الدور بشكل أكبر، لا بدّ من القول أنّ المأتم الحسيني شُهِد فيه تطوّراً شكليّاً ونوعيّاً عظيمي الأهمّية.

أمّا من حيث الشكل، فقد أتاح الأمن والحريّة الذين تمتّعت بهما الطائفة الشيعيّة في أكثر مواطنها، أن تُقيم مأتم الإمام الحسين× علناً في كلّ وقت من العام، دون أن تخشى منعاً من سلطان أو من جمهور، أمّا في المواطن التي لم يتّمتع فيها الشيعة بحرّيتهم المذهبيّة، فقد ظلّت القيود على إقامة المأتم الحسيني مفروضة من قبل سلطات تلك المواطن، التي يقع بعضها داخل العالم العربي، في حين يقع بعضها الآخر خارج العالم العربي.

ومن التطوّرات التي طرأت في هذا الدور ـ نظراً لتكرار مناسبات المأتم الحسيني ـ هو إنشاء أماكن خاصّة بالمأتم تُسمّى بـ«الحسينيّة»، وازداد عدد الرجال المتخصّصين في المنبر الحسيني، ويُدعى أحدهم بالعربيّة (الخطيب) أو (خطيب المنبر الحسيني).

أمّا أبرز التغيّرات النوعيّة هي:

أولاً: حافظ المأتم الحسيني على العنصر الثابت فيه: المأساة ونقد السلطة.

 ثانياً: تخلَّصت لغة المأتم من آثار الدور الثاني، فقد تخلّت عن السجع، وتخلّصت من الركاكة.

ثالثاً: غدا المأتم يشتمل على عرض تأريخي، يحيط ثورة الحسين× بعواملها التاريخيّة في حدود سعة وعمق الثقافة التاريخيّة للخطيب. وهذا الجانب التاريخي من المأتم يبرز من خلال تجاوزات الأُمويين عن مبادىء الإسلام في سياساتهم، من حيث ظلمهم وتسلّطهم وتنكّرهم للأخلاق الإنسانيّة، وظلمهم لأئمّة أهل البيت^ خاصّة، والعلويين بشكل عام، كذلك ظلمهم لشيعة أهل البيت وتنكيلهم بهم.

رابعاً: ازداد الحرص على الدقّة التاريخيّة؛ نتيجة للوعي الذي بثّتهُ بعض المؤسّسات الثقافيّة فيما ينبغي أن يكون عليه المأتم الحسيني.

 خامساً: غدا المأتم في هذا الدور يعالج القضايا الاجتماعيّة والتربويّة، تارة بصورة مباشرة، وأخرى بصورة غير مباشرة.

سادساً: احتلّت الدراسات الإسلاميّة والدعوة إلى الإسلام وردّ شبهات الملحدين حول الإسلام مركزاً مهمّاً جدّاً في المأتم الحسيني.[104]

والمأتم الحسيني في الدور الثالث من أدواره هو الصيغة السائدة للمأتم الآن عند المسلمين الشيعة في أكثر أنحاء العالم، مع وجود تفاوت بسيط في بعض التفاصيل بين محيط وآخر، كما تقتضي ذلك طبيعة الأشياء.

وينبغي لنا معرفة المصادر التي اعتمدها صاحب هذا الرأي في تقسيمه للأدوار التي مرّ بها المأتم الحسيني، والذي لا يمكن فصله بحال عن أدوار المنبر والخطابة الحسينيّة، فنلاحظ أنّه اعتمد نوعين من المصادر:

1 ـ المصدر الأوّل (كتب المقاتل)، وتُعدّ مصدراً أساسيّاً.

2 ـ المصدر الثاني (الشعر الرثائي)، وعَدَّهُ صاحب الرأي مصدراً ثانويّاً.

وقد بيّن الشيخ محمّد مهدي شمس الدين أنّ بحثه هذا عن ثورة الحسين في الوجدان الشعبي له شـرف الريادة، لذلك فهو يعاني من الفقر في المصادر التي تجعله سهلاً يسيراً.

كذلك يقول: «الذي حملنا على اعتبار كتب المقتل مصدراً أساسيّاً لهذا البحث هو ما نعلمهُ من أنّ المؤلّفين الشيعة قد كتبوا كثيراً في مقتل الحسين×، وإذا كان البعض منهم قد كتب في هذا الموضوع استجابة لحافز علمي محض، فإنّنا نقدّر أنّ هذا الفريق من المؤلّفين في هذا الموضوع نادر وقليل، ولا شكّ أنّ أكثر المؤلّفين قد كتبوا استجابة لحافزين متكاملين:

أحدهما: حافز التقوى الدينيّة، والولاء العاطفي لأهل البيت.

وثانيها: تلبية الحاجة الجماهيريّة إلى مادّة مكتوبة، مُبرمجة، لمقتل الحسين، لاستعمالها في التجمّعات، والمجالس التي تُعقد لإحياء المأتم الحسيني»[105].

أمّا بالنسية لما اعتبره مصدراً مساعداً، فإنّه يقول عنه: «وأمّا المصدر المساعد، فهو شعر الرثاء الحسيني، في مختلف العصور الإسلاميّة، حيث إنّه يعكس من بعض الجهات حالة المآتم في عصره، وإن كان يفقد الدقّة النسبيّة في تصوير واقـع المنبر الحسيني؛ لأنّ العامل الشخصي والذاتي فيه يغلب على الجانب الموضوعي، الذي يفترض أنّه سمة الكتابة النثريّة في كتب المقاتل»[106].

المطلب الثاني: أدوار تطوّر المنبر الحسيني ومراحله، حسب رأي مركز دراسات الإمام الحسين×

تنوعت مراحل تطوّر المنبر الحسيني وأدواره إلى سبعة مراحل، نذكرها باختصار[107]:

المرحلة الأولى

هي المرحلة التي رافقت عصر الأئمّة المعصومين^، والتي بدأت باستشهاد الإمام الحسين× في العاشر من محرّم عام 61هـ، وانتهت بانتهاء الغيبة الصغرى للإمام المهديf في عام 329هـ، وهي فترة حياة أئمّة أهل البيت^. وقسّمت هذه المرحلة إلى فترتين:

أ ـ الفترة التأسيسيّة: حيث كان يتولّى أئمّة أهل البيت^ الخطابة، كما سبقت الإشارة إلى أنّ أوّل من مارس الخطابة الحسينيّة من الرجال هو الإمام علي بن الحسين×، ومن النساء السيّدة زينب الكبرى ابنة الإمام علي÷، وكان ذلك بعد واقعة كربلاء وفي أثناء رحلة السبايا في الأمصار التي مرّوا بها.

ب ـ الفترة الانتقاليّة: قام فيها أئمّة أهل البيت^ بخطوة أخرى نحو تطوير الخطابة، وتمثّلت في حثّهم وتشجيعهم للشعراء والمنشدين، والطلب منهم أن يقوموا بدور الخطيب والمنشد الحسيني؛ لتتّسع دائرة الخطابة الحسينيّة وتتحوّل من دائرتهم إلى دائرة أوسع، وتنتشر بين الناس.

المرحلة الثانية

تبـدأ بغيبة الإمـام المهدي  الكبرى في عام 329هـ إلى بداية القرن السـابع الهجري، والتي التزم الموالون لأهل البيت^ القيام بمهمّة إحياء ذكر الإمام الحسين× كما أرادها الأئمّة^، وفي هذه الفترة ظهرت الدول الشيعيّة في بغداد وحلب والقاهرة، حيث شهد فيها المنبر الحسيني تطوّراً كبيراً.

المرحلة الثالثة

تبدأ من أوائل القرن السابع الهجري، وتنتهي في أواخر القرن التاسع الهجري، وذلك حسب الظروف السياسيّة والأمنيّة، فقد سقطت في أواخر القرن السادس الهجري بعض الدول الموالية لأهل البيت^ في بغداد وحلب والقاهرة، لتحلّ محلّها دول تختلف اتجاهاً عنها، فاشتدّ الاضطهاد والتضييق على أتـباع مدرسة أهل البيـت، ولهذا شهـد المنبر الحسيني انحساراً في بعض مناطقه، وتضييقاً في مناطق أخرى، وظلّت الخطابة الحسينيّة بين مدٍّ وجَزْرٍ، وشهدت هذه المرحلة توسّع رقعة الخطابة الحسينيّة، حيث أصبحت تُعقد في بيوت الموالين.

المرحلة الرابعة

تبدأ بأوائل القرن العاشر الهجري أو قبله بقليل، وتنتـهي تقريباً في القرن الثالث عشر الهجري، وهي مرحلة شهدت بروز مجموعة من الخطباء والمؤلّفين، عمدوا إلى وضع بعض المؤلّفات الخاصّة بالمجالس الحسينيّة تُقرأ على المنابر، ممّا أشاع مجالس الوعظ والإرشاد في المنبر الحسيني، وعُرف الخطيب بالمُحدِّث، وتارة بالواعظ، وأخرى بالمُرشد.

المرحلة الخامسة

تبدأ هذه المرحلة من منتصف القرن الثالث عشر الهجري، وتنتهي بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقد برز فيها عدد من الخطباء العظام ممّن كان لهم دور كبير في تطوير الخطابة، حيث أحدثوا نقلة نوعيّة أنقذت المؤسّسة الخطابيّة من الانهيار أمام تطوّر الوسائل الإعلاميّة الحديثة في ظلّ ظروف الاستعمار، وأصبح المنبر الحسيني في هذه المرحلة مدرسة فكريّة تعالج الأفكار المستوردة والمطروحة على الساحة، حيث كان الخطيب يأخذ توجيهاته من المرجعيّة العليا.

المرحلة السادسة

تبدأ هذه المرحلة بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حيث الحقبة الزمنيّة التي بدأ فيها المستعمرون بالجلاء عن الوطن الإسلامي، وبدأ معه عهد الاستقلال الذي آل إلى تمزيق الوطن الإسلامي إلى دويلات صغيرة، عمل فيها المستعمر الأجنبي جهده في غرس الحقد والكراهية بين شعوبها، ممّا حتّم بروز خطباء حسينيين أكفاء يواجهون تحدّيات هذه المرحلة، وكان لهم الفضل الكبير في تطوّر المنبر الحسيني ونموّه.

المرحلة السابعة

هي مرحلة المستقبل، التي يفرضها التطوّر العام في كلّ مرافق الحياة، والتي لا بدّ وأن تلبّي حاجة المجتمعات، من منطلق أنّ هدف المؤسّسة الخطابيّة هو نشر أهداف الإمام الحسين×.

المطلب الثالث: الرأي الراجح في أدوار تطوّر المنبر الحسيني

من خلال الاطّلاع على الدراسات التي كُتبت عن مراحل تطوّر المنبر الحسيني، نجد أنّ هناك مَن يرجّح الرأي الأوّل على الثاني، حيث قال الشيخ فيصل الكاظمي: «إنّ الرأي الأوّل، والذي كان للشيخ محمّد مهدي شمس الدين، يبدو أكثر علميّة؛ لأنّه ذكر المصادر التي اعتمدها في متابعة مسألة تطوّر المنبر الحسيني، وهي كُتُب المقتل والشعر الرثائي»[108].

 والأمر الذي جعل الشيخ محمّد مهدي شمس الدين يعتمد على كتب المقاتل هو كثرة المؤلّفين في مقتل الحسين×؛ تلبية لحاجة الجماهير لمادّة مكتوبة لاستعمالها في المجالس التي تُعقد لإحياء مأتم الحسين×.

وأمّا فيما يتعلّق بالرأي الثاني وعدم رجحانه في دراسة الكاظمي، يقول «فبالرغم من توسّع هذا الرأي في ذكره لمراحل تطوّر المنبر إلى سبع مراحل، وكذلك تأكيده على بروز الدول الشيعيّة وتأثيرها الإيجابي على تطوّر المنبر الحسيني واتّساعه، إلّا أنّه لم يتعرَّض إلى بيان الأسس التي اعتمدها في عمليّة تطوّر المنبر»[109].

 وبعد مراجعة الآراء المتقدّمة في مراحل تطوّر المنبر يتضح أنّ الرأي الراجح في أدوار تطوّر المنبر الحسيني أن يكون كما يلي:

المرحلة الأولى: هي المرحلة التي تمّ الأتفاق عليها ضمن الرأي الأوّل والثاني، والتي كانت بعد واقعة الطفّ، وضمن حياة الأئمّة وتوجيهاتهم لإقامة المجالس الحسينيّة أيّام عاشوراء، وتعتبر هذه المرحلة من المراحل المهمّة التي لا يمكن أن يهملها أيّ باحث في تأريخ المنبر الحسيني بعد واقعة الطفّ.

المرحلة الثانية: تبدأ من سنة 329هـ، وهي مرحلة ظهور الدول الشيعيّة.

المرحلة الثالثة: تبدأ من سقوط بغداد وما تلته من قرون التخلّف، حتى عصر النهضة الحديث.

المرحلة الرابعة: هي المرحلة التي تمّ الاتّفاق عليها ضمن الرأي الأوّل والثاني، فهي المرحلة الأخيرة ضمن تقسيمات الشيخ محمّد مهدي، والسادسة ضمن تقسيمات مركز الدراسات الحسينيّة، وهي المرحلة التي تناولت بداية العصر الحديث، وعودة الوعي إلى الأمّة الإسلاميّة، والتي لا تزال تمتدّ إلى وقتنا الحاضر.

الفصل الثاني

الإصــلاح حقيقته، أنواعه

المبحث الأوّل: مفهوم الإصلاح

المبحث الثاني: الإصلاح الفكري

 المبحث الثالث: الإصلاح الاجتماعي

تمهيد

الإصلاح معنى عظيم شغل اهتمام الكثير من العلماء والمفكّرين، وكَثُر الكلام عنه في العالم أجمع، وصدرت فيه كُتُب ومجلّات، بل وأُنشئت أحزاب وحركات باسم الإصلاح، ولكن في مرحلة التطبيق على الواقع العملي يحتاج إلى إرادة وتصميم وعمل جادّ ومستمرّ؛ حتى يدخل الإصلاح في كلّ المجالات، ويصلح كلّ فرد؛ لأنَّ إصلاح الفـرد يؤدّي إلى صلاح المجتمع، ولأنَّه لو كان هذا الفرد صالحاً ويعـمل على إصلاح أسرته، ثمّ الأسـرة تصلح البيــئة، أو المكان الذي هـم فيه، يؤدّي بالتالي إلى صلاح المجتمع، وهذا هو هدف بعثة الأنبياء^ وهدف نزول القرآن، «وقد برز عنوان (الإصلاح) في السنين الأخيرة ليأخذ موقعه على سطح المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في العالم، بشكل عام، ودول العالم الثالث بشكل خاصّ؛ وذلك لأنّ هذا العالم يعاني كثيراً من الفساد الإداري والمالي، وغياب الحرّيات، وضياع الحقوق الفرديّة والاجتماعيّة، ممّا جعل الحاجة إلى الإصلاح قضيّه أساسيّة وملحّة»[110].

وقبل البحث في أنواع الإصلاح وموارد تحقيقه وبيان ضرورته، يجدر أوّلا ًبيان معنى (الإصلاح) لغةً واصطلاحاً، ومن ثمّ بيان رؤية القرآن الكريم عن الإصلاح والمصلحين، ومعرفة الآيات القرآنيّة التي ركَّزت على الإصلاح بجميع أبعاده ومشتقّاته، وعلى جميـع الأصعدة الفرديّة والجماعيّة، وفي مختلف المجـالات الاجتماعيّة والاقتصـاديّة والسياسـيّة. ومن المعلوم والواضح أن لا وجود لكتاب تحدّث عن الإصلاح كما تحدّث عنه القرآن الكريم؛ لأنّ من وظائف القرآن الهداية والإصلاح.

كما أنّ أئمّة أهل البيت^ ـ حيث إنّهم القرآن الناطق ـ كثيراً ما أكّدوا وبذلوا جهوداً حثيثة في سبيل إصلاح ما فسد من أمور المسلمين بعد رحيل جدّهم المصطفى’، وبالخصوص الهدف الإصلاحي الذي خرج من أجله الإمام الحسين×، وجعله هدفاً وسبباً لنهضته المباركة، وقدّم من أجله نفسه وأهله وأصحابه، وينبغي أن يكون ذلك من أهمّ الدروس التي يجب أن نتعلّمها من نهضة الإمام الحسين×، «إنَّ أهمّ درس يجب أن نتعلّمه من نهضة الإمام الحسين× هو الاستعداد لتقديم كلّ غال ونفيس من أجل الإصلاح في الأمّة، فـالإصلاح لا يمكن تحقيقه بالأماني والأحـلام، وإنّما يحتاج إلى إرادة وعزيمة، وعمل دائم، ونشاط مستمرّ، واستعداد للتضحية بمختلف أشكالها؛ من أجل الوصول إلى الإصلاح الشامل في الأمّة»[111].

كما تبرز أهمّية معرفة أنواع الإصلاح ومجالاته المهمّة؛ لأجل بناء مجتمع صالح متقدّم بحسب ما أراد الله تعالى وأهل البيت^.

كما من المهم والضروري الجواب عن كيفية تحقّق الإصلاح، فيأتي الجواب: إنّما يتحقّق من خلال الشعار والهدف الذي صرّح به الإمام الحسين× عند خروجه، حيث قال: «وإنّي لم أخرج أَشِرَاً ولا بَطِرَاً ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي’، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين»[112]، فمن خـلال ممارسة واجـب الأمر بالمعروف والنهي عـن المنكـر يتحقّق الإصلاح المنشود. «وفي موارد عديدة نرى أنّ القرآن يذكّرنا بمصائر عدد من المجتمعات التي انقرضت وتلاشت وهلكت؛ بسبب عدم توافر قوّة الإصلاح فيها، وافتقارها إلى قوّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[113]. وهذا ما نراه أيضاً.

كما أنّه لضرورة وأهمّية الإصلاح الفكري والعقدي ـ الذي نعتقد أنّه أساس كلّ انحراف وفساد ـ ينبغي لنا معرفة ودراسة الانحرافات الفكريّة التي تهدّد وحدة وكيان المجتمع.

كما من الضروري تسليط الضوء على ضرورة الاهتمام بالإصلاح الاجتماعي والأخلاقي، وبيان خطورة إهمال وترك الإصلاح الذي يؤدّي إلى هلاك النفس والأخرين، ففي الزمن الذي ينتشر فيه الفساد والانحراف من كلّ حدب وصوب، يلزم على الإنسان المسلم عدم الاكتفاء بالتفرّج، وينبغي عليه التحرّك من مكانه طلباً للإصلاح وتغيير المنكرات، ولكن وفق الضوابط التي يدعو إليها دين الإسلام، مع مراعاة الحيطة والحذر في تمييز الإصلاح الحقيقي عن الإفساد الذي يُعنون بالإصلاح، «وفي هذا العصر حيث كَثُرَ الحديث عن الإصلاح بمختلف أشكاله وأقسامه، يحتاج الإنسان إلى استخدام قدراته العقليّة بذكاء؛ من أجل التمييز بين الإصلاح الحقيقي، الذي من أجله ثار الإمام الحسين× ضدّ الواقع الفاسد، والإفساد الذي يُعنون بالإصلاح، وقد أشار الله إلى مثل هؤلاء بقوله عزّ مَن قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)[114]، فالمفسدون في الأرض من أجل نشر أهدافهم الخبيثة يرفعون شعار الإصلاح، ويعتبرون أنفسهم من المصلحين، وما هم في الحقيقة إلّا من عتاة المفسدين»[115].

وسنركز في المبحث الثاني من هذا الفصل على الإصلاح الفكري والديني. أمّا في المبحث الثالث فسنبحث في الإصلاح الاجتماعي؛ لأنّه في الحقيقة عندما نتحدّث في الإصلاح الفكري والديني نراه لا ينفصل عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي على المستوى النظري، لكن عمليّاً يمكن الفصل بينهم.

إنَّ الفائدة التي نروم تحقيقها من الحديث عن الإصلاح وأهمّيته في المجالات المذكورة، هي تبيان علوّ وسموّ الهدف الذي أراده الإمام الحسين× من نهضته المقدّسة، وبالتالي بيان أهمّية الدعوة لهذا الهدف (الإصلاح) من خلال المنبر الحسيني؛ باعتباره اللسان الناطق عن النهضة الحسينيّة، ولا يقتصر الأمر على مسألة الدعوة للإصلاح، وإنّما يتعدَّى ذلك إلى الأثر الفعلي في التغيير من خلال ممارسة دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبأساليب الإقناع التي هي روح الخطابة الحسينيّة.

المبحث الأوّل

مفهوم الإصلاح

الإصلاح (لغةً): نقيض الإفساد، والمصلحة: الصلاح، والمصلحة واحدة المصالح، والاستصلاح نقيض الاستفساد، وأَصْـلَح الشيءَ بَعْد فَسَاده: أقامه، وأَصْلَحَ الدابَّة: أحسن إليها فصلُحت [116].

قال الراغب الإصفهاني: «والصلاح ضدّ الفساد، وهما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال. قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[117]. وإصلاح الله تعالى للإنسان يكون تارة بخلقه إيّاه صالحاً، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح، قال تعالى: (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)[118]، وقوله تبارك وتعالى: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)[119]. والمُفسِد يضادّ الله في فعله، فإنّه يُفسد، والله تعالى يتحرّى في جميع أفعاله الصلاح، إذاً لا يُصلح عملهُ. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)[120]»[121].

الإصلاح (اصطلاحاً): «الإصلاح في التعريف المعاصر هو الرجوع إلى الإسلام، ويصحب ذلك منهج كامل متكامل، يشمل الأفراد والمجتمعات، يصلح العقيدة والفكر والثقافة، ويصلح السلوك والعبادة، فهو إصلاح اجتماعي واقتصادي وسياسي، وهو إصلاح دعوي تربوي تنظيمي شامل متكامل»[122].

وقد كثر ذكر الإصلاح والمصلحين في القرآن الكريم في مقابل ذمّ الإفساد والمفسدين، فإنّ «نظرة في التراث الإسلامي، وبالخصوص في القرآن الكريم، تظهر لنا بوضوح أنّ الإصلاح ـ شكلاً ومضموناً ـ قد جاء فيه، وبتجلّيات واسعة من المعالجات الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وقد ورد (الإصلاح) واشتقاقاته المختلفة في مئة وسبعين مورداً من القرآن الكريم»[123].

المطلب الأوّل: مفهوم الإصلاح في القرآن الكريم

القرآن الكريم هو دستور الإسلام ونهجهُ القويم، وهو يحفل بالعديد من الآيات التي تعرّضت إلى موضوعات الإصلاح ومكافحة الفساد، ومعالجتها بعرض الأسباب والنتائج، وبحث الوسائل مع توسّع في المطالب، أكثر ممّا تعرَّضت لهُ المعالجات الحديثة التي تتمركز غالباً حول الفساد المالي، فالفساد الذي عالجهُ القرآن فساد ثقافي، وأخلاقي، وسياسي، واقتصادي، بل كلّ فساد في سائر المجالات الاجتماعيّة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ بحث ودراسة الرؤية القرآنيّة في الإصلاح، لهُ أكثر من فائدة وداعٍ، فهو إضافة إلى الجانب الاستشرافي الكامل الذي تمتلكهُ هذهِ الرؤية؛ بسبب مصدرها الإلهي، وإحاطتها بالموضوع من جوانب قد لا يصلها العقل البشري، فإنّ ذلك يوفّر للمسلم حصانة ومتانة كبيرة في الموقف من الفساد والتمسّك بنهج الإصلاح؛ لأنّه بنظر المسلم ليس أمراً شكليّاً، أو مسألة ثانويّة، أو رؤية اجتماعيّة، أو معالجة قانونيّة بشريّة، بل هي مسألة مبدئيّة تمسّ أصل اعتقاده وسلامة دينه؛ لأنَّ الفساد لا يقابِل الإصلاح فحسب، بل يقابِل الإيمان والتقوى، ويصطفّ إلى جانب الفجور والعصيان، كما قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)[124][125].

وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تعرَّضت لمفهوم الإصلاح، نذكر على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ بعض الآيات:

 1 ـ جاء الإصلاح في بعض الآيات كشرط للتوبة، قال تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[126].«فإنّ تقييد قولهُ (تاب) بقوله (وأصلح)؛ للدلالة على تحقيق التوبة بحقيقتها»[127].

وقال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[128].فالذين تابوا منهم واتّبعوا الحقّ وأظهروه، وأصلحوا ما فسد من عقائدهم وأعمالهم، وبيّنوا للناس ما أنزلهُ الله من الهدى؛ فأولئك يتوب عليهم[129].

2 ـ في آيات أخرى يذكر القرآن الكريم ثماراً عديدة للإصلاح، سواء على المستوى الفردي أم غير الفردي، هذهِ الثمار التي يمنّ بها علّام الغيوب على عبده المصلح، نذكر منها: [130]

أ ـ المصلح لا يحزن ولا يُخاف عليه، يقول تعالى: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[131].

 ب ـ أجر المصلح على الله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[132].

 ج ـ الإصلاح يمنع العذاب: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[133].

د . ينصّ القرآن الكريم في آيات أخرى على أنّ الإصلاح هو هدف أساسي من أهداف الأنبياء^. ولهذا فإنَّ أكثر معاناة الأنبياء والأوصياء والأئمّة^ إنّما كانت بسبب مشاريعهم الإصلاحيّة وعملهم الإصلاحي، حيث يذكر القرآن الكريم أمثلة كثيرة للمجتمعات التي استسلمت للبؤس والذلّ والهوان، فيبعث الله تعالى لهم الأنبياء (القادة) لإنقاذهم وإحيائهم، حيث لا يبالي هـؤلاء الأنبياء بعـدد مَن يجيبونهم؛ لإيمانهم بأعظـم قاعـدة إنسانيّة تقـول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)[134]. لذلك نرى المصلحين (أنبياء أو قادة) لا يهمّهم كثرة العدد من المفسدين، بل يفكّرون بكيفيّة تنفيذ وإنجاح الفكرة الصالحة التي يؤمنون بها[135].

وفي مقام آخر يتحدّث القرآن الكريم عن الفساد الذي كان منتشراً بين قوم شعيب، حيث نهاهم نبيّهم عن الفساد: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[136]، أي: لا تضطربوا بالقبيح. ثمّ بيّن النبي هدفهُ، فقال لهم: لست أريد بما آمركم به وأنهاكم عنهُ إلّا إصلاح حالكم ما قدرت عليه، فرسالتهُ رسالة إصلاحيّة[137]. (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)[138]، حيث يشـير النبي شـعيب× إلى أنّ الذي ألقـاه إليهم هو من الأمـور التي فيها صـلاح مجتمعهم، وسعادة أنفسهم في الدنيا والأخرة، وأمارة ذلك أنّهُ لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، بل هو مثلهم في العمل، وإنّما يريد الإصلاح ما أستطاع، ولا يريد منهم أجراً[139].

والإصلاح يعني تصحيح الأفكار، وبيان الحقائق للناس، وذلك عن طريق إزالة الحُجُب والعوائق، عن طريق هدايتهم وإرشادهم وإصلاحهم[140]. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[141]، فالمقياس هو الأعمال الصالحة الناتجة عن الإيمان بلا قيد أو شرط، من حيث السنّ والجنس أو المكانة الاجتماعيّة، والحياة الطيّبة في هذه الدنيا هي النتاج الطبيعي للعمل الصالح النابع من الإيمان، حيث إنّ المجتمع البـشري سيعيش حياة هادئة مطمئنّة ملؤها المحـبّة والتعاون، وستتحقّق فيه جميع المفاهيم الإنسانية، وسيكون في أمان من الآلام الناتجة عن الاستكبار والظلم والطغيان[142].

والنتيجة التي يمكن أن نستفيدها من هذا البيان الموجز لقضيّة الإصلاح في القرآن الكريم هي: إنّ الكتاب العزيز قد أولى اهتماماً خاصّاً بقضيّة الإصلاح، وذكر موارد عديدة للإصلاح الذي جعلهُ هدفاً للأنبياء^، وذكر لنا بعض التجارب الإصلاحيّة التي قادها الأنبياء^ في التأريخ.

المطلب الثاني: العلاقة بين الصلاح والإصلاح

هناك علاقة وثيـقة بين الصلاح والإصلاح، فالصلاح هو بدايـة طبيـعيّة ومنطقيّة للإصلاح، والإنسان إذا أراد أن يكون مصلحاً عليه أن يكون صالحاً في فكره ومبادئه وقيمه، قادراً على تشخيص مواطن الخلل والفساد، لذلك فإنّ الحاجة إلى الإصلاح تظهر من خلال الإنسان نفسه؛ لأنّ الإنسان هو مَن يُلاحظ التغيّرات التي تطرأ على البيئة الاجتماعيّة المحيطة به، وهو مَن يسعى إلى الإصلاح. وتأتي أهمّية الإصلاح، من أنّهُ يدخل في جميع نواحي الحياة، إذ لا صلاح للأسرة إلّا بصلاح أفرادها، ولا صلاح للأمّة إلّا بصلاح أسرها، ولا ارتقاء للدولة إلّا بارتقاء شعبها[143].

وعندما نقرأ كتاب الله العزيز نجد أنَّ مفهوم الصلاح والعمل الصالح من المفاهيم المحوريّة في القرآن الكريم التي تستحقّ التأمل، فنرى أنَّ الإيمان مقترن بالعمل، بل إنّهُ مقترن بالعمل الصالح على وجه التحديد، فالإنسان المؤمن هو الذي يكون ممتثلاً لأوامر الله تعالى بعد أن آمن بهِ، ومتجنّباً جميع نواهيه، وإيمانه هذا هو الذي جعلهُ صالحاً في قوله وفعله وفكره وعقيدته، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)[144]. «فإنّ سلطة الإيمان وقوّة التـقوى أقـوى من أيّ رادع آخر للفسـاد؛ لأنّهُ معصية لله تعالى، واتّباع للهوى وللشـيطان، ولذلك كان المؤمـن ـ بحقّ ـ أقلّ الناس مخالفة للقانون، وأكثرهم إلتزاماً بالحقّ واتّصافاً بالإصلاح، وكان غيرهُ من أتباع الهوى ومنهم المنافقون المتظاهرون بالدين، أكثر الناس عرضة للانحراف؛ لأنّ المصلحة الشخصيّة عندهم هي الأساس، والمنفعة واللذّة هي الهدف، والمانع من الفساد هو القوّة والقانون»[145].

ولا يمكن أن نتصوَّر إصلاحاً بدون صلاح النفس أوّلاً(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[146].«إذن محور الإصلاح، كما يراه الإسلام، وكما يعرضهُ القرآن، يبدأ بالتربية وإصلاح الذات من الإنسان، فأهلهُ وذرّيته، ثمّ المجتمع، الأقرب فالأقرب، والأولى فالأولى، فلا يتناسى الإنسان المُصلِح نفسه، ويكون من الذين ذمّهم الله تعالى بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[147]»[148].

ومن المعلوم أنَّ إصلاح النفس يقتضي جهاداً شديداً؛ لكي يحفظها عن الانجراف مع التيّارات المنحرفة، وربّما يتحمّل في سبيل ذلك نفور البعض منهُ والإعراض عنهُ، ولكنّهُ في نهاية الأمر يكون مؤهّلاً للقيام بعمليّة الإصلاح، وفي هذا الصدد يقول الإمام علي بن أبي طالب×: «من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم»[149].

ولكن هناك مسألة جدّاً مهمّة وعلى المؤمنين الصالحين الالتفات إليها، وهي أنّ صلاحهم وأعمالهم بدون أن يكونوا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، سوف لن تُؤدّي بهم إلى الفلاح في أعمالهم، لذلك علينا أن نتعمّق في فهم وأدراك هذا المبدأ، والذي يبدو مهمّاً وعظيماً، ويستحقّ أن يستشهد في سبيله الإمام الحسين×، ومن الجدير بالإنسان السير وِفق هذا المنهج الحسيني العظيم.

المطلب الثالث: موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من الواجبات العظيمة التي أكّدت عليها الشريعة الإسلاميّة، والتي لها الدور البارز والكبير في الحفاظ على المجتمع الإسلامي قويّاً وصالحاً، هو واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو المقوّم الأساسي للإصلاح، وبه صارت الأمّة خير أمّة أُخرِجت للناس، لقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[150].

«وقد جُعل الإيمان بالله الخصّيصة الثالثة للأمّة الإسلاميّة بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تأكيداً على أنّ المعنى الحقيقي للإيمان ليس هو العقيدة المحنّطة في القلب، بل الشعلة التي تتـّقد وتشعّ بضوئها على الأخرين»[151] من خلال ممارسة هذا الواجب وأدائه، والذي يتحقّق من خلاله الحفاظ على قوّة وصلاح الأمّة.

«إنَّ الأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر، هوالمبدأ الوحيد الذي يضمن بقاء الإسـلام، وبعبارة أخرى: هو (العلّة المُبقية) كما يصطلح عليه الفقهاء، بل يمكن القول بأنّهُ لا وجود للإسلام دون هذا المبدأ»[152].

وكثيراً ما أكّـد القرآن الكريم على أهمّـية هـذهِ الفريضة، ووصـف العاملين بها بالفـلاح،(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[153].

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس واجباً شرعيّاً فحسب، بل هو ـ أيضاً ـ ضرورة اجتماعيّة ومسؤوليّة إنسانيّة، تقع على عاتق كلّ فرد من أفراد المجتمع المسلم، وفي كلّ مجالات الحياة، «فلا يُستثنى من هذهِ المهمّة ذكر أو أنثى، ولا يعلو عن الأمر والنهي وليٌّ أو مولى، فكلٌّ يمارس دوره صاعداً أو نازلاً، وهذا يعني أنّ المجتمع سيمارس حرّية النقد في كلّ المستويات، وهذهِ الحرّية لها دور كبير في تقدّم المجتمع وارتقائه، والحدّ من ظواهر الفساد والانحراف»[154].

وهذهِ المسؤوليّة الخطيرة ممكن أن تمارس بواسطة المؤسّسات الشعبيّة الرقابيّة، كالبرلمان والمجالس المحلّية..الخ، وكذلك بواسطة منظّمات المجتمع المدني والصحافة، ووسائل الإعلام، وقبل كلّ ذلك لا بدّ أن ينهض بها العلماء والمثقّفون، ممّن يستطيعون تشخيص موارد الخطأ والانحراف، ويعرفون سُبل التصحيح والإصلاح[155].

وإذا تهاون الناس بهذا الواجب العظيم، وصار كلّ منهم يتّكلُ على غيره، ولم يقم بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح والإرشاد، سيؤدّي ذلك حتماً إلى التهاون بهذه الفريضة والواجب من قبل الجميع، وعدم الاهتمام بما يصيب المسلمين، وسيؤدّي ذلك التقصير منهم إلى خروج زمام الأمر من أيدي الناس المصلحين، وأيضاً إفساح المجال للمفسدين، ليعيثوا في الأرض فساداً، ويؤدّي ذلك إلى فساد المجتمع وانهياره، وهذه الحقيقة نبَّهَ عليها رسول الله’ بقوله: «إذا أمّتي تواكلت الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاعٍ من الله تعالى»[156].

بعد بيان أهمّية هذا الواجب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وعرفنا أنّه جوهر الإصلاح وأساس لتحقيقه، ينبغي لنا أن نعرف أوّلاً ما هو المعروف الذي علينا أن نأمر به أنفسنا والآخرين، وما هو المنكر الذي ننهى عنه أنفسنا وننهى عنه الآخرين. «لمّا كان الإسلام لم يرد لموضوع مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن ينحصر ويتحدّد بموضوعات مثل العبادات، المعاملات، والأخلاقيّات، والعلاقات العائليّة وغير ذلك؛ فإنّه استخدم مصطلحاً عامّاً شاملاً هو (المعروف)، أي: كلّ عمل تشتمّ منه رائحة الخير والإحسان، فالأمر بالمعروف ضروري، وفي مقابل ذلك: النهي عن المنكر، فلم يقل الشرك، أو الفسوق، أو الغيبة، أو النميمة، أو الكذب، أو التفرقة، أو الربا، أو الرياء، بل لخّص ذلك في كلمة (المنكر)، أي: كلّ ما هو قبيح ودنيء وحقير»[157].

المطلب الرابع: الآثار المترتّبة على الأمّة بترك الإصلاح

الكلّ يعلم منهج القرآن الكريم ولغته في مخاطبة بني البشر، فتراها واحدة عندما يتوعَّد المعتدين والعاصين بالعذاب، فقد ذكر القرآن الكريم، وكذلك روايات أئمّة أهل البيت^ عقوبات كثيرة تنزل فيمَن يترك ويستهين بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يُعدّ وسيلة وجوهر الإصلاح، نذكر منها:

1 ـ العذاب العام الشامل لكلّ أفراد الأمّة:

 يُستفاد ذلك من الآية الكريمة: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[158]، فالآية تُحذّر الآية جميع المؤمنين عن فتنة تختصّ بالظالمين منهم، ولا يتعدّاهم إلى غيرهم من الكفّار والمشركين، واختصاصها بالظالمين من المؤمنين، وأمر عامّتهم مع ذلك باتّقائها يدلّ على أنّها وإن كانت قائمة ببعض الجماعة لكن السيئ من أثرها يعمّ الجميع، لذلك يجب على الجميع أن يبادروا إلى قطع دابرها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لقطع الاختلافات الداخليّة التي تهدّد وحدتهم، وتسبّب تحزّبهم؛ ليكون الملك عندئذ لِمَنْ غَلَبَ منهم، وهذه الغلبة هي لكلمة الفساد لا للدين الحنيف الذي يشترك فيه عامّة المسلمين، فتكون الفتنة قد أصابتهم بذلك[159].

2 ـ الذلّة والهوان والفقر:

إنَّ الإصلاح أمر من الله، وتضييع أمر الله يكون موجباً للانتقام الإلهي، فقد رُوي عن النبي’ أنّه قال: «لا تزال أمّتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء»[160].

3 ـ عدم استجابة الدعاء:

إنَّ ترك الإصلاح من موجبات عدم استجابة الدعاء، وقد رُوي عن أبي الحسن الرضا× أنّه قال: «لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر، أو ليستعملنَّ عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم»[161]، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمّام الأمان، وفي حال تفشّي المنكرات هلك الناس، ولا يُستجاب لهم دعاء، ويحرمهم الله تعالى البركة والخير والنجاح في الدنيا والآخرة.

المبحث الثاني

الإصلاح الفكري

 ذكرنا فيما سبق ـ ونحن نتحدَّث عن الإمام الحسين× ـ أنّ الهدف الأوّل والأهمّ من بين الأهـداف التي ثار من أجلها سيّد الشهداء×، هو(الإصلاح الشامل للأمّة)، والهدف الآخر الذي ما فتيء الإمام الحسين× يُذكّر به أعداءه، هو إعلاء مبدأ (الحرّية)؛ باعتبارها الوسيلة المهمّة لتحقيق إنسانيّة الإنسان، وبها يستطيع التعبير عن آرائه وأفكاره ووجوده.

لقد كان الإمام الحسين× كثيراً ما يرَكِّز على أهمّية التحرّر من الذلّ والقهر، إذ يقول×: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»[162].

ويقول لأعدائه مطالباً إيّاهم بالتمسّك بالحرّية: «إنْ لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم»[163].

لكنّ الحرّية التي أرادها الإمام الحسين× لكلّ فرد مسلم، والتي يستطيع من خلالها التعبير عن آرائه وأفكاره، هذه الحرية لا بدّ أن تخضع إلى أسس سليمة، منبثقة من الإسلام المحمّدي الأصيل، كما أنّ آراء وأفكار الفرد المسلم إذا تعرّضت للفساد والإفساد، وكانت بحاجة إلى إصلاح فكري، لا بدّ أن يكون هذا الإصلاح نابعاً ومنسجماً مع ما تحتاجه الأمّة الإسلاميّة، «أمّا الإصلاح المنطلق من رؤية الغرب لنا، فإنّه وإن رفع شعارات بَرَّاقة وجميلة، إلّا أنّه في المحصّلة النهائيّة يريد الوصول لأهدافه الخاصّة به، التي قد لا يناسب بعضها ثقافتنا وحضارتنا الإسلاميّة. وهنا يجب التأكيد على حقيقة هامّة، وهي يجب علينا أن نبدأ عمليّة الإصلاح الشامل لمجتمعنا قبل أن يفرضه علينا الغرب برؤيته وفلسفته، في ظلّ عولمة يُراد فرضها على الجميع»[164].

والحرّية الفكريّة في المفهوم الإسلامي تختلف عن معناها في الحضارة الغربيّة التي تعني: السماح لأيّ فرد أن يفكّر ويعلن أفكارهُ، ويدعو إليها كما يشاء، على أن لا يمسّ فكرة الحرّية والأسس التي ترتكز عليها بالذات، أمّا الإسلام: فهو يسمح للفكر الإنساني أن ينطلق ويعلن عن نفسه، ما لم يتمرّد على قاعدته الفكريّة، التي هي الأساس الحقيقي لتوفير الحرّية للإنسان في نظر الإسلام، ومنحه الشخصيّة الحرّة الكريمة التي لا تـذوب أمام الشهوات، ولا تركع بين يدي الأصنام[165].

وبما أنّ هدف الرسالات الإلهيّة هو إصلاح الإنسان وتربيته بصفته المخلوق، الذي شملته العناية الإلهيّة والتكريم منذ أن خلقه الله تعالى، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[166].

فليس غريباً أن يبدأ الإصلاح بخصوص الإنسان كفرد؛ لأنّ الفرد هو أساس المجتمع، وتأتي هنا ضرورة الاهتمام بأفكار الفرد؛ لأنّ أفكار الفرد تعتبر بداية للسلوك، فمن البديهي أنّ الشخص الذي لديه اتجاهات إيجابيّة وصحيحة، وتربّى تربية صحيحة، إذا توافرت لديه الظروف المناسبة، فإنّه ـ بالتأكيد ـ سيسلك الطريق الصحيح، والعكس صحيح.

ومن هنا تبرز أهمّية إصلاح وتغيير الأفكار والآراء؛ لأنّه يزداد معه احتمال تغيير السلوك، كما أنّ صحّة الفكر وسلامته وثباته على الحقّ من أهمّ الأمور التي تؤدّي إلى استقرار المجتمع المسلم، والانحراف الفكري هو أخطر انحراف يقع فيه.

المطلب الأوّل: الانحراف الفكري وآثاره الخطيرة

إذا أردنا تعريف مصطلح الانحراف الفكري، نجد أنّ له في وقتنا الحاضر مرادفات عديدة وكثيرة، منها: التطرّف والتـشدّد والتجمّد والإرهاب. ولهذا الانحراف جوانب عديدة، فهناك انحراف فكري ديني، وهناك انحراف فكري سياسي، وانحراف فكري أخلاقي وغيرها، ومع كلّ هذا التنوّع فإنّ مظاهره واضحة، وآثاره كذلك، وما دام مصطلح الانحراف الفكري بهذه السعة، سنقتصر ونركّز في هذا المبحث على الانحراف الخلقي السلوكي، والذي يكون الغزو الثقافي من أقوى عوامله وأسبابه، ونركّز كذلك على إصلاح الفكر الديني.

هناك مَن يعرّف الانحراف الفكري بإنّه «ميل الفكر ومخالفته لأعراف المجتمع ومعتقداته، وما يؤمن به من قيم وأخلاق، وما تسود فيه من ثقافة، وما تحكمه من أنظمة وقوانين، وانحرافه عن الوسطيّة والاعتدال باتّجاه التطرّف، سواء في التشدّد أو التفريط»[167].

إذن هو ذلك الفكر الذي لا يلتزم بالقواعد الدينيّة والأعراف والنُظُم الإجتماعيّة، أي: هو ذلك الفكر الشاذّ الذي يحيد بالمجتمع عن تقاليده الحميدة، ويخالف تعاليم الإسلام، فالفكر المنحرف يستهدف قيم وأخلاق وروح المجتمع في الصميم، وله تأثير مدمّر إن تمكّن من بلوغ أهدافه. ويتّصف مفهوم الانحراف الفكري بأنّه مفهوم نسبي متغيّر، فما يُعدّ انحرافاً فكريّاً في مجتمع ما، لا يُعدُّ كذلك في مجتمع آخر. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعايير الدينيّة والاجتماعيّة، هو ذلك الفكر الذي لا يلتزم بالقواعد الدينيّة والأعراف والنظم الاجتماعيّة.

وللانحراف الفكري آثار ومخاطر عظيمة، نذكر منها بصورة موجزة[168]:

1 ـ إثارة الفتنة: فإذا انحرف الفكر، وخالف عقيدة المجتمع، وناقض ثوابت الأمّة؛ فقد وقع البلاء، وعمّت الفوضى والفساد، فالفكر المنحرف يستهدف إثارة الجدل والفتن، بما يطرحه من مسائل خلافيّة جدليّة لم يستقرّ عليها رأي، وكلّ ذلك ينعكس على استقرار المجتمع وأمنه.

2 ـ التضليل والتغرير بالناشئة: فمن مخاطر الانحراف الفكري استهداف شريحة حيويّة ومهمّة في المجتمع، وهي فئة الشباب، واستغلال طاقتهم ونشاطهم في تحقيق أهداف أصحاب الانحراف، وبطرق مدروسة ومخطّط لها، وقد وُظّفت وسائل الإعلام من فضائيّات وشبكات الانترنت لتحقيق هذا الهدف، ونلمس ذلك الخطر من «شيوع الرذيلة وسهولة ارتكابها، حتى أصبحت أمراً عاديّاً في بعض المجتمعات الإسلاميّة، ونرى ذلك واضحاً في تمرّد الجيل الصاعد شباباً وشابّات على التقاليد والأعراف، والفقهيّات والأخلاقيّات الأسريّة والاجتماعيّة»[169].

3 ـ سيادة العنف والتشدّد: إنَّ الفكر السليم يشكِّل ركيزة مهمّة في الحفاظ على الأمـن وتحقّقه، فبسلامة الفكر يستقيم السلوك وتُحفظ الدماء والأموال، وتُصان الأعراض، فيتحقّق الأمن بجوانبه كافّة، وإذا فُقد ذلك أصبح العنف والتشدّد والصراع كلّها عنوان لتدمير المجتمع، وضرر الانحراف الفكري يبدأ بصاحبه، ثمّ يلحق المحيطين به من أسرته، ثمّ يصيب مجتمعه وبلده.

4 ـ شيوع الجريمة: تزداد خطورة الانحراف الفكري، إذا تُرجِم ذلك الانحراف إلى أفعال يقوم بها الفرد، أو إلى سلوك ينتهجه، متمثّل في الظلم، والاعتداء، والإفساد، والجريمة، ويبثّ روح الكراهية بين مُختلَف طبقات المجتمع.

5 ـ التعصّب وتكفير الآخرين: إنَّ التعصّب والإفراط في ذلك يؤدّي إلى آثار سلبيّة كبيرة، ومنها تكفير الذين يخالفون العقيدة والرأي، و «لا يكاد يخلو زمـن من أزمنة تأريخ الأمّة من وجود اتّجاهات تعصبيّة منذ أن ظهرت فتنة الخوارج سنة 37هـ، لكن وجود هذه الاتجاهات كان في الغالب محدود الانتشار والتأثير، أمّا في هـذا العصر فقد أصبح تيّاراً واسع الانتشار عظيم التأثير، بشكل لم يسبق لهُ مثيل في التأريخ، ممّا جعلها من أكبر التحدّيات في واقع الأمّة»[170].

المطلب الثاني: الغزو الفكري أهمّ أسباب الانحراف

يتربَّصُ بالأمّة الإسلاميّة أعداء كثيرون من اليهود والنصارى والملحدين، يحاولون وبشتّى الطرق إضعاف كيانها ومسخ هويّتها الإسلاميّة، ومن أقوى وأبرز وسائلهم هو بثّهم السموم والأفكار المنحرفة، التي تجرّ الفرد المسلم نحو الرذيلة والانحلال والفساد والضياع، وهذا ما يُسمّى بالغزو الفكري والثقافي.

ويتحقّق هذا الغزو عن طريق العديد من الوسائل التي وُجِدت في عصرنا هذا؛ بسبب التقدّم والتطوّر التكنلوجي والمعلوماتي كالتلفزيون والإنترنت والكومبيوتر والكُتُب والمجلّات. ويمكن القول أنّ المراد من الغزو الثقافي هو «العمل الثقافي والفكري من قبل بعض المنظومات الثقافيّة والفكريّة المغايرة، من أجل مسخ هويّتنا واستلابها، تمهيداً لإبدالها بالثقافة الغازية»[171].

وهنا تبرز خطورة الأمر، حيث إنّ استقلال كلّ مجتمع إنّما يظهر من استقلاله الثقافي، وهذا ما قالهُ السيّد الخميني[172] لمسلمي العالم: «نحن لا نخشى الحصار الاقتصادي، ولا نخشى التدخّل العسكري، بل إنَّ ما نخشاهُ هو التبعيّة الثقافيّة، فإنَّ استقلال ووجود كلّ مجتمع إنّما ينشأ من استقلاله الثقافي. ومن السذاجة أن يظنّ أحد أنّهُ يمكن مع التبعيّة الثقافيّة تحقيق الاستقلال الاقتصادي في جميع أبعاده، أو ـ على الأقلّ ـ في بعد واحد منها»[173].

ونلاحظ أنَّ مصطلح الغزو الثقافي يُعرَف أيضاً بإسم الغزو الفكري، ويشير هـذا المصطلح «إلى كافّة الجهود والممارسات التي تبذلها أمّة ما بحقّ أمّة أخرى؛ بغية الاستيلاء والسيطرة عليها بطريقة غير حربيّة أو عسكريّة، ويُعدّ الغزو الفكري أكثر خطورة من الغزو العسكري؛ نظراً لانتهاجه بكلّ سريّة وغموض في بداية أمره»[174].

والغزو الثقافي والفكري الحديث من أخطر أشكال الغزو؛ ذلك لأنَّ هدفه احتلال العقل لا الأرض، كما أنّ الخسائر التي تحدث عادة فيه أعمق بكثير من خسائر الغزو العسكري ـ مثلاً ـ أو من الغزو الاقتصادي؛ لأنَّ الغزو الثقافي والفكري لا يُواجه مقاومة كغيره، بحجّة أنّ العدو غير حاضر وغير محسوس، ويُسمّي هذا الغزو بالتلوّث، كما يصف ذلك أحد العلماء المعاصرين، حيث يقول: «هذا التلوّث لا يمكن مقاومته بسهولة؛ لأنّه يأتي بشكل مقبول ومرغوب، ويُعدّ من متطلّبات العصر، ومَن يرفضهُ يُعدّ رجعيّاً أو متخلّفاً، أو غير عصري، غريب من مجتمعه، في مثل هذا المناخ لم يبق من الإسلام إلّا اسمهُ، ومن القرآن إلّا رسمه. إنّ محاولة كشف هذا التلوّث وفضحهُ يحتاج إلى جهد لا يُستهان به؛ لأنّهُ مخبوء تحت التربة، وغير ظاهر للعيان، مخبوء في النظريّات الاجتماعيّة الغربيّة، مخبوء في الكلمة التي تبثّها وسائل الإعلام الغربيّة عبر الصحافة والتلفاز والأقمار الصناعيّة، مخبوء في القصّة والرواية والمسرحيّة والفيلم، وكلّ ما تنتجه وسائل الإعلام، سواء في الخبر السياسي، أو التعليق على الأخبار، أو الحوار، وحتى في أفلام الكارتون التي تُبثّ للأطفال»[175].

وما دام الأمر بهذهِ الدقّة والخطورة، فلا بدّ من الاهتمام وعدم الغفلة في الاستعداد والمقاومة والحدّ من الخسائر؛ لأنّه «وللأسف الشديد، لا بدّ من الاعتراف أنّ الأعداء قد وُفِّقوا ـ إلى حدّ ما ـ في هذا الغزو، فأصبح غلق الأبواب أمام الغزو الثقافي غير ممكن؛ لأنّ التكنلوجيا الجديدة قد حطّمت جميع الأبواب، وأدخلت الثقافة الغازية عُنوَةً في ثقافة مجتمعنا الإسلامي»[176].

لذلك فإنّ الإصلاح الفكري والثقافي يقع من حيث الأهمّية والضرورة في مقدّمة جميع الإصلاحات، وقد أشار السيد الخميني في بداية انتصار الثورة الإسلاميّة إلى هذا المعنى بقوله: «إنّ إصلاح الثقافة وإنقاذ شبابنا من التبعيّة للغـرب، يقع على رأس جميع الإصلاحات...، فإنّه توجد عندنا تبعيّة في كلّ شيء، وعلى رأسها تبعيّة الأفكار، فهي أساس كلّ أنواع التبعيّة الأخرى وسببها، فإذا وُجِدت التبعيّة الثقافيّة عندنا، فهذا يعني وجود تبعيّة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة أيضاً، وكلّ هذهِ موجودة تبعاً لوجود التبعيّة الثقافيّة»[177].

لم يدرك البعض، أو لا يريد أن يصدّق بقضية الغزو الفكري والثقافي وخطورته، ويعطي المسألة مسمّيات أخرى، كأن يقول بأنّه مجرّد تواصل ثقافات، أو كما يقول البعض التلاقح الثقافي، أو التطوّر والانفتاح الفكري، وردّاً على هذا الإشكال والالتباس يجيب السيّد علي الخامنئي، ويؤكّد على وجود مثل هذا الغزو، وأنّه قضيّة واقعيّة واضحة، فيقول: «علينا أن نُصدّق حقّاً، ونقتنع بأنّا عُرضة اليوم لأمواج متدافعة من ضروب الغزو الثقافي...، إنّ هناك هجوماً ثقافيّاً شاملاً ومنظّماً ومخطّطاً له ضدّنا...»[178].

 أوّلاً: أساليب الغزو الفكري

لكي تُحافظ الأمّة الإسلاميّة على فكرها وقيمها وأخلاقيّاتها؛ لا بدّ من أن تحمي نفسها من أساليب الغرب في غزوها فكريّاً، فقد أدرك الغرب أن لا سبيل لغزو أمّتنا والقضاء على ثقافتها إلّا بغزو فكر هذه الأمّة، ومحاولة تغييره والعبث به عِبر أساليب مختلفة، ومن هذه الأساليب ما يلي:

أ ـ الإعلام:

تلعب وسائل الإعلام دوراً لا يُستهان به في تكوين الاتجاهات والأفكار والتطرّف، فقد أدرك الغرب مدى تأثير الإعلام الحديث في الفكر الإنساني، لذلك فقد ركّز جهوده على إنتاج الأفلام والمسلسلات التي تتضمّن أفكاره وثقافته التي يرغب في تصديرها، ونحن نلمس هذا التأثير حينما نرى أطفالنا وشبابنا يقلّدون الغرب في لباسه وطريقة حياته، عند مشاهدتهم فيلماً أو مسلسلاً ما، فيتأثّرون به، ممّا يؤدّي إلى الفساد والإفساد في مجتمعنا الإسلامي، فلم يُعد هناك شكّ في أنّ للفضائيّات والإنترنت وسائر وسائل الإعلام الأخرى، دوراً بارزاً في ظاهرة الفساد الاجتماعي المتنامية هنا أو هناك في كرتنا الأرضيّة، لكثرة تطرّق أفلامها وصورها وموضوعاتها وبرامجها إلى الميوعة والخلاعة والإباحيّة، فتأتي ضرورة وأهمّية إصلاح هذا الخطر الفادح، وإزاحتهُ بطُرُق سلميّة من أجواء الأسرة المسلمة والمجتمع[179].

ب ـ ادّعاء نزعة التفوّق:

يحاول الغرب دائماً وبشتّى الوسائل أن يثبت تقدّمَهُ وتفوّقَهُ على الآخرين على جميع المستويات: التقنيّة، والعلميّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، والاقتصاديّة؛ ليترك أثراً في أفراد المجتمع أنفسهم بأنّ ما يأتينا من الغرب هو أفضل ممّا ننتجه نحن، «هذا ما يتسلّل بشكل أو بآخر، حتى إلى المنتوج الثقافي والفكري لاحقاً؛ لأنّنا إذا وصلنا إلى ذلك المستوى الذي نعترف به بعجزنا وتخلُّفنا، وأنّنا قبلنا بنزعة التفوّق لدى الآخر، فهذا الأمر سوف يمتدّ ليشمل حتى القيم والمفاهيم الفكريّة التي نعتقد بها»[180].

ج ـ التعليم:

يُعدّ التعليم من الأمور التي حاول الغرب استخدامه كوسيلة من وسائل الغزو الثقافي، وذلك من خلال إنشاء المدارس ذات الغرض في البلاد الإسلاميّة، وإعداد المناهج من أجل صرف المسلمين عن دينهم، وتشكيكهم فيه؛ خدمة لأهدافهم، كذلك الترويج للغة الإنجليزيّة، حيث أخذوا «يُرَوِّجون هذه اللغة الإنجليزيّة؛ حتى يفرضوا عاداتهم وتقاليدهم علينا، يوجّهوا ثقافتنا وتربيتنا نحو أفكارهم ومدنيّتهم، إنّهم يُريدون من وراء ذلك فرض روحهم وروحيّتهم علينا؛ حتى يُذيبوا شخصيّتنا وروحنا وإرادتنا»[181].

وهذا ما نشهده اليوم في غزو اللغة الإنجليزيّة لبلادنا، والكلّ يسعى لتعلّم وإتقان هذه اللغة، وبالمقابل نجد مَن هو عربي ولا يجيد التحدّث باللغة العربيّة بأصولها وقواعدها الصحيحة، وينسى أنّ من أهمّ واجباته هو الدفاع عن اللغة العربيّة وصيانتها؛ لأنّ «كلّ ثقافة وحضارة يُـراد لها أن تبقى حيّة لا بدّ من إحياء لغتها، فإذا ماتت لغتها ماتت تلك الحضارة»[182].

د ـ التأليف والترجمة:

من أقدم أساليب الغزو الفكري الذي اعتمده الغرب؛ من أجل التأثير في ثقافة الأمّة ومعتقداتها، هو اهتمامهم بتأليف الكُتُب وترجمتها، «فالكتاب من أقدم وسائل الغزو الفكري، ولا يزال يؤدّي دوره في التأثير السلبي على فكر الأمّة ومعتقداتها، فألَّف أعداء الإسلام الكُتُب التي تطعن في الإسلام وفي نبيّه، وفي صلاحيّته في الحكم والاقتصاد، وفي ملائمته لأحوال الناس وظروفهم وواقعهم المُعاش، وعملوا على ترجمتها إلى اللغات المنتشرة في العالم الإسلامي، ونشرها بين المسلمين»[183].

هـ ـ إثارة نزعة التطرّف:

كان وما زال الغرب يعمل جاهداً لتمزيق الأمّة الإسلاميّة على أساس القوميّات والمذهبيّات، وإشعال نار الفتنة والتعصّب بين أفرادها وجماعاتها؛ ليدبّ الضعف والوهن في كيانها.

ما تقدّم يُعتبر من أهمّ أساليب الغزو الفكري، وهناك غيرها، فبعد معرفتها وبيانها يتوجب العمل الجادّ على مواجهتها وعلاجها بأيّ سبيل من سُبُل الإصلاح، والمنبر من أهمّ هذه السُبُل.

ثانياً: طرق المواجهة والعلاج

هناك طُرُق متعدّدة لمواجهة الانحراف الفكري، ينبغي معرفتها والاستفادة منها، من هذه الطُرُق ما يلي:

1 ـ العمل على اكتشاف الانحراف الفكري مبكّراً، وذلك من خلال معرفة المؤشّرات والدلائل التي تُشير إلى انحراف فكر الفرد، وتُعدّ هذه المؤشّرات بمثابة جرس الإنذار المبكّر للأسرة بحصول الخطر، أو توقّع قرب حصوله، وهذا ـ لا ريب ـ يندرج ضمن التدابير الوقائيّة للانحراف الفكري، فكلّما تمّ التصدّي للانحراف الفكري في بداياته، مع التخطيط لذلك التصدّي، كان ذلك أجدى وأنفع[184].

2 ـ تقوية العامل الديني، والإيمان بالله سبحانه وتعالى وسلطانه على العالم وتحذيره وعقوبته للمجرمين والمفسدين، فإنّ الإيمان بهذه الأمور يـوفّر جـوّاً نفسيّاً ومظلّة اجتماعيّة واقية من كثير من الجرائم والانحرافات؛ لأنَّ المؤمن ـ بحقّ ـ أقلّ الناس تأثّراً بالغزو الثقافي، وأكثرهم اتّصافاً بالإصلاح[185].

3 ـ معرفة دور الأسرة في الإصلاح، والتي تعتبر المُعالج الأوّل للانحراف الفكري والواقي منه، قال تعالى:(أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ...)[186].

لذلك تترتّب على الأسرة مسؤوليّة كبيرة في تعريف أبنائها عظمة الإسلام، وتربيتهم تربية إسلاميّة صالحة قائمة على أحكام الدين الإسلامي وآدابه، بحيث تحصّنهم فكريّاً؛ لأنّه من الواضح أنَّ هناك أزمة في التمسّك بالقيم الإسلاميّة، نتيجة اللهث وراء القيم الغربيّة، «وأنَّ علاج الأزمة يَكمُن في تحويل الإنسان من فريسة لحركة التأريخ إلى موجّه لتلك الحركة، عن طريق ربط الإنسان بالقيم الأخلاقيّة ذات المصدر الإلهي»[187].

فالفكر السليم والعقيدة الصحيحة سلاح، يجعل كلّ الشبهات الواردة من الشرق والغرب تفاهات لا تقوى على حرف شخصيّة الإنسان المسلم.

4 ـ تفعيل دور المؤسّسات الاجتماعيّة والتعليميّة والتربويّة والدينيّة (كالمسـجد والحسينيّة، والمدرسة، والجامعة، وغيرها)، والإفادة منها في مرحلة الوقاية من الانحراف، وكذلك في مرحلة العلاج؛ بالتوجيه والوعظ والإرشاد وإعادة تشكيل الفكر، كذلك من الضروري إتاحة الحرّية الفكريّة، وتأسيس منتديات الحوار والتداول الفكري؛ لحماية وتحصين الشباب من الانحرافات الفكريّة، التي تُؤدّي إلى حالات التطرّف والإرهـاب، و «عندما نريد استئصالاً جذريّاً لحالات التطرّف والإرهاب، فهذا يعني أنّهُ ينبغي علينا أن نتّجه نحو الجذور لمعالجتها، وهذهِ المشكلة هي في الأساس مشكلة ثقافيّة وفكريّة، حيث تشكّل عقل الإنسان بمجموعة من المفاهيم الخاطئة؛ لتكوّن لديه آيديولوجيا، سيكون مستعدّاً للموت في سبيلها، لذلك فإنَّ المعالجة الفكريّة هي الأهمّ في مكافحة الإرهاب، إلّا أنَّ هذهِ الخطوة لا يمكن أن تكون مجرّدة من إصلاحات كثيرة مصاحبة لها، وهي إتاحة الحرّية الفكريّة في البلدان الإسلاميّة، والسماح للتعدّد أن يأخذ مداه، وتأسيس منتديات الحوار والتداول الفكري، ودعم المؤسّسات التثقيفيّة ومراكز البحث الفكري؛ لتقوم بدورها باقتدار»[188].

وسيأتي الكلام في الفصل الثالث عن ذكر دور المنبر الحسيني والخطيب الحسيني في القيام بهذا الدور من التوعية والإرشاد والمعالجة، إذ توجد مسؤوليّة حقيقية تقع على خطباء المنبر الحسيني، تتجسّد في استثمار تلك الأجواء الخصبة التي توفّرها المناسبات الدينيّة من تجمّعات لا يُستهان بها، ومن كافّة شرائح المجتمع، فيكون لها الأثر الكبير، وبخاصّة عندما يستلهم الخطيب الآيات القرآنيّة التي تحمل تربية وقائيّة تحمي الأجيال المسلمة من الوقوع في المعاصي والانحراف عن المباديء الإسلاميّة.

5 ـ توعية الأمّة حول مخاطر الغزو الفكري والثقافي، والعمل على بناء جدار منيع على المستوى التربوي والثقافي والاجتماعي، يحول دون تأثير تلك الهجمة الثقافيّة على مجتمعنا وشبابنا وفتياتنا.

المطلب الثالث: تأثير العولمة الثقافيّة على الهويّة الإسلاميّة

إنَّ ظاهرة العولمة الثقافيّة من أهمّ القضايا المعاصرة التي أمتدّ تأثيرها ليشمل قطّاعات واسعة جدّاً من أبناء المسلمين وبناتهم، التي من شأنها التأثير المباشر على العقيدة الإسلاميّة والمبادىء والقيم الدينيّة، «وممّا ساعد على الغزو الثقافي هو العولمة الثقافيّة، التي بتنا نشهدها منذ عقود من الزمن، إذ إنّ هذه العولمة أي: سقوط الجدران الثقافية ـ والتطوّر التقني، والعلمي، والتكنلوجي، كلّ ذلك ساعد كثيراً ـ من خلال تكنلوجيا المعلومات ـ على تحويل الكرة الأرضيّة إلى قرية ثقافيّة علميّة صغيرة، فبالتالي أصبح من السهل على مَن يمتلك تلك التكنلوجيا، وذلك التطوّر العلمي والتقني، أن يوظّف هذا التقدّم في سبيل أهدافه التوسّعيّة على المستوى الثقافي والفكري»[189].

وفي عصر العولمة الجديدة الوليدة من رحم منطق سياسات الاستعمار القديمة، تولّدت تحدّيات حضاريّة جديدة، توجّب على العالم أن يواجهها ويعُدّ لها العُدّة، حيث صارت هناك تحوّلات حضاريّة تُملي واقعاً مختلفاً، يحتاج من العلماء والمفكّرين اشتغالاً واسعاً، يبدأ باستيعاب المرحلة وطبيعة التحوّل، وينتهي بإيجاد الحلول الناجعة لمواجهتها التي تتوافق مع العصر[190].

ومن أبرز التحدّيات التي أملتها سياسة العولمة، هي: [191]

1 ـ التحدّي على المستوى الفكري والثقافي، حيث إرادة الأقوى تقوم بفرض النمط الفكري الواحد، وإلغاء الخصوصيّات الثقافيّة التي تشكّل الهويّة الحضاريّة لبقيّة الأمم.

2 ـ التحدّي على المستوى الاجتماعي، وهو لا يقلّ أهمّية وخطورة عن سابقه، فسياسة العولمة تعمل بشكل منظّم على تغيير القالب الاجتماعي لكلّ أمّة، بما في ذلك نمط العيش، وتشكيل الأذواق حسب النمط الغربي؛ ممّا يسبّب خلخلة في النسيج الاجتماعي، وبالتالي يشكّل خطراً كبيراً على العالم الإسلامي، الذي يعدُّ التماسك الاجتماعي والترابط الأسري من أهمّ مكتسباته الحضاريّة التي أكتسبها من الإسلام.

وما دامت العولمة مرحلة فرضت نفسها، فلا ينبغي الاستمرار بالعيش في أجواء الخوف منها، بل علينا أن نستفيد منها في نشر مفاهيم ديننا، فالعولمة «هي مرحلة في مسيرة التطوّر البشري، ولا يمكن الوقوف أمام هذهِ المرحلة. تطوّر مستوى الإنتاج، وتطوّر وسائل التكنولوجيا، جعلت العالم يعيش مثل هذهِ المرحلة ومثل هذهِ الحالة، ونحن ينبغي أن لا نستمرّ كثيراً بالعيش في أجواء المخاوف من هذهِ العولمة، وإنّما علينا أن نفكّر كيف نستفيد من هذهِ العولمة في نشر مفاهيم ديننا ومبادئنا، وفي تكريس وتركيز هويّتنا، وفي إظهار قضايانا أمام العالم»[192].

المطلب الرابع: إصلاح الفكر الديني

مفهوم الدين

 للدين في اللغة معنيان: الجزاء والالتزام، وقد جاء المعنيان كلاهما في المروي عن رسول الله’ من قوله «كما تُدين تُدان»، أي: بحسب ما تلتزمه من عقيدة أو سيرة، تجازى يوم القيامة وتحاسب.

وأمّا الدين في الاصطلاح العام فيُطلَق على مجموعة العقائد والمفاهيم والأحكام والأخلاق، التي يحملها مذهب ومنهج معيّن[193].

أمّا الإصلاح الديني، فهو «ردّ الاعتبار للقيم الدينيّة، ورفع ما أُثير حولها من شبهات وشكوك، وتشذيبها من البدع والأضاليل، فهدف هذا الإصلاح محاولة إعادة الاعتبار إلى المبادئ الإسلاميّة؛ للسير بها وتحويلها من نقطة الركود التي أصابت حياة المسلمين إبّان عصر النهضة إلى حياة المسلم المعاصر، نقيّة معافاة، وذلك بُغية انتشال موقف المسلم المتردّد من حبالة الشكّ بدينه إلى حالة اليقين والأمان لديه»[194].

وهناك من يرى «أنَّ الإصلاح الديني لا يعني بالضرورة إنتاج مذهب جديد، أو إبداع منظومة من المفاهيم الدينيّة، بل إنّ مفهوم الإصلاح يتّسع ليشمل حتى القضاء على مدرسة فكريّة، قد ارتدت اللباس الديني وهي لا تمتّ إلى الدين بصلة»[195].

ومن الجدير بالذكر أنّه قد يحصل الخلط بين العقيدة والفكر عند الحديث عن الإصلاح الديني، فالإصلاح لا يمكن جريانه على العقيدة، «إنّ الإصلاح ومهما كان المقصود منه، سواء التغيير المطلق أو التغيير نحو الأحسن وسوى ذلك، فإنّ الإصلاح بكلّ معانيه لا يمكن جريانه على العقيدة في أيّ بُعد من أبعادها؛ وذلك لأنّ العقيدة من حيث دائرتها وحدودها، هي ثابتة ومحدّدة تحديداً وقتيّاً مانعاً للزيادة وللنقصان، وبالتالي مانعاً لإعمال الفكر المُوصِل إلى نتائج جديدة أو إضافيّة...، وهذه المانعيّة للإصلاح في العقيدة لا تُلغي إمكانيّة وجود الفكر العقيدي أو الفكر الكلامي، ولا يمنع وجود أذواق ومشارب وأفهام مختلفة للعقيدة، تختلف عن بعضها في إطار نفس الموضوع المُتصدَّى له في العقيدة...»[196].

ولا بدّ أن تبقى هـذه الأذواق والأفهام المختلفة متحرّكة داخل إطـار هويّـة الديـن، «وفي حال الخروج عنه يمكن أن يؤدّي إلى الكفر، حتى لو كان اللباس والخطاب واللغة إسلاميّة؛ لأنَّ المضمون الذي يخرج عن هذا الإطار في المعالم الرئيسيّة وفي الحدود الدنيا والقصوى لها، هو بالفعل خروج على الدين وتأسيس لدين آخر»[197].

كما أنّ البعض لا يُفَرِّق بين قداسة النصوص الدينيّة وبين فهم ومعاني تلك النصوص، حيث يخضِع هذا الفهم وذلك المعنى للفكر الذي في حقيقته يقبل الخطأ والصواب، فهنا «لا بدّ من التفريق أبتداءً بين الدين بوصفه نصّاً مُوحى، والدين بوصفه فكراً، أي: لا بدّ من التفريق بين الدين والتديَّن، أو بين الدين النصّ السماوي، وفهم ذلك النصّ من قبل الناس...، إنّ ذلك الفهم هو ما لنا أن نصطلح عليه الفكر الديني، على أنّ ذلك الفكر نشأ في وسط اجتماعي يشكّل ممّا يشكّل بالنسبة له حاضنة لنموّه، ومحفّزاً لسمته الإبداعيّة، وقد يشكِّل عائقاً أمام ذلك كلّه، فيصير الفكر تقليديّاً مردّداً»[198].

وهذا يعني أنّنا عندما نتحدّث عن الإصلاح الديني، أو عندما ندعو إليه، فإنّنا لا نعني به إعادة النظر في الدين، «حيث لا إصلاح ديني في الاسلام، بل (إعادة النظر في رؤيتنا وفهمنا الديني)، و(العودة إلى الإسلام الحقيقي)، أو (الوقوف على الروح الحقيقي للإسلام الأوّل)، ومن هنا أضحى الشعار الفكري والعقائدي لسائر كتّابنا ومفكّرينا، خصوصاً في جيلنا المعاصر، الذي يشتدّ فيه الإحساس بهذه الحاجة: العكوف على إصلاح فكرنا الديني، يعني: المعرفة الدقيقة والعلميّة للإسلام، والتعرّف الدقيق والعملي على التشيّع أيضاً»[199].

إذن المراد من الإصلاح هنا والذي تظهر ضرورته وأهمّيته، هو الإصلاح والتجديد في الفكر الديني، والذي يعني: «السعي لمعرفة حقائق الدين، والتأكّد من الفهم الصحيح لنصوصه وتعاليمه، حيث لا يجوز الاعتماد على فهم السابقين بالمطلق، فالمعاصرون من أبناء الأمّة مكلّفون بالاجتهاد في فهم دينهم، وبذل الجهد في استنباط أحكامه ومفاهيمه، كما أنّ السابقين كانوا مكلّفين بذلك، فالاجتهاد واجب على الأمّة في كلّ عصر كما يؤكّد الفقهاء، والتحدّيات الكبيرة التي يواجهها الفكر الإسلامي في هذا العصر تفرض المراجعة والبحث، فالحضارة الغربيّة المهيمنة على العالم، جعلت كلّ الحضارات والثقافات في موضع المساءلة والتحدّي، وأصبح الإسلام في نظر الكثيرين يتحمّل مسؤوليّة واقع التخلّف والانحطاط الذي تعيشه الأمّة، إلّا أن يكون هناك سوء فهم أو سوء تطبيق للدين، وهذا ما يجب أنْ تكشفه مهمّة الإصلاح والتجديد»[200].

في الوقت الحاضر تظهر الحاجة الماسّة للسعي إلى صياغة الفكر، وتحويله من نظريّات ورؤى ومفاهيم إلى مناهج صالحة للتطبيق أو سهلة الاستعمال، بما يتيح للعامّة أن يتناولوها من دون عناء، إذ «لا بدّ من العودة إلى استلهام النصوص والسيرة، والعمل على صياغة الرؤى والأولويّات والأنظمة والأفكار التطبيقيّة التي تصلح للإنسان، كلّ الناس وليس فقط المسلمين...، فالفكر الإسلامي في طبيعته إصلاحي ومتجدّد، ومن السهولة بمكان رؤية ذلك في طبيعة مراعاته للزمان والمكان، ومراعاته للمصالح والمفاسد، وأنّ الأزمة في النظرة إلى الإسلام اليوم تكمن في عموميّة الحكم من دون لحاظ الخصوصيّات، حيث يبدو مستوى الانعطاف ضعيفاً في الحركة الإجماليّة للدين؛ لكونه يشمل على ثوابت عقائديّة وقيميّة كثيرة، إلّا أنّ المطلوب هو الانتقال من دائرة هذه الكبريات إلى الأحكام الجزئيّة التي تُقارب الاهتمامات التفصيليّة للناس، فهناك يبدو المشهد الإصلاحي والتجديدي للدين، وهناك يمكن أن يُحاكم الإسلام في فكره وفي مدى ملائمته للإنسان ولحركة الاجتماع البشري»[201].

ونحن إن لم نُكَيّف رؤيتنا الدينيّة مع منطق العصر، ولم نتعرّف الإسلام الفاعل الإيجابي المسؤول، فمن المحتمل ـ بحكم أمواج التغيير الاجتماعي والأخلاقي والفكري، وبفعل مُملات مدارس الفكر والفلسفة المعاصرة، التي تهجم بحدّة على جيلنا من كلّ حدب وصوب ـ أن نُضيّع الكثير من أصولنا العقائديّة خلال جيلين آتيين، وستـفقد الأجيال القادمة أبسط ألوان الميل والتفاعل مع هـذه الأصول، ويضحي لها الإسلام الواقعي والإسلام على حدٍ سواء، وقد اتضحت بوادر هذا الخطر في جيلنا القائم، حيث تنقطع صلة مجتمعنا مع كلّ الخيوط التي تربطه بتراثه الغني والحي[202].

لذلك كان لزاماً علينا تعريف هذا الجيل بمنابع الإسلام الأصيل والفكر السليم، وهم محمد’ والأئمّة الطاهرين^ من آل بيته، وقراءة سيرة النبي’ قراءة الباحث قراءة منهجية، خاصّة وأنّ سيرته مثاليّة للتطبيق على أرض الواقع، ومؤثّرة في النفوس البشريّة، فقد اقترن فيها القول بالعمل، ولا ريب أنّ القدوة العمليّة أقوى تأثيراً في النفوس من الاقتصار على الإيحاء النظري، لذا يجب أن يقتدي المجتمع المسلم بالمصطفى’ الاقتداء الشامل في كافّة الجوانب، وبذل أقصى جهد لتحقيق ذلك.

أوّلاً: رسول الله’ المصلح الأعظم

إنّ أعظم إصلاحي على مرّ التأريخ هو رسول الله’، حيث عمل على جبهات الإصلاح كافّة، من الإصلاح الديني إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والتربوي، «فقد كان الإصلاح الديني هدفاً أساسيّاً عمل عليه رسول الله’، من خلال مواجهته للشرك، ولجميع المعتقدات الدينيّة الجاهليّة التي كانت تكبّل ذاك المجتمع، وتمنعه من المضيّ قُدماً في سبيل سعادته، إنّ ذلك الفساد في الاعتقاد الديني ـ الذي كان سائداً في تلك المرحلة الجاهليّة ـ كان هدفاً أساسيّاً لهجوم الإصلاح التوحيدي»[203].

وقد جاء في وصف الإمام علي× لرسول الله’ بشأن دوره الإصلاحي في الأمّة، حيث ذكر أنّ الله تعالى «أظهر به (برسول الله) الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبيّن به الأحكام المفصولة»[204].

إذن الدين الإسلامي الذي جاء به رسول الله’ كان ديناً إصلاحيّاً داعياً إلى القضاء على المعتقدات الفاسدة والباطلة، والتي كان لها الأثر الكبير في حياتهم على المستويات الاجتماعيّة والسياسيّة والتربويّة كافّة، فإنّ «المجتمع الجاهلي لم يكن مجتمعاً خال من الدين، بل كان مجتمعاً دينيّاً بالمعنى العام للكلمة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[205]، ولكن هذا الدين الذي كانوا يعتقدون به كان مليئاً بالاعتقادات الفاسدة والمعتقدات الباطلة، والتي كانت تترك أثرها على مجمل القناعات والمفاهيم التي كانوا يحملونها، ولا يخفى الأثر الذي تتركه المنظومة الاعتقاديّة على المستوى الاجتماعي والسياسي والتربوي. إنّ الاعتقاد بكون التأثير في عالم الأسباب والمسبّبات لله وحده، بمعنى أنَّ الله تعالى هو الذي أوجدها وأعطاها القدرة على التأثير، وهـو قادر على سلب هذه القدرة، وأنّه لا تخفى عليه خافية، وأنّه بالمؤمنين رؤوف رحيم. إنّ هذا الاعتقاد يسهم في تكوين وعي تربوي، سوف يظهر في كافّة الأنماط السلوكيّة للفرد، بل ويسـهم في تكوين قناعات عديدة على أكثر من مستوى سياسي واجتماعي»[206].

لذلك أعلن النبي’ أنّ الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة هما وحدهما طريق الإصلاح وسبيل التغيير، فعلينا أن نقتدي برسول الله’، وأنّ أوّل خطوة على طريق الإقتداء بالنبي الكريم’ هي مدارسة سيرته وسنّته، حتى نتعلّم كيف كانت حياته، وكيف كانت معاملاته، فإنّه’ كان في كلّ جوانب حياته كتاباً مفتوحاً للجميع.

 وما دمنا قد ذكرنا رسول الله’ بصفته الإصلاحي الأعظم، وبينّا دوره العظيم، يجدر بنا أن نذكـر ـ أيضاً ـ دور الإمامـة المعصومة فـي تفعـيل الإصلاح واسـتمراره بصفتهـا امتـداداً للنبوّة، «فكانت الإمامة حصناً منيعاً للإصلاح الديني، وللمحافظة على الدين، ولمقاومة الفساد المعرفي والكلامي والفقهي، الذي قد يقوى بين حين وآخر، مستفيداً من ظروف موضوعيّة وإمكانات سلطويّة؛ ليأخذ محلاً له في الصـرح المعرفي الديني، وهـذا ما وضـع مؤسّـسة الإمامة أمام مسؤوليّات خطيرة وجسيمة، إذ ربّما ينعـكس الإصلاح السياسي، أو يتراجع الإصلاح الاجتماعي، أو يفشل الإصلاح الاقتصادي، ويترك ذلك أضراراً بالغة، وتجب مقاومة الفساد على هذه المستويات كافّة، لكن يبقى شيء آخر له حساباته الخاصّة، وهي أنّه إذا استحكم الفساد على المستوى المعرفي الديني، فإنّ ضرراً بالغاً لن يقف مداه عند حدود الظرف التاريخي الذي نشأ فيه ذلك الفساد المعرفي الديني، بل سيتقدّم في الزمن ما اخضّر له عود، أو قوي له جانب»[207].

لذلك نرى أنّه في كلّ زمان تكون الأمّة الإسلاميّة بحاجة دائمة إلى تفعيل الإصلاح في الفكر الديني لمواجهة كلّ انحراف يظهر، ولسدّ الأبواب أمام كلّ تشويه للفكر والعقيدة الإسلاميّة؛ ليعيش الإنسان المسلم بفكر ديني سليم يؤدّي به إلى سعادة الدنيا والآخرة.

كلّ هذه الأمور إذا ظهرت ـ ولو بشكل يسير ومحدّد أو محصور بفئة معيّنة من الناس ـ يكون من الضرورة بمكان تحرّك وقيام رجال الدين بواجبهم اتّجاه الدين، وبخاصّة عند تعرّض العقيدة للهجوم من الخصوم والأعداء، لكن للأسف البعض تراه «لا يُحَرِّك ساكناً، ولا يقوم بأيّ عمل، خوفاً من تكفير وتعصّب الخواصّ والعوامّ، بل يتحرّك كما يتحرّك السائرون، ويتلوَّن بطابع الجماعة والسواد، وهناك مَن يرى أنّ عنوانه وسمعته الدينيّة أهمّ من إيمانه وعقيدته الدينيّة، فلا يعرّض اسمهُ ورغيفهُ ـ من أجل الحقيقة ـ للخطر، ويظلّ ساكناً في تحريف الحقّ، ومسخ الدين، وزوال الإيمان، والتضحية بالثقافة والفكر وعقل الأمّة وحياة الناس»[208].

ثانياً: الرسالة الإصلاحيّة للشريعة المقدّسة

إنَّ من أهمّ الأمور التي أكّدت عليها الشريعة الإسلاميّة المقدّسة في نصوصها المتعدّدة، هي دعوة المسلمين إلى العمل بصورة عامّة، واتّباع مدرسة أهل البيت^ بصورة خاصّة، فلا تريد منهم أن يكونوا متهاونين في أعمالهم التي تضمن لهم السعادة الأخرويّة ورضى الله تبارك وتعالى، حيث نجد بعضاً يتّكل على مجرّد انتمائاته العقديّة، وكمثال على بعض هذه الأفكار نذكر ما قاله الشيخ مرتضى مطهّري عن الذين تأسرهم الوساوس الشيطانيّة، ويمنّون أنفسهم بالآتي: «إنَّ أسماءنا هي في زمرة محبّي الإمام علي×، ومهما يكن من أمر فإنّنا نُحسَب من رعيّته، أو أنّنا نُوصي أن يدفعوا بعد موتنا شيئاً من الأموال التي جمعناها من غير حقّ، أو الأموال التي كان يجب علينا إنفاقها في حياتنا في أعمال البرّ والخير ولم نفعل، أن يدفعوا قسماً من هذه الأموال لسدنة المراقد المقدّسة؛ لكي يدفنونا بالقرب من أولياء الله، حيث لا يجرؤ الملائكة على تعذيبنا، على هؤلاء أن يعرفوا أنّهم مخطئون جدّاً، وأنّ حُجُب الغفلة أعمت أبصارهم، وسوف ينتبهون من غفلتهم في يوم وقد دخلوا في العذاب الإلهي الشديد، وهناك تأخذهم الحسرة على ما فرّطوا، ويتمنّون الموت ألف مرّة، وعلى هؤلاء أن ينتبهوا اليوم من غفلتهم ويتوبوا قبل فوات الأوان»[209].

وقد نبَّه جمال الدين الأفغاني ـ وهو أحد زعماء الإصلاح في العصر الحديث ـ على أنّه لأجل تحقيق الإصلاح في الفكر الديني لا بدّ من «السعي لتفسير وظيفة الدين، وتبيان القاعدة التي تقول بأنّ أحكام الشريعة كلّها أو جلّها ذات آثار ولوازم اجتماعيّة، تدعو المسلمين إلى التحرّك والفاعليّة، وليس الإسلام مجرّد طقوس وشعائر لا أثر لها في حياة المسلمين، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والمسلم مَن يهتمّ بأمور المسلمين...»[210].

ومن أروع ما نجده في البحث عن الإصلاح، هو دعوة الإسلام ـ بشكل دائم ـ الإنسان المؤمن إلى العمل والسعي؛ من أجل إصلاح كلّ أموره حتى في الحالات الإيجابيّة، وليس فقط في الأوضاع السلبيّة، وهناك شواهد كثيرة ـ لا تكاد تُحصى ـ وأحاديث واردة عن أئمّة الهدى، تُؤكّد هذا المعنى، كالحديث الوارد عن أبي عبد الله الصادق× «مَنْ استوى يوماه فهو مغبونٌ» [211]، والمُلفِت للنظر ـ هنا ـ أنّ التساوي هو الذي جعل الإنسان مغبوناً وليس التنازل أو التسافل، وهذا يعني أنّ الإنسان في حياته الاجتماعيّة يجب أن يتطوّر يوماً بعد يوم، ويجب أن يكون غده أفضل من يومه، وهذا لا يعني أن يكون الأمس سيّئاً حتى نصلحه، بل قد يكون الأمس جيّداً، فالمطلوب ألّا نقف عند الجيّد، وأن لا نكتفي به، وأن نسعى للتطوّر والتقدّم، وهذا يعني أنّ مقصود الحديث هو دعوة إصلاحيّة منقطعة النظير على مستوى الحياة الفرديّة للإنسان[212].

المبحث الثالث

الإصلاح الاجتماعي

تقدّم في المبحث السابق الحديث عن الإصلاح الفكري، وسُبُل معالجة مشكلة الغزو الفكري والثقافي، هذا الغزو الذي يساهم وبأساليب مختلفة في إفساد جوانب عديدة في حياة الأمّة، ولذلك تبرز الحاجة الملحّة إلى الإصلاح الاجتماعي، كما أنّ الحاجة إلى الإصلاح الاجتماعي تكبر وتزداد كلّما كثر الانحراف في المجتمع؛ لأنّ كثرة المعاصي والانحرافات سبب للهلاك والدمار.

ويمكننا أن نتعرّف على مفهوم الإصلاح الاجتماعي من خلال معرفة دوره وأهمّيته، حيث يأتي دوره وأهمّيته عندما يدبّ الفساد بين الناس، وفي دولهم وحكوماتهم ومالهم وقضائهم، وقد أضرّ الفساد بالعدل وأركانه، وغيَّب المساواة عن وجدانه، فحينئذ يأتي دور الإصلاح في إقامة العدل وبسط القسط، وإنصاف الناس ورعاية حقوقهم، وتصحيح الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة.

وقد عنى الإسلام كثيراً بإصلاح المجتمع، بل كان أهمّ ما يبتغيه في تعاليمه وأحكامه؛ لأنّ سعادة الفرد مبنيّة على صلاح الظرف الاجتماعي الذي يعيش فيه، فإذا فسُد المجتمع أحاط الشقاء به من كلّ جانب، وكانت هداية الأفراد وسعادتهم أصعب ما تكون، ولذلك اهتمّ الإسلام بإصلاح الأوضاع الاجتماعيّة اهتماماً لا يعادله غيره[213].

والإصلاح الاجتماعي يتركّز على إصلاح الأسرة، وبما أنّ الأسرة تتكوّن من أفراد عندها ينبغي أن يبدأ الإصلاح من إصلاح الفرد لذاته وتزكيته لنفسه؛ لذلك اعتنى الدين الإسلامي كثيراً بتربية الإنسان، وترويض نفسه لطاعة الرحمن، وتعديل ميوله واتجاهاته، وتشذيب شهواته ولذّاته، فالدين والقرآن يبدأ بذات الإنسان ويسمو بها ويعلو بمقاصدها؛ لتكون خيّرة في أصلها، بعيدة عن الشرّ في مراميها؛ لأنّ الأفعال تابعة للأفكار، والوسائل متّجهة نحو الغايات[214].

مما تقدّم تظهر أهمّية الإصلاح الأخلاقي كمدخل وأساس إلى تحقيق الإصلاح الاجتماعي، «فالأخلاق كلّها سلوك وعمل وضبط للنفس، فلا قيمة للأخلاق بدون عمل يجسّد مصداقيّتها في التعامل مع النفس البشريّة، بمعياريّة صالحة وصادقة في نيل متطلّبات الحياة المشروعة في العيش الآمن، فأخلاقيّة الدين وأخلاقيّة الضمير تربطها صلة وثيقة، أشارت إليها نصوص عدّة من القرآن الكريم»[215]، منها قوله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[216].

ولا تخفى أهمّية الجانب الأخلاقي، ولا سيّما أنّ القرآن الكريم كثيراً ما أكَّد على المَلَكات الأخلاقيّة، حتى جعلها علامة للعبوديّة لله تعالى، ففي الآية الكريمة (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)[217]، نجد أنّ أوّل صفة من صفات عباد الرحمن هي التواضع ونفي الكبر والغرور والتعالي، فالتواضع مفتاح الإيمان، ثمّ التحلُّم والصبر وسعة الصدر، فبدون التواضع والحلم سوف لا يطوي الإنسان طريق العبوديّة لله، وهو طريق ممتلئ بالعقبات، وبخاصّة في المجتمعات التي يكثر فيها الفاسدون[218].

ومن ذلك تتبيّن علاقة علم الأخلاق بالسلوكيّات الإنسانيّة، فإذا تزيّن الإنسان بالأخلاق الكريمة التي تُوجِب صلاح القلب، فإنّها تنعكس على سلوكيّاته وأفعاله في الخارج، «ولتقييم أداء السلوكيّات الإنسانيّة لا بدّ من معرفة كيفيّة تحصيل الخلق الحسن لما لها من أثر في بناء الشخصيّة السلوكيّة القويمة»[219].

فالإصلاح الاجتماعي من أهمّ أنواع الإصلاحات التي يقوم بها الإنسان، ويحتاج ذلك إلى معرفته وبيان سُبُله وما يتعلّق به؛ لأجل تحقيقه، وهي غاية مهمّة جدّاً قد أكّد عليها العقل والشرع.

المطلب الأوّل: آليّات الإصلاح الاجتماعي

إنّ الإصلاح لا بدّ أن يتجسَّـد في الممارسة والسلوك، ولا يتجمّد عند حدود الكلمات والشعارات، ولعلّ الإصلاح يتقدّم ويترتّب في أولويّات المسؤوليّات وعظائم المهامّ في المجتمع، حيث تعصف بالمجتمع ريح الفساد، وتهدّد أركانه وكيانه، وتجعله قاب قوسين أو أدنى من شفير الانهيار، فلا ملاذ ولا إنقاذ إلّا عندما يهبّ المصلحون[220].

كما أنَّ على المجتمع أن يعمل وبجدّ على دعم حركة الإصلاح فيه من قبل أفراده؛ لأنّ في ذلك صلاحه وفلاحه، بل وجوده وبقاءه، وقد عبّر السيّد محمّد باقر الصدرعن التزام الإنسان برفع مستواه الفكري وتطوّره وارتقائه، فإنّ «من أكبر المسؤوليّات المُلقاة على عاتق الإنسان، هي مسؤوليّة خلافته في الأرض عن الله تعالى، هذه المسؤوليّة هي عبارة عن التزام الإنسان خطّ النموّ الفكري والاجتماعي وتطوّره وارتقائه نحو كماله وكمال مجتمعه، وأنّ الله سبحانه ربط بين مسيرة الإنسان في حياته ومسيرة الأمّة في حياتها برابطة عضويّة، وجعل حال المجتمع من صلاح أو فساد تعبيراً صادقاً لحال الفرد من استقامة أو انحراف، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[221]، كما جعل الرفاه ورغد العيش ووفرة النعم والبركة في الخيرات تعبيراً صادقاً عن صلاح المجتمع وغياب الظلم عن ساحته والعدالة في التوزيع والمساواة بين البشر»[222].

ومن هنا تأتي ضرورة اهتمام الفرد بإصلاح نفسه، ورفع مستواه الفكري والثقافي؛ لأنّه سيؤدّي ـ حتماً ـ إلى رفع مستوى المجتمع، والسَّير به نحو الصلاح والفلاح.

ولأجل تحقيق الإصلاح الاجتماعي لا بدّ من توافر آليّات ووسائل، تأخذ على عاتقها بناء استراتيجيّات ورؤى عمليّة إصلاحيّة، تدفع المجتمع نحو التقدّم بعيداً عن مظاهر الظلم والاضطهاد والتعسّف الاجتماعي، وسنذكر على سبيل المثال هذه الوسائل بحسب رؤية الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء[223] (1877 ـ 1954)، حيث إنّه رسـم استراتيجيّة خطابه الإصلاحي وعلى نحـو واضح في تحقيق ما أسماه بـ (الإصلاح الاجتماعي)، حيث ذكر الوسائل المتّبعة للإصلاح، وتحقيق العدل، وتمزيق الظلم، ومقاومة الشرّ والفساد، والتي تكاد تنحصر في ثلاثة أنواع، هي:

1 ـ وسائل الدعوة والإرشاد

تتمّ الدعوة والإرشاد من خلال الخُطب، والمقالات، والمؤلّفات، والنشرات، وهذه هي الخطّة الشريفة التي أشار إليها الحقّ جلّ شأنه بقوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[224].

2 ـ وسائل المقاومة السلميّة والسلبيّة

من وسائل هذه المقاومة: المظاهرات والاضرابات، والمقاطعة الاقتصاديّة، وعدم التعاون مع الظالمين والاشتراك في أعمالهم وحكومتهم، وأصحاب هذه الطريقة لا يبيحون اتّخاذ طريق الحرب والقتل والعنف، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)[225].

3 ـ الحرب والثورة والقتال

يأتي دور الحرب والثورة والقتال بعد عدم نجاح الأسلوبين السابقين، حيث تدرّج الإسلام في هذه الأساليب الثلاثة: الأوّل، الموعظة الحسنة والدعوة السليمة، فإن لم تنجح في دفع الظالمين، فالثانية، أي: المقاطعة السلميّة والسلبيّة، فإن لم تُجدِ وتنفع فالثالثة، أي: الثورة المسلّحة، فإنّ الله لا يرضى بالظلم أبداً، والراضي بل والساكت شريك الظالم[226].

وقد ذكرنا سابقاً أنّ هناك أشكالاً عديدة للإصلاح، كالإصلاح السياسي والاقتصادي والأخلاقي أو السلوكي، لكنّنا سنكتفي هنا بذكر الإصلاح الاجتماعي؛ لأنّنا نعتقد أنّه يأتي على رأس الأولويّات، فالسياسي يخرج من المجتمع الصالح، والاقتصادي يخرج من المجتمع الصالح، كذلك المعلم الذي يربّي الطلبة ويصحّح أفكارهم يخرج أيضاً من المجتمع الصالح.

المطلب الثاني: دعوة القرآن الكريم إلى الإصلاح الاجتماعي

إنَّ الله تعالى لم يخلق هذا الإنسان ليعيش فرداً، بل خلقه ليعيش ضمن المجتمع البشري كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[227]. لذلك كان من الضروري إيجاد قواعد وتشريعات تحفظ هذا المجتمع، وتقوّمه وتصلحه وتهذّبه، فإذا التزم المجتمع بنظام وتقيّد بضوابط يقف عندها الجميع، عند ذلك يستطيعوا العيش بأمان واستقرار، لكنّ الأمر المهمّ هو هذا النظام وهذه الضوابط التي يسير بموجبها المجتمع، إذ يجب أن يكون نظاماً صالحاً؛ لأنّ صلاحه وفساده ينعكس على أفراده، ويتأثّرون به ويتحمّلون تبعاته، فأمّا أن يكون سبباً لسعادتهم، أو يكون سبباً لشقائهم، والقرآن الكريم وكذلك أحاديث أئمّة أهل البيت^ ـ وهم القرآن الناطق ـ قد وضعوا وبيّنوا المنهاج القويم لإصلاح المجتمع.

نذكر هنا بعض الأمثلة القرآنيّة الرائعة التي يظهر فيها الإصلاح الاجتماعي، ومنهج القرآن في الدعوة إليه:

1 ـ تقويم البناء الاجتماعي من خلال مضامين وردت في سورة الحجرات، حيث ينتهي الالتزام بها إلى مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحدّيات، ومن هذه المضامين: [228]

أ ـ آيات قرآنيّة اشتملت على بيان أصول أخلاقيّة، تُساهم وإلى حدّ كبير في تقويم البناء الاجتماعي، والذي يقتضي عدم رعايتها نقض البناء الاجتماعي، مثلاً: آية النبأ التي تنهى عن الاعتماد على خبـر الفاسق، وتأمر بالتبيّن قبل ترتيب الأثر على خـبره، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[229]. كما اشتملت السورة على النهي عن الغيبة، وعن التجسّس على المؤمنين، وعن السخريّة بالمؤمنين، وعن التنابز بالألقاب، وهذه السلوكيّات التي لو اتّسم بها مجتمع لكان مجتمعاً ممزّقاً ضعيفاً متهالكاً.

ب ـ وتضمّنت السورة المباركة ـ أيضاً ـ كيفيّة التعاطي مع حالات النزاع والشقاق الذي قد يقع في إطار المجتمع الإسلامي، فأفادت بعض الآيات أنّ العلاج الأوّل في حالة حصول النزاع والاختلاف، هو أن يبادر المؤمنون إلى الإصلاح، وإن لم ينجح الإصلاح فينبغي حينها الوقوف في وجه الطائفة الضالّة، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ) ورجعت (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[230].

ج ـ التزام مبدأ الأخوّة بين المؤمنين؛ لما له من أبعاد تربويّة واجتماعيّة من شأنها الحفاظ على تماسك المجتمع، وبالتالي الابتعاد به عن كلّ ما يسبّب فساده وهلاكه، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[231].

2 ـ إصلاح الأسرة: حيث اهتمّ الإسلام اهتماماً كبيراً بإصلاح الأسرة، وبالعلاقات بين الزوجين؛ لأنَّ الأسرة هي المكوِّن الرئيسي للمجتمع، ولأجل تحقيق ذلك نجد أنّ الإسلام رتّب ووضع لكلا الزوجين حقوقاً وواجبات، ودعا إلى الإصلاح بين الزوجين؛ حتى لا تتدمّر الأسرة، ويتضرّر الأبناء.

كما أشار القرآن إلى أنّه «إذا اتّسعت هوّة الشقاق بين الزوجين، واتّسعت إلى التباعد وعدم التفاهم، فلا بدّ من تدخّل الأقربين للإصلاح وحلّ النزاع، وإذا كانت النيّة الإصلاح وفّقهما الله لذلك؛ لأنّ تلك النيّة شرط في نجاح عمل المصلحين، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[232]»[233].

ونُلاحظ في هذه النصوص أهمّية تماسك الأسرة وصلاحها؛ أذ بصلاحها صلاح المجتمع بأكمله.

3 ـ إصلاح المجتمع بإقامة الحدود والعقاب للمفسدين: بما أنّ هناك تخوّفاً مستمرّاً قائماً من أن تدخل العناصر الفاسدة في المجتمع الإسلامي لنشر الفساد؛ جاء القرآن العزيز بسلسلة من الأوامر الصارمة ضدّ المفسدين، في محاولة استئصال هذه الجراثيم الأخلاقيّة، كما يفعل الأطبّاء في استئصال مرض السرطان، قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ)[234]، وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)[235].

وهـذه الدساتير الصارمة ما هي إلّا من أجل الحدّ من الفساد والإفساد في المجتمع الإسلامي[236]. وهناك مجموعة من القوانين الإسلاميّة والآيات القرآنيّة في إصلاح المجتمع الإسلامي والمحافظة على صلاحه غير ما ذكرنا، ولكنّنا سنكتفي بما تقدّم منها مراعاة لما يتناسب مع مساحة بحثنا في موضوع الإصلاح الاجتماعي.

المطلب الثالث: شروط المصلِح

من الجدير بالمصلِح الذي يريد الإصلاح أن يبدأ بإصلاح داخلي لنفسه أوّلاً، ولتحقيق هذا الإصلاح الداخلي أسباب وشرائط، هي ذاتها المعطيات والنتائج المترتّبة على الإصلاح داخلاً وخارجاً، وهي ذاتها شروط المصلِح، ألا وهي: [237]

1 ـ الإيمان: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[238].

وتُبيّن الآية مُعطى مترتّب على الشرط، ألا وهو الشجاعة، وعدم الأسف على ما يواجه المصلِح من مصاعب ومعوّقات واتّهامات.

2 ـ العفو: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[239].

3 ـ التقوى: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[240].

4 ـ التمسُّـك بالمقدّس: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ)[241]. وتُبيّن الآية مُعطى آخر من معطيات الإصلاح، ألا وهو (الاعتصام بالله) فالاعتصام بالله سبب الإصلاح ونتيجته.

5 ـ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[242].

6 ـ العدل والقسط:(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا)[243].

7 ـ الكلمة الطيّبة:من باب الدعوة إلى الحقّ بالحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن، باعتبار أنَّ فعل الإصلاح نوع من أنواع الدعوة إلى الله سبحانه، (جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)[244].

وحريٌّ بنا ـ ونحن نتحدَّث عن شروط وصفات المصلح ـ أن نذكر أنّ كل مَن يسعى للإصلاح عليه أن يتّخذ مَن الإمامَ الحسين× مثلاً أعلى في الصفات والسلوك العام، وفي هذا المضمار تحدّث السيّد هبة الدين الشهرستاني في منهجه في الإصلاح عن تأثيرات القائد البطل، متّخذاً من قيادة الإمام× مثلاً، ومن صفات الإمام وسلوكه اقتبس السمات والصفات المطلوب توافرها بمَن يقـود، أو يسعى للإصلاح، كسموّ الأخلاق، والترفُّع عن حمل الضغائن والأحقاد، إلى جانب اتّسامه بـالثبات ورباطة الجأش في المُلمّات ومواجهة الصعاب، متمسّكاً بمبادئه، ومتماسكاً في الدفاع عنها، دون أن يخالج نفسه وهن أو ضعف[245].

وما دامت حركة الإمام الحسين× هي في طبيعتها «مدرسة لطلائع الأمّة والمصلحين الذين ينشدون إصلاح أمّتهم ومجتمعاتهم، ويبحثون عن السُبُل التي تُوصلهم إلى تحقيق أهدافهم، وأخذ أمّتهم إلى سُبُل الخير؛ وذلك لما تحويه هذه الحركة الإلهيّة المقدّسة من رؤى وبصائر، يمكن لِمَن طالعها وتأمّل فصول أحداثها أن يهتدي إلى مجموعة النظم والاستراتيجيّات التي اعتمدها الإمام الحسين× في حركته ونهضته، كيما يستنير بها في مُعترك العمليّة الإصلاحيّة»[246]. لذلك كان من الضروري أن يقوم المنبر الحسيني ـ بصفته مصدراً مهمّاً وفعّالاً من مصادر الوعي الثقافي والديني والسياسي ـ بدور إصلاحي، مستفيداً من تلك النهضة المباركة، وذلك من خلال التركيز والاهتمام والحرص على طرح تـلك الرؤى والتأمّل في فصولها، لا أن يُختزل ذكر الإمام الحسين× على يوم إستشهاده، فإنّ بعض «محبّي الحسين يختزلون تأريخه في يوم إستشهاده في العاشر من محرّم، ولا يكاد أكثرهم يعرف عن تأريخه الحافل بالعطاء في مجال العلم والمعرفة والجهاد والعطف على الفقراء وإغاثة الملهوفين وقضاء حوائج الناس، ولعلّ سياسته في العدل الاجتماعي والالتزام بالحقّ هي التي أخافت خصومه، فتألّبوا عليه كما تألّبوا على أبيه من قبل...»[247].وبذلك تهتدي الأمّة إلى مجموعة تلك النظم التي اعتمدها الإمام× في نهضته؛ للاستفادة منها في عمليّة الإصلاح، وفي شتّى المجالات.

المطلب الرابع: بعض الحالات الاجتماعيّة السلبيّة وطرق إصلاحها (كنماذج تطبيقيّة)

هناك حالات اجتماعيّة سلبيّة تحصل في المجتمعات الإسلاميّة، ينبغي الالتفات إليها، ومعرفة الموقف الذي يجب أن يتّخذه الإنسان المسلم حال حصولها في مجتمعه، وهي إمّا مشكلات يعاني منها الشباب، أو مشكلات تعاني منها النساء، أو مشكلات تعاني منها الأُسر، ولا سيّما الزوجان والأولاد، ومشكلات عامّة أخرى، وسنحاول طرح بعض النماذج التي نعتقد أنّها الأخطر، وهي:

1 ـ الفقر.

2 ـ آفة الأميّة والجهل.

3 ـ الفرقة بين المسلمين.

أولاً: الفقر

بالنسبة للفقر كظاهرة اجتماعيّة، نجد أنّ للإسلام موقفاً حاسماً منه، وهو نبذ الفقر واعتباره ظاهرة سلبيّة، ودعا وأكّد على تغييره من خلال السعي في تبديل الظروف، وفي علاج المشاكل التي أدّت إلى هذه العلّة والمرض الاجتماعيين. «فإنّ كثيراً من الناس تُؤثّر فيهم سوء الأحوال المعيشيّة تأثيراً سلبيّاً، حيث يحوّلهم إلى ضعاف في أنفسهم، يبتغون الوسيلة عند كلّ قويّ بجاه أو مال، فإذا أصابوا منه شيئاً فرحوا به واطمأنّوا له واتّبعوا مُدَّعيه، متنكّرين لكلّ فكر وعقيدة ورؤية وتفسير لحالتهم وما سقطوا فيه من الضلال»[248].

أمّا بالنسبة للفقر كظاهرة فرديّة، فقد نظر الإسلام إليه على أنّه ابتلاء وامتحان، وأنّ في باطنه نعمة، ولكن مع ذلك لم يعدّه قدراً على الإنسان حتى المؤمن الممتحن، لذا كان المطلوب التعاطي مع الفقر بأمرين:

أحدهما: السعي لاستنزال الرزق.

والآخـر: الصبر، الذي يعني عمليّاً تجاوز آثار الفقر من الذلّ والهوان، وغير ذلك.

وفي النتيجة نستطيع القول:

ـ إنَّ الفقر الاجتماعي لا يمكن الصبر عليه، بل ينبغي السعي للقضاء عليه.

ـ إنَّ الفقر الفردي يجب الصبر عليه، وعدم الجمود، والسعي لتجاوزه باستنزال الرزق.

وفي كلتا الحالتين فإنّ التعاطي مع هذه الظاهرة هو تعاطٍ إصلاحي، ولا يمكن اعتبار هذه الظاهرة قدراً لا يمكن تجاوزه[249].

وبمناسـبة الحديث عن الصبر علينا الإفادة ممّا ذكره السـيّد محمّد باقر الصدر في كتـابـه (الإسلام يقود الحياة)، حيث أشار إلى ضرورة تصحيح بعض القيم الخُلقيّة الدينيّة التي اكتسبت طابعاً سلبيّاً، من خلال أوضاع التخلّف، وتحويلها من طابعها السلبي إلى طابعها الإيجابي الإسلامي الصالح، «فالصبر مثلاً قيمة خُلقيّة إسلاميّة عظيمة، ولكنّه اتّخذ طابعاً سلبيّاً نتيجة لأوضاع التخلّف في العالم الإسلامي، فأصبح الصبر عبارة عن الاستكانة، وتحمّل المكاره بروح اللامبالاة، وعدم التفاعل مع قضايا الأمّة الكبيرة وهمومها العظيمة، ولن تستطيع الأمّة أن تحقّق نهضة شاملة في حياتها ما لم تغيّر مفهومها عن الصبر، وتؤمن بأنّ الصبر هو الصبر على أداء الواجب، وتحمّل المكاره في سبيل مقاومة الظلم والطغيان، والترفّع عن الهموم الصغيرة من أجل الهموم الكبيرة»[250].

ثانياً: الجهل

للجهل مساوئ ومخاطر كثيرة على الفرد والمجتمع، فمعه لا يمكن بناء حضارة ونظام، ولا يمكن التقدّم والتطوّر، حيث «لا يتسنَّى للأمّة تحقيق الإصلاح إلّا بعد إنارة أدمغة أفرادها بنور العلم، فإنّ الدماغ أمّ الخيرات ومنشأ الكمالات وينبوع الحركات»[251].

وقد ذكر الدكتور الشيخ الفضلي& مشكة الجهل مضافاً الى مشكلة الفقر، بصفتهما من أهمّ المشاكل التي يعاني منها المجتمع الإسلامي، فقال: «إنَّ أهمّ المشاكل التي يعاني المسلمون ويلاتها وشرورها، وينؤون بأعبائها الثقيلة، هما مشكلتا (الجهل والفقر)، وعنهما تفرّعت أكثر المشاكل الأخرى، كمشكلة التقليد الأعمى للمدنيّات المستوردة، ومشكلة التأثّر بالحضارات الوافدة التي تتنافى ومبدأ الإسلام، وما ماثلهما»[252].

وقد حارب الإسلام مشكلة الجهل، وعمل رسول الله’ وبذل جهده؛ ليخرج العرب في الجزيرة من الجاهليّة، وكان يقابِل إعطاء الحرّية للأسرى من الروم بتعليم المسلمين[253].

كذلك أَولى الكثير من المصلحين هذه المشكلة اهتماماً كبيراً، فبعضهم يرى أنّ الاهتمام بالتعليم والتربية هو الطريق الذي يمكن أن تصل منه الأمّة إلى ما يُرسم لها من منازل العزّة ومدارج الكمال، فمثلاً كان السيّد محـسن الأمين يرى أنّ الإنسان لا يكون إنساناً حقيقيّاً إلّا بالتربية، فإذا تربّى أحبّ نفسه لأجل غيره، وهو بالتالي ينفتح على الآخرين بعد خرق دائرة الأنانيّة التي كان يعيش فيها جاهلاً أو أمّياً[254]. ومن ذلك تظهر لنا حقيقة خطورة الجهل وآثاره الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد ذُكر في بيان منهجه الاجتماعي أنّ اهتمام السيّد الأمين بالعلم يهدف في أبعاده ومراميه إلى إعداد مجتمع يؤمن بالعقل المنفتح على التطوّر، فيفهم العلوم الدينيّة والعصريّة فهماً صحيحاً، ويوفّق بين ما يأخذه من كليهما بشكل ينسجم مع متطلّبات العصر ومستجدّاته[255].

ثالثاً: الفرقة بين المسلمين.

لا يخفى ما لهذا الأمر من أثر خطير على كيان المجتمع الإسلامي، وقد «صَرَخ المصلحون فسمع المسلمون كلّهم عظيم صرخاتهم، بأنّ داء المسلمين تفرّقهم وتضارب بعضهم ببعض، ودواؤهم الذي لا يصلح آخرهم إلّا به ـ كما لا يصلح إلّا عليه أوّلهم ـ ألا وهو الاتفاق والوحدة ومؤازرة بعضهم لبعض، ونبذ التشاحن، وطرح بواعث البغضاء والأحقاد تحت أقدامهم، ولم يزل السعي لهذا المقصد السامي والغرض الشريف إلى اليوم دأب رجالات أنار الله بصائرهم، وشحذ عزائمهم، وأشعل جذوة الإخلاص لصالح هذه الأمّة من وراء شغاف أفئدتهم، فما انفكّوا يدعون إلى تلك الوحدة المقدّسة»[256].

ولكن هذا الأمر لا يكفي فيه مجرّد الدعوة إليه بالأقوال دون الأفعال، بل ينبغي أن نجد لأقوالنا وأعمالنا أثر، «ويستحيل لو بقي المسلمون على هذه الحال أن تقوم لهم قائمة، أو تجتمع لهم كلمة، أو تثبت لهم في المجتمع البشري دعامة، ولو ملأوا الصحف والطوامير، وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتّحاد والوحدة، كلّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدّي والحركة الجوهريّة، ويحافظوا على أخلاقهم وملكاتهم، ويكبحوا جماح أهوائهم ونفوسهم بإرسال العقل والرويّة والحنكة والحكمة، فيجد كلّ مسلم أنّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه، فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته، وذلك حين ينزع الغِلَّ من صدره والحقد من قلبه، وينظر كلّ من المسلمين إلى الآخر ـ مهما كان ـ نظر الإخاء لا نظر العداء، وبعين الرضا لا بعين السخط، وبلحاظ الرحمة لا الغضب والنقمة»[257].

الفصل الثالث

المنبر الحسيني وآثاره الإصلاحيّة في المجتمع

المبحث الأوّل: المنبر الحسيني وقضايا المجتمع

المبحث الثاني: المنبر وعمليّة التثقيف

المبحث الثالث: آراء عيّنات مـن المجتـمع في دور المنـبر الحسيني (استبيان)

الفصل الثالث: المنبر الحسيني وآثاره الإصلاحية في المجتمع

تمهيد

كانت لثورة الإمام الحسين× واستشهاده في كربلاء، عظيم العطاء على الأمّة الإسلاميّة جمعاء، ومهما تقادم الزمن على هذه الثورة فإنّ عطاياها تكاد لا تنتهي، لا بل العكس، تنمو وتتطوّر لتفاعلها مع المجتمع، وقد كان ولا يزال المنبر الحسيني منبعاً لنشر الوعي، واستنهاض الأمّة عبر العصور، ونظراً للدور الفعّال للمنبر الحسيني في عمليّة الإصلاح والتأثير في المجتمع، حيث إنّه يعيش ويواكب ويستشعر كلّ ما يتعرّض له هذا المجتمع من مشاكل وهموم، فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة، فالمنبر مؤسّسة عظيمة، بل «هو مؤسّسة من أعظم المؤسّسات الإسلاميّة الثقافيّة خيراً وبركة، بما يقوم به من دور فعّال في التوعية الدينيّة ونشر الثقافة الإسلاميّة، وبما يقوم به من الكشف عن ثروتنا الفكريّة، والحضاريّة، وبما يُؤدّيه من توجيه إسلامي صحـيح في غمرة التوجيهات الفكريّة والعقديّة والاجتماعيّة الغريبة عن تراثنا وعن حضارتنا»[258].

وقد تقدّم الكلام في الفصل الأوّل اهتمام أئمّة أهل البيت^ بشأن إحياء القضيّة الحسينيّة، وذلك بحثِّ شيعتهم على إقامة المجالس والمآتم الحسينيّة؛ من أجل إبقاء شعلة النهضة الحسينيّة متّقدة في النفوس من خلال أحداثها البطوليّة والمأساويّة، ومن خلال بيان أهدافها وعوامل النجاح فيها والنتائج التي تمخَّضت عنها. ونتيجة هذا الاهتمام والتأكيد من أهل البيت^، استمرّت مجالس التأبين على طوال التأريخ، ولا يظنّ أحد أنّ هذه المجالس الحسينيّة هي مجالس بكاء مجرّدة عن نشر القيم والوعي والفكر، وقد ذكرنا سابقاً في حديثنا في مراحل تطوّر المنبر الحسيني ما شهده المنبر من تطوّر كبير على صعيدي الشكل والمضمون[259]، فلم يعد يقتصر على ذكر المصيبة والتفاعل معها باللوعة والأسى، بل أصبح المنبر الحسيني ـ من خلال خطباء أكفاء ـ يخوض في مواضيع فكريّة وأخلاقيّة واجتماعيّة، ويناقش أفكاراً ويضع حلولاً ويردّ شبهات، «وهناك عوامل وعناصر قوّة كبيرة متوفّرة في المنبر والمجلس الحسيني، منها: الحالة الشعبيّة الجماهيريّة لهذه الظاهرة، حيث تنعقد المجالس بمبادرات أهليّة لا شأن ولا دور للسلطات فيها، ويختار الناس خطباءهم وفق رغبتهم، ودون تدخُّلٍ من أحد، وأيضاً تجاوب الناس وإقبالهم والتفافهم حول المجالس الحسينيّة، وخاصّة في أيّام المحرّم وسائر المناسبات الدينيّة، أمر يدعو إلى الإعجاب والدهشة، كما أنّ الأجواء العاطفيّة المشحونة التي تسيطر على المجالس تجعل القلوب والنفوس مستعدّة للتأثّر والتفاعل مع ما يبثّه الخطيب»[260].

ولكي نطَّلع على دور المنبر في الإصلاح، وأنّه جاء من أجل الإصلاح ـ منطلقاً من قول الإمام الحسين×: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي...»[261] ـ ونتعرّف على الأدوار التي قام بها المنبر من أجل بناء المجتمع الإسلامي، وتوعية الجماهير إلى أهمّية نشر الوعي الديني؛ كان لا بدّ من دراسة ومعرفة ما قدّمه هذا المنبر من عطاء وإصلاح وتغيير على كافّة الأصعدة والمجالات، وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.

المبحث الأوّل

المنبر الحسيني وقضايا المجتمع

إنَّ المنبر الحسيني يمثّل صوتاً ملحّاً يواصل الدعوة إلى العمل في خطّ الإصلاح، وهو بذلك لم يكن مجرّد تعبير عن آهة وتشنّج عاطفي، إذ إنّ الدماء التي سُفكت في واقعة الطفّ كان هدفها رفع راية الحقّ، وإبطال الباطل، ومثل هذا الهدف لا يحصل إلّا بوسائل، ومنها البيان.

وإذا كان المنبر تجسيداً لصوت الطفّ فإنّ صوت الطف لم يكن من أجل فئة خاصّة، بل كان صوت الإنسان المظلوم المعبّر عن همومهم، وما أجدر هذا المنبر بأن يكون على مستوى التعبير عن آلامهم وآمالهم، وخصوصاً المسلمين في المجتمع[262].

ولمّا كان المنبر الحسيني الوسيلة المهمّة لتحقيق الاتّصال بالجماهير ـ ولا يخامرنا الشكّ في ذلك؛ لِمَا نراه من تحشّد العشرات أو المئات، وربّما الألوف طوعاً أمام المنبر، الأمر الذي تعجز أيّ وسيلة إعلاميّة أخرى عن تحقيقه، ولَمَّا كان المنبر بهذه الفعاليّة ـ فلا بدّ له أن ينفتح على قضايا الناس الحيويّة، وأن يكون له دور متميّز في التوجيه والإرشاد وبناء الذات.

وفي لقاء مع الخطيب السيّد محمّد الصافي[263] حيث سألته ماذا يقول عن المنبر الحسيني في الوقت الحاضر، هل له أثـر على المتلقّي؟ وهل حقّق إصلاحاً؟ فأجاب: «نستطيع ان نُعطي جوابين، الأوّل: أنّه نعم حقّق ذلك، بدليل ارتباط الناس مع المنبر، وتلازمهم ومواكبتهم معه، وخير دليل ما نراه من حضور في مجالس مناسبات أهل البيت^، والجواب الثاني: أنّ الموضوع نسبي بحسب الخطيب والخطابة والناس»[264].

لذلك كان «هذا المنبر بكلّ صوَرهُ ومصاديقه، وفي مختلف أزمنته وأمكنته كان دائماً يلبّي حاجات المؤمنين، ويسهم في بناء الشخصيّة الإنسانيّة، ويحافظ على فكرها الصحيح، وينير دربها بإيضاح الحقائق وكشف الأكاذيب، والسموّ بالإنسان نحو الكمال والرُقيّ بالمواعظ والحكم الإلهيّة، والحثّ على الالتزام بالسنن الإسلاميّة، والسير على نهج الرسالة المحمديّة، التي أقامت أرقى حضارة عالميّة بعد أن فتحت آفاق المعرفة الإلهيّة للناس بواسطة مشاعلها الاثني عشر من أئمّة الهدى×، وفتح طريق التحرّر، ومقارعة الظلم والظالمين، والنهل من مدرسة الإمام الحسين ونهضته العظيمة»[265]. وبالتالي فيجدر بخطيب المنبر الحسيني مراعاة رسالة المنبر هذه، فكلّما كانت الموضوعات التي يتناولها ذات مساس بواقع الناس وحاجاتهم، وما يعيشون من آمال وآلام؛ كان المنبر أكثر توافراً على أداء رسالته ومهمّاته، وهذا الأمر تجده واضحاً في جماهير المنبر الحسيني، حيث نراها تؤمّ خطيباً دون آخر، وربّما قصدته لمسافات بعيدة نسبيّاً، وتكون حريصة على اقتناء أشرطة محاضراته المسجّلة؛ لأنّها تجده خطيباً يعيش معها في أبعاد حياتها وهمومها[266].

والمنبر اليوم يتمتّع بمكانة ومنزلة عالية في نفوس أبناء الأمّة على اختلاف طبقاتها من شباب وكهول وشيوخ، وليس أدلّ على هذه المكانة من احتشادهم في المجالس الحسينيّة والورود إليها.

وفي هذا المبحث سنتحدّث عن بعض معطيات المنبر الحسيني، وأبرز الأدوار التي قام بها اتّجاه قضايا المجتمع حتى الوقت الحاضر، وسيكون لنا بحث آخر في سُبُل الارتقاء والتجديد ومعالجة السلبيّات في الفصل الرابع من هذا البحث.

المطلب الأوّل: أبرز الأدوار التي قام بها المنبر الحسيني

المنبر الحسيني قوّة فاعلة عظيمة الأهمّية في التوجيه الاجتماعي، ونستطيع معرفة ذلك من خلال التعرّف على الأدوار الآتية:

أوّلاً: الدور الولائي

إنّ للمنبر الحسيني دوراً كبيراً في تعميق الارتباط بالله تعالى وبالإسلام وأهل البيت^، ذلك لأنّ الإمام الحسين× قدّم نفسه قُرْباناً لتثبيت دعائم الرسالة المحمديّة، وتعميق الحبّ والولاء انطلاقاً من قولهم^: «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا»[267]. «وعليه فَرِجال المنبر الحسيني يقومون بدور التبليغ والدعوة إلى الله تعالى، والتثقيف والتوعية، من خلال تعريفهم الجمهور بقضيّة الحسين×، وإبقائها جذوة مشتعلة في نفوس الناس؛ لأنّ سيّد الشهداء× اقتدى بهدى الأنبياء^، ومثَّل حركتهم وأهدافهم، وعلينا أن نقتديَ به ونهتديَ بهداه، فإنّه نِعمَ القدوة والهادي إلى الحقّ»[268].

ولهذا المنبر أثر كبير في نشر الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت^ في جميع أنحاء العالم، بأقوى الوسائل وأبسطها وأشدَّها تأثيراً في النفوس، بما يُذكَره فيه من سيرة وبذل أهل البيت^ أنفسهم وأموالهم ودماءهم، وهم رؤساء الدين الإسلامي في سبيل نصرة دين الإسلام[269].

والمنبر الحسيني، ونظراً للرافد العظيم الذي يرفدهُ، ألا وهو تراث الإمام الحسين× في الفكر والتربية والأخلاق والقيم، فهو بذلك يتحوّل إلى منظومة ثقافيّة واسعة، وحركة عقلانيّة منظّمة، تطلّ على شخصيّة الإمام من جميع جوانبها، دون تركيز على (الجانب المأساوي) وحده، نعتزّ به ميراثاً إنسانيّاً، وليس فعلاً يختصر شخصيّة الحسين ويهمّش فعّاليتها، بل ينبغي تفحّص تراث الإمام الحسين× في الفكر والعلم والتربية والأخلاق والقيم والأدب والشعر والعرفان الروحي، والإصلاح الاجتماعي، والنشاط السياسي، وأن تُعقد حوارات بين هذا التراث والواقع الإنساني، فتستنطقه الأمّة في قضاياها الإنسانيّة المعاصرة، وتستمدّ منه معرفة مستنيرة قادرة على مواجهة إشكاليّات العصر[270].

وطالما كان للمنبر الحسيني دورٌ في إصلاح الفرد، وذلك من خلال توظيف الجانب العاطفي عند عرضه مظلوميّة الإمام الحسين× وعظمة تضحياته، والتأكيد على أنّ مَن يحبّ الحسين ويبكي علىه يجب أن يقتدي به وبنهجه، ويرفع راية الإصلاح معه، ويبذل كلّ غالٍ من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم. وقد ذكرنا سابقاً[271] أهمّية ودور البكاء على الحسين× في تجسيد الحبّ والولاء، «والحال، أنّ البكاء ليس فرضاً إسلاميّاً، ولا واجباً دينيّاً أو شرعيّا، ولا ركناً من أركان التشيّع، وإنّما هو ظاهرة حبّ وولاء للحسين×، والبكاء عليه؛ لمواساته وحيث يتوقّع المرء الحصول على الأجر والثواب في اليوم الآخر، وكذلك التأسّي بالنبي الكريم’ وأهل بيته^»[272].

وإذا كان الناس قد أفرطوا في حُبِّ الحسين والتأثّر بمواقفه السياسيّة والجهاديّة، فإنّنا نطالبهم بالإفراط في اتّخاذه قدوتهم في المعرفة والأخلاق والإصلاح الاجتماعي والأدب والتربية الجهاديّة والانتصار على شهوات الذات، والمبالغة في الارتباط بكلّ جانب من جوانب حياته المضيئة. فالحبّ لوحده «لا يكفي، فيما الولاية تعني الالتزام بالموقـف، والموقف فكرٌ تلتزمه، وعاطفة تعيشها، وخطوات تتـحرّك فيها...، أجل: فما معنى أن تحبّ أهـل البيت^ وأنت تلتزم خطّاً غير خطِّهم، ونهجاً غير نهجهم، وفكراً غير فكرهم، وهدفاً غير هدفهم»[273]. فعلينا مع تجسيد الحبّ والولاء لأهل البيت^ أن نلتزم خطّهم ونستلهم من أخلاقهم العظيمة، وسيرتهم الكريمة؛ لنكون بذلك زيناً لهم، لا شيناً عليهم.  

ثانياً: الدور الاجتماعي

إنّ الدور الاجتماعي الذي يقدّمه المنبر دور كبير، حيث يجتمع حول منبر الإمام الحسين× أعداد كبيرة من أفراد المجتمع، ومن مختلف الشرائح الاجتماعيّة، ويمثّل موسم عاشوراء فرصة مناسبة للتلاقي بين هذه الفئات، كما «أنّ الاجتماع في تلك المجالس يكون مانعاً عن اجتماع البطّالين في القهوات والمجالس المعلوم حالها، خصوصاً في مثل هذا الزمان، فإنَّ الإنسان مدني بالطبع ولا بدّ له من الاجتماع مع أبناء جنسه، إمّا على خير أو على شرّ، فالاجتماع في هذه المجالس مانع عن الاجتماع في مجالس الشرّ، لا سيّما أنّها تشتمل على ما يجذب النفوس إليها ويرّغبها فيها»[274]. ومن هنا تكون الحاجة للاستفادة من أجواء الموسم في تعزيز أواصر الوحدة، كذلك غدا للمأتم الحسيني ومن خلال المنبر والخطيب الواعي، دور في طرح المشاكل الاجتماعيّة القائمة، والسعي لعلاجها وحلّها، ولا يمثّل هذا ابتعاداً عن أهداف حركة المنبر الحسيني كما قد يرى البعض، بل هو استثمار أمثل لدور المنبر لحلّ قضايا الناس ومشاكلهم وعلى كافّة الأصعدة، فلقد «غدا المأتم الحسيني في العصر الحاضر يعالج القضايا الاجتماعيّة والتربويّة، تارة بصورة مباشرة، وأخرى بصورة غير مباشرة، فإنّ الخطباء البارزين في ثقافتهم وتطلّعاتهم يعالجون في كلامهم على المنبر الحسيني قضايا التمزّق الاجتماعي، الناشئ من سيطرة الرواسب القبليّة والعشائريّة على المجتمع، وقضايا التعاون الاجتماعي، والتكافل الاقتصادي، وقضايا تقليد الغرب في حضارته المادّية وانحلاله الأخلاقي، كما تعالج بعض المسائل المتعلّقة بتربية الأطفال، ومناهج التعليم. وخطيب المنبر الحسيني يعالج القضايا بنقل أفكار الباحثين المسلمين أو غير المسلمين، مع التصريح بأسماء هؤلاء الباحثين، أو إغفال أسمائهم، وكثيراً ما يكون بحث الخطيب في هذه القضايا امتداداً لحديثه عن الإسلام في عقـيدته وأخلاقيّاته، أو في ردّ الشبهات التي تُثار حوله، أو في المقارنة بين ما عليه حاضر المسلمين وما كانوا عليه في ماضيهم المجيد»[275]، فالخطيب الحسيني يتحمّل مسؤوليّة كبيرة في رصد المظاهر السلبيّة في المجتمع، ومحاولة معرفة سُبُل علاجها وطرحها من خلال المنبر، «وإنّ من واجب المنبري ممارسة كلّ صنوف الأعمال المعادية للفساد، والمؤيّدة للخير والصلاح، وبذلك يكون خطيب المنبر قد مارس دوراً اجتماعيّاً نهضويّاً، بحيث يمكن أن يُشار إليه على أنّه من موالي الإمام الحسين×، ومن مؤيّدي نهضته، والسائرين على نهجه الرسالي، كما أنّ ممارسة هذا الدور الاجتماعي المهمّ تتطلّب من الخطيب الحسيني مراقبة الواقع الاجتماعي، ورصد كلّ مظاهره السلبيّة؛ ليعمل على كشفها للملأ، وبما يؤدّي إلى التعامل معها بطريقة تؤدّي إلى القضاء عليها»[276].

لذلك كان من الضروري أنْ يتسلَّح الخطيب بالثقافة والمعرفة الفقهيّة والأصوليّة، بالإضافة إلى مناهج معرفيّة أخرى كالسِيَر، وخاصّة سيرة نبيّنا محمد’ والأئمّة الطاهرين؛ لتصبح مقياساً لأعمال الأمّة وسلوك أبنائها، فلا يندفع الخطيب لمعالجة أمر ما بدون خطوات مُمنهجة ومدروسة عارفاً عواقبها ونتائجها.

وقد أشار الشيخ الوائلي إلى أنّه من أهمّ مقوّمات المنبر، النضوج في المعالجات، والوقوف عند ضوابط الشريعة، حيث قال: «فكم من تضحيات ذهبت هدراً، ودماء راحت بدون ثمن؛ لأنّها عُولجت من غير أهلها، وفي غير محلّها، ولأنّها لم تتقن وسائلها، ولا أقول إنّنا يجب أن نُكبّل المنبر عن أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع توفّر شروطها، ولكنّني أقول يجب أن يتخصّص القائم بذلك في معرفة المعروف والمنكر وطُرُق معالجتهما؛ حتى نكون في دائرة الضوابط الشرعيّة، وحتى لا يُسفك الدم، ويذهب الجهد، وتُجهض المقاصد، ونكون بعد ذلك وجهاً لوجه أمام المسؤوليّة مع الله تعالى»[277].

ونعتقد أنَّ الخطيب لا ينحصر هدفه بإطار الخطابة فقط، بل هو مبلِّغ، والتبليغ أوسع من الخطابة، «إنّ الخطيب الرسالي يسير على خطّ الأنبياء، وعمله امتداد لعمل الأنبياء في إثارة العقول، وإيقاظ الضمائر، وتنشيط الفكر، وبثّ الوعي في الأمّة. قال الإمام أمير المؤمنين× في حكمة بعثة الرسل والأنبياء: (فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأذنوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسي نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول)[278]، إنّ المقصود من إثارة دفائن العقول هـو إخراجها من تحت ستار الأهواء والغفلة، وإطلاقها بعد انغلاق، وإيقاظها بعد السُبات، وتفعيلها بعد الإهمال»[279].

ويستلهم المنبر الحسيني من عاشوراء دروساً عظيمة في الصبر والتسليم لقضاء الله، فيقدّم الخطيب الحسيني هذه الدروس بشكلها الصحيح، فتعطي الجمهور وعياً وفكراً وإرادة، فإنّنا كثيراً ما ننهزم أمام مصائبنا، وكثيراً ما نسقط تحت وطأة الحدث، ونغضب على قضاء الله وقدره عند الموت، أو المرض الشديد، أو المحن، أو الخوف...، ثمّ نقف على مثال زينب‘،وعلى أمثلة كربلاء، وهي متعدّدة، وهذا كلّه يقدّم صورة راقية من الصمود، من الصبر والتحمّل والتسليم لقضاء الله وقدره[280].

كما أنّ هناك قضايا مجتمعيّة كثيرة ساهم المنبر الحسيني بحلّها، وربّما لا يتّسع المجال لتسليط الضوء عليها، وبعض القضايا لا يحتاج الخطيب سوى تذكير الناس بها، فمجرّد أن يذكر الخطيب خطابات الحسين× أو غيره من الأئمّة الطاهرين^، فيكون ذلك التذكير بمثابة الدعوة إلى الفضيلة، فمثلاً عندما يذكَّر بنداء الإمام الحسين× بالحرّية: «كونوا أحراراً في دنياكم»، فهذا يشكّل في النفس المُحِبَّة للحسين دافعاً للسعي من أجل الحرّية، أو نسمع: «هيهات منّا الذلّة»، فنجده شعاراً للكرامة التي خطّها الإمام الحسين شرياناً مُغذّياً للإنسانيّة، وما نحتاجه اليوم تصفّح كلمات النور لهذه الرسالة، فنجد العلاج لكلّ مشاكلنا الاجتماعيّة.

ثالثاً: الدور التربوي والروحي

يقوم المنبر الحسيني بدور أساسٍ في تربية الأمّة، وتنشئة أبنائها على الارتباط بالقيم والمفاهيم الإيمانيّة والروحيّة، حيث «يخاطب المنبر الحسيني عقول الجماهير وقلوبها وعواطفها، فيؤثّر فيها تأثيراً مشهوداً، فهو يليّن القلوب ويرققّها عند الموعظة، ويثير حميّة الجماهير عند الحاجة، فكم من عاص تراجع عن غيّه فتاب من ذنبه ورجع إلى طاعة ربّه عند سماعه موعظة من خطيب حسيني، وكم من شخص جادَ بالمال عندما استعرض الخطيب مضرّات البخل وعقابه، وفوائد الأنفاق وثوابه»[281]، وهذا كلّه بسبب الاهتمام البارز الذي يوليه الشيعة لأيّام عاشوراء، ممّا ينعكس على الحالة الروحيّة التي يعيشها الإنسان الشيعي، فحتى غير الملتزمين دينيّاً منهم يجدون أنفسهم قريبين من أجواء الهداية والالتزام، ولهذا يُعَدُّ مجلس المنبر الحسيني «نادٍ للوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يجري هذا المجرى، ففيها جلب إلى طاعة الله وإبعاد عن معصيته بأحسن الطرق وأنفعها بما يُلقى فيها من المواعظ المؤثّرة، وقضايا الصالحين والزهّاد والعبّاد وغير ذلك»[282].

ويعتمد الخطيب الحسيني على تعريف الجمهور بالمنهج التربوي عند أهل البيت^، الذي يُعَدُّ بخصائصه الحجر الأساس في بناء الشخصيّة الإسلاميّة ِلَمن يلتزم بها، ولهذا المنهج مزايا عديدة، نذكر منها: شموليّة المنهج التربوي، فهو منهج يمتاز بالشمول، ويراعي الإنسان في جميع مقوّماته وجوانبه، ويواكب حركة الإنسان في جميع مراحله، ويدعو إلى إصلاح المحيط التربوي المتمثّل بالأسرة والأصدقاء، وكلّ ما له دور في التأثير على الإنسان. ومن مزاياه أيضاً التوازن والاعتدال، حيث يضع لكلّ شيء حدوده وقيوده، فهو يراعي حاجات الجسد والروح في آنٍ واحد، كذلك يوازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة.[283]

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الخطيب الحسيني الذي يجعل هدفه الإصلاح والتأثير في نفوس الحاضرين، ويسعى إلى تنمية روح التقوى في الإنسان المسلم، تجده يأخذ على عاتقهِ مسؤوليّة تقوية العلاقة بين الإنسان وربّه، ولا يؤيّس الناس من رحمة الله وعفوه عن المذنبين، وبما أنّ حضور مجلس عزاء الحسين× والتفاعل مع مصيبته يوجب انكسار القلب، فتجدهُ عند ذلك يسعى لأجل استثمار هذه الفرصة لإحداث الإصلاح والتغيير والتوبة.

كما أنّ للمنبر دوراً كبيراً في تربية الأجيال على العقيدة الصحيحة، وتحصينهم من كلّ ما يحيط بهم من شبهات وافتراءات، فقد «أخذ هذا المنبر على عاتقه تربية الأجيال جيلاً بعد جيل، وتوعيتهم، وإبراز واقعهم، وكشف ما يحيط بهم من افتراءات وأباطيل في عقائدهم، وكشف زيف التأريخ الإسلامي، وما أُدخل فيه من الكذب والدسّ وتشويه الحقائق، بكشفها وإظهارها بصوَرها البيض الناصعة»[284].

ومن الجدير بالذكر أنَّ المنبر الحسيني منذ بداياته وحتى وقتنا الحاضر، قد بقي محافظاً على ذكر الحسين× وشجاعته ورفضه للظلم، مضحّياً بالنفس والمال والولد والأصحاب، وهذا الذكر بحدّ ذاته له ما له من الأثر في النفوس وتربيتها، لذلك كانت المنابر الحسينيّة ولا تزال «تغرس في النفوس حبّ الفضيلة والاعتماد على النفس والشجاعة وعزّ النفس وإباء الضيم، وعدم الخنوع للظلم ومقاومته بأقصى الجهد بإيراد ما صدر من الحسين× من اختيار المنيّة على الدنيّة، وموت العزّ على حياة الذلّ، ومصرع الكرام على طاعة اللئام»[285].

ومن ذلك نرى ما للمنبر من دور عظيم في تعويد المجتمع على عادات وسلوكيّات مستوحاة من نهضة الحسين×، بكلّ ما تحمله من دروس وعِبَر، وقد اكتسب الخطاب الذي يُطرح من على منبر الحسين قدسيّة خاصّة بسبب ارتباطه بسيّد الشهداء×.

رابعاً: الدور السياسي والجهادي

ثورة الإمام الحسين× انتفاضة على واقع سياسي متردٍّ، ومشروع لبناء وإقامة واقع سياسي أمثل، ومن هنا تبرز ضرورة أن يكون للمنبر الحسيني دوره الهامّ في تبيين معالم هذا الواقع السياسي، وما هي ملامح الأطروحة الأمثل،فمّما لا شكّ فيه أنّ انطلاق القضيّة الحسينيّة كان لإصلاح واقع فاسد كان قائماً، وهي لم تحصر نفسها في فترة تاريخيّة محدودة لتكون كأيّ واقعة من وقائع التأريخ، بل ما يميّز القضيّة الحسينيّة أنّها انطلقت لإصلاح الواقع على مدى العصور كافّة، باعتبار أنّ مَن قام بها هو إمام معصوم، وتحرّكه يمثّل منهجاً متكاملاً للأجيال التي تقتدي بهِ، فإنّ الواقع المجتمعي الذي يوالي الحسين× يرتبط في جميع تحرّكاته الحياتيّة والمطلبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة بهذهِ القضيّة، ويستمدّ منها مفاهيمه للتحرّك نحو حقوقه، ويستمدّ منها ضرورة البحث عن العدالة والسعي لتحقيقها، ويرفض كافّة أشكال الظلم والتمييز[286].

لقد عُدَّ المنبر الحسيني موقعاً متقدّماً من مواقع التثقيف الإسلامي، فهو المنبر الذي يجتذب الجماهير الإسلاميّة اجتذاباً تقليديّاً، الأمر الذي منحنا الفرصة للنفاذ إلى عقولهم وقلوبهم من خلال العنوان الإسلامي الكبير للذكرى، فيدفعهم إلى الانفتاح على إسلام الفكرة والحركة والثورة، من خلال انفتاحهم على الإمام الحسين× الذي يمثّل التجسيد الحيّ لذلك كلّه، فتكون الذكرى مدرسة إسلاميّة شعبيّة متنوّعة الأبعاد والأساليب، ووسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام[287].

ويأتي اهتمام المنبر بالشأن السياسي من حيث إنّ السياسة في الوقت الحالي أصبحت ترتبط بحياة كلّ الناس وشؤونهم، فلا يمكن لهذا المنبر أن يتجاهل هذا البعد. وقد ذكرنا سابقاً في موضوع مراحل تطوّر المنبر[288]، أنَّ المنبر الحسيني حافظ على عنصرين في كلّ أدواره التي مرّ بها، العنصر الأوّل، هو الجانب العاطفي والمأساوي في أحداث كربلاء، والعنصر الثاني، هو نقد الوضع السياسي الأُموي، وقد تمتدّ عمليّة النقد لتشمل الوضع السياسي القائم فعليّاً، وذلك حسب الظروف المتاحة للخطيب، «واستمرّ نقد السلطة أيضاً، ولا يزال النقد ينصبّ على الأُمويين والعبّاسيين وغيرهم من الذين مارسوا سياسة ظالمة بالنسبة إلى أهل البيت وشيعتهم، وأمّا الحكومات القائمة فعلاً فإنّ النقد يتناولها في بعض الأحيان في حدود الحرّية المتاحة للخطيب في الكلام والتعبير عن الرأي»[289].

ولا بدّ لنا من أن نذكر ما للمنبر ـ وعلى مرّ التأريخ ـ من مواقف سياسيّة لا يمكن إغفالها، فقد «حفل تأريخ المنبر الحسيني بالمواقف الثوريّة والأعمال البطوليّة، ففي ثورة العشرين في العراق شارك مجموعة من خطباء المنبر الحسيني في الدفاع عن استقلال العراق، وفي طليعتهم الخطيب السيّد صالح الحِلِّي[290]، والخطيب الشيخ محمّد علي القسام[291]، والخطيب الشيخ محسن أبو الحَبِّ[292]، وغيرهم، وفي أيّام المدّ الشيوعي الكافر في المنطقة الإسلاميّة وقف المنبر الحسيني أمام الكفر والإلحاد بصلابة، وواصل الدفاع عن الإسلام ببسالة، وأبلى الخطباء بلاءً حسناً في إعلاء كلمة الله، ودحض الإلحاد والكفر»[293].

وبرزت على مرّ التأريخ مواقف جليلة للشعراء والخطباء، حيث أعلنوا تذمّرهم ونقدهم الصريح للسلطة الحاكمة، ممّا أدّى إلى لجوء السلطات إلى إبعاد بعضهم، ورغم كلّ ذلك استمرّ شعراء وخطباء المنبر الحسيني رغم التهديد والوعيد والإبعاد عن الوطن والاعتقال، على توجيه نقدهم وإعلان غضبهم، وكذلك إثارة الشعور الوطني لدى المواطنين ضدّ الأوضاع السيّئة والتمايز الطائفي[294].

وما زال خطباء المنبر الحسيني ـ في بعض الدول ـ يتعرَّضون لكثير من المضايقات وصنوف الأذى، «حتى أنَّ الكثير قد تعرَّض إلى مآسٍ من التشريد والملاحقة بأهلهِ ومالهِ، وبالتالي بنفسه، واستُشهد الكثير منهم ـ تغمّدهم الله برحمته ـ على أيدي الجلّادين والقتلة»[295].

وكان لخطباء المنبر الحسيني في إيران دور كبير جدّاً في توعية الناس وتثويرهم، في مواجهة نظام الشاه حتى القضاء عليه، ولهذا كان السيد الخميني دائماً ما يردّد مقالته التي اشتُهرت عنه: « إنّ كلّ ما لدينا هو من عاشوراء»[296].

كما كان للمنبر الحسيني أثر كبير في حثّ الناس على الجهاد والمقاومة، «وفي لبنان كانت لأيّام عاشوراء ولخطباء المنبر الحسيني، أبلغ الأثر في حثّ الأمّة على مواجهة الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، حيث استثمرت التجمّعات الجماهيريّة الواسعة حالات التعاطف العميقة مع ثورة الإمام الحسين×؛ من أجل حثّ الناس على الجهاد والمقاومة، وكان علماء المقاومة الإسلاميّة وخطباؤها يؤكّدون حالة الربط بين موقف الإمام الحسين، وما ينبغي أن تكون عليه مواقف المؤمنين اليوم»[297].

فالمجاهدون الذين عاشوا الحسين× قضيّة، وقوّة، وبطولة، وعزّة، وحرّية، عندما كانوا يحضرون مجالس عاشوراء لم تكن المسألة فقط هي ذرف الدموع، ولكن كانوا يحرّكون عقولهم، ولم تكن المسألة هي أن يتحسّسوا الضعف أمام المأساة، ولكنّهم كانوا يعملون على أن يتحسَّسوا الثورة ضدّ كلّ مَن يصنع المأساة للإنسان في الحياة[298].

وفي وقتنا الحاضر حيث واجه العراق تلك الهجمة الشرسة من الإرهاب الداعشي، التي على إثرها كان إعلان المرجع الديني الأعلى في العراق السيّد علي الحسيني السيستاني فتوى الجهاد الكفائي لكلّ مَن يستطيع حمل السلاح، والقتال ضدّ تلك العصابات الإرهابيّة في سبيل الحفاظ على وحدة الشعب العراقي، وحفظ أرواح المواطنين، ومن أجل الدفاع عن المقدّسات، وقد لبّى الشعب نداء المرجعيّة وبفئاته كافّة من شباب وكهول، فكان على أثرها تشكيل الحشد الشعبي في العام 2014م.

أمّا دور المنبر الحسيني في هذه المرحلة، فنعتقد أنّ الشعب الذي لبّى نداء المرجعيّة وبكافّة فئاته، هو بالحقيقة حصيلة تربية المنبر الحسيني، وأثره في غرس روح التضحية والفداء تأسّياً بالحسين الشهيد×، فإنّ «الجيل الذي يقاتل في العراق ضدّ الإرهاب الداعشي هم من تربية المنبر الحسيني، فتراه وهو في ساحات القتال ينادي: «لبّيك يا حسين»، وهذا النداء إنّما هو من ثمرات المنبر»[299].

ويتجسّد دور المنبر أيضاً في تربية الأمّة على احترام علمائها ومراجعها ومقدّساتها، ففي «الأزمات العسكريّة والجهاديّة يأتي دور المنبر الحسيني في تعليم الناس أسباب الانتصار، وأسباب الانهزاميّة التي تؤدّي إلى الفشل في المعارك، وتوعـية النـاس لحركة اجتماعيّة واسعة في هذا الظرف، فتجد ـ مثلاً ـ أبناءنا في جهادهم ضدّ داعش، وهم في صفوف الحشد الشعبي يقاتلون، والمرأة تساهم من موقعها بإعداد الغذاء»[300].

كما أنّ دور المنبر الحسيني في مجال الوعي السياسي ينبغي أن لا يكون من خلال التحريض ضدّ فئات أو جهات معيّنة، ولا يكون من خلال إطلاق الشعارات السياسيّة، أو التعبئة ضدّ أشخاص معيّنين، كذلك الابتعاد عن أجواء الشحن الطائفي، وهذا الأمر أكَّدت عليه المرجعيّة الدينيّة في توصيّاتها للخطباء، وأكّدت على هذا الأمر خصوصاً في ظلّ ما تتعرّض له المنطقة والعراق بوجه الخصوص من أزمات يُراد لها أن تكون طائفية[301].

المطلب الثاني: المنبر الحسيني وقضايا المجتمع المعاصر

إنَّ ربط الموضوعات والمسائل التي يتناولها المنبر بالواقع الاجتماعي المعاصر وقضاياه، هو الذي يجعل من المنبر الحسيني وسيلة مؤثّرة وجاذبة، أمّا الخطاب التجريدي البعيد عن هموم الناس وشؤونهم، والذي يناقش قضايا لا تنسجم مع طبيعة المرحلة وقضاياها، فيؤدّي بالشباب المثقّف إلى الابتعاد عن المنبر، والبحث عن وسائل أخرى.

إنّنا نُدرك أنّ الخطباء متنوّعون في ميولهم واهتماماتهم، وهذا أمر حسن ومطلوب، لكنّ المهمّ هو أن تكون الموضوعات المطروحة تمسُّ الواقع الاجتماعي، والثقافي، والأسري، والفكري، والأخلاقي للناس.

كما يعمل المنبر الحسيني على إيجاد الحلول لبعض مشاكل العصر، ولا يكتفي بالحديث عنها فقط، وقد كان للمرجع الديني الأعلى السيّد علي الحسيني السيستاني توصيّات لخطباء المنبر الحسيني، أكّد فيها على «طرح المشاكل الاجتماعيّة الشائعة، مشفوعة بالحلول الناجعة، فليس من المستحسن أن يقتصر الخطيب على عرض المشكلة، كمشكلة التفكّك الأسري، أو مشكلة الفجوة بين الجيل الشبابي والجيل الأكبر، أو مشكلة الطلاق، أو غيرها، فإنّ ذلك ممّا يُثير الجدل دون مساهمة من المنبر في دور تغييري فاعل، لذلك من المأمول من رواد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من ذوي الخبرة الاجتماعيّة، وحملة الثقافة في علم النفس وعلم الاجتماع، في تحديد الحلول الناجعة للمشاكل الاجتماعيّة المختلفة...»[302].

إلى هنا نكون قد بينّا أهمّ الأدوار والمهمّات التي يتولّاها المنبر الحسيني، حيث رأينا كيف تنوّعت الأدوار وتعدّدت نشاطاتها، إذ لم يعد المنبر الحسيني اليوم مقتصراً على سرد حوادث كربلاء، والتوقُّف عند الجانب العاطفي في بعض الحوادث، حيث «أصبحت مسألة الطفّ في المنبر الحسيني مجرّد عنوان، بينما توسّعت مادة المنبر، لتتناول معظم أبعاد المعرفة»[303]،لذلك فمسؤوليّة المنبر الحسيني كبيرة جدّاً أمام الله تعالى والرسول والأئمّة المعصومين^، فلو قام المنبر بتلك المسؤوليّة وتلك الأدوار، واستفاد من دروس النهضة الحسينيّة لتحفيز القدرات الإنسانيّة نحو التغيير، واستطاع الجمهور الالتزام بتلك الدروس العظيمة، فإنّه ـ حتماً ـ سيكون قوّة لتحريك الناس وقيادتها إلى الخير والصلاح.

المبحث الثاني

المنبر وعمليّة التثقيف

كان لخطباء المنبر الحسيني الأثر الكبير في إحياء أيّام عاشوراء المباركة، لكونهم الأعمدة الأساسيّة في مجالس العزاء التي يحييها محبّو أهل البيت^، وعمل الكثير منهم على نشر الثقافة الإسلاميّة، والفكر الإسلامي خاصّة، والفكر الإنساني عامّة، بما قدّموه من محاضرات قيّمة في الفكر والعلم والتفسير، وهم من الذين عملوا على الاستفادة من منبر الحسين× في التثقيف والتربية والتوعية الإسلاميّة، من دون أن تقتصر مجالسهم على السيرة الحسينيّة وأحداث واقعة الطفّ[304].

لقد طرأت تطوّرات عديدة على المنبر الحسيني، وذلك بجهود خطباء استطاعوا أن يرتفعوا بمستوى أداء المنبر، ليواجه التحدّيات الفكريّة والثقافيّة التي غزت العالم الإسلامي في العصر الحديث والمعاصر، فلم يعد المنبر الحسيني مقتصراً على الجانب العاطفي الحزين من واقعة كربلاء، بل تعدّاه إلى جوانب أخرى، فإنّ «للمنبر الحسيني بعدين، الأوّل: ديني تعبّديّ، والثاني تثقيفي تربوي؛ لأنَّ المسلم الشيعي حينما يقصد مكاناً يقام فيه منبر حسيني، فإنّما يقصد الحصول على مزيد من الأجر والثواب، يتقرّب بذلك إلى الله تعالى بمواساة الرسول الأعظم’ وحبّاً بأهل البيت^. وهذا الجانب يُشبع مع كلّ خطيب حسيني، سواء كان مُجيداً أم لا، واعياً أم غير واعٍ. أمّا إذا قصد هذا الإنسان طلب المعرفة والثقافة والأفكار الإسلاميّة، إضافة إلى مسألة التعبّد وطلب الأجر، فليس له إلّا الخطيب الواعي والنافع، وبهذا تمتاز المنابر الحسينيّة من حيث روّادها، فنجد المثقّفين والواعين، يقصدون خطيباً دون آخر، طلباً للاستزادة، من العلم والمعرفة والثقافة الإسلاميّة»[305].

لذلك فإنّ مسؤوليّة الخطيب كبيرة أمام الله تعالى والرسول والأئمّة المعصومين^، وخصوصاً الإمام الحسين×؛ إذ إنّه بذل نفسه وأهل بيته وأصحابه في سبيل الإسلام وبناء الشخصيّة الإسلاميّة، وتربية أجيال واعية. ولأجل ذلك ولغرض الاستفادة من إشراقات تلك النهضة المباركة وسموّ أهدافها، كان المنبر الحسيني بكلّ صوره وفي مختلف أزمنته وأمكنته يلبِّي حاجات المؤمنين، ويسهم في بناء الشخصيّة الإنسانيّة، ويحافظ على فكرها الصحيح، وينير دربها بإيضاح الحقائق وكشف الأكاذيب، والسموّ بالإنسان نحو الكمال والرُقيّ بالمواعظ والحكم الإلهيّة، والحثّ على الالتزام بالسنن الإسلاميّة، والسير على نهج الرسالة المحمديّة التي أقامت أرقى حضارة عالميّة، بعد أن فتحت آفاق المعرفة الإلهيّة للناس، بواسطة مشاعلها الاثني عشر من أئمّة الهدى^، وفتح طريق التحرّر ومقارعة الظلم والظالمين، والنهل من مدرسة الإمام الحسين×، ونهضته العظيمة[306].

ومن هنا تنوَّعت المنابر في موضوعاتها لتلبية تلك الحاجات مع تنوّعها وكثرة الجوانب التي تنتظر المنبر الحسيني أن يبحث فيها، وقد ذكرنا سابقاً الدور المهمّ والكبير للمنبر في طرح ومعالجة أغلب القضايا والمشاكل الاجتماعيّة، وذكرنا بعض الأدوار المهمّة التي كان للمنبر الحسيني الأثر الواضح والذي لا يمكن إنكاره اتّجاه هموم وقضايا المجتمع. أمّا ما نحن بصدد البحث فيه الآن هو الدور الثقافي والفكري للمنبر الحسيني، وما كان عليه المنبر الحسيني، وما ينبغي أن يكون عليه في ظلّ التحدّيات المعاصرة، فالكلام عن كيفية تجسّد الدور الثقافي والفكري للمنبر ومجالات ذلك الدور، وما يُرجى ويُطمح إليه من دور تثقيفي في الوقت الحاضر. ولا شكّ أنّ الكلّ يعلم أهمّية الثقافة وخطرها؛ لأنَّ ثقافة المجتمع تعكس أثرها سلباً أو إيجاباً على واقع المجتمع من حيث صلاحه أو فساده.

المطلب الأوّل: الدور الثقافي والفكري من خلال تنوّع أنماط المنبر الحسيني

إنَّ التنوّع في أنماط المنابر في طرحها، له الأثر الكبير في رفع مستوى أبناء الأمّة الثقافي والفكري، فإنّ «وفرة المنابر الحسينيّة، وتنوّع الخطباء في ثقافاتهم وأساليب الطرح، قد أسهمت إلى حدّ كبير في تثقيف الإنسان الشيعي، ثقافة متعدّدة الجوانب، متنوّعة الأبعاد، ممّا هيّأ لعوامّ الشيعة، أن ينفتحوا على كنوز المصادر الأدبيّة والتاريخيّة، ويحفظوا الكثير من الحوارات الفكريّة والعقديّة، ويطّلعوا على العديد من مدارس التفسير والفقه»[307]. فنجد بعض المنابر يغلب عليها الجانب التاريخي، وبعضها الجانب الوعظي الأخلاقي، والبعض الآخر نراه يركّز على القضايا الفكريّة المعاصرة، أو قضايا المرحلة والواقع السياسي، وهناك مَن يهتمّ بطرح الأمور الفقهيّة والعقديّة، ومنها ما يمزج بين أسلوبين أو أكثر من هذه المنابر؛ لسلطته على الأداء في هذا الجانب، وهذه المنابر يجب أن تبقى جنباً إلى جنب، فكما نقول إنّ لكلّ كتاب قارءه، فإنَّ لكلّ خطـيب مستمعه، ومن الطبيعي أن يتنوّع أداء المنبر بحسب تنـوّع مستويات واهتمامات الخطباء الذين يرتقون المنبر، وبحسب اختلاف البيئات والظروف والأوضاع، كما أنّ الاتجاه الذي سادَ أخيراً اتجاه يدعو إلى الأخذ من كلّ أنماط هذه المنابر؛ من أجل التكامل في بناء الأمّة وتربيتها.

وفيما يلي ذكر لأبرز الموارد والموضوعات التي يتناولها المنبر الحسيني.

المورد الأوّل: الموضوعات التأريخيّة

ارتبط المنبر الحسيني بطرح القضايا التاريخيّة، ومن هنا تكمن أهمّية أن يكون للمنبر دور في رسم الصورة الحقيقيّة للأحداث التاريخيّة، والقيام بدور التحليل التاريخي العميق والصادق، وبالخصوص التركيز على واقعة الطف في بُعدها التاريخي والمضموني، ذلك لأهمّية وضرورة التعرّف على أخبار واقعة كربلاء، وتأريخها الخاصّ بها، حيث «إنَّ في تلاوة هذهِ الواقعة العظيمة، وتذكّرها في كلّ عام، فائدة عظيمة، هي الفائدة في تدوين التواريخ وحفظها وضبطها»[308].

كما أنّ من أهمّ مسؤوليّاتنا اتّجاه الإمام الحسين× هو التعريف بثورتهِ ونهضتهِ المباركة، ويشمل التعريف منطلقات الثورة الحسينيّة وأهدافها ووسائلها وغاياتها، وما حدث فيها من صراع بين الحقّ والباطل، ومن المهمّ للغاية أن يحتوي التعريف بالثورة الحسينيّة على قراءة تحليليّة، وليس مجرّد قراءة سرديّة؛ لأنّ المنهج الأوّل هو الكفيل بإيصال أهداف ثورة الإمام الحسين× بكلّ وضوح، ويساعد الأجيال المعاصرة على استيعاب الدروس والعِبر لهذهِ الثورة المباركة[309].

ولا يخفى ما لهذهِ المعرفة بتأريخ النهضة الحسينيّة، بما فيها من قيم ومبادئ ومُثل عليا، من أثر عظيم على فكر واعتقاد وسلوك أبنائنا، إذ «إنّ الشرط الأساسي لنهضة الأمّة ـ أي أمّة كانت ـ أن يتوافر لديها المبدأ الصالح الذي يحدّد لها أهدافها وغاياتها، ويضع لها مُثُلها العليا، ويرسم اتّجاهها في الحياة، فتسير في ضوئهِ واثقة من رسالتها، مطمئنّة إلى طريقها، متطلِّعة إلى ما تستهدفهُ من مُثُل وغايات، مستوحية من المبدأ وجودها الفكري وكيانها الروحي»[310].

ومن المُخجل حقّاً أن نرى بعض شبابنا وشابّاتنا يعرف الكثير عن المشاهير في عالم الرياضة والفنّ والتمثيل، لكنّه لا يعرف عن ثورة الإمام الحسين× إلّا العنوان فقط، ومع ذلك يدَّعي مثل هؤلاء لأنفسهم أنّهم من محبّي الإمام الحسين×![311]

وقد كان للمنبر الحسيني دور كبير في رسم الصورة الحقيقيّة الصادقة للأحداث التاريخيّة، مواجهاً بذلك ما تعرَّض له التأريخ الإسلامي، وبالخصوص ما يتعلّق بنهضة الحسين× وسيرة أهل البيت^ من دسٍّ وتشويه، فقد «أخذ هذا المنبر على عاتقه تربية الأجيال جيلاً بعد جيل، وتوعيتهم وإبراز واقعهم، وكشف ما يحيط بهم من افتراءات وأباطيل في عقائدهم، وكشف زيف التأريخ الإسلامي، وما أُدخل فيه من الكذب والدسّ، وتشويه الحقائق، بكشفها وإظهارها بصوَرها البيض الناصعة»[312].

فإذا أردنا تثقيف المجتمع، والقيام بدور التوعية، وتحصين الجيل المسلم من خلال عرض الأفكار الصحيحة والتراث الإسلامي الصحيح؛ فعلينا الاهتمام بالتحقيق وتحرّي الدقّة التاريخيّة لما يُطرح على المنبر الحسيني، مع مراعاة تقديم هذا التراث بلغة العصر.

فالتراث الإسلامي سواء أكان ضمن خطّ مدرسة أهل البيت^، أم ضمن المذاهب الإسلاميّة الأخرى، فهو بحاجة إلى أمرين:

أوّلاً: التحقيق والغربلة؛ لما حصل من دسٍّ وتشويه في التراث الإسلامي في عصور التأريخ الماضي، ولو قرأنا الروايات الواردة عن أهل البيت^ كالإمام الصادق× والإمام الكاظم× والإمام الرضا×، وسائر الأئمّة^ لرأيناهم يتحدّثون كيف أنّ المفوّضة والغلاة والمبتدعة أدخلوا في أحاديثهم أشياء كثيرة، وتقوَّلوا عليهم أشياء لم يقولوها، فأصبح عندنا دسّ وتشويه وافتعال، وكذلك فيما يرتبط بالتأريخ من التحريف والتزييف في قضاياه.

ثانياً: اللغة، بما يرتبط بتقديم هذا التراث، إذ يجب أن يُقدَّم لهذا العصر ولهذا الجيل المعاصر باللغة التي يفهمها ويرتاح لها، فهناك مفاهـيم عظيمة في الإسلام تُسعد الإنسان وتعالج مشاكله، فينبغي تقديمها بلغة عصريّة[313].

وبما أنّ المنبر الحسيني صار يمثّل مدرسة فكريّة تربويّة ثقافيّة متكاملة لكلّ الأجيال، ينفتح مضمون رسالتها على كلّ العلوم الدينيّة والتاريخيّة والأدبيّة والعلميّة والاجتماعيّة والإداريّة وغيرها، بقالب متنوّع ومتجدّد، يحمل الرسالة المحمديّة الحسينيّة، كان من الضروري على الخطيب الحسيني أن يراعي ويحرص شديد الحرص على التأكّد من صحّة المعلومة أو خطئها، فالخطيب ليس مجرّد ناقل للمعلومة، صحيح أنّه حلقة الوصل بين المعلومة والمتلقّي، لكـنّه يتحمّل مسؤوليّة إيصالها، فعليه أن يكون باحثاً ومحلّلاً ومدقّقاً، وذلك لا يكون إلّا إذا شمَّر عن ساعديه لاكتساب المعارف؛ ليكون إدراكه أوسع، والمعلومة منه أوثق، «فهناك مَنْ يتربَّص بالمنبر لعلَّه يمسك زلَّة من الزلّات، يتّخذ منها مادّة للتهريج، وينسى جميع إيجابيّات المنبر وجهاده في سبيل العقيدة والدعوة إلى الله تعالى، ومن المؤسف أنّ بعض خطباء المنابر قد لا يكون متثبّتاً في نقله، أو يكون متسرّعاً في أحكامه، أو ليس على علم بما يعالجه من موضوعات، فيوفّر لهذا المتربِّص مادّة للتهريج، ويتّخذ منه هذا المهرِّج تعميماً لا مبرّر له»[314].

وفيما يتعلّق بواقعة عاشوراء وما يرتبط بها من قضايا، فمن الضرورة بمكان أن تُعرض دون زيادة أو نقصان؛ لأنَّه في حالة أيّ تدخّل أو تصرُّف في اللفظ أو المعنى ـ مهما كان بسيطاً ـ سيترتَّب عليه صرف اتّجاه الحادثة عن مسارها، وبالتالي إلحاق الضرر بدلاً من الإفادة من هذهِ القضيّة، لما لها من أثر في تربية المجتمع وأخلاقهم وسلوكهم وعاداتهم [315].

فعلى الخطيب أن يعتمد المصادر التاريخيّة الموثوقة، ويَنظر إليها نظر المحقّق والمدقّق، فلا يذكر على منبر الحسين إلّا الصدق والحقيقة.

المورد الثاني: الموضوعات الدينيّة والأخلاقيّة

لقد كان المنبر ولا زال المصدر الأساس للتوجيه والإرشاد الديني والأخلاقي، فمن عطائه يأخذ المؤمنون معالم دينهم، من معتقدات وأحكام وآداب، كما كان منبعاً للثقافة العامّة، حيث يسمع الناس من على أعواده أحداث التأريخ، وسير العظماء، وطرائف الحكمة، وخاصّة بالنسبة لأجيال مجتمعاتنا السابقة، والتي كانت تفتقد قدرات وأدوات التثقيف الذاتي؛ لانتشار الأمّية وغياب وسائل المعرفة.

 والخطيب الحسيني في خطابه الديني والأخلاقي، يجد من خلال عرض قضيّة الإمام الحسين× مَعين لا ينضب من المصاديق، حيث إنّ قضيّة الإمام الحسين× ونهضته المباركة تُمثّل جانب التكامل البشري؛ لكونها قضيّة ذات مصاديق كثيرة من آيات القرآن الكريم والسُّنَّة الشريفة، ومصداقاً لأحكام الحلال والحرام، وأهمّية الحدث التاريخي، وجانب الاعتقاد والولاء، فضلاً عن السيرة والموعظة والمُثل العليا وقيم الخير؛ لذلك كان من أهمّ مقوّمات المنبر الحسيني عرض قضيّة الحسين× والاستشهاد بها، لوضوح جانب الخير والشرّ، وفضلاً عَمَّا ذكرنا، فهي مَعين لا ينضب للخطيب من المصاديق والاستشهادات[316].

ومن المعلوم أنَّ المنبر الحسيني في اتّساعه لم يعد يقتصر على ذكر واقعة الطفّ واستشهاد الإمام الحسين×، وإنّما اتّسع ليشمل مناسبات استشهاد النبي’ والزهراء‘ والأئمّة المعصومين^، وفي كلّ تلك المجالس يختم الخطيب الحسيني بقضيّة الحسين× واستشهاده، وهذا الاتّساع أضاف للمنبر رصيداً ضخماً من الروايات والأحاديث، تلائم المناسبة التي عُقد المجلس لأجلها، وبذلك تتنوَّع مجالات الوعظ والإرشاد والتوعية الدينيّة والأخلاقيّة.

وينـقل الشـيخ محمّد صادق الكرباسي عن الخطيب الشيخ محمّد علي الواعظ قوله: «إنّ الخطيب الحسيني لكي تكون خطاباته مؤثّرة في القلوب، ولكي تترك أثر على سلوك المستمعين، لا بدّ أن يسبق كلامهُ بالعمل»[317].

وهذه المسألة غاية في الأهمّية، فالخطيب الحسيني عندما يتحدّث في علم الأخلاق، ويكون داعية لمكارم الأخلاق، ينبغي أن يتقن هذا العلم، ويحرص على تطبيقه؛ لأنّ الأخلاق الفاضلة لها أثر تربوي كبير جدّاً، وتساهم مساهمة فعّالة في بناء الأمّة، فإنّ «خطيب المنبر الحسيني اليوم يُعدّ معلّماً، ومُرشداً، وواعظاً، وهادياً، وموجّهاً، وناصحاً، وداعياً إلى الله تعالى، يُعلِّم المستمعين ويربّيهم ويرشدهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ويحثّهم على الخير، ويحذّرهم من الشرّ، ويريد منهم أن يكونوا مسلمين مثاليين ومؤمنين واقعيين، يسيرون على نهج الإسلام وسلوك النبي وأهل بيتهِ الكرام»[318].

ويأخذ المنبر الحسيني على عاتقهِ مسألة تعريف الأمّة بمناقب الحسين وأهل البيت^، وحثّ المجتمع ـ وبالخصوص جيل الشباب منهم ـ على الاقتداء بسيرة الحسين وشجاعتهِ ونهجهِ القويم، الذي يضمن لهم العزّة والكرامة والإباء، وعلى عطاءات عاشوراء. والمنبر الحسيني ـ الذي يتحرّك على مسار الحسين× ـ يصنع في النفوس إرادة قويّة وجرأة في سبيل الحقّ، تملأ الفراغ النفسي الذي يحتاج في مَـلْئِهِ إلى فكرة صحيحة وقدوة صحيحة، حيث يقدّم خطيبُ المنبر الإمامَ الحسين× قدوةً، فلا يحتاج بعد ذلك الشاب المسلم أن يفتّش عن بطل في اليابان أو الصين ليتأثّر بشجاعتهِ، فالحسين× فوق كلّ أولئك الأبطال، وفوق كلّ تلك القدوات[319].

المورد الثالث: الموضوعات العقديّة والفكريّة

فقد واجه المنبر الحسيني التيّارات المنحرفة الفكريّة والثقافيّة، ووقف متسلّحاً بقوّة الكلمة والموقف للدفاع عن الفكر الإسلامي، في مقابل تلك التيّارات المخالفة للإسلام ولعقيدة الأمّة، فنهض بتلك المواجهة خطباء رساليّون، راحوا يحاكمون تلك التيّارات الوافدة من إلحاديّة وعلمانيّة وغيرها، ويعطون البديل من الفكر الإسلامي الأصيل الخالد؛ ليتسلّح شباب الأمّة بما يواجهون به المدارس الفكريّة الأخرى، وقد برز في هذا المجال خطباء لامعون[320].

إذن كان للمنبر دور مشهود على مرّ التأريخ، فلم يحصر دوره في إطار واقعة كربلاء، بل نهض بقوّة مُستمدّة من نهضة الحسين× ليواجه كلّ فكر منحرف، حيث قامت كوكبة واعية مثقّفة من الخطباء الحسينيّين المجاهدين، فأنارت المنبر الحسيني الخاصّ، ووسّعت حدوده، وجدّدت معطياته، وأَدخلت فيه عناصر جديدة؛ لردّ الشبهات، وإعطاء رأي الإسلام الصحيح بكلّ وضوح وبساطة، بعـيداً عن الجمود والتقييد بالألفاظ والمضمون، البعيد عن مفهوم العصر الحديث، فأخذ المنبر يستقطب الجمهور المثقّف من أبناء الإسلام، الذين تَأثَّروا بعض الشيء بالغرب وآرائه، فأجاب المنبر عن تساؤلاتهم، وأخذ يرضي طموحهم، بعرض صورة الإسلام الواقعيّة الناصعة، التي تساير وتواكب العصر، وفتح آفاقاً جديدة في عرض النظريّات الفكريّة والعلميّة والثقافيّة وإسنادها بالإسلام، أو دفعها بأسلوب رصين علمي مقنع إذا كانت بعيدة عن منهجهِ[321]. والمنبر الحسيني الناجح منبر توعويّ إصلاحيّ، يجب أنْ يمتلك الرصيد المعرفي في كلّ الأبعاد والحقول، وأن يكون قادراً على تحصين المستمع من الشبهات الفكريّة والعقديّة والتاريخيّة، وللمنبر دور مهمّ في تصحيح الأفكار، وتوطيد العلاقة بين أتباع أهل البيت^ وبين أئمّتهم، وتعريفهم معنى الولاء الحقيقي لأئمّة أهل البيت×، إنّ «الارتباط بمنهج الإمام الحسين× يعني اتّباع خطّ الإمام وفكره ومنهجه العلمي والعملي، أمّا ادّعاء محبّة الإمام ومودّته بدون السير على نهجه، فلا يعدو كونه حبّاً أجوفاً بلا معنى أو قيمة حقيقية»[322].

وقـد كان للمرجعيّة العليا توجيهاً للخطباء بهذا الصدد، فأكّدت على «أن يكون الخطيب مواكباً لثقافة زمانه، وهذا يعني استقراء الشبهات العقائديّة المثارة بكلّ سنة بحسبها، واستقراء السلوكيّات المتغيّرة في كلّ مجتمع، وفي كلّ فترة تمرّ على المؤمنين، فـإنّ مواكبة ما يُستجدّ من فكـر أو سلـوك أو ثقافة تجعل الالتفاف حول منبر الحسين× حيّاً جديداً ذا تأثير وفاعلية كبيرة»[323].

فهناك حاجة إلى التعرّف الدقيق على منهج أهل البيت^ والإفادة منه، ولا شكّ أنّ هناك قصوراً وتقصيراً كبيراً في التعامل مع التراث الفكري الذي تركه لنا المعصومون^، فهو تراث شامل لمختلف جوانب المعرفة، ونحن ـ للأسف ـ لم نستفد منه بالمستوى المطلوب، وخاصّة فيما يرتبط بقضايانا المعاصرة، وخاصّة بالأمور التي تُقدِّم صورة مُشَرِّفة عن هذا المذهب، وعن هذهِ المدرسة الرساليّة أمام العالم أجمع[324].

وفي حقيقة الأمر أنَّ القضايا العقديّة والفكريّة التي اهتمّ المنبر الحسيني بطرحها ومعالجتها كثيرة، لكنّنا ذكرنا هنا بعض ما يُطرح وما ينبغي وبما يناسب مساحة المبحث في هذا المجال، ولكن بقي أمر نعتقد أنّه عظيم الأهمّية، ومن الضروري طرحه من خلال المنبر الحسيني، وهو مسألة (ثقافة الانتظار) وقضيّة الإمام المهدي المنتظر روحي له الفداء، فعلى الرغم من ممارسة المنبر لدورهِ في نشر ثقافة الانتظار ولم يغفل هذا الجانب العقدي المهمّ، إلّا أنّ هذه المسألة ينبغي أن تأخذ الحيّز الأكبر من المنبر، وبيان كلّ جوانب هذه القضيّة المباركة، خاصّة في ظلّ التحدّيات التي تفرضها وسائل التقنية الحديثة، والتي أثّرت بشكل كبير على الأجيال الشابّة، محاوِلةً التشكيك في معتقداتهم وأفكارهم، وبالتالي إضعاف الاعتقاد بقضيّة الانتظار في نفوسهم، وفي ذلك خطر عظيم.

وعليه نعتقد أنّ المرور على ذكرى الحسين× من دون بيان قضيّة الإمام المهديf يسلب القضيّة الحسينيّة بعدها المستقبلي، ويقطع امتدادها التاريخي، «فالانتظار يعطي بعداً مستقبليّاً للحياة الإنسانيّة، حيث تنشأ علاقة تأثير متبادل بين نشاط الإنسان ومستقبله، فالمستقبل يؤثّر في الإنسان من خلال الانتظار، والإنسان يؤثّر في المستقبل من أجل أن يكون المستقبل نتيجة عمل الإنسان ونشاطهُ ووعيهُ»[325].

ولو تأمّلنا مفردات ومضامين الدعاء المروي عن الإمام الحجّةf ـ والذي يبدأهُ بـ «اللهمّ ارزقنا توفيق الطاعة، وبُعد المعصية، وصدق النيّة، وعرفان الحرمة...» إلى نهاية الدعاء[326] ـ «نجدها تضمّ ما يرجوه الإمام المهدي من خصائص السلوك السوي الذي يقرّهُ المشروع التربوي المسلم، فعلى امتداد النصّ كلّه من الافتتاحيّة حتى خاتمته عيّن عدداً من السمات المحدّدة لمعالم الشخصيّة المسلمة، فالرغبة في الطاعة، وتجنّب المعصية، وصدق النيّة، واستقامة السلوك، وتسديد النطق وسلامته، وطهر البطن من الحرام، والرغبة في المعرفة، وملء القلب بالعلم، وكلّ السمات الإيمانيّة الأخرى التي وردت في النصّ، تدلّ على إيجابيّة وخيريّة الطبيعة البشريّة، سواء كانت هذهِ الإيجابيّة ذات طبيعة وقائيّة قبل أن تترك البيئة آثارها السيّئة في النفس، أو ذات طبيعة علاجيّة تصحّح السلوك الخاطئ وتقوّمهُ، فمنطق الدعاء الكريم ينسـجم مع مضـمون الآية القرآنية الكريمة: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [327]»[328].

وهذه المضامين العالية التي تحدّد معالم الشخصيّة المسلمة، نحن بأمسّ الحاجة إلى طرحها وتفعيلها من خلال المنبر الحسيني، فهي تساهم في إصلاح واقع الفرد المسلم أخلاقيّاً واجتماعيّاً وعقديّاً، وفي كلّ ما هو مطلوب لأجل تحقيق التوازن والتكامل الذي يؤدّي إلى تحقيق الوظيفة العباديّة للإنسان في هذه الدنيا.

وبعد أن عرفنا ما للمنبر من دور في عمليّة التثقيف في المجتمع، بقي أن نقول: إنَّه ما دام المنبر الحسيني في واقعه أصبح مدرسة ثقافيّة تحوي شتّى العلوم، وتطلّ على مختلف حقول المعرفة؛ فذلك يتطلَّب من الخطيب أن يضاعف بـذل الجهد، والتزوّد من كلّ تلك العلوم والمعارف، وكذلك الاستعانة بذوي الاختصاص للتشاور في اختيار وبناء المواضيع، وسُبُل معالجتها، فالخطيب مسؤول عن الكلمة وانعكاسها على مستوى المنبر الحسيني. «إنّ ممّا يبعث على الألم أن لا تكونَ هناك رقابة على ما يُقال على منبر يقوم بحمل رسالتنا للجماهير، وينبغي أن يشعر بمسؤوليّة الكلمة وخطر الفكرة وصلة ذلك بوضعنا ككلّ. لقد أصبح العالم مكاناً واحداً، تنتقل فيهِ الكلمة والفكرة بسرعة البرق، كما أصبح يقرأنا في مختلف الفعَّاليات التي نقوم بها»[329]، فالتقييم للجانب التثقيفي للمنبر بشكل عام هو أقلّ ممّا يُرجى منه، حيث إنّ المنبر الحسيني ثروة هائلة، وأمانة ينبغي على الخطباء أن يتحمّلوها، ويعملوا على إضافة كلّ ما هو جديد ويتماشى مع المستوى المعرفي للمجتمع.

المطلب الثاني: المنبر الحسيني وعمليّة التغيير

إنّ الحديث في موضوع المنبر وعمليّة التغيير، يُوجِب علينا أن نُشير إلى التعريف الذي أورده المناطقة للخطابة، وهو قولهم: «إنّها صناعة علميّة، بسببها يمكن إقناع الجمهور في الأمر الذي يتوقّع حصول التصديق بهِ بقدر الإمكان»[330]،فالخطابة إذاً الخطابة صناعة أساسها إقناع الجمهور، وعن طريق قوّة الإقناع نحصل على عمليّة التغيير، وفي هذا الصدد يُقال أيضاً: «إنّ الكتابة تعتمد على العقل، والشعر قوامه الخيال، ومثله الخطابة، غير أنّها تعتمد أيضاً على قوّة الاقناع، مع جمال الإيقاع وإثارة العاطفة»[331].

إنّ إتقان الخطيب لهذهِ الصناعة ـ عن طريق دراسة الوسائل المؤدّية لذلك ـ هو أمر في غاية الأهمّية؛ لأنّهُ يعطي الخطيب قدرة على فهم وسائل الإقناع، ويضمن لهُ نسبة عالية من النجاح في أداء مهمّته، ويختصر الجهد على الخطيب في طريقه للمنبر الناجح، ومن أجل ذلك كان هذا المعنى، أعني: طريقة التفاعل مع الجمهور لإقناعه بتغيير موقفه[332].

وكلّنا يعلم أنَّ المنبر الحسيني على الرغم من سعته وانتشاره، فإنّ عمليّة التأثير والتغيير من خلاله متفاوتة، وذلك بحسب مواصفات الخطيب وثقافته، وبحسب التزامه بالأساليب الناجحة لتحصيل الإقناع عند المتلقّي، وسنذكر تلك المؤهّلات في الفصل الرابع.

ولا شكّ أنّ من أقوى وسائل الإقناع والتأثير هو التوجّه قلباً إلى الله تعالى، وأن يسأله تعالى العصمة من الزلل، وأن يجري الحقّ على لسانه، وأن يُؤثّر في السامعين، فالله تعالى مسبّب الأسباب.

ولمّا كان الإمام الحسين× يستهدف بخروجه ونهضته تغيير واقع الأمّة ـ حيث كان الفساد يهيمن على جميع المجالات، على المستوى الروحي والثقافي والاجتماعي والسياسي، كما أنّه رغم علمه بأنّه لن يحقّق النصر الآني، إلّا أنّه كان هناك واقع فاسد يتطلّب التغيير ـ فينبغي للمنبر الحسيني بصفته لسان تلك النهضة المقدّسة أن يحقّق هدفها في عمليّة الإصلاح والتغيير الجذري والشامل.

«إنَّ ثقافتنا الإسلاميّة تتمركز على الشموليّة في العمل والإصلاح والتغيير، فالرؤى عندنا في قاعدة التغيير، نظام التغيير الجذري الذي يبدأ بتغيير الإنسان نفسه، ومن ثمّ موقعه، ومن ثمّ العالم بأسره، وهي تشمل جميع الموارد الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والتربويّة، وغيرها»[333].

لكن ـ للأسف الشديد ـ من الأمور التي تؤثّر في مستوى الفعاليّة في التغيير والإصلاح، هو أنّ بعض المنابر الحسينيّة تفتقر إلى التوازن بين العِبرة والعَبرة، وتأخذ العَبرة والعاطفة الاهتمام والمساحة الأكبر، ونحن نعلم أنّ الدمعة والحزن على مصيبة أهـل البيت^ لهُ ما لهُ من فضل وأهمّية، وقد حثّت روايات أهل البيت^ على ذلك كما ذكرنا في الفصل الأوّل، كما أنّ استثمار التفاعل العاطفي الوجداني مع مأساة أهل البيت^ مفيد ومؤثّر جدّاً؛ من أجل تغيير أفراد المجتمع وإصلاحهم فكريّاً وأخلاقيّاً، لكنّ الفائدة الأكبر تحصل بالموازنة، لا على حساب الفكرة والعقل.

فما يطلبه أئمّة أهل البيت^ ليس فقط الدمعة، بل يطلبون ما هو أهمّ من ذلك، وهو إحياء أمرهم كما ورد عنهم^، وهو تعليم الناس محاسن كلامهم، أي: بثّ علوم أهل البيت^ وتوجيهاتهم ورسالاتهم للبشرية، وكيف ينظرون للعالم وللمشكلات المعاصرة والحاضرة في المجتمع، فإذا عرف الناس ذلك الكلام فإنّهم يتّبعونهم، ومَن هو متّبع لهم سوف يجسّد كلامهم في واقع حياته. وبالتالي نحن بحاجة إلى المزيد من الوعي والمعرفة بحقيقة الإحياء الذي حدّدهُ أهل البيت^، وعدم إغفال جانب الاقتداء[334].

فعلى الرغم من أهمّية الارتباط العاطفي بالحسين×، لكن علينا أن لا نغفل استلهام الدروس التي تهدينا إلى الحقّ، وحتى نتمكّن من التغيير، لا بدّ أن تنعكس على أرواحنا مبادئ كربلاء، فما تعيشه الأمّة من تخلّف واستعباد ليس إلّا لغياب قيم ومبادئ النهضة الحسينيّة عن شخصيّتها ومسيرتها.

فتجدر الحاجة هنا إلى خطيب رسالي نافع، يربط مفردات كربلاء ومعانيها وقيمها العظيمة بالواقع المعاش، فيقرِّب المعاني إلى أفراد المجتمع؛ لأجل هدايتهم، «فالخطيب الرسالي، هو الذي يراعي مسائل هداية الشباب، والتزام المرأة المسلمة، والدفاع عن المظلومين...، وغيرها مـن الأبحاث، التي تنبع من وعي الخطيب وتقديـره لحاجة المجتـمع إلى موضوعاته ومنبره»[335].

فإذا اهتمّ الخطيب بعرض تلك الصور المشرقة، وتلك المواقف والدروس، وعمل على توجيه المتلقّي كيفيّة الاقتداء والاستفادة من تلك الرموز والنماذج العظيمة في نهضة كربلاء، فإنّه سيحرِّك حتماً دوافع ومشاعر كلّ مَنْ يحبّ الحسين ويبغض يزيد، أن يسير بسيرة الحسين ويرفض منهج يزيد.

وكلّ ما ذُكر من ملاحظات ومعالجات عندما تُطرح من على منبر الحسين×، إنّما يكون هدفها الارتقاء بالمجتمع ثقافيّاً واجتماعيّاً، ومن أجل الحصول على ثمرة التغيير في الأمّة في فكرها وثقافتها، وفي مختلف مجالات الحياة، وهذا يتطلّب جهداً كبيراً في خدمة القضيّة والوصول إلى أهدافها، «إنّ المنبر والقلم والكتاب جميعها مدعوّة إلى المحافظة على ضمير الأمّة من التلوّث، فإنّ الأمم لا تُصاب بمصيبة أعظم من مصابها بمُثُلها العليا وقيمها»[336]. لذلك تقع على عاتق المنبر الحسيني ـ بصفته لسان من ألسنة النهضة الحسينيّة ـ مسؤوليّة كبيرة في التعبير عن أهدافها، وتصحيح التطوّرات الخاطئة عنها، وتسليط الضوء على ما قام به الغاصبون من غصب الحقّ، وإبعاد الحكم عن أهـله، وحرمان الأمّة من حياة كريمة رسمها الإسلام الصحيح.

المبحث الثالث

 آراء عيّنات من المجتمع في دور المنبر الحسيني (استبيان)

يعتمد هذا المبحث على نتائج استطلاع رأي عيّنات من المجتمع في المنبر الحسيني المعاصر ودوره الإصلاحي، وقد أُختيرت عيّنة (عشوائيّة) (صدفية).

ويتألّف الاستبيان من تسعة بنود، تمّ صياغتها بلغة بسيطة وسهلة غير معقّدة، وذلك مراعاة لمستويات المبحوثين، ولتكون مناسبة لكافّة المستويات، حيث إنّ مجتمع الاستبيان تنوّع بين موظّفين وطلبة وكسبة وربّات بيوت [337].

كما أنّ الاستبيان كان ورقياً (مغلقاً)، حُـدّدت فيه الإجابة عن الأسئلة بـ (نعم، نوعاً ما، كلّا).

وقد تمّ توزيع (1000) نسخة، كان الراجع منها (953) أي: بنسبة 95,3 % وهي نسبة جيّدة للاسترجاع.

ومن أجل ضمان عودة الاستبانة للباحث، تمّ توزيعها في مناطق قريبة، ومؤسّسات معيّنة بالاستعانة ببعض الأخوة والزملاء. كما أنّ من مميّزات هذهِ الطريقة أنّ نسبة الردود تكون أعلى وأكثر صدقاً.

المطلب الأوّل: تحليل الاستبيان والأساليب الإحصائيّة

بعد تجميع وفرز النتائج المحصّلة من الاستبيان وإجراء الإحصائيّات المناسبة، تمّ إعطاء الوسط الحسابي للإجابات الكلّية فقط[338]؛ لأنّ الغاية والقصد من إجراء الاستبيان هو معرفة دور المنبر الحسيني بشكل عام، وليس أثره في المجتمع حسب المستوى العلمي، أو المهني، أو العمري، فتكون النتائج المحصّلة في معرفة دور المنبر الحسيني ومن كافّة شرائح المجتمع، كتدعيم وإضافة للبحث، وليس البحث بحثاً إحصائيّاً، لذلك تمّ استخراج إجمالي إجابات المستجوبين.

وفيما يلي عرض للجداول التعريفيّة التي يظهر فيها تنوّع العيّنات من حيث العمر، والمهنة، والجنس، والتحصيل الدراسي، والنسب المستخرجة منها.

وقد استخدمت كلّ التكرارات والنسب المئويّة لبيان خصائص المستجوبين، ولبيان مستوى الموافقة على أسئلة الاستبيان، فيما تمّ استخدام الوسط الحسابي لاستخراج مستوى الموافقة على كلّ سؤال من الأسئلة.

 ولأجل استخراج الوسط الحسابي تمّ إعطاء الأوزان التالية:

نعم ـ 3

نوعاً ما ـ 2

كلّا ـ 1

وبذلك تمّ ضرب عـدد الإجابات بـ (نعم) في كلّ سؤال بالرقم (3)، وضرب عـدد الإجابات بـ (نوعاً ما) في كلّ سؤال بالرقم (2)، وضرب عـدد الإجابات بـ (كلّا) في كلّ سـؤال بالرقم (1)، وتمّ جمع النواتج وتقسيمه على عدد الإجابات.

قانون الوسط المرجح[339] =  QUOTE    

قانون الوزن المئوي[340] =  QUOTE    

جدول رقم (1)

توزيع المستجوبين حسب الجنس

الجنس

العدد

%

ذكر

543

56٫97

انثى

410

43٫02

المجموع

953

 


يوضّح الجدول رقم (1) توزيع المستجوبين حسب الجنس، ويتّضح منه أنّ نسبة المستجوبين من الذكور كانت الأعلى وبنسبة (56,97%)، فيما جاءت نسبة المستجوبين من الإناث بالمرتبة الثانية بنسبة (43,02%).

جدول رقم (2)

توزيع المستجوبين حسب المهنة

المهنة

العدد

%

موظّفون

600

62٫95

أعمال حرّة

103

10٫80

طلبة

148

15٫52

ربّات بيوت

102

10٫70

المجموع

953

 


 

في الجدول رقم (2) تمّ توزيع المستجوبين بحسب المهنة، ويتضح منه أنّ أعلى نسبة كانت من حصّة الموظّفين (62,95%)، فيما كانت أقلّ نسبة من حصّة ربّات البيوت (10,70%).

جدول رقم (3)

توزيع المستجوبين حسب الفئات العمريّة

العمر

العدد

%

15 ـ 19

45

4٫72

20 ـ 29

213

22٫35

30 ـ 39

266

27٫911

40 ـ 49

249

26٫12

50 فما فوق

126

13٫22

غير محدّد

54

5٫66

المجموع

953

 


 

أمّا في الجدول رقم (3) فقد وُزّع المستجوبون حسب الفئة العمريّة، ويتّضح منه أنّ أعلى نسبة من المستجوبين أعمارهم تقع ضمن الفئة العمرية (30 ـ 39) وبنسبة (27,911%)، وأقلّ نسبة من المستجوبين تقع أعمارهم ضمن الفئة العمريّة (15 ـ 19) وبنسبة (4,72%).

جدول رقم (4)

توزيع المستجوبين حسب التحصيل الدراسي


التحصيل الدراسي

العدد

%

إعداديّة فما دون

348

36٫51

دبلوم

238

24٫97

بكالوريوس

350

36٫72

ماجستير

15

1٫57

دكتوراه

2

0٫20

المجموع

953

 


 

 وفي الجدول رقم (4) تمّ توزيع المستجوبين بحسب التحصيل الدراسي، ويتّضح منه أنّ أعلى نسبة هم من حملة شهادة البكالوريوس، إذ استحوذ هؤلاء على نسبة (36,72%)، فيما جاء بالمرتبة الأخيرة حملة شهادة الدكتوراه وبنسبة (0,20%).

المطلب الثاني: النتائج الرئيسيّة لاستبانة استقصاء الرأي حول المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي

ويوضّح الجدول رقم (5) النتائج الرئيسيّة للاستبانة، وسيتمّ تفصيل وشرح ما تعنيه الأرقام لمعرفة مستوى موافقة العيّنات.

أوّلاً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول الدور الاجتماعي للمنبر الحسيني المعاصر: وُجِد أنّ مستوى الإجابات عن مدى فعّالية المنبر الحسيني في إيجاد الحلول لبعض المشاكل الاجتماعيّة، كانت بمستوى (جيّد)، إذ بلغ الوسط الحسابي لإجابات المستجوبين (2,54).

 ثانياً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول الدور الثقافي والديني للمنبر الحسيني المعاصر: وُجِد أنّ مستوى الإجابات عن مدى مساهمة المنبر الحسيني في إثراء الجوانب الثقافيّة والدينيّة، كانت بمستوى موافقة (جيّد)، إذ بلغ الوسط الحسابي لإجابات المستجوبين (2,66).

ثالثاً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول الدور الفكري والعقدي للمنبر الحسيني المعاصر: وُجِد أنّ مستوى الإجابات كانت بمستوى (نوعاً ما) ـ (مقبول)، إذ بلغ الوسط الحسابي لإجابات المستجوبين (2,32).

رابعاً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول المستوى الثقافي والفكري للخطباء المعاصرين ومدى مواكبتهم لثقافة العصر: كانت بمستوى (نوعاً ما)، إذ بلغ الوسط الحسابي لإجابات المستجوبين (2,32).

خامساً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول دور المنبر الحسيني في عمليّة التغيير في المجتمع: كانت بمستوى (جيّد)، إذ بلغ الوسط الحسابي لإجابات المستجوبين (2,75).

سادساً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول حاجة المنبر الحسيني لمزيد من الاهتمام من أجل النهوض والارتقاء به: كان بمستوى (جيّد)، إذ بلغ الوسط الحسابي لإجابات المستجوبين (2,88).

سابعاً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول حاجة المنبر النسائي إلى التطوير ليتماشى مع متطلّبات العصر: كانت بمستوى موافقة (جيّد)، حيث بلغ الوسط الحسابي (2,76).

ثامناً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول دور المنبر الحسيني المعاصر في تعزيز الارتباط بأهل البيت^ والاقتداء بهم والسير بنهجهم: كانت بمستوى موافقة (جيّد)، حيث بلغ الوسط الحسابي للإجابات (2,81).

تاسعاً: نتائج استبيان استقصاء الرأي حول دور المنبر الحسيني المعاصر وأثره في تلبية نداء المرجعيّة المتمثّل بالحشد الشعبي للدفاع عن المقدّسات ضدّ الإرهاب الداعشي: كانت بمستوى موافقة (جيّد)، إذ بلغ الوسط الحسابي للإجابات (2,81).

ومن ملاحظة فقرات الاستبيان، من الفقرة الخامسة إلى الفقرة التاسعة، نجد أنّها حصلت على درجات عُليا، أمّا الفقرة الرابعة فنجد أنّها ضعيفة جدّاً، أي: إنّ نتائج استبيان الرأي أجمعت على ضرورة مواكبة خطباء المنبر الحسيني لثقافة وفكر المجتمع المعاصر في ظلّ التحدّيات الفكريّة الثقافيّة العالميّة.

الفصل الرابع

المنبر الحسيني بين الواقع والطموح

المبحث الأوّل: الركائز الأساسيّة لنجاح الخطابة الحسينيّة

المبحث الثاني: واقع المنبر الحسيني ووسائل النهوض به

المبحث الثالث: واقع الخطابة النسائيّة

تمهيد

بعد أن بحثنا في المنبر الحسيني، وعرفنا دوره وأهمّيته وظروفه على مرّ التأريخ، بقي علينا بحث واقع المنبر الحسيني في الوقت الحالي، وتسليط الضوء على نقاط الضعف؛ لأجل التغلّب عليها، والنهوض بها، ومعرفة السلبيّات التي من الممكن معالجتها، حتى يُؤتي أفضل الأُكُل في المستقبل. كذلك لا بدّ من البحث في وسائل النهوض بالمنبر، خاصّة في ظلّ الانفتاح الإعلامي الجديد والحديث، حيث أخذت الأجيال الشابّة في التعبير عن ذاتها عن طريق وسائل التقنية الحديثة، التي أتاحتها لها ثورة الاتصالات والانفتاح الإعلامي في العقد الأخير من الزمن، لذلك نحن بحاجة إلى تطوير الخطاب المنبري.

ومن الجدير بالذكر أنَّ المنبر الحسيني ـ وبصفته مصدراً أساسيّاً للتوجيه والإرشاد الديني والأخلاقي والثقافي ـ لم يكن مختصّاً بمجالس الرجال، بل كان للمجلس النسوي دورٌ ـ أيضاً ـ في إحياء أمر أهل البيت^ وذكر مصائبهم، إلّا أنّ المشكلة تكمن في أنّ المنبر النسوي يخطو خطوات بطيئة نحو الرُقيّ والتقدّم، لذلك كان لا بدّ أن نبحث في سلبيّاته ومحاولات تطويره، بما يلائم عظمة الأهداف التي انطلق منها الإمام الحسين×، وهي طلب الإصلاح في الأمّة، من خلال ممارسة دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لذلك سيكون البحث في هذا الفصل منصبّاً على ما يتعلّق بواقع المنبر الحسيني، وذلك بتسليط الضوء على الخطيب والمبلّغ ومميّزاته بوصفه اللسان الناطق عن المنبر، ومن ثمّ تسليط الضوء على ما يحتاجه المنبر لتكامله، وكلّ ذلك من أجل النهوض بالمنبر بما يلائم التطوّر ومتطلّبات العصر. ثمّ ذكر نماذج من الخطباء الأجلّاء الذين تركوا بصماتهم الحيّة في مسيرة المنبر الحسيني.

وكذلك سيتمّ دراسة واقع الخطابة النسائيّة، بعد التعرّف على الدور المهمّ والخطير للمرأة في بناء الأجيال، وما يحتاجه المنبر النسوي من متطلّبات تؤدّي به إلى القيام بدوره الصحيح والسليم في المجتمع؛ لأجل تحقيق منبر إصلاحي نسائي.

المبحث الأوّل

الركائز الأساسيّة لنجاح الخطابة الحسينيّة

إنَّ ما ذُكِر من فوائد مترتّبة على المنبر الحسيني، ومن أدوار مهمّة في عمليّة التثقيف والتغيير والإصلاح للفرد والمجتمع، إنّما تتصوّر مع وجود خطيب كفوء وهادف، يمتلك من المؤهّلات ما يكون معها جديراً بحمل هذهِ المسؤوليّة، والقيام بهذهِ الأعباء، وأداء هذهِ المهمّة، ولكنّ الأمر لا يكون كذلك دائماً، فعندما يعتلي أعواد المنبر الحسيني مَن هم غير أكفاء ولا مؤهّلين، فإنّهم ـ بلا شكّ ـ يشكّلون عائقاً دون تحقيق تلك الأدوار والمهمّات للمنبر، حيث يقول المرحوم الشيخ محمّد مهدي شمس الدين: «والمأتم الحسيني الآن في أفضل حالاته، وحين يقوم بهِ الأكفاء من رجال المنبر المتخصصّين في شأنه، وليس الجهلة المتطفّلين عليه»[341].

كما أنّ ذكر وجود بعض الإشكالات أو الملاحظات على بعض الخطباء، لا يعني التقليل من شأنهم، وإنّما الهدف من هذا النقد أو التنبيه هو التطوير والارتقاء بالمنبر الحسيني نحو الأفضل والأحسـن، كما أنّ تجاهـل تلك الإشكالات والملاحظات والسكوت عنها قد يؤدّي إلى أن «يتحوَّل المنبر الحسيني، من أداة للتعليم والتثقيف والتربية ـ كما هو المتوقّع منهُ وكما يحسنهُ الأكفاء من الخطباء ـ إلى أداة من أدوات التجهيل، من قبل بعض مَن يرتقون أعواد المنبر ولا يمتلكون مؤهّلاته، أو قـد يملكون الجهل والتخلّف طمعاً في متاع دنيوي زائل»[342].

وفي لقاء مع الخطيب الدكتور الشيخ فيصل الكاظمي[343]، سألته عن المنبر الحسيني في الوقت الحاضر: هل يراه مواكباً للحركة الثقافيّة المعاصرة؟ فأجاب: «المنبر الحسيني المعاصر من حيث السعة والحضور وما هُيّأت له من وسائل الامتداد ما مرّ المنبر بهذهِ المرحلة في تأريخه مع حضور الفضائيّات، ووسائل الإعلام وسرعة النشر، هذا كان شيء غير مسبوق، لكن من حيث المحتوى، مستوى المنبر الآن مستوى هابط، وهو في منأى عن كلّ همّ ثقافي وتربوي يناسب التقدّم والتطوّر.. لا نُريد أن نبخس حقّ بعض المنابر لكنّها قليلة جدّاً، قليلة من حيث المتحدّثين باسمها وقليلة من حيث الحضور.. المنابر الهادئة الواعية الهادفة لا يحضرها الجمهور، الناس تبحث عن الهياج الشعبي»[344].

لذلك كان وما زال العلماء الواعون يناشدون خطباء المنبر الحسيني بأن يرتقوا بأدائهم، ليكونوا بمستوى مواقف الإمام الحسين× وأهداف ثورته، وأن يكون المقياس في اختيار الخطيب هو علمه وثقافته، لا مجرّد حسن إبكائه وشجاء نعيه. وقد انتقد الشيخ الوائلي أصحاب المنابر الذين جعلوا من الحسين× وسيلة للندب والنوح ليس إلّا، فيقول: «قام بعض الخطباء بتكريس المنبر للنياحة والفجائع، وإيراد شواهـد وأحداث تُفجّر الدموع وتحرق القلوب ولا شيء غير ذلك، مع أنّ حصّة الدمع من المجلس لها حجم معيّن، لا يستدعي هذا الكم الكبير من الشعر الدارج، والجمل والمقاطع التي تحصر المجلس في نطاق اللوعة، وكأنّ الحسين× ما قتل إلّا ليؤسّس مؤسّسات للندب والنوح، وهذا ليس بجزاء لتلك التضحيّات الضخمة والعطاء الكبير»[345].

 فمن الضروري على خطباء المنابر والذاكرين لرزيّة الحسين× في هذا العصر الذي ضعُفت فيه علاقة الدين، وتجرّأ الناس على المعاصي، وتجاهروا بالكبائر، أن يفهموا أَنَّ الحسين× قُتل وبذل نفسه لأجل العمل بشعائر الدين، لا من أجل البكاء عليه فقط، فمَن لا يلتزم بأحكام الإسلام، ويجاهر بالمعاصي فالحسين× منه بريء كبراءته من يزيد وأصحاب يزيد.

ومن هنا يتبيّن ضرورة اهتمام الخطيب بما يطرحهُ على منبره، وأن لا يتجاهل ـ أبداً ـ أنّ مهمّته مهمّة المُرشد الواعظ، الذي يكون كالطبيب الجرّاح يستأصل بمبضعهِ الداء من جذوره، ولا يكترث باحتجاج المريض وصراخه، فلا يكون جُلّ اهتمامه بعاطفة المستمع وميوله، فالفكر المنفتح على العاطفة يجعل لها هدفاً كبيراً تتجّه إليه، وعليه «ينبغي أن تُضاف المسألة الفكريّة إلى المسألة العاطفيّة؛ لأنَّ الفكر المُنفتح على العاطفة يجعل لها هدفاً كبيراً تتّجه إليه، وتذوب فيهِ، وتتمحور حولهُ... لئلّا تكون العاطفة مجرّد فقاعات انفعاليّة تتفتّح في الشعور ثمّ تنفجر في الهواء، أو حالة دخانيّة تختنق فيها الذات ثمّ تقذفها في الفراغ، أو تكون انفعالاً نفسيّاً لا يلبث أن يهدأ ويبرد عندما يعبرّ عن نفسه بطريقة تنفيسيّة بكائيّة»[346].

ونحن إذا أردنا الحفاظ على مكانة المنبر ودوره بصفته لساناً من ألسنة النهضة الحسينيّة، فعلينا ـ أيضاً ـ الحفاظ على المضمون الذي يطرحه ناصعاً نقيّاً، مُعبّراً بصدق وبقوّة عن أهداف تلك النهضة، مُصحّحاً التصوّرات الخاطئة عنها. ومن ذلك تأتي خطورة تلك المسؤوليّة المُلقاة على عاتق الخطيب، حيث إنّ المنبر الحسيني لم يعد «حالة خاصّة بنا، نمارسها بدون قيود أو ضوابط بصورة عفوية تقوم على التساهل والتسامح، بينما هي توثّق بالمسجّلات، وتصبح مادّة قابلة لأن تُصاغ منها مادّة اتّهام، وصدق أمير المؤمنين علي× عندما قـال: «الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فإذا تكلّمت به صرت في وثاقه»، خصوصاً مع وجود جهات تُحرّف الكَلِم عن موضعه، ويهمّها ـ تحقيقاً لهدفها وهدف من ورائها ـ أن تسمّم الأجواء وتلغم القاعدة»[347].

إذن يظهر ممَّا تقدّم أنّ العامل الأوّل في تطوير المنبر الحسيني هو الخطيب، الذي يفترض أن يكون قد أحرز على الأقلّ الحدود الدُنيا من مواصفات لا بدّ منها. والواقع أنّ الخطيب الحسيني وأوصافه ومهمّاته تحتاج بحثاً خاصّاً، لكنّنا سنذكر هنا تعريف الخطيب الحسيني، ثمّ معرفة شروط ومؤهّلات ينبغي توافرها في هذا الخطيب بوصفه العامل الأوّل والأساس الذي يؤدّي إلى نجاح المجلس الحسيني.

يمكن لنا أن نُعرّف الخطيب، الذي يعتلي المنبر الحسيني بأنّه: خطيب ديني إسلامي شيعي، له صفات تؤهّله أن يجمع بين المحاضرة، التي يشترك فيها مع المحاضِر أو الواعظ أو عموم الخطيب المسلم، وبين إنشاد الشعر الرثائي بطُرُق أو أطوار معيّنة، بحيث يُحدث تجاوباً عاطفيّاً حزيناً مع فقرة من فقرات حركة الإمام الحسين×، حتى استشهاده أو ما جرى بعد الشهادة، موظّفاً طُرُقاً فنيّة خاصّة بالمنبر الحسيني[348].

وقبل أن نبحث في مؤهّلات ومواصفات الخطيب، نعتقد أنّه من المناسب ذكـر عناصر الخطابة، حيث وجدنا أنّها بمجموعها إذا ما رُوعيت في ضوابطها خرجنا بخطابة ناجحة ومؤثّرة في المستمع، وعلى ذلك فهناك عناصر ثلاثة ترتكز عليها الخطابة[349]:

1 ـ الخطيب: وظيفتهُ إلقاء الخطاب على المستمع جاهداً على إقناعه.

2 ـ المتلقّي: وهو المستمع الذي يتلقّى الخطاب من الخطيب.

3 ـ المادّة: وهي مادّة الكلام التي يقدّمها ويطرحها الخطيب على المستمع قاصداً إقناعه.

المطلب الأوّل: مواصفات ومؤهّلات الخطيب الحسيني

الخطابة الحسينيّة رسالة شاقّة ومسؤوليّة صعبة، لا يقدر على حملها وأدائها بصورة كاملة وافية إلّا من منحه الله تعالى مواهب ومواصفات خاصّة، فليس كلّ مَن يحمل علماً وفكراً يستطيع أن يجعل من نفسه خطيباً، وليس كلّ خطيب عام يقدر أن يكون خطيباً حسينيّاً، فالخطيب الحسيني لا بدّ من أن تجتمع فيه مؤهّلات ومواصفات عدّة؛ حتى يتمكَّن من ممارسة العمل الخطابي، وشقّ طريقه إلى النجاح والتوفيق في التأثير في الجمهور، والنفوذ إلى عقول المستمعين وقلوبهم، وأهمّ هذه المواصفات والمؤهّلات، هي:

أولاً: المواصفات والمؤهّلات الذاتيّة.

ثانياً: المواصفات والمؤهّلات العلميّة.

ثالثاً: المواصفات والمؤهّلات الأخلاقيّة[350].

وسنحاول بيان هذه المواصفات بإيجاز؛ لنكون على بيّنة من أهمّية هذه الرسالة التي يقدّمها الخطيب.

أوّلاً: المواصفات والمؤهّلات الذاتيّة

من البديهي أنَّ كلّ عمل يحتاج إلى متطلّبات للقيام به، والإنسان العاقل عليه أن يختار العمل الذي يجد نفسه مؤهّلاً جسميّاً ونفسيّاً وفكريّاً لما يتطلّبه ذلك العمل، وبخلاف ذلك فلا يقحم نفسه في عمل لا يقوى على النهوض به، فالخطابة الحسينيّة تحتاج مقوّمات ومـؤهّلات لا بدّ من وجـودها في شخص الخطيب، وبدونها لا يستطـيع النهوض بالعمل الخطابي، ولا تحقيق الغاية المرجوّة من الخطابة، وهي الإقناع والتأثير في المتلقّي، وأهمّ المؤهّلات الذاتيّة للخطيب هي[351]:

1 ـ ألّا يكون خافت الصوت وضعيفاً، بل الأفضل أن يكون صوته جهوريّاً حتى يتمكّن من إبلاغ مهمّته، رغم أنّ مكبّرات الصوت هذهِ الأيّام ساعدته في أداء مهمّته، إلّا أنَّ الوقع الذي يتركهُ الصوت الجهوري لا يُقاس بغيره، والصوت الجهوري يختلف عن خشونة الصوت، فالمراد منهُ هو المفسّر، كما وُصِف في اللغة بعالي الصوت، وقد وُصِف به العبّاس عمّ الرسول’.

2 ـ ألّا يكون منكر الصوت، بل الأفضل أن يكون حسنه؛ حتى يجلب الحضور إلى الاستماع إليه، والصوت الحسن هو أحد الأسباب التي تُوجب الوقع الأفضل في نفوس الناس.

3 ـ ألّا يكون ضعيف البنية بل قويّها؛ لأنَّ الخطيب يستهلك من قواه حين الخطابة ما لا يستهلكه بقيّة المتكلّمين كالمحاضر والمدرّس مثلاً.

4 ـ أن يكون خالياً من العاهات، سواء في ذلك الأمراض المنفّرة أم النقص العضوي، وهذا الأخير أعمّ من عدم وجوده كلّياً أو قسماً منه ومن التشويه؛ وذلك لأنّ نفوس عامّة الناس تميل إلى مستوي الخلقة أكثر من غيره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّه عادة يُوصف بتلك النقيصة ممّا قد يقلّل من شأنه الاجتماعي.

5 ـ أن يكون ذكيّاً، ولا يخفى أنّ الذكاء صفة مركّبة من أمور عديدة، منها قوّة الذاكرة، وسرعة الانتباه، والإمعان في التصديق، وذلك لأنّ هناك مَن يحفظ سريعاً ويلتقط الكلام بلا عناء، إلّا أنّه ليس بسريع الانتباه في الأمور العلميّة أو العمليّة، أو أنّ سذاجته تجعله يصدّق الكلام الذي يُطرح عليه رغم عدم موافقته العقل أو العُرف، فالخطيب بما أنّ موقفه خطير جدّاً، فلا بدّ أن يكون بشكل لا يقع في مزالق توجب له نقض الغرض.

6 ـ أن يكون واثقاً بنفسه، فإنّ ثقـة الإنسان بنفسه في موقف عامّ يطلّ منه على الجماهـير، أمـر يعزّز موقفه، ويبعده عن الارتباك، وبذلك يكون أقـدر على مواجهة المواقـف الطارئة التي قـد يتعرّض لها، أمّا إذا اهـتزّت هـذه الثقـة، أو اعتراه الخـجل، فلم يعـد يـدري ما يقـول، صَعُب عليه الحـديث، ومن ثمّ الاسترسال فيه، وبهذا يفقد سيـطرته على الموقـف، ومن ثمّ التأثير على الجماهـير... ويمكن تلخيص هـذه القضـيّة في النقـاط الآتية:[352]

أ ـ الثقة بالنفس.

ب ـ عدم الغرور.

 ج ـ رباطة الجأش والابتعاد عن الخوف.

 د ـ عدم إرهاق النفس قبل الإلقاء.

هـ ـ عدم الشكّ في القدرات.

و ـ عدم الاعتذار قبل الحديث، كأن يقول: أنا غير متأكّد، أنا لا أعرف الموضوع كثيراً، معلوماتكم أكثر من معلوماتي، وامثال ذلك.

ز ـ عدم الارتعاش والرعدة والعرق، وأن يكون ساكن الجوارح.

ثانياً: المواصفات والمؤهّلات العلميّة

من وظائف الخطيب الحسيني، توجيه الناس وتوعيتهم وتربيتهم وتثقيفهم بالثقافة الإسلاميّة، ودعوتهم إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلّ ذلك يستوجب علم الخطيب بالإسلام عقائده وأحكامه وأخلاقيّاته وسائر شؤونه، وكلّما كان الخطيب أكثر علماً وأوسع معرفة كان أكثر عطاء وفائدة.

ثمّ إنّه مع تعدد وسائل المعرفة وزيادة سعة اطّلاع كثير من الناس، اقتضت أن يكون الخطيب على مستوى عالٍ في الثقافة والعلم، حتى يُستـفاد منه، فإنّ «رسالة المنبر بناء الأجيال، وقد أصبحت مسؤوليّات الخطباء ثقيلة، ومهمّتهم شاقّة، بعد أن صعد الزمان بأهله، ووُضِع المنبر مباشرة أمام سمع العالم وبصره عن طريق وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة، وصار الناس يستمعون إلى أطروحاتنا، ويقرأون عقولنا وأفكارنا؛ ليحكموا عليها بعد ذلك بما يَرفع أو يَضع، ومع نتيجة الحكم يتعزّز مكان المنبر من الساحتين الإسلاميّة والإنسانيّة، فهل هناك ما هو أكثر تحفيزاً لنا على مضاعفة الجهد والعمل الـدؤوب من أجل أن نكون أو لا نكون؟»[353].

وعلى هذا الإساس لا بدّ للخطيب من أن يكون مؤهّلاً علميّاً؛ ليؤدّي رسالته بصورة كاملة ووافية، فعليه بالدرجة الأولى دراسة العلوم الإسلاميّة، وأيضاً مطالعة الكتب التي لا تُدرّس عادة في الحوزات العلميّة، ولكن مطالعتها لها تأثير في زيادة المعرفة مع الاستفادة من العلوم الحديثة.

وأهمّ العلوم التي يجب على الخطيب معرفتها ما يلي[354]:

1 ـ قواعد اللغة العربيّة: إنّ مراعاة قواعد اللغة العربيّة تصون اللسان عن الخطأ، وهي للخطيب كالسلاح للمقاتل، ومن دونها لا يمكن فهم النصوص القرآنيّة والحديثيّة.

2 ـ المنطق: فهو علم منهج الاستدلال العلمي والعقلي الصحيح، الذي ترتكز عليه جميع العلوم الإسلاميّة.

3 ـ الفقه: فاللازم للخطيب أن يدرس دورة فقه كاملة؛ حتى يعرف أحكام الإسلام، التي يتحدّث عنها ويدعو إليها.

4 ـ أصول الفقه: فعلم الأصول هو الأساس الذي تبتنى عليه قضايا العلوم الإسلاميّة من تفسير وحديث وفقه، وما إلى ذلك.

5 ـ الحديث: معرفة أصول الحديث ضروريّة؛ لأنّ الحديث يشتمل على المطلقوالمقيّد، والعامّ والخاصّ، والصحيح والحسَن، وغير ذلك.

6 ـ العلوم القرآنيّة: تجب معرفة علوم القرآن للاستعانة بها في أداء رسالة الخطابة؛ لأنّ القرآن الكريم هو أساس الإسلام ودستوره.

7 ـ علم الأخلاق: الإسلام دين الأخلاق الكريمة، والمُثُل العُليا، وعلم الأخلاق له أثر كبير في التربية والتوعية، وحمل المجتمع على الأعمال الصالحة.

8 ـ العقائد الإسلاميّة أو علم الكلام: وهو من العلوم الأساسيّة للدراسات الإسلاميّة والمعارف الدينيّة، ومن خلاله يعرف المسلم أصول الدين، وغير ذلك من ضروريّات العقيدة.

9 ـ التأريخ الإسلامي: وهو من ضروريّات الخطيب؛ ليطّلع على الحوادث التي رافقت ظهور الإسلام، وما جرى بعد ذلك.

10 ـ سيرة النبي وآله’: ففي سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم الكثير من العظات والعبر، وعلى الخطيب دراستها دراسة وافية؛ لينقلها إلى المسلمين، ويعرّفهم بحياة النبي والأئمّة من آل البيت×.

11 ـ علم وفنّ الخطابة: وهو من العلوم والفنون الضروريّة للخطيب، والتي يجب أن يستوعبها ويتعلّمها بدقّة وإتقان؛ ليعرف الخطيب كيفيّة إلقاء الخطبة، وطرح الفكرة، والتأثير في المستمعين.

وكذلك هناك علوم يستفيد الخطيب من الإلمام بها؛ ليتمكّن من الاستدلال بها في خطابه، كالعلوم الطبيعيّة من جغرافية وفلك وفيزياء وغيرها، كذلك الإلمام بعلم النفس والاجتماع والقانون والسياسة، وما في مدارها ممّا له علاقة بالفرد والمجتمع؛ ليستطيع معالجة مشاكل المجتمع عِبر هذا المنبر[355].

ثالثاً: المواصفات والمؤهّلات الأخلاقيّة

إنّ الخطابة رسالة، وتحمّلها أمر صعب وثقيل، فينبغي لِمَن تلبّس بها أن ينهض بأعبائها، ويحاول قدر المُستطاع أن يكون قدوة حسنة للآخرين؛ من أجل أن يقوم بالهدف الذي وُجد المنبر الحسيني من أجله، فيؤثّر ويُصلح، ويتأثّر الناس ـ عادّة ـ بسلوك الإنسان أكثر من التأثّر بكلامه، فالخطيب هو اللسان الناطق عن المنبر الحسيني، ولكي يكون مُصلحاً في أدائه لا بدّ أن يكون صالحاً في نفسه. لذلك نعتقد أنّ من الضرورة البحث في موضوع المؤهّلات والصفات الأخلاقيّة بشيء من التفصيل، مع ما ذكرناه من مؤهّلات ذاتيّة ومؤهّلات علميّة، حيث تؤدّي بمجموعها عند توافرها في الخطيب الحسيني أداء الغرض المطلوب من المنبر، فإنّ «من أسباب نجاح الخطيب أن يكون نموذجاً فاضلاً بالعمل الصالح في سلوكه قبل كلامه، فإنّ ذلك يدعو الناس أن يقتدوا بقوله؛ لأنّه فعلَ قبل أن يأمر وانتهى قبل أن ينهى، ومن القُبح بالخطيب أن يكون مصداقاً للآية الكريمة (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[356]، فيـكون ذلك موجِباً لنـفور المستمع وعدم احترامه للخطيب»[357].

ومن الجدير بالذكر أنّ المتكلّم الصادق في قوله، والمؤمن بما يقول ويدعو إليه، تظهر عليه أمارات الصدق، «مثل: أن تطفح على وجهه أسارير السرور إذا بشّر بخير، أو علامات الخوف والهلع إذا أنذر بشَرٍ، أو هيئة الحزن إذا حدّث عمّا يحزن...وهكذا. ولتقاطيع وجه الخطيب وملامحه ونبرات صوته الأثر الفعّال في شعور المستمعين، بأنّ ما يقوله كان مؤمناً به أو غير مؤمن به، والوجه الجامد القاحل من التعبير لا يستجيب له المستمع، ولذا اشتُهر أنّ الكلمة إذا خرجت من القلب دخلت في القلب، وما هذا إلّا لأنّ إيمان الخطيب بما يقول يظهر على ملامح وجهه ونبرات صوته رضي أم أبى، فيدرك المستمع ذلك حينئذ بغريزته، فيؤثّر على شعوره بمقتضى طبيعة المحاكاة والتقليد»[358]. فعلى الخطيب أن يكون رجلاً صالحاً، مخلصاً في عمله، صادقاً في قوله وفعله.

وإنّ من أهمّ الصفات الخُلقيّة وأكثرها مساساً بالخطيب وعمله ما يلي[359]:

1 ـ التقوى:

تُعتبر التقـوى من أهـمّ الصفات وأشرفها وأكـثرها ضـرورة للخطيب، بل لكلّ مسـلم، وقـد وردت عشـرات الآيـات في فضـل المتّقـين، قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[360]، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[361]، فالتقوى هي حصن المؤمن عندما تعصف بالمجتمع فتنة عقائديّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة.

2 ـ الإخلاص:

إنَّ عمل الخطيب من أفضل العبادات؛ لأنّ فيه التعليم والتربية والإرشاد والهداية والدعوة إلى الله تعالى، وذكر مآثر الإسلام، وفضائل النبي وآله الكرام^، وهذه كلّها عبادة وقربى، فينبغي للخطيب المؤمن برسالته أن يطلب بعمله وجه الله تعالى، ورضا رسوله وأهل بيته^، وأن لا يكـون هدفه جمع الأموال أو الشـهرة أو الحصول على موقع اجتماعي، أو إرضاء جهة خاصّة على حساب قول الحقّ، نعم لا بأس بالهديّة التي تقدَّم للخطيب، وهي لا تنافي الإخـلاص، وقد حثّ الشيخ النوري في كتابه (اللؤلؤ والمرجان) الخطباء على الإخلاص في عملهم؛ لأنّه من أفضل العبادات، وأكّد على أصحاب المجالس معرفة حقّ الخطباء، وعدم التقصير في حقِّهم وتقدير جهودهم[362].

3 و4 ـ الصدق والأمانة:

الصدق والأمانة من أفضل الصفات الكريمة، وبهما تتحقّق الثقة بالشخص المتكلّم، والخطيب أحوج الناس إليهما؛ كي يثق به المستمعون، وبدون ذلك تذهب جميع أعماله وأهدافه عبثاً، ولهذا السبب عُرف الأنبياء عند جماهير الناس بالصدق والأمانة، وقد وصف المشركون في مكّة المكرّمة رسولَ الله’ بالصادق الأمين. وقد حذّر العلماءُ الخطباءَ والقـرَّاءَ الحسينيين من إيراد الأخبار الكاذبة في قراءتهم، ومنهم: الشـيخ النـوري في كتابه (اللؤلؤ والمرجان)، فقد أورد بعض القصص المحذّرة من استعمال الكذب في المنبر. ولم ينفرد النوري بالتحذير من ذكر الأخبار غير الصحيحة على المنبر الحسيني، بل تبعه على ذلك السيد محسن الأميـن في (المجالس السـنيّة)، والشـيخ مرتضـى مطهري في كتابه (الملحمة الحسينيّة)، حيث يقـول: «بالنسبة لواقعة تاريخيّة مثل واقعة عاشوراء، تلك الحادثة التي نحـن مطالبون بإحيائها سنويّاً باعتبارها مدرسة تربويّة وعقائديّة حيّة، فهل يجوز السماح بتسريب كلّ ذلك الحسّ الأسطوري والقصص الخياليّة إلى مثل هذه الواقعة البالغة الأهمّية ؟!».

وقد كان للمرجع السيّد علي الحسيني السيستاني توجيه وتوصية بخصوص هذا الأمر، حيث أوصى بأن «يترفّع المنبر عن الاستعانة بالأحلام والقصص الخياليّة التي تسيء إلى سمعة المنبر الحسيني، وتُظِهر أنّه وسيلة إعلاميّة هزيلة، لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين»[363].

وبالتأكيد هذه الأمور من شأنها أن تُضعف المنبر ودوره في الإصلاح، فعندما يذكر الخطيب الأرقام الخياليّة للجيش الذي واجه الإمام الحسين×، وعدد من قتلوا على يد الإمام الحسين×، أو يذكر بعض القصص في الواقعة التي تخرج عن إطار العقل والمنطق، فبالتأكيد سيفقد الخطيب مصداقيّته وبالتالي تأثيره بالمستمع.

وبالطبع هذا الكلام واللوم والعتاب، إنّما يُوّجه إلى أولئك الذين يفتقدون صفة الصدق والأمانة في نقل الحديث، وهم بذلك يفقدون ثقة المستمع؛ إذ إنّ الأخبار الكاذبة إنّما تمرّ على البسطاء من الناس، ولا تمرّ على ذوي الاطّلاع والثقافة، خصوصاً في الوقت الحاضر حيث التطوّر العلمي والثقافي.

5 و6 ـ الصبر وتحمّل الأذى:

بما أنّ من الوظائف الأساسيّة للخطيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فربّما يصطدمان مع مصالح بعض الناس، فيسببّون للخطيب بعض المشاكل، ويحاربونه، ويشوهّون سُمعته بشتّى الوسائل، فعليه أن يتحمَّل ويستعين بالصبر، ويتوكَّل على الله في أداء رسالته، قال سبحانه لنبيّه الحبيب’: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[364].

7 ـ العِفّة:

تُعتبر العِفّة من أبرز صفات المؤمنين، والخطيب أولى الناس بها؛ لأنّه يرتبط بالناس، وهو موضع ثقتهم، فإذا أحسّوا منه خيانة ـ لا سمح الله ـ أساؤوا الظنّ بالدين ورجاله جميعاً، فتكون انتكاسة للمنبر ورجاله.

والعفّة أقسام: عفّة اليد والبطن والفرج واللسان والبصر، وعفّة اللسان تتجلّى باختيار الخطيب للألفاظ الجميلة، وتجنّب الألفاظ المبتذلة، والكلمات الفاحشة التي لا تتفّق مع مقامه وحرمة مجلس الحسين×.

8 ـ الحزم والعدل:

على الخطيب أن يكون حازماً عادلاً، واضعاً الشيء موضعه اللائق به، لا إفراط بأن يتشدّد فيسبّب نفرة المستمع ويئسه من رحمة الله، ولا تفريط بأن يتساهل في الأوامر والنواهي، وإنّما يشدّد في مورد التشديد، ويهوّن في مورد اللّين، ويرهّب في مورد الترهيب، ويرغّب في الآخرة، ولا يبقى على وتيرة واحدة فيقع في المحذور وتشمله قاعدة نقض الغرض، إنّما الخطيب الحازم يكون سبباً في رُقيّ المجتمع نحو الكمال.

ومن علامات الخطيب الحازم: وضع الشيء في موضعه، والابتعاد عن المصالح الشخصيّة والشهرة والسمعة، والمبالغة في النصيحة، وعدم المجاملة على حساب الحقّ والمبدأ، وكذلك مداراة الناس[365].

9 ـ الشجاعة والحماسة:

الشجاعة صفة مهمّة في الخطيب؛ لأنّ مهمّته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغيير الأمّة على أساس تلك المهمّة، فعند مواجهة الحكومات الظالمة والأحزاب الجائرة والتيّارات المنحرفة يصارع الخصوم، ويقارع كلّ لَؤم غشوم، فالسبيل الوحيد في تحقيق النجاح في هذه الأوضاع هو امتلاك القدر الكافي من الشجاعة؛ لأنّ الجُـبن يقتل الشخصيّة، ويجعل الخطيب يعطي الأعـذار لتمرير مواقفه الاستسلاميّة الانهزاميّة، فالخطيب في معركة دائمة حامية مع سرّاق ضمائر العباد، وتجّار الفتن في البلاد، لذا فإنّ من عَلِمِ في نفسه الجبن تعيّن عليه أن لا يَلج في عالم الخطابة؛ لكونها مشروطة بعـدم الخوف من غير الله تعالى[366]،( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[367].

والحقيقة أنّ هناك الكثير من الفضائل التي ينبغي للخطيب أن يتحلّى بها، كما أنّ هناك الكثير من الرذائل لا بدّ أن يتجنّبها، ولعلّ ما ذكرنا منها تكون مفتاحاً لكلّ الفضائل، وسدّاً لكلّ الرذائل.

المطلب الثاني: المتلقّي (المستمع للخطابة الحسينيّة)

بما أنّنا ذكرنا أنّ الخطابة تتكوّن من عناصر ثلاثة، وبمراعاة ضوابطها نخرج بخطاب ناجح ومؤثّر، وبحثنا في العنصر الأوّل منها وهو الخطيب، نرى من المناسب أن نبينّ أثر العنصر الثاني وهو المتلقّي والمستمع للخطبة، حيث إنّ مسؤوليّة الإصلاح والتغيير لا تقع فقط على عاتق الخطيب الحسيني، بل إنّ للمستمع والمتلقّي دوراً مهمّاً كذلك. ويؤكّد أحد الخطباء على أنّه «تقع مسؤوليّة مشتركة على الخطباء الناصحين وعلى الناس المستمعين، أمّا الخطباء المؤمنون فيجب عليهم أن يقصدوا بقوّة العلم والإفاضة الرحمانيّة على نفوس وقلوب مستمعيهم، ويعطوا الوقت حقّه عليهم من ناحية الفائدة العامّة، مقتدين بمقولة الإمام زين العابدين× عندما أشار إلى فلسفة الخطبة وأبعادها: (أقول كلمات لله فيهنّ رضا وللجالسين أجر وثواب)، وهم بذلك يسدّون الأبواب على أصحاب المصالح والأُجَراء للظلمة، إذ الناس تتّبع الأفضل والأكثر خدمة. وأمّا المسؤوليّة المُلقاة على عاتق الناس فإنّ الواجب الديني يدعوهم بحكم ما يعطونه من وقت ومال أن يستمعوا إلى كلمة الحقّ، وينظروا إلى فائدة الكلام الحقيقيّة، وليعلموا أنّ للسمع حقّ كما للسان»[368]، يقول تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[369].

وكنتُ قد وجّهت سؤالاً للشيخ الخطيب فيصل الكاظمي عن المنبر الحسيني في الوقت الحاضر، هل أحدث إصلاحاً على مستوى أكثر من نفسه، فأجاب: «نعم هناك دور بنسبة ما، لكن ليس كما كان سابقاً، فسابقاً كان المنبر الحسيني إصلاحياً بشكل واضح وجلي، إلّا بعض الشواذّ، أمّا اليوم فالعكس...، والمسؤوليّة في تحقيق التأثير والإصلاح من المنبر تقع على ثلاثة جهات: الجهة الأولى: الخطباء مسؤولون، وعلى الخطيب أنْ يتّقي الله، وأنْ يراقب نفسه، ويهيّئ النفس لهذه المسؤوليّة. والجهة الثانية: مسؤوليّة الهيئات والمواكب وأصحاب المجالس أن يختاروا الخطيب الذي ينفع الناس، فهناك فرق بين الخطيب الناجح والخطيب النافع، فالخطيب الناجح يجمع الجماهير، لكن ليس بالضرورة أن يكون نافعاً، وهناك الخطيب الناجح والنافع ولكن ليس دائماً، ونلاحظ أغلب أصحاب المجالس الحسينيّة تختار الخطيب الذي يجذب الجمـهور، ويكون ناجحاً في هذا الجذب، ولا يختار مَن لا يختاره المتلقّي، فقياس أصحاب المجالس في ذلك على حضور الناس، وليس الفائدة المرجوّة من الخطبة. أمّا الجهة الثالثة في المسؤوليّة: هم الناس (المتلقّي)، فمن الخطأ أنَّ كلّ مَنْ يرتقي المنبر ويخطب في الناس يُقال له أحسنت، فذلك من شأنه أن يشجّع الإساءة دون تصحيح الخلل»[370].

لذلك تظهر الحاجة إلى رفد ومساعدة مؤسّسات المجتمع في نشـر وإشاعة ثقافة الخطاب الحسيني الصحيح، ممّا يؤدّي إلى معرفة الاختيار الصحيح للخطيب، وسُبُل التلقّي الصحيح منه، وتصحيح عمليّة التقييم من قبل المجتمع لخطيب المنبر، والغاية من المنبر، وكلّ ذلك سيؤدّي إلى حصول الاستفادة القصوى من حضور المجلس الحسيني والاستماع للخطبة الحسينية، فعـندما نبحث في مَـن يحـضر تلك المجالس نجدهم أصنافاً متنوّعة بحسب ثقافتـهم وغاياتهم، فإنّ «أغلب المستمعين أفهامُهم مختلفة، وغاياتهم شتّى، منهم للفائدة حضر، ومنهم للمجاملة جاء، ومنهم النزهة يطلب، ومنهم لإيقاع الخطيب في مأزق يرغب، ومنهم مَن يوقف الخطيب للاتّهام، ومنهم يحسب الزلّة ويحصي العثرة، متناسياً كثرة الفائدة التي قدّمها الخطيب لمُستحقّها من ربط الناس بالله سبحانه وتعالى»[371].

وهناك مَن يُقسِّم مَن يرتاد تلك المجالس إلى خمسة أصناف، فمنهم: عالم ربّاني، ورجل متعلّم، وامرؤ معتاد، وإنسان مغرور، وشخص ناقد، وللأسف عند ملاحظة تلك الأصناف تجد أنّ القسم الأكبر منهم يحتاج إلى تثقـيف وتغيير لأهدافه وغاياته مـن الحضور لتلك المجالس. فمَن سُمّيَ بـ (امرؤ معتاد) تجده يتعامل مع تلك المحافل كعادة موسميّة، جُبل عليها وتوارثها عن سلفه، فيحافظ عليها كتراث مفروض، وعمل تقليدي، قد لا يعي العوامل، ولا يدرك النتائج. أمّا الصنف الذي أطلق عليه مصطلح (إنسان مغرور) فهذا الذي استولى الكبرياء كيانه، وملأ العُجُب قلبه، وحجبت سمعَه وقلبَه غشاوةٌ، فلا ينتفع أمراً ولا يسمع قولاً، يحضر رياءً، ويؤدّي دَيناً فرضته الأعراف في تبادل الزيارات وأداء المراسيم، فهو إلى الجهل أقرب منه إلى المعرفة، وإلى النقص أدنى منهُ إلى الكمال، وهو مِمَّن ختم الله على قلوبهم. وأمّا صنف (شخص ناقد) فهو الذي يشترك في مثل هذه المجالس بروح ناقدة، ونظرة ساخرة، ينتقد القائمين والحاضرين والمتكلّمين، وينتقص من هذا وذاك، فهو مِمَّن في قلبه مرض فازداد مرضاً، وإلّا فإنّ النقد البنّاء ظاهرة صحيحة[372].

المطلب الثالث: الموضوع في الخطبة الحسينيّة

للخطبة الحسينيّة أجزاء تميّزت بها وعُرفت بها، نذكرها هنا مع تسليط الضوء على (الموضوع) الذي يُعتبر أساس الخطابة كما ذكرنا، وتتكوّن الخطابة الحسينيّة من الأجزاء التالية:

1 ـ الاستهلال أو الافتتاح.

2 ـ الموضوع.

3 ـ الرابط أو التخلّص أو التعريج أو الكَوريز.

4 ـ المصيبة.

ومن أجل نجاح مهمّة المنبر الحسيني، وتحقيق الغرض المنشود منه، لا بدّ أن يختار الخطيب موضوعاً مفيداً، وأن ينتقي له نصّاً مناسباً، يكون مدخلاً وصدراً للموضوع، على أن يكون هذا النصّ إمّا آية قرآنيّة، أو حديثاً شريفاً، أو خطبة، أو وصيّة، أو زيارة، أو دعاء، أو قطعة شعرية[373].

وهنا على الخطيب أن يأخذ بالحسبان المناسبة والهدف من انعقاد المجلس الحسيني، فيختار الموضوع المناسب والنافع، كأن «يتضمّن الموضوع مفهوماً إسلاميّاً، أو فكرة إصلاحيّة، أو ما شابه ذلك، كدفع شبهة عن الإسلام وقادته، وذلك لتقوية العقيدة في نفوس المستمعين، وبثّ الوعـي واليقظة فيهم، ولا يقتصر على ترفٍ فكري، وما يلهي المستمـعين من دون فائـدة ونتيجة»[374]. وفي هذا الصدد أجاب الشيخ فيصل الكاظمي عندما سألته عن وضع المنبر الحالي ومستواه العلمي والثقافي، فقال: «أين نحن من المنبر في أيّام السبعينات والثمانينات، حيث لا يرتقي المنبر إلّا مَن كان مؤهّلاً ثقافيّاً وأدبيّاً، الآن البعض يخطأ في قراءة الآيات القرآنيّة، ولا نجد بحثاً متكاملاً (موضوع الخطبة)، فنرى أنّ الخطيب يقفز من موضوع إلى موضوع، والجماهير بحكم البساطة الواضحة والتدنّي الثقافي لا يميّز بين خطيب وخطيب، بل قد تجد البعض ينجذب للخطيب الذي يبتعد عن العلم»[375].

إذن ينبغي أن يكون الغرض من الموضوع «هو الاتباع والاستماع والاهتداء بهدي كلام الحقّ، والابتعاد عن الرذيلة، ولو خلا الموضوع الخطابي من هذا الغرض، لم يُعد موضوعاً هادفاً وخادماً»[376].

ومن الجدير بالذكر أنّ الخطيب الحسيني الذي يهدف إلى تحقيق الإقناع للمستمع والمتلقّي للخطبة، عليه أن يكون ذكيّاً وفطناً في اختيار موضوع خطبته، بحيث يكون بحسب المستوى الثقافي للحضور، وبحسب قـوّة معتقداتهم، مع اختيار الأسلوب المناسب في الطرح، «فالموضوع الذي يُقرأ في مجلس المثقّفين والخواصّ غير الموضوع الذي يُقرأ في مجلس العوام، فالخطيب الذكي ينظر إلى مستمعيه، فيقرأ ما يتناسب وشأنهم...، ويجب على الخطيب أن يراعي شعور المستمعين ومعتقداتهم، فبعض المجالس يحضرها ذوو معتقدات مختلفة، فلا بدّ من اختيار موضوع مناسب مع طرح قويم، وأسلوب سليم؛ لئلّا تحدث فتنة واختلاف»[377].

وفيما يتعلّق بمادّة المنبر التي يتناولها الخطباء، سواء أكانت تاريخيّة أم غيرها، يقول الشيخ الوائلي بشأنها: «وهنا لا مفرَّ من الاعتراف بأنّ بعضها ممّا لا يلتئم والضوابط، بل وأكثر من ذلك، ولكن بدأت تتخلّص نسبياً من ذلك، وتقلّصت سلبياتها التي كانت غارقة بها، واتّجهت نحو الاتّزان والعقلانيّة والتنوّع المفيد على مستويات مختلفة»[378].

وهناك جوانب أخرى تتعلّق بموضوع الخطبة ينبغي التركيز عليها، سنتعرّض لها عند البحث في كيفيّة النهوض بالمنبر الحسيني.

ولعلّنا نكون قد بيّنا ـ ولو بنحو الإجمال الخطوط العريضة والبارزة من ـ المؤهّلات والمواصفات التي ينبغي مراعاتها وتوفّرها في الخطيب، بوصفه العامل الأوّل في تطوير المنبر الحسيني، فكلّما طوّر الخطيب من كفاءته، وحرص على توفير كلّ ما يؤهّله لإنجاز هذا الواجب، بالتأكيد سيؤدّي إلى تطوير المنبر الحسيني، ونجاح مهمّاته بالشكل المطلوب.

المبحث الثاني

واقع المنبر الحسيني ووسائل النهوض به

تستطيع المجالس الحسينيّة أن تعطي الكثير من المنافع والبركات، وأن تترك الأثر في الجمهور الشيعي، إلّا أنّ هناك بعض المعوّقات أو السلبيّات التي تضعف دور المنبر وقدرته على إحداث أقصى ما يمكن من تأثير، لذلك من الضروري الاهتمام بمعالجتها من أجل النهوض بالمنبر الحسيني، والحفاظ على عطائه، وسنذكر هنا بعض تلك المعوّقات أو السلبيّات، مع ذكر الحلول المقترحة لها.

المطلب الأوّل: سلبيّات تضعف المنبر وطرق معالجتها

أوّلاً: عدم تفعيل دور المؤسّسات التعليمية الدينية بشكل تامّ في الاهتمام بالخطابة والخطيب، وذلك بإعداد خطباء متخصّصين، يمتلكون مؤهّلات تتجاوز تحسين الصوت، وحفظ الشعر، خطباء على مستوى عالي من التحصيل الحوزوي والأكاديمي. ومن المناسب هنا ذكر تجربة (جمعيّة منتدى النشر في النجف الأشرف)[379]، والتي تولّت رفع أداء المنبر الحسيني، وإعداد خطباء مؤهّلين لرسالته، وذلك من خلال فتح صفوف لتدريس خطباء المنابر وإعدادهم إعداداً منهجيّاً صالحاً، حيث يؤكّد الشيخ محمّد مهدي شمس الدين على أنّ «أوّل من دعا إلى تطوير المنبر الحسيني في العراق، بما يلائم روح العصر، هو جمعيّة منتدى النشر في النجـف الأشـرف...، وكان من جملة أهداف جمعيّة منتدى النـشر، تأسيس كلّية لتخريج خطباء المنبر الحسيني، المستوعبين للمتغيّرات، والواعين لظروف العـصر، القادرين على مواجهته بالثقافة الرصينة العميقة، والعلم والموضوعيّة، لا بالخرافة والتهريج..»[380]. وأبرز مَن قـادَ جمعيّة منتدى النشر، في شأن المنبر الحسيني اثنان من أفاضل العلماء المصلحين، وهما: الشيخ محمّد رضا المظفر[381]، والشيخ محمّد ابن شيخ الشريعة الإصفهاني[382].

وفي صدد ضرورة إعداد جامعات ومعاهد متخصّصة بالمنبر الحسيني، تحدّث الشيخ فيصل الكاظمي قائلاً: «حاولت ببدأ خطوة بتأسيس معهد الشيخ الوائلي للخطابة، وذلك في سنة 2009 ـ 2010، والحمد لله قمنا بتخريج اثني عشر دورة خطابيّة للرجال، ونتمنّى أن يكون عندنا امتداد للعمل النسوي، لكن لم تتهيّأ لحد الآن الإمكانات لهذا المجال»[383].

ولا يخفى الدور المهم للمرجعية الدينية في هذا الجانب، «فمثلاً إذا طلب المرجع الديني من الخطباء أن يركّـزوا في مجالسهم في هـذا الموسـم (محرّماً كان أو رمضان) على مواضيع مُحَدَّدة يرى أهمّيتها، فإنّ ذلك سيلقي استجابة وقبولاً من أكثر الخطباء، وقد فعل ذلك المرحوم الإمام الخميني قدس سره، حيث كان يستقبل الخطباء الإيرانيين أو خطباء العاصمة طهران قبيل عشرة محرّم، ويوجّه إليهم نصائحه وآراءه، فكان ذلك مؤشّراً جيّداً مع أخذ الفوارق بعين الاعتبار»[384].

كذلك كان للسيّد علي السيستاني توجيهات مهمّة، أكّد فيها على دور المنبر الحسيني، وذكَّر فيها الخطباء بأهمّية دورهم في المجتمع، فتوجّه إليهم بوصايا هم أحوج ما يكونوا إليها[385].

ولا يقتصر دور المرجعيّة في رعاية الخطباء من حيث توجيههم وإرشادهم، بل المسألة أكبر من ذلك، فالمنبر الحسيني بحاجة إلى مؤسّسة منفّذة تعمل على بناء وتطوير المنبر، ويرى الشيخ الوائلي أنّ الجهة المتعيّنة للقيام بتلك المسؤوليّة هي المرجعيّة الدينيّة، على أن تكون مؤسّسة من مؤسّسات المرجعيّة الحوزويّة، يُنفق عليها ضمن ميزانيّة الحوزة، ويتمتّع أعضاء الهيئة التدريسيّة بنفس ما يتمتّع به مدرّسو الحوزة، بحكم كونهم من صميم الحوزة، وإذا فُرض أنّ بعض الجهات الخيريّة أرادت دعم معهد الخطابة، يُصرف هذا الدعم لعقار يُوقف لصرف ريعه عليه، وإذا حدث أنْ تحقَّق الاكتفاء من ريع الموقوفات، واستقلّ المعهد ماليّاً، فلا ينبغي أن يستقلّ في وضعه عن إشراف المرجعيّة عليه.

ومن ثمرات ربط معهد الخطابة بالمرجعيّة عدّة أمور، أهمّها ما يلي:

أ ـ توفير الجانب الروحي في ممارسات المنبر وسلوكيّته، والتقيّد برؤية الحوزة وأخلاقيّاتها؛ لأنّه حينئذٍ جزء منها، ولا ينفصل عنها، ولا يمكن أن يُوظَّف ضدّها.

ب ـ ضمان علميّة المنبر وتضلّعه بأهمّ المقوّمات، وهي العلوم الإسلاميّة التي تشكّل القاعدة الأساسيّة لثقافة المنبر وفعّاليته المطلوبة، خصوصاً بعد أن أصبح الكثير من الناس يتلقّف الأحكام من المنبر.

ج ـ تُوفّر عمليّة ربط المنبر بالمرجعيّة؛ ضماناً للخطيب الذي قد يعجز عن ممارسة مهنته لكِبر، أو لتعذُّر الحصول على مجلس يُمارس فيه القراءة، حيث تشمله رعاية المرجعيّة، ولا يضطرّ إلى أسباب أخرى تسدّ حاجته[386].

ثانياً: المنبر الحسيني بحاجة إلى حلول جادّة للمشكلات والتحدّيات التي تواجهه وتؤثّر على فاعليّته، «ولعلّ ما يسهّل الوصول إلى رؤية واضحة للمشكلات التي تواجه المنبر الحسيني ورجاله، أن يتداعى البارزون في حقل المنبر الحسيني في كلّ بلد إلى مؤتمر عام، يتدارسون فيه مشكلات مهمّتهم، وسبل حلّها، والطُرُق الكفيلة بتطوير أساليب الخطابة على المنبر الحسيني»[387].

ثالثاً:«يواجه المنبر الحسيني بعض الضغوط التقليديّة، حيث تصرّ بعض المجتمعات على التزام الخطيب بنمط وأسلوب تقليدي موروث في خطابته، وأن يكرّر عليهم ما ألفوه من قصص وقضايا السيرة، دون التعرّض لمشاكل المجتمع وهمومه، كما أنّ مقياس جودة الخطيب في هذهِ الأوساط التقليديّة يكمن في مدى قدرته على استثارة العواطف، ومقدار رقّة الصوت في طرح مآسي أهل البيت^»[388].

وهنا علينا أن نعترف بضرورة أن تتولّى مؤسّسات المجتمع والإعلام مسؤوليّة تثقيف الجمهور، إلى أنّ الهدف من التواجد تحت هذه المنابر لا ينحصر بتحصيل أجر الدمعة فقط، وإنّما أجر إحياء أمر أهل البيت^، والذي يتحقّق بتعلّم علومهم وأخلاقهم وسيرتهم، وهو الهدف الأسمى والأعظم.

رابعاً: الارتفاع بالمنبر عن كونه سلعة تُحدّد خدماتها بإسلوب المساومة، ولو كان ذلك مشروعاً لا غبار عليه من الناحية الشرعيّة، ولكن فيه جفاف لا يلتقي مع شفّافيّة الرسالة التي يؤدّيها المنبر، وإذا اهتزّت مكانة الخطيب في نفوس الناس قلّ تأثيره عليهم، وقلّ أقبالهم عليه[389].

ومن هنا تبرز أهمّية مسألة ضمان الخطيب؛ لأنَّ عدم ضمان الخطيب يدفعه للشعور بالحاجة إلى الناس، ومع هذا الشعور سيكون عرضة لمجاراتهم[390]، ولا يخفى ما لهذهِ المسألة من تأثير سلبي على قيام المنبر بالدور المنشود.

خامساً: لأجل تفعيل دور المنبر الحسيني في نشر الوعي الديني والثقافي، لا بدّ من الموازنة بين الدمعة والفكرة، وكما ذكرنا سابقاً أنّ المسؤوليّة مشتركة تقع على المتلقّي والخطيب معاً، ولكن ربّما الجزء الأكبر من المسؤوليّة واقع على الخطيب، وأنّه هو الذي يزرع هذا النوع من التفكير عندما يركّز على النعي، ويترك الاهتمام بموضـوع المحاضرة وأثره على المتلقّي، حبذّا لو تسامينا بدمعنا وارتفعنا عن أن يكون طرفاً في معاوضة من خوف عقاب ورجاء ثواب ـ وإن يكن ذلك أمراً سليماً في نفسه ـ بل أن يكون الدمع تعبيراً عن أسىً لنفس حملت روح محمد’، وجسّدت مَن ورث سماته وكيانه، هو خلاصة أمجاد آل عبد المطّلب، تصدّت لتمزيقه سيوف كان ميدانها الدفاع عنه، ولكنّه سوء العاقبة ونكسة الضمير، أجل ينبغي أن نردّد:

تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ
 لكنمّا عيني لأجلك باكية[391]

سادساً: هناك مسؤوليّة كبرى تقع على الخطيب الحسيني، وهي أن يرتقي بمستوى أدائه المنبري، ويستفيد من حشود الذكرى، فيطرح موضوعاً أخلاقيّاً أو عقائديّاً، يشدّ من خلاله المتلقّي إلى مدرسة أهل البيت^، ويحقّق مطلب الإمام الصادق×: «أحيوا أمرنا»، مع بذل الجهد في معرفة مشاكل مجتمعه، وما يجري حوله، لا أن يشغل نفسه ويبذل جهده في تعدّد المجالس عنده، ممّا يضطرّه إلى التكرار في موضوعاته، أو الالتجاء إلى مادّة غثّة غير موثوقة، ويكون ذلك على حساب الأصالة وسمعة المذهب، وكلّ ذلك من شأنه أن يضعف دور المنبر الحسيني، إذ يُعدّ التجديد في موضوع الخطبة أمراً ضروريّاً، يقتضيه تطوّر الحياة المستمرّ، والتجدّد الذي يطرأ على واقع الناس في أحوال معاشهم وظروف حياتهم واتّجاه ثقافتهم ومظاهر منجزاتهم، ذلك لأنّ موقع الخطيب في الناس يقتضي التصاقه بمختلف ظروف حياتهم، وأن يكون قريباً من واقعهم الذي تجري فيهِ تلك التطوّرات وتكثر فيه المتغيّرات، فيفرض عليه ذلك أن يختار من مواضيع الخُطب ما يناسب تلك الأمور المتجدّدة في حياة الناس، أمّا تكرار مواضيع الخُطب، بإعادة الموضوع الواحد منها أكثر من مرّة، فهو خصلة لا تُحمد إلّا في ضرب معيّن من الخُطب؛ لأنّه يورث المستمعين السآمة من جهة، والشعور بعدم الاستزادة من النفع من جهة أخرى، كما ينمّ عن ضيق أفق الخطيب العلمي والثقافي، وعجزه عن إمداد جمهوره بحاجته المتجدّدة من الفائدة[392].

المطلب الثاني: نماذج من الخطباء

سنقف هنا عند تراجم ثلاثة من الخطباء البارزين، والذين كان لهم دور متميّز وواضح في النهوض بالمنبر الحسيني، مع ما لهم من خطابة مميّزة في الإصلاح والتغيير في المجتمع:

1 ـ الشيخ كاظم سبتي.

2 ـ الشيخ محمّد علي اليعقوبي.

3 ـ الشيخ أحمد الوائلي.

أوّلاً: الشيخ كاظم سبتي

«هو الشيخ كاظم بن حسن بن على بن سبتي النجفي السهلاني الحميري، وُلِد في النجف الأشرف سنة 1265هـ، تُوفّي عنه والده وهو صغير، فأودعته أمّه عند أحد الصّاغة ليحترف الصياغة، ولكنّه رغِب عن صياغة الذهب والفضّة إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام، وسرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم، فأخذ ينتهل منه برغبة وشوق، فدرس المقدّمات، وساعدته لباقته وحسن نبراته على تعاهد الخطابة وارتقاء الأعواد»[393].

وأمّا ما يرتبط بدوره المتميّز في النهوض بالمنبر الحسيني، يقول عنه الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء: «وكان المنبري ذلك اليوم لا يتعدَّى رواية قصّة الحسين× ومقتله يوم عاشوراء، وإذا بهذا المتكلّم يروي خُطب الإمام أمير المؤمنين× عن ظهر غيب، فعجب الناس، واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة، ثمّ قام يروي السيرة النبويّة، وسير أهل البيت^، وربّما روى سيرة الأنبياء السابقين وقصصهم، فكان بهذهِ الخطوة يراه الناس مجدّداً، حيث حفظ وقرأ، وهكذا من يحفظ ويقرأ يرونه مجدّداً؛ لأنَّهم كانوا لا يحسنون أكثر من قراءة المَقاتل في ذلك الحين»[394].

فيظهر ممّا تقدّم أنّ الذي جعل من الشيخ كاظم سبتي خطيباً حسينيّاً مميّزاً، مع وفرة معلوماته وغزارتها ودقّتها، وحُسن إلقائه وخطابته، أنّه جاء بشيء جديد لم يأتِ به الخطباء قبله، حيث كانت خطابتهم لا تتعدّى واقعة كربلاء، فأخذ يطرح سيرة النبي’ وسيرة أهل البيت^، حتى أنّه حفظ خطب الإمام علي× عن ظهر قلب، لذلك عُدَّ ـ بحقّ ـ فاتحاً لمرحلة جديدة من مراحل تطوّر المنبر الحسيني.

وممّا ورد في بيان فضله وخطابته: فاضل معاصر، وأديب محاضر، وشاعر ذاكر، تزهو بوعظه المنابر، إن صعد المنبر خطيباً ضمخ منه طيباً، حسن المجاورة، وله ديوان كبير في مراثي الأئمّة، وفي غير ذلك كثير، أجاب داعي ربّه يوم الخميس آخر ربيع الأوّل سنة1342هـ، ودُفِن في الصحن الحيدري قُرب إيوان العلّامة شيخ الشريعة[395].

وهذا ما ينبغي أن يتّصف به كلّ خطيب حسيني، بصفته اللسان المعبّر عن مبادئ الإمام الحسين×، والمدافع عن مواقفه وأهدافه.

ثانياً: الشيخ محمّد علي اليعقوبي

من الخطباء الذين أغنوا المنبر الحسيني، وجعلوا منه أداة فاعلة للتربيّة والتثقيف، بما يمتلك من سعة إطلاع، وإحاطة بعلوم التفسير والفقه والأصول، هو الشيخ محمّد علي بن يعقوب بن محمّد حسين الحلّي النجفي، «وُلِد في النجف الأشرف1313هـ، قيل عنه أنّه قاموس الأدب، ولسان العرب، وخطيب العصر، وشيخ الخطباء بحقّ، وأحد أمراء الكلام، والشعر، والخطابة، والتحقيق، والتتبّع. نُشِرت له في الصحف دراسات قيّمة، وبحوث تأريخيّة، ومواضيع أدبيّة»[[396]].

إنّ الشيخ محمّد علي اليعقوبي من أولئك الخطباء الحسينيّين الذين جمعوا بين العلم والخطابة. وقد عُرِف عنه (صندوقه) الذي كان يلقي فيه ما كان يقتنصه من شوارد الأدب وشواهده، والتأريخ والعقائد والتفسير، فكان يشدّ إليه العقول، وتتعلّق بمحاضراته القلوب[[397]].

في أحد المجالس الحسينيّة، كان الشيخ محمّد علي اليعقوبي قد «تناول موضوع الاجتهاد والأصول عند الأصوليين... فوفّاها اليعقوبي حقّها، كما لو كان مجتهداً بارعاً، درس الاجتهاد ومراحله ودرجاته...، وأبدع اليعقوبي في ذلك اليوم بما أورد من شواهد وأمثال على محاضرته، ورصّع المحاضرة بالشعر والنصوص الأدبيّة، ثمّ ربط ببراعة حسن التخلّص بين موضوعه وبين ذكر شهادة الحسين×، ونزل من المنبر وقد خلب ألباب الحاضرين وسحرهم»[[398]]. وكان يتناول أبحاثاً علميّة دقيقة، يجعل من المنبر الحسيني معهداً علميّاً متنقّلاً، وهو بذلك أسهم في رفع مستوى أداء المنبر الحسيني.

تُوفّي الشيخ اليعقوبي سنة 1385 هـ الموافق لعام 1965م، ودُفِن في النجف الأشرف[399].

ثالثاً: الشيخ أحمد الوائلي

هو الشيخ أحمد ابن الشيخ حسّون بن سعيد بن حمود الليثي الوائلي..، كانت ولادته في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل لسنة 1347هـ في النجف الأشرف[400].

ولا يخفى الأمر حقيقة على كُلِّ مَن يقرأ مسيرة الشيخ أحمد الوائلي الخطابيّة ويراجعها؛ ليرى بوضوح كيف ذاعَ صيته في الأوساط الشيعيّة العربيّة في العالم، حتى راحت أشرطة التسجيل تـُوزّع محاضـراته إلى مساحات كبيرة في البلاد العربيّة والمهاجر.

و«كما ترك رحيل الدكتور الشيخ أحمد الوائلي& فراغاً خطابيّاً وأدبيّاً واسعاً، فقد ترك في الوقت نفسه تساؤلاً ملحّاً عن الدور الذي خاضه في صيانة وحفظ منزلة المنبر الحسيني وتطويره»[401]، فالشـيخ أحمد الوائلي، هـو عصارة ذلك التطوّر والتجديد للمنبر الحسيني، «حيث استوعب ودرس كلّ عوامل النجاح والتطوّر، ثمّ أضاف إليها الشيء الكثير، حتى لُقِّب بأمير المنبر الحسيني»[402].

ويُعدُّ الشيخ أحمد الوائلي من سلسلة الخطباء المميّزين الذين نقلوا المنبر الحسيني إلى آفاق واسعة، ومعالجات متعدّدة، فنجد أنّ «من الأمور التي ميّزت طريقة الشيخ الوائلي في الخطابة، هو ابتداؤه المحاضرة بآية من القرآن الكريم، وهو تطوّر نوعي آخر في المنبر، فبعدما أحدث الشيخ كاظم سبتي تغييراً نوعيّاً في خطبة المنبر الحسيني، حينما راح يحفظ خطب نهج البلاغة، ويبدأ بها حديثه، يأتي بعد ذلك الشيخ الوائلي، ليبدأ الحديث بآيات القرآن الكريم»[403].

ولم تقتصر دراسة الوائلي على العلوم الحوزويّة من الفقه والأصول والمنطق والعربيّة وعلومها، بل درس الحديث والتفسير وعلوم القرآن والفلسفة والفلك، إضافة إلى اهتمام الوائلي بالعلوم الحديثة، ومتابعة حيثيّات التطوّر الفكري والتكنولوجي في العالم. وبسبب الثراء العلمي الكبير والثقافة الموسوعيّة الكبيرة، كان الوائلي رائد السبق في أن يتميّز منبره بوحدة الموضوع، ولم يجد الوائلي صعوبة في هذه المحاولة التجديديّة بسبب مهارته في الهيمنة على ذهنيّات مستمعيه. كما أنّ من الأمور الواضحة في منهج الوائلي ومميّزات منبره، هو حرصه على أن يكون المنبر رسالة بناء لوحدة المسلمين، لا رسالة هدم وتفرقة لأصحاب المذاهب الإسلاميّة، فالوحدة الإسلاميّة من منظور الوائلي هي أسمى وأنبل هدف للمنبر الرسالي الهادف الواعي[404].

وبعد مسيرة خطابيّة حسينيّة حافلة بالعطاء، انتقل الشيخ الوائلي إلى جوار ربّه في يوم الاثنين 13 جمادى الأولى 1424 الموافق 14 تموز 2003[405].

وبهذهِ الإلمامة السريعة لتراجم ثلاثة من أشهر خطباء المنبر الحسيني الذين تركوا بصمات واضحة في عطاء المنبر، وأظهروا ـ من خلال التزامهم وإبداعهم ـ الدور الواضح لهذا المنبر في بناء الأمّة وتحصينها، وتحريرها من حالات الاستبداد والسيطرة الفكريّة والثقافيّة الغربيّة؛ نكون قد وثّقنا عطاء المنبر الحسيني من خلال أولئك الخطباء وسيرتهم، على أنّه لا بدّ من القول أن ذكر تلك النماذج البارزة لا يعني إغفال الأدوار والمساهمات النوعيّة من قبل خطباء آخرين، حيث إنّ لكلّ منهم دوره وأثره في رفد دور المنبر في هدفه وعطائه.

المبحث الثالث

واقع الخطابة النسائيّة

المطلب الأوّل: المرأة ودورها في المجتمع

تميّزت المرأة عبر العصور القديمة والحديثة بمشاركتها الفاعلة في شتّى مجالات الحياة، وما زالت المرأة حتى العصر الحالي تمارس دورها في بناء الأسرة، ورعاية شؤون بيتها، حيث يقع على عاتقها كأُمٍّ مسؤوليّة تربية الأجيال، وتتحمّل كزوجة أمر إدارة البيت واقتصاده، وذلك ما يجعل المهام التي تمارسها المرأة في مجتمعاتنا لا يمكن الاستهانة بها، أو التقليل من شأنها، فهي الأمّ، وهي الأخت، وهي الزوجة، وهي البنت، فهي تمثّل بحقّ نصف المجتمع.

وما دامت المرأة تمثّل نصف المجتمع فـ «من البديهي القول بأنّ أيّ مجتمع يريد النموّ والتقدّم لا يفرّط بنصف طاقاته البشريّة، وإلّا لعُدّ مثل هذا التفريط هدراً لنعمة من ربّ العالمين، أو تجميداً لنصف رأس المال البشري المتاح للوطن، أو إعاقة حقيقيّة لإسهام نصف عدد سكّان البلاد في التنمية الوطنيّة الشاملة، فعلى فرض إهمال المجتمع الإسلامي لطاقات النساء، فإنّه سيكون قد تبنّى فكرة التفريط بنصف إمكانيّاته وقدراته على إنجاز هدف تنموي معيّن، وهـذا الهدر بالنسبة للمسلمين غير مبرر دينيّاً ـ خاصّة وأنّه يُسـهم في إضعاف دولتهم، ويمهّد لاسـتقواء أعدائهم عليهم ـ كما سيكون مثل هذا التفريط عائقاً خطيراً أمام عمليّة البناء الحضاري التي تتطلّب مجتمعاً مسلّحاً بالعلم»[406].

وبالتالي إذا أردنا مجتمعاً صالحاً سليماً خالياً من الانحرافات والأمراض السلوكيّة، علينا أن نهتمّ بفـكر وثقـافة تلك المربيّة التي تعـدُّ بحقّ المدرسة الأولى المنشـئة للأجيال، فـإنّ «الأمّهات مبدأ الخيرات، فإذا وُجِدت أمّهات تُسيء في تربية الأولاد فإنّهنَّ مبدأ الشرور، يمكن لأمّ أن تربّي طفلاً تربية حسنة، وينقذ ذلك الطفل أمّة بأكملها، ويمكن لأمّ أن تربّيه تربية سيّئة فيصبح الولد موجباً لهلاك الأمّة»[407].

وتأكيداً على دور المرأة وضرورة العناية والرعاية والدعم لهذا الدور، والالتفات دائماً إلى إبرازه، وتوفير كلّ ما من شأنه زيادة فعاليّته، ورفده وإسناده؛ لأنّ قدرة المرأة على القيام بهذا الدور تتوقّف على نوعية نظرة المجتمع إليها، والاعتراف بقيمتها ودورها؛ نذكر هنا وبشكل سريع كيف أكّد القرآن الكريم تلك الأدوار العظيمة للمرأة، وعظمة مسؤوليّتها في حفظ ورعاية وإسناد الأنبياء والأوصياء، وكما أشار التأريخ الإنساني والإسلامي إلى تلك الأدوار، فمثلاً نجد أنّ الدور الأساسي في المحافظة على شخص نبي الله إبراهيم× كان لأمّه، ثمّ يشير القرآن الكريم إلى دور هاجر الذي كان الأساس في المحافظة على شخص أسماعيل×، كما ويؤكّد القرآن الكريم على دور زوجة فرعون في المحافظة على موسى عندما أراد فرعون قتله، كذلك يحدّثنا القرآن الكريم عن دور السيّدة مريم‘ في حضانة عيسى، وضربها مثلاً في حفظ عيسى× من الناحية المعنويّة، وتحمّلت الضغط النفسي العالي الذي تعرّضت له بسبب الولادة الغيبيّة.

وعندما ننتقل إلى تأريخ الإسلام الحديث المتمثّل بالرسالة الإسلاميّة المحمديّة، نجد أيضاً ـ للمرأة هذا الدور، المتمثّل في السيّدة خديجة‘ في وقوفها إلى جانب رسول الله’ بأموالها، ومساندتها في إيمانها، والدفاع عنه، حتى قيل في شأنها ودورها هذا القول المعروف: بُني الإسلام بأموال خديجة وسيف علي÷. كما كان للزهراء البتول‘ هذا الدور ـ إيضاً ـ بعد وفاة الرسول’، حيث تمكّنت من أن تحافظ على الإمام علي× عندما رفض البيعة، وتعرّض للتهديد بالقتل. أمّا في النهضة الحسينيّة، فنجد ذلك الدور العظيم الذي قامت به العقيلة زينب‘، وذلك من خلال المحافظة على حياة الإمام زين العابدين× الذي يمثّل الامتداد للإمامة[408].

وما دام للمرأة ـ وعلى مرّ التأريخ ـ هذا الدور، وهذهِ المسؤوليّة في الحفاظ على الأنبياء والأوصياء، وهم ـ بطبيعة الحال ـ إنّما بعثهم الله تعالى لأجل إصلاح الأرض والإنسان في كلّ عصر ومكان؛ فلا يمكن والحال هذهِ إنكار ما للمرأة من طاقة وقدرة على إحداث الإصلاح والتغيير في الأمم والمجتمعات، و «لنأخذ من عاشوراء وعي حركيّة الإنسان كلّه، فلقد عشنا ونحن نفكّر أنّ المرأة لا دور لها في حركة الإصلاح والصراع والثورة، وأصبح ما عشناه شيئاً مقدّساً، وأصبحت فكرتنا التقليديّة أنّ للمرأة البيت، وليس لها الساحة العامّة، ولكنّ عاشوراء قالت لنا: إنّ للمرأة دوراً قياديّاً مع قيادة الرجل وبعد قيادته»[409].

وهذا ما رأيناه في واقعة الطفّ الأليمة، فالإمام الحسين× أراد إبراز دور المرأة وحضورها حتى في الساحة السياسيّة، مع علمهِ بعدم إحرازهِ للنصر العسكري الآني، «الإمام الحسين× حَسمَ الموقف والرؤية تجاه حضور المرأة في الساحة السياسيّة، الإمام الحسين اصطحب معه النساء والعيال من مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة إلى العراق، ليس لتضخيم المصيبة فقط، وإنّما ليكشف ما هي الرؤية الإسلاميّة تجاه حضور المرأة، وأنّ المرأة يجب أن يكون لها دور في العمليّة التغييريّة»[410].

كما أنّ للمرأة قدرة على التطوّر الفكري والإداري والقيادي؛ لذلك أكّد العلماء على ضرورة بناء شخصيّة المرأة، إذ «إنّ مسألة النموّ العقلي والعملي والحركي في شخصيّتها الإنسانيّة، ليست شيئاً بعيداً عن طبيعة الأشياء في وجودها، وهو ما لاحظناه من النتائج الإيجابيّة الكبرى في أكثر من صعيد، وفي أكثر من أفق، الأمر الذي يوحي بأنّ ما تعيشه المرأة من ضعف، وما تعانيه من تخلّف، ليس هو القضاء والقدر الذي لا بدّ منهما في حياتها، بل هو نتيجة للإهمال الكبير لعناصر القوّة والوعي في تربية شخصيّتها وبناء وجودها، كما هو حال الرجل الضعيف في فكره والمتخلّف في وعيه وحركة حياته، وأنّ ذلك ليس ناشئاً عن طبيعته بالذات في هذه المنطقة أو تلك، بل هو ناشئ عن تقصير في تهيئة عوامل التقدّم والقوّة في الظروف المحيطة به»[411].

وبعد بيان ما تقدّم من أثر المرأة في الإسلام، نبيّن أهمّ أدوارها ووظيفتها تجاه المنبر الحسيني، وسيكون ذلك من خلال محورين، أولهما كونها مستفيدة ومتلقّية من المنبر، حيث تقام المجالس النسائيّة وعلى مدار السنة، وثانيهما كخطيبة ومبلّغة من خلال المنبر، فالمرأة مسؤولة ـ أيضاً ـ في نظر الإسلام عمّا يحدث في مجتمعها، وواجـب عليها أن تُسـهم في توجيه المجتمع نحو الخير والصلاح، كذلك عليها أن تقاوم أيّ انحراف أو فساد يريد غزو المجتمع والتسرّب إلى أجوائه، فالأمـر بالمعروف والنهي عن المنـكر واجـب المرأة كما هـو واجب الرجل، يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[412].

ولا يخفى علينا الدور العظيم للسيّدة زينب، والأثر الذي أحدثته في خطابها وقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث «كانت ألمع خطيبة في الإسلام، فقد هزّت العواطـف، وقلبت الرأي العام، وجنَّدته للثورة على الحكم الأُموي، وذلك في خطبها التاريخيّة الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافيّة والأدبيّة»[413].

وانطلاقاً من هذا البرنامج العظيم الذي وضعه الإسلام، يصبح للمرأة شأنها الكبير في الحياة، ودورها الخطير في المجتمع، فهي عضو فعّال فيما يحدث، ومسؤول مباشر عمّا يجري.

المطلب الثاني: المرأة والمنبر الحسيني

ذكرنا سابقاً أهمّية الدور التبليغي والإصلاحي في المجتمعات الإنسانيّة، وكيف يُسعى من خلاله إلى الرُقي بالإنسان إلى مستوى التكامل الذي أراده الله سبحانه وتعالى له. والمرأة لكي تقوم بدورها في البناء والإصلاح بالشكل المطلوب، لا بدّ لها من التزوّد بالعلم والمعرفة والدراية في الجوانب المتعدّدة، الفقهيّة والعقديّة والمسائل العلميّة والفكريّة والاجتماعيّة. وهنا بالتأكيد تحتاج إلى روافد تقوم بمهمّة هذه التنمية، ولا يخفى أنّ من أبرز تلك الروافد الثقافيّة التي يعتمد عليها المجتمع الشيعي هو المنبر الحسيني، فيستدعي ذلك أن يكون المنبر الموجود خارجاً بحجم المسؤوليّة المُلقاة على عاتق الخطيب الذي يمثّل لسان المنبر.

لذلك لا ينبغي إهمال النظر في واقع المجالس الحسينيّة النسائيّة وكيفيّة تطويرها، ولا سيّما أنّ هذه الشريحة التي تمثّل نصف المجتمع كثيراً ما تهتمّ بإقامة تلك المجالس، وعلى مدار السنة لمختلف الدواعي والأسباب والمناسبات،،خاصّة وأنّ مجالس عـزاء الحسين× لم تعد تقتصر على مناسبات وفيّات ومواليد أهل البيت^، «بل راحت تشمل مناسبات أخرى، قد يستغرب البعيد عن عالم المنبر الحسيني أن يُقام في أمثالها، مثل: الانتقال إلى منزل جديد، الرجوع من الحجّ، الوفاء بنذر على تحقيق أمر محبوب، أو دفع آخر مكروه»[414]، وغيرها كثير.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الخطيبة أو قارئة العزاء، إذا كانت بالمستوى العلمي والثقافي المطلوب، فسيكون لها الأثر البالغ في طرح ومعالجة السلبيّات، وتصحيح وتغيير الأفكار المنحرفة التي قد تتعرّض لها الأسرة، والتي تشكّل النواة لبناء المجتمع، كذلك تساهم بشكل فعاّل في بناء شخصيّة المرأة المسلمة كما أراده الله تعالى والنبي’ وأهل البيت^، وبناء المرأة المربّيةّ الصالحة المراقبة والموجّهة لبيتها وأولادها.

وللأسف نرى أنّ المجالس النسائيّة في أغلبها عبارة عن بكاء وعاطفة، وكنّا قد ذكرنا سابقاً وفي اكثر من مناسبة بأنّنا لا ننكر مسألة العاطفة في عاشوراء، بل ما نقوله بأن تكون هذه العاطفة أداة ووسيلة للوعي، فالخطورة تكمن في التركيز على العاطفة دون التركيز على جانب الفكرة والعِبرة، وهذا الأمر بطبيعة الحال لا يؤدّي إلى تحقيق الإصلاح، «فإنّ معيّة الفكر مع العاطفة، أو مع الجانب العملي في النفس، ضرورة لا يمكن التفريط بها للوصول إلى الإرشاد والإصلاح الاجتماعي أو الفردي أو التربية السليمة والكمال المنشود»[415].

فعلى الرغم من أنّ الخطابة النسائيّة في مجتمعنا الشيعي لا زالت تستقطب أعداداً ليست بالقليلة، إلّا أنّ الغالب فيها أنّها لا زالت تسير بنفس الطريقة القديمة المعتمدة على ذكر المصيبة من أوّل المجلس إلى آخره، والقراءة على بعض الكتب التي يخلو أكثرها من الاعتبار، كما أنّ تلك المجالس تخلو من التوجيه والإرشاد والمضمون غالباً، على الرغم من أنّ الجانب العاطفي في عاشوراء له أهمّيته، ولكنّ القضيّة هي فكر ومنهج، قبل أن تكون عاطفة، ولا نقـول إنّ كلّ من تساهم في القراءة الحسينيّة عليها أن تكون في مرتبة فقهيّة عالية، ولكنّ هناك أسـساً دينيّة وثقافيّة وتاريخيّة لا بدّ أن تكـون ملمّة بها، وبخلاف ذلك لا ينبغي أن تقحم نفسها في محاولة إرشاد وتوجيه وتثقيف الحضور، وهي لا تمتلك الحدّ الأدنى من الثقافة الدينيّة والمعلومات الصحيحة والنافعة، وعليها أن تدرك مسؤوليّة الخطابة والمنبر الحسيني، «ما الخطابة إلّا رسالة هدفها الإصلاح، وجامعة متنوّعة المعارف، فمَن استخفّها فقد استخفّ نفسه، ومَن استخدمها في مآرب السلطان افتضح، فمَن لا يملك الشجاعة الكافية، بل كلّ القدرات المطلوبة في الخطابة، فهو متطفّل عليها»[416].

وهنا ينبغي القول أنَّ ما ذكرناه من مؤهّلات ومواصفات للخطيب الحسيني، هي نفسها تأتي في مَن ترتقي المنبر من النساء.

ومن الجدير بالذكر أنّه في الغالب يكون تسمية مَن يتصدّى لمسؤوليّة إقامة مجلس العزاء للنساء بـ(الملالي)، حيث يتميّز دورهنّ الخطابي بالبدائيّة، وهنّ لا يملكنَ القدرة الكافية والمطلوبة لأداء مسؤولياتهن، وبالشكل الأغلب الأعم فهنَّ دون المستوى العلمي، وكلّ ما يشغل اهتمامهنّ هو جانب الرثاء. وقد سألت الشيخ فيصل الكاظمي عن المنبر الحسيني وحجم الإصـلاح الـذي يحدثه، وعـن رأيه بمسـتوى المنـبر والخطابة النسائيّة، فأجـاب قائـلاً: «المنـبر مهيّأ للإصلاح، لكن نحتاج إلى الخطيب المصلح، وقـد قال لي أحدهم: إذا قالت (الملّاية) شـيء في مجلس النساء، فهذا القول تعتبره النساء حجّة! إذن نحن بحاجة إلى مَن تكون خطيبة واعية ومثقّفة مهيّئة، ومتزوّدة بالـقدر الكافي من العلم والمعرفة والأخـلاق»[417].

ويظهر أنّ الحُجّية والقداسة لما يقوله خطيب المنبر الحسيني لا تقتصر على المجتمع النسائي فقط، فـ «الخطيب الحسيني باعتباره مرشداً روحيّاً، يتلقّى الناس كلمته بهالة من القدسيّة، ويستخدمونها كحجّة في أعمالهم، ولها تأثير مباشر في سلوكيّتهم، وكلّما تحدّثنا عـن هـذه الناحية كلّما ازدادت مسؤوليّة الخطيب، والتي ترتكز على توجيه الناس إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، ويصرفهم عـن الفساد والمنكر بكلّ وجوههما»[418].

لكن ـ للأسف ـ نرى أنَّ في المنبر الحسيني النسائي يكون جلّ الاهتمام بجودة الصوت، والحرص على اختيار الأبيات الشعريّة المثيرة للحزن والعاطفة، وغالباً ما تكون باللهجة الدارجة، وللأسف دون الالتفات لمستوى تلك الكلمات فيما إذا كانت تليق بمقام أهل البيت^ أو لا، «فإنّ بالشعر القريض وبالشعر العامي ما هـو جيّد، وما هو دون المستوى...، فلا بدّ من حُسن الانتقاء؛ لنصون كرامة أهل البيت، نحافظ على مستوى رفيع من الأداء يتناسب وجلال الذكرى»[419].

أمّا سبب تميّز تلك الفئة من خدمة المنبر بعدم امتلاك القدرة الكافية لأداء مسؤوليّة الخطابة، وتدنّي المستوى العلمي، فهو قد يكون بسبب ضمور التطلّع والطموح لديهم، أو قد يكون بسبب عدم الوعي الكامل برسالة الخطيب الحسيني، أو ربّما يكون بسبب التخلّف العام.

وممّا تجدر الإشارة إليه إلى أنّ المنبر الحسيني صار الآن مرئيّاً ومسموعاً، وصار الناس يميّزون ـ نوعاً ما ـ بين الخطيب الجيّد من غيره، ولكن بالنسبة للمنبر النسائي فهذا الأمر غير ممكن وغير متاح، لذلك ما زال المجتمع النسوي يجهل التمييز والتقييم إلّا بحدود ضيّقة، وهذهِ من المشاكل التي يُرجى علاجها، ومن هنا تظهر ضرورة التوعية والتثقيف بمشاركة مؤسّسات ثقافيّة أخرى ومؤسّسات الأعلام، وكذلك المنبر الحسيني المرئي والمسموع، فيتعاون ويتكاتف الجميع لنشر ثقافة إحياء المجالس النسائيّة بالشكل الصحيح والمطلوب، وكلّ ذلك من أجل إحراز ضمان إيصال المعلومة الصحيحة والوعظ اللائق، والتأثير المطلوب للمرأة المسلمة، التي تُعدّ المدرسة الأولى المربّية للأجيال.

وهناك أمر مهمّ جدّاً يتعلّق بفئة الفتيات الشابّات، وحضورهنّ المجالس الحسينيّة النسائيّة، واحتياجهنّ إلى التوجيه والوعظ والإرشاد، خاصّة في وقتنا الحاضر، فإنّ تلك الفئة من الفتيات «الفتيات يحتجنَ إلى التوجيه في غمرة التأثيرات الغربيّة، والعمل على توجيه عقلياتهنّ في اتّجاه اتّهام الدين والإنبهار بالواقع الغربي، فالحاجة أصبحت ماسّة للاهتمام الموضوعي والمعرفي في المجالس الحسينيّة النسائيّة»[420].

أوّلاً: النهوض بالمنبر النسائي

من المعلوم للجميع أنَّ المنبر الحسيني في الوقت الحالي أصبح واسع الانتشار، وبخاصّة مع وجود الفضائيّات ووسائل الاتّصال الحديثة، وبذلك يكون مُتاحاً لأن تستفيد منه المرأة كما يستفيد منه الرجل وكافّة شرائح المجتمع، ولكن وكما أوضحنا سابقاً، أنّ هناك فُرَصاً أخرى ينبغي استغلالها للحصول على أقصى حـدّ من المعلومات؛ لإثـراء الجانب الثقافي والفكـري للمرأة، لعظم دورها وخطورته في المجتمع، ألا وهـو كثرة المجالس الحسينيّة الخاصّة بالنساء، والتي يكون الحضور فيها متاحاً بشكل أكثر سهولة وتشجيعاً، خاصّة وأنّه يُقام في أغلب الأحيان في البيوت، إضافة إلى أنّ معظم الأمّهات تأتي بأطفالها، أو بعض بناتها، واللاتي يُرجى لهنّ القيام بأدوارهنّ كأمّهات مربّيات صالحات في المستقبل.

وهناك تأكيد على أهمّية المجالس الحسينيّة، وتوجد وصايا للمرأة المسلمة لإقامة تلك المجالس؛ لما لها من أثر عظيم على الإنسان، سـواء في البيوت أم في الحسينيّات، حيث «يلزم على كلّ شخص أن يقيم مجلساً حسينيّاً في بيته، وهذا العمل بسيط جدّاً، فأقمن مجالس العزاء في بيوتكن، علماً بأنّه يمكن للمرأة أن ترتقي المنبر للنساء، وتقرأ التعزية، وتبيّن الأحكام الشرعيّة، وتتكلّم عن الأخلاق، وترشد الآخرين إلى تعاليم الإسلام، فإنّ هذه الأعمال سهلة جدّاً»[421].

وبالتالي ينبغي تحقيق الاستفادة القصوى من تلك المجالس النسائيّة، والدعوة إلى تطويرها؛ لمواكبة متطلّبات الحياة، ولا سيّما أنّنا نلمس نفـور الطبقة الشابّة من النساء عن المنبر النسائي؛ لكونه أصبح لا يتناسب مع مستوى الطموح الموجود لديهنَّ. وقد أكّد الشيخ محمّد مهدي شمس الدين على ضرورة تطوير المأتم النسائي، ناقداً واقع المنبر في هذا العصر، فقال: «هذا الواقع أدّى في هذا العصر إلى أنّ النساء والفتيات المتعلّمات قد انصرفنَ عن ارتياد هذه المآتم النسائيّة؛ لأنهنَّ لا يجدنَ فيها فائدة ولا جدوى...، فإذا استثنينا فائدتها في التذكير بمصائب أهل البيت، وتجديد الصلة العاطفيّة بهم، لم تكن لها فائدة أخرى، فهي لا تقدّم فائدة ثقافيّة تأريخيّة أو إسلاميّة عقيديّة، أو غير ذلك ممّا يتّصل بالثقافة الدينيّة»[422].

ومن الجدير بالذكر أنّنا في الوقت الحالي، نلمس تطوّراً نسبياً في مجال الخطابة النسائيّة، حيث إنّ هناك فريقاً من المتعلّمات والمهتمّات بالشأن الحسيني أخذنَ على عاتقهنَّ دراسة كلّ ما يتعلّق بالنهضة الحسينيّة من تأريخ وأشعار، مع ثقافة إسلاميّة وقرآنيّة، تؤهّلهن لممارسة خطابة المنبر الحسيني.

كما أنّ هناك جوانب إيجابيّة تُشجّع على الاهتمام بتلك المجالس وبالمنبر النسائي، وربّما تعدُّ كسِمات خاصّة بتلك الفئة المهمّة من المجتمع، وهو أنَّ المرأة باعتبار تكوينها وشخصيّتها التي يغلب عليها العاطفة في تعاملها مع الأحداث المؤلمة والحزينة، تكون هي الأقرب والأعمق في تصوير المشاهد الأليمة، وبالتالي التأثير في المستمعات، وهذا ما يمكن أن تستغلّه قارئة العزاء وتوظّفه، وبخاصّة إذا كانت متزوّدة بالعلم والثقافة المطلوبة، فتوصّل من خلاله ما تُريد قوله من فكر وتوجيه ووعـظ وإرشاد، وهي بذلك تساعد في إعادة بناء الذات للحاضرات، وتقوية نفوسهنَّ بالإرادة والإيمان، حيث إنّ جوّ الحزن والعاطفة في المرأة يجعلها أكثر مرونة في استقبال الوعظ والإرشاد.

وهناك أمر إيجابي آخر، وهو أنّ حضور النساء في مجلس عزاء خاصّ بهن، وتلقّي الخطبة الحسينيّة من خطيبة متزوّدة بالعلم والتقوى، سوف يجعل الخطاب بمستوى أكثر حرّية للتحرّك في القضايا التي تهمّ المرأة المسلمة، كما أنّها تكون الأكثر اطّلاعاً وفهماً لقضايا المرأة والطفل.

يتّضح ممّا سبق، ولأهمّية دور المرأة في بناء المجتمع وإصلاحه، أنّنا بأمسّ الحاجة إلى الخطيبات والقارئات الكفوءات، حيث «هناك إشكاليّات كثيرة على نحو الخطيبة وعلى نحـو الخطابة، فمنها مستوى الإلقاء، وقلّة المعلومة، وقلّة التثقيف، وكثرة الاهتمام بالمصيبة والعَبرة على حساب العِبرة، وكثرة اللطم»[423].

وعليه ما نحتاجه هو رفع مستوى الخطابة النسائيّة؛ كي تتقدّم المرأة ويتقدّم فكرها، وبالتالي تتقدّم مسيرتها، ولا يتمّ ذلك إلّا من خلال إنشاء معاهد ومراكز للتدريب، «والاهتمام بإعداد كوادر علميّة نسائيّة، والاهتمام بتعليم الخطابة وفنونها لجيل الشابّات، كذلك ينبغي أن تشيع الحسينيّات الخاصّة بالنساء ذات البناء المستقلّ، فالكثير من المجالس تُعقد في بيوت خاصّة ممّا يقلّل فرص التعاطي الإداري، والتفاعل العملي من جانب الأخريات»[424]، إضافة إلى تشجيع المرأة على تلقّي دروساً أوليّة في الفقه والعقائد والأخلاق، وبالخصوص مَن تريد أنْ تسلك طريق الخطابة الحسينيّة، فلا بدّ لها من تلك الدروس.

ثانياً: المنبر الحسيني للطفل، ضمان لحفظ الهويّة ورعايتها

تهتمّ الأمم والحضارات اهتماماً بالغاً بالطفل، وتخصّص له مساحة واسعة من نتاجها الفكري والحضاري؛ ذلك لأنّ «الطفل هو اللبنة الأولى في المجتمع.. إن أحسن وضعها بشكل سليم، كان البناء العام مستقيماً مهما ارتفع وتعاظم، والطفل يحتاج هندسة وموازنة بين ميوله وطاقاته، ويفتقر إلى تربة صالحة ينشأ فيها وتصقل مواهبه»[425]، خاصّة في مراحل عمره الأولى، حيث يكون سريع التأثّر والتقمّص لما حوله، «تكتسب مرحلة الطفولة أهمّية بالغة في تشكيل بعض معالم شخصيّة الولد المستقبليّة، فهو يخضع لأنماط السلوك والعادات والخبرات التي تعيش في عمق شخصيّته وتساهم في بنائها وصياغتها، فالطفل يمتاز في هذهِ المرحلة بأنّه سريع التقبّل لما يسمع، وسريع التطبّع بما يألف، إنّه يمتاز بسرعة التلقّي والتقليد والامتصاص الذاتي، بحيث يستطيع اختزان الكثير من المشاعر والأحاسيس والأفكار والعادات والتقاليد، بالسرعة التي لا يستطيع الإنسان الحصول عليها بعد تجاوزه هذهِ المرحلة»[426].

كما أنّ الإسلام أولى الطفل اهتماماً بالغاً، وشدّد وأكّد على ضرورة رعايته في جميع مراحله العمريّة.

والمنبر الحسيني بصفته القناة الإعلاميّة للنهضة الحسينيّة، لا شكّ أنّه يتحمّل العبء الأكبر في رعاية الطفل وحمايته، تارة من خلال توعية وتثقيف الأبوين لحجم مسؤوليّتهما اتّجاه الطفل، وتارة أخرى من خلال توجيه الخطاب المباشر له.

وتظهر مسؤوليّة المنبر بصورة واضحة وجليّة في الوقت الحالي، وبخاصّة ما تشهده الأمّة الإسلاميّة من هجمة ثقافيّة تنذر بخطر كبير، لذلك فإنّ تأسيس منبر حسيني للطفل، يُعدّ أحد الوسائل المهمّة في تسخير وحشد ما تمتلكه من طاقات وذخائر، لا لصدّ الهجمة الثقافيّة فحسب، بل لإرساء القاعدة الصلبة من خلال تقديم القيم المعنويّة، والمفاهيم والمبادئ التي تختزنها النهضة الحسينيّة للطفل، بأسلوب سلس ومشوّق، من خلال ربط الطفل الحاضر بأطفال النهضة، ليتأثّر بهم، ويتقمّص إخلاصهم ووعيهم[427].

فالطفل الذي يتربّى على أساس الإيمان بالله منذ مراحل عمره الأولى، يمتاز بإرادة قويّة وروح مطمئنّة، وتظهر عليه إمارات الصدق والشهامة والنبل منذ الصغر، ولقد أكّد علماء الغرب على أهمّية التربية الدينيّة، وضرورة ذلك لضمان سعادة الأطفال وحسـن تربيتهم، «يقول ريموند ﭙـيج: لا شكّ في أنّ المهمّة الأخلاقيّة والدينيّة تقع على عاتق الأسرة قبل سائر المسائل، ذلك أنّ التربية الفاقدة للأخلاق لا تعطينا سوى مجرمين حاذقين، من جهة أخرى فإنّ قلب الإنسان لا يمكن أن يعتنق الأخلاق من دون وجود دافع ديني، ولو حاول شخص أن يتفهّم الأصول الخلقيّة بمعزل عن الدين، فكأنّه يقصد تكوين موجود حي، لكنّه لا يتنفّس»[428].

وقد اهتمّ «الدين الإسلامي في تكوين الطفولة المنسجمة مع مبادئه، من خلال ترسيخ مجموعة القيم الأخلاقيّة والتربويّة، التي تنفتح على الإنسان طفلاً وشابّاً وشيخاً، للتخطيط لبناء جيل سليم نفسيّاً ودينيّاً وصحيّاً وتربويّاً وأخلاقيّاً، للعمل على إعداد الإنسان لتحقيق معنى وجوده؛ لكونه الخليفة على الأرض، لبناء الحضارة الإنسانيّة على الصورة التي يريدها الله في الإنسان، كفرد وكمجتمع وكدولة»[429].

وعليه فإنّ إعداد الإنسان وتحقيق معنى وجوده كخليفة على الأرض، هدف كبير ينبغي تحقيقه من خلال المنبر الحسيني، والقضيّة الحسينيّة باعتبارها مدرسة للأجيال، فنستطيع بذلك إحياء واقعة الطفّ في نفوس الناشئة والأطفال، وتوضيح مبادىء وقيم وأهداف عاشوراء لهذه الفئة بطريقة مبسّطة، وتوطيد علاقة الأطفال بأهل البيت^، وتعزيز العلاقة بالإمام المهدي .

وممّا يجدر بنا ذكـره أنّنا بحاجة إلى تخصيص مجالس حسينيّة للأطفال والناشئة تخاطبهم بما يتناسب مع مستواهم، ولا يكفي حضورهم المجالس الحسينيّة العامّة برفقة أبائهم كما يحصل عادة ً، فهناك فرق بين حضورهم المجالس الحسينيّة ليتأثّروا بأجوائها ويلتقطوا بعض مضامينها، وبين أن يحضروا في مجالس خاصّة بهم تراعي مدى استيعابهم والأفكار التي تتناسب مع بنائهم الثقافي والمعرفي.

الخاتمـة والتوصيات

الخاتمة

نختم الكلام بذكر أهمّ النتائج التي تم التوصّل إليها من خلال هذا البحث، والذي حمل عنوان (المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي)، ونذكرها مجملة بما يلي:

1 ـ نهضة الإمام الحسين× نهضة إصلاحيّة شاملة، أكّد فيها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأمّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة والأخلاقيّة، واستطاع الإمام الحسين× من خلالها أن يوقظ الضمير الإنساني، ويؤثّر فيه باتّجاه القيم الحقّة، والانتصار لها، وتحقيقها على أرض الواقع، ومَن أراد إحياء ذكر الإمام الحسين× ونهضته المباركة عليه أن يرفع معه راية الإصلاح، وينادي به في كلّ زمان ومكان.

2 ـ إن أئمّة أهل البيت^ هم مَن أكّدوا على إقامة مجالس العزاء، وإحياء ذكر الإمام الحسين×، والاستماع إلى ما قيل من شعر ونثر في رثائه، مع إظهار البكاء والتفجّع على مصابه، وكانت هذهِ هي الجذور الأولى لنشوء المنبر الحسيني.

3 ـ المنبر الحسيني من أهمّ العناصر المساهمة في استمرار جذوة الثورة الحسينيّة، وديمومتها متّقدة متوهجّة بمبادئها السامية على مرّ السنين، ولا يزال المنبر الحسيني الوسيلة المهمّة في نشر فكر أهل البيت^، بنحو لم تستطع سائر الوسائل الأخرى بما فيها الفضائيّات والأنترنت أن تقوم به.

4 ـ مرّ المنبر الحسيني بمراحل وأدوار متعدّدة، تطوّر فيها شكلاً ومضموناً، وذلك يدلّ على أنّ المنبر الحسيني كمؤسّسة من مؤسّسات المجتمع لا يقف في مستواه وتطوّره عند حدّ، بل هو متجدّد ومتطوّر كلّما عَمَّ الوعي وازدادت الثقافة في المجتمع.

5 ـ الإصلاح ضرورة لا بدّ منها؛ لأجل النهوض بواقع الأمّة، وإعادة ريادتها وسيادتها، وأساس هذا الإصلاح وجوهره هو القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّ كلّ مشروع إصلاحي يتخطّى هذا الواجب أو يؤجّله أو يتجاهله فهو مشروع غير مشروع، كما أنّه لا تكفي إرادة الإصلاح أو التصويت بالإصلاح، فكثير ينادي بالإصلاح ولكنّهم مفسدون من حيث لا يشعرون.

6 ـ إنّ إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الفرد، وإصلاح الفرد يبدأ من إصلاح فكره أوّلاً، ومن هنا تبرز ضرورة وأهمّية الإصلاح الفكري، وبقدر ما يكون الفكر أصيلاً ونابعاً من عمق ومعرفة واتّزان، بقدر ما تندفع الأمّة نحو سُلَّم الرُقيّ والتطوّر.

7 ـ إنَّ الحاجة للإصلاح الاجتماعي في وقتنا الحاضر أمرٌ بات في غاية الضرورة، ولا يمكن إغفاله أو نسيانه، ولا بدّ من تطبيعه وحُسن استعماله؛ كي ينشئ لنا مجتمعاً قويّاً متماسكاً مترابطاً مستقرّاً.

8 ـ يُعدّ المنبر الحسيني المنصّة الجماهيريّة الحرّة، والنافذة الوحيدة التي تُناقَش من خلالها كلّ مسارات الإصلاح في الأمّة، وسلوكيّات المجتمع الإسلامي وفي كلّ جوانبه، ومن أبرز غايات المنبر الإصلاح الاجتماعي، حيث أخذ على عاتقه تحقيق هذا الإصلاح، والتصدّي لكلّ ما يعيب المجتمع ويشينه، وقد نجح المنبر على مرّ العصور بتأدية هذا الدور حتى صار هذا الدور أحد أركانه وأسسه.

9 ـ إنّ المنبر الحسيني مؤسّسة دينيّة ثقافيّة، تعنى بنشر الوعي والثقافة في الأمّة، وتقويم السلوك وبناء الشخصيّة الإسلاميّة، وهو الوسيلة الفضلى للتبليغ والدعوة إلى الله تعالى، والدفاع عن الإسلام المحمدي الأصيل المتمثّل في مذهب أهل البيت^.

10 ـ تعدّ المرأة جزءاً لا ينفصل بأيّ حال من الأحوال من كيان المجتمع الكلّي، كما أنّها مكوّن رئيس للمجتمع، بل هي الأهمّ بين كلّ المكوّنات، ولها دور كبير جدّاً، ولها أثر واضح في بناء الأجيال، لذلك تبرز أهمّية الـدور التبليغي والإصلاحي للمرأة من خلال المنبر الحسيني النسائي.

11 ـ نظراً لما يحتلَّه المنبر من مكانة، ومن جذب للجماهير، وما يقوم به من أدوار فعَّالة في توجيه المجتمع المسلم نحو الصلاح؛ فلا بدّ أن يكون منبراً واعٍياً حيّاً متفاعلاً مع تطوّرات العصر، ومع جمهور هذا العصر.

التوصيات

من أجل أن يقوم المنبر الحسيني بواجبه ورسالته الاصلاحيّة على أكمل وجه، هناك جملة من التوصيات، والعمل بها من شأنه أن يؤدّي إلى الخروج بنتائج ممتازة في مجال الإصلاح والتغيير، من أهمّها ما يلي:

1 ـ إنّ من أهمّ مسؤوليّات المنبر الحسيني اتّجاه الإمام الحسين× وهدفه الإصلاحي، هـو التعريف بثورته ونهضته المباركة، وأهدافها ووسائلها وغاياتها، وما حدث فيها من صراع بين الحقّ والباطل، ومن المهمّ للغاية أن يحتوي التعريف بالنهـضة الحسينيّة على قراءة تحليليّة، وليس مجرّد قراءة سرديّة؛ لأنّ المنهج الأوّل هو الكفيل بإيصال اهداف ثـورة الإمام الحسـين×، ويساعد الأجيال المعاصرة على استيعاب الدروس والعِبر لهذه النهضة المباركة.

2 ـ ضرورة تنزيه المنبر الحسيني عن الخرافات والأساطير والمبالغات، وتهذيب قراءة التعزية وإصلاحها، وانتقاء الأحاديث الصحيحة الجامعة لكلّ فائدة.

3 ـ هناك قضايا يفترض بالخطباء أن يركّزوا في حديثهم عنها؛ لأجل تفعيل دور المنبر في تثقيف المجتمع وإصلاحه، منها:

أ ـ التركيز على الاعتدال والوسطيّة، ونبذ خطابات التطرّف والكراهية التي تعاني من آثارها مجتمعاتنا المسلمة.

ب ـ التأكـيد على قيم التسامح بين المختلفين، والابتعاد عـن التعصّب في الآراء والمواقف؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يقود المجتمع وأفراده إلى التباعد والتنافر بدل من التآلف والتقارب.

ج ـ التشجيع على تعميم ثقافة (اقرأ)، خاصّة بين فئة الشباب والأطفال، حيث أصبحت ثقافة القراءة مع وجود الفضائيّات ووسائل الاتصال الحديثة مهجورة؛ وذلك من أجل أن تصبح المعرفة عنصر التغيير الذاتي والاجتماعي.

د ـ صناعة القدوة من خلال التركيز على الجوانب الإنسانيّة في حياة الأئمّة، كأفعال قابلة للاقتداء، وذلك من خلال استثمار العلاقة مع النبي وآله^، والقائمة على أساس المودّة والتأثّر بسجاياهم، وغالباً ما يتحقّق ذلك بالسير على نهجهم، والاقتداء بأعمالهم.

4 ـ إنّ مهمّة تطوير المنبر الحسيني، ليست مهمّة الخطباء وحدهـم، بل هي مسؤوليّة الجميع، فالمستمع للمنبر الحسيني ينبغي أن يتحمّل دوره في هذا التطوير، وذلك باختياره المنبر الواعي والهادف، الذي يساهم في رفع مستواه العلمي والثقافي، لا أن يكون مقتصراً على جانب البكاء والعاطفة.

5 ـ ضرورة إنشاء معاهد ومراكز تتولّى تخريج خطباء على درجة عالية من العلم والثقافة، قادرين على توجيه خطاب إصلاحي، يتلائم ومتطلّبات العصر.

6 ـ ضرورة تبنّي المرجعيّة الدينيّة رعاية ودعم المنبر الحسيني، وأنّ التأكيد على هذا الأمر ممّا ينبغي؛ لنضمن بذلك كرامة الخطيب، وفي الوقت ذاته نضمن المنبر الصاعد الذي يحقّق الإصلاح المنشود.

7 ـ من أجل تحقيق منبر نسائي إصلاحي، لا بدّ من التأكيد على حالة الربط بين النماذج النسويّة في واقعة الطفّ، اللاتي ناصرنَ إمام زمانهنّ، والإستفادة منهنَّ في عمليّة التمهيد لإمام زماننا.

اسأل الله أن يتقبّل أعمالنا، وأن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى.

اللهمّ ماعرّفتنا من الحقّ فحمّلناه، وما قصرنا عنه فبلّغناه، بفضلك ومنّك يا أكرم الأكرمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد المصطفى، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

الملحــق

الملحــق

توصيات المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين

وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين

)ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (

يطلّ علينا شهر محرّم الحرام، ونستذكر من خلاله أعظم حركة قادها المصلحون في مجال تطوير المجتمعات، وبعث إرادة الأُمم، وإصلاح الأوضاع، ألا وهي الحركة الحسينيّة المباركة، واستذكار هذه الحركة المباركة يلقي على عواتقنا نحن أتباع الإمام الحسين بن علي×، مسؤوليّة كبرى، وهي مسؤوليّة الحفاظ على استمرار هذه الحركة، وترسيخ آثارها وأبعادها في النفوس والقلوب، ولا يخلو إنسان حسينيّ من نوع من مسؤوليّة، سواء كان عالماً دينيّاً أو مثقّفاً أو متخصّصاً في مجال من مجالات العلوم المادّية والإنسانيّة المختلفة، فكلّ منّا يتحمّل مسؤوليّة الحفاظ على هذه الثورة الحسينيّة المباركة، من خلال إصلاح نفسه وأهله وأسرته، ومن خلال قيامه بتوعية المجتمع الذي حوله، بأهّمية هذه الحركة وعظمة هذا المشروع الحسيني العظيم، ولكنّ الخطباء يتحمّلون المسؤوليّة الكبرى، بلحاظ أنّهم يجسّدون الوجه الإعلامي لحركة عاشوراء، ولمشروع سيّد الشهداء×، ولذلك نحتاج أن نتوقّف قليلاً لنتساءل: هل أنّ المنبر الحسيني يقوم بتجسيد وتفعيل هذه المسؤوليّة بما ينسجم مع مقتضيات الزمان ومستجدّات العصر، بحيث يحقّق الآثار الحسينيّة الشريفة في النفوس والقلوب؟

وانطلاقاً من هذه النقطة، نستذكر بعض الإرشادات والنصائح لكلّ من يعلو منبر سيّد الشهداء×:

1 ـ تنوّع الأطروحات، فإنّ المجتمع يحتاج إلى موضوعات روحيّة وتربويّة وتاريخيّة، وهذا يقتضي أن يكون الخطيب متوفّراً على مجموعة من الموضوعات المتنوّعة في الحقول المتعدّدة، تغطّي بعض حاجة المسترشدين من المستمعين وغيرهم.

2 ـ أن يكون الخطيب مواكباً لثقافة زمانه، وهذا يعني استقراء الشبهات العقائديّة المثارة بكلّ سنة بحسبها، واستقراء السلوكيّات المتغيّرة في كلّ مجتمع، وفي كلّ فترة تمرّ على المؤمنين، فإنّ مواكبة ما يستجدّ من فكر أو سلوك أو ثقافة تجعل الالتفاف حول منبر الحسين× حيّاً جديداً ذا تأثير وفاعليّة كبيرة.

3 ـ تحرّي الدقّة في ذكر الآيات القرآنيّة، أو نقل الروايات الشريفة من الكتب المعتبرة، أو حكاية القصص التاريخية الثابتة، حيث إنّ عدم التدقيق في مصادر الروايات أو القصص المطروحة، يفقد الثقة بمكانة المنبر الحسيني في أذهان المستمعين.

4 ـ أن يترفّع المنبر عن الاستعانة بالأحلام وبالقصص الخياليّة، التي تسيء إلى سمعة المنبر الحسيني، وتظهره أنّه وسيلة إعلاميّة هزيلة، لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين.

5 ـ جودة الإعداد، بأن يعنى الخطيب عناية تامّة بما يطرحه من موضوعات من حيث ترتيب الموضوع وتبويبه وعرضه ببيان سلس واضح، واختيار العبارات والأساليب الجذّابة لنفوس المستمعين والمتابعين، فإنّ بذل الجهد الكبير من الخطيب في إعداد الموضوعات وترتيبها وعرضها بالبيان الجذّاب، سيسهم في تفاعل المستمعين مع المنبر الحسيني.

6 ـ إنّ تراث أهل البيت^ كلّه عظيم جميل، ولكن مهارة الخطيب وإبداعه يبرز باختيار النصوص والأحاديث التي تشكّل جاذبية لجميع الشعوب على اختلاف أديانهم، ومشاربهم الفكريّة والاجتماعيّة، انتهاجاً لما ورد عنهم^ (إنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا)، ومحاسن كلامهم هو تراثهم الذي يتحدّث عن القيم الإنسانيّة التي تنجذب إليها كلّ الشعوب بمختلف توجّهاتها الثقافيّة والدينيّة.

7 ـ طرح المشاكل الاجتماعيّة الشائعة مشفوعة بالحلول الناجعة، فليس من المستحسن أن يقتصر الخطيب على عرض المشكلة، كمشكلة التفكّك الأسري، أو مشكلة الفجوة بين الجيل الشبابي والجيل الأكبر، أو مشكلة الطلاق، أو غيرها، فإنّ ذلك ممّا يثير الجدل دون مساهمة من المنبر في دور تغييري فاعل، لذلك من المأمول من روّاد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من أهل الخبرة الاجتماعيّة،وحملةالثقافةفيعلمالنفسوعلمالاجتماعفيتحديدالحلولالناجعةللمشاكلالاجتماعيّةالمختلفة؛ ليكون عرض المشكلة مشفوعة بالحلّ عرضاً تغييريّاً تطويريّاً ينقل المنبر من حالة الجمود إلى حالة التفاعل والريادة والقيادة في إصلاح المجتمعات وتهذيبها.

8 ـ أن يتسامى المنبر الحسيني عن الخوض في الخلافات الشيعيّة، سواء في مجال الفكر أو مجال الشعائر، فإنّ الخوض في هذه الخلافات يوجب انحياز المنبر لفئة دون أخرى، أو إثارة فوضى اجتماعيّة، أو تأجيج الانقسام بين المؤمنين، بينما المنبر راية لوحدة الكلمة، ورمز للنور الحسيني الذي يجمع قلوب محبّي سيّد الشهداء×، هي مسار واحد وتعاون فاعل.

9 ـ الاهتمام بالمسائل الفقهيّة الابتلائيّة في مجال العبادات والمعاملات، من خلال عرضها بأسلوب شيّق واضح، يشعر المستمع بمعايشة المنبر الحسيني لواقعه وقضاياه المختلفة.

10 ـ التركيز على أهمّية المرجعيّة والحوزة العلميّة والقاعدة العلمائيّة التي هي سرّ قوّة المذهب الإمامي، ورمز عظمته، وشموخ كيانه وبنيانه.

 نسألاللهتباركوتعالىللجميعالتوفيقلخدمة طريق سيّد الشهداء×، وأن يجعلنا جميعاً وجهاء بالحسين× في الدنيا والآخرة.

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على محمد، وآله الطيّبين الطاهرين[430].

إستمارة الاستبانة

بسمه تعالى

استبانة

الأخ الفاضل / الأخت الفاضلة: تروم الباحثة إنجاز رسالة بعنوان (المنبر الحسيني ودوره الإصلاحي) وهذه الاستمارة جزء مهم لإنجاز الرسالة. يرجى الإجابة عليها، ولا حاجة لذكر الإسم أو التوقيع على الاستمارة. مع التقدير

 اسم الباحثة / زينب غدير القريني

الجنس ذكر ( ) أنثى ( ) ــ الوظيفة.................. العمر ( ).

التحصيل الدراسي / إعدادية فما دون ( ) دبلوم ( ) بكالوريوس ( ).        

ماجستير ( ) دكتورا ( ).

1 ـ هل تساعدك الخطب الحسينيّة في إيجاد الحلول لبعض مشاكلك الإجتماعيّة؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

2 ـ هل ساهم المنبر الحسيني في إثراء الجوانب الثقافيّة والدينيّة والفكريّة في حياتك؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

3 ـ هل استطاع المنبر الحسيني أن يقدّم حصانة فكريّة وعقائديّة وثقافيّة للشباب المسلم؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

4 ـ هل باعتقادك أنّ خطباء المنبر الحسيني يمتلكون فكر وثقافة ووعي يواكب التحدّيات الفكريّة والثقافيّة العالميّة؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

5 ـ هل للمنبر الحسيني دور في تغيير بعض السلبيّات في شخصيّتك، وغرس مكانها إيجابيّات وفضائل من خلال تأثّرك بالآيات القرآنيّة وأحاديث أهل البيت^؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

6 ـ هل يحتاج المنبر الحسيني لمزيد من الاهتمام ليكون أكثر فعّالية وتأثير؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

7 ـ هل تدعو إلى تطوير المنبر النسائي، والنهوض به؛ ليتماشى مع متطلّبات الحياة، وليكون قادراً على الاهتمام بقضايا المرأة باعتبارها المدرسة الأولى المنشئة للأجيال؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

8 ـ هل ساهم المنبر الحسيني في تعزيز وتقوية حالة الارتباط بأهل البيت^؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

9 ـ هل كان للمنبر الحسيني دوراً في تلبية نداء المرجعيّة المتمثّل بالحشد الشعبي للدفاع عن المقدّسات ضدّ الإرهاب الداعشي؟

نعم ( ) نوعا ما ( ) كلا ( )

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

أبعاد النهضة الحسينيّة، الذهبي، عباس: ط1، مركز الرسالة، إيران قم، 1425 هـ.

الاحتجاج، الطبرسي، أحمد بن علي، ج2، منشورات دار النعمان للطباعة والنشر، 1386هـ ـ 1966م.

أدب الطف، شُبَّر، جواد، ط1، بيروت ـ 1388 هـ ـ 1969م.

الإرشاد، المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، ط2، تحقيق مؤسّسة آل البيت^ لتحقيق التراث، دار المفيد طباعة ـ نشر ـ توزيع، 1414 هـ ـ 1993م.

إستراتيجيا النهضة الحسينيّة في الإصلاح والتغيير السياسي، السادة، ماجد، ط1، 1428 هـ ـ 2007م.

الإسلام يقود الحياة، الصدر، محمّد باقر، ط1، مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر، 1421 هـ.

الإصلاح الديني هل كان هدفاً للحسين، العاملي، محمّد شقير، ط1، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1424 هـ 2001 م.

الإصلاح الديني والسياسي، الأمين، إحسان، ط1، دار الزمان للطباعة والنشر، دمشق ـ سوريا، 2011م.

الإصلاح الديني والسياسي، الصفّار، حسن موسى، ط1، دار الصفوة للطباعة، بيروت ـ لبنان، 1430هـ 2009 م.

الإصلاح والمحافظة في الفكر الديني، نعيم، بلال، ط1، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1423 هـ ـ 2002 م.

أعلام النبوّة، الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، ط1، دار ومكتبة الهلال، بيروت لبنان، 1409هـ.

أعيان الشيعة، العاملي، محسن الأمين، ط5، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1418هـ ـ 1998م.

إقناع اللائم على إقامة المآتم، الأمين، محسن، ط1، دار الصفوة للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1430 هـ ـ 2009 م.

الإمام الحسين رائد الحركة الإصلاحيّة، القبّانجي، صدر الدين، ط1، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1432 هـ ـ م2011م.

الإمام الحسين وقيم الإصلاح والحرّية، اليوسف، عبد الله أحمد، ط2، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1435 هـ ـ 2014م.

الإمام الخميني والثورة الإسلاميّة في إيران، يعقوب، أحمد حسـين، الدار الإسلاميّة، بيروت، 2001م.

الأمّة والإمامة، شريعتي، علي، ط2، دارالأمير للثقافة والعلوم، 1428 هـ ـ 2007م.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ناصر مكارم، ط1، الأميرة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، 1426 ـ 2005.

أمير المنابر الدكتور أحمد الوائلي، الروازق، صادق جعفر، ط1، دار المحجّة البيضاء، بيروت ـ لبنان، 1425 هـ ـ 2004م.

الانحرافات الاجتماعيّة، مشكلات وحلول، المشيخص، عبد العظيم نصر، ط1، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1426هـ ـ 2005م.

الإنسان في الفكر العربي الإسلامي المعاصر (محمد باقر الصدر إنموذجاً) كاظم، رائد جبار، بيت الحكمة، العراق ـ بغداد، 2009 م.

بحار الأنوار، المجلسي، محمّد باقر، ط1، دار التعارف، بيروت ـ لبنان، 1421هـ ـ 2001م.

بحار الأنوار، المجلسي، محمّد باقر، ط2 المصحّحة، مؤسّسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، 1403 هـ ـ 1983 م.

بداية المعرفة، العاملي، حسن مكّي، مكتبة المجتبى، العراق النجف الأشرف، 1430 هـ 2009م.

البداية والنهاية، ابن كثير، إسماعيل بن عمر، دار إحياء التراث، بيروت ـ لبنان.

بناء الشخصيّة في خطاب المهدي، مـدن، يوسف، ط1، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1421 هـ ـ 2000م.

تأريخ الطبري، الطبري، محمّد بن جرير، ط1، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان، 1418هـ ـ 1998م.

تأمّلات إسلاميّة حول المرأة، فضل الله، محمّد حسين، ط7، دار الملاك، بيروت، 2001م.

التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، محمّد بن الحسن، ط1، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، تحقيق: أحمد حبيب العاملي، 1409 هـ.

تجاربي في المنبر، الشيرازي، محمّد بن المهدي الحسيني، ط4، هيئة محمّد الأمين، المجتبى للتحقيق والنشر، بيروت ـ لبنان، 1422 هـ ـ 2001 م.

تجاربي مع المنبر، الوائلي، أحمد، ط1، انتشارات الشريف الرضي، بدون تأريخ.

تراجيديا كربلاء سوسيولوجيا الخطاب الشيعي، الحيدري، إبراهيم، ط1، دار الكتاب الإسلامي، 1423هـ ـ 2002م.

التفسير المبين، مغنية، محمّد جواد، ط2، منقّحة ومزيدة، مؤسّسة الكتاب الاسلامي 1425هـ ـ 2004م.

تقريب القرآن إلى الأذهان، الشيرازي، محمد، ط1، دار العلوم 1424 هـ ـ 2003م.

ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه، ط4، مؤسّسة الأعلمي، بيروت 1410 هـ ـ 1989 م.

ثورة الإمام الحسين وأبعادها، بحر العلوم، محمد، ط1، دار الزهراء للطباعة، بيروت، 1404 ـ 1984.

ثـورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة، شمس الدين، محمّد مهدي، ط5، دار التعارف، بيروت ـ لبنان، 1399 هـ ـ 1979م.

جوانب من أفكار الإمام الخميني، المهري، محمّد جواد، ط1، وزارة الإرشاد الإسلامي، 1402 هـ.ق.

حديث عاشوراء، فضل الله، محمّد حسين، ط2، دار الملاك للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1418 هـ ـ 1998م.

الحركة الإصلاحيّة بين أصحاب الكساء والحسين سـيّد الشهداء، القبّانجي، صدر الدين، ط1، بقيّة العترة، النجف الأشرف، 1429 هـ.

حركيّة الإصلاح من النظام إلى الانتظام، رؤية قرآنيّة، أمير، عباس، ط1، دار المحَجّة البيضاء، بيروت ـ لبنان، 1428 هـ ـ 2007 م.

حوارات في ساحات الفراغ، الموسوي، محمود، ط1، دار الصفوة، بيروت ـ لبنان، 1737 هـ ـ 2017م.

خصائص الخطبة والخطيب، مكتبي، نذير محمد، ط3، دار البشائر الإسلاميّة، بيروت ـ لبنان، 1422 هـ ـ 2001م.

خطاب الوحدة الإسلاميّة، مساهمات الفكر الإصلاحي الشيعي، الميلاد، زكي، ط1، دار الصفوة، بيروت ـ بئر العبد، 1417 هـ ـ 1996م.

الخطابة الحسينيّة، المقدسي، محمّد باقر، ط1، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت لبنان 1429 هـ ـ 2008 م.

الخطابة، المبارك، حمـيد، ط1، بيت العلم للنابهين، بيروت ـ لبنان 1426 هـ ـ 2005 م.

دراسات في المدرسة الفكريّة للإمام الشهيد محمّد باقر الصدر، اللاوي، محمّد عبد، جامعة وهران، الجزائر، 2004 م.

دروس في الخطابة الحسينيّة، السويج، مجتبى، ط1، دار الفيحاء للطباعة والنشر بيروت، 1434 هـ ـ 2013 م.

دنيا الطفل، نبيهة محيدلي، ط2، دار الملاك، بيروت ـ لبنان، 2002م

دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة، مطهري، مرتضى، ط1، دار النبلاء للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1425 هـ ـ 2004م.

دور المرأة في النهضة الحسينية، الحكيم، محمّد باقر،، مطبعة أنوار الحكمة.

دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة (رسالة دكتوراه) المقدسي، محمّد باقر، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1432 هـ ـ 2011م.

ذخائر العقبى، الطبري، محبّ الدين أحمد بن عبد الله، عن نسخة دار الكتب المصريّة مكتبة القدسي، القاهرة، 1356هـ.

رسالة المنبر الحسيني في فكر الإمام الشيرازي، الحاتمي، عبد الرزّاق، ط1، مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات، بيروت ـ لبنان، 1424 هـ ـ 2003م.

رسالة عاشوراء، الشيرازي، محمد، ط1، طبع هيئة محمّد الأمين، بيروت ـ 1422هـ.

رسالة في فن الإلقاء والحوار والمناظرة، الفتلاوي، علي، قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة الحسينيّة المقدّسة، 2012 م.

رسالتنا، (إعداد وتحقيق لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر)، ط2، شريعت ـ قم، 1424 هـ.ق.

زين العابدين علي بن الحسين، سيّد الأهل، عبد العزيز، ط1، دار بيروت للطباعة، 1953م.

السيّدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام، القرشي، باقر شريف، ط1، مكتبة مؤمن قريش، 1420هـ ـ 2000م.

الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، السند، محمد، ط1، مؤسّسة الصادق للطباعة، 1393 هـ.ش ـ 1436 هـ.ق.

الصحاح تاج اللغـة، الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، ط1، دار العلم، بيروت ـ لبنان، 1386 ـ 1956.

صحيفة الإمام المهدي، الأهري، عيسى، ط1، مؤسّسة انتشارات رسالت قم، 1387.

الصواعق المحرقة، الهيتمي، ابن حجر، مكتبة القاهرة، شركة الطباعة المتحدة.

طرائق التدريس منهج، أسلوب، وسيلة، الأحمد، ردينة عثمان وحذام عثمان، ط3، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان الأردن.

طريق الخطابة الحسينيّة، الكندي، حسن، ط1، دار المرتضى، بيروت ـ لبنان، 1433 هـ ـ 2012 م.

الطفل بين الوراثة والتربية، فلسفي، محمّد تقي، ط3، منشورات الأعلمي، بيروت لبنان، 1422هـ ـ 2002م.

الظاهرة الحسينيّة في الشعر العربي، العاتي، إبراهيم، دار الأمير للثقافة والعلوم، بيروت لبنان، 1432 هـ 2011م.

عاشوراء، مركز نون للتأليف والترجمة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، بيروت ـ لبنان، 1432هـ ـ 2011م.

علل الشرائع، الصدوق، محمّد بن علي، منشورات المكتبة الحيدريّة النجف الأشرف، 1385هـ ـ 1966م.

عيون أخبار الرضا×، الصدوق، محمّد بن علي، ط1، منشورات ذوي القربى ـ قم، 1427 هـ.

الغزو الثقافي، يزدي، محمّد تقي، ط1، مؤسّسة أم القرى للتحقيق والنشر، لبنان ـ بيروت 1426 هـ ـ 2005م.

فاجعة الطفّ (أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها)، الحكيم، محمّد سعيد، ط1، مؤسّسة الحكمة للثقافة الإسلاميّة، العراق النجف الأشرف، 1429 هـ ـ 2008 م.

الفكر الإسلامي بين النهضة والتجديد، نعيم، بلال، ط1، دار الولاء لصناعة النشر، بيروت ـ لبنان 1436 هـ ـ 2013 م.

فنّ الخطابة النسائيّة، المرزوق، فوزيّة محمد، ط1، مؤسّسة الإمام علي×، بيروت ـ لبنان، 1430 هـ ـ 2009م.

فهم أصول الإسلام في رسالة التعاليم، عبد الحليم، محمود علي، ط1، دار التوزيع والنشر الإسلاميّة، القاهرة، 1994م.

قبس من نور الإمام الحسين، الحائري، حسن الشمّري، ط1، مؤسّسة الأعلمي، بيروت لبنان، 1430 2009م.

قراءة في فِكر السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر، الكاظمي، عماد، ط1، جمعيّة أبو طالب× الخيريّة، الكاظميّة المقدّسة، 1432 هـ ـ 2011 م.

القيم التربويّة في فكر الإمام الحسين، السعدي، حاتم جاسم، ط1، قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة، العراق ـ كربلاء، 1434هـ ـ 2013م.

الكافي، الكليني، أبي جعفر محمّد بن يعقوب، ط3، دار الكتب الإسلاميّة، طهران ـ إيران، 1367 ش.

كامل الزيارات، ابن قولويه، جعفر بن محمد، ط3 نشر الفقاهة ـ قم، 1424 هـ

الكامل في التأريخ، ابن الأثير، عزّ الدين أبو الحسن، ط1، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، 1422 هـ ـ 2002م.

كتاب الأمالي، الطـوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن، ط1، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1380 هـ.

لسان العرب، ابن منظور، جمال الدين محمد، دار صادر، بيروت، 1955م.

مبادىء الإحصاء، طبيه، أحمد عبد السميع، ط1، دار البداية للطباعة والنشر، عمان الأردن، 2008م.

مثير الأحزان، الحلّي، ابن نما، ط1، دار المنتظر، بيروت ـ لبنان، 1433 هـ ـ 2012م.

مجتمعنا المجتمع الفرعوني، الصدر، محمّد باقر، ط1، مكتبة سلمان المحمّدي، العراق ـ بغداد، طبع في لبنان، 1434هـ ـ 2013م.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي، الحافظ نور الدبن علي بن أبي بكر، دار الكتب العلميّة، بيروت لبنان، 1408هـ ـ 1988م.

مختار الصحاح، الرازي، محمّد بن أبي بكر، طبعة جديدة، مكتبة ناشرون، لبنان ـ بيروت، 1415 هـ ـ 1995م.

المدرسة الإسلاميّة، الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعيّة، الصدر، محمّد باقر، ط1، مؤسّسة دار الكتاب الإسلامي، 1424 هـ 2003 م.

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، النوري، حسين، ط2، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت لبنان، 1408هـ ـ 1988م.

المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد، دار الفكر للطباعة، بيروت ـ لبنان، 1422 هـ 2002 م.

مشروع نهضة الأمّة، محمّد حسين فضل الله،، ترحيني، محمّد حسين، ط1، دار المحجّة البيضاء، بيروت ـ لبنان، 1432 هـ ـ 2011 م.

مشكلة الفقر، الفضلي، عبد الهادي، ط2، مطابع النعمان، النجف الأشرف.

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الفيومي، أحمد بن محمّد المقري، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، 1414هـ ـ 994 م.

مطارحات في الإصلاح والتغيير، العاملي، محمّد شقير، ط1، دار الهادي للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1425 هـ ـ 2001م.

معاني الأخبار، الصدوق، محمّد بن علي، إنتشارات إسلامي، قم، 1361ش.

معجم الخطباء، حسن، السيّد داخل، ط1، المؤسّسة العالميّة للثقافة والإعلام، بيروت، 1411 هـ ـ 1991م.

المعجم الكبير، الطبراني، سليمان بن أحمد، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت ـ لبنان، 1428 هـ ـ 2007 م.

المعجم الوسيط، أنيس، إبراهيم، ط5، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة.

معجم خطباء المنبر الحسيني، الكرباسي، محمّد صادق، ط1، المركز الحسيني للدراسات، لندن ـ المملكة المتحدة، 1420 هـ ـ 1999م.

معجم رجال الفكر والأدب في النجف، الأميني، محمّد هـادي، ط1، 1413 هـ ـ 1992م.

مفاهيم خير وصلاح، كاظم، عمّار، ط1، المركز الإسلامي الثـقافي، لبنان، 1436 هـ ـ 2015 م.

مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، ط2، طليعة النور، 1425 هـ.ق.

مقتل الحسين، الخوارزمي، الموفّق بن أحمد، ط1، دار أنوار الهدى، قم، 1418هـ.

مقتل الحسين، المقرّم، عبد الرزّاق، ط1، مؤسّسة التأريخ العربي للطباعة، بيروت، 1429 هـ 2009 م.

الملحمة الحسينيّة، مطهري، مرتضى، تحقيق ومراجعة: عبد الكريم الزهيري، ط1، آنيده درخشان ـ قم، 2009م.

الملهوف على قتلى الطفوف، ابن طاوس، علي بن موسى، ط4، دار الأسوة للطباعة والنشر، طهران، 1425 هـ. ق ـ 1383 هـ. ش.

من وحي عاشوراء، فضل الله، محمّد حسين، ط2، دار الملاك للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1417 هـ ـ 1997م.

المناحي الفكريّة والمواقـف الإصلاحيّة، السيّد محسن الأمين،، فضل الله، هادي، ط1، دار البلاغة للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1413 هـ ـ 1993م.

المنبر الحسيني دوره ومستقبله، الأمين، عبد الحسين، ط1، دار النور للنشر، لندن.

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفـاق المستقبل (رسالة ماجستير)، الكاظمي، فيصل، ط1، دار المحجّة البيضاء، بيروت ـ لبنان، 1431 هـ ـ 2010 م.

المنبر وأثره في بناء الإنسان، الغريفي، كمال الدين، ط2، مؤسّسة الثقلين الثقافيّة، لبنان ـ بيروت، 1422هـ ـ 2001م.

المنطق، المظفّر، محمّد رضا، ط19، مؤسّسة الرافد للطباعة، 1430 هـ ـ 2009 م.

المنهج التربوي عند أهل البيت^، العذاري، سعيد كاظم، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، 1427 هـ.

المهارات اللغويّة وفنّ الإلقاء، أبو العدوس، يوسف، ط1، دار المسيرة للطباعة، عمان.

موسوعة سيرة أهل البيت (حياة الإمام الحسين)، ط1، دار المعروف للطباعة، 1430 هـ ـ 2009 م.

مؤشّرات التطرّف لدى الشباب، الهليل، عبد العزيز عبد الرحمن، ط1، مركز دلائل للطباعة والنشر، الرياض المملكة العربيّة السعوديّة، 1437هـ 2016م.

الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي، محمّد حسين، ط1، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، 1411 هـ ـ 1991 م.

النجف الأشرف وحركة التيّار الإصلاحي، 1982م، المفرجي، عدي هاشم، ط1، دار القارئ، 2005 م.

نحو أخلاق الحسين، قاسم، عيسى أحمد، جمعيّة التوعية الإسلاميّة، المنامة ـ مملكة البحرين، 1431 هـ ـ 2009م.

نقد العقل الإصلاحي، (قراءات في جدليّة الفكر العراقي الحديث)، رسول محمّد رسول، ط1، دار الشؤون الثقافيّة العامّة، العراق ـ بغداد، 2010م.

نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضى مطهري، جهرمي، مهـدي ـ وباقري، محمد، ط1، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1432 هـ ـ 2011م.

نهج البلاغة، الشريف الرضي، محمّد بن الحسين، شرح: محمّد عبده، ط1، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، هـ ـ 2003م.

هبة الدين الشهرستاني منهجه في الإصلاح والتجديد (رسالة تحليليّة)، الجابري، إسماعيل طه، ط1، دار الشؤون الثقافيّة، العرق بغداد، 2008م.

هكذا عرفتهم، الخليلي، جعفر، ط1، منشورات المكتبة الحيدريّة، 1348 ـ 1426 هـ.

وسائل الشيعة إلى تفصيل مسائل الشريعة، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، دار إحياء التراث، بيروت ـ لبنان.


البحوث والمجلّات:

مجلّة الإصـلاح الحسيني، النهضة الحسينية وحفـظ المبادئ الدينيّة، التميمي، رافد، العدد الرابع، مركز الدراسات التخصصية في النهضة الحسينيّة، النجف الأشرف، 1434هـ ـ 2013م.

الرسائل والأطاريح:

الأصول الدينيّة للتعايش الإنساني في الأديـان السماويّة، أطروحة دكتوراه، صلال، عبد الرزاق رحـيم، جامعة الكوفة، كلّية الفقه، 2008م.

الخطابة في العصر الاسلامي، رسالة ماجستير، خان، فوزيّة عباس، جامعة أمّ القرى، كلّية الشريعة، قسم الدراسات العربيّة العليا، 1981م.

المقابلات الشخصيّة:

مقابلة شخصيّة مع الخطيب الحسيني الشيخ الدكتور فيصل الخالدي الكاظمي، في مدينة البصرة بتأريخ 3/ 11/ 2016 م.

مقابلة شخصيّة مع الخطيب الحسيني السيّد محمّد الصافي، في مشهد المقدّسة بتأريخ 5/7/ 2016م.

الإنترنت:

موقع وكالة هنا الجنوب الأخباريّة al ـ janoob.org.

موقع مكتب المرجع الديني الأعلى السيّد علي الحسيني السيستاني www.sistani.org

موقع ينابيع الجفر الأخباريّة، الانحراف الفكري وأثره على سلوك الفرد والمجتمع www.aljafr.info.

موقع (موضوع): مفهوم الغزو الثقافي، بواسطة إيمان الحياريmawdoo3.com.

موقع السيّد محمّد تقي المدرّسي، كيف نقاوم الغزو الثقافي، www.almodarresi.

شبكة المعارف الإسلاميّة، كيف نواجه الغزو الثقافي (وفق رؤية الإمام الخامنئي دام ظله) www.almaaref.org.

مؤسّسة النور للثقافة والإعلام، الانحراف الفكري/ وانقسام الأمّة (محمد سعد عبد اللطيف) www.alnoor.se.

موقع مكتب الشيخ الصفّار، الإصلاح في الفكر الديني www.saffar.org.



[1] البقرة: آية31.

[2] المجادلة: آية11.

[3][[3]][3] البقرة: آية129.

[4] آل عمران: آية164.

[5] الكفعمي، إبراهيم، المصباح: ص280.

[6] البقرة: آية253.

[7] الرازي، محمّد بن أبي بكر، مختار الصحاح: ص688.

[8] الجوهـري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح تاج اللغة: ج2، ص821. وقـد ورد ذلك في المعاجم الحديثة ينـظر: أنيـس، إبراهيم، المعجم الوسيط: ج2، ص 897.

[9] الفيومي، أحمد بن محمّد المقري، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: ص590.

[10] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه حاضره وآفاق المستقبل: ص37.

[11] الغريفي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص56.

[12] ابن الأثير، عزّ الدين أبو الحسن، الكامل في التأريخ: ج3، ص491، والعاملي، محسـن الأمين، أعيان الشيعة: ج2، ص411.

[13] الحكيم، محمّد سعيد، فاجعة الطفّ (أبعادها  ـ ثمراتها ـ توقيتها): ص11.

[14] الذهبي، عباس، أبعاد النهضة الحسينيّة: ص7.

[15] المجلسي، محمّد باقـر، بحار الأنـوار: ج18، ص 462.

[16] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص8.

[17] الأحزاب: آية33.

[18] يُنظر: مغنية، محمّد جواد، التفسير المبين: ص554.

[19] الشورى: آية23.

[20] يُنظر: مغنية، محمّد جواد، التفسير المبين: ص642.

[21] الترمذي، أبو عيسى محمّد بن عيسى، سـنن الترمذي: ج 5، ص656، باب: مناقب الحسن والحسين، وذكره: الهيثمي، ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص386.

[22] الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي، علل الشرائع: ج1، ص211.

[23] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص10.

[24] الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا×: ج1، ص62.

[25] الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن، الأمالي: ص468.

[26] الترمذي، أبو عيسى محمد، سنن الترمذي: ص661.

[27] الهيثمي، ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص386.

[28] الحاكم النيـسابوري، أبو عبد الله محمد، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص386، والهيثمي، ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص192، والحلّي، ابن نما، مثير الأحزان: ص41.

[29] الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير: ج2، ص232، والطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن، الأمالي: ص314، وذكر فيه أنّ ملك القطر الذي استأذن ربّه في زيارة النبي’ هو ميكائيل×، وذكره الطبري، محبّ الدين أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى: ص146.

[30] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص15.

[31] بحر العلوم، محمد، ثورة الإمام الحسين وأبعادها: ص12.

[32] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: 18، ص462.

[33] يُنظر، شمس الدين، محمّد مهدي، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة: ص178.

[34] المقرّم، عبد الرزّاق الموسوي، مقتل الحسين×: ص58.

[35] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: 18، ص463، بتصرف.

[36] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج7، ص159، والعاملي، محـسن الأمين، أعيان الشيعة: ج2 ، ص415.

[37] يُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانية: ص180.

[38] الطبري، محمّد بن جرير، تأريخ الطبري: ص605. وابن طاووس، علي بن موسى، الملهوف على قتلى الطفوف: ص138.

[39] يُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانيّة: ص184ـ185.

[40] يُنظر: الحكيم، محمّد سعيد، فاجعة الطف(أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها): ص13ـ4.

[41] ابن طاووس، علي بن موسى، الملهوف على قتلى الطفوف: ص94.

[42] الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، أعلام النبوّة: ص137.

[43] الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج9، ص187.

[44] المقرّم، عبد الرزّاق الموسوي، مقتل الحسين×: ص57.

[45] ابن طاووس، علي بن موسى بن جعفر، الملهوف على قتلى الطفوف: ص126.

[46] المصدر السابق: ص127ـ 128.

[47] المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد:  ص223.

[48] المقرّم، عبد الرزّاق: مقتل الحسين×: ص57.

[49] الحكيم، محمّد سعيد: فاجعة الطفّ (أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها): ص 48ـ49.

[50] الحكيم، محمّد سعيد: فاجعة الطف (أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها): ص61.

[51] ماربين فيلسوف ألماني، ومن مؤرّخيهم في السياسة الإسلاميّة، له رسالة عنوانها (السياسة الإسلاميّة المبنيّة على فلسفة الإسلام)، وقد ذكره العلماء عند حديثه عن نهضة الإمام الحسين× (ينظر: العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص241.

[52] القرشي، باقر شريف، موسوعة سيرة أهل البيت^ (حياة الإمام الحسـين): ج13، ص277.

[53] شمس الدين، محمّد مهدي، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة: ص207.

[54] المصدر السابق: ص222.

[55] الحائري، حسن الشمّري، قبس من نور الإمام الحسين×: ص237.

[56] يُنظر: بحر العلوم، محمد، ثورة الإمام الحسين×: ص48ـ49.

[57] يُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعيّة وآثارها الإنسانيّة: ص266.

[58] المصدر السابق: ص236.

[59] التميمي، رافد، النهضة الحسينيّة وحفظ المبادئ والمظاهر الدينيّة، مجلّة الإصلاح الحسيني: العدد الرابع، ص97.

[60] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه حاضره: ص47.

[61] يُنظر: الكاظمي، فيصل: المنبر الحسيني نشوؤه حاضره: ص48.

[62] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص29.

[63] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص137، والخوارزمي، الموفّق بن أحمد، مقتل الحسين×: ج2، ص76ـ 78.

[64] المصدر السابق: ص137.

[65] الذاريات: آية56.

[66] الكندي، حسن، طريق الخطابة الحسينيّة: ج1، ص49.

[67] سيّد الأهل، عبد العزيز، زين العابدين علي بن الحسين×: ص29.

[68] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص65.

[69] السيد محسن الأمين: محسن بن عبد الكريم، ولد في شقراء بجبل عامل عام 1248هـ وهاجر إلى النجف الأشرف حتى نال درجة الاجتهاد، ورجع إلى دمشق واستقرّ بها، له مواقف وطنيّة، ومشاريع إصلاحيّة، كثير التأليف، مصلح كبير، ومحقّق معروف، توفّي في بيروت عام 1371هـ، ودفن في دمشق، من أوسع مؤلّفاته: أعيان الشيعة (الأميني، محمّد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: ج1، ص173).

[70] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص134.

[71] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص30.

[72] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص201.

[73] الصدوق، محمّد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص111.

[74] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص326.

[75] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص282.

[76] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا×: ج1، ص268.

[77] المصدر السابق: ص268.

[78] أبو عمارة المنشد، عاصر الإمام جعفر بن محمّد الصادق×، أوّل من لقّب بهذا اللقب (المنشد) ممن رثا الإمام الحسين×، لم يعرف إلّا بكنيته، من أهـل المدينة، مات فيها في النصف الثاني من القـرن الثاني الهجري (الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص318).

[79] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص209.

[80] أبو هارون موسى بـن عمير الكوفي، مـن أصحاب الإمامين محمّد بن علي الباقر، وولده الإمام جعفر الصادق÷، كان يـنشد قصائد السـيّد الحمـيري وغـيره، ومن أوائل من عـرف بالمنـشد، توفّي سنة 150هـ (الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص42).

[81] يُنظر: الصدوق، محمّد بن علي، ثواب الأعمال: ص111.

[82] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص144.

[83] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص187.

[84] المصدر السابق: ص188.

[85] الحج: آية32.

[86] يُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص196.

[87] شبّر، جواد، أدب الطفّ: ج1، ص101.

[88] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص203 .

[89] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني: ص99.

[90] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص539 .

[91] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص87.

[92] المصدر السابق: ص370.

[93] المتوكّل جعفر بن محمّد بن هارون الرشيد، أبو الفضل، ولد سنة 206 هـ ببغداد، بويع له بالخلافة سنة 232 هـ بعد وفاة أخيه الواثق. نقل الخلافة من بغداد إلى دمشق لشهرين، ثمّ عاد إلى سامرّاء. عرف ببغضه للعلويين، هدم قبر الحسين× سنة 236هـ فهجاه بعضالشعراء. مات مقتولاً بسامرّاء 247هـ. (الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج2، ص127).

[94] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني: ص78.

[95] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص328ـ229.

[96] يُنظر المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص141.

[97] الحكيم، محمّد سعيد، فاجعة الطفّ (أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها): ص486ـ487. وسنذكر في الفصل الرابع من البحث تفصيل أكثر، وآراء أخرى في مسألة الموازنة بين العِبرة والعَبرة، وأنّ تأكيد أهل البيت^ على مسألة النياحة والبكاء إنّما، لأنّه كان يمثّل الوسيلة لرفض الظلم في ذلك الوقت.

[98] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص346.

[99] الشيخ محمّد مهدي بن عبد الكريم الحارثي الهمداني العاملي، عالم فقيه، ومفكّر إسلامي بارز، ولد في النجف الأشرف سنة 1931م، أنهى المقدّمات الدراسيّة وحضور الدروس العليا، على أكابر العلماء والمجتهدين، هاجر إلى لبنان سنة 1969م، وعيّن نائباً لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ثمّ رئيساً له عام 1993م. حاضر وشارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدينيّة والفكريّة، توفّي في بيروت سنة 2001م. من آثـاره: بين الجاهليّة والإسلام، دراسات في نهج البلاغة، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية، ثورة الحسين في الوجدان الشعـبي، العلمانيّة، وآثار أخرى (الأميني، محمّد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف).

[100] داخل السيّد حسن الخضري، ولد في مدينة الخضر التابعة لمحافظة المثنى(جنوب العراق) عام 1952م، وهاجر إلى النجف الأشرف للدراسة الدينيّة عام 1967م. انخرط في صفوف طلبة العلوم الدينيّة، وكان يمارس الخطابة الحسينيّة، من خطباء المنبر الحسيني المعروفين المعاصرين، من مؤلّفاته: من لا يحضره الخطيب، أدب المنبر الحسيني، معجم الخطباء. (محمد صادق الكرباسي، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص184).

[101] وللاطلاع على تلك الأدوار يراجع: السيّد حسن، داخل، معجم الخطباء: ج1، ص41ـ46.

[102] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص179ـ181.

[103] يُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص372.

[104] يُنظر شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص368ـ 419.

[105] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص361.

[106] المصدر السابق: ص360.

[107] يُنظر: الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ج1، ص37ـ77، باختصار وبعض التصرّف.

[108] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني: ص170.

[109] نفس المصدر: ص171.

[110] الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح في القرآن الكريم: ص8.

[111] اليوسف، عبد الله أحمد، الإمام الحسين× وقيم الإصلاح والحرّية: ص20.

[112] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج18، ص462.

[113] مطهري، مرتضى، دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة: ص86.

[114] البقرة: الآيتان11ـ12.

[115] اليوسف، عبد الله أحمد، الإمام الحسين× وقيم الإصلاح والحرّية: ص21.

[116] ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب: ج2 ، ص517.

[117] الأعراف: آية55.

[118] محمد: آية2.

[119] الأحقاف: آية15.

[120] يونس: آية81.

[121] الراغب الإصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن: ص489.

[122] محمود، علي عبد الحليم، فهم أصول الإسلام في رسالة التعاليم: ص15.

[123] الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح من القرآن الكريم: ص8.

[124] ص: آية28.

[125] يُنظر: الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح من القرآن الكريم: ص12ـ13.

[126] المائدة: آية39.

[127] الطباطبائي، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج7، ص107.

[128] البقرة: آية160.

[129] تقريب القرآن إلى الأذهان: ص202.

[130] العاملي، محمّد شقير، الإصلاح الديني هل كان هدفاً للحسين: ص20.

[131] الأنعام: آية48.

[132] الشورى: آية40.

[133] هود: آية117.

[134] المائدة: آية32.

[135] يُنظر: الكاظمي، عماد، قراءة في فكر السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر: ص43.

[136] هود: آية85.

[137] الطوسي، محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن: ج6، ص51.

[138] هود: آية88.

[139] الطباطبائي، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج7 ص357.

[140] الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح في القرآن الكريم: ص183.

[141] النحل: آية96.

[142] الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الأمثل: ج8، ص209.

[143] يُنظر: المفرجي، عدي هاشم عبد الزهـرة، النجف الأشرف وحركة التيّار الإصلاحي: ص16ـ17.

[144] العنكبوت: آية9.

[145] الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح من القرآن الكريم: ص13.

[146] الرعد: آية88.

[147] الصف: آية2ـ3.

[148] كاظم، عمّار، مفاهيم خير وصلاح: ص244.

[149] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج16، ص151.

[150] آل عمران: آية110.

[151] الصدر، محمّد باقر، الإسلام يقود الحياة (رسالتنا): ص181.

[152] مطهري، مرتضى، دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة: ص84.

[153] آل عمران: آية104.

[154] الأمين، إحسان، الإصلاح الديني والسياسي: ص99.

[155] المصدر السابق: ص99.

[156] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص59.

[157] مطهري، مرتضى، دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة: ص86.

[158] الأنفال: آية25.

[159] الطباطبائي، محمّد حسين، الميزان في تفسير الميزان: ج9، ص50.

[160] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج1، ص123.

[161] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج1، ص 118.

[162] المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ص98.

[163] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص51.

[164] اليوسف عبد الله أحمد، الإمام الحسين وقيم الإصلاح والحرّية: ص22.

[165] يُنظر الصدر، محمّد باقر، المدرسة الإسلاميّة، الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعيّة: ص97.

[166] الإسراء: آية70.

[167] الهليل، عبد العزيز عبد الرحمن، مؤشّرات التطرّف لدى الشباب: ص17.

[168] ينابيع الجفر الإخبارية. www.aljafr.info: ، أحمد الخليفة، الانحراف الفكري وأثره على سلوك الفرد والمجتمع.

[169] المشيخص، عبد العظيم نصر، الانحرافات الاجتماعيّة، مشكلات وحلول: ص251ـ252.

[170] الفتلاوي، علي، رسالة في فنّ الإلقاء والحوار والمناظرة: ص72.

[171] العاملي، محمّد شقير، مطارحات في الإصلاح والتغيير: ص25.

[172] السيد روح الله الموسوي الخميني، مرجع ديني، وثائر كبير، ولد في مدينة خُمين وسط إيران سنة 1903م، وأعلن ثورته على نظام الشاه عام 1962م، ثمّ نفي إلى تركيا، ثمّ النجف الأشرف، حتى أُخرج سنة 1978م مهاجراً إلى باريس حتى نجاح الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979م حيث تولّى قيادة الثورة والدولة حتى وفاته عام 1989م، ودُفـن في مقبرة جنّة الزهـراء بطهران بعد تشييع شارك فيه الملايين (يعقوب، أحمد حسـين، الإمام الخميني والثورة الإسلاميّة في إيران: ص11).

[173] يزدي، محمّد تقي، الغزو الثقافي: ص39.

[174] موقع (موضوع) mawdoo3.com: مفهوم الغزو الثقافي، إيمان الحياري.

[175] موقع السيد محمّد تقي المدرسي www.almodarresi.com: كيف نقاوم الغزو الثقافي.

[176] يزدي، محمّد تقي، الغزو الثقافي: ص58.

[177] يزدي، محمّد تقي، الغزو الثقافي: ص58.

[178] شبكة المعارف الإسلاميّة: www.almaaref.org كيف نواجه الغزو الثقافي (وفق رؤية السيد الخامنئي (حفظه الله).

[179] يُنظر: المشيخص، عبد العظيم، الانحرافات الاجتماعيّة، مشكلات وحلول: ص260.

[180] العاملي، محمّد شقير، مطارحات في الإصلاح والتغيير: ص28ـ29.

[181] مطهري، مرتضى، دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة: ص92.

[182] المصدر السابق: ص91.

[183] مؤسّسة النـور للثقافة والأعلام www.alnoor.se د. محمّد سعد عبد اللطيف (الانحراف الفكري وانقسام الأمّة).

[184] ينظر، الهليل، عبد العزيز: مؤشّرات التطرّف لدى الشباب: ص11.

[185] يُنظر: الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح من القرآن الكريم: ص13.

[186] التحريم: آية6.

[187] اللاوي، محمّد عبد، دراسات في المدرسة الفكريّة للسيد الشهيد محمّد باقر الصدر: ص198.

[188] الموسوي، محمود، حوارات في مساحات الفراغ في قضايا الدين والسياسة والمجتمع: ص124.

[189] العاملي، محمّد شقير، مطارحات في الإصلاح والتغيير: ص26ـ27.

[190] يُنظر: الموسوي، محمد، حوارات في مساحات الفراغ في قضايا الدين والسياسة والمجتمع: ص116.

[191] المصدر السابق: ص116.

[192] الصفار، حسن موسى، حوارات في الإصلاح الديني والسياسي: ص37.

[193] ينظر، العاملي، حسن مكّي، بداية المعرفة: ص19.

[194] فضل الله، هادي، السيد محسن الأمين المناحي الفكريّة والمواقف الإصلاحيّة: ص199.

[195] العاملي، محمّد شقير: الإصلاح الديني هل كان هدفاً للحسين×: ص17.

[196] نعيم، بلال، الإصلاح والمحافظة في الفكر الديني: ص40ـ41.

[197] المصدر السابق: ص41.

[198] أمير، عباس، حركيّة الإصلاح من النظام إلى الانتظام، رؤية قرآنيّة: ص142.

[199] شريعتي، علي، الأمّة والإمامة: ص14ـ15.

[200] الصفّار، حسن موسى، الإصلاح في الفكر الديني (لدى مشاركته في تأبين الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي) موقع مكتب الشيخ الصفّار www.saffar.org.

[201] نعيم، بلال، الفكر الإسلامي بين النهضة والتجديد: ص13.

[202] يُنظر: شريعتي، علي، الأمّة والإمامة: ص15.

[203] العاملي، محمّد شقير، الإصلاح الديني هل كان هدفاً للحسين×: ص25.

[204] الشريف الرضي، محمّد بن الحسين، نهج البلاغة، شرح محمّد عبده: ج1، ص43.

[205] الكافرون: آية6.

[206] العاملي، محمّد شقير، الإصلاح الديني هل كان هدفاً للحسين×: ص25.

[207] العاملي، محمّد شقير، الإصلاح الديني هل كان هدفاً للحسين×: ص27.

[208] المصدر السابق: ص22.

[209] جهروي، مهدي، وباقري، محمد، نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضى مطهري: ص25ـ26.

[210] نعيم، بلال، الفكر الإسلامي بين النهضة والتجديد: ص41ـ42.

[211] الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، معاني الأخبار: ص342.

[212] يُنظر: نعيم، بلال، الإصلاح والمحافظة في الفكر الديني: ص132ـ133.

[213] يُنظر: الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح من القرآن الكريم: ص12.

[214] المصدر السابق: ص14.

[215] صلال، عبد الرزّاق رحيم، الأصول الدينيّة للتعايش الإنساني في الأديان السماويّة: ص269.

[216] الشعراء: آية88ـ89.

[217] الفرقان: آية63ـ64.

[218] يُنظر: الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ص209.

[219] يُنظر: صلال، عبد الرزّاق رحيم، الأصول الدينيّة للتعايش الإنساني في الأديان السماويّة: ص 265.

[220] يُنظر: كاظم، عمَّار، مفاهيم خير وصلاح: ص50.

[221] الرعد: آية11.

[222] الصدر، محمّد باقر، مجتمعنا المجتمع الفرعوني: ص100.

[223] محمّد حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمّد رضا، مجتهد كبير وأديب، عالم ومصلح إسلامي بارز، وهو من مراجع الدين في النجف الأشرف، شارك في جهاد الإنكليز عندما دخلوا العراق، له أكثر من ثلاثين مؤلّفاً مطبوعاً، منها: أصل الشيعة وأصولها، المثُل العليا في الإسلام لا في يحمدون، جنّة المأوى، وغيرها، ولد في النجـف الأشرف 1294هـ، وتوفّي فيها عام 1373هـ (الأميني، محمّد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: ج3، ص1048).

[224] النحل: آية25.

[225] هود: آية113.

[226] يُنظر، كاشف الغطاء، محمّد حسين، المثل العليا في الإسلام لا في يحمدون: ص62.

[227] الحجرات: آية13.

[228] انظر موقع هدى القرآن الإلكتروني: تفسير سورة الحجرات (الشيخ محمّد صنقور) www.hodaalguran.com

[229] الحجرات: آية6.

[230] الحجرات: آية9.

[231] الحجرات: آية10.

[232] النساء: آية35.

[233] يُنظر: الأمين، إحسان، نظريّة الإصلاح في القرآن الكريم: ص87.

[234] المائدة: آية38.

[235] النور: آية2.

[236] يُنظر: موقع السيد محمّد تقي المدرّسي: مقال بعنوان (نظرة على مناهج الإصلاح في القرآن) دراسة ألقاها السيد حسين المدرّسي في المؤتمر الرابع للقرآن الكريم www.almodarresi.com.

[237] يُنظر: عباس، أمير، حركيّة الإصلاح من النظام إلى الانتظام: ص60ـ63.

[238] الأنعام: آية48.

[239] الشورى: آية40.

[240] الأعراف: آية35.

[241] النساء: آية146.

[242] البقرة: آية277.

[243] الحجرات: آية9.

[244] فاطر: آية10.

[245] يُنظر الجابري، إسماعيل طه، هبة الدين الشهرستاني، منهجه في الإصلاح والتجديد: ص236.

[246] السادة، ماجد، استراتيجيا النهضة الحسينيّة في الإصلاح والتغيير السياسي: ص11.

[247] العاتي، إبراهيم، الظاهرة الحسينيّة في الشعر العربي: ص135.

[248] الصدر، محمّد باقر، مجتمعنا المجتمع الفرعوني: ص88.

[249] يُنظر، نعيم بلال، الإصلاح والمحافظة في الفكر الديني: ص138ـ139.

[250] الصدر، محمّد باقر، الإسلام يقود الحياة: ص189.

[251] الجابري، إسماعيل طه، هبة الدين الشهرستاني منهجه في الإصلاح والتجديد (رسالة تحليلية): ص60.

[252] الفضلي، عبد الهادي، مشكلة الفقر: ص13.

[253] نعيم، بلال، الإصلاح والمحافظة في الفكر الديني: ص138ـ139.

[254] يُنظر: فضل الله، هادي، السيد محسن الأمين المناحي الفكريّة والمواقف الإصلاحيّة: ص256.

[255] المصدر السابق: ص260.

[256] الميلاد، زكي، خطاب الوحدة الإسلاميّة، مساهمات الفكر الإصلاحي الشيعي (الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء): ص200.

[257][257] الميلاد، زكي، خطاب الوحدة الإسلاميّة: ص201ـ202.

[258] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص245.

[259] يمكن مراجعة الفصل الأوّل: ص49.

[260] الصفّار، حسن، حوارات مع الشيخ حسن الصفّار: (الإصلاح الديني والسياسي): ج1، ص30.

[261] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ص462.

[262] يُنظر الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص6.

[263] محمّد الصافي: هـو السيد محمّد بن السيد مزهر بن السيد حنون، من عشائر الصوافي في محافظة ذي قار، ولـد سنة (1971) في بغداد، التحق بالحوزة العلميّة في النجف الأشرف في سنة (1995) أكمل المقدّمات والسطوح، يرتقي المنبر منذ (13) سنة، يلقي من خلاله المحاضرات الدينيّة ومجالس الوعظ والإرشاد alsafee.yoo7.com بتاريخ 8/ 2/ 2012.

[264] مقابلة شخصيّة في مشهد المقدّسة بتاريخ 5/7/2016.

[265] الغريفي الموسـوي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص50 51.

[266] يُنظر: الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص383.

[267] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج44 ، ص282.

[268][268] يُنظر: المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص54.

[269] يُنظر: العاملي، محسن الأمين: إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص233.

[270] يُنظر: السعدي، حاتم جاسم، القيم التربويّة في فكر الإمام الحسين×: ص24.

[271] يراجع المبحث الثاني من الفصل الأوّل.

[272] الحـيدري، ابراهيـم، تراجيديا كربلاء، سوسيولوجيا الخطاب الشيـعي: ص321.

[273] من وحـي عاشوراء: ص63.

[274] الأمين، محسن، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص93.

[275] يُنظر: شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص422.

[276] الحاتمي، عبد الرزّاق، رسالة المنبر الحسيني: ص51.

[277] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص52.

[278] الشريف الرضي، محمّد بن الحسين، نهج البلاغة، شرح محمّد عبده: ص20.

[279] المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص51.

[280] يُنظر: قاسم، عيسى أحمد، نحو أخلاق الحسين: ص58.

[281] المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص61.

[282] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص232.

[283] يُنظر: العذاري، سعيد كاظم، المنهج التربوي عند أهل البيت E: ص 263ـ274.

[284] الغريفي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص49.

[285] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص232.

[286] يُنظر، الموسوي، محمود، حوارات في مساحات الفراغ: ص101ـ102.

[287] يُنظر: من وحي عاشوراء: ص21.

[288] يُنظر: الفصل الأوّل من هذا البحث.

[289] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص416 .

[290] السيّد صالح بن السيّد حسين ابن السيّد محمّد حسيني النسب، حلّي المحتد والمولد. ولد سنة 1289هـ في الحلّة،انتسب للحوزة العلميّة طالباً مجداً متفوّقاً، وقطع شوطاً كبيراً ومساحة واسعة من التوغّل في علوم آل محمد’، ثمّ اتجه إلى منبر الحسين×، ليكون نابغة الخطباء، ومفخرة المنابر الحسينيّة، توفّي 29 شوال 1359هـ. (شبّر، جواد، أدب الطفّ: ج 9، ص 75 ).

[291] محمّد علي القسّام: بن الشيخ حمّودي بن خليل، ولد في النجف الأشرف سنة 1290هـ ، تعلّم وقـرأ المقدّمات، ثمّ برع في الشعر والأدب، اتجه إلى الخطابة، وهبه الله حافظة قويّة، وصوتاً عذباً، وطريقة حسـنة، ثـار مع العلماء المجاهدين ضـدّ المستعمر الإنجليزي، سكـن بغداد حتى وفاته عام 1373هـ. (الأميني، محمّد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: ج3، ص10).

[292] محسن أبو الحَبّ: هو محسن بن محمّد حسن بن محسن (1305ـ1369هـ) شاعر فحل من خطباء كربلاء، له مساهمات في ثورة العشرين العراقيّة، له ديوان مطبوع. (الكرباسي، محمّد صادق، خطباء المنبر الحسيني: ج12، ص241).

[293] المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص22.

[294] يُنظر: الحيدري، إبراهيم، تراجيديا كربلاء سوسيولوجيا الخطاب الشيعي: ص374.

[295] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص52.

[296] مركز نون للتأليف والترجمة، عاشوراء، ص9.

[297] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه حاضره وآفاق المستقبل: ص336.

[298] يُنظر: حديث عاشوراء: ص201.

[299] مقابلة شخصيّة مع الخطيب السيد محمّد الصافي في مشهد المقدّسة، بتأريخ 5/7/ 2016.

[300] مقابلة شخصيّة مع الخطيب السيد محمّد الصافي في مشهد المقدّسة، بتأريخ 5/7/ 2016.

[301] يُنظر: وكالة هنا الجنوب الإخباريّة al- janoob.arg (السيد السيستاني يدعو خطباء المنبر إلى الابتعاد عن أجواء الشحن الطائفي).

[302] في خضمّ الأحداث والواقع الذي يعيشهُ الشعب العراقي اليوم، كان للمرجع الديني الأعلى السيّد علي الحسيني السيستاني توصيات إلى خطباء المنبر الحسيني، نشرها الموقع الرسمي للمرجع ، للاطلاع عليها، يمكن مراجعة الملحق.

[303] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص52.

[304] يُنظر: الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص7.

[305] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص320.

[306] يُنظر: الغريفي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص50ـ51.

[307] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص324.

[308] العاملي، محسن الأمين، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص231.

[309] يُنظر: اليوسف، عبد الله أحمد، الإمام الحسين وقيم الإصلاح والحرّية: ص14ـ15.

[310] الصدر، محمّد باقر، رسالتنا: ص9.

[311] يُنظر: اليوسف، عبد الله أحمد، الإمام الحسين وقيم الإصلاح والحرّية: ص17.

[312] الغريفي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص49.

[313] يُنظر: حوارات مع سماحة الشيخ حسن الصفّار، الإصلاح الديني والسياسي: ص36.

[314] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص14.

[315] يُنظر: مطهري، مرتضى، الملحمة الحسـينيّة: ص19.

[316] يُنظر: الغريفي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص65ـ66.

[317] الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص168ـ169.

[318] المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص218.

[319] يُنظر: قاسم، عيسى أحمد، نحو إخلاق الحسين: ص55.

[320] يُنظر: الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص321ـ322. وهناك خطباء آخرون كان لهم دور كبير في مواجهة التيّارات الفكريّة الفاسدة، كالخطيب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، وستأتي ترجمته في الفصل الرابع من هذا البحث.

[321] يُنظر: الغريفي، كمال الدين، المنبر وأثره في بناء الإنسان: ص52ـ53.

[322] اليوسف، عبد الله أحمد، الإمام الحسين وقيم الإصلاح والحرّية: ص16.

[323] توصيّات عامّة من المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين في شهر محرّم الحرام لعام 1438هـ www.alsistani.org

[324] يُنظر: حوارات مع سماحة الشيخ حسن الصفّار، الإصلاح الديني والسياسي: ج2، ص49ـ50.

[325] كاظم، رائد جبّار، الإنسان في الفكر العربي الإسلامي المعاصر (محمد باقر الصدر إنموذجاً): ص393ـ394.

[326] الأهري، عيسى، صحيفة الإمام المهدي: ص118.

[327] العاديات: آية8.

[328] مدن، يوسف، بناء الشخصيّة في خطاب الإمام المهدي: ص53.

[329] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص15.

[330] المظفّر، محمّد رضا، المنطق: ص299.

[331] خان، فـوزية عباس، الخطابة في العصر الإسلامي: ص2.

[332] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص33ـ34.

[333] المشيخص، عبد العظيم نصر، الانحرافات الاجتماعيّة مشكلات وحلول: ص243.

[334] يُنظر: الموسوي، محمود، حوارات في مساحات الفراغ في قضايا الدين والسياسة والمجتمع: ص108.

[335] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني: ص288ـ289.

[336] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص30.

[337] للتفصيل: الاطّلاع على نسخة من استمارة الاستبانة التي وزّعت على العيّنات، ينظر الملحق.

[338] تمّ أعتماد الباحثة في استخراج النتائج على أساتذة مختصّين في علم الإحصاء وفق نسب وأوزان معيّنة.

[339] طبيه، أحمد عبد السميع، مبادىء الإحصاء: ص177.

[340] الأحمد، ردينة عثمان وحذام عثمان، طرائق التدريس، منهج، أسلوب، وسيلة: ص168.

[341] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص425.

[342] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضرهُ وآفاق المستقبل: ص338.

[343] الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي: من مواليد بغداد عام 1954م، حصل على البكالوريوس في العلوم، ثمّ حاز على درجة الماجستير في الدراسات الإسلاميّة عن رسالته الموسومة (المنبر الحسيني نشوؤه وحاضـره وآفاق المستقبل)، ثمّ حاز على درجة الدكـتوراه في الدراسات الإسلاميّة عـن أطروحته (الحوزات المعاصرة)، خطيب حسيني معروف، له مؤلّفات عدّة، منها: المحراب والحياة، إعـداد الخطباء، يشغل حالياً منصب عميد معهد الشيخ الوائلي للخطابة في النجف الأشرف. (الباحثة).

[344] مقابلة خاصّة في مدينة البصرة، ناحية الهارثة كرمة علي، يوم الخميس، بتأريخ 3/11/2016.

[345] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص156ـ157.

[346] من وحي عاشوراء: ص22.

[347] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص15.

[348] يُنظر: الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص268.

[349] يُنظر: الكندي، حسن، طريق الخطابة الحسينيّة: ص63.

[350] يُنظر: المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص167.

[351] يُنظر: الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص132ـ133.

[352] أبو العدوس، يوسف، المهارات اللغويّة وفنّ الإلقاء: ص192.

[353] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص96.

[354] ينظر: المقدسي، محمّد باقر، فنّ الخطابة الحسينيّة: ص62.

[355]الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص138ـ139.

[356] البقرة: آية44.

[357] الكندي، حسن، طريق الخطابة الحسينيّة: ص115.

[358] المظفّر، محمّد رضا، المنطق: ص304.

[359] يُنظر: المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص227، وما بعدها.

[360] الحجرات: آية13.

[361] النحل: آية128.

[362] النوري، حسين، اللؤلؤ والمرجان: ص39 ، وما بعدها.

[363] توصيات عامّة من المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين في شهر محرّم الحرام لعام 1438هـ www.sistani.org

[364] الأحقاف: آية35.

[365] يُنظر، الكندي، حسن، طريق الخطابة الحسينيّة: ص127.

[366] المصدر السابق: ص135.

[367] الأحزاب: آية39.

[368] السويج، مجتبى، دروس في الخطابة الحسينية: ص24.

[369] الإسراء: آية36.

[370] مقابلة شخصيّة في مدينة البصرة بتأريخ 3/11/2016.

[371] الكندي، حسن، طريق الخطابة الحسينيّة: ص214.

[372] يُنظر: الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص122ـ123.

[373] يُنظر: المقدسي، محمّد باقر: فنّ الخطابة الحسينيّة: ص136ـ137.

[374] المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص279.

[375] مقابلة شخصيّة في مدينة البصرة، ناحية الهارثة، كرمة علي، يوم الخميس بتأريخ 3/11/2016.

[376] السويج، مجتبى، دروس في الخطابة الحسينيّة: ص127.

[377] المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة: ص279ـ280.

[378] نقلاً عن: الأمين، عبد الحسن، المنبر الحسيني دورهُ ومستقبله: ص164.

[379] هي جمعيّة علميّة ثقافيّة، كانت ثمرة لأفكار عدد من العلماء المصلحين وطموحاتهم، من المتفاعلين مع ظاهرة التطوّر العلمي والفكري والمنهجي، الذي عمّ المجتمعات والمعاهد العلميّة آنذاك...، للتفاصيل: يُنظر الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص145.

[380] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص427.

[381] الشيخ محمّد رضا المظفّر ابن الشيخ محمّد بن عبد الله المظفّر العقيلي المسروحي، عالم جليل من أعلام الفقه الأصولي والفلسفة والأدب، ولد في النجف الأشرف عام 1322هـ، ثمّ اتجه نحو الدراسات الدينيّة حتى بلغ درجاتها العالية على أشهر علماء عصره، من مؤسّسي جمعيّة منتدى النشر وعميدها لعدّة سنين، ثمّ أسّس كلّية الفقه في النجف الأشرف، وله عدّة آثار، بعضها يدرّس في الحوزات الدينيّة، وقد تُوفّي في النجف الأشرف عام 1383هـ، ودُفن فيها. (الأميني، محمّد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: ص1217).

[382] الشيخ محمّد ابن الشيخ فتح الله، الملقّب بشيخ الشريعة، ولد في مدينة إصفهان عام 1322هـ، ثمّ هاجر بعدها إلى النجف الأشرف لغرض الدراسة، أديب فاضل، وعالم جليل، له جرأة في الحقّ، وإصرار على الإصلاح، ويعتبره الكثيرون المحرّك الأساسي لمشروع جمعيّة منتدى النشر، ترك النجف بعد تجربته القاسية، متوجّهاً إلى كراجي في الباكستان، وبقي عالماً فيها حتى وفاته عام1398هـ (الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص67).

[383] مقابلة شخصيّة في مدينة البصرة بتأريخ 3/11/2016.

[384] حوارات مع سماحة الشيخ حسن موسى الصفّار، الإصلاح الديني والسياسي: ص32.

[385] للاطلاع على تلك التوصيات يُنظر الملحق.

[386] يُنظر: الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص61ـ62.

[387] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص 435.

[388] حوارات مع سماحة الشيخ حسن الصفّار، الإصلاح الديني والسياسي: ص31.

[389] يُنظر: الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص120.

[390] المصدر السابق: ص57.

[391] يُنظر: الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص48.

[392] يُنظر: مكتبي، نذير محمد، خصائص الخطبة والخطيب: ص154.

[393] شبّر، جواد، أدب الطفّ: ص75.

[394] المصدر السابق: ص75.

[395] يُنظر: شبّر، جواد، أدب الطفّ: ص77.

[396] الأميني، محمّد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف: ج1، ص 1367.

[397] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص 198.

[398] الخليلي، جعفر، هكذا عرفتهم: ج 2، ص 148.

[399] ينظر: الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص 199ـ201.

[400] السيّد حسن، داخل، معجم الخطباء: ص372ـ374.

[401] الروازق، صادق جعفر، أمير المنابر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي: ص5.

[402] الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص361.

[403] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص204.

[404] الروازق، صادق جعفر، أمير المنابر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي: ص162ـ166.

[405] يُنظر: الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل: ص206.

[406] الحاتمي، عبد الرزّاق، رسالة المنبر الحسيني: ص43.

[407] يُنظر: المهري، محمّد جـواد، جوانب من أفكار الإمام الخميني: ص89، نقلاً عن الإمام الخميني في لقاء مع أعضاء اللجنة الإسلاميّة في وزارة الصحّة بتناريخ 23/8/1399هـ).

[408] يُنظر: الحكيم، محمّد باقر، دور المرأة في النهضة الحسينيّة: ص23ـ26.

[409] حديث عاشوراء: ص263.

[410] القبانجي، صدر الدين، الحركة الإصلاحيّة بين أصحاب الكساء والحسين سيّد الشهداء: ص109.

[411] تأمّلات إسلاميّة حول المرأة: ص19.

[412] التوبة: آية71.

[413] القرشي، باقر شريف، السيّدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام: ص46.

[414] الكاظمي، فيصل، المنبر الحسيني: ص243.

[415] السند، محمد، الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد: ص256.

[416] المبارك، حميد، الخطابة: ص160.

[417] مقابلة شخصيّة مع الخطيب الدكتور الشيخ فيصل الكاظمي في مدينة البصرة، ناحية الهارثة ـ كرمة علي يوم الخميس بتأريخ 3/11/2016.

[418] الكرباسي، محمّد صادق، معجم خطباء المنبر الحسيني: ص115.

[419] الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص168ـ170.

[420] الموسوي، محمود، حوارات في مساحات الفراغ: ص104.

[421] المرزوق، فوزية محمد، فنّ الخطابة النسائيّة: ص83.

[422][422] شمس الدين، محمّد مهدي، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: ص436.

[423] مقابلة شخصيّة في مشهد المقدّسة مع الخطيب السيد محمّد الصافي، حرم الإمام الرضا× يوم الثلاثاء، بتأريخ 5/7/ 2016.

[424] الموسوي، محمود، حوارات في مساحات الفراغ: ص105.

[425] فلسفي، محمّد تقي، الطفل بين الوراثة والتربية: ص5.

[426] دنيا الطفل: ص16ـ17.

[427] يُنظر: اللويمي، محمّد بن إبراهيم، مستقبل الخطابة الحسينيّة وسبل تحديثها، إشراف شبكة الإمامين الحسنين Arabic/com/ alhassanain.org

[428] فلسفي، محمّد تقي، الطفل بين الوراثة والتربية: ص143.

[429] دنيا الطفل: ص5.

[430]توصيات عامّة من المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين في شهر محرّم الحرام لعام 1438هـ ، www.sistani.org.