العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
معين الخطباء - في حلته الجديدة - الجزء الخامس

معين الخطباء - في حلته الجديدة - الجزء الخامس

  • المؤلف: الشيخ كاظم البهادلي

  • الطبعة: الثانية

  • الناشر : مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

  • سنة الطبع: 1439هـ ـ 2018م

  • عدد الأجزاء: 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أكرمنا بسيّد أنبيائهِ وأشرفِ أصفيائهِ، مُحمّدٍ والنُجباءِ من عترتهِ وأوصيائهِ، حججِ اللهِ في أرضهِ وسمائهِ، صلوات الله عليه وعليهم ما استنارت بحبِّهم قلوبُ أحبائهِ، وانشرحتْ بولائهم صدور أوليائه.

وبعد، هذا هو الجزء الخامس من كتابي (مُعين الخطباء.. في حلّته الجديدة).

المحاضرة الأُولى: شهرُ الله

 


      روى الشيخ الصدوق& بسنده، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا×، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب^، قال: «إنّ رسول الله’ خطبنا ذاتَ يومٍ فقال: أيّها الناس، إنّه قد أقبلَ إليكم شهرُ اللهِ بالبركةِ والرَّحمةِ والمغفرةِ، شهرٌ هو عندَ اللهِ أفضل الشهور، وأيامه أفضلُ الأيام، ولياليه أفضلُ الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهرٌ دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسُكم فيه تسبيح، ونومُكم فيه عبادة، وعملُكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا اللهَ ربَّكم بنيّاتٍ صادقة، وقلوبٍ طاهرة، أن يوفّقَكم لصيامه وتلاوة كتابه؛ فإنَّ الشقي من حُرم من غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعِكم وعطشِكم فيه جوعَ يومِ القيامةِ وعطشهِ....»[1].

جملة من الأسئلة تلوح في أُفق العقل السليم بمجرد أن يشـرف عليه هذا الشهر الفضيل، والسؤال الأوّل هو: كيف نستثمر هذا الشهر المبارك؟

والجواب عن السؤال يتوقّف على معرفتنا للظرف الذي نحن فيه؛ فإذا لم نعرف أين نحن؟ فلن ننتفع؛ لأنّ الانتفاع من الشـيء فرع معرفته ومعرفة قابلياته وإمكانياته؛ فلذا تجد أنّ الإنسان الذي لا يعرف الشـيء وقيمته يتساهل ويتهاون في الحفاظ عليه، بل قد يبيعه بثمنٍ بخس، كما حصل في قصة بيع نبيّ الله يوسف الصديق×، وبقي مَن باعه بحسـرة لا تفارقه بعد أن عرف مَن هو المباع.

وفي التاريخ الحديث يُذكر أنّه: باع جورج هاريشن ـ من جنوب أفريقيا ـ مزرعته إلى شركة تنقيب بعشـرة جنيهات فقط؛ لعدم صلاحيتها للزراعة، وحين شرعت الشـركة في استغلالها، اكتشفت بها أكبر منجم للذهب على الإطلاق، أصبح بعدها هذا المنجم مسؤولاً عن 70% من إنتاج الذهب في العالم [2].

وفيما أملاه إمامنا أبو عبد الله الصادق× على المفضل بن عمر أن قال له: «اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة، واعلم أنّ في أدمغة الأطفال رطوبة، إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثاً جليلة وعللاً عظيمة، من ذهاب البصر وغيره، والبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم. أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتانه ويتوخيان في الأُمور مرضاته لئلّا يبكي، وهما لا يعلمان أنّ البكاء أصلح له وأجمل عاقبة. فهكذا يجوز أن في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال ولو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشـيء أنّه لا منفعة فيه، من أجل أنّهم لا يعرفونه ولا يعلمون السبب فيه، فإنّ كلّ ما لا يعرفه المنكرون يعلمه العارفون، وكثيراً ما يقصـر عنه على المخلوقين محيط به علم الخالق جلّ قدسه وعلت كلمته»[3].

فجهل الإنسان بالشـيء يجعله لا ينتفع به، بل ويسـيء استخدامه، ويكون في عالم آخر، كما يحصل الآن في قضية الهلال، فنحن نلج الآن للشهر الفضيل وأكبر مشكلة تواجهنا في هذا الشهر الفضيل هي عدم معرفة هذا الشهر بما ينبغي، وبالتالي عدم الاستفادة منه فكأنّنا في وادٍ وشهر رمضان في وادٍ آخر.

لكن عندما نقرأ هذه الرواية الشـريفة نعرف ما هو معنى شهر رمضان؟ روى الشيخ الصدوق& بسنده عن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «سمعت أفضل الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين يقول: إنّ سيِّد الوصيين يقتل في سيِّد الشهور. فقلت: يا رسول الله، وما سيِّد الشهور؟ ومَن سيِّد الوصيين؟ قال: أمّا سيِّد الشهور فشهر رمضان، وأمّا سيِّد الوصيين فأنت»[4].

وأنّه الشهر الذي أُنزلت فيه الكتب السماويّة، فعن النبيّ الأكرم’ أنّه قال: «أُنزلت صحف إبراهيم لثلاث مضين من شهر رمضان...، وأُنزلت توراة موسى لستٍّ مضين من شهر رمضان، وأُنزل إنجيل عيسى لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأُنزل زبور داود لثمان عشـرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل الفرقان على محمّد لأربع وعشرين من شهر رمضان»[5].

الصوم تكليفٌ وتشريف

فالصوم ـ مع أنّه تكليف شرعيّ ـ يعدُّ تشـريفاً من الله} لعباده، وهذا يوجب الشكر؛ إذ أصبحوا موضعَ خطاب الله تعالى وندائه، ومحلّ تكليفه ودعوته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[6]، وأيّ شرف عظيم للإنسان أن تتوجّه إليه العناية الربّانيّة فتدعوه إلى ضيافته الخاصّة، ووفادته المكرّمة! وأيّة كرامة له ـ إذا كان مؤمناً ـ أن يُخَصّ بالنداء الشـريف كي ينهض بتكليف أُعِد بعده الخير والسعادة والإكرام!

نحن في أعرافنا ندرك هذا المعنى، فلو جاء كبيرُ قومٍ بأي نحو من التقدّم وخصّك من دون الناس فطلب منك أن تأتيه بالماء، فإنّ هذا يشعرك بالفخر؛ لأنّه خصّك في ذلك، في حين لو طلب الماء منك مَن هو دونك لاعتبرتها إهانة، فالنبيّ الأكرم’ يقول عن شهر رمضان بأنّه: «شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله».

وينبغي الإشارة إلى أنّ هذه الضيافة تعدّ خاصية من الخصائص التي يختصّ بها شهر رمضان، وميزة يمتاز بها على بقية الشهور، وكذا شهر الحجّ وموسمه.

أركان الضيافة

وكل ضيافة لها ثلاثة أطراف أو أركان: مضيِّفٌ ومائدةٌ وضيفٌ.

الركن الأول: المضيِّف

 مَن هو المُضَيِّفُ؟ المضيِّف لا تنفد خزائنه، ولا ينتهي كرمه، وأنّه باسط جوده على الخلق أجمعين، فضلاً عن المؤمنين، فلذا نقرأ في الدعاء الذي يقرأه المؤمنون كلّ يوم: «الحمد لله الفاشي في الخلق امرُه وحمدُه، الظاهر بالكرم مجده، الباسط بالجُودِ يَدَهُ، الذي لا تنقصُ خزائنه، ولا تزيدُهُ كثرةُ العطاء إِلاّ جُوداً وكرَماً، إنّه هو العزيزُ الوهاب... فصـرت أدعوك آمناً، وأسألك مستأنساً، لا خائفاً ولا وجلاً، مدِلاً عليك فيما قصدْتُ فيه إليك، فإن أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك، ولعلّ الذي أبطأ عنّي، هو خيرٌ لي؛ لعِلمِك بعاقبة الأُمور، فلم أرَ مولىً كريماً أصبر على عبدٍ لئيم منك عليّ، يا ربِّ إنّكَ تدعوني فأولّي عنك، وتتحببُ إليَّ فأتبغضُ إليك، وتتوددُ إليّ فلا أقبلُ منك، كأنّ لي التطوّل عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي... الحمدُ للهِ الذي يُجيبُني حِين أُناديه، ويَسْتُرُ عليّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأنا أعْصيه، وَيُعَظِّمُ النعمةَ عليّ فلا أُجازيه، فَكَم مِن مَوْهِبَة هَنيئةٍ قَدْ أعْطاني، وعَظيمَة مَخُوفَةٍ قَدْ كفاني، وبَهْجْةِ مُونقَةٍ قَدْ أراني...»[7].

الركن الثاني: المائدة

مائدة للروح بالدرجة الأُولى، وكلّها كرم وعطاء؛ لأنّها من الكريم المطلق، فنحن نرى الكريم من الناس يبالغ في إكرام ضيفه وإتحافه بلذيذ الطعام والشراب، فكيف تكون ضيافة أكرم الأكرمين؟!

والجدير بالذكر أنّها ضيافة مختلفة؛ لأنّها تتقوّم بمنع ضيفه من الطعام والشـراب، فالباري جلّ شأنه، كأنّه يقول لعبده: بأنّ ضيافتي لك في هذا الشهر ليست كضيافة البشـر بالطعام والشـراب فهما لا قيمة لهما، وإنّما هي ضيافة للروح والعقل والضمير وكلّ الذات، ولذلك لا يفهم هذه الضيافة إلّا مَن كان عنده احترام لذاته، ويميّز نفسه عن الحيوانات، أمّا مَن كان لا يرى فرقاً بينه وبين الحيوان، فهو لا يعرف عن أي شيء نتحدّث!!

ومن المؤلم جدّاً أنّ البعض يدرك الأُمور ناقصة، فيعتقد بأنّ الصوم إنّما هو امتناع عن الأكل والشـرب فقط، وبالتالي لا يحصل على شيء من هذه الضيافة الإلهية، بل يخرج منها جائعاً عطشاناً.

يقول الملكي التبريزي&: «إنّك تعلم بالعلم القطعيّ وجه اختيار الله لضيفه الجوع لأنّه لا نعمة أنعم وأسنى من نعمة المعرفة والقرب واللّقاء، والجوع من أسبابها القريبة. وتعلم أنّ الصوم ليس تكليفاً، بل تشـريف يوجب شكراً بحسبه، وترى أنّ المنّة لله تعالى في إيجابه، وتعرف مكانة نداء الله لك في كتابه في آية الصوم وتلتذّ من النداء إذا علمت أنّه نداء ودعوة لك لدار الوصول، وتعلم أنّ الحكمة في تشـريعه قلّة الأكل وتضعيف القوى، وتظنّ أن تأكل في اللّيل ما تركته في النّهار، بل وأزيد»[8].

فالعاقل هو مَن يعرف ويدرك الفرق بين ضيافة الله وضيافة بعض القنوات الفضائية، إنّ القنوات الفضائية قبل حلول شهر رمضان تعرض لنا تلك البرامج والقصص ‏والمسلسلات، التي سوف تُعرض في شهر رمضان المبارك!! والنبيُّ الأعظم’ في ‏آخر جمعة من شهر شعبان عرض علينا عرضاً فأيُّهم نريد وبأيِّهم نأخذ؟

النبيّ الأكرم’ عرض لنا الضيافة الإلهية، بينما القنوات عرضت لنا ضيافة اللهو والأفلام الضارة، النبيُّ الأكرم’ قال: «أنفاسكم فيه تسبيح»، القنوات تقول: أنفاسكم فيه آهات وحسـرات على الدنيا وما فات فيها، النبيُّ الأكرم’ قال: «أقرأوا القرآن»، لكن القنوات قالت: اسمعوا الغناء. النبيُّ الأكرم’ قال: «ارحموا اليتامى والمساكين»، والقنوات تقول: اعطنا أموالك ووقتك بمسجات واتصالات ومسابقات. النبيّ الأكرم’ قال: «غضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصارَكم». بينما القنوات تتعمّد أن تجعل نظري على الحرام، فأنت بين النبيّ العظيم’ وبين القنوات! وهنا تظهر حقيقة الطاعة، ولذا لـمّا سأله باب مدينة العلم الإمام أمير المؤمنين× عن أفضل أعمال هذا الشهر؟ قال’: «الورع عن محارم الله».

الركن الثالث: الضيف

إذا اجتمعت الأركان الثلاثة تتحقق الضيافة ويتمّ المطلوب، والركنان الأولان موجودان لا نخشى فقدهما، وكلّ المعادلة متوقفة على الركن الثالث (الضيف) وهو نحن المكلّفون، فإنّنا مدعوون لأن نكون ضيوفَ الرحمن، فإذا قمنا بما طُلب منّا من صوم وصلاة وتهجُّد وعبادة فحينها نكون ضيوفاً حقيقيين، ونكون قد قبلنا الدعوة ولبّيناها، وإذا لم نتفاعل مع الشهر، ولم نلتزم بما أمرنا به، نكون قد رفضنا الدعوة، وبالتالي نخسـر هذه الضيافة الكريمة من ربِّ العالمين.

وباختصار الضيف هو المستجيب لأمر الله تعالى ودعوته لقبول الضيافة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[9]، فالذي يخرج بغنيمة هذا الشهر الفضيل هو مَن ينال الجائزة التي تُعطى في آخر هذا الشهر المبارك، فعن أبي جعفر الباقر×، قال: قال النبيّ’: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ نَادَى مُنَادٍ أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ، جَوَائِزُ الله لَيْسَتْ بِجَوَائِزِ هَؤُلَاءِ الْـمُلُوكِ، ثُمَّ قَالَ هُوَ يَوْمُ الـْجَوَائِزِ»[10]؛ ولذا يقرأ المؤمنون الدعاء الذي يُستحب أن يُدْعى به، عقيب الشفع: «إلهي، تعرّض لك في هذا الليل المتعرِّضون، وقصدك فيه القاصدون، وأمل فضلك ومعروفك الطالبون، ولك في هذا الليل نفحات وجوائز وعطايا ومواهب تمنّ بها على مَن تشاء من عبادك، وتمنعها مَن لم تسبق له العناية منك»[11]، ونحن نتعرّض في هذا الشهر ولياليه لهذه الجوائز والعطايا، ونعطى ـ إن شاء الله تعالى ـ ذلك بالتفضّل لا بالاستحقاق، نسأل الله تعالى القبول، ومن أفضل ما نستجلب به الجوائز والعطايا هو ذكر سيّد الشهداء، المظلوم العطشان، نذكره عندما نعطش ونجوع؛ فإنّه× قُتل عطشاناً جائعاً[12]، ورحم الله دعبل الخزاعي، حيث يقول:

أفاطمُ لو خلتِ الحسينَ مجدلاً
إذن للطمتِ الخدَّ فاطمُ عنده
أفاطمُ قومي يا بنةَ الخير واندبى
وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ
نجومَ سماواتٍ بأرض فلاةِ[13].

***

المحاضرة الثانية: وظائف الرسول الأكرم

قال تعالى في كتابه الكريم: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[14].

لقد صرَّح القُرآنُ الكريمُ نفسُه بأنّ بعثة الأنبياء والـمُرسلينَ لأجل تنبيه الناس على المخزون الفطري الذي عندهم وأُودع في فطرتهم، حيث يقول: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[15].

وفي هذه الآية يدور الحديث حول أكبر النعم الإلهية، ألا وهي نعمة بعثة الرسول الأكرم والنبيّ الخاتم محمّد’، وهو في الحقيقة إجابة قويّة على التساؤل الذي خالج بعض الأذهان من حديثي العهد بالإسلام بعد (معركة أُحد)، وهو: لماذا لحق بنا ما لحق؟ ولماذا أُصبْنا بما أُصبْنا به؟

فيجيبهم القرآن الكريم بقوله: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، أي: إذا كنتم قد تحمّلتم كلَّ هذه الخسائر، وأصبتم بكلِّ هذه المصائب، فإنَّ عليكم أن لا تنسوا أنّ الله قد أنعم عليكم بأكبر نعمة، ألا وهي بعثه نبيّاً يقوم بهدايتكم وتربيتكم، وينقذكم من الضلالات، وينجيكم من المتاهات، فمهما تحمّلتم في سبيل الحفاظ على هذه النعمة العظمى والموهبة الكبرى، ومهما كلّفكم ذلك من ثمن فهو ضئيلٌ إلى جانبها، وحقيرٌ بالنسبة إليها.

والجدير بالاهتمام ـ في المقام ـ هو أنّ هذه النعمة قد شُرِّع ذكرها بكلمة (منَّ) التي قد لا تبدو جميلةً ولا مستحسنةً في بادئ الأمر، ولكننا عندما نراجع مادة هذه اللفظة وأصلها اللغوي يتّضح لنا الأمر غاية الوضوح.

وتوضيحه هو: أنّ (منَّ) ـ كما ذكر الراغب في مفرداتهـ ما يوزن به؛ ولذلك أطلق على النعمة الثقيلة: المنّة، ويقال ذلك إذا كان ذلك بالفعل، فيقال: منَّ فلان على فلان، إذا أثقله بالنعمة الجميلة الثمينة، وهو حسن لا بأس فيه[16]، أمّا إذا عظم أحد ـ في القول والادِّعاء ـ ما قام به من حقير الخدمات والأفعال والصنائع فهو في غاية القبح، وعلى هذا فإنّ المنّ الـمُستقبَح هو الذي يكون استعظاماً للصنائع والنعم في القول، أمّا المنّة المستحسنة فهي بذل النعم الكبرى والصنائع العظيمة.

أمّا تخصيص المؤمنين بالذكر في هذه الآية في حين أنّ الهدف من بعثة النبيّ’ هو هداية عموم البشـر؛ فلأنّ المؤمنين هم الذين سيستفيدون ـ بالنتيجة والمآل ـ من هذه النعمة العظمى فهم الذين يستأثرون بآثارها عملاً دون غيرهم.

ثمّ إنّ الله سبحانه يقول واصفاً مهمات هذا النبيّ العظيم: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ)[17][18].

لماذا من أنفسهم؟

ثم إنّ الله سبحانه يقول: (مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، وهذه إحدى مميزات هذا النبيّ’، وأهم ما جاء من (مِنْ) هو أنّه من نفس الجنس والنوع البشري، لا من جنس الملائكة وما شابهها؛ وذلك لكي يدرك كلّ احتياجات البشر بصورةٍ دقيقةٍ، ولا يكون غريباً عنها، غير عارف بها، وحتى يلمس آلامَ الإنسانِ وآمالهِ، ومشكلاتهِ ومصائبهِ، ومتطلبات الحياة ومسائلها، ثمّ يقوم بما يجب أن يقوم به من التربية والتوجيه على ضوء هذه المعرفة.

وهكذا كانت رسالة الأنبياء ومهمّتهم تتعطّل وتفقد تأثيرها، ولا تحقق أغراضها؛ ولهذا أُختير الأنبياء من جنس البشر ومن فصيلة الإنسان بغرائزه، واحتياجاته؛ ليمكنهم أن يكونوا أُسوةً لغيرهم من البشر، وقدوةً لسواهم من بني الإنسان[19].

وذكر الشيخ الشيخ الطوسي& ثلاثة أقوال في الجواب على هذا التساؤل:

القول الأول:(مِنْ أَنْفُسِهِمْ)؛ ليكون ذلك شرفاً لهم، فيكون ذلك داعياً لهم إلى الإيمان.

القول الثاني:(مِنْ أَنْفُسِهِمْ)؛ لسهولة تعلّم الحكمة عليهم؛ لأنّه بلسانهم.

القول الثالث:(مِنْ أَنْفُسِهِمْ)؛ ليتيّسر عليهم علم أحواله من الصدق والأمانة والعفّة والطهارة[20].

ما معنى كون النبيّ أُمّي؟

يرد سؤال في غاية الأهميّة وهو: هل كان رسول الله’ لا يعرف القراءةَ والكتابةَ، أو كان يعرفهما، أو أنَّه لا يعرفهما في أوّل بعثته ثمّ عرفهما؟

والجواب: إنّ صريح الآيات القرآنية، كقوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)[21]، نصّت على أنّه أُمّي، ومعنى ذلك: أي لو كنت تقرأ وتكتب كتاباً لقالوا: إنّما جمعه من كتب الأولين، وليس وحياً من الله} وشكّوا في نبوّتك، أمّا إذا كنت لا تقدر على القراءة والكتابة وأنت تعيش فيما بينهم، وبمرأى منهم ومسمع، وهم مطّلعون على أُمّيتك فلا مجال لهم للارتياب والشكّ في الكتاب الذي تأتيهم به من عند الله ، ولكان لا بدّ لهم من تصديقك والقبول منك[22].

وروي عن جعفر بن محمد الصوفي، قال: «سألت أبا جعفر× محمد بن علي الرضا×، وقلت له: يا بن رسول الله، لم سُمِّي النبيُّ الأُمّي؟ قال: ما يقول الناس؟ قال: قلت له: جُعلت فداك يزعمون إنّما سُمِّى النبيُّ الأُميّ لأنَّه لم يكتب. فقال: كذبوا (عليهم لعنة الله) أنّى يكون ذلك، والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[23]، فكيف كان يعلِّمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله’ يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو بثلاثة وسبعين لساناً، وإنّما سُميَّ الأُمّيّ لأنّه كان من أهل مكّة، ومكّة من أُمّهات القرى، وذلك قول الله تعالى في كتابه: (َلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)[24]»[25].

وقال الشيخ المازندراني+: «والأُمّي بالنظر إلى نفسه؛ لأنّه منسوب إلى أُمّه، أي: هو كما خرج من بطن أُمّه لا يقرأ ولا يكتب»[26].

وفي موضع آخر قال أيضاً: «أي المنسوب إلى أُمّ القرى وهي مكّة، أو أُمّ الكتاب وهو اللوح المحفوظ؛ لعلمه بما فيه، أو إلى الأُمّ في أصل ولادته، لم يقرأ ولم يدرس ولم يكتب، وهو من أوصاف كماله؛ لدلالته أنّ كمالاته التي تُعجز عقول البشر عن الإحاطة بها كانت من فيض الحقِّ، لا من جهة الاكتساب»[27].

وظائف النبّي الأكرم|

أشارت الآية الشريفة إلى وظائف ثلاثة:

الوظيفة الأُولى: تلاوة آيات اللّه على مسامعهم

وقد تحمّل رسول الله’ ما تحمّل في هذا المجال، حتى أنّ القوم ما كانوا ليدعوا رسول الله يقرأ القرآن على مسامع الناس، كما بيّن لنا القرآن ذلك، حيث يقول: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)[28]، فكان طريقهم الذي يتصورون به الغلبة هو أن لا يتركوا المجال لرسول الله’ في بيان أهدافه ودينه الجديد الذي يسحق جاهليتهم وأصنامهم.

قال الشيخ الطوسي+: «حكى الله تعالى عن الكفار أنّهم يقول بعضهم لبعض:
(لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ)، الذي يقرؤه مُحمّد’ ولا تصغوا إليه، (وَالْغَوْا فِيهِ) لكي تغلبوه، ويجوز أن تغلبوه، فاللغو هو الكلام الذي لا معنى له يُستفاد، وإلغاء الكلمة إسقاط عملها... وقال مجاهد: قالوا خلطوا عليهم القول بالمكاء والصفير، وقال غيره: هو الضجيج والصياح»[29].

وقال الشيخ الطبرسي+: «فربما صفّروا، وربما صفّقوا، وربما لغطوا ليغلطوا النبيَّ’، فأنزل الله تعالى هذه الحروف حتى إذا سمعوا شيئاً غريباً، استمعوا إليه، وتفكّروا واشتغلوا عن تغليطه، فيقع القرآن في مسامعهم، ويكون ذلك سبباً موصلاً لهم إلى درك منافعهم»[30].

وتمت وظيفة النبيِّ على أحسن وجهٍ بعد مشقّةٍ وعناءٍ كبيرينِ تعرّض لهما الرسول الخاتم’.

الوظيفة الثانية: تطبيق ما يتلوه عمليّاً لهم لكي يتأسّوا به’

وكان’ يصرِّح بأنّ ما يأمرهم به يقودهم إلى الجنّة، وما ينهاهم عنه يسوقهم إلى النار إن ارتكبوه، كما قال’: «أيُّها الناس، إنّي لم أدعْ شيئاً يقرِّبكم إلى الجنّة ويباعدكم من النار إلّا وقد نبّأتكم به»[31].

فإن تكلّم في الصبر جرّبوه واختبروه، فوجودوه كما وصفه خالقه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[32].

وإن أرادوا منه التواضع وجدوه آيتَه الباهرة، وكنوزَه الظاهرة، ولهذه المعاني قصص وعِبَر يطول المقام بذكرها.

الوظيفة الثالثة: تزكية نفوسهم بعد تخليتها من الصفات الرذيلة والأخلاق السيئة

من الأهداف الأصلية لبعثة الأنبياء، ومنهم خاتم الأنبياء والـمُرسلين مُحمّد المصطفى’، تزكية النفوس وتربية الناس على أن ينهجوا الأخلاق الحسنة حتى أنّ تعليم قراءة القرآن بشكلها الصحيح تُعدُّ عند العُلماء مقدّمةً مُوصلةً لتزكية النفوس وتربية الناس، وهو صريح قوله’: «إنّما بُعثتُ لأُتمّمَ مكارمَ الأخلاقِ»[33].

فبقوله (أتمم) إشارة مهمة إلى أنّ الأخلاق هي مهمّة جميع الأنبياء والـمُرسلينَ، وتمامها بشريعة النبيِّ الخاتم’، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[34].

وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلُّ على أهمّية الأخلاق في نظر الـمُشرِّع وقد تكرّر هذا المعنى في القرآن الكريم، حيث يقول: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[35].

وهذه المعاني العظيمة التي منَّ اللهُ علينا بها ببعثة النبيِّ هي الرَّحمةُ التي يُصرّحُ بها القرآن في قوله تعالى: (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[36].

فالوظيفة الثالثة تخليتهم من الأخلاق الرذيلة التي اعتادها القوم في أيام الجاهلية الجهلاء، وتحليتهم وتزكيتهم بالصفات الحميدة، وهذه العملية يُعبّر عنها اليوم: (بالتخلية والتحلية)، التخلية من الرذائل والتحلية بالمحاسن، وبه تمّ الإخراج من الظلمات إلى النور، ومن شفا جرف الهلكات، كما أشارت إليه ابنتُه الصدِّيقة الشهيدةُ فاطمة الزهراء‘، حيث قالت: «وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطأ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلةً خاشعينَ، تخافون أن يتخطفَكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله برسوله’ بعد اللُّتيا والتي، وبعد أن مُني ببهم الرجال، وذؤبان العرب...»[37].

وهذا المعنى هو ما ختمت به الآية الشريفة حيث تقول: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[38]، كما صرّح أميرُ المؤمنين× أيضاً بهذا المعنى، حيث يقول: «وأنتم معشر العرب على شرِّ دين، وفي شرِّ دار، متنخون بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام فيكم معصوبة»[39].

وبقيت هذه الأثام وتلك الأصنام في صدور قومٍ أبرزوها في أهل بيت رسول’، أبرزوها بالقتل والتنكيل والتهجير.

بعضٌ بطيبةَ مدفونٌ وبعضُهمُ
بكربلاءَ وبعضٌ بالغريين
[40].

وقال الشاعر الآخر:

تبّاً لهم من أُمّــةٍ لـم يحفظوا
قد شتتوهم بين مقهورٍ ومأسورٍ
عهدَ النبيِّ بآلــه الامجـادِ
ومنحورٍ بسيــفِ عنــادِ
[41].

المحاضرة الثالثة:  الانقياد لرسول اللّه

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[42].

الغالب في المجتمعات حبّ التمرّد لـمَن يظهر لهم التواضع والاحترام، ويعتبرونه نقطة ضعف في شخصيته، ويعتقدون أنّ الشخصية القويّة هي الشخصية التي تأنف من الجلوس مع الناس، وعدم المبادرة بالسلام، بل ولا ردّ السلام أحياناً، ومتى ما رأوا شخصيةً غايةً في اللطف، والعطف، والرحمة، والخلق العظيم، وعدم الفضاضة والقسوة، نست أو تناست عظم هذه الشخصية، وتعدّت الحدود المرسومة بينهم وبينها، فنادوه كما ينادي بعضهم البعض، بل تصل الحالة بهم إلى عدم المبالاة بوجوده ولا بكلامه، وكان هذا واضحاً من تصرّفات بعض الجهلة من العرب في الجفاء وسوء الأدب في خطاب النبيّ’، مع تصريح القرآن الكريم بعظمة أخلاقه’، حيث يقول الباري فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[43]، وقوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[44]، فأخلاقه العظيمة ورحمته ولينه صار مدعاةً للاستغلال من بعض الجاهلين بمقامه’، فجاءت هذه الآية لتبيّن لهم بأن: «لاتتركوا من احترامه شيئاً لا بالفعل ولا بالقول، ولا تغترّوا برأفته، واُنظروا إلى رفعة درجته»[45].

السبب في نزول الآية

يشكِّل السبب في النزول قرينة على فهم الآية، لكنّه لا يمنع من تعديتها لمصاديق أُخرى تنطبق عليها الآية الشريفة، وأنّ سبب النزول لا يمنع من التعميم كما هو مقتضى الحال في بقية آيات القرآن الكريم بالنسبة للموضوعات الأُخرى؛ لما روي عنهم^ بأنّ القرآن الكريم يجري مجرى الليل والنهار والشمس والقمر، كما ورد في ألسنة الروايات[46].

وفي تفسير القمِّي أنّها: «نزلت في وفد بني تميم، كانوا إذا قدموا على رسول الله’، وقفوا على باب حجرته فنادوا: يا محمد، اخرج إلينا، وكانوا إذا خرج رسول الله’ تقدّموه في المشي، وكانوا إذا تكلّموا رفعوا أصواتهم فوق صوته، ويقولون: يا محمد يا محمد، ما تقول في كذا وكذا. كما يكلِّمون بعضهم بعضاً، فأنزل الله...»[47].

وسبب نزول هذه الآية نلخِّصه في هذه الأقوال الستّة على ما عثرت عليه:

الأوّل: أنّ قوماً كانوا يقولون: لو أُنزل فينا كذا وكذا. فأنزل الله هذه الآية، قاله قتادة.

الثاني: نُهوا أن يتكلّموا بين يدي كلامه، قاله ابن عباس.

الثالث: لا تعارضوا، أو لا تعجلوا على الله ورسوله في أمر حتى يقضي الله على لسان رسوله’ ما يشاء، قاله مجاهد، فتكون الآية الشريفة على غرار قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[48].

الرابع: أنّها نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلِّي النبي، فأمرهم أن يعيدوا الذبح، قاله الحسن. وفي الصحيح أنّ النبيّ’ قال لأصحابه في يوم الأضحى: «مَن ذبح قبل الصلاة فإنّما هو لحم قدّمه لأهله. فقام أبو بردة بن نيار خال البراء بن عازب، فقال: يا رسول الله، هذا يوم يُشتهى فيه اللحم، وإنّي ذبحت قبل أن أصلِّي، وعندي عناق جذعة خير من شاتي لحم. فقال: تجزئك ولن تجزئ عن أحد بعدك».

الخامس: لا تقدِّموا أعمال الطاعة قبل وقتها، قاله الزجاج[49].

السادس: ما رواه البخاري في صحيحه من الاختلاف بين الشيخين، حيث قال: «إنّ عبد الله بن الزبير أخبرهم أنّه قدم ركب من بنى تميم على النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد بن زرارة. فقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس. قال أبو بكر: ما أردت إلّا خلافي! قال عمر: ما أردت خلافك. فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)[50]»[51].

وهناك مؤيّدٌ لهذا القول وهو ما رواه العلّامة المجلسي& في البحار أنّه: «قام رجل إلى أمير المؤمنين× فسأله عن قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)[52] فيمَن نزلت؟ فقال: ما تريد؟ أتريد أن تغري بي الناس؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكن أحبّ أن أعلم. قال: اجلس. فجلس، فقال: اكتب عامراً، اكتب معمراً، اكتب عمر، اكتب عمّاراً، اكتب معتمراً، في أحد الخمسة نزلت، قال سفيان: قلت لفضيل: أتراه عمر؟ قال: فمَن هو غيره»[53].

معنى الآية المباركة

بالرجوع قليلاً للآية المباركة نرى أنّ متعلقها مطلقٌ، بمعنى أنّها لم تذكر شيئاً مخصوصاً بعينه؛ فلذا يمكن أن يكون سبب النزول فيها هو الحالة الاجتماعية السائدة آنذاك من العناد وعدم الانقياد للنبيّ الأكرم’، وبكلّ أنحاء التقدّم بين يديه بالفعل والقول والعبادة والاعتراض وما شاكل ذلك؛ لذا قال شيخ الطائفة الطوسي&: «...والأَولى حمل الآية على عمومها، فيُقال: كلّ شيء إذا فُعل كان خلافاً لله ورسوله، فهو تقدّم بين أيديهما فيجب المنع من جميع ذلك.

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين الذين اعترفوا بتوحيده وإخلاص عبادته، وأقروا بنبوّة نبيِّه محمد’، ينهاهم أن يتقدّموا بين يدي النبي’ بأن يفعلوا خلاف ما أُمر به أو يقولوا في الأحكام قبل أن يقول، أو يخالفوا أوقات العبادة، فإنّ جميع ذلك تقدّم بين يديه، وأمرهم أن يتّقوا الله بأن يجتنبوا معاصيه ويفعلوا طاعاته، (إن الله سميع) لما يقولونه (عليم) بما ينطوون عليه ويضمرونه»[54].

ومثله الشيخ الطبرسي& في مجمع البيان: «...والأَولى حمل الآية على الجميع؛ فإنّ كلّ شيء كان خلافاً لله ورسوله، إذا فعل، فهو تقديم بين يدي الله ورسوله، وذلك ممنوع»[55].

وكذا العلاّمة الطباطبائي+: «... واللفظ مطلق يشمل التقدّم في قول أو فعل حتى التقدّم على النبيّ’ في المشية والجلسة، والتقدّم بالطاعات المؤقتة قبل وقتها وغير ذلك»[56].

وفي عمدة القارئ: «لا تقدموا لا تقطعوا أمراً إلّا بعد ما يحكم الله ورسوله ويأذنان فيه، فتكونوا إمّا عاملين بالوحي، وإمّا مقتدين برسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، وعليه يدور تفسير ابن عباس: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. وقال عطية: لا تكلِّموا بين يدي كلامه، وحذف المفعول ليفيد شموله لكلّ ما يخطر بالبال ممّا تقدّم»[57].

وعلى الأسباب المتقدّمة لنزول الآية الشريفة اختلفت أفهام المفسِّرين؛ وهذا شيءٌ إيجابي في النصوص القرآنية في أنّها تتحمّل من المعاني الشيء الكثير الذي لا يحتمله كلام المتكلِّم العادي، فهنا بعض المعاني للآية المباركة:

المعنى الأوّل: أيّها المؤمنون لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكم الله ورسوله فيه، فلا تحكموا بأمر من أُمور الدين قبل علمكم بأنّه بيّنه الله ورسوله، فلا تقولوا ولا تفعلوا شيئاً على أنّه أمر من أُمور الدين إلّا أن تعلموا أنّه ممّا قاله الله تعالى ورسوله، دلالة على تحريم الفعل والقول من غير علم[58].

المعنى الثاني: أي لا تتقدّموا على الله ورسوله بافتراض رأيكم على الرسول والأُمّة المسلمة، فإنّ تقديم الوجوه الاستحسانية على النصّ تقدّم على الله ورسوله، ونعم ما قال الإمام الشافعي: «مَن استحسن فقد شرّع»[59].

نماذج من تقدّم الصحابة بين يدي رسول اللّه’

 تبيّن لنا من خلال بيان سبب النزول والإطلاق الموجود في الآية المباركة أنّ الآية الشريفة نهت عن كلّ تقدُّم بين يدي الله ورسوله’، وأنّه من الخلال والصفات المذمومة، وقد خاطبت الآية الشريفة القوم بمنتهى الأدب حيث عبرت بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، لكن للأسف الشديد نحن نرى هناك نماذج من التقدّم بين يدي الله ورسوله’ حتى بعد نزول الآية المباركة، وسنذكر نماذج من ذلك لتبطل دعوى عدالة الصحابة وعصمتهم!

الأُنموذج الأول

حين تحرّك النبيّ’ لفتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة كان ذلك في شهر رمضان، وكان معه جماعة كثيرة، منهم الفرسان ومنهم المشاة، ولـمّا بلغ منزل كراع الغميم أمر بإناء ماء، فتناول منه الرسول وأفطر، ثمّ أفطر مَن كان معه، إلّا أنّ العجيب هو أنّ هناك جماعة منهم تقدّم على النبيّ’ ولم يوافقوا على الإفطار، وبقوا صائمين فسمّاهم النبيّ’ بالعصاة[60].

الأُنموذج الثاني

ومثل آخر ما حدث في حجّة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، حيث أمر النبيّ’ أن ينادي المنادي: «مَن لم يسق منكم هدياً فليحل وليجعلها عمرة، ومَن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه»، ثمّ يؤدِّي مناسك الحج، وأنَّ مَن جاء بالهدي وحجّه حج إفراد فعليه أن يبقى على إحرامه، ثمّ قال’: «لولا أنّي سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة، فمَن لم يسق هدياً فليحل». إلّا أنّ جماعة أبوا وقالوا: كيف يمكننا أن نحل وما يزال النبيّ محْرِماً؟! أليس قبيحاً أن نمضي للحج بعد أداء العمرة ويسيل منّا ماء الغسل ـ من الجنابة ـ؟! فساء النبيّ ما قالوا ووبّخهم ولامهم[61].

الأُنموذج الثالث

قصّة التخلّف عن جيش أسامة عندما أراد النبيّ’ أن يلتحق بالرفيق الأعلى؛ حيث أمر’ المسلمين أن ينفذوا جيش أسامة ابن زيد ويتحرّكوا إلى حرب الروم، وأمر المهاجرين والأنصار أن يتحرّكوا مع هذا الجيش، ولعلّ النبيّ’ أراد ألّا تقع عند رحلته مسائل في أمر الخلافة ـ وقد وقعت ـ حتى أنّه لعن المتخلِّفين عن جيش أسامة، ومع كلّ ذلك تخلّف جماعة بحجّة أنّهم لا يستطيعون أن يتركوا النبيّ’ في مثل هذه الظروف[62].

الأُنموذج الرابع

قصّة (القلم والدواة) ـ المعروفة كما أنّها مثيرة ـ ففي الساعات الأخيرة من عمر النبيّ’ عندما أمر بقلم ودواة، والأحسن أن ننقل ما جاء من عبارةٍ في صحيح البخاري بعينها هنا، حيث قال: «عن ابن عباس قال: لـمّا حضر النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، قال: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال: هلم اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده، قال عمر: إنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) غلبه الوجع! وعندكم القرآن، فحسبنا كتاب الله. واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم مَن يقول قرّبوا يكتب لكم رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم مَن يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف عند النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، قال: قوموا عنّي. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»[63].

وهذه القضية من الحوادث المهمّة في التأريخ الإسلامي التي تحتاج إلى تحليل وبسط ليس هنا محله، ولكنّها على كلّ حال من أجلى موارد التخلّف عن أمر النبيّ’ ومخالفة الآية محل البحث، وما يهمّنا هنا هو: أنّ رعاية الانضباط الإسلامي والإلهي تحتاج إلى روح التسليم المطلق، وقبول القيادة الإلهية في جميع شؤون الحياة، والإيمان المتين بمقام القائد الشامخ[64].

الأُنموذج الخامس

ما وقع في أصل موت النبيّ’، حيث خالف فيه عمر بن الخطاب؛ إذ قال: «مَن قال إنّ محمداً قد مات قتلته بسيفي هذا، وإنّما رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى×! فقال أبو بكر...: مَن كان يعبد محمداً، فإنّ محمداً قد مات، ومَن كان يعبد إله محمد فإنّ إله محمد حي لم يمت ولن يموت، وقرأ قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)، فرجع القوم إلى قوله. وقال عمر: كأنّي ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر»[65].

وبأي وجهٍ كنّا نقول، وفي أي سببٍ نزلت الآية الشريفة، فهي صريحةٌ في النهي عن التقدّم على الرسول الأكرم’؛ كما صرّح العلّامة الطباطبائي، حيث قال: «... ولعل التأمّل... يكفيك في المنع عن المصير إلى شيء من هذه الوجوه»[66].

وفي تفسير ابن أبي حاتم الرازي، قال: «عن ابن عباس في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، قال: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنّة»[67].

لكن تعال واُنظر بعين الإنصاف كم من أصحاب النبيّ’ مَن انقاد إلى أوامره ونواهيه، ولم يخالف كتاب الله ولا سنّة رسوله’؟!

بل الخلاف للكتاب والسنّة وصل ببعضهم إلى أظهر مصاديقه وأجلاها، كما في أحكام المواريث، وما ذاك إلّا عناداً وخلافاً لله ورسوله’، وهذا الذي دعا بضعة الرسول’ إلى «أن لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لـمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتجّ المجلس، ثمّ مهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله’. ثمّ قالت ما قالت، وفيما قالت: أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية يبغون؟! ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟ يا بن أبي قحافة، أترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فرياً، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنِعْمَ الحكم الله، والزعيم محمد، والوعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون. ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها’ فقالت:

قد كانَ بعدك أنبـاء وهنبـثــة
إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلهـا

 فليت بعدك كان الموت صادَفَنا
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب
لما قضيت وحالت دونك الكثب

وهذا الذي تركها غضباء على مَن خالفها، وتدعو عليه بعد كلّ صلاة حتى لفظت نفسها الأخيرة÷...»[68].

***

المحاضرة الرابعة: تقوى اللّه تعالى والإيمان برسوله’ وآثارهما

قال تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[69].

ليس من اليسير أن يُدرك الإنسانُ سبيلَ سعادته؛ لأنّه غيرُ محيطٍ للعلمِ بها، وليس عنده القدرة على إدراك ما هو أوسع من حجمه، لذا هو محدود العلم من جهةٍ، وجاهلٌ بعالم المصالح والمفاسد، بل ليس هناك مَن يُدرك مصالحَ ابنِ آدم إلّا الذي خلقه وسوّاه، ومنحه وأعطاه، وهو المفيض المطلق، الله تبارك وتعالى، ومَن استمدّ منه}، وهم خلفاؤه في الأرض إذ أطلعهم على ذلك، فمن هنا صار علينا اتّباع ما جاءت به شريعتُنا الإسلامية من أوامر ونواهي، فنمتثل الأوامر ونجتنب النواهي؛ لنحصل على السعادة الأبدية التي رسمها لنا الشارع الأقدس.

سبب نزول الآية

لسبب النزول مدخلية في فهم الآية المباركة؛ إذ يتّضح لنا المراد من لحن الكلام الذي أُنزل على النبيّ الأكرم’، وهذه الآية كغيرها من مجموعة من الآيات التي نزلت في واقعة، كما روى ذلك سعيد بن جبير، حيث قال: «بعث رسول الله’ جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي، يدعوه، فقدم عليه ودعاه، فاستجاب له وآمن به، فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلاً: إئذن لنا فنأتي هذا النبيّ، فنسلِّم عليه، فقدموا مع جعفر، فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة، استأذنوا رسول الله’، وقالوا: يا نبيَّ الله، إنّ لنا أموالاً، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا، فواسينا المسلمين بها. فأذن لهم فانصرفوا، فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله فيهم: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [70]، فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين، فلمّا سمع أهل الكتاب ممّن لم يؤمن به قولَه: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا)[71]، فَخَروا على المسلمين، فقالوا: يا معشر المسلمين، أمّا مَن آمن بكتابكم وكتابنا، فله أجران، ومَن آمن منّا بكتابنا، فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا؟ فنزل قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فجعل لهم أجرين، وزادهم النور والمغفرة»[72].

فالآية جاءت بصدد تسكين قلوب المؤمنين من فخر أهل الكتاب.

القرآن الكريم وأُسلوبه الجذّاب

من أجمل أساليب القرآن الكريم هو أُسلوب الحكمة والموعظة الحسنة الذي استعمله القرآن الكريم وأمر به أيضاً، حيث قال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[73]، وله سبل عديدة كان من أوضح هذه السُبُل وأكثرها هو أُسلوب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، الذي تكرّر في القرآن الكريم كثيراً، حتى وصل إلى (89) مرّة، يخاطب الباري} عباده فيها بهذا الأُسلوب الرائع.

ولو رجعنا إلى روايات أهل البيت^ نجد أنّهم^ اهتمّوا بهذا الخطاب، بل قال عنه الإمام الصادق×: «لذّة ما في الندا، أزال تعب العبادة والعنا»[74]، فلاحظ أهمّية الأُسلوب في هداية الناس، ولاحظ جيداً قول الإمام×، هذا وكيف أنّ لذة النداء أزالت التعب والعناء، ونحن نلمس ذلك بوضوح في حياتنا، ففرق بين أن تقول لولدك: لو سمحت، أو إذا أمكنك فعل ذلك فافعله. وبين قولك: افعل ذلك.

وهذا الأُسلوب هو نفس الأُسلوب الذي استعمله رسول الله’ وأهل بيته^ في هداية الناس، وهو أُسلوب كلّ إنسانٍ حكيم، وواعظ ناجح، وصاحب قضية يريد لها الانتشار والازدهار، وهو أُسلوبٌ عَمِلَ به المصلحون ونبذه الجاهلون والمعاندون، فأبدلوه بأُسلوبٍ آخر شديد ومتطرِّف، أوصل الإسلام إلى درجة من السخرية والاستهزاء، وصوّر الإسلامَ الحنيف للآخرين دينَ قتلٍ وسفك دماء الأبرياء.

لماذا الخطاب للمؤمنين؟

قد يسأل سائل عن سبب خطاب الله تبارك وتعالى المؤمنين خاصة، ولم يعبّر بـ (يا أيّها الناس) مثلاً، والحال أنّه تبارك وتعالى عبّر في آيات كثيرة بهذا التعبير؟!

لعلّ السبب يعود إلى أنّ مضمون الآية الشريفة لا ينسجم مع الروح المظلمة بالشرك، كما هو ظاهر من سبب النزول، وأنّ المؤمنين هم الذين يستحقون الحث والتأكيد على تقوى الله والإيمان برسوله’.

الشرط والجزاء في الآية المباركة

 الخطاب في الآية الشريفة صريحٌ في وجود شرطين وجزاء، هما: أنّ مَن اتقى الله تبارك وتعالى وآمن برسوله الأكرم’، فإنّ الله  سيؤتيه جزاءً وفيراً على ذلك، وهو نصيبان من رحمته، ونوراً يمشي به، وجزاء ثالث وهو أُمنية كلّ مؤمنٍ ألا وهو غفران الذنوب، فأيّ نعمةٍ يريد الإنسان بعد هذه النعم الثلاث؟!

وتقوى الله والإيمان برسوله’ ليست بالمستحيل فعلها، فالمؤمنون منذ أن أدركوا الإيمان عرفوا أنّ معناه هو: تقوى الله تبارك وتعالى والإيمان برسوله’، أمّا تقوى الله تبارك وتعالى فهي ليست خافية على أحدٍ، وإجمالها ما عبّر به الإمام الصادق×، حيث قال: «التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك»[75].

وأمّا الإيمان بالرسول الأكرم’ فمعناه اليقين برسالته وخاتميتها، والطاعة التامّة له’، قال العلّامة الطباطبائي+: «... أنّ المراد بالإيمان بالرسول الاتّباع التام والطاعة الكاملة لرسوله فيما يأمر به وينهى عنه، سواءً كان ما يأمر به أو ينهى عنه حكماً من الأحكام الشرعية، أو صادراً عنه بما له من ولاية أُمور الأُمّة، كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [76]»[77].

النتائج العظيمة

ثمّ إنّ الآية الشريفة بعد ما أمرت بتقوى الله والإيمان برسوله’ رتَّبت على ذلك نتائج ثلاث مهمّة، هي:(يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ)، فالله سبحانه وتعالى يعطي المؤمنين الذين اتّقوه وآمنوا برسوله هذه الأشياء الثلاثة: إتيانهم كفلين من الرّحمة، ويجعل لهم نوراً يمشون به، ويغفر لهم، فهلمّوا لنتعرّف على هذه الأشياء الثلاثة؛ لنرى كرم الله تبارك وتعالى الذي لا حدود له من جهةٍ، ونشجّع أنفسنا لتقواه تباركت أسماؤه، والإيمان برسوله’ من جهة أُخرى.

ما هما الكِفلان؟

الكِفلان: أي نصيبان من رحمته، والكِفل بالكسر: الضعف والنصيب[78]، ثمّ إنّه ينبغي تسليط الضوء على معرفة الكِفلين اللذينِ وعد المؤمنين بهما، فما هما؟ وهنا أقوال:

القول الأوّل: إنّ الكفل الأوّل هو عدم دخول النار، والثاني أن يدخل الجنّة، كما ذكره القمّي في تفسيره[79].

القول الثاني: أنّ المقصود هو أجرين لإيمانهم بعيسى×، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بالنبيّ الأكرم’ وتصديقهم به[80].

القول الثالث: أجر على الإيمان، وأجر على التقوى، وأجر على امتثال الأوامر، وأجر على اجتناب النواهي، أو أنّ التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرّةً بعد أُخرى[81].

وعن جابر، عن أبي جعفر× في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ)، يعني: «حسناً وحسيناً، قال: ما ضرّ مَن أكرمه الله أن يكون من شيعتنا ما أصابه في الدنيا ولو لم يقدر على شيء يأكله إلّا الحشيش»[82].

ما هو النور في الآية؟

النور أمرٌ ظاهر بنفسه لا يحتاج إلى بيانٍ، بل هو مظهر الأشياء، ومَن اتّقى الله وآمن برسوله’ أعطاه الله نوراً يمشي به بين الناس؛ فإنّ الإنسان المحكِّم عقله والمتّبع لله ورسوله يكون له نور يعرف به الحقّ من الباطل، فيحكِّمه الناس في أُمورهم، ويستشيرون منه في أعمالهم، كمَن عنده المصباح في الليل المظلم حيث يستنير الناس بنور مصباحه[83]، وجَعْل هذا النور غاية للتقوى والإيمان بالرَّسول دلالة على أنّه لا إيمان ولا تقوى بدونه[84].

لكن ما هي حقيقة هذا النور؟ ففيه أقوال:

القول الأوّل: أنّه الإسلام[85]، أو أنّه الإيمان، كما في تفسير القمي&[86].

القول الثاني: أنّه القرآن، نسبه العلاّمة المجلسي& إلى القيل[87]، وهو قول ابن عباس، حيث قال: «النور القرآن، وفيه الأدلّة على كلِّ حقّ، وبيان لكلّ خير، وبه يستحق الضياء الذي يمشي به يوم القيامة»[88].

لكن ردّه العلّامة الطباطبائي&، قائلاً: «وهذا هو النور الذي يجعله الله لعباده المؤمنين، يستضيئون به في طريقهم إلى ربِّهم، وهو نورالإيمان والمعرفة، وليس المراد به القرآن كما قاله بعضهم؛ فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن وبعده، على أنّ هذا النور وصف لهم يتّصفون به»[89].

القول الثالث: النور هو الأئمّة^، من دون تحديده بإمامٍ مخصوص، ففي الكافي الشريف عنْ أبي الجَارُود، قال: «قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ×: لَقَدْ آتَى الله أَهْلَ الْكِتَابِ خَيْراً كَثِيراً، قَالَ: ومَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: قَوْلُ الله تَعَالَى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ)، إِلَى قَوْلِه: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) ، قَالَ: فَقَالَ: قَدْ آتَاكُمُ الله كَمَا آتَاهُمْ ثُمَّ تَلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)، يَعْنِي: إِمَاماً تَأْتَمُّونَ بِه»[90].

وعن أبي خالد الْكَابُلِيِّ، قال: «سألتُ أبا جعفر× عَنْ قَوْلِ الله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) ، فَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ النُّورُ ـ والله ـ الأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ’ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وهُمْ والله نُورُ الله الَّذِي أَنْزَلَ، وهُمْ والله نُورُ الله فِي السَّمَاوَاتِ وفِي الأَرْضِ، والله يَا أَبَا خَالِدٍ لَنُورُ الإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْـمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْـمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وهُمْ والله يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الـْمُؤْمِنِينَ ويَحْجُبُ الله نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلِمُ قُلُوبُهُمْ، والله يَا أَبَا خَالِدٍ لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ ويَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ الله قَلْبَه، ولَا يُطَهِّرُ الله قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا ويَكُونَ سِلْماً لَنَا، فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَه الله مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وآمَنَه مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَكْبَرِ»[91].

القول الرابع: أنّ المقصود بالنور هو الإمام أمير المؤمنين×، كما دلّت عليه بعض الروايات أيضاً، ففي مناقب ابن شهر آشوب عن الإمام الصادق× في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)، قال: «الكفلين الحسن والحسين، والنور علي»[92].

وهذا النور لا يُعلم على نحو التحديد متى يُجعل للإنسان المتّصف بالشـرطين؟ وهل يعطاه في الدنيا فقط، أو في الآخرة فقط، أو فيهما معاً؟

قال العلاّمة الطباطبائي&: «... قيل: يعني يوم القيامة، وهو النور الذي أُشير إليه بقوله: (يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ). وفيه: أنّه تقييد من غير دليل، بل لهم نورهم في الدنيا وهو المدلول عليه بقوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) ، ونورهم في الآخرة وهو المدلول عليه بقوله: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)، ثمّ كمل تعالى وعده بإيتائهم كفلين من رحمته، وجعل نوراً يمشون به بالمغفرة، فقال: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)»[93].

فالنور هو رسول الله وأهل بيته^؛ ولذ نقرأ في زيارة الرسول الأكرم’: «أشهد يا رسول الله، أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها»[94].

والنور الذي لا يُطفأ هو الإمام أبو عبد الله الحسين× أيضاً، الذي هو باقٍ متوهج على طول الليالي والأيام، وصدره لا زال إلى هذه الساعة لم يشفَ إلى أن يخرج الإمام صاحب العصر والزمان#، فيأخذ بثأره، عندها يشفى صدر الإمام، فيا ربّ الحسين اشفِ صدر الحسين بظهور الحجة بن الحسن#، ولذا نحن نقرأ في الزيارة المسمّاة بزيارة وارث: «أشهد أنّك كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها»[95]، وكذلك في زيارة يوم الأربعين: «بأبي أنت وأُمّي يا ابن رسول الله، أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام الطاهرة»[96]، وهو نفس المعنى الذي أشار إليه الإمام زين العابدين× عندما جاء لدفن الجثث الزواكي، ووقف على بدن أبيه ووضعه في لحده، وضع خدّه على منحره الشّريف قائلاً: «طوبى لأرضٍ تضمّنت جسدك الطّاهر، فإنّ الدّنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا اللّيل فمسهّد والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك الّتي أنت بها مقيم، وعليك منّي السّلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته»[97]، بأي حالٍ خرج إمامنا زين العابدين× من الأسر؟ وماذا رأى؟ وكيف حمل أباه سيّد الشهداء؟! لله در الـحُجّة الشيخ علي الجشي& إذ يخبرنا عن ذلك، حيث يقول:

لَمْ أَنْسَ لـمَّا عاد من أَسْرِ العِدَى
ورآه مطروحاً وقد حفَّتْ به
وَمُذِ استبانوا الحُزْنَ قالوا إنَّنا
لكنْ لِرَفْعِ الجسمِ والتحريكِ لم
فَدَعَا بِبَارِيَة هناك وَلَفَّهُ
رَفَعَ الجَنَازَةَ والملائكُ من أسىً
وَلِحَمْلِهِ جاء النبيُّ وحيدرٌ
سرّاً لِيَدْفُنَ جِسْمَ خيرِ قتيلِ
قومٌ تَنَحَّوا خِيْفَةَ التنكيلِ
جِئْنا لِنَدْفُنَ سِبْطَ خَيرِ رَسُولِ
نَرَ كُلُّنا من قُدْرَة وسبيلِ
فيها بلا كَفَن وَلاَ تغسيلِ
أَمُّوه بالتكبير والتهليلِ
والمجتبى في عَبْرَة وَعَوِيلِ[98].

***

المحاضرة الخامسة: الجانب الإنساني في شخصية الرسول الأكرم وأثره على الناس

روي عن الإمام أمير المؤمنين× في ذكره للرسول الأكرم’ أنّه قال:«دَفَنَ الله بِه الضَّغَائِنَ، وأَطْفَأَ بِه الثَّوَائِرَ، أَلَّفَ بِه إِخْوَاناً وفَرَّقَ بِه أَقْرَاناً، أَعَزَّ بِه الذِّلَّةَ، وأَذَلَّ بِه الْعِزَّةَ، كَلَامُه بَيَانٌ وصَمْتُه لِسَانٌ»[99].

 لشخصية كلّ إنسان ثلاثة جوانب: الجانب الإنساني والإلهي، الجانب العلمي والثقافي، والجانب الاقتصادي[100].

في هذا النص كشف الإمام أمير المؤمنين× عن عمل النبوّة في تغيير القيم السائدة في المجتمع، هذه القيم التي تحكم وتوجّه العلاقات داخل المجتمع بين فئاته وأفراده، وإبدالها بقيم أُخرى متّسقة في طبيعتها مع طبيعة الرسالة النبويّة؛ لأنّها مستمدّة منها. وما يترتّب على ذلك من تغيّر في المفاهيم والقناعات، ومن تبدّل في نوع العلاقات نتيجة لتبدّل القيم الجاهلية بالقيم النبويّة.

لقد ثنيت أزمة الأبصار نحو الرسول الأكرم’ كما كانت تثنى نحو كلّ نبي في مجتمعه؛ لأنّه قد أثار اهتمام الناس كلّهم، وأوجد هزّة راحت تنداح على المجتمع كلّه وتنفذ في أعماقه. وهذه الفكرة تضـيء التحليل الذي يقول: إنّ أثر النبوّة الخيرة لا يقتصـر على المؤمنين بالنبي ورسالته وحدهم، وإنّما يتعدّاهم ليشمل ببركاته المجتمع كلّه. لقد أدّت القيم الجديدة التي جاء بها النبي إلى تغيير المفاهيم، ومن ثمّ إلى تغيير عميق وجذري في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والفئات، وإلى إحداث التبدّلات الاجتماعية[101].

وهذا هو الجانب الإنساني والإلهي تناوله الإمام أمير المؤمنين× في هذه الكلمات النيرات التي سنقف عندها:

الكلمة الأُولى: (دَفَنَ الله بِه الضَّغَائِنَ، وأَطْفَأَ بِه الثَّوَائِرَ)

المقصود به هو الرسول الأكرم’ وقد استعار الإمام أمير المؤمنين× لفظ الدفن لإخفاء الأحقاد به بعد أن كانت ظاهرة مجاهراً بها. ولفظ الإطفاء لإزالة العداوات بين العرب بالتأليف بين قلوبهم، كما قال تعالى في إظهار المنّة على عباده: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[102].

والضغائن: جمع ضغينة، وهي الحقد، ضغنت على فلان ـ بالكسر ـ ضغناً، والضغن الاسم، كالضغينة، وقد تضاغنوا واضطغنوا: انطووا على الأحقاد. ودفنها: أكمنها وأخفاها[103].

لقد دُفنت به’ الضغائن؛ لأنّ أسباب تولّدها قد زالت، ومن ثَمّ زالت أسباب تفجّرها فزالت الثوائر، لقد نعم المجتمع كلُّه بدرجة عالية من الاستقرار والطمأنينة بعد أن انخفضت إلى أدنى الدرجات مظاهر العنف والتوتر فيه؛ نتيجة لتبدّل المفاهيم والقيم التي كانت سائدة فيه بمفاهيم وقيم أُخرى بثّتها النبوّة[104].

وخير مثال على دفنه للضغائن وإطفائه للثوائر إزالته للحروب التي كانت بين العرب، مثل حروب داحس والغبراء، وحرب البسوس، وحرب الفجّار، والحروب التي كانت بين خزاعة وكنانة[105]، بل يمكن القول إنّه ما اجتمعت للعرب كلمة في يوم من الأيام إلّا على عهد الرسول الأكرم’، وبفضل الله تعالى وفضله’، ولـمّا هاجر إلى المدينة كان بين قبيلتيّ الأوس والخزرج حرب دامية ومتّصلة، فألغى النبيّ’ ما كان بينهما من حرب وخصومة، وكفّ أيدي بعضهم عن بعض[106].

الكلمة الثانية: (أَلَّفَ بِه إِخْوَاناً، وفَرَّقَ بِه أَقْرَاناً)

لقد أدّت القيم الجديدة إلى إيجاد علاقات جديدة، فألفَّ الله بالنبي’ ـ بالقيم التي بشّـر بها وأذاعها في الناس ـ إخواناً في الإيمان، وفرّقت هذه القيم الإيمانية بين أقران اختلفت بهم الطرق حين هتف صوت النبوّة في المجتمع، فسلك بعضُهم طريقَ الإيمان وبقي الآخر على طريقه القديم، وقيمه القديمة، طريق الجاهلية وقيم الجاهلية. كما أدّت هذه القيم الجديدة إلى تغيير في المراتب الاجتماعية؛ لأنّ القيم القديمة التي كانت تجعل أساس الترتيب في البنية الاجتماعية بين الأشخاص أو الفئات متمثِّلاً في المال، أو السلالة والنسب، أو القوّة الحربية، هذه القيم قد زالت وحلّت محلّها قيمٌ جديدة، غدت هي الأساس الذي يقوم عليه الترتيب الاجتماعي، وهي التقوى[107].

وأمّا الأقران المفرّق لهم فهم المؤتلفون على الشـرك، وأمّا ما ألّف به إخواناً؛ فلأنّ الإسلام قد ألّف بين المتباعدين، وفرّق بين المتقاربين، قطع ما بين حمزة× وأبي لهب مع تقاربهما، وألّف بين علي× وعمار مع تباعدهما[108].

الكلمة الثالثة: (أَعَزَّ بِه الذِّلَّةَ، وأَذَلَّ بِه الْعِزَّةَ)

فقوله×: (أعزّ به الذلَّة)، أي ذلَّة الإسلام وأهله، (وأذلّ به العزّة)، أي عزّة الشرك وأهله، وبين كلّ قرينتين من هذه الستّ مقابلة ومطابقة، فقابل بالتفريق التأليف، وبالذلَّة الإعزاز، وبالعزّة الإذلال[109].

فقد أعزّ الله تعالى ـ بالنبي وبالقيم التي جاء بها ـ الذلّة التي كانت تفرضها القيم الجاهلية القديمة على الفقراء والمستضعفين، وأذلَّ به العزّة التي كانت تنشأ من قيم غير إيمانية. فمن تأريخنا الإسلامي تحفل السيرة النبويّة بمئات من الشواهد والنماذج، فالأذلّاء في الجاهلية، كعمار بن ياسر وبلال الحبشي أصبحا أعزّاء في المجتمع الجديد؛ لأنّ القيم الجاهلية التي كانت تفرض عليهم أن يكونوا أذلّاء في مرتبة اجتماعية متدنية قد زالت بالإسلام. وجاء الإسلام بقيم جديدة غيّرت موقعَهم في المجتمع، فجعلتهم من النخبة، والأعزّاء في الجاهلية غدوا أذلاء؛ لأنّ القيم التي كانوا يتكئون عليها ويستمدّون منها اعتبارهم الاجتماعي ويتبوؤن مركز النخبة فيه، هذه القيم قد زالت بالإسلام، وحلّت محلّها قيمة جديدة هي التقوى، وحيث إنّهم لم يتحلّوا بهذه القيمة الجديدة فقد غدوا من الأذلّاء[110].

فبلال الحبشي كان من السابقين إلى الإسلام، ومن المستضعفين من المؤمنين، وكان يُعذّب ليرجع عن دينه، وكان الذي يعذّبه أُميّة بن خلف، يُلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره إذا حميت الشمس وقت الظهيرة، ثمّ يأمر بالصخرة العظيمة فتُلقى على صدره، ويقول له: اكفر بربّ محمّد، فيقول بلال: أحدٌ أحد. هاجر إلى المدينة، وآخى رسول الله’ بينه وبين أبي رويحة الخثعمي، وقيل: آخى بينه وبين عبيدة بن الحارث، وشهد بدراً وأُحداً والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله’، وهو أوّل مَن أذّن لرسول الله’، علَّمه رسول الله’ الآذان، فكان يؤذِّن له في السفر والحضر، ولم يؤذِّن لَأحد بعد رسول الله’، ثمّ خرج بعد وفاة النبي’ إلى الشام، فأقام بها، «روي أنّ بلالاً رأى النبيَّ’ في منامه وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ ما آن لك أن تزورنا؟ فانتبه حزيناً، فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي وجعل يبكي عنده، ويتمرّغ عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبّلهما ويضمّهما، فقالا له: نشتهي أن تؤذِّن في السَحَر، فعلا سطح المسجد، فلمّا قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجّت المدينة، فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، زادت رجّتها، فلمّا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، خرج النساء من خدورهن، فما رئي أكثر باكياً ولا باكيةً من ذلك اليوم»[111].

الكلمة الرابعة: (كَلَامُه بَيَانٌ، وصَمْتُه لِسَانٌ)

ليس المقصود باللسان هاهنا الجارحة نفسها، بل الكلام الصادر عنها، قالوا في تفسيره: أراد الكلمة، بقوله×: إنّ كلام الرسول’ بيانٌ، والبيان إخراج الشـيء من حيز الخفاء إلى حيز الوضوح، وصمته’ كلام وقولٌ مفيد، أي: أنّ صمته لا يخلو من فائدة، فكأنّه كلام، وهذا من باب التشبيه المحذوف الأداة، كقولهم: يده بحرٌ ووجهه بدرٌ[112].

فكلامه بيان ٌ لما انغلق من أحكام كتاب الله كقوله تعالى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[113]. وصمته لسان، استعار لفظ اللسان لسكوته، ووجه المشابهة أنّ سكوته’ مستلزم للبيان من وجهين:

أحدهما: أنّ الصحابة كانوا إذا فعلوا فعلاً على سابق عادتهم، فسكت عنهم النبي| ولم ينكره عليهم علموا بذلك أنّه على حكم الإباحة. فكان سكوته عنهم في ذلك بياناً له، وأشبه سكوته عنه باللسان المعرب عن الأحكام.

الثاني: أنّه يسكت عمّا لا ينبغي من القول فيعلِّم الناس السكوت عن الخوض فيما لا يعنيهم[114]؛ ولذا روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: «لمّا حضـر رسول الله’ وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبيُّ’: هلمَّ اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. فقال عمر: إنّ النبيَّ (صلّى الله عليه وسلّم) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم مَن يقول: قرّبوا يكتب لكم النبيُّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كتاباً لن تضلوا بعده. ومنهم مَن يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): قوموا. قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»[115]، فكان صمته’ أبلغ من الكلام، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم، ودّع رسول الله’ الدنيا وعينه ترمق أهلَ بيته^؛ لعلمه بما يجري عليهم بعد عينيه’:

ورحم الله الشريف الرضي& حيث يقول:

يا رسولَ الله لو عاينتَهم
من رميضٍ يمنع الظلَّ ومن
ومسوقٍ عائر يسعى به
جزّروا جزرَ الأضاحي نسلَه
قتلوه بعدَ علمٍ منهمُ
ميّتٌ تبكي له فاطمةٌ
وهم ما بينَ قتلٍ وسبى
عاطشٍ يُسقى أنابيب القنا
خلف محمولِ على غير وطا
ثمّ ساقوا أهلَه سوقَ الإما
أنّه خامسُ أصحابِ الكسا
وأبوها وعليٌّ ذو العلى[116].

***

المحاضرة السادسة: الأُسلوب القرآني في الدعوة إلى اللّه تعالى

قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[117].

قد يخترع الإنسان عموماً والمبلِّغ الإلهي خصوصاً الأُسلوب النافع لتبليغ أحكام الله وآياته، وقد يصطدم غير المعصوم منهم بأُمور لم يرتضها الشارع المقدّس، بل أحياناً يقع في المحاذير الشرعية في الأُسلوب الذي يبتدعه هذا المبلِّغ أو ذاك، فيما لو خالف الأمر الإلهي في كيفيّة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فـ «لم يكن داعياً إلى الله، مَن خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر في كتابه»[118]، والمؤمن الذي يريد أن يوصل الأحكام بشكل سليم وبأُسلوب مرضيٍّ عليه أن يتّبع الأُسلوب القرآني الذي أشارت إليه هذه الآية المباركة، وقد ذكرت ثلاث مراتب للدّعوة بحسب اختلاف الناس في التعقّل وفي الانقياد، وهو الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

الأُسلوب الأوّل: الدعوة إلى سبيل اللّه بالحكمة

الأُسلوب القرآني الأوّل في الدعوة إلى سبيل الله هو الدعوة بالحكمة، والمقصود بالحكمة ـ كما جاء في كثيرٍ من كلمات الأعلام ـ البرهان[119]، أو العلم المحيط الّذي أعطاه من فضله. والمراد بسبيل الله: دينه الحقُّ[120]، وهذا الأُسلوب ليس من الأساليب العامة، بل هو أُسلوب خاص اتّبعه النبيّ الأكرم’ وأهل بيته الطَّيبين الطَّاهرين^ في بعض الموارد التي تنفع مع الخصم، حتى قال’: «مَن وضع الحكمة في غير أهلها جَهِل، ومَن منع عن أهلها ظَلَم، إنّ للحكمة حقّاً وإنّ لها أهلاً، فأعطِ كلّ ذي حقّ حقّه»[121]، ونحن نلاحظ حكمة النبيّ’ في تصرّفه عندما فتح مكّة وجمع صناديد قريش، وكان أكثرهم من المجرمين والملوثة أيديهم بدماء المسلمين على مدى عشرين سنة، فكان أبو سفيان وجماعته، ومعاوية وخالد وعمرو بن العاص، وهؤلاءكلّهم من المجرمين، لكن الرسول الأكرم’ عفا عنهم، وقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، هذا هو أبو سفيان مع أشدّ مراتب الرأفة والرحمة يكون حكمه هو الأعدام، ومع ذلك عفا عنهم، وقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكأنّ شيئاً لم يكن. فالنبيّ’ عفى عن كلِّ الكفّار والمجرمين إلّا عن اثنين لم يعفو عنهم، وهما مغنيتان اثنتان من المغنيات كانتا تتغنيان بهجاء النبيّ الأكرم’ في مكّة، قال’: «اقتلوهما ولو تمسّكا بأستار الكعبة»، وبعد ذلك قتل الصحابة واحدة، ثمّ قتلوا الثانية، فسأله بعض الصحابة: يارسول الله تقتل المغنيتين وتترك المجرم الحقيقي أبو سفيان؟! يقول: نعم، صحيح أنّ أبا سفيان قتل المسلمين لكنّهم ساروا إلى الجنّة وتنوروا بشعلة الشهادة ونور الإسلام، أمّا المغنية التي تغني أغاني جميلة في زمن النبيّ ترسخها في أذهان الناس وهذا قتلٌ للشخصية.

ولذا فيجب أن نحتاط في الشعر، فنحن مع الشعر العقلاني، يعني الشعر الذي يمدح ويروج لما ثبتت صحته بالبرهان، الشعر الذي يتغنّى بالله ويمدح رسوله’ وأهل بيته^ ويشيد بالفضائل، ويروِّج القيم والعدالة الإنسانية والشرف والكرامة، وهذه أشياء مستحبة، وهذه حكمة في التعامل وليس بمعنى البرهان.

وأمّا بمعنى البرهان فدونك المناظرات التي خاضها أهل البيت^ مع الملاحدة والمشككة، كالديصاني الذي كان يقول: «إنّي أحبّ أن ألقى بها أبا عبد الله×. فاستأذن فأُذِن له، فدخل فقال له: أتأذن لي في السؤال؟ فقال له: سل عمّا بدا لك، فقال له: ما الدليل على أنّ لك صانعاً؟ فقال: وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إمّا أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري، فإن كنت صنعتها أنا فلا أخلو من أحد معنيين: إمّا أن أكون صنعتها وكانت موجودة، أو صنعتها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنّك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئاً، فقد ثبت المعنى الثالث أنّ لي صانعاً وهو الله ربّ العالمين. فقام وما أحار جواباً»[122].

أو مناظرات الإمام الرضا× مع الجاثليق عندما قال له الإمام×: «يا نصراني، والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد’ وما ننقم على عيساكم شيئاً إلّا ضعفه وقلّة صيامه وصلاته، قال الجاثليق: أفسدت والله علمك، وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلّا إنّك أعلم أهل الإسلام! قال الرضا×: وكيف ذاك؟ قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيسى كان ضعيفاً، قليل الصيام، قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قط، ولا نام بليلٍ قط، وما زال صائم الدهر وقائم الليل، قال الرضا×: فلمَن كان يصوم ويصلى؟! قال: فخرس الجاثليق وانقطع»[123].

أو مناظرات تلامذة الإمام الصادق× كهشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد في الإمامة[124].

الأُسلوب الثاني: الدعوة إلى سبيل اللّه بالموعظة الحسنة

الأُسلوب الثاني هو الدعوة إلى سبيل الله بالموعظة الحسنة، وقد ذكر البعض أنّها الخطابة[125]، لكن الخطابة أحد أساليبها، وكذا الكتابة وما شاكل ذلك من الأُمور التي يصدق عليها الموعظة الحسنة، فهي الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب، وقيل: الموعظة الحسنة هي القول اللّين الرقيق من غير غلظة ولا تعنيف[126]، أحسنها أن يخاطب المرشد المخطئ بأُسلوب يشعر منه تلقائياً أنّه مخطئ، ومن الحمق أن يفاجئه بالتأنيب والتوبيخ، وقديماً قيل: التلويح أبلغ من التصريح، وبكلمة أنّ الموعظة الحسنة هي التي تحقق الغرض المطلوب[127]، كما قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[128].

والشواهد على ذلك في غاية الكثرة، كما روي: «أنّ الحسن والحسين‘ مرّا على شيخٍ يتوضأ ولا يحسن، فأخذا بالتنازع، يقول كلّ واحد منهما: أنت لا تحسن الوضوء. فقالا: أيّها الشيخ كن حكماً بيننا، يتوضأ كلّ واحد منّا سوية. ثمّ قالا: أيّنا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلّم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أُمّة جدّكما»[129].

الأُسلوب الثالث: الدعوة إلى سبيل اللّه بالمجادلة الحسنة

هناك جملة من المفاهيم يمارسها الناس من دون أن يتعرّفوا على نظر الشـريعة الإسلامية فيها، فتراهم يخوضون فيها ولا يخوضون في غيرها؛ لقبحها عندهم بحسب العرف وإن لم تكن مذمومة شرعاً، بل ولا عقلاً في أحيانٍ كثيرة، ومن تلك المفاهيم مفهوم الجدل والمجادلة، والمقصود بالجدل والمجادلة الخصام والمخاصمة[130].

وقد تكون النظرة الأولية للمجادلة هي الذم، بل والمنع، لكن الصحيح هو أنّ الجدال ينقسم إلى قسمين:

القسم الأوّل: الجدال القبيح، وهناك آيات ذمّت الجدل الذي يكون في آيات الله، أو يكون بغير علم، كما هو صريح قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ)[131]، الذامّة للذين يجادلون في آيات الله.

وأمّا الروايات في ذمِّ الجدل والمجادلة فهي كثيرة، فعن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «إياكم والجدال؛ فإنه يورث الشك في دين الله»[132].

وعن الإمام علي بن موسى الرضا× أنّه قال: «يا عبد العظيم، أبلغ عنّي أوليائي السلام، وقل لهم: أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومُرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومُرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة؛ فإنّ ذلك قربة إلي، ولا يشتغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً..[133].

القسم الثاني: الجدال الحسن، وهو ما أشارت إليه الآية المباركة التي صدّرنا بها الكلام، وبالجمع بين الآيات الناهية عن الجدل والآيات الآمرة ننتهي إلى أنّه لا تعارض بينها؛ لأنّ الآيات الآمرة أمرت بالجدال الحسن دون الجدال القبيح؛ ولذا ذكر عند الإمام الصادق× الجدال في الدين، وأنّ رسول الله’ والأئمّة المعصومين^ قد نهوا عنه، فقال الإمام الصادق×: «لم ينهَ عنه مطلقاً، لكنّه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، أما تسمعون الله تعالى يقول: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)»[134].

فإذا كان هذا هو أدب الإسلام عند المحاورة والمجادلة مع غير المسلمين فكيف تكون المحاورة والمجادلة مع علماء المسلمين وأهل الاجتهاد؟! وعلى هذا يجب أن تكون العقول والأفكار بهدف الوصول إلى الحقّ والصواب، ولو كان مخالفاً لما رآه أولاً[135].

ولذا نحن نقرأ في زيارتنا لسيِّد الشهداء×: «... أشهد أنّك قد حلّلت حلال الله، وحرّمت حرام الله، وأقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة...»[136]، حيث خاطبهم الإمام الحسين× بكلّ عطفٍ ولين، وكلّ حكمة وموعظة، إذ قال×: «... فإن كنتم في شكٍّ من هذا، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيِّكم؟! فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم، ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة؟!»، فأخذوا لا يكلّمونه[137]، فلم تنفع المواعظ بقومٍ صُمّوا عن النبأ العظيم ثمّ عُموا، فبقوا حيارى لا يستطيعون جواباً، وكما وصفهم شاعر أهل البيت السيد رضا الهندي&، حيث يقول:

لم أنسه إذ قام فيهم خاطباً
يدعو ألست أنا ابن بنت نبيِّكم

هل جئت في دين النبيّ ببدعةٍ

إن لم تدينوا بالمعاد فراجعوا

فغدوا حيارى لا يرون لوعظه

حتى إذا أسفت علوج أُميّة

صلّت على جسم الحسين سيوفهم

ومضـى لهيفاً لم يجد غير القنا

ظمآن ذاب فؤاده من غلّة

لهفي لجسمك في الصعيد مجـرّداً
فإذا هم لا يملكون خطابا
 وملاذكم إن صرف دهر نابا
 وأودع الثقلين فيكم عترة وكتابا
 أحسابكم إن كنتم أعرابا
 إلّا الأسنّة والسهام جوابا
 أن لا ترى قلب النبيّ مصابا
 فغدا لساجدة الظبى محرابا
 ظلاً ولا غير النجيع شرابا
 لو مسّت الصخر الأصم لذابا
 عُريان تكسوه الدماء ثيابــــا
[138].

***

الزهره تعنت الطف يوم عاشور
ومن جثه الجثه كامت ادور
تعاين وين المطّعن ومطبور

وما بين السيوف مكطّعينـــــــه
تعاين على الجثث كامت الزهره
واديها على الضلع والعين حمره
شافت جسد طايح على الغبره
ما ينعرف راســـه كاطعينـــــه

فكيف تعرّفت عليه السيدة الزهراء‘:

تدنت ليه تشمّه وعرفته حسين
صبغت راسها بدمه واليديـــــن
وصاحت آه يبني وهلّت العين
وكامت على الوجه تلطم حزينــه

***

المحاضرة السابعة: أبو طالب ×  مؤمنٌ مكتملُ الإيمانِ

روي عن إمامنا أبي جعفر الباقر× أنّه سُئل عمّا يقوله الناس أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: «لو وضعَ إيمانُ أبي طالبٍ في كفّةِ ميزانٍ وإيمانُ هذا الخلقِ في الكفةِ الأُخرى لرجح إيمانُه»[139].

قد يسأل اللبيب: ما هو السبب وراء كلّ هذه الجلبة والضجّة وراء أبي طالب× مع أنّه لا توجد في واحدٍ من أقرانه؟ «وليس لهم مأرباً في آباء المهاجرين أسلموا أو لم يسلموا، أو أنّ لهم غاية في إسلام أبوي أبي بكر، لكنّهم زمّروا لما لم يزل لهم فيه مكاء وتصدية من تكفير سيِّد الأباطح، شيخ الأئمّة أبي طالب، والد مولانا أمير المؤمنين (سلام الله عليهما)، وذلك بعد أن عجزوا عن الوقيعة في الولد فوجهوها إلى الوالد أو إلى الوالدين، كما فعله الحافظ العاصمي في زين الفتى. وكان من تهويلهم في تخفيف تلكم الوطأة أن جرّوا ذلك إلى والدي النبيّ المعظم’ وعليهما، حتى قال العاصمي في زين الفتى عند بيان وجه الشبه بين النبيّ والمرتضى (صلّى الله عليهما وآلهما): أمّا تشبيه الأبوين في الحكم والتسمية فإنّ النبيّ في كثرة ما أنعم الله تعالى عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إسلام أبويه، وعلى هذا جمهور المسلمين، إلّا شرذمة قليلون لا يُلتفت إليهم، فكذلك المرتضى فيما أكرمه الله به من الأخلاق والخصال وفنون النعم والأفضال لم يرزقه إسلام أبويه»[140].

وهذا الموضوع قضية قضائية نناقشها بحسب ما وصل إلينا من أدلّة، ولنجعل أبا طالب متّهماً في قضية كبرى وهي الموت كافراً أو مشركاً، ولنسأل أبا طالب هل أنت كنت مسلماً أم كافراً أم مشركاً؟

ولنسمع جوابه عن طريق أقواله وأفعاله، فإنّه سيقول لنا: أما تخافون الله تعالى؟! أما ترجون المعاد؟! أهكذا أباح لكم الدين اتّهام الآخرين؟! أشققتم عن قلبي ورأيتم عقيدتي، أم نظرتم في النجوم فجاءكم الجواب منها: أنّ أبا طالب مات مشركاً؟!

كيف تتعرّفون أيُّها المسلمون على إيمان الناس؟ ألا يكفيكم في ثبوت إسلامهم وإيمانهم ما يصدر منهم من أقوال وأفعال في هذا المجال؟

يقول ابن تيميّة ـ في معرض حديثه عن حكم المنافق ـ: «... ولما قال لأسامة بن زيد: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قال: إنّما قالها تعوّذاً. قال: هلّا شققت عن قلبه؟ وقال: إنّي لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. وكان إذا استؤذن في قتل رجل يقول: أليس يصلِّي أليس يتشهّد؟ فإذا قيل له: إنّه منافق. قال: ذاك، فكان حكمه (صلّى الله عليه وسلّم) في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحلّ منها شيئاً إلّا بأمرٍ ظاهرٍ مع أنّه كان يعلم نفاق كثيرٍ منهم؛ وفيهم مَن لم يكن يعلم نفاقه. قال تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)[141]، وكان مَن مات منهم صلّى عليه المسلمون الذين لا يعلمون أنّه منافق، ومَن علم أنّه منافق لم يصلِّ عليه. وكان عمر إذا مات ميت لم يصلِّ عليه حتى يصلِّي عليه حذيفة، لأنّ حذيفة كان قد علم أعيانهم»[142].

ولنستمع الآن إلى جواب أبي طالب عن التّهمة التي وُجهت إليه، وكيف سيجيب عنها، يقول أبو طالب مدافعاً عن نفسه: أيُّها الناس، أنا أبو طالب شيخ البطحاء عند المسلمين، اتّهمني بعضهم ظلماً وعدواناً، وستثبت براءتي بالوثائق التالية:

الوثيقة الأُولى: أقوالي وأشعاري

وهي التي رواها جميع المسلمين، وهي بين أيديكم، وكثيرة، وسأذكر بعضاً منها، ولكنّكم تعمّدتم عدم مطالعتها، وعدم الاهتمام بها؛ لأجل أن تتمّ دعواكم، لكنّي سأذكر بعضاً منها لكم؛ لكي لا يطول المقام:

1ـ أخرج الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين، عن ابن إسحاق قال: «قال أبو طالب أبياتاً للنجاشي يحضّهم على حسن جوارهم والدفع عنهم:

ليعلمْ خيارُ الناسِ أنّ محمّــداً
أتانا بهديٍ مثل ما أتيـا بـــهِ
وإنّكـم تتلونه في كتــابِكــم
وزيرٌ لموسى والمسيحِ ابنِ مريــمِ
فكلٌ بأمرِ اللهِ يهدى ويعصـــــم
بصدقِ حديثٍ لا حديثَ المبرجم»[143]

فأبو طالب يخاطب خيار الناس بهذه الأبيات بأنّ محمّداً’ نبيّ كسائر الأنبياء، وأنّه مبعوث كبعثتهم^.

2ـ روى الثعلبي في تفسيره[144]، والبغدادي في خزانته[145]، وابن كثير في تأريخه[146]، وابن حجر في فتحه[147]، والحلبي في سيرته[148]، وغيرهم في غيرها[149]: أنّ أبا طالب قال مخاطباً الرسولَ الأكرم’ بهذه الأبيات ـ كما في تاريخ ابن كثير ـ:

والله لن يصلوا إليكَ بجمعهم ‍
فأمضـي لأمرك ما عليكَ غضاضةٌ ‍
ودعوتني وعلمتُ أنّك ناصحي ‍
وعرضت ديناً قد عرفتُ بأنّه ‍
لولا الملامة أو حذاري سُبّـــــةً
 حتى أُوسَّد في التراب دفينا
 أبشـر وقرّ بذاكَ منك عيونا
 فلقد صدقتَ وكنت قدم أمينا
 من خير أديــــــان البرية دينا
 لوجدتني سمحاً بذاك مبينـــــا

وعلّق الشيخ الأميني& على البيت الأخير ـ بناءً على وجوده، وأنّه لم يكن من إضافات بعض المغرضين ـ قائلاً: «هب أنّ البيتَ الأخيرَ من صُلبِ ما نظمه أبو طالب× فإن أقصى ما فيه أنّ العارَ والسُبّةَ الذين كانَ أبو طالب× يحذرهما خيفة أن يسقط محلّه عند قريش فلا تتسنّى له نصرة الرسول المبعوث’، إنّما منعاه عن الإبانة والإظهار لاعتناق الدين، وإعلان الإيمان بما جاء به النبي الأمين، وهو صريح قوله: (لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً)، أي مظهراً، وأينَ هو عن اعتناق الدين في نفسه، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع؟ ولو كان يريد به عدم الخضوع للدين لكان تهافتاً بيِّناً بينه وبين أبياته الأُولى التي ينصّ فيها بأنّ دينَ محمّدٍ’ من خير أديان البرية ديناً، وأنّه’ وسلّم صادق في دعوته أمين على أُمّته»[150].

3ـ وأنا القائل أيضاً ـ كما روى ذلك ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ـ:

لقد أكرم اللهُ النبيَّ محمّــداً
وشــقَّ له من اسمهِ ليجلّـــــه
فأكرمُ خلــقِ اللهِ في الناسِ أحمدُ
 فذو العرشِ محمودٌ وهذا مُحمّدُ

وقال ابن أبي الحديد بعد هذين البيتين: «قالوا فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر، لأنّه إن لم تكن آحادها متواترة، فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك، وهو تصديق محمد’، ومجموعها متواتر، كما أنّ كلّ واحدةٍ من قتلات علي× الفرسان منقولة آحاداً، ومجموعها متواتر، يفيدنا العلمَ الضروريَّ بشجاعته، وكذلك القول فيما روى من سخاء حاتم...»[151].

4ـ وأنا القائل ـ كما أخرج السيوطي ذلك عن ابن عساكر في تأريخه ـ: وأبيض يُستسقى الغمام...، حيث قال: «أخرج ابن عساكر في تأريخه عن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكّة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب، اقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم واستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنّه شمس دجن تجلّت عنه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بإصبعه الغلام، وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، وأغدق وأغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب البادي والنادي، ففي ذلك يقول أبو طالب:

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه
يلوذ به الهلاك مـن آل هاشم
ثمال اليتامى عصمة للأرامــل
فهم عنده في نعــمة وفواضــل»[152].

الوثيقة الثانية: أفعالي ومواقفي

وأمّا الوثيقة الثانية على براءتي فهي أفعالي ومواقفي الدالّة على إيماني، وسأكتفي بذكر بعضها:

1ـ موقفي في بدء الدعوة

فقد روى ابن الأثير: «لـمّا أنزل الله على رسوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[153]، اشتدّ ذلك عليه وضاق به ذرعاً، فجلس في بيته كالمريض، فأتته عمّاتُه يعدنه، فقال: ما اشتكيت شيئاً، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فقلن له: فاُدعهم ولا تدع أبا لهب فيهم؛ فإنّه غير مجيبك! فدعاهم فحضروا معه نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا خمسة وأربعين رجلاً، فبادره أبو لهب وقال: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمّك فتكلّم ودع الصباة[154]، واعلم أنّه ليس لقومك بالعرب قاطبة، وإنّ أحقّ مَن أخذك فحبسك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدّهم العرب، فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشرٍّ مما جئتهم به، فسكت رسول الله ولم يتكلّم في ذلك المجلس، ثمّ دعاهم ثانية وقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ثمّ قال: إنّ الرائد لا يكذبُ أهلَه، والله الذي لا إله إلّا هو، إنّي رسول الله إليكم خاصةً، وإلى الناس عامّة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنّها الجنّة أبداً والنار أبداً.

فقال أبو طالب: ما أحبّ إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك وأشدّ تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنّما أنا أحدهم، غير أنّي أسرعهم إلى ما تحبّ، فامضِ لما أُمرت به، فو الله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أنّ نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب»[155].

قال الشيخ الأميني& ـ بعد أن نقل هذا النص ـ: «قال الأميني: لم يكن دين عبد المطلب (سلام الله عليه) إلّا دين التوحيد والإيمان بالله ورسله وكتبه، غير مشوب بشيء من الوثنية، وهو الذي كان يقول في وصاياه: إنّه لن يخرج من الدنيا ظلومٌ حتى يُنتقم منه وتصيبه عقوبة. إلى أن هلك ظلوم لم تصبه عقوبة. فقيل له في ذلك، ففكر في ذلك فقال: والله، إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته»[156].

2ـ حنوي وحمايتي وخوفي على رسول الله’

فقد روى ابن أبي الحديد ذلك عنّي، حيث قال: «وقرأت في أمالي أبى جعفر بن حبيب&، قال: كان أبو طالب إذا رأى رسول الله’ أحياناً يبكى ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي. وكان عبد الله أخاه لأبويه، وكان شديد الحبّ والحنو عليه، وكذلك كان عبد المطلب شديد الحبّ له، وكان أبو طالب كثيراً ما يخاف على رسول الله’ البيات إذا عرف مضجعه، يقيمه ليلاً من منامه، ويضجع ابنه عليّاً مكانه، فقال له على ليلة يا أبت، إنّي مقتول، فقال له:

اصبرن يا بنى فالصبر أحجى
قــــــدر الله والبلاء شديد
لفداء الأغرّ ذي الحسب الثاقب
إن تصبك المنون فالنبل تبرى
كلّ حيٍّ وإن تمــــلى بعمـــر

كلّ حيٍّ مصيره لشعوب[157]
لفداء الحبيب وابن الحبيب
 والبـــاع والكريم النجيب
 فمصيب منها، وغيــر مصيب
 آخــذ من مذاقها بنصيــــــــب

فأجاب علي×، فقال له:

أتأمرني بالصبر في نصـر أحمد
ولكنني أحببت أن ترى نصـرتي
سأسعى لوجه الله في نصـر أحمـد
ووالله ما قلت الذي قلت جازعاً
وتعلم أنّي لم أزل لك طائـعاً
نبي الهدى المحمود طفلا ويافعاً»[158].

وعلّق الشيخ الأميني& على هذه المحاورة بقوله: «إنّ القرابة والرحم تبعثان إلى المحاماة إلى حدٍ محدود، لكنّه إذا بلغت حدَّ التضحية بولد كأمير المؤمنين هو أحبّ العالمين إلى والده، فهناك يقف التفاني على موقفه، فلا يستسهل الوالد أن يعرض ابنه على القتل كلّ ليلة فينيمه على فراش المفدى، ويستعوض منه ابن أخيه، إلّا أن يكون مندفعاً إلى ذلك بدافع ديني وهو معنى اعتناق أبي طالب بالدين الحنيف، وهو الذي تعطيه المحاورة الشعرية بين الوالد والولد، فترى الولد يصارح بالنبوّة فلا ينكر عليه الوالد، بأنّ هذا التهالك ليس إلّا بدافع قومي غير فاتر عن حض ابنه على ما يبتغيه من النصرة، ولا متثبِّط عن النهوض بها (فسلام الله على والد وما ولد)»[159].

3ـ موقف لا يصنعه إلّا مَن هو مؤمن

وموقفٌ آخر من مواقفي التي لا يصنعها إلّا مَن هو مؤمن، رواه أهل السير، فقال القرطبي: «وروى أهل السير، قال: كان النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قد خرج إلى الكعبة يوماً وأراد أن يصلّي، فلمّا دخل في الصلاة، قال أبو جهل (لعنه الله): مَن يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته. فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فانفتل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) من صلاته، ثمّ أتى أبا طالب عمّه فقال: يا عمّ، ألا ترى إلى ما فُعِل بي؟ فقال أبو طالب: مَن فعل هذا بك؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): عبد الله بن الزبعرى. فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم، فلمّا رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون، فقال أبو طالب: والله، لئن قام رجل جللته بسيفي. فقعدوا حتى دنا إليهم، فقال: يا بني مَن الفاعل بك هذا؟ فقال: عبد الله بن الزبعرى. فأخذ أبو طالب فرثاً ودماً فلطّخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول»[160].

4ـ وموقف عندما دنت الوفاة

فعندما دنت منّي الوفاة، وهي اللحظات الحرجة التي تمرّ بالإنسان، فقد روى ابن سعد عنّي ذلك، حيث قال: «إنّ أبا طالب دعا بني عبد المطلب، فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّدٍ وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا»[161].

هذه بعضُ أقوالي وأفعالي، فهل يحقّ لأحدٍ أن يتّهمني بأنّي مت كافراً، وأنّي في ضحضاحٍ من نار؟! كما روى البخاري في سقيمه! حيث قال: «عن عباس بن عبد المطلب، قال: يا رسول الله، هل نفعتَ أبا طالب بشيءٍ، فإنّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم هو في ضحضاح من نار، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»[162].

كيف أكون في ضحضاحٍ من النار وولدي عليٌّ أمير المؤمنين قسيم الجنّة والنار؟! ولذا روى المفضّل بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين علي× أنّه كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذَّبٌ في النار؟! فقال له: «مه فضَّ الله فاك، والذي بعث محمداً بالحقّ نبياً، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله، أبي معذّب في النار وابنه قسيم الجنّة والنار؟! والذي بعث محمداً بالحق، إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلّا خمسة أنوار: نور محمد، ونور فاطمة، ونور الحسن والحسين، ونور ولده من الأئمّة...»[163].

كيف يكون في النار مَن يرثيه قسيم الجنّة والنار، حيث يقول:

أبا طالبٍ عصمة المُستجيرِ
لقد هدَّ فقدُك أهلَ الحفاظِ
ولقّاكَ ربُّك رضوانَه
وغيث المحولِ ونور الظلم
فصلّى عليكَ وليُّ النعم
فقد كنتَ للطهرِ من خيرِ عم[164].

***

المحاضرة الثامنة: القرآن.. أحسن الحديث وربيع القلوب

روي عن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «وتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّه أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وتَفَقَّهُوا فِيه فَإِنَّه رَبِيعُ الْقُلُوبِ، واسْتَشْفُوا بِنُورِه فَإِنَّه شِفَاءُ الصُّدُورِ، وأَحْسِنُوا تِلَاوَتَه فَإِنَّه أَنْفَعُ الْقَصَصِ»[165].

القرآن الكريم دستورٌ عمليٌّ متكامل، يأخذ كلُّ واحدٍ منه بقدر ما أفرغه من قلبه له، من علومٍ وعِبَر، فقد يأخذ البعض منه العبارة ويكتفي بها، ويكون همّه الشاغل الاهتمام بفنِّ التجويد، ومخارج الحروف، والقراءات المختلفة، وما شاكل ذلك، والبعض الآخر يشغل عمرَه بمتابعة أسباب النزول، إلى غير ذلك، والحال أنّ القرآن الكريم كتاب هدايةٍ، الغرض الأصلي منه ليس هذا ولا ذاك؛ لذا يصرِّح القرآن الكريم نفسُه بماهيته، حيث يقول الله تبارك وتعالى عن كتابه الكريم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[166]، فإذا كان صاحب القرآن الكريم
ـ وهو الله تعالى ـ يصرِّح بأنَّ هذا الكتاب كتاب هداية، فلماذا الاهتمام الكبير في غير هذا الجانب؟! فهل يمكن للإنسان أن يورد على كتابٍ مكتوب في علم الفيزياء مثلاً أنّه: لماذا لم يتعرّض إلى أقسام الفعل في اللغة العربيّة؟ فهذا كمَن يستعمل العلاج المعيّن لغير المرض الذي لم يكتب له هذا المرهم أصلاً.

وفي هذه الكلمة للإمام أمير المؤمنين× مقاطع أربعة أقف عندها بالميسور إن شاء الله تعالى:

المقطع الأول: تعلّم القرآن الكريم

 لقد ورد الحثّ الأكيد على تعلّم القرآن الكريم والاهتمام به، فقد روي عن النبيّ الأكرم’ أنّه قال: «خيرُكم مَن تعلّم القرآن وعلّمه»[167]، ومن الطبيعي أنّه ليس المراد بالتعليم حفظ ألفاظه ومعرفتها، بل المراد به معرفة معانيه، وتفسير ألفاظه، ومعرفة ما يؤدّي إليه لفظه من المعاني، ليستدلّ به على التوحيد، ومعرفة الأحكام الشرعية، كما أنّ فيه دلالة على أنّ ذلك أفضل العلوم، والمقصود منه حثّ الناس وتحريضهم على تعلّم ذلك العلم وتعليمه معاً[168].

وعنه’ أنّه قال: «ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمَن عنده»[169]، ولو لم نعثر ولا على روايةٍ واحدة في الحثّ على تعلّم القرآن الكريم، فالعقل يدعونا لذلك؛ لأنّه لا نتمكّن من العمل به ما لم نتعلّمه، والغرض من وراء هذا الكتاب هو العمل، فأصبح التعلّم مقدمةً لازمة للعلم.

ثمّ إنّ الإمام× علّل السبب في الحثّ على تعلّم القرآن الكريم بأنّه أحسن الحديث، أي أحسن الكلام، وسمّى الكلام به بالحديث؛ لتجدّده وحدوثه شيئاً فشيئاً، ولعلوّ مقامه، وسموّ مكانه، وحسن نظمه، وجلالة قدره، وبعد غوره، وعذوبة معناه، ودقّة مغزاه، واشتماله على ما لم يشتمل عليه غيره من كلام المخلوقين، كان أحسن الكلام، وأمر× بتعلُّمه بذلك الاعتبار، مضافاً إلى ما يترتّب على تعلُّمه من عظيم الفوائد ومزيد القسم والعوائد[170].

فكم هو جميلٌ أن يكون حديثنا القرآن الكريم، ومنهل علومنا القرآن الكريم، ونعيش معه ومع علومه، ونستشهد به في مجالسنا ومواعظنا وكلّ شيء.

المقطع الثاني: التفقّه في القرآن الكريم

ثمّ ينتقل الإمام× في المقطع الآخر إلى التفقّه في القرآن الكريم، حيث قال:«تَفَقَّهُوا فِيه فَإِنَّه رَبِيعُ الْقُلُوبِ»، أي: تفهّموا في القرآن؛ وذلك لأنّه ربيع القلوب، واستعار× له لفظ الرّبيع باعتبار كونه جامعاً لأنواع الأسرار العجيبة، والنكات البديعة، والمعاني اللّطيفة، والعلوم الشريفة التي هي متنزّه القلوب، كما أنّ الرّبيع جامع لأنواع الأزهار والرياحين التي هي مطرح الأنظار ومستمتع الأبصار.

ومحصّل المعنى: أنّه يجب عليكم أخذ الفهم في القرآن؛ كيلا تُحرَموا من فوائده، ولا تغفلوا عن منافعه؛ فإنّه بمنزلة الرّبيع المتضمِّن للفوائد الكثيرة والمنافع العظيمة.

ويحتمل أن يكون المراد بالتفّقه التبصّر والبصيرة في أمر الدّين، والفقه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى، وعلى هذا الاحتمال فتعليل الأمر بالتفقّه بكونه ربيعاً إشارة إلى أنّ الرّبيع كما أنّه مورد الاعتبار بما أودع الله فيه من عجائب العِبَر والأسرار، وأخرج فيه من بدايع النبات والأزهار وغيرها من شواهد الحكمة وآثار القدرة، فكذلك القرآن محلّ الاستبصار بما تضمنّه من حكاية حال الأُمم الماضية والقرون الخالية، وتفصيل ما أعطاه الله سبحانه للمطيعين من عظيم الثواب، وجزاه للمسيئين من أليم العقاب والعذاب، وغير ذلك ممّا فيه تذكرة لأُولي الأبصار، وتبصرة لأُولى الألباب[171].

المقطع الثالث: الاستشفاء بنور القرآن الكريم

ثمّ يأتي المقطع الثالث عنه×: «واسْتَشْفُوا بِنُورِه فَإِنَّه شِفَاءُ الصُّدُورِ»، شفاءٌ لها من الأسقام الظاهرية والباطنية، كما يدلّ عليه ما رواه في الكافي الشريف بسنده، عن أبي عبد الله، عن آبائه^، قال: «شكى رجلٌ النّبيَّ’ وجعاً في صدره، فقال: استشفِ بالقرآن؛ فإنّ الله يقول: (وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)[172]»[173].

وممكن لنا أن نضع أيدينا على بعض المصاديق في الاستشفاء بنور القرآن الكريم:

شفاء الأمراض الظاهرية: وهذا بحاجة إلى عقيدةٍ قويّةٍ بالقرآن الكريم، كباقي الأُمور التي يعتمد الإنسان عليها، فالدعاء والاستشفاء بالتربة الحسينيّة المقدّسة فرع العقيدة الصحيحة، فقد ورد في بعض النصوص الشريفة أن ندعو ونظن أنّ حاجتنا بالباب، فقد روي عن الإمام أبي عبد الله× أنّه قال: «إذا دعوتَ فاقبل بقلبك، وظنّ أنّ حاجتك بالباب»[174]، وأمّا أن يستعمل الإنسان القرآن الكريم للتجربة، فحاله كحال الذي يريد أن يختبر الكريم، ويجرّب الجواد، فإنّه من أشدّ التصرّفات التي تؤذي أهل الجود والكرم.

2ـ شفاء الأمراض الباطنية: سواء كانت عقلية أم فكرية، أم غيرها من الأمراض، فمقتضى الإطلاق في الآية الشريفة ـ شفاءٌ لما في الصدور ـ يكون شفاءً لكلّ ما في باطن الصدور، وما الذي في الصدور؟! في الصدور القلوب التي تعمر بالإيمان، وفي الصدور العقائد الحقّة، وفيها الظنون الطيبة والظنون السيئة، إلى غير ذلك ممّا لا يعلمه إلّا الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[175]، القلوب التي تعمى بالذنوب والمعاصي: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[176]، وتحيى بالموعظة، كما صرّح القرآن الكريم بذلك، حيث يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)[177].

فكم من عقيدةٍ خاطئة صحّحها التدبّر في نور القرآن الكريم، يقول أحدهم: «قبل حوالي أربعين عاماً، حيث كنت في مدينة كربلاء المقدّسة، كُتب في إحدى المجلات آنذاك أنّ أحد علماء السنة اعتنق المذهب الشيعي، فلما سُئل عن سبب تشيُّعه، قال: لقد شيّعني حرف جر واحد في القرآن الكريم!!

فقيل له: وما هو؟ قال: أنا أقرأ القرآن كثيراً، وفي إحدى المرّات كنت أقرأ سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)[178]، حتى وصلت إلى آخر آية من السورة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ...)[179]، أي أصحاب النبي الأكرم’، لاحظت أنّ الله قد ذكر أصحاب النبي’ في هذه السورة ثلاث عشرة مرّة بصيغة الجمع أو مع ضمائر الجمع، ولكنّه سبحانه وتعالى حين يتحدّث عن مسألة الدخول إلى الجنة، يذكرهم بصيغة التبعيض وليس الجمع، فيقول سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ)[180]؛ وكلمة (مِنْهُمْ) للتبعيض، فرحت أستغرق في التفكير في هذا الأمر، ولماذا لم يشملهم الخطاب جميعاً؟

وقلت مع نفسي: يجب أن أحقّق وأدقّق في ذلك، فوجدت في آخر المطاف أنّ صيغة التبعيض هذه تعود إلى الأصحاب أنفسهم؛ وهكذا صرت شيعيّاً»[181].

إذن علينا جميعاً أن لا ندع أوقاتنا تذهب هدراً، بل علينا أن ندرس ونطالع بشكل صحيح؛ لأنّ أهل العقائد الباطلة إنّما يتّبعون ما تشابه منه.

المقطع الرابع: الإحسان في تلاوة القرآن الكريم

ثمّ يأمرنا الإمام× بالإحسان في تلاوة القرآن الكريم، حيث يقول×: «وأَحْسِنُوا تِلَاوَتَه فَإِنَّه أَنْفَعُ الْقَصَصِ»، ولا شكَّ أنّ الإحسان في التلاوة فرع التلاوة، وعليه فلا بدّ أن نتأمّل في بعض ما روي في فضل وثواب تلاوة القرآن الكريم من خلال التأمّل في هذه الرواية الشريفة، روى الشيخ الكليني& في الكافي الشريف عن سيدنا ومولانا الإمام أبي جعفر الباقر× أنّه قال: «قَالَ رَسُولُ الله’: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، ومَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الذَّاكِرِينَ، ومَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، ومَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْخَاشِعِينَ، ومَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ، ومَنْ قَرَأَ خَمْسَمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، ومَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَه قِنْطَارٌ مِنْ تِبْرٍ، الْقِنْطَارُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ، والْمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ قِيرَاطاً أَصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وأَكْبَرُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ»[182].

هذا هو بعض فضل التلاوة، وأمّا الإحسان فيها، فقد يكون أحد معاني الإحسان لتلاوة القرآن الكريم تلاوةً يحيي بها القارئ قلبَه، وأحد طرق تحصيل ذلك هو أن نقرأ بطريقة الترتيل بحسب اصطلاح القرآن الكريم، فقد روى الشيخ الكليني& في الكافي الشريف بإسناده، عن عبد الله بن سليمان، قال: «سألت أبا عبد الله× عَنْ قَوْلِ اللَّه : ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ×: بَيِّنْه تِبْيَاناً ولَا تَهُذَّه هَذَّ الشِّعْرِ، ولَا تَنْثُرْه نَثْرَ الرَّمْلِ، ولَكِنْ أَفْزِعُوا قُلُوبَكُمُ الْقَاسِيَةَ، ولَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ»[183].

فعلى القارئ أن يتلو القرآن الكريم تلاوةً يُفهم بها عقلَه أنّه في محضر القدس الإلهي، وبين يدي جبّار السماوات والأرضين، ولأجل تحصيل هذا الشعور عليه أن يتذكّر أنّ المُنزِل لهذا الدستور العظيم والمحافظ عليه هو الله تعالى، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[184]، وأنَّ المُنزَل عليه هو خاتم الأنبياء والمرسلين المصطفى محمّد’، وأنّ الشهر الذي أُنزل فيه هذا الكتاب هو شهر رمضان المبارك، وهو أعظم الشهور وأفضلها، وأنّ الليلة التي أُنزل فيها هي ليلة القدر، وأنّها ليلة مباركة عظيمة، وأنّ المفسِّر والمبيِّن لهذا القرآن الكريم هم محمّد وآل محمّد^، فبهذه المعاني يكون القرآن حاضراً في قلب التالي له، فيستشعر العظمة الحقيقية، فيتعامل معه على هذا الأساس[185].

ثمّ يعلّل الإمام أمير المؤمنين× هذا الأمر ـ الإحسان في التلاوة ـ بقوله×: «فَإِنَّه أَنْفَعُ الْقَصَصِ»، يعني: أنّه لـمّا كان أحسن القصص وأنفعها، كما يرشد إليه قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا)[186]، لا جرم أنّه ينبغي أن تُحسن تلاوته، وأن يُتلى حقّ التلاوة بحسن التّدبّر والنظر؛ لتُدرك منافع قصصه، وتُنال بها من الفوائد العظيمة[187].

ومن فوائد القصص القرآني الكريم أخذ العِبَر من تلك القصص والتفكّر فيها، ومقايسة الإنسان نفسه بصاحب القصة، فعندما يمرّ بقصة بلعم بن باعورا، التي جاءت في قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)[188]، يتأمّل فيها جيداً ويحذر أن يكون مصداقاً آخر لهذه القصّة.

وقد روي عن الإمام أبي الحسن الرضا×: «أنّه أُعطي بلعم بن باعورا الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيُستجاب له، فمال إلى فرعون، فلمّا مرَّ فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم: ادعو الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمرّ في طلب موسى وأصحابه فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها، فأنطقها الله ، فقالت: ويلك! على ما تضربني؟! أتريد أجئ معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين؟! فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه، وهو قوله (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)»[189].

ويتأمّل في قصة نبي الله يوسف× وما صنع به إخوته، ويتأمّل صنع الله به، وهكذا يتأمّل في قصّة فرعون وقارون وأصحاب الكهف وسائر القصص القرآني؛ فإنّ العِبرَة في التفكّر، كما ذكر لنا القرآن الكريم نفسه، حيث قال: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[190]، ونتفكّر بالظلم الذي وقع على أهل بيت العصمة والطهارة، ونتفكّر بحال الظالمين، نتأمّل تأريخ الإمام أمير المؤمنين× وتأريخ أعدائه الذين شتموه على المنابر وهم اليوم في المزابل، وأحسن الشاعر العملاق الأستاذ محمد المحجوب، وهو سوري سنّي المذهب، حيث يقول:

أين القصورُ أبا يزيد ولهوُها
أين الدهاءُ نحرت عزّته على
هذا ضريحُك لو بصـرت ببؤسهِ
كتلٌ من الترب المهين بخربة
والصافناتُ وزهوُها والسؤددُ
أعتابِ دنيا سحرُها لا ينفدُ
لأسال مدمعك المصيرُ الأسودُ
سَكَر الذبابُ بها فراح يُعربدُ

***

إلى أن يقول:

قم وارمق النجفَ الشّـَريف بنظرةٍ
أبداً تباكرها الوفود يحثّها
يرتد طرفُك وهو باكٍ أرمدُ
من كلِّ صوبٍ شوقها المتوقدُ[191].

***

المحاضرة التاسعة: سُؤالُ الْمَوْءُودَةُ

قال تعالى في كتابه الكريم: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[192].

كان المجتمع الجاهلي مجتمعاً غريبَ الأطوار، وبعيداً عن الثقافة الدينية كلّ البعد، ويكفيك أن تضع يدك على الآيات الذامّة لهم، مثل قوله تعالى: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)[193]، وقوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[194]، وقوله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[195]، وقوله تعالى:
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)[196]، بل هم على شرِّ دينٍ وفي شرِّ دار، كما عبّر الإمام أمير المؤمنين×، حيث قال: «وأنتم معشرَ العربِ على شرِّ دينٍ وفي شر دار، متنخون بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة»[197].

والأمر لم يقتصر على الدين والأخلاق فحسب، بل حتى على المستوى المدني المتمثِّل بالنظافة والطهارة والذوق السليم، يقول الأصمعي: «دنوت من بعض الأخبية في البادية فسُقيت لبناً في إناء، فلمّا شربتُه قلتُ: هل كان هذا إلّا إناءً نظيفاً؟! فقيل: نعم نأكل منه في النّهار، ونبول فيه باللَّيالي، فإذا أصبحنا سقينا فيه الكلب فلحسه ونقّاه. فقلت: لعنك الله ولعن هذه النظافة»[198].

وكانت ظاهرة وأد البنات واحدة من تلك المظاهر المنتشرة في العصـر الجاهلي، فتعال لنتعرّف على هذه الظاهرة وأسبابها.

السبب في وأد البنات

المقصود بالوأد الثقل، قال الفخر الرازي: «وأد يئد مقلوب من آد يئود أوداً، ثقل، قال تعالى: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)، أي يثقله: لأنّه إثقال بالتراب كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد بقاء حياتها ألبسها جبّة من صوف أو شعر لترعى له الإبل والغنم في البادية، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا بلغت قامتها ستة أشبار فيقول لأُمّها: طيّبيها وزيّنيها حتى أذهب بها إلى أقاربها. وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها إلى البئر فيقول لها: اُنظري فيها. ثمّ يدفعها من خلفها، ويهيل عليها التراب حتى يستوي البئر بالأرض، وقيل كان الحامل إذا قربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإذا ولدت بنتاً رمتها في الحفرة، وإذا ولدت ابناً أمسكته»[199].

أمّا السبب في هذه الجريمة البشعة فيعود لعدة أُمور:

الأمر الأول: كانوا يقولون: إنّ الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به[200]، وقد أشار الباري} إلى هذه العقيدة بقوله تعالى: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا) [201].

الأمر الثاني: أنّ السبب في ذلك هو أنّ رسول الله’ دعا عليهم، فقال: «اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف»، فأجدبوا سبع سنين حتّى أكلوا الوبر بالدم، كانوا يسمّونه العلهز فوأدوا البنات لإملاقهم وفقرهم[202]. ويؤيّد ذلك قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ)[203].

ثمّ إنّ قتل الأولاد فيه خسارة لنفس الوالدين، قال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [204]

 الأمر الثالث: قال قوم: بل كان وأدهم للبنات أنفة، وذلك أنّ تميماً منعت النعمان بن المنذر الإمارة سنة من السنين، فوجّه إليهم أخاه الريّان وجلّ مَن معه من بكر بن وايل، فاستاق النعم وسبا الذراري، فوفدت بنو تميم إلى النعمان فاستعطفوه فرقّ لهم وأعاد عليهم السبي، وقال: كلّ امرأة اختارت أباها رُدِّت إليه، وإن اختارت صاحبها تُركت عليه. فكلهنّ اخترن أباهنّ إلّا ابنة قيس بن عاصم فإنّها اختارت مَن سباها. فنذر قيس بن عاصم التميميّ أنّه لا تولد له بنت إلّا وأدها. ففعل ذلك، ثمّ اقتدى به كثير من بنى تميم[205].

الأمر الرابع: احتقار المجتمع الجاهلي للمرأة، ووجود الفقر الشديد في تلك الحقبة الزمنية، والمرأة كانت مستهلكة غير منتجة، إضافة لعدم اشتراكها في الغارات التي تقوم بها القبيلة لتوفير لقمة العيش. وممّا يؤسف له أنّ جاهلية القرون الأخيرة قد كررت تلك الممارسات البشعة وبصور أُخرى، حتى وصل ببعض الدول التي تدّعي التمدّن والتحضّر لأن تقنّن وتقر حرية إسقاط الجنين! نعم، فالحال واحدة.. فإذا كان أهل الجاهلية الأُولى يقتلون البنت، فمتمدِّني هذا العصر يقتلون الأطفال وهم في بطون أُمّهاتهم، بنتاً أو ابناً![206]. والحال إنّ إسقاط الجنين محرّم شرعاً وعقلاً؛ لكونه صورة قتل صريحة وواضحة، وله أحكام في الفقه الجنائي.

وقد بالغ الله تعالى في التشديد على وأد البنات الذي كان سائداً قبل الإسلام لعدّهن عاراً على آبائهن وبيوتهن، فقال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ).

وقد أقرّ الإسلام مكانة المرأة الاجتماعية، فقد ساوى بينها وبين الرجل من حيث تدبير شؤون الحياة بإرادتها وعملها، فإنّها تساوي الرجل من حيث تعلّق إرادتها بما يحتاج إليه المجتمع الإنساني في كلّ لوازم بقائه؛ إذ قال تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)[207] فللمرأة أن تستقلّ بالإرادة ولها أن تستقلّ بالعمل، وتملك نتاج عملها، كما كان ذلك للرجل من غير فرق، فقال تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)[208]، وقال تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[209].

نعم قرّر الإسلام اختلافها عن الرجل في نقطتين:

الأُولى: إنّها بمنزلة الحرث في تكوّن النوع الإنساني ونمائه، فعليها يعتمد النوع في بقائه، فتختص بأحكام بمثل ما يختص به الحرث، إذن هي تمتاز عن الرجل في هذه النقطة.

الثانية: إنّ وجود المرأة يبتني على الرقّة والرأفة واللطافة، كما قال الإمام أمير المؤمنين×: «فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»[210]، فتحوّل إليها الأعمال والوظائف الاجتماعية التي تنسجم مع هذه الصفات[211].

وهذه الآية تؤكِّد لنا ما روته الأحاديث عن قسوة العرب على المرأة، ومدى احتقارهم لها، وقد ساءهم نزول الوحي حينما جاء ينصف المرأة، ويجعل لها نصيباً من المال كغيرها من الورثة، فعاتب بعض العرب الرسول في ذلك محتجاً عليه بأنّها لا تركب الفرس ولا تقابل العدو، وكان يحقّ لابن الزوج أن يتزوج بزوجة أبيه إذا لم تكن أُمّاً له، فحرّم عليهم الإسلام هذا الزواج، ونهت عنه الآية الكريمة من سورة النساء، قال سبحانه: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا)[212]. وكلّ ذلك عناية من الإسلام بالمرأة[213].

الأقوال في الْمَوْءُودَةِ

ثمّ أنّه قد اختلفت الأقوال في الْمَوْءُودَةِ ما هي؟ على عدّة أقوال؛ والسبب في هذا الاختلاف هو الاختلاف في الروايات، وهي طوائف، ولكن سنعرض منها بعض الروايات:

الرواية الأُولى: ما روي عن ابن عبّاس: «كانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها فإن ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة وإن ولدت غلاماً حبسته»[214].

كيفيّة سُؤالِ الْمَوْءُودَةِ؟

لو أمعنا النظر في أُسلوب كلام الآية، لرأينا أن السؤال سيوجه يوم القيامة إلى الموءودة نفسها دون الوائد المقيم على الذنب، الذي قُتلت من أجله، وكأنّ القاتل لا قيمة له حتى يسأل عن قباحة جريمته، بالإضافة إلى الاكتفاء بشهادة الموءودة لإثبات جريمة الوائد عليه، فالموءودة تعامل يوم القيامة باعتبارها إنسان محترم له حقوقه، والرائد مهمل مهان[215].

وقد يسأل سائل عن قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، فيقول: كيف يصح أن يُسأل مَن لاذنب له ولا عقل، فأي فائدة في سؤالها عن ذلك؟ وما وجه الحكمة فيه؟ وما الموءودة؟ ومن أي شيء اشتقاق هذه اللفظة؟!

الجواب: أمّا معنى (سُئلت) ففيه وجهان:

 أحدهما: أن يكون المراد أنّ قاتلها طولب بالحجة في قتلها، وسُئل عن قتله لها، وبأي ذنب كان؟ على سبيل التوبيخ والتعنيف، وإقامة الحجة. فالقَتَلَة هاهنا هم المسؤولون على الحقيقة لا المقتولة، وإنّما المقتولة مسؤول عنها، ويجرى هذا مجرى قولهم: سألت حقّي، أي طالبت به، ومثله قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)، أي: مطالباً به مسؤولاً عنه.

والوجه الآخر: أن يكون السؤال توجّه إليها على الحقيقة على سبيل التوبيخ له والتقريع له، والتنبيه له على أنّه لا حجّة له في قتلها، ويجرى هذا مجرى قوله تعالى لعيسى×: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)[216] على طريق التوبيخ لقومه وإقامة الحجّة عليهم[217].

ويمكن أن يكون الله سبحانه أكملها في تلك الحال، وأقدرها على النطق حتى قالت ذلك القول، ويعضده ما روي عن النبي’ أنّه قال: «يجئ المقتول ظلماً يوم القيامة، وأوداجه تشخب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، متعلِّقاً بقاتله، يقول: يا ربّ، سل هذا فيمَ قتلني»[218].

الرواية الثانية: ما روي عن أبي عبد الله× في قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، قال: «يقول: أسألكم عن المودّة التي نزلت عليكم فضلها مودّة القربى، بأي ذنب قتلتموهم؟!»[219].

الرواية الثالثة: ما روي عن أبي عبد الله× في قول الله: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، قال: «نزلت في الحسين بن علي‘»[220].

الرواية الرابعة: ما في تفسير علي بن إبراهيم، عن أبي جعفر× في قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، قال: «مَن قُتل في مودّتنا»[221].

ومن طريف القول ما كتبه المأمون لبعض مَن سأله من بني هاشم، وفيه يذكر فضل أهل البيت^ عموماً وأمير المؤمنين× خصوصاً، جاء فيه: «... ثمّ نحن، وهم يد واحدة، كما زعمتم، حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا فأخفناهم وضيّقنا عليهم وقتلناهم أكثر من قتل بني أُميّة إياهم.

ويحكم! إنّ بني أُميّة إنّما قتلوا منهم مَن سلّ سيفاً، وإنّا معشر بني العباس قتلناهم جملاً، فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قُتلت، ولتسألن نفوس أُلقيت في دجلة والفرات، ونفوس دُفنت ببغداد والكوفة أحياءً، وهيهات إنّه مَن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره»[222].

الرواية الخامسة: ما رواه المفضّل، عن الإمام أبي عبد الله الصادق×، قال: «يا مولاي أسال؟ قال: اسأل. قال: يا مولاي (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ). قال: يا مفضل تقول العامة: إنّها في كلّ جنين من أولاد الناس يقتل مظلوماً. قال المفضل: نعم، يا مولاي هكذا يقول أكثرهم. قال: ويلهم من أين لهم؟! هذه الآية هي لنا خاصّة في الكتاب، وهي محسن×؛ لأنّه منّا، وقال الله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، وإنّما هي من أسماء المودّة، فمن أين إلى كلّ جنين من أولاد الناس، وهل في المودّة والقربى غيرنا يا مفضل؟ قال: صدقت يا مولاي، ثمّ ماذا؟ قال: فتضرب سيدة نساء العالمين فاطمة يدها إلى ناصيتها، وتقول: اللّهم أنجز وعدك وموعدك فيمَن ظلمني وضربني وجرَّعني ثكلَ أولادي. ثم تلبيها ملائكة السماء السبع، وحملة العرش، وسكان الهواء، ومَن في الدنيا، وبين أطباق الثرى، صائحين صارخين بصيحتها وصراخها إلى الله، فلا يبقى أحد ممّن قاتلنا ولا أحبّ قتالنا، وظلمنا ورضي بغضبنا وبهضمنا، ومنعنا حقّنا الذي جعله الله لنا إلّا قُتل في ذلك اليوم كلّ واحد ألف قتلة، ويذوق في كلّ قتْلة من العذاب ما ذاقه من ألم القتل سائر مَن قُتِل من أهل الدنيا من دون مَن قُتِل في سبيل الله، فإنّه لا يذوق الموت، وهو كما قال الله : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)»[223].

و«رغماً على آناف أهل الجاهلية وسوء آرائهم أكرم الله تعالى حبيبَه محمداً’ بحبيبته فاطمة؛ ليفهم الناس أنّ هذا ليس بنقيصةٍ، وإلّا لما جعله الله لحبيبه، وقد تنزه عن كلّ نقص وعيب، فأعطاه فاطمة الزهراء، وقد ولد له القاسم والطاهر وإبراهيم وكنى’ بأسمائهم: أبا القاسم، وأبا الطاهر، وأبا إبراهيم، ولكن أخذهم من حبيبه وأبقى له فاطمة، وجعل نسله منها، ولذا قال’: ذرّية كلّ نبي من صلبه، وذرّيتي من ابنتي فاطمة، وقال له: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)[224]، يعنى: الخير الكثير من فاطمة، وهو كثرة الذراري، من أجل ذلك سُمّيت بالمباركة.

وقال عبد الله بن سليمان بن فرات: قرأت في الإنجيل في وصف النبي’ نكاح النساء ذو النسل القليل، إنّما يكون نسله من ابنة له مباركة ـ يعني هي التي أعطى الله البركة في نسلها ـ بحيث إنّ الكفرة والفجرة كلّما يجتهدون في أن يبيدوا نسلها عن جديد الأرض يأبى الله ذلك، ولقد اجتهدت وسعت فراعنة الأُمّة في ذلك وأتلفت ذراري رسول الله’ تحت كلّ حجر ومدر ومغارة، وبنوا عليهم الأسطوانات وقتلوهم وشرّدوهم، بل ومن الفراعنة أراد أن يحرقهم بالنار وهو أبو جعفر المنصور. وجّه إلى الحسن بن يزيد والى المدينة: أن أحرق الدار على جعفر بن محمد الصادق. ففعل الوالي، فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله يتخطّى النار ويمشي فيها، ويقول: أبا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله، وهذا ليس بأول قارورة كُسرت في الإسلام، ولقد أضرموا النار على جدّته الزهراء، وأرادوا أن يحرقوها وعلياً والحسنين بالنار، نار التي أضرموها على باب الزهراء÷ هي التي أحرقت دار إمامنا الصادق×، وأحرقت خيم الحسين×»[225].

ومَن في هذه البيوت وخلف الأبواب وتحت الخيام؟! فيها وتحتها الأطهار والأنوار وسادة الخلق أجمعين، فلعنة الله تعالى على مَن أسّس حرق الأبواب والبيوت والخيام، ورحم الله البرقي حيث يقول:

وليس في البيتِ إلّا كلُّ طاهرةٍ
فلم أقل غدرا، بل قلتُ قد كفرا
وكلّ ما كان من جورٍ ومن فتنٍ
من النساء وصدّيقٍ وسبطانِ
والكفرُ أيسـر من تحريقِ ولدانِ
ففي رقابهما في النار طوقانِ[226].

***

المحاضرة العاشرة: النساء الكُمّل

روي عن أبي موسى، قال: قال رسول الله’: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد’»[227].

الكمال صفةٌ يتمنّاها كلُّ إنسان، وهي تتمثلُ بعدّة علامات في الشخص، فقد يكون بصفة العلم، فيُقال: هذا الفرد كاملٌ من جهة العلم، وقد يكون تامٌّ من جهة الأخلاق، فيُقال: هذه المرأة كاملة الأخلاق، وقد يكون غير ذلك، وقد يُعظّم الإنسان من كلّ الجهات، فيكون الإنسان الكامل، الذي أشارت إليه الرواية الشـريفة المروية من الفريقين، فيكون الإنسان حينئذٍ من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، وهم كثير كمّلٌ كلّهم وعلى جميع المستويات، من العلم والحلم والشجاعة والعبادة والزهادة، وكلّ شيء، وقد روى الشيخ الصدوق& عن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «كمال الرجل بستِّ خصال بأصغريه، وأكبريه، وهيئتيه. فأمّا أصغراه: فقلبه ولسانه، إن قاتل قاتل بجنان، وإن تكلّم تكلّم ببيان. وأمّا أكبراه: فعقله وهمّته. وأمّا هيئتاه: فماله وجماله»[228]، ولكن لـمّا لم يكن عندنا من النساء أنبياء ولا أوصياء صار كمال النساء محصوراً بقلّة، أشار إليها الحديث الشريف.

وهنا وقفة قصيرة مع البخاري وغيره ممّن روى هذا الحديث، حيث إنّهم ذكروا الحديث بطريق ملتوٍ آخر، وبنفس السند، حيث قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإنّ فضلَ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»[229].

وهو كما تلاحظ التفاف على الحديث واضح، وخيانة سافرة للأمانة التي أُلقيت على عاتق أهل الحديث، فأنت تلاحظ بشكل واضح أنّ هذا الانفراد مخالفٌ لما رواه مشهور الفريقين، فيكون شاذاً، كشذوذ حديث ابن كثير في تفسيره ـ وإن كان بسند آخر ـ «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا ثلاث...»، وقد حذف فاطمة‘ من النساء الكمّل[230].

مضافاً إلى أنّ نسق الحديث ولحن الكلام قد اختلف تماماً، فأنت ترى الهبوط في الألفاظ من الكمال إلى الثريد، وهذا لا يخفى على أدنى الناس، بل الأعراب وأهل البادية يدركون ذلك، فضلاً عن أهل العربية والبلاغة من المفسِّرين، كما روى الرازي في تفسيره، قال: «قال الأصمعي: كنت أقرأ سورة المائدة ومعي أعرابي، فقرأت هذه الآية، فقلت: (والله غفورٌ رحيم) سهواً، فقال الأعرابي: كلام مَن هذا؟ فقلت: كلام الله. قال: أعد، فأعدت: (والله غفورٌ رحيم)، ثمّ تنبهت، فقلت: (والله عزيزٌ حكيم). فقال: الآن أصبت. فقلت: كيف عرفت؟ قال: يا هذا، عزيزٌ حكيم، فأمر بالقطع، فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع»[231].

وفي الحديث الذي ذكره البخاري ومسلم وغيره نرى نفس التعجّب والاستنكار الذي أحسَّ به الأعرابي مع الأصمعي؛ إذ كيف يجعل الفضل لعائشة، فلم يجد إلّا طريق الثريد، وكأنّما الثريد أمرٌ مُسلّمٌ في أنّه أحسن الطعام! والحال أنّه طعام محل اختلاف في تذوقه، فكثيرٌ من الناس ـ قديماً وحديثاً ـ لا يحبّه، فهو ليس كالشمس والقمر اللذان هما جمالٌ مُطلقٌ، أو كالخضرة والماء والوجه الحسن، وغيرها من الأشياء التي لا يختلف اثنان في حسنها وجمالها.

فالبخاري وغيره ممّن لفّقوا هذا التلاعب في الحديث أرادوا أن يثبتوا فضلاً لعائشة، لكنّهم لم يفلحوا في ذلك أبداً.

مضافاً إلى أنّ الحديث ـ وأهلُ الحديث يعرفون ذلك ـ لو دار الأمر فيه بين الزيادة والنقيصة وكلاهما مروي يكون المدار والبراءة على الزائد منه لا على الناقص الشاذ، الذي هو محل خلاف، فيؤخذ بالقدر المتيقن المتّفق عليه.

ولنمرّ بكمال هذه النسوة بشكل سريع ثمّ نركِّز حديثنا على كمال صاحبة الذكرى ـ أُمّ المؤمنين وجدّة الأئمّة المعصومين^ السيدة خديجة‘ ـ وأمّا كمال السيِّدة الطاهرة الشهيدة بضعة رسول الله’ فممّا لايحويه الفكر، ولا يسعه الصدر، والحديث عنها‘ وعن كمالها يحتاج إلى الكثير الكثير:

1ـ كمال آسية بنت مزاحم

آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، ضرب الله بها المثل للمرأة الصالحة؛ حيث قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[232].

ونلاحظ أنّ القرآن الكريم يريد من المرأة الإنسانة أن تكون مستقلّة عن كلّ أحد في عقائدها، ولم يقبل منها أيّ نوع من أنواع التبعيّة للغير في أمر التديّن والطهارة الروحية والعقيدة، وهذا ما نراه في قضية آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، فآسية بنت مزاحم كانت على دين زوجها فرعون، ولكنّها عندما شاهدت البيِّنات في معجزة نبيّ الله موسى× أمام السحرة آمنت به، ومع اطّلاع فرعون على الأمر نهاها مراراً، لكنّها أبت إلّا التمسّك بالدين الإلهي، وعارضت الملك والسلطة رغم التهديد بالقتل، بل ووقوع القتل عليها، فلمّا تبيّن إيمانها لفرعون وثبتت عليه، أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس، وأمر بصخرةٍ عظيمةٍ تُلقى عليها، فلمّا أتوا بالصخرة قالت: ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة. فأبصرت بيتها في الجنّة من درّةٍ بيضاء، وانتزع الله روحَها فأُلقيت الصخرة عليها وليس في جسدها روح، فلم تجد ألماً من عذاب فرعون. وعن الحسن وابن كيسان: «رفع الله امرأة فرعون إلى الجنّة فهي فيها تأكل وتشرب»[233].

فآسية بنت مزاحم قد حافظت على طهارتها الروحيّة، وتحدّت ضغوط الزوج والسلطة والإغراءات التي كان يتباهى بها فرعون، بل استصغرت تباهي فرعون حيث كان يقول: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[234]، ولكن آسية جابهت كلّ هذا بإصرارها على قبول الحقّ والبرهان وكانت تقول ـ كما حكى لنا القرآن ذلك ـ: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)[235].

فهذا المثال للمرأة المتديِّنة يدلّ على أنّ المرأة التي هي شريكة الرجل في الإنسانية يمكنها أن تصل إلى هذه المرتبة العالية من الطهارة الروحية والتديّن الفعلي، فتقاوم أشدّ الضغوط عليها في البيت الزوجي[236].

2ـ كمال مريم بنت عمران

وأمّا كمال أُمّ النبيّ عيسى× السيّدة مريم‘، فكان بشدّة عفّتها، وكثرة عبادتها، فقد جعلها الله تبارك وتعالى المثل الأعلى للنساء الصالحات القانتات، حيث قال جلّت قدرته: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [237].

في مجمع البيان: «أي منعت فرجها من دنس المعصية، وعفت عن الحرام. وقيل: معناه منعت فرجها من الأزواج لم تبتغِ زوجاً ولا غيره. (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)، أي: فنفخ جبرائيل بأمرنا في جيبها من روحنا. عن قتادة.

وقال الفراء: كلّ شق فهو فرج، وأحصنت فرجها منعت جيب درعها من جبرائيل. وقيل: نفخ جبرائيل في فرجها، وخلق الله منه المسيح»[238].

3ـ كمال السيِّدة خديجة بنت خويلد

وأمّا كمال السيِّدة خديجة‘، فنستطيع الوقوف عليه من طريق ما وصلنا من ثناء الله تعالى وثناء رسوله الأكرم’ عليها، وسنذكر ذلك ضمن هذه النقاط المدعومة بالنصوص:

1ـ التحية والسلام عليها من العليّ الأعلى، فعن زرارة، وحمران بن أعين، ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر×، قال: «حدّث أبو سعيد الخدري إنّ رسول الله’ قال: إنّ جبرئيلَ قال لي ليلة أُسري بي وحين رجعت فقلت: يا جبرئيل، هل لك من حاجة؟ فقال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام... وأنّها قالت حين لقيها نبي الله (عليه وآله السلام)، فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعلى جبرئيل السلام»[239].

2ـ وكونها‘ من أهل الأعراف؛ لما روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق× أنّه سُئل عن قول الله: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ) [240]، قال: «سورٌ بين الجنّة والنار قائمٌ عليه محمّدٌ’ وعليٌّ والحسنُ والحسينُ وفاطمةُ وخديجةُ^، فينادون أينَ مُحبّونا أينَ شيعتُنا؟ فيقبلونَ إليهم فيعرفونهم بأسمائهم وأسماء أباءهم، وذلك قوله الله تعالى: (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ)  فيأخذون بأيديهم فيجوزون بهم الصراط ويدخلونهم الجنّة»[241].

3ـ وكونها‘ من أصحاب آية الاصطفاء، فعن أبي مسلم الخولاني، قال: «دخل النبيُّ’ على فاطمةَ الزهراء÷ وعائشة وهما يفتخران وقد احمرّت وجوههما! فسألهما عن خبرهما؟ فأخبرتاه، فقال النبيُّ’: يا عائشة، أو ما علمتِ أنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ وعليّاً والحسنَ والحسينَ وحمزةَ وجعفرَ وفاطمةَ وخديجةَ على العالمين»[242].

4ـ خلق الله لها‘ بيتاً في الجنّة، فقد روى ابن المغازلي بسنده، عن خالد، عن ابن أبي أوْفَى، قال: «بَشّرَ رسول الله’ خديجة ببَيْت من قَصَب، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ»[243].

5ـ وكونها‘ من جملة النساء اللواتي هنّ أفضل نساء أهل الجنّة؛ لما روي عن ابن عباس، قال: خطَّ رسولُ الله’ أربعَ خطط في الأرض وقال: «أتدرون ما هذا؟» قلنا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله’: «أفضل نساء [أهل] الجنّة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»[244].

6ـ وروى البلاذري عن عائشة، قالت: «دخلت امرأة سوداء على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فأقبل عليها واستبشر بها. فقلت: يا رسول الله، أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال؟ فقال: إنّها كانت تدخل على خديجة كثيراً، وإنّ حُسنَ العهدِ من الإيمانِ»[245].

فرسول الله’ يحسن إلى واحدة من النساء؛ والسبب أنّها كانت تدخل على السيِّدة خديجة‘ كثيراً، فأيّ مقام لها هي‘ عند رسول الله’؟!

7ـ كثرة ثناء النبيّ الأكرم’ عليها‘، فقد روت عائشة أيضاً أنّه: «كان رسول الله’ إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضّكَ الله من كبيرة السنّ. قالت: فرأيت رسولَ الله’ غضبَ غضباً شديداً فسقط [ما] في يدي وقلت في نفسي: اللّهمّ أن أُذهب غضب رسولك محمّد’ لم أعد لذكرها بسوء ما بقيت، فلمّا رأى رسول الله’ ما لقيت قال: كيف قلتِ؟ والله لقد آمنتْ بي إذ كفر الناس، وأدنتني إذ رفضني الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، ورُزقت منها الولد حيث حُرمتموه. قالت: فغدا وراح’ في كلمتي هذه شهراً»[246].

هكذا كانت السيدة خديجة‘ آمنت به’ عندما كفر به الناس، وأدنت الرسول الأكرم’ عندما رفضه الناس، ورُزق منا سيِّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، فمن الطبيعي جدّاً أنّ امرأة كهذه فراقها يهدّ رسول الله’، ويسمّي العام الذي تفارقه فيه بعام الحزن[247]، لكن ليت شعري أيّ عام يسمّى العام الذي قُتل فيه سيِّد الشهداء× وأهل بيته وأصحابه، وسُبيت فيه نساؤهم؟!

يقول الحاج هاشم الكعبي&:

لله أيّةُ محنةٍ
من أُمّةٍ عدتِ الهوى
وحبيبُه كالشاة ظلـ
ورجالُه مثلُ الأضا
وبناتُه وبنوه تُسبـ
لقي النبيُّ الأطهرُ
فطريقـــــــــها مــــــتحيّرُ
 ـماً بالمهنّدِ يُنحرُ
حي بالسيوفِ تُجزَّرُ
ـبى للطغام وتؤسَرُ[248].

***

المحاضرة الحادية عشرة: السيِّدة الزهراء‘ على لسانها

قالت السيدة الزهراء‘: «أيُّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد، أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً»[249].

قد يستعمل المخاطب في ندائه ومطلع كلّ حديثٍ مهم النداء بالطريقة القرآنية، كقوله تعالى: (النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)[250]، والتي وردت في القرآن الكريم في مواضع عديدة.

وقد يستعمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[251]. وكقوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ...)[252].

وكذلك في الأحاديث القدّسية، كما روي عن رسول الله’ أنّه قال: «قال الله: أنفق يا ابن آدم، أنفق عليك»[253].

وهناك نكتة على نحو العموم في مثل هذه النداءات حاصلها: أنّ مثل هذه النداءات لها أهميّة في تنبيه المستمع والتأكيد عليه؛ ومن هنا ذهب البعض من العلماء إلى أنّ مثل هكذا نداءات يمكن وصفها بحكم الاستحباب؛ لكونها مقدّمة مهمّة في بيان المراد على النحو الأكمل، مضافاً إلى أدلّة الأُسوة[254].

ابتدأت السيِّدة الزهراء‘ خطبتَها الشّـريفة في المسجد النبويّ في حشدٍ من المهاجرين والأنصار، وأمام الحاكم الجديد الذي يريد أن يتسنَّم الزَّعامة بعد الرسول الأكرم’، وقد ذكرت‘ أُموراً في أُصول العقيدة وفلسفة بعض التكاليف الإلهية، ثمّ شرعت في الدخول في صلب الموضوع الذي خرجت السيِّدة الزهراء من أجله، ألا وهو بيان مظلوميتها، ومظلوميّة بعلها وأهل بيتها^، واستلاب الحقوق المادية والمعنوية، وأهمّها موضوع الخلافة للنبيّ الأكرم’، ولكن أيضاً بدأت‘ ببيان مَن هو الخطيب حتى يُسمع خطابه أو لا يُسمع، وما هي منزلته ومرتبته ومنزلته عند الله تعالى وعند رسوله’؟

وإنّما يعمد الخطيب إلى بيان هويته ومنزلته في مقامين:

المقام الأوّل: عندما يكون المخاطّبون والحاضرون والسامعون جاهلين بهويّة الخطيب ومقامه، كما لو خطب الخطيب في غير بلده، أو في غير قومه، كما صنع الإمام زين العابدين× في الشَّام عندما ارتقى الأعواد، حيث قال: «أيّها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا أعرِّفه بنفسـي، أنا ابن مكةَ ومنى، أنا ابن المروة والصفا، أنا ابن محمّد المصطفى’»[255].

المقام الثاني: أن ينزِّل الخطيبُ الحاضرين والسامعين منزلة الجاهلين بالمتكلِّم؛ لكونهم من البلادة والغباوة وعدم الفطنة بدرجةٍ أنّهم ضيّعوا منزلة الخطيب الذي عاش بين أيديهم، وسمعوا التوصية به من زعمائهم وقادتهم، فصاروا كما يقول قائلهم ـ في قضية شهادة الرسول الأكرم’ وقراءة قوله تعالى: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[256] ـ فو الله لكأنّ النّاس ما سمعوا هذه الآية حتّى تلاها أبو بكر، وقال عمر: لـمّا سمعته يتلوها هويت إلى الأرض، وعلمت أنّ رسول الله’ قد مات[257].

والظاهر أنّ السيّدة الزهراء‘ في المقام الثاني؛ إذ القوم يعرفونها، وقد سمعوا مقالات الرسول الأكرم’ في حقّها، ولذا عندما أنّت أنّة في أوّل دخولها إلى المسجد أجهش القوم لها بالبكاء، وما ذاك إلّا لأنّهم تذكّروا رسول الله’ ووصاياه بها‘، فهي‘ أنزلت القوم منزلة الجاهل والمضيِّع لحقِّ الخطيب[258].

مضافاً إلى أنّها بهذه الطريقة قد قطعت العلل والتبريرات لكلّ الحاضرين ومَن سيأتي بعدهم من المشككين وأصحاب الأقلام المسيَّسة والمأجورة في أنّه: مَن قال إنّ هذا الكلام صدر من السيّدة الزهراء‘؛ لعّله من امرأة أُخرى، أو فاطمة من الفواطم غير فاطمة بنت الرسول الأكرم’؛ لذا قالت‘: «اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد’»، فصاحبة هذا الكلام هي السيّدة الزهراء‘ بلا تردد[259].

إنّني بضعةٌ منه’ أحمل سجاياه، فهو لا يعرف الكذب، وأنا لا أعرفه، وهو لا يهتمّ للدنيا وأنا مثله، وهو لا يترك الحقّ وأنا كذلك.

وإن كان البعض يفتخر أنّه صاحبٌ له’ أو زوّج له فأنا منه، أي إنّي أقرب الناس عليه، فأكون أولى بتعليمه لي، فلا يعقل أن يعلِّمكم شيئاً ولا يعلِّمني، أو يختصّكم بشـيء ولا يشملني، فأنتم الآن خصوم رسول الله’ في فعلكم هذا لأنّني منه’.

اعلموا أنّي فاطمة التي يقول أبوها’ في حقّها: «فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما يؤذيها، ويريبيني ما يريبها»[260]، و«فاطمة روحي التي بين جنبيّ»[261]، و«ويرضى الله لرضى فاطمة، ويغضب لغضبها»[262].

وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها، وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه، فرحّبت به، وقبّلت يديه، وكان’ يُكثر تقبيلها، وكلّما اشتاق إلى رائحة الجنّة يشمّ رائحتها، وكان يقول: «فاطمة بضعةٌ منّي، مَن سرّها سرّني، ومَن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّ الناس إليّ»[263].

فهي حبيبة الرسول الأكرم’ ويكفي ذلك فضلاً؛ لأنّ مَن أحبّه الرسول أحبّه الله تبارك وتعالى، ومَن أحبّه الله تبارك وتعالى أدخله الجنّة، وذلك هو الفوز العظيم[264].

اعلموا أنّي فاطمة التي كان النبيّ’ يقف على باب بيتها ستّة أشهر[265]، فأنا لست مجرّد اسم عابر، إنّما أنا سيدة نساء العالمين، وهذا لايكون إلّا لـمَن له مقام عظيم.

اعلموا أنّي بنت الرسالة إيماناً وهجرةً وجهاداً وإنفاقاً وتحمّلاً للأذى، ومعلوم عندكم جهادي من أيام طفولتي، فأنا الصغيرة التي كانت تأتي إلى أبيها’ وهو في الكعبة قد وضع المشـركون على ظهره سلا الجزور، فطرحتُه عنه وأقبلتُ عليهم فشتمتُهم[266]، وهي نفسها الكبيرة التي يخرجها الله لمباهلة النصارى[267].

اعلموا أنّي حبيبة محمّد’ التي كان يقوم لها إذا أقبلت، ويقبِّلها، وهي نفسها التي يكنِّيها بـ (أُمّ أبيها)، التي كانت الهموم تنجلي عن قلبه الشـريف إذا رآها فهي نور عينه’، وهي ثمرة فؤاده، وروحه التي بين جنبيه[268].

«أقول عوداً وبدواً»، أولاً وآخراً، أي: إنّ كلامي الأخير هو عين كلامي الأوّل وذاته، لا أن أقول شيئاً ثمّ أتكلّم بما يناقضه ويعارضه، كما هو شأن الكثير من السياسيين وأرباب السلطات ومن أشبههم[269].

«ولا أقول ما أقول غلطاً»، غلط في منطقه غلطاً، أي: أخطأ وجه الصواب و(غلّطتُه) أنا، بمعنى: قلت له: (غلطت)، أو نسبته إلى الغلط[270].

وقال الجوهري: «غلط في الأمر يغلط غلطاً، وأغلطه غيره. والعرب تقول: غلط في منطقه، وغلت في الحساب، وبعضهم يجعلهما لغتين بمعنى»[271].

«ولا أفعل ما أفعل شططاً»، الشطط: مجاوزة القدر في كلّ شيء، يقال: أعطيته ثمناً لا وَكْسَاً ولا شططاً، وأشط الرجل إشطاطاً، أي: جار في قضيته[272]، كقوله تعالى على لسان الجن: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا)[273]، وقال تعالى على لسان الخصمينِ اللذينِ دخلا على نبيّ الله داود×: (فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ)[274].

فهي‘ لا تقول غلطاً، ولا تفعل شططاً، فكلامها‘ لم يصدر إلّا عن بصيرةٍ وحكمةٍ، وهو مطابقٌ للواقع، وقولها لم يبتعد عن الحقّ.

والمراد من الفعل في المقام هو مجيؤها للمسجد ومناصرتها للإمام أمير المؤمنين×، وكلّ ما قامت به‘. ثمّ إنّ الفعل يشمل الكلام كما أنّ القول يشمل الفعل أيضاً[275].

ولـمّا لم ينتبهوا لمقامها فستخرج يوم القيامة وينادي المنادي: أيُّها الناس غضّوا أبصارَكم حتى تجوز فاطمة، هي فاطمة التي تكبّرتم عليها في الدنيا، ستمرّ الآن وأنتم صاغرون مطأطئون رؤوسكم، فاطمة التي ظلمها بعضكم في الدنيا ستأتي الآن لتأخذ بحقِّها، فاطمة التي استصغرتموها في الدنيا سينكشف لكم اليوم بعض مقامها.

من هنا نعرف لِـمَ كان يأخذ رسول الله’ بيدها ويقول لهم’: «مَن عرف هذه فقد عرفها، ومَن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمَن آذاها فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله»[276].

هذه هي فاطمة عرّفها رسول الله’ للأُمّة الإسلامية، وعرّفت هي بنفسها، وألقت الحجّة على الجميع، وجعلها رسول الله’ أمانة في أعناق هذه الأُمّة، لكن الأُمّة لم تعرف قدرها ولم تحفظ أمانة نبيِّها’. ولو كانت بضاعة مزجاة كان الأُولى الحفاظ عليها؛ لأنّها وديعة من الله تعالى ومن رسوله’، فكيف وهي روح النبي’!

فكانت‘ كالآنية المكسورة، بل الآنية التي تُكسر يعود الناس إلى أهلها بعوضها تلك هي النفوس السامية:

أنتَ لو تكسِـرُ جهلاً آنيةً
سوفَ لن تُرجِـعَها مكسورةً
والبتولُ الطهرُ كانت بضعةً
أرجعوها كُسِـرتْ أضلاعُها
أُودِعتْ عندكَ يوماً عاريةْ
ذاكَ مِن طبعِ النفوسِ الساميةْ
من رسولِ اللهِ فيهمْ باقيةْ
وأُعيدتْ لأبيها باكيةْ
[277]!

***

المحاضرة الثانية عشرة: اصطفاء الزهراء‘ أمرٌ من السماء / القسم الأول

روى الشيخ الصدوق& بسنده، عن الإمام الصادق×، عن أبيه، عن جدّه، عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب^، عن النبيّ’ أنّه قال في وصيته له: «يا علي، إنّ الله أشرفَ على الدنيا فاختارني منها على رجالِ العالمينَ، ثمّ اطّلع الثانيةَ فاختارك على رجالِ العالمينَ بعدي، ثمّ اطّلع الثالثةَ فاختار الأئمّةَ من ولدكَ على رجالِ العالمينَ بعدكَ، ثمّ اطّلع الرابعةَ فاختار فاطمةَ على نساءِ العالمينَ»[278].

ممّا لا شكّ فيه أنّ الله تبارك وتعالى عادلٌ حكيمٌ، لا يفعل إلّا ما هو مقتضى الحكمة والعدل، لا يسوّي بين الصالح والطالح، والمؤمن والكافر، فمَن شكر نعم الله تعالى، وأدّى حقوق الله وواجباته، وآمن بالله ربّاً واحداً لا شريك له، شكر الله له صنعه وأثابه ثواباً عظيماً، والله شاكر يجازي مَن شكر، عليم بخلقه، لا يخفى عليه شيءٌ، ومَن كفر بنعمه تبارك وتعالى، ولم يؤدِّ حقوقه ولم يشكر صنيعه، لا يستحق منه تبارك وتعالى الزيادة ولا الإحسان، وإن كان من الممكن ذلك بفضله تبارك وتعالى، وعلى هذا الأساس قدّم الله تبارك وتعالى أفراداً على آخرين وبه تمايز البشـر؛ ولذا ورد في الدعاء الشـريف: «... بعد أن شرطتَ عليهم الزهدَ في درجاتِ هذه الدنيا الدنية، وزخرفها وزبرجها، فشـرطوا لك ذلك، وعلمتَ منهم الوفاء به، فقبلتهم وقرّبتهم وقدّرت لهم الذكرَ العلي والثناء الجلي، وأهبطت عليهم ملائكتك، وكرّمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك، وجعلتهم الذريعة إليك والوسيلة إلى رضوانك»[279]، فالله تبارك وتعالى يعطي ويصطفي على قدر قرب الإنسان منه، وابتعاده عن الدنيا وزخارفها وزبرجها، ومن هنا نرى أنّ الله تبارك وتعالى اصطفى أنبياءه ورسله وأولياءه على هذا الأساس، ولو أردنا أن نقتصـر في حديثنا في نظرية الاصطفاء ـ هذه النظرية القرآنية ـ على الاصطفاء الإلهي لخصوص محمّد وآل محمّد لكفى دلالةً في المقام، مع أنّ آية الاصطفاء ذكرت نماذج لهذا الاصطفاء، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[280].

ما هو الاصطفاء؟

الاصطفاء هو انتخاب صفوة الشـيء، وإنّما يصدق الانتخاب فيما إذا كان هناك جماعة يُختار المصطفى من بينهم[281].

وهو اختيارٌ من الله تعالى أن يكون شيء أو شخص صافياً، وذلك بالتوفيق والتأييد، وتهيئة الوسائل والهداية، إذا كان المورد مستعدّاً وفي صراط الحقّ.

فوجود الاستعداد الذاتيّ والتوفيق المخصوص من الله ـ ثانياً ـ خارج عن اختيار العبد، ولكنّ السلوك والعمل في محدودية الذات والفطرة اختياريّ، ولا نريد من الاختيار إلّا هذا المعنى[282].

أقسام الاصطفاء

ثمّ إنّ الاصطفاء عل قسمين:

القسم الأول: هو أن ينصبَّ على انتشال الفرد من مناشئ المعصية التي يمكن أن يكون سببها أحد الأُمور التالية:

1ـ الوراثة: بأن تكون معاصي هذا الشخص مسبَّبة بعامل الوراثة، فهو قد ورث من والديه وغيرهم صفات ذميمة أوقعته في براثن المعصية، ولم يعمل على القضاء عليها، مع تمكّنه من ذلك.

2 ـ البيئة: بأن يكون الفرد قد ولد في بيئةٍ منحرفةٍ ملوثة بالذنوب والمعاصي؛ ممّا أدّى إلى تلوثه بالمعاصي، فأصبح منهم.

3ـ النفس والشيطان: بأن كانت نفس هذا الشخص ضعيفة، لم يعمل على مجاهدتها، فتغلّب عليه الشيطان فألقاه في المعاصي، كما أشار إلى ذلك الإمام أمير المؤمنين× في دعاء الصباح، حيث قال: «وإن خذلني نصـرُك عند محاربةِ النفسِ والشيطان، فقد وكلني خذلانُك إلى حيث النصب والحرمان»[283].

فالاصطفاء الأول هو الإنقاذ والانتشال من مناشئ المعصية الثلاث، وهو أمرٌ ليس من السهل اليسير أن يوفّق له الإنسان؛ فإنّنا نرى شخصين شقيقين من أبٍ وأُمٍّ واحدة، وفي بيئة واحدة، لكن أحدهما صار في غاية الورع والثاني في غاية الفساد، وما ذاك إلّا للمؤهّلات التي عمل عليها الأخ الأول دون الثاني، فصار هذا مصطفى دون ذاك.

القسم الثاني: أن ينصبّ الاصطفاء على رفع الإنسان إلى مقامٍ لا يدنو إليه أحدٌ إلّا مَن هو على شاكلته، وهذا المقام هو مقام العصمة والطهارة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)[284].

وممّا لا ريب فيه أنّ هذا القسم متفرّعٌ على القسم الأوّل، وبه يكون المصطفى أفضل الخلق أجمعين، في الدنيا والآخرة.

ففي تفسير القمّي&: «اصطفاها مرّتين، أمّا الأُولى، اصطفاها أي: اختارها. وأمّا الثانية، فإنّها حملت من غير فحل، فاصطفاها بذلك على نساء العالمين»[285].

ولو رجعنا إلى الرواية التي صدّرنا بها الحديث نجد أنّ الرسول الأكرم’ يشير إلى معنى الاصطفاء له’ ولأمير المؤمنين وولده^ على رجال العالمين، ثمّ الاختيار الإلهي والاصطفاء الربّاني لفاطمة‘ على نساء العالمين، ومن هنا صار من اللازم الوقوف عند معرِّفات الاصطفاء الإلهي للسيدة الزهراء‘ في شتّى مناحي حياتها الشريفة:

الخصوصية الأُولى: حمل أُمّها بها‘

المصداق الأوّل من مصاديق اهتمام الشارع المقدّس بالسيِّدة الزهراء‘، أنّه تبارك وتعالى جعل الحمل بها ليس حملاً عاديّاً، بل وليس له نسخة في العالم كلِّه؛ حيث إنّ حملها كان باهتمام الله سبحانه وتعالى، فقد روي أنّه: «بينا النبيّ’ جالس بالأبطح ومعه عمار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل× في صورته العظمى، قد نشـر أجنحته حتى أخذت من المشـرق إلى المغرب، فناداه: يا محمّد، العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً، فشقَّ ذلك على النبيّ’، وكان لها محبِّاً وبها وامقاً، قال: فأقام النبيّ’ أربعين يوماً، يصوم النهار، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر، وقال: قل لها: يا خديجة، لا تظنّي أنّ انقطاعي عنك ولا قلي، ولكن ربّي أمرني بذلك لتنفذ أمره، فلا تظنّي يا خديجة إلّا خيراً، فإنّ الله ليباهي بك كرام ملائكته كلّ يوم مراراً، فإذا جنّك الليل فأجيفي الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإنّي في منزل فاطمة بنت أسد، فجعلت خديجة تحزن في كلّ يوم مراراً لفقد رسول الله’، فلمّا كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل×، فقال: يا محمّد العلي الأعلى يقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته. قال النبيّ’: يا جبرئيل، وما تحفة ربّ العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لا علم لي، قال: فبينا النبيّ’ كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطّى بمنديل سندس، أو قال: استبرق، فوضعه بين يدي النبيّ’، وأقبل جبرئيل× وقال: يا محمّد يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام. فقال علي بن أبي طالب×: كان النبيّ’ إذ أراد أن يفطر أمرني أن افتح الباب لـمَن يرد إلى الإفطار، فلمّا كان في تلك الليلة أقعدني النبيّ’ على باب المنزل، وقال: يا بن أبي طالب إنّه طعام محرّم إلّا عليَّ. قال علي×: فجلست على الباب وخلا النبيّ’ بالطعام، وكشف الطبق، فإذا عذق من رطب، وعنقود من عنب، فأكل النبيّ’ منه شبعاً، وشرب من الماء رياً، ومد يده للغسل، فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء، ثمّ قام النبيّ’ ليصلِّي فأقبل عليه جبرئيل، وقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإنّ الله آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرّية طيبة. فوثب رسول الله’ إلى منزل خديجة، قالت خديجة÷: وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنتني الليل غطيت رأسي، وأسجفت ستري، وغلقت بابي، وصلِّيت وردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي، فلمّا كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبيّ’ فقرع الباب، فناديت: مَن هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلّا محمّد’؟ قالت خديجة: فنادى النبيّ’ بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة، فإنّي محمّد. قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشـرة بالنبيّ’، وفتحت الباب، ودخل النبيّ المنزل، وكان’ إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة، ثمّ يقوم فيصلِّي ركعتين يوجز فيهما، ثمّ يأوي إلى فراشه، فلمّا كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء، ولم يتأهب بالصلاة غير أنّه أخذ بعضدي، وأقعدني على فراشه، وداعبني ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبيّ’ حتى حسست بثقل فاطمة في بطني»[286].

فهل كان قبل السيدة الزهراء‘ من الرجال أو النساء مَن صار الحمل به كالحمل بها، والتأهّب له كالتأهّب لها‘.

الخصوصية الثانية: أثناء الحمل

ولم تنتهِ القصّة بذلك، فلقد كان لها شأنٌ آخر مع أُمّها خديجة‘ أثناء الحمل، فقد روي أنّها كانت تحدِّث أُمّها‘، فعن المفضّل بن عمر، قال: «قلت لأبي عبد الله الصادق×: كيف كان ولادة فاطمة÷؟ فقال: نعم، إنّ خديجة÷ لـمّا تزوج بها رسول الله’ هجرتها نسوة مكّة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يسلِّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة÷ لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليه’. فلمّا حملت بفاطمة كانت÷ تحدِّثها من بطنها وتصبِّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله’، فدخل رسول الله’ يوماً فسمع خديجة تحدِّث فاطمة÷، فقال لها: يا خديجة، مَن تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدِّثني ويؤنسني. قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يخبرني أنّها أنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وإنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه...»[287].

ومن هذه الرواية أخذ الشيخ الحرّ العاملي& هذا المعنى:

كانت تحدّثُ أُمَّها وأُمُّها
فقال يا بنتَ خويلدٍ لِـمَن
فقالت الجنينُ في بطني غدا
هي ابنتي وأنّها الأنثى التي
تكتمه إذا النبيُّ دخلا
 تحدّثين أنتِ والبيتُ خلا
يؤنسُني حديثُه قال بلا
قد فقدتْ بفضلها المُماثلا
[288].

***

فهل سمع أحدٌ أنّ حملاً يؤنس أُمّه في بطنها غير السيّدة الزهراء‘؟!

وكلُّ هذه الفضائل بمسمع ومرأى من القوم، لكنّهم جعلوه وراء ظهورهم، وفعلوا ما فعلوا بأهل هذا البيت العظيم!

***

المحاضرة الثالثة عشرة:اصطفاء الزهراء‘ أمرٌ من السماء/ القسم الثاني

الخصوصية الثالثة: عند ولادتها‘

وأمّا حين ولادتها‘ فكان لها ولأُمّها السيِّدة خديجة شأنٌ آخر أيضاً، فقد وري عن الإمام الصادق× أنّه لـمّا حضـرت ولادة السيِّدة خديجة بفاطمة‘، وجهت إلى نساء قريش وبني هاشم ليَلِينَ منها ما تلي النساء من النساء. فأرسلن إليها بأنّك عصيتنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجتِ محمداً، يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له، فلسنا نجيئك، ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمّت خديجة لذلك. فبينا هي في ذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنّهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن، فقالت لها إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنّا رسل ربِّك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفوراء بنت شعيب، بعثنا الله إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء.

فجلست واحدة عن يمينها، والأُخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة‘ طاهرة مطهرة، فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور.

فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، ودخلت عشـر من الحور العين، كلّ واحدة منهن معها طست من الجنّة وإبريق، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوتين، أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة، وقنّعتها بأُخرى.

ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة‘ بشهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ أبي رسول الله سيِّد الأنبياء، وأنّ بعلي سيِّد الأوصياء، وأنّ ولدي سيد الأسباط. ثمّ سلّمت عليهن، وسمّت كلّ واحدة منهن باسمها، وضحكن إليها.

وتباشرت الحور العين، وبشـر أهل الجنّة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة‘، وحدث في السماء نور زاهر، لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سُمّيت الزهراء‘.

وقالت النسوة: خذيها، يا خديجة، طاهرة مطهّرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتناولتها خديجة فرحة مستبشـرة، فألقمتها ثديها، فشـربت فدرّ عليها، وكانت‘ تنمو في كلّ يوم كما ينمو الصبي في شهر، وفي شهر كما ينمو الصبي في السنة[289].

الخصوصية الرابعة: زواجها بالأمر الإلهي

الحالة الطبيعية في زواج الناس بعضهم من بعض هي الحالة التي عليها نحن اليوم، وخلاصتها أنّ الرجل تعجبه المرأة بحسب ما يجعله هو من ضابطة الإعجاب، فالبعض عنده الضابطة المال، والآخر الجمال، وثالث الحسب والنسب، ورابع العفّة والشـرف والدين، وخامس أن يكون عندها العقل والفهم، والبعض يريد كلّ الصفات الطيبة من جمال معقول، وحسب كريم، ودين يردعها عن الحرام، إلى غير ذلك، فيتقدّم لخطبتها من أهلها، وقد يتمّ التوافق على ذلك، وقد لا يتمّ، وقد يخطب الرجل عشـرين مرّة أو أكثر، وقد يتقدّم للمرأة الواحدة عشـرون أو أكثر ولم يتمّ الزواج والعلقة، هذا هو المعروف والمعمول به منذ القدم إلى يومنا هذا، إلّا في السيّدة الزهراء‘؛ فإنّ الأمر لم يكن كذلك، بل أمر زواجها وزوجها كلّه أمر إلهي، ليس لأحدٍ البتّ فيه حتى أبيها المصطفى’! فقد روي أنّ مجموعةً ممّن يحيطون برسول الله’ تقدّموا لخطبتها‘، لكنّ رسول الله’ لم يوافق على ذلك، فقد روى ابن شهر آشوب& عن بريدة: «أنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي’ فاطمة، فقال: إنّها صغيرة. وروى ابن بطة في الإبانة: أنّه خطبها عبد الرحمن فلم يجبه. وفي رواية غيره أنّه قال: بكذا من المهر، فغضب’ ومدّ يده إلى حصـى فرفعها فسبحت في يده وجعلها في ذيله فصارت دراً ومرجاناً يعرض به جواب المهر، ولما خطب علي× قال: سمعتك يا رسول الله تقول: كلّ سبب ونسب منقطع إلّا سببي ونسبي، فقال النبي: أما السبب فقد سبّب الله، وأما النسب فقد قرّب الله، وهشَّ وبشَّ في وجهه، وقال: ألك شيء أزوجك منها؟ فقال: لا يخفى عليك حالي، أنّ لي فرساً وبغلاً وسيفاً ودرعاً، فقال: بع الدرع»[290].

وروى شيخ الطائفة الطوسي& بسنده، عن الضحاك بن مزاحم، قال: «سمعت علي بن أبي طالب× يقول: أتاني أبو بكر وعمر، فقالا: لو أتيت رسول الله’ فذكرت له فاطمة، قال: فأتيته، فلمّا رآني رسول الله’ ضحك، ثمّ قال: ما جاء بك يا أبا الحسن؟ وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصـرتي له وجهادي، فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل ممّا تذكر.

فقلت: يا رسول الله، فاطمة تزوجنيها؟ فقال: يا علي، إنّه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك، فدخل عليها فقامت إليه، فأخذت رداءه ونزعت نعليه، وأتته بالوضوء، فوضأته بيدها وغسلت رجليه، ثمّ قعدت، فقال لها: يا فاطمة. فقالت: لبيك، حاجتك، يا رسول الله؟

قال: إن علي بن أبي طالب مَن قد عرفتِ قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربّي أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟ فسكتت ولم تول وجهها ولم يرَ فيه رسول الله’ كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل× فقال: يا محمد، زوجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها.

قال علي: فزوجني رسول الله’، ثمّ أتاني فأخذ بيدي فقال: قم بسم الله وقل: على بركة الله، وما شاء الله، لا قوّة إلّا بالله، توكّلت على الله. ثمّ جاءني حين أقعدني عندها÷، ثمّ قال: اللّهم إنّهما أحبّي خلقك إليّ فأحبّهما، وبارك في ذرّيتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي أعيذهما وذرّيتهما بك من الشيطان الرجيم»[291].

وأمّا خطبتها في السماء، فقد روى ابن شهر آشوب& عن علقمة، قال: «لـمّا تزوج عليٌّ فاطمةَ تناثر ثمار الجنّة على الملائكة»[292].

وكذلك روى عن «عبد الرزاق بإسناده إلى أُمّ أيمن في خبر طويل عن النبي: وعقد جبرئيل وميكائيل في السماء نكاح علي وفاطمة، فكان جبرئيل المتكلم عن علي وميكائيل الرادّ عني.

وفي حديث خباب بن الأرت: إنّ الله تعالى أوحى إلى جبرئيل: زوِّج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرئيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين، ثمّ أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك. فنثرت الدرّ الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضـر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض»[293].

وقال’: «لولا أنّ الله تعالى خلق فاطمة لعليٍّ ما كان لها على وجه الأرض كفو، آدم فمَن دونه»[294].

فزواجها بأمرٍ من الله تعالى هبط به الأمين جبرئيل× على رسول الله’، ولم يذكر لنا التأريخ أنّ زواجاً وقع على وجه البسيطة بهذا النحو على الإطلاق.

ولذا يقول السيد الهاشمي&:

تزوّجت في السماء بالمرتضـى شرفاً
والشمسُ يقرُنها في الرتبة القمرُ[295].

الخصوصية الخامسة: زفافها‘

وعلى هذا النهج، فقد خرمت السيّدة الزهراء‘ قواعد الزفاف المعروفة بين الناس، فلم يذكر التاريخ ما ذكره للسيّدة الزهراء‘ من كيفيّة الزفاف وحضور المحتفلين بزفافها‘، فقد روي عن عبد الله بن عباس، أنّه قال: «لـمّا زُفّت فاطمة إلى علي× كان رسول الله’ قدّامها، وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن شمالها، وسبعون ألف ملك من خلفها يسبِّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر»[296].

وأمّا نثار عرسها، فقد روى الشيخ الصدوق& بسنده عن الإمام أبي عبد الله الصادق× عن أبيه، عن آبائه^، قال: قال أمير المؤمنين×: «دخلت أُمّ أيمن على النبي’ وفي ملحفتها شيء، فقال لها رسول الله’: ما معك، يا أُمّ أيمن؟ فقالت: إنّ فلانة أملكوها، فنثروا عليها، فأخذت من نثارها. ثمّ بكت أُمّ أيمن وقالت: يا رسول الله، فاطمة زوّجتها ولم تنثر عليها شيئاً. فقال رسول الله’: يا أُمّ أيمن، لم تكذبين؟ فإن الله تبارك وتعالى لـمّا زُوّجت فاطمة علياً، أمر أشجار الجنّة أن تنثر عليهم من حُلِيها وحُلَلِها وياقوتها ودرِّها وزمردها واستبرقها، فأخذوا منها ما لا يعلمون، ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فجعلها في منزل علي»[297].

فهل رأت عيناك أو سمعت أذناك أنّ امرأة زُفّت بهذه الكيفيّة على مرّ العصور؟!

وروي عن أسماء بنت عميس، أنّها قالت: «كنت فيمَن زفت فاطمة إلى علي×، فلمّا دخلت بيتها أقبل رسول’ حتى دخل عليها، فدعا بماء، فذكر اسم الله عليه، ثمّ شرب منه، ومجّ من الماء فيما بين درع فاطمة وبدنها، ثمّ مجّ منه أيضاً فيما بين سربال علي وبدنه. ثمّ قال: اللّهم احفظ أهل البيت، وبارك فيهم وبارك عليهم، واجعلهم مباركين أين ما كانوا. ثمّ جزى الله أسماء وصويحباتها خيراً»[298].

هكذا يعامل رسول الله’ فاطمة‘، بل وصويحباتها، لكنّ القوم تجاسروا عليها وجرّعوها غصصاً، ولنعم ما قال السيد الجزوعي:

جرّعاها من بعد والداها الغيظ
أغضباها وأغضبا عند ذاك
بنتُ مَن أمُّ مَن حليلةُ مَن
مراراً فبئس ما جرّعاها
اللهَ ربَّ السماء إذ أغضباها
ويلٌ لِـمَن سنَّ ظلمَها وآذاها
[299].

***

المحاضرة الرابعة عشرة: اصطفاء الزهراء‘ أمرٌ من السماء / القسم الثالث

الخصوصية السادسة: بيت فاطمة‘

ثمّ انتقلت السيّدة الزهراء‘ إلى بيت زوجها، ولهذا البيت حديثه الخاص، فقد كان بيتاً لا كالبيوت شأناً ومقاماً وقداسة، فهو من أرفع البيوت وأقدسها، فقد روي أنّه سُئل النبيّ الأكرم’ لـمّا قرأ قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [300]: أي بيوت هذه؟ فقال’: «بيوت الأنبياء». فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ يعني بيت علي وفاطمة، قال: «نعم من أفاضلها»[301].

كان بيت الإمام أمير المؤمنين والسيدة الزهراء‘ بيتاً مميّزاً من كلِّ النواحي والجهات؛ بيتٌ لا يسمع فيه إلّا التسبيح والتهليل، بيتٌ ملؤه الدفيء والحنان، بيتٌ همّه رضا الله تعالى، فكلّ مَن هو تحت سقف هذا البيت كان مميّزاً، بما فيهم الخادمة فضّة، وأسماء بنت عميس؛ ولذا روي عن عبد الله بن عجلان السكوني أنّه قال: سمعت أبا جعفر× يقول: «بيت علي وفاطمة [من] حجرة رسول الله’، وسقف بيتهم عرش ربّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً، و[في] كلّ ساعة وطرفة عين، والملائكة لا ينقطع فوجهم، فوج ينزل وفوج يصعد...»[302].

بيتٌ لا توقعات فيه، وليس فيه للتكلّف نصيبٌ، بيتٌ يعرف الحقوق والواجبات، وقد عرفنا مَن هو زوج فاطمة‘، هو أبو الحسن والحسين÷. أمّا الحديث عن فاطمة‘ وما يدور في بيتها من خصوصيات، فنذكره ضمن النقاط التالية:

1ـ عبادة فاطمة÷

وكانت عبادتها‘ مضـرب المثل، وكانت‘ تزهر، فقد روى الشيخ الصدوق& بسنده، عن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: «سألت أبا عبد الله× عن فاطمة: لِـمَ سُمّيت الزهراء؟ فقال: لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض»[303].

2ـ ملاءة فاطمة÷

وأمّا ملاءتها‘، فهي بحدِّ ذاتها من العجائب والغرائب، فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قد استقرض من يهودي شيئاً، فاسترهنه فدفع إليه ملاءة فاطمة‘، وكانت من الصوف، فأدخلها اليهودي داره، فوضعها في بيت، فلمّا كان الليل دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل، فرأت نوراً ساطعاً في البيت، فانصـرفت إلى زوجها فأخبرته بما رأت في ذلك البيت، فتعجّب زوجها، وقد نسـي أنّ في بيته ملاءةَ فاطمة‘، فنهض مسـرعاً، فدخل البيت فإذا ضياء الملاءة، منتشرة وشعاعها كأنّها تشتعل من بدر منير، يلمع من قريب، فتعجّب من ذلك، فأمعن النظر في موضع الملاءة، فعلم أنّ النور من ملاءة فاطمة‘، فخرج اليهودي إلى قرابته، وزوجته إلى قرابتها، واستحضـرهم الدار، فاجتمع ثمانون من اليهود، فرأوا ذلك فأسلموا[304].

3ـ رحى فاطمة÷

فقد روي عن أبي ذرّ& أنّه قال: «بعثني رسول الله’ أدعو عليّاً×، فأتيت بيته فناديته، فلم يجبني، والرحى تطحن وليس معها أحد، فناديته، فخرج معي وأصغى إليه رسول الله، فقال له رسول الله’ شيئاً لم أفهمه، فقلت: عجباً من رحى في بيت علي تدور ما عندها أحد. فقال: إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبَها وجوارحها إيماناً ويقيناً، وإنّ الله علم ضعفها فأعانها على دهرها، وكفاها، أما علمت أنّ لله ملائكة موكّلين بمعونة آل محمد’»[305].

4ـ خادمة فاطمة÷

وقد بلغ اهتمام السماء بالسيدة الطاهرة فاطمة الزهراء‘ إلى الدرجة التي نالت خادمتها منها نصيباً، فقد روى ابن حمزة& عن علي بن معمر، عن الإمام الصادق×، أنّه قال: «قالت أُمّ أيمن: خرجت إلى مكّة فأصابني عطش شديد في الجحفة، حتى خفت على نفسـي، ثمّ رفعت رأسي إلى السماء وقلت: يا ربِّ، أتعطشني وأنا خادمة ابنة نبيِّك، فنزل إليّ دلو من السماء».

وفي رواية أُخرى: «دلو من ماء الجنّة، فشـربت، وحقّ سيدتي ما جعت ولا عطشت سبع سنين».

وفي رواية أُخرى: «عطشت فيما بين مكّة والمدينة عطشاً شديداً، فأنزل الله تعالى عليها دلواً من السماء، فشـربت منها، فما عطشت بعدها أبداً، وإن كان أهل المدينة لتستعين بها عليها في اليوم الشديد الحر وما يصيبها عطش»[306].

5ـ طبخ فاطمة÷

روي عن أنس أنّه قال: «سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القِدْر التي رأت فاطمة بنت رسول الله’ وهي تحركها بيدها، قلت: نعم، أصلح الله الأمير، دخلت عائشة على فاطمة÷ وهي تعمل للحسن والحسين‘ حريرة بدقيق ولبن وشحم في قدر، والقدر على النار يغلي، وفاطمة (صلوات الله عليها) تحرِّك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق، فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتى دخلت على أبيها، فقالت: يا أبه، إنّي رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً! رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي، وهي تحرِّك ما في القدر بيدها! فقال لها: يا بنية، اكتمي، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول الله’، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار، والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوّة، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ودمها وشعرها وعصبها، وفطم من النار ذرّيتها وشيعتها، إنّ من نسل فاطمة مَن تطيعه النار والشمس والقمر والنجوم والجبال، وتضـرب الجنّ بين يديه بالسيف، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها، وتسلِّم إليه الأرض كنوزها، وتنزل عليه من السماء بركات ما فيها، الويل لـمَن شكّ في فضل فاطمة، لعن الله مَن يبغض بعلها ولم يرضَ بإمامة ولدها، إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً، ولشيعتها موقفاً، وإنّ فاطمة تُدعى فتُلبّي، وتُشَفّع فتشفع على رغم كلّ راغم»[307].

الخصوصية السابعة: موت فاطمة‘

قد يستغرب البعض عندما يقرأ أو يسمع أنّ من خصوصيات السيدة الزهراء‘ موتها، أليس الموت قاعدة ربّانيّة وسنّة إلهية، لم تُخرم حتى من أعزّ الخلق وأحبّهم إلى الله تعالى وهو النبيّ الأكرم’ عندما خاطبه الله تبارك وتعالى وخاطب البشرية جمعاء بقوله عزّ من قائل: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[308]، وهذا ليس من مختصات السيدة الزهراء‘، بل هو من السنن الإلهية، لكن الموت له أسبابه وهي مهما تعدّدت لا يتعدّد بها الموت؛ لأنّه نتيجة طبيعيةٌ لها، فهل كان لموت السيدة الزهراء‘ من سببٍ؟ كأن قُتلت في معركةٍ، أو مرضت بمرض الحمّى مثلاً، أو شيء آخر؛ لأنّ الذي يدعونا للتساؤل هو موتها في ريعان شبابها، والتساؤل في مثل هذه الحالة أمرٌ طبيعي، فكلّ مَن تخبره بوفاة إنسان دون العشـرين من عمره يسألك: كيف حدثت وفاته؟ ما هو السبب فيها؟ على خلاف ذلك لو كان كبيرَ السن، فمن الطبيعي جدّاً وفاته بهذا العمر، وقد يسأل أحدنا مجاملةً ويتأسّف كذلك، لكن وفاته أمرٌ طبيعيٌّ في ذهن السائل والمجيب؛ لذا سأل عباس محمود العقاد قائلاً: «ولم يكن بالزهراء من سقم كامن يُعرف من وصفه؛ فإنّ العرب لوصّافون، وإن كان حولها من آل بيتها لمن أقدر العرب على وصف الصحة والسقم، فما وقفنا من كلامهم وهم يصفونها في أحوال شكواها، على شيء يشبه أغراض الأمراض التي تذهب بالناس في مقتبل الشباب»[309].

فالرجل يعترف أنّه ليس فيها من الأمراض التي تذهب بالناس في مقتبل الشباب، فما الذي أماتها‘؟ يجيبنا عن ذلك شيخ الطائفة الطوسي&: «والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أنّ عُمرَ ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمّي السقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم... وليس لأحدٍ أن ينكر الرواية بذلك؛ لأنّنا بيّنا الرواية الواردة من جهة العامّة من طريق البلاذري وغيره، ورواية الشيعة مستفيضةٌ به لا يختلفون في ذلك»[310]، فكان الاصطفاء لها‘ موتها بهذه الكيفيّة التي لم نسمع بها ولم نقرأها في بطون الكتب بأنّ امرأة ماتت بهذه الكيفيّة!

الخصوصية الثامنة: تغسيل فاطمة‘

وفي البحار أنّها‘ قالت لأمير المؤمنين×: «يا أبا الحسن، رقدت الساعة فرأيت حبيبي رسول الله’ في قصـر من الدرّ الأبيض، فلمّا رآني قال: هلُمِّي إليّ يا بنية، فإنّي إليك مشتاق. فقلت: والله، إنّي لأشدّ شوقاً منك إلى لقائك. فقال: أنت الليلة عندي. وهو الصادق لما وعد، والموفي لما عاهد. فإذا أنت قرأتَ يس فاعلم أنّي قد قضيت نحبي، فغسّلني ولا تكشف عني؛ فإنّي طاهرة مطهّرة، وليصلِّ عليَّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى، ومَن رُزق أجري، وادفني ليلاً في قبري، بهذا أخبرني حبيبي رسول الله’». فقال عليٌّ: «والله لقد أخذتُ في أمرها، وغسّلتها في قميصها ولم أكشفه عنها، فوالله لقد كانت ميمونةً طاهرةً مطهّرةً، ثمّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول الله’، وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها، فلمّا هممت أن أعقد الرداء ناديت يا أُمّ كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضة، يا حسن، يا حسين، هلمّوا تزودوا من أُمّكم فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة.

فأقبل الحسن والحسين‘ وهما يناديان وا حسـرتا لا تنطفئ أبداً من فقد جدِّنا محمّد المصطفى وأُمّنا فاطمة الزهراء، يا أُمّ الحسن يا أُمّ الحسين إذا لقيت جدّنا محمد المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعد يتيمين في دار الدنيا».

فقال أمير المؤمنين علي×: «إنّي أشهد الله أنّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها؛ فلقد أبكيا ـ والله ـ ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب، قال: فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء»[311].

الخصوصية التاسعة: تشييع فاطمة‘

تشييع الجنازة والصلاة على الميت من فروض الكفايات، وعيادة المرضى من السنن المؤكّدة المفضّلة[312].

وقد وردت الأخبار الكثيرة في الحثِّ على تشييع الجنائز بالمشـي خلفها، أو عن يمينها، أو عن شمالها[313]، وفي الكافي الشـريف عن أبي بصير، قال: «سمعت أبا جعفر× يقول: مَن مشى مع جنازةٍ حتى يصلِّي عليها، ثمّ رجع كان له قيراط [من الأجر] فإذا مشى معها حتى تُدفن كان له قيراطان، والقيراط مثل جبل أحد»[314].

وبعد هذه الأخبار وفتاوى الأعلام باستحباب التشييع فإنّ من مظلوميات السيِّدة الزهراء‘ أنّها لم تُشيّع أصلاً أو لم تُشيّع كما ينبغي لها‘؛ لأنّ الإمام أمير المؤمنين× دفنها سرّاً في الليل، كما سنبيِّن لاحقاً.

الخصوصية العاشرة: دفنُ فاطمة‘

قد يسأل البعض عن وجه الاصطفاء في دفن السيّدة الزهراء‘، أليست الزهراء‘ دُفنت كما دُفن سائر الناس، ممّن سبقها ولحقها؟!

الجواب: كلا وألف كلا، فالزهراء بضعة الرسول الأكرم’، العالمة بأحكام الكتاب والسنّة، آدابها وسننها وواجباتها ومحظوراتها، تأمر بأن تُدفن ليلاً وسرّاً[315]، أليس تشييع الجنازة من المستحبّات المؤكّدة كما بيّنا آنفاً؟! ألم يكن الدفن في الليل من المناهي الشديدة المبغوضة في شرع أبيها رسول الله’، على ما نصّت عليه بعض كتب القوم[316]؟! فعلامَ تطلب السيّدة الزهراء‘ هذا الطلب وبإلحاحٍ شديد، ولماذا تطلب من الإمام أمير المؤمنين× أن يغيِّب قبرَها؟! أليس الرجل يُحفظ في ولده؟! كما جاء على لسانها‘ في خطبتها الغرّاء[317]؟! ومن مصاديق حفظها أن نقف على قبرها ونزورها ونتعاهده، كما نتعاهد قبر أبيها وأُمّها وأبنائها.

إذاً في المسألة سرٌّ عميقٌ كشفت عن بعض زواياه السيّدة المظلومة‘ عندما قالت: «... وأن لا يشهد أحدٌ من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليَّ»[318]، فدُفنت‘ ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، قال الشيخ كاظم الأزري&:

كيف تنفى ابنة النبي عناداً
ولأيّ الأُمور تُدفن سرّاً
فمضتْ وهي أعظمُ الناسِ وجداً

وثوتْ لا يَرى لها الناسُ مثوىً
لا نفى الله من لظى مَن نفاها
بضعة المُصطفى ويُعفى ثراها
في فمِ الدهرِ غصّةٌ من جواها
أيّ قدسٍ يضمّه مثواها[319].

***

المحاضرة الخامسة عشرة: دُررٌ من سيرةِ الإمام الحسن المُجتبى×

روى الشيخ الصدوق& بسنده، عن المفضل بن عمر، قال: قال الصادق×: «حدّثني أبي، عن أبيه‘: أنّ الحسنّ بنَ عليّ بن أبي طالب× كان أعبدَ الناس في زمانه، وأزهدَهم وأفضلَهم...»[320].

هذا المقطع من الرواية الشريفة اشتمل على جوانب ثلاثة في شخصية الإمام الحسن المجتبى×، نعرضها على التوالي إن شاء الله تعالى، ولكن قبل ذلك نمهِّد لها تمهيداً، ينفع في هذا المقام وغيره، فنقول: الكلام الصادر من المعصوم× لا يحتمل فيه الكذب ولا المبالغة ولا المجاملة، فهو كلامُ حقٍّ على نحو القطع والجزم، وكلّ احتمال من هذا القبيل يمكن أن يتأتّى في كلام الراوي، لكن إذا وصلت الرواية إلى المعصوم× بحسب المبنى الرجالي المعتمد فلا شكّ في أنّ هذا الكلام كلام حقّ، بعيدٌ من الغمز واللمز، فأقواله وأفعاله وسكناته وتقريراته×، كلّها تُحمل على الصدق والجد والحقّ إلّا إذا دلّ دليلٌ على خلاف ذلك، وأنّ الإمام× يريد في هذه الجملة أو تلك معنىً آخر، قاله لتقيةٍ مثلاً.

وهذه الرواية الشريفة التي رواها صدوق الطائفة وشيخُها، الشيخ ابن بابويه القمّي& عن الإمام الصادق×، عن أبيه الإمام الباقر×، عن أبيه الإمام زين العابدين× في حقِّ الإمام الحسن المجتبى×، ودلالتها على نحو الإجمال واضحة جدّاً وهي تشير إلى فضل الإمام الحسن المجتبى×، وأنّه أكمل الخلق في زمانه، وهذا أمرٌ بديهي؛ لأنّه حجّة الله على الخلق وليس من المعقول أصلاً أن يكون هناك مَن هو أكمل من الحجّة في كلّ المزايا والصفات، وإلّا انقلب الإمام مأموماً، وهو خلاف الفرض، فلنتعرّف لهذه المزايا والجوانب في حياته الشريفة×:

الجانب الأول: عبادته×

لقد تميّز هذا البيت الطاهر بيت محمّد وآله^ بكثرة العبادة وعظمتها، فهم مضرب الأمثال في الجوانب عامّة وفي العبادة خاصة، حتى أنّك لا تجد أحداً ممّن ترجم لهم^ إلّا ومرّ بالجانب العبادي ووقف عند هذا الجانب، وإمامنا الحسن المجتبى× من هذه الدوحة الهاشميّة، ومن هذا البيت الذي أذهب الله تعالى عنه الرجس وطهّرهم تطهيراً، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[321].

والعبادة تنقسم إلى ثلاثة أنواع: بدنية، ومالية، ومركبة منهما، فالبدنية كالصلاة والصيام وتلاوة القرآن وأنواع الأذكار، والمالية كالصدقات والصلات والمبرات، والمركب منهما كالحج والجهاد والاعتمار، وقد كان الحسن× ضارباً في كلّ واحد من هذه الأنواع بالقدح الفائز والقدح الحائز[322].

القسم الأول: العبادة البدنية، مثل الصلاة والصوم وقراءة القرآن الكريم، وقد ضرب الإمام الحسن المجتبى× فيها أروع الأمثلة؛ فإنّ الطهور مفتاح الصلاة، كما في بعض النصوص[323]، وكان× إذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: «حقَّ على كلّ مَن وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرَّ لونُه وترتعد مفاصلُه». وكان× إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه وهو يقول: «إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم»[324].

وروى الشيخ الصدوق& بسنده، عن الإمام زين العابدين× أنّه كان الإمام الحسن المجتبى× إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه ، وكان إذا ذكر الجنّة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنّة، وتعوّذ به من النار، وكان× لا يقرأ من كتاب الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا قال: «لبّيك اللّهم لبّيك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلّا ذاكراً لله سبحانه»[325].

القسم الثاني: العبادة المالية، مثل الزكاة والصدقات الواجبة والمستحبّة، فله× في الصدقة صلات لا تُنكر، الصدقة التي هي أربعة أحرف: فالصاد يصدّ صاحبها من مكاره الدنيا والآخرة، والدال يكون دليله إلى الجنّة، والقاف يقرب صاحبها إلى الله تعالى، والهاء يهدي صاحبها للأعمال الصالحة، فيستوجب بها الرضوان الأكبر[326].

وقد ضرب الإمام× أروع الأمثلة في ذلك؛ ففي كتاب الغارات «خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر^ حُجّاجاً ففاتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا، فمرّوا بعجوز في خباء لها فقالوا: هل من شراب؟ فقالت: نعم. فأناخوا بها وليس لها إلّا شويهة في كسر الخيمة، فقالت: احلبوها وامتذقوا لبنها. ففعلوا ذلك، وقالوا لها: هل من طعام؟ قالت: لا إلّا هذه الشاة فليذبحنها أحدكم حتى أُهيئ لكم شيئاً تأكلون. فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها، ثمّ هيأت لهم طعاماً، فأكلوا ثمّ أقاموا حتى أبردوا، فلمّا ارتحلوا قالوا لها: نحن نفرٌ من قريش نريد هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا، فإنّا صانعون إليك خيراً. ثمّ ارتحلوا، وأقبل زوجها وأخبرته عن القوم والشاة فغضب الرجل، فقال: ويحك! تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم ثمّ تقولين: نفرٌ من قريش! ثمّ بعد مدّة ألجأتهما الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها وجعلا ينقلان البعر ويبيعانه ويعيشان منه، فمرّت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن× على باب داره جالس فعرف العجوز وهي له منكرة، فبعث غلامه فردّها وقال لها: يا أَمة الله، تعرفينني؟ فقالت: لا. قال: أنا ضيفك يوم كذا وكذا. فقالت العجوز: بأبي أنت وأُمّي. فأمر الحسن× فاشترى لها من شاء الصدقة ألف شاة، وأمر لها بألف دينار، وبعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين×، فقال: بكم وصلك أخي الحسن؟ فقالت: بألف شاة وألف دينار، فأمر لها بمثل ذلك، ثمّ بعث بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر، فقال: بكم وصلك الحسن والحسين‘؟ فقالت: بألفي دينار وألفي شاة فأمر لها عبد الله بألفي شاة وألفي دينار، وقال: لو بدأتِ بي لأتعبتهما. فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك»[327].

القسم الثالث: العبادة المركبة، مثل الحجّ والجهاد، ففي الحج قد روى الذهبي عن ابن عباس أنّه قال: «ما ندمت على شيءٍ فاتني في شبابي إلّا أنّي لم أحجّ ماشياً، ولقد حجَّ الحسن بن علي خمساً وعشرين حجّة ماشياً، وإنّ النجائب لتُقاد معه. ولقد قاسم اللهَ ماله ثلاث مرات، حتى إنّه يعطي الخف ويمسك النعل»[328].

وفي الجهاد، فيكفيك ما قاله الإمام أمير المؤمنين× في بعض أيام صفِّين وقد رأى الإمام الحسن× يتشرّع إلى الحرب: «املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّني أنفس بهذين (يعني الحسن والحسين‘) على الموت؛ لئلّا ينقطع بهما نسل رسول الله’»[329].

حتى قال الشاعر في هذا المعنى مخاطباً الإمام أمير المؤمنين×:

يا أيّها النبأُ العظيمُ إليكَ في
إنَّ الذينِ تسـرعا يَقِيانكَ
فأخذتَ في عضُديهما تُثنيهمــــا
ابنيكَ منّي أعظمَ الأنباءِ
الأرماحَ في صفِّينَ بالهيجاءِ
عمّا أمامَك من عظيمِ بـــــلاءِ
[330].

الجانب الثاني: زهده×

ولنِعْمَ ما قيل في تفسير الزهد أنّه: «ليس الزهد أن لا تملك شيئاً، بل الزهد أن لا يملكك شيء»[331]؛ فإنّه× كان يجود بكلّ ما لديه لله تبارك وتعالى، فيصل به الفقراء والمساكين والمحتاجين، يجبر به خواطرَهم، ويكسو به عريانَهم، ويطعم به جائعَهم، ويكفيك أنّه× كريم أهل البيت الذين هم أكرم الناس، فعن علي بن جذعان، قال: «خرج الحسن بن علي من ماله مرّتين، وقاسم اللهَ ماله ثلاث مرّات حتى إن كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً، ويعطى خُفّاً ويمسك خُفّاً»[332].

وروى ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز: «أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب سمع إلى جنبه رجلاً يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها إليه»[333].

وروى أيضاً أنّه×: «كان مارّاً في بعض حيطان المدينة، فرأى أسود بيده رغيف يأكل لقمة ويطعم الكلب، إلى أن شاطره الرغيف! فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته فلم تغابنه فيه بشيء؟ فقال: استحيت عيناي من عينه أن أغابنه! فقال له: غلامُ مَن أنتَ؟ قال: غلام أبان بن عثمان. فقال: والحائط؟ فقال: لأبان بن عثمان. فقال له الحسن: أقسمت عليك لا برحت حتى أعود إليك، فمرَّ فاشترى الغلام والحائط وجاء إلى الغلام، فقال: يا غلام، قد اشتريتك. فقام قائماً، فقال: السمع والطاعة الله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: فقد اشتريت الحائط وأنت حرٌ لوجه الله، والحائط هبةٌ مني إليك. قال: فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له»[334].

الجانب الثالث: فضله×

وأعظم جانب في فضل الناس وكمالهم هو العلم، الذي يرفع الله به بعضنا على البعض الآخر مع الإيمان بالله تعالى، وكان× أعلم الناس في زمانه، وفي زمان أبيه هو الذي يتبع أباه× في علمه، فقد روى الشيخ الطبرسي& في الاحتجاج، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر÷، قال: «بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون، فمن بين مستفتي، ومن بين مستعدي، إذ قام إليه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، مَن أنت؟ قال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك.

فقال له: ما أنت برعيتي وأهل بلادي، ولو سلّمت عليَّ يوماً واحداً ما خفيت علي.

فقال: الأمان يا أمير المؤمنين.

فقال: هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟

قال: لا.

قال: فلعلك من رجال الحرب؟

قال: نعم.

قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس.

قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك، أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه. وقال له: إن كنت أحقّ بهذا الأمر والخليفة بعد محمّد فأجبني عمّا أسألك، فإنّك إن فعلت ذلك اتّبعتك، وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب، وقد أقلقه فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال أمير المؤمنين×: قاتل الله ابن آكلة الأكباد، وما أضلّه وأعماه ومَن معه، حكم الله بيني وبين هذه الأُمّة، قطعوا رحمي، وأضاعوا أيامي، ودفعوا حقِّي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي، يا قنبر عليَّ بالحسن والحسين ومحمد، فاُحضِروا.

فقال: يا شامي، هذان ابنا رسول الله، وهذا ابني، فاسأل أيّهم أحببت.

فقال: اسأل ذا الوفرة ـ يعني الحسن× ـ فقال له الحسن×: سلني عمّا بدا لك.

فقال الشامي: كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟

فقال الحسن×: بين الحقّ والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً.

فقال الشامي: صدقت.

قال: وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومدّ البصر، فمَن قال لك غير هذا فكَذِّبه.

قال: صدقت يا بن رسول الله.

قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، تنظر إليها حين تطلع من مشرقها، وتنظر إليها حين تغيب في مغربها.

قال: صدقت. فما قوس قزح؟

قال: ويحك! لا تقل قوس قزح؛ فإنّ قزح اسم الشيطان، وهو قوس الله، وهذه علامة الخصب، وأمان لأهل الأرض من الغرق.

وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يُقال لها: (برهوت)، وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يُقال لها: (سلمى)، وأمّا المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى فإنّه: ينتظر به فإن كان ذكراً احتلم، وإن كان أنثى حاضت، وبدا ثديها، وإلّا قيل له: (بل على الحايط) فإنّ أصاب بوله الحايط فهو ذكر، وإنّ انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة.

وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشدّ شيء خلقه الله الحجر، وأشدّ من الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشدّ من الحديد النار تذيب الحديد، وأشدّ من النار الماء يطفئ النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء، وأشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب، وأشدّ من الريح الملك الذي يرسلها، وأشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، وأشدّ من الموت أمر الله الذي يميت الموت.

فقال الشامي: أشهد أنّك ابن رسول الله حقّاً، وأنّ علياً أولى بالأمر من معاوية، ثمّ كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها إلى ابن الأصفر.

فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية، لِمَ تكلمني بغير كلامك، وتجيبني بغير جوابك، أقسم بالمسيح ما هذا جوابك، وما هو إلّا من معدن النبوّة، وموضع الرسالة، وأمّا أنت فلو سألتني درهماً ما أعطيتك»[335].

لقد عرف غيرُ المسلمين مقام أهل البيت^، لكن مَن يدّعي أنّه من أُمّة رسول الله’ قصّر في حقّهم، بل وقاتلهم وتتبعهم تحت كلّ حجرٍ ومدرٍ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا آلَ محمّدٍ أيّ منقلبٍ ينقلبون، والعاقبة للمتّقين.

***

المحاضرة السادسة عشرة: الضابطة في الإمامة وكيفيّة الدلالة على الإمام×


روى الشيخ الصدوق& بسنده إلى الحسن بن الجهم، أنّه قال: «سأل بعضهم الإمام الرضا× فقال له: يا بن رسول... فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة»[336].

ليس من المعيب أن يسأل الإنسان لرفع جهله، لكن المعيب جدّاً هو أن يبقى على جهله، إلى أن يوصله إلى شفى حفرةٍ من النار، خصوصاً في القضايا الحسّاسة، التي لها الارتباط الوثيق بالدين، بل هي من أُسس الدين المهمّة التي لا ينبغي التغافل عنها، مثل مسألة الإمامة، ومن هنا نجد أنّه زلّت أقدام الكثير فيها، وانحرفت طوائف عنها؛ بسبب ما وضعوه لها من ضوابط من عند أنفسهم لم تمتّ إلى الدين بصلةٍ، ومن هذه الضوابط:

الضابطة الأُولى: عنصر الخلق

وهي الضابطة التي وضعها إبليس لتفضيل خلقه على أبي البشر آدم×، فلاحظ كيف يضع مقياساً لنفسه عندما أمره الباري بالسجود لآدم× بأنّه أفضل من آدم؛ لأنّه مخلوقٌ من النار ونبيّ الله آدم× مخلوق من الطين، والنار كعنصر أفضل من الطين، والعناصر الأربعة على رأي الفلسفة القديمة هي: (التراب، والنار، والماء، والهواء)، وقالوا: إنّ العناصر الأربعة أجسام بسيطة وهي أجزاء أوّليّة لبدن الإنسان، فمنها اثنان خفيفان، وهما النار والهواء، واثنان ثقيلان وهما الأرض والماء[337]، وأنّ نبيّ الله آدم× خلقه ليس من التراب فقط، بل من التراب وغيره من العناصر، بحيث يكون التراب جزء من أجزاء بدنه، لكن من جهة الأغلبيّة أشار إليه، وكذلك الحيوان، بل وكلّ موجود حتى إبليس ـ أيضاً ـ لم يكن مخلوقاً من نار صرف، حيث قال: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ)[338]، بل من العناصر الأربعة، لكن نسب نفسه إلى النّار للأغلبيّة؛ لأنّ جزء النار في الجنّ ـ ومنهم الشيطان ـ أغلب من بقيّة الأجزاء الأخرى، فحينئذٍ يكون المراد بالتّراب الأرض وما عليها من المركّبات في خلق آدم، وبالنّسبة إلى الماء الحقيقي يكون العلوم الظاهرة الحاصلة من الحسّ بمعاونة الفكر[339]، وهكذا بقيت نظرية التفضيل حتى حدى الأمر بالشاعر بشّار بن برد أن يفضِّل النار على الأرض، ويصوّب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم، حتى قال:

إبليس خيرٌ من أبيكم آدم
 إبليس من نارٍ وآدمُ طينةٌ
فتنبهوا يـا معشــرَ الفجّار
والأرض لا تسمو سمو النارِ
[340].

الضابطة الثانية: الغنى والثروة

والبعض من الناس يعتبر الضابطة في التفضيل للمنصب الإلهي بالغنى والثروة، كما في قضية مشركي قريش مع النبي الخاتم’، حيث اعتبروا النبيّ فقيراً ويتيماً لا مال له فعلام أنزل عليه القرآن دونهم، وهم الأثرياء الأقوياء أصحاب النفوذ والسلطان المزيّف، حتى حكى لنا القرآن ذلك، حيث يقول الباري: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)[341].

الضابطة الثالثة: كبر السن

والبعض من الناس يعتبر الضابطة في التفضيل للمنصب الإلهي كبر السن، كما في قضية أبي بكر عندما تصدّى لخلافة الرسول الأكرم’ حيث كان من ضمن احتجاجاته أنّه أكبر الناس المرشحين للخلافة سنّاً، ولذا لـمّا سمع أبوه أبو قحافة، قال: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحقّ من أبي بكر، لقد ظلموا عليّاً حقّه، وقد بايع له النبيّ’ وأمرنا ببيعته، ثمّ كتب إليه: «من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر. أما بعد، فقد أتاني كتابك فوجدته كتابَ أحمقٍ ينقض بعضه بعضاً، مرّةً تقول: خليفة رسول الله’، ومرّة تقول: خليفة الله، ومرّة تقول: تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس، فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً، ويكون عقباك منه إلى النار والندامة، وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة، فإنّ للأُمور مداخلَ ومخارجَ، وأنت تعرف مَن هو أَولى بها منك، فراقب الله كأنّك تراه، ولا تدعن صاحبها، فإنّ ترْكَها اليوم أخف عليك وأسلم لك»[342]، وبقيت هذه الضابطة عند كثير من الناس وكأنّهم لم يقرأوا القرآن وهو بين أيديهم، بأنّ كبر السن لا قيمة له في مثل هذه الأُمور.

الضابطة الإلهية

وأمّا الضابطة الإلهية التي تفسد جميع الضوابط الوضعية الناشئة من الهوى وحبِّ التسلّط والاغترار، فهي ما ذكره الإمام× (العلم واستجابة الدعوة)؛ وذلك لأنّ منشأ الاضطراب والخفّة في الإنسان هو الجهل والعجز، وبما أنّ الإمام معلِّم لكتاب الله ـ وهو لا يفارقه بنصِّ حديث الثقلين ـ والكتاب تبيان لكلِّ شيء بمقتضى قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)[343]، فلا يمكن أن يكون الإمام غير محيط بعلم من العلوم التي في الكتاب الإلهي!

وتُستفاد هذه النكتة من الحديث المعتبر عن ابن بكير، عن أبي عبد الله×، قال: «كنت عنده فذكروا سليمان وما أُعطي من العلم، وما أُوتي من الملك، فقال لي: وما أُعطي سليمان بن داود، إنّما كان عنده حرف واحد من الاسم الأعظم، وصاحبكم الذي قال الله: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)[344]، وكان والله عند علي× علم الكتاب. فقلت: صدقت والله، جُعلت فداك»[345]والإمام ـ بارتباطه بأمر الله ـ صاحب الدعوة المستجابة، وبهذا العلم والقدرة تلبّس بتاج الوقار؛ فإنّ الحجّة من الله هو الإنسان الكامل، وكمال الإنسان بالعلم ونفوذ الإرادة.

والرياسة الإلهية في الدنيا لا تجتمع مع العجز والجهالة، فلا بدّ أن يكون خليفة الله في خلقه وحجّته على عباده ـ لاستكمال العقول وتربية النفوس ـ أعلم الناس، ومستمدّاً من العليم الذي لا نفاد لكلماته، وباستغراقه في طاعة الله واتّباع إرادته لإرادة الله تكون إرادته نافذة، وقدرته قاهرة بإذن الله. فدلالة الإمام هي العلم واستجابة الدعوة، وهذان الأمران يُثبتان مقام الإنسان الكامل في العقل والإرادة الذي هو مربّي نوع الإنسان، وعندما ادّعى× الإمامة وقال في الملأ العام إنّ دلالتها العلم واستجابة الدعوة، وقد كانت السلطة الحاكمة وحواشيها مترصدين لإبطال دعواه ومع ذلك سكتوا عن مطالبته بإقامة الدليل على مدّعاه، فإنّ سكوتهم أقوى شاهد على عجزهم عن معارضته واعترافهم بأنّه العالم الذي عنده جواب كلّ مسألة، وأنّه الوجيه عند الله الذي لا تُرد له كلّ طلبة[346].

وهذا ما حدث في زمن الإمام الجواد× فبعد ظهور الحقّ، وفشل المؤامرات في اعتراضهم بالعقم وعدم التشابه جاءوا بطريق آخر للتشكيك، وهو صغر عمر الإمام الجواد×، حيث إنّه (سلام الله عليه) كان أوّل إمام يبلغ الإمامةَ في طفولته[347]، فمن الطبيعي أن يكون أوّل سؤال يخطر بالبال عند دراسة حياته هو أنّه كيف يمكن لحَدثٍ أن يتحمّل مسؤوليّة ومهمة إمامة وقيادة المسلمين الحسّاسة والكبيرة؟

وتبيّن من خلال دراسة حياة الإمام الجواد× أنّ هذا التشكيك وصل به الأمر إلى أن يُطرَح كسؤال رسمي على الإمام الرضا×، وهنا نشير إلى بعض تلك الأسئلة:

منها: ما ذكره بعض أصحاب الإمام الرضا× قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي، إن كان كون فإلى مَن؟ قال: «إلى أبي جعفر ابني» فكأنّ القائل استصغر سِنّ أبي جعفر، فقال أبو الحسن×: «إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السِنّ الذي فيه أبو جعفر»[348].

ومنها: بنفس المضمون مع إشارة الإمام الرضا× إلى قوله تعالى في يوسف×: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا)[349]، وفي يحيى×: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)[350][351].

وعلى الرغم من كلّ ما قيل حول إمكانية الوصول إلى المناصب الإلهية الكبيرة في حَدَاثة السِنّ، كانت مشكلة حَدَاثة سِنّ الإمام الجواد× لا تزال غير محلولة ليس لكثير من عوامّ الشيعة، بل أصبحت مثاراً للجدل لدى بعض المقرّبين من الإمام أبي الحسن الرضا×، حتى كتب الطبري الإمامي من علماء القرن الرابع الهجري: «ولـمّا بلغ سِنّه [الإمام الجواد×] ستّ سنوات وبضعة شهور، قتل المأمون أباه، فحار الشيعة، ووقع الخلاف بين الناس، واستصغروا سِنّ أبي جعفر، واحتارت الشيعة في البلاد»[352].

كان الإمام أبو الحسن الهادي× جالساً بالمدينة مع صاحب له يُقال له أبا زكريا، إذ بكى بكاءً شديداً، فسأله الرجل ما بكاؤك؟ فلم يجبه، فتركه ودخل البيت باكياً، وهو يقول: «إنّ أبي توفي الساعة. فارتفعت الأصوات بالبكاء والنياح، ثمّ خرج أبو الحسن ودموعه تجري على خديه، وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فسُئل عن ذلك، فقال: إنّ أبي توفي الساعة في بغداد، فقلنا: بما علمت؟ قال: دخلني من إجلال الله تعالى ما لم أكن أعرفه»[353].

وروي أنّه× أقبل بطيّ الأرض إلى بغداد، وغسَّل أباه وحنّطه وكفّنه في مقابر قريش، في ظهر جدّه موسى بن جعفر÷، ولسان حاله: وا أبتاه! وأعظم مصيبتاه! والناس معه يصرخون: وا إماماه! وا سيّداه!

مـات الـجواد اليوم مسموم
والهادي يبچي ابگلب مالوم
شـنهو السبب سمتك هلگوم
عگب الهظيمه أو كلّ الهموم
وايصيح بويه اهنا يمحروم
والـشيعه تبچي دمه ابهليوم

لـجل الجواد الراح مظلوم[354].

***

المحاضرة السابعة عشرة: معركة بدر الكبرى

قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ)[355].

في السنة الثانية، في السابع عشر من شهر رمضان المبارك، وعلى رأس ستّة عشر شهراً من هجرة النبيّ الأكرم’ من مكّة إلى المدينة[356]، كانت حرب بدر الكبرى بين المسلمين ومشركي مكّة؛ ووُصِفت بالكبرى احترازاً عن وقعة بدر الصغرى، التي خلاصتها: أنّ النبي الأكرم’ سمع أنّ كرز بن جابر الفهريّ خرج من مكّة مع رجالٍ من قريش، وأغاروا على ضواحي المدينة ونهبوا إبلاً كانت لرسول الله’، وبعض المواشي والدواب لآخرين، وساقوها إلى مكّة، فخرج رسول الله’ في طلبه حتّى بلغ وادياً يُقال له سَفَوان من ناحية بدر، وكان حامل اللواء أمير المؤمنين×، فمكث’ هُناك قرب بئر ثلاثة أيام، وبحث عن المشركين فلم يجدهم، فرجع إلى المدينة[357].

وأمّا وقعة بدر الكبرى فملخصّها: أنّه خرج مشركو قريش ـ كعتبة وشيبة والوليد بن عُتبة وأبي جهل وأبي البُختري ونوف بن خويلد وجمع كثير من صناديد مكّة ورجال الحرب فيها، حيث بلغ عددهم تسعمائة وخمسين نفراً ـ لقتال النبيّ’، فخرجوا من مكّة حاملين أدوات الطرب، ومصطحبين النساء الـمُغنّيات، للّهو واللعب، ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير، وكان على كلّ واحدٍ من أكابر قريش إطعام الجيش في كلّ يوم بأن ينحر لهم عشراً من الإبل.

وقيل: إنّ قافلة لأبي سفيان فيها ما قيمته خمسون ألف دينار، ندب رسول الله’ المسلمين للخروج إليها، فانتدب الناس، فخفّ بعضهم، وثقل آخرون، ولعلّهم تخوفوا من كرة قريش عليهم، حينما لا بدّ لها من محاولة الانتقام لهذا الإجراء الذي يستهدف مصالحها الحيوية، وما بقي أحد من عظماء قريش إلّا أخرج مالاً لتجهيز الجيش، وقالوا: مَن لم يخرج نهدم داره، فلم يتخلّف رجل إلّا أخرج مكانه رجلاً، وبعث أبو لهب العاصي بن هشام مكانه على أربعة آلاف درهم، كانت له عليه من مال المقامرة[358].

وعلى كلّ حال خرج رسول الله’ مع ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه من المدينة إلى أن وصلوا إلى أرض بدر. فلمّا وصل النبي’ إلى هناك أشار إلى الأرض قائلاً: «هنا مصرع فلان، وهناك مصرع فلان»، فعدّد’ مصرع كلّ القتلى من صناديد قُريش، فكان كما قال’. ولـمّا وصل المشركون، صعدوا على تلٍّ ونظروا إلى جيش المسلمين مستخفّين بهم، والمسلمون أيضاً نظروا إلى العدو بعين الاحتقار والاستخفاف، كما قال تعالى:(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)[359].

وبعد رؤيتهم جيشَ النبيّ’ نزلوا خلف ذلك التلّ بعيداً عن الماء، وبعثوا عُمر بن وهب مع جماعة للتفحّص، وليرى هل للمسلمين كمين أو لا؟ فجال بفرسه حتّى طاف عسكر رسول الله’ يميناً وشمالاً، ثُمّ رجع وقال: ما لهم كمينٌ ولا مدد، ولكن نواضح[360] يثرب قد حملت الموت الناقع، أما ترونهم خرساً لا يتكلّمون، يتلمّظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم، وما أراهم يُولّون حتّى يُقتلوا، ولا يُقتلون حتّى يَقتلوا بعددهم، فارتأوا رأيكم.

فلمّا سمع هذا حكيم بن حزام حرّض عتبة على ترك الحرب والمصالحة. فقال له عتبة: اذهب إلى ابن الحنظلية ـ يعني أبا جهل ـ وقل له أن يترك الحرب ويصالح أبناء عمّه. فجاء حكيم إلى أبي جهل وأبلغه رسالة عُتبة، فقال أبو جهل: جَبُن وانتفخ سحرهُ، ويخاف على ابنه أبي حذيفة الذي في جيش المسلمين، فجاء حكيم إلى عتبة وأخبره بمقولة أبي جهل، فلمّا تلاقا قال عُتبة لأبي جهلٍ: يا مصفّراً أُستُه، مثلي يجبن؟ ستعلم قريش أيّنا ألأم وأجبن.

ولمـّا كانت ليلة بدر قال النبيّ’: «مَن يستقي لنا من الماء؟» فأحجم الناس فقام علي× فاحتضن فرسه، ثمّ أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها، فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، تأهبوا لنصرة محمد وحزبه، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر مَن يسمعه، فلمّا حاذوا البئر سلّموا عليه من عند آخرهم إكراماً وتبجيلاً.

محمد بن ثابت بإسناده، عن ابن مسعود، والفلكي المفسِّر بإسناده، عن محمد بن الحنفية، قال: بعث رسول الله علياً في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده، فلمّا أتى القليب وملأ القربة الماء فأخرجها جاءت ريح فهرقته، ثمّ عاد إلى القليب وملأ القربة فأخرجها، فجاءت ريح فأهرقته، وهكذا في الثالثة، فلمّا كانت الرابعة ملأها فأتى بها النبي فأخبر بخبره، فقال رسول الله: «أمّا الريح الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، وأمّا الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك»، وفي رواية «ما أتوك إلّا ليحفظوك»، وقد رواه عبد الرحمن بن صالح بإسناده عن الليث، وكان يقول: «كان لعلي في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وثلاث مناقب»، ثمّ يروي هذا الخبر، قال الحميري:

ذاك الذي ســلّم في ليلــةٍ
ميكالُ في ألفٍ وجبريلُ فـي
عليه ميكــــــالُ وجبريلُ
ألف ويعلوهم سرافيلُ
[361].

أمّا رسول الله’ فإنّه وإن عَلِمَ شقاء قريش وعدم تسليمهم، لكن لأجل قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)، بعث إليهم رسولاً، وقال: «يا معشر قريش إنّي أكره أن أبدأكم، فخلّوني والعرب وارجعوا. فقال عتبة: ما ردّ هذا قوم قطّ فأفلحوا، يا معشر قريش، إنّ مُحَمّداً له إلٌّ[362]وذمّة فاسمعوا نصحه، فغاظ أبا جهلٍ قولُه وقال له: ما هذه الغوغاء؟! أمِن خوف بني عبد المطّلب تحتال الرجوع؟ فغضب عُتبة ونزل من ناقته، وطلب من أبي جهل البراز ليعلم من الجبان، فتوسّط كُبراء قريش بينهم، لكنّ عتبة لردع تهمة الجبن عنه لَبِس درعه وشدّ عمامته، وكان لا يلبس الخوذة لكبر رأسه، وتقدّم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وجالوا في الميدان، وكانت نيران الحرب قد اندلعت، فطلبوا المبارز فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار وانتسبوا لهم، فقالوا: ارجعوا إنّما نريد الأكفّاء من قريش؛ فأمر’ عليّاً وحمزة بن عبد المطّلب وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بالمبارزة فجاؤوا إلى الميدان ولهم زئير كزئير الأسد، قال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطّلب أسدُ الله وأسدُ رسوله. فقال عتبة: كفوء كريم، وأنا أسدُ الحلفاء وأنا أسدُ المطيبين...[363]. فبرز عليّ× للوليد وحمزة لشيبة وعبيدة لعتبة، فحمل× على الوليد، فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من أُبطه حتّى قيل: إنه أخذ الوليد يده المقطوعة وضرب بها رأس عليّ×، ثُمَّ ذهب إلى أبيه هارباً، فشدّ عليه الإمام× فضرب فخذه فسقط ميّتاً.

وتقدّم حمزة وشيبة فتكادما[364] الموت طويلاً حتّى تكسّرت سيوفهما ودروعهما، وأخذا يتصارعان، فقال المسلمون: يا عليّ أما ترى الكلب قد بهر[365] عمّك؟ فحمل× وقال: يا عمّ طأطئ رأسك. وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ× فطرح نصفه.

أمّا عبيدة فإنّه ضرب رأس عتبة فشقّه، وضرب عتبة رِجل عبيدة فقطعها، فجاء الإمام أمير المؤمنين× إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه وقتله؛ ولذا قال لمعاوية: وعندي السيف الذي أعضضتُه بجدِّك وخالك وأخيك في مقامٍ واحدٍ.فحمل حمزةُ وعليٌّ عبيدةَ إلى النبيّ’، فبكى كثيراً حتّى سالت دموعه على وجه عبيدة، وقد سال مخ ساقه منها، فاستُشهد عند رجوعهم إلى المدينة في أرض روحاء أو صفراء، ودفن هناك، وكان أسنّ من رسول الله’ بعشر سنين... ووقع الرعب في قلوب المشـركين وفي قلب أبي جهل بعد قتل هؤلاء الثلاثة. وقُتل سبعون رجُلاً من أبطال قريش في تلك المعركة، منهم: عُتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، وحنظلة بن أبي سفيان، وطعيمة بن عدي، والعاص بن سعيد، ونوفل بن خويلد، وأبو جهل.

ولمّا رأى رسول الله’ رأسَ أبي جهل مقطوعاً سجد لله شُكراً. ثُمّ انهزم جيش المشركين فلحقهم المسلمون وأسروا منهم سبعين نفراً... كان النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط في جملة الأَسرى، فأمر رسول الله’ بقتلهم، وقد كانوا من أعداء النبي’، وعقبة هو الذي تفل على وجه النبي’ بمشورة أُمية بن خلف الذي قُتل أيضاً»[366].

واتّفق أهل السِير والتفسير أنّه تعالى أمدّ نبيّه’ والمسلمينَ بالملائكة يوم بدر، وأنّهم قاتلوا الكفّار[367].

وعن ابن عبّاس: «أنّه لم يقاتل الملائكة سوى يوم بدر، وفيما سواه كانوا عدداً ومدداً، لا يقاتلون ولا يضربون»[368].

وقيل: إنّ الملائكة لم تقاتل في بدر ولا في غيره، وإنّما كانوا يُكثرون السواد، ويثبّتون المسلمين بإشعارهم بأنّ النصر لهم، ويلقون الرعب في قلوب المشركين، وإلّا فلو قاتل واحد من الملائكة جميع البشر لم يثبتوا، ولاستأصلهم بأجمعهم ببعض قوّته[369]، فإنّ جبرئيل رفع مدائن قوم لوط[370].

روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره: «أنّ قريشاً لـمّا أقبلت يوم بدر، رفع رسول الله’ يده إلى السماء، فقال: يا ربّ إن تهلك هذه العصابة لم تُعبد، وإن شئت لا تُعبد لا تُعبد. ثمّ أصابه الغشي فسرى عنه وهو يسلت العرق عن وجهه، وهو يقول: هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين، فنظروا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله’، وقائلٌ يقول: أقدم حيزوم، أقدم حيزوم. وسمعوا قعقعة السلاح من الجوّ»[371].

قال الواقدي: «وحدّثني عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه، عن جدّه عبيد ابن أبي عبيد، عن أبي رهم الغفاري، عن ابن عمٍّ له قال: بينما أنا وابن عمٍّ لي على ماء بدر فلمّا رأينا قلّة مَن مع محمد وكثرة قريش قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد وأصحابه، فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحاب محمد ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش! فبينما نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابةٌ فغشيتنا فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا رجلاً يقول لفرسه: أقدم حيزوم! وسمعناهم يقولون: رويداً تتام أخراكم! فنزلوا على ميمنة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ثمّ جاءت أُخرى مثل تلك وكانت مع النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، فنظرنا إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه فإذا هم الضعف على قريش فمات ابن عمّي، وأمّا أنا فتماسكت وأخبرت النبي (صلّى الله عليه وسلّم). وأسلم وحسن إسلامه»[372].

وروى عبيد بن عمير قال: «لمّا رجعت قريش من أُحد، جعلوا يتحدّثون في أنديتهم بما ظفروا، ويقولون: لم نرَ الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنّا نراهم يوم بدر»[373].

وروي عن سهيل بن عمرو قال: «لقد رأيت يوم بدر رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض معلَّمين يقتلون ويأسرون»[374].

قال الواقدي: «وكان أبو أسيد الساعدي يحدِّث بعد أن ذهب بصره، ويقول: لو كنت معكم الآن ببدر وكان معي بصري، لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشكّ فيه ولا أمتري»[375].

وقال ابن الأنباري: «كانت الملائكة لا تعلم كيف تقتل الآدميّين، فعلَّمهم الله بقوله: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ)  أي: على الرؤوس، (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)  قال ابن عطيّة: هو كلّ مفصل»[376].

ولذا يقول السهيلي: جاء في التفسير: «أنّه ما وقعت ضربة إلّا في رأس أو مفصل، وكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود في الأعناق والبنان»[377].

 ثمّ أمر رسول الله’ بعمّه العباس فشُدّ وحُبس مع مَن حُبس من قريش، فلما جنّ الليل ونام الناس بقي النبيّ’ ساهراً وما نامت عيناه، وكان يتقلّب من التعب والمشقة وقد نامت العيون؟ فقال’ «كيف أنام واستقر وأنا اسمع أنين عمّي العباس في الحبل ونشيجه». فقاموا وركضوا إلى العباس وأخبروه بكرب رسول الله وغمّه فيه وبشّروه بخلاصه، وحلّوا منه ما عليه من الحبال، فلمّا سكت نام رسول الله’.

أقول: يعزّ على رسول الله لو نظرت عيناه إلى ولده السجاد وقد صفدوه في الحديد ووضعوا الجامعة في عنقه وقيّدوا رجليه من تحت بطن الناقة، ليت شعري فما حاله لو يسمع أنينه ويرى بكاءه[378].

وأعظم ما يشجي الغيورَ حرائرٌ
فمن مُوثَقٍ يشكو التشدُّدَ من يدٍ
تُضامُ وحاميها الكفيلُ مُقيّدُ
وموثَقةٍ تبكي فتلطمُها اليدُ
[379].

***

المحاضرة الثامنة عشرة: الوقاية من النار

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[380].

يختصر الله تبارك وتعالى على بني البشر الطريق إلى سعادتهم والخلاص من الشقاء الدنيوي والأُخروي، وذلك عن طريق أمرهم بما يسعدهم، والانتهاء عمّا يسبب لهم التعاسة والشقاء الدنيوي والعذاب الأُخروي، ففي هذه الآية الشريفة يأمر الله تبارك وتعالى عباده أن يقوا أنفسهم وأهليهم من النار العجيبة، التي وصفها رسول الإنسانية والرحمة الرسول الأكرم’، كما روى عن الإمام أمير المؤمنين× ذلك، حيث قال’: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ عَلَى جِبَالِ الْأَرْضِ لَسَاخَتْ إِلَى أَسْفَلِ سَبْعِ أَرَضِينَ وَلَمَا أَطَاقَتْهُ فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ شَرَابُهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مِقْمَاعاً مِقْمَعَةً وَاحِداً مِمَّا ذَكَرَهُ الله فِي كِتَابِهِ وُضِعَ عَلَى جِبَالِ الْأَرْضِ لَسَاخَتْ إِلَى أَسْفَلِ سَبْعِ أَرَضِينَ وَلَمَا أَطَاقَتْهُ فَكَيْفَ بِمَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ»[381].

وبعض الناس ـ للأسف الشديد ـ يعترض على هذا التصوير ويقول: إنّ الله جميل ورحيم... فلماذا تتحدّثون عن الله من جانب العذاب والتخويف؟!

وجوابنا: هذا كلام غير مسؤول، فقد تحدّث الله تعالى عن هذا العذاب وهو أمر واقع ونحن نتحدّث عن النار وعن الجنّة معاً، فلا معنى لهذا الكلام.

كيف نحقق الوقاية من النار؟

تتحقق الوقاية بحفظ النفس من الذنوب، وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء، والشريعة من كمالها وروعتها أنّها أمرت بالأمر وأعانت على تطبيقه من خلال توصيات وتنبيهات ونصائح، إذا انتبه لها الإنسان وراعاها حقق الاستجابة للأمر بالابتعاد عن النار، فقد وضعت الشريعة وسائل عديدة لتقييد ومحاصرة المخالفات والمعاصي من الإفشاء والانتشار.. وهي قضية في غاية الأهمّية ونحاول أن نقف مع بعض هذه الأساليب:

الأُسلوب الأوّل: التعرّف على واقع المعصية ونتيجتها

إنّ المعصية جرمٌ عظيمٌ لا ينبغي للإنسان أن يقع فيه، ولذلك وجب أن تُحاط المعاصي بهالة من التهيّب والحذر في نفس الفرد، والمجال الاجتماعي العام على حدٍّ سواء. ولعلّ أحد الأساليب التي وضعتها الشريعة لإيجاد هذه الهالة هو محاصرة المعصية، فالمعصية جرم عظيم يجترئ من خلالها العبد على ربِّه وخالقه، فعَنْ أبي جعفر×أنّه قال: «مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى الله فِي الْمَعْصِيَةِ وَارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ الله فَهُوَ مُشْرِكٌ»[382].

سواء كانت هذه المعصية صغيرة أم كبيرة؛ لأنّنا في الواقع غير مطّلعين على حقيقة المعاصي، بل هناك إخفاء متعمّد من قِبَل الشارع، كما روي عن الإمام أَمِيرِ المؤمِنِينَ×أنّه قال: «إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ أَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ رِضَاهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ، وَأَخْفَى سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَتِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ سَخَطَهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ، وَأَخْفَى إِجَابَتَهُ فِي دَعْوَتِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ دُعَائِهِ فَرُبَّمَا وَافَقَ إِجَابَتَهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ، وَأَخْفَى وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ فَلَا تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْداً مِنْ عَبِيدِ الله فَرُبَّمَا يَكُونُ وَلِيَّهُ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ»[383].

والبعض من الناس يقول: إنّي لم أذنب سوى الذنب الفلاني ـ مثلاً النظرة بشهوة ـ وإذا كانت عقوبتي على هذه المعصية فالأمر هينٌ، والحال عندنا تحذير شديد في هذا الجانب، فعن أبي هاشم الجعفريّ قال: «سمعتُ أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا تُغْفَرُ قَوْلُ الرَّجُلِ لَيْتَنِي لَا أُؤَاخَذُ إِلَّا بِهَذَا. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الدَّقِيقُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ أَمْرِهِ وَمِنْ نَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ. فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ×: فَقَالَ: يَا أَبَا هَاشِمٍ، صَدَقْتَ فَالْزَمْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسُكَ؛ فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ فِي النَّاسِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَمِنْ دَبِيبِ الذَّرِّ عَلَى الْمِسْحِ الْأَسْوَدِ»[384].

والحال أنّ الذنوب التي يعدّها الإنسان من الصغائر هي الطرق الموصلة للذنوب الكبائر، كما روي عن إمامنا الرِّضَا× أنّه قال: «الصَّغَائِرُ مِنَ الذُّنُوبِ طُرُقٌ إِلَى الْكَبَائِرِ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ الله فِي الْقَلِيلِ لَمْ يَخَفْهُ فِي الْكَثِيرِ، وَلَوْ لَمْ يُخَوِّفِ اللهُ النَّاسَ بِجَنَّةٍ وَنَارٍ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَلَا يَعْصَوْهُ لِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَمَا بَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ إِنْعَامِهِ الَّذِي مَا اسْتَحَقُّوهُ»[385].

الأُسلوب الثاني: تهذيب النفس

والأُسلوب الثاني المهم في الوقاية من الذنوب والمعاصي هو عن طريق تهذيب النفس بالابتعاد عن مسببات الذنوب والمعاصي من قبيل:

أـ المكان الموبوء، أو رفيق السوء الفاسد، أو التثقيف المنحل، مثلاً كيفيّة التعامل مع المواقع وكيفيّة التعامل مع الإنترنت بشكل عامٍ، والصديق الذي يعض الإنسان يديه يوم القيامة حسرةً على مصاحبته، كما بيّن الله تبارك وتعالى ذلك، حيث قال: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)[386].

وروي أيضاً في هذا المجال عن الإمام أمير المؤمنين×: «مُجالَسةِ الأخيارِ تَلحَقُ الأَشرارِ بالأخيارِ، وَمُجالِسةِ الأَبرارِ لِلفُجَّارِ تَلحَقُ الأبرارِ بِالفُجَّارِ»[387].

بل هناك روايات أشارت إلى أنّ الإنسان يبقى وحيداً خيرٌ له من الصديق السوء، فعن النبيّ الأكرم’ أنّه قال لأبي ذرّ&: «الوحدة خير من جليس السوء»[388].

ب ـ التقرّب من الخيرعن طريق اختيار المجلس والرفيق الصالح والثقافة الصالحة والقدوة الصالحة، فعن الإمام أميرالمؤمنين×أنّه قال: «عَمارَةُ القُلُوبِ في مُعاشَرَةِ ذَوِي العُقُولِ»[389].

وجاء في حديث آخر عنه× أنّه قال: «مُجالسة ذَوِي الفَضائِلِ حَياةُ القُلُوبِ»[390].

نقل أحد خطباء المنبر الحسيني ما يلي: قال: كنت وجماعة من خطباء المنبر الحسيني في سيارة قد استأجرناها لتنقلنا من مكان إلى آخر، وفي الطريق تلاطف أحدنا مع سائق السيارة بملاطفات انجرّ الكلام بينهما إلى ما لا يليق، قال ذلك الخطيب: فتداركت الموقف وأخذت اعتذر من السائق، لأصرف ذهنه عمّا جرى، واغسل ذاكرته عن الكلام غير اللائق، الذي كلّمه به صديقنا الخطيب، والذي ربما جرح خاطره، وكدّر عواطفه، فلما قدّمت له اعتذاري وانتهيت من كلامي، التفت إليّ السائق وقال بكلّ احترام وإجلال وتواضع وخشوع: يا سماحة الشيخ إنه لم يبدر إليّ منكم ما يستدعي الاعتذار والتنصّل، كيف وإنّ لكم حقّ الحياة عليّ؟ إذ بسببكم هداني الله تعالى إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وعليّ أن أؤدّي حقّكم، وأقدم جزيل الشكر الذي يجب علي بالنسبة إليكم.

قال الخطيب وهو يواصل قصته: فسألت السائق حينئذٍ عن قضيّته، وكيف هداه الله تعالى بسببنا؟

فأجاب قائلاً: لقد كنت في أول شبابي، وعلى أثر المحيط الفاسد الذي كنت أعيش فيه، والأصدقاء السوء الذين كانوا يصحبونني، منحرفاً أشدّ الانحراف، وبعيداً غاية البعد عن التقوى والفضيلة.

وذات مرّة وقد أنّبتني نفسي اللوّامة، ووخزني ضميري ووجداني على ما أمارسه من انحراف، واقترفه من ذنوب، إذ وقع طريقي على مجلس من مجالس الإمام الحسين×، فحملت نفسي وأنا ألومها على انحرافها، وأعتب عليها لانزلاقها واعوجاجها، على أن اشترك في هذا المجلس الحسيني، فدخلت فإذا أنا بالخطيب على المنبر وهو يعظ الناس ويرشدهم، ويفسِّر لهم بعض الآيات الكريمة، ويقرأ عليهم نزراً من الأحاديث الشريفة، فأخذتني مواعظه، وأثّرت في قلبي نصائحه، وصقلت نفسي الآيات والروايات التي كان يرتِّلها على مسامعنا، ثمّ عرّج من نصائحه ومواعظه إلى قراءة المصيبة على قمر بني هاشم أبي الفضل العباس×، وحكى لنا عن كيفيّة جهاده في سبيل الله، ومواساته لأخيه الإمام الحسين× إلى أن وصل إلى حكاية ما قاله أبو الفضل العباس× ـ يوم عاشوراء عندما قطع الأعداء يمينه ـ من رجزه في وجه الأعداء وهتافه بهم:

والله إن قطعتموا يميني
إنّي أحامي أبداً عن ديني
[391].

فبكيت بكاءً شديداً، وقلت في نفسي متمتماً: كيف تسمح لنفسك وأنت تدّعي حبّ أبي الفضل العباس× أن تهتك حرمة الدين بمواصلة انحرافك، واستمرار جرائمك وجناياتك، وأبو الفضل العباس× قد ضحّى بنفسه، وقدّم يديه لحماية الدين وحفظ حرمة الإسلام؟ فهزّني ذلك من الأعماق، وأيقظني من رقدتي وغفلتي، وجعلني أندم على ما سلف منّي، وأعزم على إصلاح نفسي.

وبالفعل فقد وفقت للتوبة، واهتديت إلى طريق الأوبة، وأخذت جادة الصواب، وسرت في طريق التقوى والفضيلة، كلّ ذلك ببركة ذلك الخطيب الحسيني، ثمّ تحسّنت حالتي، وتخلّصت من شقوتي وكآبتي، والحمد لله ربّ العالمين، لذا بقيت وأنا أرى نفسي مديناً لرجال الدين، وأرى لخطباء المنبر الحسيني حقّ الحياة عليّ، كما أرى على نفسي أن أجلّهم واحترمهم، وأن أكون لهم من الشاكرين دوماً وأبداً.

ج ـ المراقبة لأنفسنا والانتباه لها، كما ننتبه ونهتم بثيابنا ونقودنا وسمعتنا.

الأُسلوب الثالث: عدم الجهر بالمعاصي

العباد ليسو معصومين من ارتكاب الأخطاء، لكنّهم مطالبون في المقابل بالتزام الستر والحد من إفشاء مخالفاتهم ومعاصيهم على الملأ، فإذا حصلت المعصية فينبغي أن تحاصر ضمن نطاقها الأضيق والمحدود جدّاً، وذلك بالحرص على أن لا ينتشر خبرها؛ لأنّ من تداعيات الإفشاء بالمخالفات والمعاصي:

 أـ سقوط هيبة القانون الإلهي: ولذلك نجد النبيّ أيوب× يوفي بقسمه (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[392].

غضب وحلف عليها أن يضربها مائة، فأخبرته أنّه كان سببه كيت وكيت، فاغتمّ أيوب من ذلك فأوحى إليه: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)، فأخذ مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة، فخرج من يمينه[393].

الشمراخ والشمروخ: العثكال، وهو ما يكون فيه الرطب، وكل غصن من أغصانه شمراخ[394].

ب ـ سقوط هيبة المعصية في النفس: ذلك إنّ إفشاء المعصية يقود إلى تطبع النفس بها، فلا يتردد المرء بعد ذلك عن اقترافها ثانية، ولعلّ الأسوأ من ذلك هو الانقياد نحو التبجّح بفعل المعاصي، حتى أنّك تجد بعض الناس يفاخرون بمعاصيهم، كما لو أنّهم حقّقوا عملاً بطولياً يستحقّ عليه الثناء! وهذا جرم أكبر من المعصية ذاتها.

إنّ مُشاهدة القبائح وتكرارها، يُقلّل من قبحها في نظر المشاهد، وبالتدريج تصبح أمراً عاديّاً، ونحن نعلم أنّ إحدى العوامل المؤثّرة في ترك الذنوب والقبائح، هوالإحساس بقبحها في الواقع النّفسي للإنسان، فالله تعالى يريد أن تبقى المعصية محاطة بهالة من الحذر والتهيُّب في الوسط الاجتماعي العام، فلا تكون مبتذلة وكأنّها أمر طبيعي يمكن أن يَطال أي أحد.

من هنا نستطيع أن نفهم كيف جاءتنا النصوص والتعاليم الدينية مشدّدة على ضرورة أن يتكتّم المرء على معاصيه التي يقع فيها، وأن لا يجهر بها، فالإجهار بالمعصية ذنب آخر يُضاف إلى جانب المعصية.

فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× أنّه قال: «مجاهرة الله بالمعاصي تعجِّل النقم»[395].


وعنه× أنّه قال: «إياك والمجاهرة بالفجور فإنّه من أشدّ المآثم»[396].

 وعنه×: «التبجّح بالمعاصي أقبح من ركوبها»[397].


وعنه×: «لا وزر أعظم من التبجّح بالفجور»[398].

وقد روي في هذا السياق عن الإمام الرضا×عن جدّه المصطفى’ أنّه قال: «المذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له»[399].


وأيضاً من الأخطاء: يجد بعض الناس أنفسهم تحت ضغط هائل من تأنيب الضمير بعد ارتكاب المعصية، فيندفعون لإفشاء أسرارهم بغية التنفيس، إلّا أنّ ذلك غير صحيح، فأوامر الشارع في هذا الشأن صريحة، نحو القطع بعدم الحديث عن المعاصي والأخطاء الشخصية أمام أي أحد كان، وتحت أي ظرفٍ من الظروف الاختيارية، بل لا مبرر عقلي ولا عقلائي للجهر والإفشاء بها وقد سترها الله تبارك وتعالى.

فقد روي عن النبيّ الأكرم’ أنّه قال: «وإنّ من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثمّ يصبح قد ستره ربّه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه فيبيت يستره ربّه ويصبح يكشف ستر الله عنه»[400].

وأبعد من ذلك، ذهبت الشريعة إلى النأي عن إفشاء المعاصي حتى لغرض التطهّر عبر إقامة الحدود. فقد يتساءل البعض عن حقوق الله التي انتهكها خصوصاً تلك التي وردت فيها الحدود والتعزيرات، فهل ينبغي على مثل هؤلاء أن يتقدّموا للحاكم الشرعي ليقيم عليهم الحد؟ يأتي الجواب القطعي هنا؛ لا يطلب الشارع من الإنسان فعل ذلك، بل الوارد هو النهي عن الإقدام على مثل هذا السلوك، فقد روي عن الإمام أمِير الْمُؤْمِنِين× أنّه أتاه رجلٌ بالكوفة فقال له: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي! قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ مُزَيْنَةَ. قَالَ: أَتَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئاً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَاقْرَأْ. فَقَرَأَ فَأَجَادَ. فَقَالَ: أَبِكَ جِنَّةٌ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَاذْهَبْ حَتَّى نَسْأَلَ عَنْكَ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي! فَقَالَ: أَلَكَ زَوْجَةٌ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمُقِيمَةٌ مَعَكَ فِي الْبَلَدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ× فَذَهَبَ، وَقَالَ: حَتَّى نَسْأَلَ عَنْكَ. فَبَعَثَ إِلَى قَوْمِهِ فَسَأَلَ عَنْ خَبَرِهِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَحِيحُ الْعَقْلِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ حَتَّى نَسْأَلَ عَنْكَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الرَّابِعَةَ، فَلَمَّا أَقَرَّ، قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِقَنْبَرٍ: احْتَفِظْ بِهِ. ثُمَّ غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَقْبَحَ بِالرَّجُلِ مِنْكُمْ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ هَذِهِ الْفَوَاحِشِ فَيَفْضَحَ نَفْسَهُ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَإِ أَفَلَا تَابَ فِي بَيْتِهِ، فَوَ اللَّهِ لَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله أَفْضَلُ مِنْ إِقَامَتِي عَلَيْهِ الْحَدَّ...»[401].

هكذا يريد الله من الإنسان أن يستر على نفسه، فلا تكون المعصية مبتذلة على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، ولذلك لم يرد في الشريعة ما يجري في الكنيسة المسيحية مثلاً، بأن يأتي المذنب للكاهن ويعترف بين يديه بذنوبه حتى يطلب له المغفرة، فليس مطلوباً من المسلم أن يأتي للمرجع أو عالم الدين ويقرّ له بذنوبه. إنّ استفتاء العالم وطلب النصيحة والمشورة أمرٌ مطلوب، لكن حتى لو اضطر السائل إلى ذلك فليكن على طريقة القول؛ ماذا لو أنّ شخصاً ارتكب كذا، لا أن يقول أنا قمت بكذا واقترفت كذا.

كما لا ينبغي أن يفشي المرء مخالفاته حتى أمام الخلص من أصدقائه وزوجته وخطيبته والمقرّبين له على وجه الخصوص؛ لأنّ ذلك سيخفف من وقع المعصية في نفوسهم، علاوة على ما سيترك في نفوسهم من أشياء غير مرغوبة تجاهه، الإنسان العاقل عليه أن يستتر بالحسنات خوفاً من العُجب والرياء، فماذا نقول عمّن يتجاهر بالسيئات؟!

والإنسان إذا حاصر المعصية بهذه الأساليب الثلاثة يصل إلى المستوى الرفيع حتى ولو كان وضيع الحسب والنسب، فقد روي عن سفيان الثوري، قال: «لقيت الصادق بن الصادق جعفر بن محمد‘ فقلت له: يا ابن رسول الله، أوصني. فقال لي: يا سفيان، مَن أراد عزّاً بلا عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبةً بلا سلطان، فليُنقل من ذلِّ معصية الله إلى عزّ طاعته»[402].

وبين يديك المثال الصادق من هذا العبد جَون بن حَوِيّ، كان عبداً مملوكاً اشتراه الإمام أمير المؤمنين×، ثمّ وَهَبه لأبي ذرّ الغِفاريّ، وبعد وفاة هذا الصحابيّ الجليل رجع جَون إلى الإمام الحسن المجتبى×.

قال السماوي: «كان جون منضمّاً إلى أهل البيت بعد أبي ذرّ، فكان مع الحسن×، ثمّ مع الحسين×، وصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق»[403].

التحق جون مولى أبي ذرّ بالركب الحسينيّ، وسمع من الإمام الحسين× إذْنَين بالانصراف:

الأوّل: عامّ للأصحاب: «انطلِقُوا جميعاً في حِلّ، ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل قد غَشِيَكم فاتَّخِذوه جَمَلاً»، فأبَوا جميعاً.. مُقْبِلين على الشهادة.

الثانيّ: خاصّ لبعض الأصحاب كان منهم جَون، حيث قال له الإمام الحسين×: «أنت في إذْنٍ منّي، فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا». فماذا أجاب جون إمامه؟ قال له: «يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحَسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذُلُكم؟! واللهِ، إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حَسَبي لَلئيم، ولوني لأسوَد، فتَنَفّسْ علَيّ بالجنّة فتطيبَ ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيض وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم».

برز جون يستأذن الإمامَ الحسين×، فأذِن له، فحمَلَ جون وهو يرتجز ويقول:

كيف تَرى الفُجّارُ ضَربَ الأسْودِ
أحمـي الخيـارَ مِن بنـي محمّدِ
 بالمـشـرفـيِّ القـاطعِ المُـهنَّدِ
أذُبُّ عنـهم بـاللـسـانِ واليـدِ

***

فقَتَل جونٌ خمسةً وعشرين رجلاً من الأعداء، حتّى تعطّفوا عليه فقتلوه&، فجاءه الإمام الحسين×ووقف عليه قائلاً: «اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، واحشُرْه مع محمّدٍ’، وعَرِّفْ بينه وبين آل محمّد’». وقد نقلوا أنّ كلّ مَن كان يمرّ بالمعركة، كان يشمّ مِن جون رائحةً أزكى من المسك، بل روي عن الإمام الباقر×، عن أبيه زين العابدين×، أنّه قال: «إنّ الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى، فوجدوا جون بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك»[404].

بهاليل والعليا اعتلوها
لريحانة الهادي فدوها
من يوم للطاغي خذوها
وأرواحهم كلّها ابذلوها
يا حيف زينب ما احضـروها
وبالسوط جم مرّة اضربوها

***

وكأنّي بها تجيب القوم:

يهل تنشد عليَّ وحك الله تره مو خارجية
إن جان سمعت زينب هاشمية
هذيج انـه وما من زينب اثنين

***

المحاضرة التاسعة عشرة: سكرات الموت

 قال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[405].

يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا مدّةً ثمّ يرحل عنها، شاء أَم أبى، فكلّ إنسانٍ يموت، بل كلّنا محكومٌ بالإعدام الربّاني؛ لقوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[406]، ويا ليت أنّنا نعلم ساعة التنفيذ أو يوم التنفيذ، بل ولو سنة التنفيذ، فكلّه خفاءٌ وغيبٌ لا يعلمه إلّا الله تعالى.

وهذا الرحيل أوّل مقدماته السكرات التي تعرض على الإنسان، وهي المعبّر عنها بـ (سكرة الموت)، التي أشارت لها الآية الكريمة، فلنتعرّف عليها.

ما هي سكرة الموت؟

المراد بسكرة الموت ما يعرض للإنسان حال النزع، إذ يشتغل بنفسه وينقطع عن الناس، كالسكران الذي لا يدري ما يقول، ولا ما يُقال له، وهي حالة من حالات الذهول، وكيف لا تكون كذلك؟! مع أنّ الموت مرحلة انتقالية مهمة ينبغي أن يقطع الإنسان فيها جميعَ علائقه بالدنيا التي تعلّق بها خلال هذه السنين الطويلة، وأن يخطو في عالم جديد عليه مليءٌ بالأسرار، خاصةً أنّ الإنسان في لحظات الموت يكون عنده إدراك جديد وبصر حديد، فهو يلاحظ عدم استقرار هذا العالم بعينيه، ويرى الحوادث التي بعد الموت، وهنا تتملكه حالة الرعب والاستيحاش من قرنه إلى قدمه، فتراه كالسكران وليس الأمر كذلك.

وهذه العقبة صعبة جدّاً، وأنّ شدائدها وصعوباتها تحيط بالمحتضـر من جميع الجهات، فمن جهة تواجهه شدّة المرض، وشدّة الوجع، واعتقال اللسان، وذهاب القوّة من الجسم، فيصبح هذا الإنسان المغرور اللجوج الوثّاب يتحوّل إلى عين الضعف والهوان والمسكنة في تلك اللحظات حتى لايقوى أن يشير بإصبعه، ومن جهة أُخرى يواجه بكاء الأهل والعيال، ووداعهم له، ويواجه الغَمَّ ليُتمِ وغربةِ أطفاله[407].

وهذه من الأُمور المؤلمة، فهي أُمور أبكت إمامنا الحسن المجتبى×، لـمّا دنت منه الوفاة، فقيل له في ذلك؟ فقال: «أبكي لهول المطلع وفراق الأحبّة»[408].

ومن جهةٍ ثالثة يواجه غمَّ مفارقته لماله ومنزله وأملاكه ومدّخراته وأشيائه النفيسة التي صرف عمره العزيز من أجل تحصيل المزيد منها، بل إنّ أكثر ما عنده عائد للآخرين، وقد تملّكه منهم بالظلم والغصب.. وكم تعلّقت من الحقوق الشـرعية بأمواله ولم يؤدِّها.. وهو الآن في تلك الحالة ينتبه إلى ما أتلفته وخرّبته أعماله بعدما انقضى الأمر وانسدّ طريق إصلاحه[409]. فكان كما قال أمير المؤمنين×: «اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وَحَسْرَةُ الْفَوْتِ»[410].

ومن جهة أُخرى فهو يواجه هول قدومه على نشأة أُخرى هي غير هذه النشأة. ثمّ إنّ عينيه تريان أشياءَ لم ترها قبل ذلك: (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[411]، فيرى رسول الله’ وأهل بيته الأطهار^ وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حاضرين عنده ليحكموا فيه، وأنّه يترقّب أيّ حكم يحكمون به، وأي شيء سوف يوصون به؟ ومن جهة أُخرى قد اجتمع إبليس وأعوانه ليوقعوه في الشكّ، وهم يحاولون جاهدين أن يسلبوا إيمانه ليخرج من الدنيا بلا إيمان، ومن جهة أُخرى يعاني من هول حضور ملك الموت، وبأي صورة وهيئة سوف يجيئه به، وبأي نحو سوف يقبض روحه، إلى غير ذلك[412]، ويجمعها لنا إمام المتّقين× بقوله: «وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا»[413].

لكن الحمد لله جعل الله لنا طرقاً وأساليب تخفف عنّا هذه السكرات، فمَن أخذ بها هانت عليه هذه السكرات أو انعدمت نهائياً:

الأوّل: الاستقامة والثبات على خطِّ الولاية لمحمّدٍ وآل محمّد^

الأمر الأوّل لتسهيل هذه السكرات هو الاستقامة والثبات على خط الولاية لمحمّدٍ وآل محمّد^، وقد صرّح القرآن الكريم بنجاة المستقيمين، حيث قال: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[414].

وقد رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا× عَنِ الِاسْتِقَامَةِ، فَقَالَ: هِيَ وَالله مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ، يَعْنِي عِنْدَ الْمَوْتِ»[415].

وعن النبيّ الأكرم’ أنّه قال: «ألا ومَن أحبَّ عليّاً هوّن الله تعالى عليه سكرات الموت، وجعل قبره روضةً من رياض الجنّة»[416].

وحكي عن أحد العلماء العظماء من فقهائنا الماضين، يقول أنّه رأى المقدّس الأردبيلي ـ أحد أعاظم علماء الشيعة على مرّ العصور ويُلقّب بالمقدّس عند الشيعة لشدّة طهارته وكثرة عبادته ـ رآه في المنام في أحسن الثياب في حرم الإمام أمير المؤمنين× (شرّفنا الله وإيّاكم بزيارته في الدنيا وبشفاعتهِ في الآخرة) فاستوقفهُ وسألهُ: أخبرنا ما الذي أوصلك إلى هذا المقام؟ ـ فـإنّ حُــلّتهُ تدلُّ على مَحَلَّـتِه ـ ما هو العمل الذي لازمته في حياتك حتى وصلت إلى هذه المرتبة؟ فقال المقدّس الأردبيلي: أنا أخبرك ما الذي أوصلني الى هذا المقام! لـمّا قُبضت روحي وكُشف الغطاء عن بصري، رأينا أن سوق الأعمال كاسد، ولم ينفعني إلّا حبّ صاحب هذه القبّة وولايته. فمَن رُزق حُبّ أمير المؤمنين× ووَلايته فهنيئاً له، ولكن ينبغي أن يعرف قدر ما رُزق به؛ لأنّ النعمة إذا لم يُعرف قدرها تذهب، ومن معرفة قدر هذه النعمة أنّ يجتهد المرء في الحفاظ عليها.

الثاني: صلة الرحم وبرِّ الوالدين

فعن الإمام الصادق× أنّه قال: «مَن أحبَّ أن يخفف الله عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياتــــه فقرٌ أبداً»[417].

وعنه× أنّه قال: «إنّ رسول الله’ حضر شابّاً عند وفاته، فقال له: قل: لا إله إلّا الله.. فاعتقل لسانه مراراً، فقال لامرأةٍ عند رأسه: هل لهذا أُمّ؟ قالت: نعم، أنا أُمّه، قال: أفساخطةٌ أنت عليه؟ قالت: نعم، ما كلّمته منذ ست حجج. قال لها: ارضي عنه. قالت: رضي الله عنه برضاك يا رسول الله. فقال له رسول الله: قل: لا إله إلّا الله. فقالها، فقال النبيّ’: ما ترى؟ فقال: أرى رجلاً أسود، قبيح المنظر، وسخ الثياب، منتن الريح، قد وليني الساعة فأخذ بكظمي (أي مخرج النفس). فقال له النبيّ’: قل: يا مَن يقبل اليسير، ويعفو عن الكثير، اقبل منّي اليسير واعفُ عنّي الكثير، إنّك أنت الغفور الرحيم. فقالها الشاب، فقال له النبيّ’: انظر ما ترى؟ قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيّب الريح، حسن الثياب قد وليني، وأرى الأسود قد تولّى عنّي، قال: أعد فأعاد، قال: ما ترى؟ قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني. ثمّ طفا (أي مات) على تلك الحال»[418].

تأمّل في هذا الحديث جيداً، واُنظر كم هو أثر العقوق فمع أنّ هذا الشاب كان من الصحابة وأنّ نبيّ الرحمة’ قد عاده زائراً وجلس عند وسادته، ولقّنه بنفسه الشريفة كلمة الشهادة، ومع كلّ ذلك فلم يتمكّن على النطق بتلك الكلمة إلّا بعدما رضيت عنه أُمّه، وحينئذٍ انطلق لسانه، فقال كلمة الشهادة.

قَالَ نبيُّ الله مُوسَى×: «إِلَهِي فَمَا جَزَاءُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ؟ قَالَ: يَا مُوسَى أُنْسِي لَهُ أَجَلَهُ، وَأُهَوِّنُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَيُنَادِيهِ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ هَلُمَّ إِلَيْنَا فَادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِهَا شِئْتَ»[419].

الثالث: مَن كسى أخاه المؤمن كسوة

فعن أبي عَبْدِ الله× قال: «مَنْ كَسَا أَخَاهُ كِسْوَةَ شِتَاءٍ أَوْ صَيْفٍ كَانَ حَقّاً عَلَى الله أَنْ يَكْسُوَهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَأَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ، وَأَنْ يَلْقَى الْمَلَائِكَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ بِالْبُشْرَى، وَهُوَ قَوْلُ الله تعالى فِي كِتَابِهِ: (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[420][421].

الرابع: إطعام المؤمن الحلوى

فقد روي عن الرسول الأكرم’ أنّه قال: «مَن أطعم أخاه حلاوةً أذهب الله عنه مرارةَ الموت»[422].

الخامس: قراءة سورة الزلزلة ويس والصافات

فعن الإمام الصادق× أنّه قال: «لا تملّوا من قراءة (إذا زُلزلت الأرض زلزالها) فإنّه مَن كانت قراءته بها في نوافله لم يصبه الله تعالى بزلزلة أبداً، ولم يمت بها، ولا بصاعقة، ولا بآفة من آفات الدنيا، حتى إذا مات نزل عليه مَلَكٌ كريم من عند ربّه فيقعد عند رأسه، فيقول: يا ملك الموت أرفق بوَلي الله؛ فإنّه كان كثيراً ما يذكرني»[423].

وفي قراءة الصافات تعجيلاً لراحته، وقراءة سورة يس من المستحبّات المشهورة والمعروفة، وفي الرواية أنّ أبا الحسن الكاظم× قال لابنه القاسم: «قم يا بني، فاقرأ عند رأس أخيك (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)حتى تستَتِمَّها. فقرأ فلمّا بلغ (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا)، قضى الفتى فلمّا سُجّي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنَّا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده (يس *  وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)، فصـرت تأمرنا بالصافّات، فقال: يا بني، لم تُقرأ عند مكروبٍ من موتٍ قط إلّا عجَّل اللهُ راحته»[424].

السادس: صيام شهر رمضان

قال النّبِيّ’: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ احْتِسَاباً إِلَّا أَوْجَبَ الله لَهُ سَبْعَ خِصَالٍ أَوَّلُهَا يَذُوبُ الْحَرَامَ فِي جَسَدِهِ، وَالثَّانِيَةُ يَقْرُبُ مِنْ رَحْمَةِ الله، وَالثَّالِثَةُ يَكُونُ قَدْ كَفَّرَ خَطِيئَةَ أَبِيهِ آدَمَ، وَالرَّابِعَةُ يُهَوِّنُ الله عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَالْخَامِسَةُ أَمَانٌ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّادِسَةُ يُعْطِيهِ الله بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وَالسَّابِعَةُ يُطْعِمُهُ الله مِنْ ثَمَرَاتِ الْجَنَّةِ»[425].

السابع: تعليم الجاهلين حجّتهم وعقائدهم

فعن رَسُولُ اللَّهِ’ أنّه قال: «مَنْ أَعَانَ ضَعِيفاً فِي بَدَنِهِ عَلَى أَمْرِهِ أَعَانَهُ الله عَلَى أَمْرِهِ، وَنَصَبَ لَهُ فِي الْقِيَامَةِ مَلَائِكَةً يُعِينُونَهُ عَلَى قَطْعِ تِلْكَ الْأَهْوَالِ، وَعُبُورِ تِلْكَ الْخَنَادِقِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى لَا يُصِيبَهُ مِنْ دُخَانِهَا، وَعَلَى سُمُومِهَا، وَعَلَى عُبُورِ الصِّرَاطِ إِلَى الْجَنَّةِ سَالِماً آمِناً، وَمَنْ أَعَانَ ضَعِيفاً فِي فَهْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَلَقَّنَهُ حُجَّتَهُ عَلَى خَصْمِ الدِّينِ طُلَّابِ الْبَاطِلِ أَعَانَهُ الله عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَالْإِقْرَارِ بِمَا يَتَّصِلُ بِهِمَا، وَالِاعْتِقَادِ لَهُ حَتَّى يَكُونَ خُرُوجُهُ مِنَ الدُّنْيَا وَرُجُوعُهُ إِلَى الله  عَلَى أَفْضَلِ أَعْمَالِهِ وَأَجَلِّ أَحْوَالِهِ، فَيحْيَا عِنْدَ ذَلِكَ بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَيُبَشَّرُ بِأَنَّ رَبَّهُ عَنْهُ رَاضٍ، وَعَلَيْهِ غَيْرُ غَضْبَانَ»[426].

الثامن: صوم آخر شهر رجب

فقد روي عن سالم، أنّه قال: «دخلت على الصادق جعفر بن محمّد (سلام الله عليهما) في رجب، وقد بقيت منه أيّام، فلمّا نظر إليّ قال لي: يا سالم، هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا والله يابن رسول الله، فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلّا الله ، إنّ هذا شهر قد فضّله الله وعظّم حرمته، وأوجب للصائم فيه كرامته. قال: قلت: يا بن رسول الله، فإن صمت ممّا بقي شيئاً هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم مَن صام يوماً من آخر الشهر كان ذلك أماناً له من شدّة سكرات الموت، وأماناً له من هول المطلع وعذاب القبر، ومَن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط، ومَن صام ثلاثة أيّام من آخر الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأُعطي براءة من النار»[427].

التاسع: الجزع على أهل البيت^ عموماً والحسين× خصوصاً

فعن مِسْمَعٍ كِرْدِينٍ قال: «قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله: يَا مِسْمَعُ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَمَا تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ؟ قُلْتُ: لا، أَنَا رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَعِنْدَنَا مَنْ يَتْبَعُ هَوَى هَذَا الْخَلِيفَةِ وَأَعْدَاؤُنَا كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ القَبَائِلِ مِنَ النُّصَّابِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَسْتُ آمَنُهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا عَلَيَّ حَالِي عِنْدَ وُلْدِ سُلَيْمَانَ فَيُمَثِّلُونَ عَلَيَّ! قَالَ لِي: أَفَمَا تَذْكُرُ مَا صُنِعَ بِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى! قَالَ: فَتَجْزَعُ؟ قُلْتُ: إِي وَاللهِ، وَأَسْتَعْبِرُ لِذَلِكَ حَتَّى يَرَى أَهْلِي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَأَمْتَنِعُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَبِينَ ذَلِكَ فِي وَجْهِي. قَالَ: رَحِمَ الله دَمْعَتَكَ، أَمَا إِنَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُعَدُّونَ فِي أَهْلِ الْجَزَعِ لَنَا، وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا، وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا، وَيَخَافُونَ لِخَوْفِنَا، وَيَأْمَنُونَ إِذَا أَمِنَّا أَمَا إِنَّكَ سَتَرَى عِنْدَ مَوْتِكَ وَحُضُورِ آبَائِي لَكَ وَوَصِيَّتِهِمْ مَلَكَ الْمَوْتِ بِكَ وَمَا يَلْقَوْنَكَ بِهِ مِنَ الْبِشَارَةِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنَكَ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَمَلَكُ الْمَوْتِ أَرَقُّ عَلَيْكَ وَأَشَدُّ رَحْمَةً لَكَ مِنَ الْأُمِّ الشَّفِيقَةِ عَلَى وَلَدِهَا. قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْبَرَ وَاسْتَعْبَرْتُ مَعَهُ»[428].

الجزع على الإمام الحسين× لايعرف قيمته إلاّ المعصومون^

فقد روى الشيخ الصدوق& في الخصال، وفي عيون أخبار الرضا، عن ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل قال: «سمعت الرضا× يقول: لمّا أمر الله ، إبراهيم× أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبشَ الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده، وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب. فأوحى الله ، إليه: يا إبراهيم، مَن أحبّ خلقي إليك؟ فقال: يا ربّ، ما خلقتَ خلقاً هو أحب إليَّ من حبيبك محمد، فأوحى الله إليه: أفهو أحبّ إليك أَم نفسك؟ قال: بل هو أحب إليَّ من نفسي، قال: فولده أحب إليك أَم ولدك؟ قال: بل ولده، قال: بذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا ربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي. قال: يا إبراهيم، فإنَّ طائفةً تزعم أنّها من أُمّة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي. فجزع إبراهيم لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي، فأوحى الله : يا إبراهيم، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل ـ لو ذبحته بيدك ـ بجزعك على الحسين وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، وذلك قول الله : (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)»[429].

وكلّ مؤمن يجزع ويبكي لمصاب أبي عبد الله×، مع أنّه لم يرَ ما جرى عليه، فكيف بمَن رآه، ولكن تبقى هنالك ميزة لأحد المؤمنين لم يشاركه فيها أحدٌ، سأنقل لك كلامه على شكل أبيات هي لسان حاله، ذلك هو الإمام زين العابدين×:

أنا الي صار بيه ما جرى بناس
تالي الوكت نزلتك بـلا راس
شفتك على الثرى وبالخيل تنداس

 الجسد والراس صارلك مجانين

***

المحاضرة العشرون: كيف نثقل ميزانَنا

قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)[430].

الميزان عندنا نحن البشر في كثيرٍ من الأحيان هو العاطفة والميل للأشخاص، حتى ولو كان على حساب الدين، وهذا بلا شك ميزانٌ خاطئٌ، بل هو في الحقيقة ليس بميزانٍ أصلاً، والبعض من الناس يجعل ميزانه أهلَه وذويه من أقربائه، لذا نجد أنّ القرآن الكريم ينبّه على ذلك، حيث يقول: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)[431].

وقال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[432]، ويؤيّدُه الأخبارُ الكثيرةُ المرويّة عن النبي الأكرم’ وأهلِ بيتهِ^، فعن إمامنا الصادق× أنّه قال: «وقع بين سلمان الفارسي& وبين رجلٍ خصومة، فقال الرجل لسلمان: مَن أنت؟ وما أنت؟ فقال سلمان: أمّا أوّلي وأولك فنطفة قذرة، وأمّا آخري وآخرك فجيفة منتنة، فإذا كان يوم القيامة ونُصبت الموازين فمَن ثقُلت موازينُه فهو الكريم، ومَن خفّت موازينُه فهو اللئيم»[433].

حقيقة هذه الموازين

الموازين: جمع (ميزان)، وهو وسيلة للقياس، إنّ الميزان لا يعني ما نعرفه في هـــذه الدنيا لوزن المواد، إنّ الميزان في هذه الآية يعني وسيلة ملائمة لقياس قيمة أعمال الإنسان، أي: للميزان مفهوم واسع يشمل جميع وسائل القياس، وكما ورد في الأحاديث المختلفة أنّه ميزان تُقاس به الأعمال والناس، ويمكن أن يكون الأنبياء والأوصياء مقياس لأعمال أُممهم التي يُبعثون إليها لتطبيق الأحكام والقوانين الإلهية، وعلى هذا فإنّ الرسل وأوصياءهم هم الذين يُقاس الناس وأعمالهم بهم، ليتبيَّن إلى أي درجة يشبهونه؟

وبهذا يتميّز الناس ثقيلهم من خفيفهم، وثمينهم من تافههم، وعالمهم من جاهلهم. كما يتّضح لنا سرُّ ذكر الموازين بصيغة الجمع، لأنّ قادة الناس الكبار في السابق ـ وهم موازين القياس ـ قد تعدّدوا في التاريخ، ويمكن أن يكون الأنبياء والأئمّة^، وعباد الله المخلصون قدوة في مجال معين أو أكثر على وفق الظروف التي مرّوا بها، فاشتهروا ببعض الصفات دون أُخرى، فواحدهم ميزان بما اشتهر به من حسنات وخصال حميدة. (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ)، وهم الذين فقدوا الإيمان والعمل الصالح، فوزنهم خفيف يوم القيامة، لأنّهم خسروا رأس مال وجودهم، (فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)[434][435].

«إنّما جمع الموازين لأنّه يجوز أن يكون لكلّ نوع من أنواع الطاعات يوم القيامة ميزان، ويجوز أن يكون كلّ ميزان صنفاً من أصناف أعماله، ويؤيد هذا ما جاء في الخبر، إنّ الصلاة ميزان، فمَن وفى استوفى... وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان، ولأفعال الجوارح ميزان، ولما يتعلّق بالقول ميزان آخر»[436].

إنّ من البديهي أنّ المراد من الخفّة والثقل في الموازين ليس هو خفّة وثقل نفس الميزان، بل قيمة ووزن الأشياء التي توزن بواسطة تلك الموازين، وتُقاس بتلك المقاييس. ثمّ إنّ في التعبير بجملة (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)، إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ هؤلاء قد أُصيبوا بأكبر الخسارات؛ لأنّ الإنسان قد يخسر ماله، أو منصبه، ولكنّه قد يخسر أصل وجوده من دون أن يحصل على شيء في مقابل ذلك، وتلك هي الخسارة الكبرى، والضرر الأعظم.

إنّ في التعبير بـ‍ (كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)  في آخر الآية إشارة إلى أنّ مثل هؤلاء لم يظلموا أنفسهم فحسب، بل ظلموا البرامج الإلهية الهادفة؛ لأنّ هذه البرامج كان ينبغي أن تكون سبلاً للهداية ووسائل للنجاة، ولو أنّ أحداً تجاهلها، ولم يكترث بها، فلم يحصل منها هذا الأثر، كان ظالماً لها، وقد جاء في بعض الروايات والأخبار أنّ المراد من الآيات هنا هم أئمّة الهدى^، على أنّ هذا النمط من التفسير لا يعني حصـر مفهوم الآية فيهم، بل هم المصاديق الأتمّ والأظهر للآيات الإلهية. هذا، وفسر بعض المفسِّرين الظلم في الآية بالكفر والإنكار، وهذا المعنى ليس بعيداً عن مفهوم الظلم[437].

ولا شك ولا شبهة في أنّ الذي يثقل ميزانه فمصيره الى الجنّة، ومَن تخفّ موازينه مصيره إلى النار، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ)[438].

ما يثقل به الميزان

قد يعسر على أحدنا أن يحيط علماً بكلّ ما يثقل الميزان، ولكن يمكن القول أنّ أكثر ما يثقل ميزان الإنسان هي أُمور أربعة:

الأوّل: محبّة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×

محبّة أهل البيت^ عموماً وأمير المؤمنين× على نحو الخصوص ممّا يثقل ميزان العبد، وهي بعد فريضة واجبة كما نطقت به الروايات عند الفريقين، فقد روى الخطيب الخوارزمي بسنده عن جابر، قال: «قال رسول الله’: جاءني جبرئيل من عند الله  بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض: إنّي افترضت محبّة علي بن أبي طالب على خلقي عامّة، فبلِّغهم ذلك عنّي»[439].

الثاني: الصلاة على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ

فقد روى الشيخ الكليني& بسند معتبر، عن الإمام محمد الباقر أو الإمام الصادق÷، قال: «ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ، وإنّ الرَّجُل لتوضع أعمالُه في الميزان فتميل به فيُخرِجُ’ الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح به»[440].

وعن رسول الله’ أنّه قال: «أنا عندَ الميزانِ يومَ القيامةِ، فمَن ثقُلتْ سيئاتُه على حسناتِه جئتُ بالصَّلاة عليَّ حتى أثقلَ بها حسناتِه»[441].

الثالث: حُسنُ الخُلُق

وهو عبارة عن حالة تبعث على حسن معاشرة الناس ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصادق× حينما سُئل عن حدِّه، فقال: «تلين جناحك، وتطيِّب كلامك، وتلقى أخاك ببشرٍ حسن»[442].

وثواب الاتّصاف بهذه الخصلة عظيم، بل هي من الخصال المهمّة التي تثقل ميزان العبد يوم القيامة، كما روي عنهم^ أنّه: «ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة أفضل من حسن الخلق»[443].

وعن الرسول الأكرم’، أنّه قال: «أوّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خلقه»[444].

ويكفي هذه الخصلة فخراً أنّ النبيَّ الأكرم’ جعله الله تبارك وتعالى لنا الميزان للأخلاق؛ حيث يقول: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[445]، والحال أنّ رسول الله’ هو أكمل خلق الله تعالى في جميع الصفات والخصال، لكنّ الله تبارك وتعالى ما أثنى عليه بصفةٍ كما أثنى عليه بحسن الخلق.

وحسن خلق يوسف الصدِّيق واحدٌ من أمثلة الخُلُق الكريم، من المناسب ذكرها هنا، والرواية هي: «إنّ إخوته لمـّا عرفوه أرسلوا إليه: إنّك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشية، ونحن نستحيي منك لما فرط منّا فيك. فقال يوسف: إنّ أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنّهم ينظرون إليّ بالعين الأولى، ويقولون: سبحان مَن بلغ عبداً بِيع بعشـرين درهماً ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون؛ حيث علم الناس أنّكم إخوتي وأنّي من حفدة إبراهيم»[446].

وروي أيضاً أنّه لـمّا اجتمع يعقوب مع يوسف÷ قال: «يا بني، حدِّثني بخبرك؟ فقال له: يا أبت، لا تسألني عمّا فعل بي إخوتي، واسألني عمّا فعل الله بي»[447].

ونحن سائر البشر نحتاج إلى الموعظة النافعة غدواً وعشياً، ويناسب هنا نقل كلام من راهبٍ عظيم الشأن، وهو ما نُقل عن قاسم الزاهد، قال: «رأيت راهباً على باب بيت المقدس كالولهان لا يرقأ له دمع، فهالني أمره، فقلت: يا أيّها الراهب، أوصني وصية أحفظها عنك! فقال: كن كرجل احتوشته السباع والهوام، فهو خائف مذعور، يخاف أن يسهو فتفترسه، أو يلهو فتنهشه، فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المغترون، ونهاره نهار حزن إذا فرح فيه البطّالون. ثمّ ولّى وتركني! فقلت: لو زدتني شيئاً عسى الله أن ينفعني به، فقال: يا هذا، إنّ الظمآن يكفيه من الماء أيسره»[448].

الرابع: سقاية الماء

وممّا يثقل ميزان العبد يوم القيامة سقاية الماء، فعن أبي عبد الله الصادق×، أنّه قال: «مَن سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمَن أعتق رقبةً، ومَن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمَن أحيا نفساً، ومَن أحيا نفساً فكأنّما أحيا الناس جميعاً»[449]، وعنه× عن جدّه أمير المؤمنين×، أنّه قال: «أوّل ما يبدء به في الآخرة صدقة الماء، يعني في الأجر»[450].

وروي عن ابن عباس، أنّه قال: «قال لي النبيّ’: رأيتُ فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبد المطلب وأخي [جعفر] بن أبي طالب وبين أيديهما طبق من نبق، فأكلا ساعةً فتحوّل النبق عنباً، فأكلا ساعةً فتحوّل العنب لهما رطباً، فأكلا ساعةً، فدنوت منهما فقلت لهما: بأبي أنتما، أي الأعمال وجدتما أفضل؟ قالا: فديناك بالآباء والأُمّهات، وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك، وسقي الماء، وحبّ علي بن أبي طالب×»[451].

وقد ضرب أهلُ البيت^ أروعَ الأمثلة في كلّ ما يُثقل الميزان بأفعالهم وأقوالهم حتى أنّ العدوَّ اعترف بذلك قبل المحبّ والصديق؛ ولذا يعترف الوليد والي المدينة أمام مروان عندما طلب مروان (لعنه الله) منه قتلَ الإمام الحسين× فقال الوليد: «يا مروان، إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأنّي قتلت حسيناً، سبحان الله! أقتل حسيناً أن قال لا أبايع؟! والله، إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت؟ يقول هذا وهو غير الحامد له في رأيه»[452].

اُنظر إلى لطف وحنان أبيّ الضيم على هؤلاء الجمع في تلك الصحراء المقفرة التي تعزُّ فيها الجرعة الواحدة من الماء، وهو عالمٌ بحراجة الموقف ونفاد الماء، وأنّ غداً دونه تسيل الدماء وتسقط دونه الرؤوس وتزهق الأرواح، ولكن خُلُق النبوّة والإمامة لم يتركا له إلّا أن يجود بالفضل كما جاد جدّه رسول الله’ حين قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكما جاد أبوه عليٌّ× يوم منعه معاوية بن أبي سفيان حين استولى على الماء يوم صفِّين، كذلك جاد سيّد الشهداء× وعلى مَن؟! على قومٍ أقدموا لقتاله، سقاهم× بكفّه وأنامله، لكن قطع القومُ كفَّه وأناملَه! الله أكبر أيُّ أعداءٍ كانوا؟!

ولذا يصف شاعر أهل البيت^ السيد محمد الكشميري& موقف سيِّد الشهداء× مع أعدائه ومحبّيه بهذين البيتين:

سقيت عداكَ الماء منكَ تحننــاً
فكيف إذا تلقى مُحبّيكَ في غـــدٍ
بأرض فلاةٍ حيثُ لا يوجـــــد الماءُ
عُطاشى من الأجداثِ في دهشةٍجاؤوا[453].

***


المحاضرة الحادية والعشرون: العلم اللّدنّي والعلم المستفاد

قال تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *  قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)[454].

لا يختلف اثنان من العقلاء في هذا الكون كلّه في أهمّية العلم بكلّ أنواعه وأصنافه، سواء كان علم الشريعة أم علم الهندسة أو علوم الحياة الباقية، حتى روي عن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «كفى العلم شرفاً أن يدعيّه مَن لا يحسنه، ويفرح إذا نُسب إليه مَن ليس من أهله، وكفى بالجهل خمولاً أن يتبرأ منه مَن هو فيه، ويغضب إذا نسب إليه»[455].

فكلّ إنسان تصفه بالعلم تجده يفرح ولو كان لم يعرف من العلم شيئاً، وكلّ إنسان يحزن إذا وصفته بأنّه جاهل غير عالم، ولو كان من أجهل الناس، وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على حسن العلم لذاته، وقبح الجهل لذاته.

لذا صار همّ عقلاء الناس أن يطلبوا العلم، كلٌّ بحسب النية التي في داخله، فمنهم مَن طلبه للجاه ومنهم مَن طلبه للمال، ومنهم مَن طلبه للمماراة، ومنهم مَن طلبه لله تبارك وتعالى، أي لأجل أن يرفع به الجهل عن نفسه وعن غيره، أمّا الذين طلبوه لغير الله فقد حذّرتهم الشريعة أيّما تحذير، فعن إمامنا الباقر×، أنّه قال: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِه الْعُلَمَاءَ، أَوْ يُمَارِيَ بِه السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِه وُجُوه النَّاسِ إِلَيْه، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ، إِنَّ الرِّئَاسَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لأَهْلِهَا»[456].

وينقسم هذا العلم من جهة تحصيله إلى قسمين:

القسم الأوّل: العلم اللّدنّي

العلم اللّدنّي: هو العلم الذي ينفتح في سرّ العالِـم من غير سبب مألوف من خارج[457]، ولعلّه لهذا تشير الرواية: «ليس العلم بكثرة التعلّم، إنّما هو نور يقذفه الله في قلب مَن يريد الله أن يهديه»[458]، وهو العلم الذي عند الأئمّة^، كما نقل السيِّد ابن طاووس&عن الغزالي في رسالة العلم اللّدنّي قال: «قال: ما هذا لفظه: وقال أمير المؤمنين×: إنّ رسول الله’ أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم، وفتح لي كلّ باب ألف باب، وقال أيضاً: لو ثُنيت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الفرقان بفرقانهم. وهذه المرتبة لا تنال بمجرّد التعلّم، بل يتمكّن المرء في هذه المرتبة بقوّة العلم اللّدنّي»[459]، وهو العلم الذي أشارت إليه الآية المباركة:  (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)، فالخضر× كان ممّن عُلِّم العلم اللّدنّي، حتى صار كلّ مَن يريد أن يدّعي ذلك يقول أخذته من الخضر×، حتى قد أولع كثيرٌ ممّن ينتمي إلى الصلاح بادّعاء هذا العلم، وأنّه يُلقى في روع الصالح منهم شيء من ذلك، حتى يخبر بأنّ مَن كان من أصحابه هو من أهل الجنّة على سبيل القطع، وأنّ بعضهم يرى الخضر×.

وكان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن عليّ بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد يخبر عن شيخ له أنّه رأى الخضر وحدّثه، فقيل له: مَن أعلمه أنّه الخضر؟ ومن أين عرف ذلك؟ فسكت[460].

القسم الثاني: العلم المستفاد (المكتسب)

وهو العلم الذي يُحكم بالأسباب الظاهرية، ويُتوصل إليه من الطرق العادية المألوفة[461]، وهو يحصل عند الأئمّة^ أيضاً، كما روى لنا الصفّار عن المفضل، قال: «قال لي أبو عبد الله× ذات يوم ـ وكان لا يكنّيني قبل ذلك ـ: يا أبا عبد الله، فقلت: لبيّك جُعلت فداك، قال: إنّ لنا في كلّ ليلة جمعة سروراً، قلت: زادك الله، وما ذاك؟ قال: إنّه إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله’ العرش ووافى الأئمّة معه، ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلّا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لنفد ما عندنا»[462]. وهو نفسه العلم الذي يريد نبيّ الله موسى× أن يتعلّمه من الخضر×، كما أشارت إليه الآية المباركة: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[463].

وفي الحوار بين الخضر وموسى÷ جملة من الآداب العالية التي استعملها كليم الله موسى× مع الخضر×؛ لكي يحصل على شيءٍ من علمه لأجل الهدى والرشاد، حتى يرى الشهيد الثاني& أنّه لو أردنا استقصاء هذه الآداب لطلب منّا ذلك وضع رسالة، واكتفى بذكر البعض منها، وهو ما يستفاد فقط من الآية التي هي محل البحث، فقال الشهيد السعيد+: «إنّ الخضر× علم أولاً أنّه نبي بني إسرائيل، موسى× صاحب التوراة الذي كلَّمه الله  بغير واسطة، وخصّه بالمعجزات، وقد أتى ـ مع هذا المنصب ـ بهذا التواضع العظيم بأعظم أبواب المبالغة، فدلَّ على أنّ هذا هو الأليق؛ لأنّ مَن كانت إحاطته بالعلوم أكثر، كان علمه بما فيها من البهجة والسعادة أكثر، فيشتدّ طلبه لها، ويكون تعظيمه لأهل العلم أكمل. ثمّ مع هذه المعرفة من الخضر× وهذه الغاية من الأدب والتواضع من موسى× أجابه بجوابٍ رفيع وكلامٍ منيع، مشتمل على العظمة والقوّة، وعدم الأدب مع موسى×، بل وصفه بالعجز وعدم الصبر، بقوله: (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) [464].

الرحلة العجيبة بين موسى والعالِم÷

ثمّ بعد هذا الطالب المملوء بالتواضع من موسى للخضر÷ أجابه الخضـر× بهذا الجواب ـ كما حكى لنا القرآن الكريم ذلك ـ (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ). وبدأت الرحلة الشاقّة التي ابتدأها العالم (الخضر)× بخرق السفينة، ثمّ قتل الغلام البريء بحسب الظاهر، وإقامة الجدار لـمَن ليس أهلاً للمساعدة والمعونة، وهي أشياء لا يسكت عنها المصلحون، إذا لم يعرفوا عللها؛ لذا جاء قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)، ومن الطبيعي أنّ الأنبياء والأوصياء، بل مطلق المؤمنين لا يقبلون الحيف والظلم، فكيف يتسنّى للنبيّ موسى×، وهو كليم الله أن يغضَّ النظر عن هذه الظلامات الظاهريّة التي ألحقها بأهل السفينة وقتل النفس، وهو المبعوث لرفع الحيف والجور! فهنا بدأت الأسئلة من النبيّ موسى× للخضـر، فأجابه الخضر× بما يرفع عنه التعجّب والاستنكار.

وقد يسأل سائلٌ كيف يمكن أن يكون الخضر هو الحجّة على النبيّ موسى× وهو حجّة الله تبارك وتعالى؟

والجواب: إنّ هذا السؤال طُرِح على الإمام الرضا× في زمانه، كما وروى العلّامة المجلسي& أنّه اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى× أيُّهما كان أعلم؟ وهل يجوز أن يكون على موسى حجّة في وقته وهو حجّة الله على خلقه؟ فقال قاسم الصيقل: فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا× يسألونه عن ذلك، فكتب في الجواب: «أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إمّا جالساً وإمّا متكئاً، فسلّم عليه موسى، فأنكر السلام؛ إذ كان بأرض ليس بها سلام، فقال: مَن أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران، قال: أنت موسى بن عمران الذي كلّمه الله تكليماً؟ قال: نعم، قال: فما حاجتك؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا عُلِّمت رشداً. قال: إنّي وُكِّلتُ بأمر لا تطيقه، ووُكِّلتَ بأمر لا أطيقه. ثمّ حدّثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء حتى اشتدَّ بكاؤهما، ثمّ حدَّثه عن فضل آل محمّد حتى جعل موسى يقول: يا ليتني كنت من آل محمّد...»[465].

فنبيّ الله موسى× يتمنّى أن يكون من آل محمّدٍ، ولكنْ قومٌ يدّعون أنّهم من أُمّته’ ماذا صنعوا بآل محمّد^؟ تعال واستمع إلى ما يقوله الشاعر:

تبّاً لهم من أُمّــةٍ لـم يحفظوا
قد شتّتوهم بين مقهورٍ ومأسورٍ
عهدَ النبيِّ بآلــه الأمجـادِ
ومنحورٍ بسيــفِ عنــادِ
[466].

***

المحاضرة الثانية والعشرون: طلب الهداية للصراط

قال تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[467].

هناك طرق إلهية عديدة رسمها لنا الباري للوصول إلى هدايته، منها الدعاء وفي هاتين الآيتين الشريفتين يلقننا الهداية إلى صراطه المستقيم، أفلا ينبغي لنا أن نتعرّف على هذاالصراط المستقيم الذي نسأل الله أن يهدينا إليه، أوَ ما دعانا الفضول الذي لاينفكّ عنّا أن يدعونا للسؤالعن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم، فصار الصراط المستقيم صراطهم؟ وسؤاله من الله هو عين السؤالفي الكون معهم. أوَ لم نؤمر في التدبّر في قراءة القرآن والسؤال من أهل الذكر عمّا نجهله؟! أوَ لم يقل الله تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[468]؟! أوَ لم يقل: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[469]؟!

الهداية لغةً واصطلاحاً

الهداية في اللغة قال عنها صاحب لسان العرب: «... وهوادي الخيل: أعناقها؛ لأنّها أوّل شيء من أجسادها، وقد تكون الهوادي أوّل رعيل يطلع منها لأنّها المتقدّمة، ويُقال: قد هَدَت تَهْدي إذا تقدّمت... وقد يكون إنّما سمّى العصا هادياً لأنّه يمسكها فهي تهديه تتقدّمه، وقد يكون من الهداية لأنّها تدلّه على الطريق، وكذلك الدليل يسمّى هادياً لأنّه يتقدّم القوم ويتبعونه، ويكون أن يهديهم للطريق»[470]. وهذا المعنى هو نفس المعنى الاصطلاحي الذي نطلبه وهو أن نسير خلف مَن يتقدّمنا ونحن نتّبعه، وهذا الذي يتقدّمنا قد أنعم الله عليه من قَبل فهداه من قبلنا، وأمرنا الله تبارك وتعالى أن نطلب الهداية لنكون معه.

الصراط المستقيم

وأمّا الصراط المستقيم الذي سألنا الله أن يهدينا إليه، ويأخذ بأيدينا صوبه، فهو الطريق المؤدّي الى الجنّة، فنحن لم نسأل الله أيّ صراط، بل سألناه صراطاً خاصاً، وهو الصراط المستقيم، وإلّا فهناك صراط آخر ذكره القرآن الكريم يقع في النقطة المقابلة للصراط الذي سألناه، وهذا الصراط هو صراط الجحيم.

قال تعالى: (فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ)[471]، أمّا ما نسأله نحن فهو الذي يهدي إليه الرسول الخاتم محمّد’، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[472]، وهو نفسه الذي يأمر الله رسوله’ ببيانه في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[473]، وغيرها من الآيات الشريفة، فإذا تبيّن الصراط المستقيم الذي نطلبه صار لزاماً علينا أن نتعرّف على أصحاب هذا الصراط، الذين أنعم الله عليهم بالهداية إليه، ووفقهم بأن يكونوا مضرب الأمثال وهداة الجبار.

مَن هم الذين أنعم الله عليهم؟

هناك مجموعة من الناس لا شكّ بأنّهم محل عناية الله تبارك وتعالى، هؤلاء حباهم الله بالهداية إلى الطيب من القول، وإلى الصراط المستقيم، قال تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)[474].

قد يقول قائل: إنّه ليس هناك مجموعة بعينها قد هداها الله لذلك، وإنّما كلّ البشر هم سواسية عند الله؛ لأنّ الله تبارك وتعالى صرّح بهذا المعنى الذي أشرنا إليه في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[475]، إذن يوجد أُناس ممّن أنعم الله عليهم إذا امتثلنا أوامر السماء كنّا معهم وهؤلاء هم ـ حسب هذه الآية الشريفة ـ أربعة طوائف، هم: الأنبياء، والصدِّيقون، والشهداء، والصالحون.

فنحن في الحقيقة نطلب في قولنا: (اهدنا الصراط المستقيم) أن نكون مع هؤلاء، وهم نعم الرفيق وأحسن أنواع الصديق؛ لأنّ بهم النجاة الأبدية والسعادة السرمدية.

خطّان منحرفان!

هذه الآية تفسير واضح للصراط المستقيم المذكور في الآية السابقة، إنّه صراط المشمولين بأنواع النعم، مثل نعمة الهداية، ونعمة التوفيق، ونعمة القيادة الصالحة، ونعمة العلم والعمل والجهاد والشهادة، لا المشمولين بالغضب الإلهي بسبب سوء فعالهم وزيغ قلوبهم، ولا الضائعين التائهين عن جادّة الحقّ والهدى:(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، ولأنّنا لسنا على معرفة تامّة بمعالم طريق الهداية، فإنّ الله تعالى يأمرنا في هذه الآية الكريمة أن نطلب منه هدايتنا إلى طريق الأنبياء والصالحين من عباده: (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)[476]، ويحذّرنا كذلك بأنّ أمامنا طريقين منحرفين، وهما طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين، وبذلك يتبيّن للإنسان طريق الهداية بوضوح.

ولعلّ ذكر هذه المجاميع الأربع، إشارة إلى المراحل الأربع لبناء المجتمع الإنساني السالم المتطور المؤمن:

المرحلة الأُولى: مرحلة نهوض الأنبياء^ بدعوتهم الإلهية.

المرحلة الثانية: مرحلة نشاط الصدِّيقين، الذين تنسجم أقوالهم مع أفعالهم، لنشر الدعوة.

المرحلة الثالثة: مرحلة الكفاح بوجه العناصر المضادة الخبيثة في المجتمع، وفي هذه المرحلة يقدِّم الشهداء دمهم لإرواء شجرة التوحيد.

المرحلة الرابعة: هي مرحلة ظهور (الصالحين) في مجتمع طاهر ينعم بالقيم والمثل الإنسانية باعتباره نتيجة للمساعي والجهود المبذولة. نحن ـ إذن ـ في سورة الحمد نطلب من الله ـ صباحاً مساءاً ـ أن يجعلنا في خط هذه المجاميع الأربع: خطّ الأنبياء، وخط الصدِّيقين، وخط الشهداء، وخط الصالحين. ومن الواضح أنّ علينا أن ننهض في كلّ مرحلة زمنية بمسؤوليتنا ونؤدّي رسالتنا.

قال السيد الخوئي+: «فيه دلالة على وجود طريق مستقيم سلكه الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، ووجود طرق أُخرى غير مستقيمة سلكها المغضوب عليهم، من المعاندين للحقِّ، والمنكرين له بعد وضوحه، والضالون الذين ضلّوا طريق الهدى بجهلهم، وتقصيرهم في الفحص عنه، وفي اقتناعهم بما ورثوه من آثار آبائهم، فاتّبعوهم تقليداً على غير هدى من الله ولا برهان. والقارئ المتدبِّر لهذه الآية الكريمة يتذكّر ذلك فيحضر في ذهنه لزوم التأسّي بأولياء الله المقرّبين في أعمالهم، وأخلاقهم وعقائدهم، والتجنّب عن مسالك هؤلاء المتمردين الذين غضب الله عليهم بما فعلوا، والذين ضلّوا طريق الحقّ بعد اتّضاحه»[477].

وقال العلّامة الطباطبائي+: «وقد وصف تعالى الصراط بالاستقامة، ثمّ بيّن أنّه الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله تعالى عليهم، فالصراط الذي من شأنه ذلك هو الذي سُئِل الهداية إليه، وهو بمعنى الغاية للعبادة، أي: أنّ العبد يسأل ربّه أن تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط»[478].

مَن هم المغضوب عليهم والضالين؟

اختلف المفسّرون فيمَن هم (المغضوب عليهم) و(الضالين)، فهنا أقوال:

القول الأوّل: ما ذهب إليه الجمهور في أنّ المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى، وجاء ذلك مفسّراً عن النبيّ’ في حديث عدي بن حاتم وقصّة إسلامه.

القول الثاني: إنّ (المغضوب عليهم) هم المشركون، و(الضالين) هم المنافقون.

القول الثالث: إنّ (المغضوب عليهم) باتّباع البدع، و(الضالين) عن سنن الهدى[479].

ومن خلال هذا العرض يتّضح أنّ أمام الإنسان ثلاث حالات:

الحالة الأُولى: حالة الاستقامة، ويكون فيها في موضع الرحمة والنعمة الإلهية، وفي طريق التكامل والصعود.

الحالة الثانية: حالة التمرّد على الله تبارك وتعالى، ويكون فيها في موضع الغضب الإلهي، وفي طريق التسافل والتنازل.

الحالة الثالثة: حالة التيه الذي لا يعرف معه الطريق المستقيم، وهل هو في صعود وتكامل، أم في حالة نزول وتسافل، وهذه الحالة هي حالة (الضلال). ومع أنّ لفظ (الضلال) يستخدم في كلّ حالات الخروج من الاعتدال إلّا أنّه في مثل هذه الآية المباركة استُخدم في حالات الخروج الأُخرى غير المتّصفة بالتمرّد والشدّة، بدليل قوله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، مستخدماً بذلك أُسلوب الترقّي في النفي، أي مجيء العموم المنفي (وَلَا الضَّالِّينَ)  ، بعد الخصوص (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، فكأنّ الإنسان يطلب من الله تعالى أن يكون من الذين أنعم الله عليهم (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)أولاً، ثمّ يطلب منه أن لا يكون منحرفاً انحراف أولئك المتمردين على الله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، بل حتى ولا أن يكون منحرفاً بأي شكل من أشكال الانحراف (وَلَا الضَّالِّينَ)  [480]، والرسول الأكرم’ الذي يرى الفتن من بعده، أشفق على أُمّته وأراد أن يصونهم عن الضلال بعد الهدى بكتاب يكون ضماناً لهم عن الضلال[481]، كما روى البخاري عن ابن عبّاس، أنّه قال: «لـمّا اشتدّ بالنبيّ (صلى الله عليه وسلّم) وجعه قال: ائتوني بكتابٍ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) غلبه الوجع! وعندنا كتاب الله حسبنا! فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إنّ الرزيئة كلّ الرزيئة ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وبين كتابه»[482].

 ومن الواضح أنّ تعليق عدم الضلال على الكتاب يدلّ على حرمان الأُمّة ـ بفقد ذلك الكتاب ـ من أعظم النعم وهو الهداية، وابتلائها بأكبر النقم وهو الضلالة:
(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[483]، لذا أكّد الله تبارك وتعالى على الأُمّة بالاستمرارعلى طلب الهداية، ليلاً ونهاراً؛ وما ذاك إلّا لأجل الثبات على الصراط الذي ندعو الله أن يهدينا إليه، صراط الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء والشهداء والصدِّيقين والصالحين.

وقد وُصِفت الزهراء‘ بوصفين من هذه الأوصاف الأربعة، كما روي عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن× قال: «إنّ فاطمة÷ صدّيقةٌ شهيدة»[484]، والصدّيقة (فعيلة) للمبالغة سُمّيت بها لشدّة تصديقها بما جاء به أبوها’، ولتصديق قولها بالفعل والعمل، والشهيد مَن قُتِل من المسلمين في معركة القتال المأمور به شرعاً، ثمّ اتّسع فأُطلق على كلّ مَن قُتِل منهم ظلماً كفاطمة‘؛ إذ قتلوها بضرب الباب على بطنها وهي حامل، فسقط حملها فماتت لذلك. وسُمّيت شهيدة لشهادة الله تعالى وملائكته لها بالجنّة، أو لاتّصافها بالحياة، كأنّها شاهدة حاضرة لم تمت، أو لأنّها تشهد ما أعدَّ الله لها من الكرامة فهي (فعيلة) بمعنى فاعلة أو مفعولة على اختلاف التأويل[485].

وذكر الشيخ المفيد في كتاب المزار زيارة لفاطمة تقول: «السلام عليكَ يا رسولَ الله’، السلام على ابنتك الصدِّيقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة [بنت رسول الله’] يا سيدة نساء العالمين، أيّتها البتول الشهيدة الطاهرة»[486].

صدِّيقــة لا مثلُها صدِّيقة
تُفرِغ بالصدق عن الحقيقة
[487].

ولكن لـمّا خرجت والكتاب معها، لقيها الرجل، فقال: «يا بنتَ محمّدٍ ما هذا الكتاب الذي معك، فقالت: كتابٌ كتبه لي أبو بكر بردِّ فدك. فقال: هلميه إلي. فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابنٍ اسمه المحسن، فأسقطت المحسن من بطنها ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت، ثمّ أخذ الكتاب فخرقه، فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها ذلك الرجل، ثمّ قُبضت فلمّا حضرتها الوفاة دعت علياً×، فقالت: إمّا تضمن وإلّا أوصيت إلى ابن الزبير. فقال علي×: أنا أضمن وصيتك يا بنت محمّد. قالت: سألتك بحق رسول الله’ إذا أنا مت ألّا يشهداني، ولا يصليّا عليَّ. قال: فلكِ ذلك، فلمّا قُبضت÷ دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، ومعهم مَن ظلمها، فخرج إليهما علي× فقالا له: ما فعلت بابنة محمّد، أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟ فقال علي×: قد والله دفنتها. قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟ قال: هي أمرتني. فقال الرجل: والله، لقد هممت بنبشها والصلاة عليها. فقال علي×: أما والله، ما دام قلبي بين جوانحي وذو الفقار في يدي، إنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم. فقال الآخر: اذهب فإنّه أحق بها منّا. وانصرف الناس»[488].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، آه... آه:

ولأيّ الأُمور تُدفن سرّاً
بضعــة المصطفى ويُعفى ثراها[489].

***

المحاضرة الثالثة والعشرون: القرض، ثوابه وأحكامه

قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)[490].

خلق الله تبارك وتعالى الخلقَ، وسنّ لهم القوانينَ والسُننَ؛ ليتسنّى لهم العيش الرغيد والحياة السعيدة، والتي لولا هذه القوانين وتلك السنن لأصبحت عبارة عن غابة يأكل القويُّ فيها الضعيف؛ ولذلك نحن نرى أنّ البشرية عندما تفقد الدين بأيّ حالٍ تكون، وأي مصير تنتهي إليه، هذا الإنسان الذي نراه في غاية الوداعة واللطف والجمال والحس يتحوّل إلى وحشٍ كاسر، وإلى جبّار يقتل الملايين من البشر، كما هو واضحٌ لـمَن أمعن النظر قليلاً في التأريخ القريب والمعاصر، ومن أهم ما يشدّ الناس بعضهم إلى البعض الآخر هو حالة التكافل والتضامن الاجتماعي، المتمثِّل بالصدقات والقروض وغيرها من خيرات ومبرّات، مادّية ومعنوية، كزيارة المريض والسؤال عن حاله وغيرها من الأُمور الكثيرة، ويعتبر القرض واحداً من أهم تلكم التضامنات الاجتماعية، وقد وردت آيتان في كتاب الله تبارك وتعالى تندب إلى المبادرة إلى القرض بشكل صريح جدّاً، الآية الأُولى ما صدرنا بها الكلام، والآية الثانية قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[491].

ولو أمعنا النظر في هاتين الآيتين لرأينا لطف الله تبارك وتعالى يتجلّى في أعلى مراتبه، حيث نجده يستقرض من العباد وهو الغني المطلق، كما قال الإمام أمير المؤمنين×: «استقرضكم وله خزائن السماوات والأرض وهو الغني الحميد، أراد أن يبلوكم أيُّكم أحسن عملاً»[492].

فكم هو تعبير عجيب حقّاً؛ حيث إنّ الله الواهب لكلّ النعم وجميع ذرّات وجودنا هي من بحر فيضه اللامتناهي. وبالإضافة إلى أنّنا عبيد له يعبِّر عنّا بأنّنا أصحاب الأموال، ويدعونا لإقراضه ضمن شروط مغرية، حيث إنّ السائد أنّ الديون العادية تُسترجع بنفس مقاديرها، إلّا أنّه سبحانه ـ بفضل مَنّه ـ يضاعفها لنا بالمئات أحياناً وبالآلاف أحياناً أُخرى، وإضافة إلى ذلك فإنّه قد وعدنا بأجر كريم أيضاً، وهو جزاء عظيم لا يعلمه إلّا هو تبارك وتعالى[493].

ثواب القرض

إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة خصوصاً لذوي الحاجة منهم؛ لما فيه من قضاء حاجة المؤمن وكشف كربته، وقد روي عن الرسول الأكرم’ الثواب الجزيل في قضاء حاجة المؤمن وتنفيس كربته، فعنه’ أنّه قال: «مَن كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»[494]، وعنه’، أنّه قال: «مَن أقرض مؤمناً قرضاً ينتظر به ميسوره كان ماله في زكاة، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤدّيه إليه»[495]، وعنه’: «ومَن أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل أُحد وجبال رضوى وطور سيناء حسنات، فإن رفق به في طلبه يعبر به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومَن شكى إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم الله عليه أجر المحسنين، ومَن منع طالباً حاجته وهو قادر على قضائها فعليه مثل خطيئة عشار. فقام إليه عوف بن مالك: فقال ما يبلغ خطيئة عشار يا رسول الله؟ فقال: على العشار كلّ يوم وليلة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»[496]، وعن أبي عبد الله الصادق× أنّه قال: «ما من مسلم أقرض مسلماً قرضاً يريد به وجه الله إلّا احتسب له أجرها بحساب الصدقة حتى يرجع إليه»[497]. وعنه× أيضاً: «القرض الواحد بثمانية عشر، وإن مات احتسب بها من الزكاة»[498]، إلى غير ذلك من الروايات.

الحكم الأولي للقرض

الحكم الأُولي للقرض هو الإباحة، كما هو معلوم؛ إذ لم يرد فيه نهي من الشارع يمنع منه، نعم وردت بعض الروايات التي بيّنت لنا حقائق عن القرض وآثاره، لذلك نحتاج إلى شيء من التفصيل بين الحالات التي يمرّ بها المكلّف، وسنذكر بعض هذه الروايات التي تعرّضت لبيان القرض والدَين، فعن رسول الله’، أنّه قال: «إيّاكم والدَين، فإنّه همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار»[499]، وعن الإمام أمير المؤمنين×، أنّه قال: «الدَين أحد الرقّين»[500]، وعنه×: «كثرة الدَين تصيّر الصادقَ كاذباً، والمنجزَ مخلفاً»[501]، بل في بعض الروايات جعله الرسول الأكرم’ عِدلاً للكفر، حيث قال: «أعوذ بالله من الكفر والدَين. قيل: يا رسول الله، أيعدل الدَين بالكفر؟! فقال’: نعم»[502].

وفي بعض النصوص أنّ رسول الله’ ترك الصلاة على شخص مات وعليه دَينٌ حتى ضمنه عنه أحدهم، كما روى معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد الله×: «إِنَّه ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ مَاتَ وعَلَيْه دِينَارَانِ دَيْناً فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْه النَّبِيُّ’، وقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. حَتَّى ضَمِنَهُمَا [عَنْه] بَعْضُ قَرَابَتِه! فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه×: ذَلِكَ الْحَقُّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه’ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَتَّعِظُوا، ولِيَرُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ولِئَلَّا يَسْتَخِفُّوا بِالدَّيْنِ، وقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّه’ وعَلَيْه دَيْنٌ، ومَاتَ الْحَسَنُ× وعَلَيْه دَيْنٌ، وقُتِلَ الْحُسَيْنُ× وعَلَيْه دَيْنٌ»[503].

وفي بعض النصوص أنّ خفّة الدَين زيادة في العمر، كما روي عن إمامنا الصادق×، أنّه قال: «خفّفوا الدَين، فإنّ في خفّة الدَين زيادة العمر»[504].

والنتيجة موافقة للروايات المروية في أنّ الهمّ نصف الهرم، مثل ما روي عن الإمام أمير المؤمنين×، أنّه قال: «الهمُّ نصف الهرم»[505]، وقد تقدّم عن الرسول الأكرم’، أنّه وصف الدَين بأنّه همّ في الليل!

جواز الاستدانة مع الحاجة

ما تقدّم كان الحديث فيه عن الحكم الأُولي للدَين، لكن وردت رخصة في القرض والدَين لأجل أن يعود على عياله، أو مع الحاجة عموماً، كما روي عن إمامنا الكاظم×، أنّه قال: «مَن طلب هذا الرزق من حلِّه ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله، فإن غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسوله’ ما يقوت به عياله»[506].

وهذا التفصيل هو ما أفتى على طبقه الفقهاء، قال السيد الخوئي+: «يُكره الدَين مع القدرة، ولو استدان، وجبت نية القضاء، والإقراض أفضل من الصدقة»[507].

وقال السيد السيستاني (دام ظله الشريف): «إقراض المؤمنين من المستحبّات الأكيدة، لا سيما لذوي الحاجات منهم، وأمّا الاقتراض فهو مكروه مع عدم الحاجة، وتخف كراهته مع الحاجة، وكلّما خفّت الحاجّة اشتدّت الكراهة، وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول»[508].

الحثّ على كتابة الدَين

ولأجل حفظ حقّ الإنسان الذي جادت نفسه بتقديم ماله قرضاً للآخرين، لتسهيل أُمورهم وتمشية أحوالهم، أرشدنا الله تبارك وتعالى على الطريق الذي يمكن لنا أن نحفظ به أموالنا، وذلك عن طريق الكتابة، حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)[509].

بل حذّر رسول الله’ من عدم الكتابة، وعدَّ صاحب الدَين الذي لم يكتب دَينه من الذين لا يُستجاب لهم دعاؤهم، كما روي عنه’، أنّه قال: «أصناف لا يُستجاب لهم، منهم مَن أدان رجلاً دَيناً إلى أجل، فلم يكتب عليه كتاباً، ولم يشهد عليه شهوداً»[510].

وجعله الإمام الصادق× من الذين ذهب مالهم من غير أجرٍ، حيث قال×: «مَن ذهب حقّه على غير بينة لم يؤجر»[511].

النهي عن المماطلة في الدَين

وللأسف الشديد نجد الكثير من المؤمنين ممّن بذل ماله راجياً لثواب الله تبارك وتعالى، وخائفاً من سؤاله في يوم القيامة عن تقصيره تجاه أخيه المؤمن، ابتلى بمسألة الدَين الذي يماطل فيه المقترض، بل لعلّك لا تجد أحداً إلّا وله قصّة في ذلك، فالبعض من الناس إذا أراد منك الدَين بدأ معك باللين والرقّة، والاتّصال المستمرّ، والسؤال الممل، حتى إذا استقرّ المال بين يديه، نسي ما كان عليه، فتبدأ الشهور والأيام والسنوات تمضـي وأنت تنتظر الفرج، والبعض منهم لا يرد على اتصالاتك ولا يسلِّم عليك ولا يريك وجهه، فيقطع بذلك سبيل المعروف عن الغير، ويسقط نفسه في هاوية غضب الرحمن، ونماذج ذلك كثيرة يطول بها المقام، والحديث عنها ذو شجون، خصوصاً مع ترك صاحب المال للوثيقة والكتابة، والحال أنّه من المفترض أن يقدر المقترض ذلك، ويقول في نفسه: لن أخيِّب ظنّه بي، قال تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)[512].

«أي وثق واعتمد بعض الدائنين على بعض المديونين، بأن لا يجحده ولا ينقصه ولا يناقصه، واستغنى بأمانته عن الكتابة والشهادة والارتهان (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ)، أي دينه، سمّاه أمانة مع كونه ثابتاً في ذمّته ومضموناً عليه لائتمانه عليه بدون الكتابة والإشهاد والارتهان. والمراد بأدائه إليه إعطاؤه إياه، وإيصاله إليه بغير جحود يحتاج إلى الإثبات عند الحاكم، ولا ينقص منه شيئاً، ويدفعه إليه في محله من غير مطل وتسويف»[513].

وروي عن رسول الله’ أنّه قال: «مَن يمطل على ذي حقٍّ حقّه وهو يقدر على أداء حقّه فعليه كلّ يوم خطيئة عشار»[514].

وعنه’، أنّه قال: «الدَين على ثلاثة وجوه: رجل إذا كان له فأنظر، وإذا كان عليه أعطى ولم يماطل، فذلك له ولا عليه. ورجل إذا كان له استوفى، وإن كان عليه أوفى، فذلك لا له ولا عليه. ورجل إذا كان له استوفى وإذا كان عليه مطل، فذلك عليه ولا له»[515].

بل عدّ الرسول الأكرم’ المماطل بالدَين من الظلمة، حيث قال’: «مطلُ الغني ظلم»[516]. ونحن نعي ما معنى كونه من الظلمة، يعني من الذين لا يحبّهم الله، حيث قال تبارك وتعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[517]، ولهم عذا بٌ أليم، كما قال تعالى: (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[518].

ومن الطبيعي جدّاً أنّ القرض ليس لله تبارك وتعالى؛ لأنّه الغني المطلق، لكن الغاية منه تكميل نفوس البشر، وتقوية صلتهم به}، أو لتوثيق الصلة بالإمام×، كما روى الشيخ الكليني& «عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ×، قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ قَوْلِ اللَّه : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)، قَالَ: نَزَلَتْ فِي صِلَةِ الإِمَامِ»[519]، وبلا شك أنّ صلة الإمام× من أفضل الصلات، كما روي عن إمامنا أبي عَبْدِ الله الصادق× أنّه قال: «دِرْهَمٌ يُوصَلُ بِه الإِمَامُ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِيمَا سِوَاه مِنْ وُجُوه الْبِرِّ»[520].

وغاية الإمام× تطهير نفوسنا، كما روي صريحاً عن ابن بُكَيْر، قال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه× يَقُولُ: إِنِّي لآَخُذُ مِنْ أَحَدِكُمُ الدِّرْهَمَ، وإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالاً مَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُطَهَّرُوا»[521].

وهكذا هي مهمّة الإمام المعصوم× على امتداد العصور تطهير نفوس الناس، ولكنّ الأُمّة بدل الاستفادة من هذه الطاقات التي تحملها جنبات المعصوم× نراهم قد أبادوهم عن جديد الأرض، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

***

المحاضرة الرابعة والعشرون: سيرة الإمام الصادق×

قال عبد الله بن المبارك بحقِّ الإمام أبي عبد الله الصادق×:

أنت يا جعفرُ فوقَ الـ
‍ إنّما الأشرافُ أرضٌ
جازَ حــــدَّ المــدح مـَـن
مدحِ والمدحُ عناء
ولهم أنتَ سماء
قــــد ولدتــــه الأنبيـــــاء[522].

***

كلّ مَن يريد أن يبحث عن شخصية العظماء يجد صعوبةً في أي طرف سيقع حديثه، لكن لمـّا يجد ما يعتذر به فسيعتذر، فمثلاً هذه الأبيات تشكّل طريقاً للاعتذار؛ حيث إنّ هذا الرجل، عبد الله بن المبارك، قالها بحقِّ الإمام الصادق×، مبيّناً حقيقةً لم يختلف فيها اثنان، وهي أنّ الإمام الصادق× في غاية العظمة، لذلك سنمرّ ببعض ما يبيِّن تلك العظمة.

ولادته ووالداه

اليوم الذي ولد فيه الإمام الصادق× هو 17ربيع الأوّل سنة 83 هـ، وهو اليوم الذي ولد فيه الرسول الأكرم’، وهو يوم عظيم البركة، وكان العلماء ـ قديماً وحديثاً ـ يعظمون هذا اليوم ويحترمونه، وورد ثوابٌ عظيمٌ في صومه[523].

اسمه الكريم: جعفر، وكنيته: أبو عبد الله، ومن ألقابه: الصابر، والفاضل، والطاهر، والصادق، وأشهر ألقابه اللقب الأخير[524].

والده: الإمام الباقر×، ووالدته: أُمّ فروة، واسمها فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال عنها الإمام× نفسه: «كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ آمَنَتْ واتَّقَتْ وأَحْسَنَتْ والله يُحِبُّ الْمُحْسِنِين. قَالَ: وقَالَتْ أُمِّي: قَالَ أَبِي: يَا أُمَّ فَرْوَةَ، إِنِّي لأَدْعُو الله لِمُذْنِبِي شِيعَتِنَا فِي الْيَوْمِ واللَّيْلَةِ أَلْفَ مَرَّةٍ؛ لأَنَّا نَحْنُ فِيمَا يَنُوبُنَا مِنَ الرَّزَايَا نَصْبِرُ عَلَى مَا نَعْلَمُ مِنَ الثَّوَابِ، وهُمْ يَصْبِرُونَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ»[525].

وكانت على علمٍ غزير، فقد روي عنْ داوُد بن فرقد عن عبد الأَعْلَى، قالَ: «رَأَيْتُ أُمَّ فَرْوَةَ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ عَلَيْهَا كِسَاءٌ مُتَنَكِّرَةً، فَاسْتَلَمَتِ الْحَجَرَ بِيَدِهَا الْيُسْرَى، فَقَالَ لَهَا رَجُلٌ مِمَّنْ يَطُوفُ: يَا أَمَةَ الله، أَخْطَأْتِ السُّنَّةَ! فَقَالَتْ: إِنَّا لأَغْنِيَاءُ عَنْ عِلْمِكَ»[526].

مدرسة الإمام الصادق×

انتشر ذكر مدرسة الإمام الصادق× في جميع الأقطار، فأصبحت جامعة إسلامية كبرى تقصدها وفود الأمصار، حتى كان عدد المنتمين إليها أربعة آلاف كلّهم من حملة الحديث[527].

ولهذه المدرسة مميزات عديدة، منها:

1ـ إنّهم من أقطار شتّى، من العراق ومن مصر، وخراسان، وحمص والشام، وحضرموت، وهذا عامل مهم في نشر العلوم الدينية في شتّى بقاع العالم، وفي هذا المجال يقول ابن حجر في الصواعق: «ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان»[528].

2ـ إنّهم جمعٌ غفير وعدد كثير، حتى وصلوا لأربعة آلاف طالب، وبلا شك كلّما كان العدد كثيراً، فإنّه يوجب احتمال خروج الثلة النافعة من هذا العدد، كما هو الحال في الزراعة والتجارة وغيرها.

3ـ إنّ الإمام× اختص بجماعةٍ من طلبة الشيعة، وأنّ عددهم أربعمائة طالب، الذين كتبوا لنا الأُصول الأربعمائة، وقد جُمعت هذه الأُصول بعناية فائقة ـ من قِبَل جهابذة الفن، وعلماء الطائفة الذين هم في قمّة التقوى والعظمة ـ بالكتب الأربعة، مثل الشيخ الكليني&، محمد بن يعقوب، صاحب كتاب الكافي الشـريف، المتوفى سنة 329هـ، والشيخ الصدوق، محمد بن بابويه القمّي&، صاحب كتاب مَن لا يحضره الفقيه، المتوفى سنة 380 أو 381هـ، وشيخ الطائفة الطوسي& المتوفى سنة 460هـ، صاحب كتابي التهذيب والاستبصار.

4ـ تركيز الإمام على الاختصاص، وهي نقطة مهمّة؛ لأنّ العلوم كثيرة متشعبة، والعمر قصير، فلا يتمكن أحدٌ ولا يتسنى لبشرٍ أن يحيط بهذه العلوم عن طريق التعلّم والدراسة. نعم، قد يتوصّل لذلك بالطريق الإعجازي، لكنه من المعلوم محصور بأنبياء الله وأوصيائه، فجعلهم بهذا الترتيب:

1ـ أبان بن تغلب للفقه.

2ـ زرارة بن أعين للمناظرة في الفقه.

3ـ حَمران بن أعين لعلوم القرآن.

4ـ مؤمن الطاق للمساجلة في الكلام، وهو أبو جعفر، محمد بن علي بن النعمان، كان يُلقّب بالأحول، والمخالفون يلقّبونه شيطان الطاق، دكانه في طاق المحامل بالكوفة، يُرجع إليه في النقد[529]، «قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق بحضرة المهدي لما توفي الإمام الصادق [×]: قد مات إمامك، فقال الطاقى: إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت. فضحك المهدي وأمر له بعشرة آلاف درهم»[530].

5ـ هشام بن الحكم للمناظرة في الإمامة والعقائد، سمعه الرشيد في بعض مجالس يحيى بن برمك، وكان يحضرها من وراء ستر، فقال: «إنّ لسان هشام أوقع في نفوس الناس من ألف سيف»، ولـمّا فتك الرشيد بالبرامكة طلب هشاماً فاختفى. فأخذ به خلقاً كثيراً، ثمّ أطلقهم بعد أن مات هشام مستتراً. ولم تكن مجالس المناظرات خالية من الخطر، «يسأل هشاماً سائلٌ ذات يوم: أما علمت أنّ علياً نازع العباس (جدّ الرشيد) إلى أبي بكر؟ فأيّهما كان الظالم لصاحبه؟ قال هشام فيما بعد: قلت في نفسي إن قلت: العباس. بلغ ذلك الرشيد، وإن قلت: علياً. ناقضت نفسي. قال هشام: لم يكن فيهما ظالم. قال السائل: أفيختصم اثنان.. وهما محقّان!! قال هشام: نعم اختصم الملكان إلى داود، وليس فيهما ظالم. وإنّما أرادا أن ينبهاه. كذلك اختصم هذان إلى أبى بكر ليعلماه ظلمه. فهو ينجو من المزالق»[531].

تأكيد الإمام الصادق× على الربط بين ما يمرّ به يومياً وبين ثورة الإمام الحسين×، فتلاحظه يشرب الماء يتذكّر الإمام الحسين×، كما روي لنا عن داود الرقي، قال: «كنت عند أبي عبد الله× إذا استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثمّ قال لي: يا داود، لعن الله قاتل الحسين×، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين× ولعن قاتله إلّا كتب الله له مائة ألف حسنة، وحطّ عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد»[532].

لهذا وغيره كان هارون العباسي، ومن بعده المنصور العباسي شديد العداوة لآل محمد، فقد تتبّع آثارهم وقتل كثيراً منهم، وبنى آخرين منهم في الإسطوانات لـمّا بنى عاصمته بغداد، وأباد كثيراً من أبناء الحسن×[533]، وكان يقول: «لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة أو يزيدون، وقد بقي سيِّدهم وإمامهم! فقيل له: مَن ذلك؟ قال: جعفر بن محمد الصادق»[534].

وكان يبعث جلاوزته على الإمام الصادق× فيؤتى به إلى العراق، وفي كلّ مرّة يهمّ بقتله، ولكن الله كان يحول بينه وبين قتل الإمام×. وبلغ من حقده أنّه أمر عامله على المدينة محمد بن سليمان أن يحرق على أبي عبد الله الصادق× داره، فجاء هو وجماعته بالحطب الجزل، ووضعوه على باب الدار وأضرموه بالنار، فلمّا أخذت النار ما في الدهليز تصايحت العلويات داخل الدار وارتفعت أصواتهن، فخرج الإمام الصادق× وعليه قميص وإزار، وفي رجليه نعلان، وجعل يخمد النار ويطفئ الحريق وهو يقول: «أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن أعراق الثرى، وأنا ابن إبراهيم خليل الله×»[535] حتى أخمد النار، فلمّا كان الغد دخل عليه بعض شيعته يسلّونه فوجدوه حزيناً باكياً، فقالوا: ممّن هذا التأثر والبكاء أمن جراة القوم عليكم أهل البيت وليس منهم بأوّل مرّة؟! ليست هذه المرّة الأُولى التي تحرق فيها دوركم.

فقال الإمام×: «اعلموا أنّه لـمّا أخذت النار ما في الدهليز نظرت إلى نسائي وبناتي يتراكضن في الدار من حجرة إلى حجرة، ومن مكان إلى مكان، هذا وأنا معهن، فتذكرت روعة عيال جدّي الحسين× يوم عاشوراء!! لما هجم القوم عليهن والمنادي ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين».

عگب ما فرهدوا ذيچ الصواوين
او طـلعت هايمه ذيك النساوين
شـبو نـارهم بـخيام الحسين
يـتاماها اتعثر ما بين الصخور[536].

***

المحاضرة الخامسة والعشرون:  المدح والثناء وآثارهما

قال تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[537].

قد يقوم بعض الناس عموماً، والمؤمنون على نحو الخصوص ببعض الأعمال التي يحسبون أنّها من الحسن، ولكنّها بحسب الشـرع ليست كذلك، وقد أفسدوا بعملهم هذا أكثر ممّا أصلحوا، ومن هذا القبيل استعمال كلمات المدح والثناء لبعض لناس في غير محلِّها من باب المجاملات، وهناك آثار سيئة تترتّب على هذا الفعل، قد يكون الفاعل له شريكاً له في ارتكاب هذه المعاصي بنحوٍ ما، ومن هذه الأفعال والأعمال التي يقوم بها البعض من حيث لا يعلمون بآثارها السيئة المدح والثناء في غير محلِّه، فمن هنا صار من اللازم التعرّف على ذلك بحسب ما وردنا من بيان الشارع المقدّس له.

سبب نزول الآية

ذكر المحدِّثون والمفسِّرون أسباباً عديدة لنزول هذه الآية:

منها: أنَّ اليهود كانوا يفرحون لما يقومون به من تحريف لآيات الكتب السماوية وكتمان حقائقها؛ ظنّاً منهم بأنّهم يحصلون من وراء ذلك على نتيجة، وفي الوقت نفسه كانوا يحبّون أن ينسبهم الناس إلى العلم، ويعتبرونهم من حماة الدين، فنزلت هذه الآية تردّ على تصورهم الخاطئ هذا.

ومنها: ما قاله آخرون من إنّها نزلت في شأن المنافقين؛ لأنّهم كانوا يجمعون ويتّفقون على التخلّف عن الجهاد مع رسول الله’ إذا نشبت حرب من الحروب الإسلامية، متذرّعين لذلك بمختلف المعاذير والحجج، فإذا عاد المجاهدون من القتال اعتذروا، وحلفوا لهم بأنّهم كانوا يودّون المشاركة لولا بعض الأعذار، وأحبّوا بالتالي أن يُقبل منهم العذر، ويحمدوا بما ليسوا عليه من الإيمان، وبما لم يفعلوه من أفعال المجاهدين الصادقين، فنزلت هذه الآية تردّ على هذا التوقّع غير المبرر وغير الوجيه[538].

وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري: «إنّ رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان إذا خرج رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، فإذا قدم رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت»[539].

التحذير من المدح والمداحين

لا ريب في أنّ مدح المؤمن في غيبته وحضوره ممدوح مندوب إليه؛ لكونه إدخالاً للسرور عليه، وقد علم مدحه وثوابه، ولما ورد من أنّ رسول الله’ أثنى على أصحابه، وأنّه قال لجماعة ـ لما أثنوا على بعض الموتى ـ: «وجبت لكم الجنّة، وأنتم شهداء الله في الأرض»[540].

ولكنّه ليس راجحاً مندوباً على الإطلاق، بل إذا سلم من آفاته، وهي أن يكون صدقاً لا يفرط المادح فيه، بحيث ينتهي إلى الكذب، وألّا يكون المادح فيه مرائياً منافقاً، بأن يكون غرضه إظهار الحبّ مع عدم كونه محبِّاً في الواقع، سواء كان صادقاً فيما ينسبه إليه من المدح أم لا[541].

وقد حذرت الروايات الشـريفة من الإغراق في المدح والثناء؛ وذلك لما يترتّب عليه من مساوئ، فإن كان ولا بدّ، فعلينا الاختصار في ذلك؛ فعن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «إذا مدحت فاختصـر، إذا ذممت فاقتصـر»[542]، وعنه×: «أكبر الحمق الإغراق في المدح والذم»[543]، وعنه× قال: «احترسوا من سورة الإطراء والمدح؛ فإنّ لهما ريحاً خبيثة في القلب»[544].

وعن الرسول الأكرم’ أنّه قال: «إياكم والمدح؛ فإنّه الذبح»[545]، وعنه’: «لو مشى رجل إلى رجل بسكين مرهف، كان خيراً له من أن يثني عليه في وجهه»[546].

وعنه’: «إذا مدحت أخاك في وجهه فكأنّما أمررت على حلقه الموسى»[547].

الأثار السيئة المترتبة على المدح

وقد يترتّب على المدح آثار سلبية، نذكر منها:

1ـ أن يكون الإنسان مضيِّعاً للإنصاف، فعن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «قلّما ينصف اللسان في نشر قبيح أو إحسان»[548].

2ـ الخداع للعقول والاستخفاف بالنفوس؛ ممّا يجعل الممدوح يجانب الحقيقة والواقع، فعنه× أيضاً: «إنّ مادحك لخادعٌ لعقلك، غاشٌّ لك في نفسك بكاذب الإطراء وزور الثناء، فإن حرمتَه نوالك أو منعته إفضالك وسمك بكلّ فضيحة، ونسبك إلى كلّ قبيحة»[549].

كيف نتعامل مع المدّاحين

وقد يسأل بعض المؤمنين عن الكيفيّة التي نتمكّن بها من التخلّص من المدح والثناء، فلعلّه لا يخلو أحدٌ منّا إلّا وتعرّض للمدح من قِبَل الآخرين، وقد يكون الكثير منهم غير مبالغ في مدحه وثنائه، بل وصادقٌ أيضاً، ولكن لكون المدح والإطراء يؤثِّر على ذات الممدوح وشخصه، حذّرت منه الشـريعة المقدّسة، وأنّه يؤثر في عدم فلاح الممدوح، فقد روي أنّ رجلاً مدح رجلاً عند النبي’، فقال: «ويحك! قطعت عنقَ صاحبك لو سمعها ما أفلح»، ثمّ قال: «إن كان لا بدّ أحدكم مادحاً أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلاناً، ولا أزكي على الله أحداً، حسيبه الله، إن كان يرى أنّه كذلك»[550].

 جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه، فأخذ المقداد بن الأسود تراباً فحثا في وجهه، وقال: قال رسول الله’: «إذا لقيتم المدّاحين، فاحثوا في وجوههم التراب»[551].

قال الخطابي: «المدّاحون هم الذين اتّخذوا مدح الناس عادةً، وجعلوه بضاعةً يستأكلون به الممدوح ويفتنونه. فأمّا مَن مدح الرجل على الفعل الحسن ترغيباً له في أمثاله، وتحريضاً للناس على الاقتداء به في أشباهه، فليس بمداح»[552].

تقول أُمّ العلاء: «لـمّا مات عثمان بن مظعون& قلت: رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله، قال رسول الله’: وما يدريك أنّ الله أكرمه؟! أمّا هو فقد جاءه اليقين من ربّه وإنّي لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم. قالت أُمّ العلاء: فو الله، ما أزكي بعده أحداً»[553].

ذمّ الاغترار بالمدح

وقد يصيبنا نحن البشـر الاغترار بالمدح والثناء، لكن علينا أن نجاهد أنفسنا ونراقبها جيداً، فعن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «أيّها الناس، اعلموا أنّه ليس بعاقل مَن انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه»[554].

وعنه× أنّه قال: «أجهل الناس المغترّ بقول مادح متملِّق، يحسن له القبيح، ويبغض إليه النصيح»[555].

وعن الإمام الصادق×: «لا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه، فتكبر وتجبر وتعجب بعملك، فإنّ أفضل العمل العبادة والتواضع»[556].

في جواب المادح

ثمّ أنّ الكثير منّا يتعرّض للمدح والثناء، فما هو الأُسلوب النافع في المقام؟ هناك روايات شريفة أشارت إلى الأُسلوب الناجع في مواجهة المدح والثناء؛ لكي لا تتحقق الآثار السيئة المترتبة على المدح والثناء، نذكر منها:

1ـ نهي المادح عن إكمال مدحه في المقام، ولكن بأُسلوب مهذّب ليِّن؛ حتى لا يقع المادح في الإهانة، فقد قال رسول الله’ ـ للأسود بن سريع وقد قال شعراً في الثناء على الله ومدح النبي’ ـ: «أمّا ما أثنيت فيه على الله فهاته، وأمّا ما مدحتني فيه فدعه»[557].

2ـ تشكيك المادح بصحّة ما يقوله في قبال الواقع عند الله تبارك وتعالى، كما صنع الإمام أمير المؤمنين× لـمّا مدحه قوم في وجهه، حيث قال لهم: «اللّهم إنّك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسـي منهم، اللّهم اجعلنا خيراً ممّا يظنّون، واغفر لنا ما لا يعلمون»[558].

وقوله الآخر× في وصف المتّقين: «إذا زُكِّي أحدٌ منهم خاف ممّا يُقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربّي أعلم بي منّي بنفسي»[559].

مدح الرجل بما ليس فيه

ومن المشاكل الكبيرة التي يقع فيها معتاد مدح الآخرين هو أن يمدح الناس بما ليس فيهم، فهو مضافاً إلى كونه من الكذب الصـريح، يكون نوعاً من الاستهزاء بالممدوح، فعن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «مادح الرجل بما ليس فيه مستهزئ به»[560]، وعنه× أنّه قال: «مَن أثنى عليه بما ليس فيه سَخِر به»[561]، وعنه×: «مَن مدحك بما ليس فيك فهو خليقٌ أن يذمّك بما ليس فيك»[562].

وعن الرسول الأكرم’ أنّه قال: «يا ابن مسعود، إذا مدحك الناس فقالوا: إنّك تصوم النهار وتقوم الليل، وأنت على غير ذلك، فلا تفرح بذلك؛ فإنّ الله تعالى يقول: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)»[563].

وقال الإمام أمير المؤمنين× لمالك الأشتر ـ حين ولّاه مصـر ـ: «الصق بأهل الورع والصدق، ثمّ رضهم على ألّا يطروك، ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو، وتدني من العزّة»[564].

ذمّ الفرح بالمدح

قال الإمام أبو جعفر الباقر× لجابر بن يزيد الجعفي: «إن مُدحت فلا تفرح، وإن ذُممت فلا تجزع، وفكِّر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله (جلّ وعزّ) عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبةً ممّا خفت من سقوطك من أعين الناس، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك فثوابٌ اكتسبته من غير أن يتعب بدنك، واعلم بأنّك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصـرك وقالوا: إنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنّك رجل صالح لم يسـرك ذلك، ولكن أعرض نفسك على كتاب الله، فإن كنت سالكاً سبيله، زاهداً في تزهيده، راغباً في ترغيبه، خائفاً من تخويفه، فاثبت وأبشـر؛ فإنّه لا يضـرك ما قيل فيك، وإن كنت مبائناً للقرآن فماذا الذي يغرّك من نفسك»[565].

وعن الإمام أبي عبد الله الصادق× أنّه قال: «لا يصير العبد عبداً خالصاً لله تعالى حتى يصير المدح والذم عنده سواء؛ لأنّ الممدوح عند الله لا يصير مذموماً بذمهم، وكذلك المذموم، ولا تفرح بمدح أحد؛ فإنّه لا يزيد في منزلتك عند الله، ولا يغنيك عن المحكوم لك والمقدور عليك، ولا تحزن أيضاً بذمّ أحد؛ فإنّه لا ينقص عنك ذرّة»[566].

التحذير من مدح الفاجر

ثمّ إنّه قد يقع المادح أحياناً كثيرة في أن يمدح الفاجرين والفاسقين وأهل الظلم والجور، وقد غفل عن غضب الله تعالى وسخطه في فعله هذا، وقد ارتكب أكبر الأوزار وأقبح الأفعال، فعن الرسول الأكرم’ أنّه قال: «إنّ الله ليغضب إذا مُدح الفاسق»[567].

وعن الإمام أمير المؤمنين× أنّه قال: «من أقبح المذام مدح اللئام»[568].

وعنه×: «أكبر الأوزار تزكية الأشرار»[569].

ومن الأشرار مَن تعدّى حكم الكفّار، أمثال قتلة الأنبياء والمرسلين^، وأهل بيت العصمة والطهارة^، أمثال بني أُميّة وبني العبّاس الذين قتلوهم تحت كلّ حجر ومدر.

***

المحاضرة السادسة والعشرون: الجهاد: أهمّيته، أقسامه

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[570].

كلّ متأمّلٍ في القرآن الكريم يجد هناك ترابطاً بين مجموعة كبيرة من الآيات الشـريفة، ارتباطٌ بين الأثر والمؤثِّر، فهناك ـ مثلاً ـ ارتباطٌ وثيقٌ بين التّقوى وتحصيل العلم، كما قال تعالى:(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[571]، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

ومن تلك الآيات الآية الشريفة التي نحن بصدد الوقوف عندها والتعرّض لها بما يناسب الوقت، هذه الآية الشريفة ربطت بين الجهاد والهداية، بين أن يجاهد الإنسان في الله تعالى وبين نتيجة مهمّة وهي أن يحصِّل الهداية الإلهية.

الجهاد لغةً واصطلاحاً

وقبل الشروع في بيان الآية الشريفة، من المستحسن جدّاً أن نتعرّض لمفردة الجهاد الذي هو دخيلٌ في تحصيل الهداية؛ لكي نتمكّن من العمل على الاتّصاف به وتحصيله، فما لم نفهم ماهية الجهاد، لا يمكننا القيام بتحصيله؛ لما هو معلومٌ من أنّ العمل فرع العلم.

قال الجوهري: «قال الفراء: الـجُهد بالضم الطاقة. والجَهد بالفتح من قولك: اجهد جَهدك في هذا الأمر، أي: أبلغ غايتك»[572]، وفي تاج العروس: «الجَهْدُ، بالفتح: الطَّاقَةُ والوُسْع، ويُضَمّ. والجَهْد، بالفتح فقط: المَشَقّة. قال ابن الأَثير: قد تكرَّرَ لفْظ الجَهْد والجُهْد في الحديث، وهو بالفتح المَشقّةَ، وقيل: الـمُبالغةُ والغاية. وبالضّمّ: الوُسْع والطّاقَة، فأَمّا في المَشقّة والغايةِ فالفتحُ لا غَيرُ»[573].

والجهاد مأخوذٌ بالكسر من الجهد، فأنت إذا قابلت العدوَّ في تحمّل الجهد صرت مجاهداً؛ إذ كلُّ واحد من المتخاصمين يبذل طاقته ويتحمّل مشقته في دفع صاحبه، وهو ضد النكول، فالنكول الجبن، يُقال: نكل عن العدوِّ ينكل بالضم، أي جبن، والناكل الجبان الضعيف[574].

أقسام الجهاد

بعد أن تبيّن لنا أنّ الجهاد هو بذل الوسع والطاقة، والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، فلا بأس أن نتعرّف على الأقسام التي ينقسم إليها الجهاد؛ كي نتمكّن من بيان ما نحن بصدده، وهو جهاد النفس، وفي هذا المجال يقول الراغب الأصفهاني: «الجِهَاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)»[575]، ويمكن أن نسمّي مجاهدة الشيطان بـ (مجاهدة الباطن)، في قبال مجاهدة الظاهر، وما يهمّنا في هذا المقام هو القسم الأخير، وهو مجاهدة النفس.

جهاد النفس

جهاد مع النفس الأمّارة بالسوء وهذا الصنف أشقُّ وأعظم من جميع الأقسام، كما دلّت عليه التجربة، ودلّ عليه ما روي عن أبي عبد الله×: «أَنَّ النَّبِيَّ’ بَعَثَ بِسَرِيَّةٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ: مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا الْجِهَادَ الأَصْغَرَ وبَقِيَ الْجِهَادُ الأَكْبَرُ! قِيلَ يَا رَسُولَ الله’: ومَا الْجِهَادُ الأَكْبَرُ؟ قَالَ جِهَادُ النَّفْسِ»[576].

وعلّق عليه بعض الأعلام& بقوله: «ومَن نظر في هذا الخبر ـ الّذي نحن في صدد شرحه ـ حقَّ النظر، وتأمّل في كثرة جنود الجهل وكثرة شوكتها وغلبتها في الأكثر حقّ التأمّل، عرف سرّ كون هذا الجهاد أعظم وأكبر... ولا يبعد أن يُراد بالجهاد هنا جميع هذه الأصناف؛ لأنّ كلّ واحد منها من صفات العقلاء، وخواص الأولياء، والصّابرين في البأساء والضرّاء، الّذين غاية مناهم تخليص نفوسهم ونفوس عباد الله عن قيود الهلكات، وأغلال الشبهات، وسلاسل الزَّلات، وانتزاعها من أيدي هذه الدُّنيا الغدَّارة والأبالسة المكّارة، وسياقها إلى بساط الحقِّ وساحة رحمته ومحلّ كرامته وفناء جنّته، فيدخلون فيها إخواناً على سرر متقابلين، لا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين.

وأمّا النكول عن الجهاد والتقاعد منه فهو من سمات الغافلين، وصفات الجاهلين الّذين يسلكون مسالك النفوس الأمّارة، ويختارون راحتها على مشاقّها، وهم عن شناعة العاقبة جاهلون، ويؤثرون الحياة الدُّنيا على الآخرة وهم عنها غافلون»[577].

كيف نجاهد أنفسنا؟

كلّ مَن يريد أن ينتصر على عدوّه يلزمه أن ينتصر على نفسه، وكلّ مَن يريد أن يعلِّم غيره عليه أن يبدأ بتعليم نفسه، هذه هي القاعدة التي رسمها لنا الدين، يقول الإمام أمير المؤمنين×: «مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً، فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه، ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه، ومُعَلِّمُ نَفْسِه ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ، مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ»[578].

وحتى يتحقق لنا الانتصار علينا أن نستعين بالله تبارك وتعالى، ولعلّ التقييد بـ (فينا) في الآية المباركة يدلّ على أنّ مجاهدة النفس لو لم يكن في الله وفي سبيله لم ينفع، ولا يكون موجباً للدخول في الجنّة، ولا سبب الهداية إلى الله تعالى وطريقه المستقيم[579].

ففرقٌ بين أن يجاهد العبد في سبيل الله وبين أن يجاهد في الله، فالمجاهد في الأوّل يريد سلامة السبيل ودفع العوائق عنه، بخلاف المجاهد في الثاني، فإنّه إنّما يريد وجه الله، فيمدّه الله سبحانه بالهداية إلى سبيل دون سبيل بحسب استعداده الخاص به، وكذا يمدّه الله تعالى بالهداية إلى السبيل بعد السبيل حتى يختصّه بنفسه جلّت عظمته[580].

طرق تحصيل جهاد النفس

هناك عدّة طرق لمساعدة الإنسان على جهاد النفس:

الطريق الأوّل: الأُستاذ

وذلك بأن يسعى الإنسان لتحصيل أُستاذٍ له في الأخلاق والجهاد، ويسعى سعياً حثيثاً لذلك، حتى يحصل على الوصول إلى هدفه بسلامٍ، يقول بعض العلماء الأكابر&: «اتّفاق المشايخ على منع السالك عن السلوك بنفسه من غير شيخٍ كامل، أو إمامٍ، أو نبيّ كان في هذا المقام؛ وذلك لأنّ الشخص مثلاً إذا شرع في السلوك بنفسه لم يخلص هو من مطاوعة النفس وملاءمتها، أعني ما يلائمها وما لا يلائمها، وسلوك سبيل الله مبنيّ على مخالفتها دائماً، فكيف يمكن إصابة ذلك الشخص الذي يسلك بنفسه سلوك سبيل الله وإليه»[581].

وهناك أساتذة كبار في هذا المجال ممّن يستطيع الإنسان الطالب للهداية أن ينتفع بهم، لكن المشكلة تكمن في ندرتهم أوّلاً، وفي رفضهم وعدم قبولهم لذلك ثانياً؛ ولعلّ السبب يعود إلى أنّهم مشغولون بأنفسهم، أو يخافون من السمعة والشهرة والرياء مثلاً، وعلى كلّ حال فتحصيل الأُستاذ المربّي في هذا الزمان أشبه ما يكون بالمستحيل، لكن هذا لا يمنع من تتبّع دروسهم والحضور في مجالسهم والاستماع إلى محاضراتهم، فهذا أمرٌ يمكن أن يتحقق، وبيسرٍ وسهولة، فمَن يسعى لشيء يدركه أو بعضه، كما قال الإمام أمير المؤمنين×: «مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَه أَوْ بَعْضَه»[582].

الطريق الثاني: الكتاب

وإذا لم يتحقق الطريق الأوّل فهناك طريقٌ آخر يمكن لنا أن نستفيد منه إلى حدٍ ما، وهو ليس قليل الشأن، بل شأنه مهم وفائدته عظيمة وملموسة، وهو الكتاب المكتوب لهذا الغرض، فيبدأ الطالب لذلك بمطالعة كتب الأخلاق البسيطة، ثمّ يتوسّع إلى كتب أُخرى، وقد يقرأ بنفسه، وقد يستعين بأُستاذٍ يوضِّح له بعض المطالب في هذا الكتاب، فيكون أُستاذاً وإن كان فاقداً لتحصيل تلك المعاني.

وقد يوفّق الطالب لتحصيل أُستاذ مربّي وعملي في هذا المجال، إذا جاهد في الله جهاداً حقيقياً، وهناك كتب جيدة في هذا المجال، وهي في متناول الأيدي، ومن هذه الكتب كتاب (الأربعون حديثاً) للإمام الخميني+، هذا الكتاب الرائع الذي سمعت عن تأثيره وتأثير مؤلفه+ أنّ البعض يقول: كان كلام الإمام الخميني& يعصمني من الذنوب لمدّة أُسبوع، وكتاب (جامع السعادات) للشيخ النراقي&، وغيرها، خصوصاً إذا كان صاحب الكتاب هو بحدِّ ذاته كتاب أخلاق، مثل الشيخ النراقي&؛ إذ يُنقل أنّ المرحوم الملّا مهدي النراقي ـ وكان متبحراً في كثير من العلوم وقد ألّف كتابَه المذكور في علم الأخلاق وتزكية النفس ـ كان قد أرسل نسخةً من كتابه المذكور إلى السيد بحر العلوم+ في النجف الأشرف، ومن ثمّ سافر بنفسه إلى زيارة العتبات المشرفة ودخل النجف، فجاء العلماء إليه تجليلاً لمكانته السامية، إلّا أنّ السيد بحر العلوم امتنع عن المجئ لزيارته، ولم تمضِ أيام حتى قام المرحوم النراقي& بزيارة السيد بحر العلوم، إلّا أنّ السيد لم يعر اهتماماً كبيراً به، ومرّةً أُخرى قام النراقي بزيارة السيد بحر العلوم في بيته وأمضى معه ساعةً من الوقت، وهذه المرّة لم تكن بأفضل من سابقتها؛ حيث إنّ بحر العلوم لم يهتم اهتماماً كبيراً بالنراقي، فرجع النراقي إلى منزله، ومرّةً أُخرى زار النراقي بحر العلوم دون أن يفكِّر بأنّه لا فائدة مرجوة من اللقاء ببحر العلوم إلى غير ذلك من وساوس الشيطان، وهذه هي المرّة الثالثة، فما أن وصل منزل السيد وطلب الاستئذان، حتى خرج إليه بحر العلوم حافياً لاستقباله واحتضنه وقبّله وأدخله المنزل بكلّ احترام وتجليل، وبعد أداء الاحترام قال السيد مخاطباً النراقي: كتبتم كتاباً في الأخلاق وتزكية النفس وأهديتمونا نسخةً منه، وأنا قد اطّلعت على الكتاب من أوّله إلى آخره بكلّ دقّة وإمعان، والحقّ يُقال: إنّه كتاب يقلّ نظيرة، ومفيد جدّاً، وأمّا السبب في عدم مجيئي لزيارتكم واستقبالكم منذ ورودكم إلى النجف، وعدم الاهتمام اللائق بشأنكم عند زيارتكم لنا في المنزل، كلّ ذلك قمت به عمداً؛ لأطّلع على أنّك عاملٌ بما كتبت، أو لا!

فظهر لي أنّك في أعلى درجات تزكية النفس، وأنت بنفسك كتاب أخلاق، تهدي الآخرين بأخلاقك، وليس بكتابك فحسب[583].

ولكن هذا الطريق ـ طريق الكتاب ـ لا يخلو من بعض المشاكل، ولعلَّ أهم مشكلة تواجه الإنسان الطالب في هذا الطريق الخطأ في فهم المطالب، وتوهُّم الاتّصاف ببعض المقامات، إلى غيرها من المشاكل.

الطريق الثالث: الصديق

الطريق الثالث لتحصيل المجاهدة هو الصديق، فالصديق له التأثير الكبير، ولا يتصور البعض منّا أنّ تأثير الصديق منحصرٌ بزمنٍ ما أو فترة تمرُّ علينا، فهذا تصورٌ غير صحيح؛ بل الأمر ليس كذلك، فللصديق تأثيرٌ حتى على مَن بلغ الأربعين أو أكثر من عمره، فكم من طالب علمٍ أهمل الجانب الروحي والعبادي، ولم يهتم بمواقيت الصلاة، ولا بتحصيل الأذكار، ولا المداومة على الطهارة، ولا غيرها من أبسط الأشياء التي ينبغي على طالب العلم أن يتّصف بها، والسبب يعود إلى أنّه صاحبَ ورافقَ مَن لا همَّ له بهذه الأُمور، وكأنّه رافق وصادق ميتاً.

والعكس بالعكس، فهناك من الطلبة مَن تغيّر حاله إلى حالٍ جديد، والسبب يعود إلى الصديق الذي رافقه، وتباحث معه وقوّى علاقته فيه، روي عن الرسول الأكرم’ أنّه قال: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل»[584]، وعنه’ أنّه قال: «أسعد الناس مَن خالطَ كرامَ الناس»[585]، وقال الإمام أمير المؤمنين×: «قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ»[586]، وقال الشاعر:

عن المرء لا تسألْ وسلْ عن قرينهِ
فإنّ القرينَ بالمقارن يقتدي[587]

ولكن المشكلة في هذا الطريق تكمن في أنّ الصديق والرفيق قد يحابي ويجامل صديقه فيما لو رأى منه تقصيراً وفتوراً في جانبٍ من جوانب العبادة والطاعة وتحصيل الكمالات، ومن هنا صار هذا الطريق ضعيفاً إلى حدٍ ما، بخلاف الأمر في الأُستاذ المربّي؛ فإنّه في الغالب لا يداهن ولا يحابي، بل يضع يده على محل الداء ليضع له الدواء.

الهداية نتيجة الجهاد

والنتيجة النهائية المترتبة على الجهاد في الله ومن أجل الله تعالى هي الهداية، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[588]، الهداية إلى طرق الخير وسبله، وأنّه نحو من الإحسان، وهذا يفيد أنّ للهداية الإلهية طريقاً ميسراً للإنسان وهو الإحسان في العمل، وإنّ الله لمع المحسنين، لا يدعهم يضلون[589].

وقد أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه سبلاً، وهي أيّاً ما كانت سوف تنتهي إليه تعالى؛ فإنّما السبيل سبيل لتأديته إلى ذي السبيل، وهو غايتها، فسبله هي الطرق المقرِّبة منه والهادية إليه تعالى، وإذ كانت نفس المجاهدة من الهداية كانت الهداية إلى السبل هداية على هداية، فتنطبق على مثل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى)[590][591].

***

المحاضرة السابعة والعشرون: حمل الأمانة وأداؤها

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[592].

الأمانة: هي حفظ حقوق الخالق والمخلوق[593]، وهي العقد الذي يلزم الوفاء به ممّا من شأنه أن يؤتمن على صاحبه[594]. والآية الشريفة تقتضي وجوب الفحص عن المالك لكونه مقدّمة للردّ الواجب، وهي تشمل الأمانة المالكية كالوديعة ونحوها، والأمانة الشرعية كاللقطة ومجهول المالك ونحوها[595].

وقد ورد الحثّ الأكيد على تأدية الأمانة، بل جعل الله سبحانه وتعالى مراعتها ورعايتها من صفات المؤمنين، حيث قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * ... * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[596].

وجعلها رسول الله’ هي وصدق الحديث الميزانَ في اكتشاف إيمان المؤمن، حيث قال’: «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج، والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن اُنظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»[597].

وجعلها الإمام أمير المؤمنين× أفضل الإيمان، حيث قال: «أفضل الإيمان الأمانة، أقبح الأخلاق الخيانة»[598].

وتعدّ الأمانة من المدارج التي توصل الإنسانَ إلى أعلى مراتب الكمال عند الله تعالى وعند رسوله’، فعن إمامنا الباقر× أنّه قال: «اُنظر ما بلغ به علي× عند رسول الله’ فالزمه، فإنّ علياً× إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله’ بصدق الحديث وأداء الأمانة»[599].

إطلاق وجوب أدائها

ولعظم هذا التكليف لم يرخّص فيه الله تبارك وتعالى مطلقاً، فعن الإمام الباقر× أنّه قال: «ثلاث لم يجعل الله  لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرِّ والفاجر، وبرّ الوالدين برّينِ كانا أو فاجرينِ»[600].

وعن الإمام أمير المؤمنين×: «أدّوا الأمانة ولو إلى قاتل ولد الأنبياء^»[601].

وعن الإمام الصادق× أنّه قال: «إنّ ضارب علي بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني، ثمّ قبلت ذلك منه لأدّيت إليه الأمانة»[602].

وعنه× أنّه قال: «ادّوا الأمانة ولو إلى قاتل الحسين بن علي»[603]، وعنه× أنّه قال: «إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر»[604].

التحذير من خيانة الأمانة

وردت تحذيرات شديدة من قِبَل النبيّ الأكرم’ وأهل بيته الطاهرين^ في خيانة الأمانة، وفي بعض هذه النصوص أنّه لا إيمان لـمَن خان الأمانة، كما روي عن رسول الله’: «لا إيمان لـمَن لا أمانة له»[605].

وعنه’: «مَن خان أمانةً في الدنيا ولم يردّها إلى أهلها، ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي، ويلقى الله وهو عليه غضبان»[606].

مَن نهي عن ائتمانهم

وعلينا أن نتّبع الروايات الشريفة في ترك مجموعة من الأشخاص نهت الشريعة المقدّسة عن أئتمانهم، ولو خالفنا ذلك فلا لوم إلّا على أنفسنا، فقد حذّرت بعض الروايات عن أئتمان بعض الناس، نذكِّرهم حتى نكون على اطّلاع:

الأوّل: أنّه نُهي عن ائتمان غير الأمين، فقد روي عن الرسول الأكرم’ أنّه قال: «مَن ائتمن غير أمين فليس له على الله ضمان، لأنّه قد نهاه أن يأتمنه»[607].

الثاني: عدم ائتمان الـمَلول، فعن الإمام أمير المؤمنين×أنه قال: «لا تأمننَّ مَلولاً»[608].

الثالث: عدم ائتمان الخائن، فعن الإمام الصادق× أنّه قال: «ليس لك أن تتهم مَن ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جرَّبته»[609].

عاقبة أداء الأمانة الدنيويّة والأُخروية

لأداء الأمانة لأهلها آثار دنيويّة وأُخروية غير رضى الله سبحانه وتعالى، والطاعة له} ورضاه، نذكر بعضها:

الأثر الأوّل:الصدق، فعن الإمام أمير المؤمنين×: «الأمانة تؤدِّي إلى الصدق»[610].

الأثر الثاني: الرزق، فعن الإمام الصادق×: «الأمانة تجر الرزق، والخيانة تجر الفقر»[611].

وفي كتاب شواهد المبلّغين عن تذكرة الخواصّ، قال: «حدّثني أبو محمد عبد الوهّاب المقري، قال: حدّثني جارٌ لي، قال: كان لي صاحب من أولاد الحسين× وكان رقيق الحال، فكنت أبرّه. قال: فحجّ في بعض السنين وعاد وقد حسنت حاله، فسألته عن ذلك، فقال: حججت في هذه السنة وأنا فقير أمشي. قال: فبقيت ثلاثة أيام لم أجد طعاماً، فبينما أنا أمشي، وإذ قد علق في قدمي شيء، وإذا هميان ـ أي حزام توضع فيه النقود ـ فأخذته وفتحته، وإذا فيه ألف دينار، فقالت نفسي: تصرّف فيه واشتري طعاماً وأكْثِرْ. قال: فقلت: لا والله، حتّى يظهر أمره، فإذا بمنادٍ يُنادي عليه. فقلت لصاحبه: ما تُعطي مَن لقيه؟ قال: ما أُعطيه شيئاً! قلت: مئة دينار؟ قال: لا. قلت: فديناراً؟ قال: لا. فرميته إليه، فنظر إليّ وقال: مَن أين أنت؟ قلت: من بغداد. قال: وما تصنع؟ قلت: لا شيء، وأنا رجل شريف وما لي حرفة. فقال: من أولاد مَن أنت؟ قلت: من أولاد الحسين×. قال: ومَن يعرفك؟ قلت: الحاجّ. فجاء جماعة فعرّفوني، فرمى إليّ الهميان، وقال: خُذْه. فقلت له: أنت ما هان عليك أن تُعطيني منه ديناراً، أفتُعطيني الجميع؟! فقال: اعلم، أنّه عندي وديعة جاءت معي من خراسان، وأوصاني صاحبه أن لا أُعطيه إلّا لشـريف مُستحقٍّ من أولاد الحسين× وأنت ذاك. فأخذته وحسنت حالي»[612].

الأثر الثالث:أنّها تجلب الغنا، فعن رسول الله’ أنّه قال: «الأمانة تجلب الغناء، والخيانة تجلب الفقر»[613].

قال سعيد بن عمرو الجعفي:«خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ حَالاً، فَشَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله×، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَجَدْتُ عَلَى بَابِهِ كِيساً فِيهِ سَبْعُمِائَةِ دِينَارٍ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْرِي ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: يَا سَعِيدُ اتَّقِ الله، وَعَرِّفْهُ فِي الْمَشَاهِدِ.

وَكُنْتُ رَجَوْتُ أَنْ يُرَخِّصَ لِي فِيهِ، فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُغْتَمٌّ، فَأَتَيْتُ مِنًى وَتَنَحَّيْتُ عَنِ النَّاسِ وتَقَصَّيْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَوْقُوفَةَ، فَنَزَلْتُ فِي بَيْتٍ مُتَنَحِّياً عَنِ النَّاسِ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ يَعْرِفُ الْكِيسَ؟ قَالَ: فَأَوَّلُ صَوْتٍ صَوَّتُّهُ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى رَأْسِي يَقُولُ: أَنَا صَاحِبُ الْكِيسِ! قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنْتَ، فَلَا كُنْتَ. قُلْتُ: مَا عَلَامَةُ الْكِيسِ؟ فَأَخْبَرَنِي بِعَلَامَتِهِ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ. قَالَ: فَتَنَحَّى نَاحِيَةً فَعَدَّهَا، فَإِذَا الدَّنَانِيرُ عَلَى حَالِهَا، ثُمَّ عَدَّ مِنْهَا سَبْعِينَ دِينَاراً، فَقَالَ: خُذْهَا حَلَالاً خَيْرٌ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ حَرَاماً. فَأَخَذْتُهَا.

ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله× فَأَخْبَرْتُهُ كَيْفَ تَنَحَّيْتُ وَكَيْفَ صَنَعْتُ.
فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ حِينَ شَكَوْتَ إِلَيَّ أَمَرْنَا لَكَ بِثَلَاثِينَ دِينَاراً، يَا جَارِيَةُ هَاتِيهَا.
فَأَخَذْتُهَا وَأَنَا مِنْ أَحْسَنِ قَوْمِي حَالاً»
[614].

الأمانة الإلهية

وكلّما تكون الأمانة أكبر، والذي ائتمنها عندك أهم تكون عقوبة الخيانة لها أشدّ وأعظم، فمثلاً لو كان الذي ترك الأمانة عندي شخصٌ عالمٌ وجيه يكون قبح الخيانة كبيراً، ولو كان هذا العالم مرجعاً من مراجع الطائفة تكون القضية أشدّ، ولو كان الذي ائتمنني هو المعصوم×، تكون أكبر بكثير، فلو كان الذي ائتمنني هو خالق المعصوم جبّار السموات والأرضين تكون الأمانة مخيفة جدّاً، وعليّ أن أحافظ عليها بشكلٍ شديد، أو لا أقبل هذه الأمانة وأرفض تحمّلها لو كان الأمر اختيارياً، وإلّا هكذا أمانة لا تتحملها السماوات والأرضون ولا الجبال، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[615].

ويمكن أن تكون تكاليف الله على جميع البشـر هي من الأمانات التي كلّفنا بحفظها، كما يشعر به ما روي في الحديث: أنّ أمير المؤمنين× إذا حضر وقت الصلاة كان يتململ ويتزلزل ويتلون، فيُقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: «جاء وقت الصلاة، وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها»[616].

 وقد سأله× بعضُ الزنادقة: أجد الله يقول: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ...)، فما هذه الأمانة ومَن هذا الإنسان؟ وليس من صفة العزيز الحكيم التلبيس على عباده؟ فقال×: «أمّا الأمانة التي ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب ولا تجوز أن تكون إلّا في الأنبياء وأوصيائهم»[617].

وقد روي عن أبي عبد الله×في قول الله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) قال: «هي ولاية أمير المؤمنين×»[618].

قال الشيخ المفيد&: «إنّ الأمانة هي الولاية لأمير المؤمنين×، وأنّها عُرضت قبل خلق آدم× على السماوات والأرض والجبال، ليأتوا على شروطها فأبِينَ من حملها على ذلك خوفاً من تضييع الحقّ فيها، وكلّفها الناس فتكلّفوها ولم يؤدِّ أكثرهم حقّها»[619].

وهكذا هو الحال لـمَن يجعل أمانته عند الله} فهو خير أمين، روي «أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× مع ابن له يشبه أباه جسداً، فتعجّب الإمام أمير المؤمنين×، وقال: ما رأيت غراباً أشبه بغراب مثل هذا بأبيه! فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إنّ لهذا الولد شأنا عجيباً! إنّه مكث في القبر تسعة أشهر وخرج بقدرة الله تعالى، فوثب علي×، وقال: أي شيء تقول أيّها الرجل؟! قال: أردت أن أسافر وولدي هذا في بطن أُمّه فتوضأت وصلّيت ركعتين ورفعت يدي إلى السماء وقلت: يا إلهي أودعت الولد الذي في بطن أُمّه عندك فرُدّه إليَّ سالماً إذا رجعت، ثمّ خرجت إلى سفر ومكثت تسعة أشهر، ثمّ رجعت فوجدت زوجتي قد ماتت فذهبت إلى قبرها فعانقت القبر وبكيت كثيراً، فسمعت صوت صبي من قبرها فتعجبت! فقلت: اكشف رأس قبرها لكي اُنظر ما هذا الصوت الذي اسمع فكشفته فرأيت قد بليت جسدها وتفسخت أعضائها، وما بقي سوى ثديها ورأيت هذا الغلام يرضع منه فرفعته وقلت: إلهي مننت عليَّ بردِّ ولدي، فلو رددت زوجتي لعظمت منّتك عليَّ. فسمعت هاتفاً يقول: أودعت ولدك عند الله فرَدّه إليك سالماً، فلو أودعت زوجتك لردّها إليك سالمة كما ردّ إليك ولدك سالماً. نعم من شأن الوديعة أن تُرد إلى صاحبها سالمة، لكن وديعة رسول الله’ رُدّت إليه مكسورة الضلع، مسوّدة الكتف، مسقَطة الجنين»[620].

رحم الله آيةَ الله العظمى الشيخ الأصفهاني، حيث يقول:

لكنَّ كسـرَ الضلعِ ليس ينجبر
إذ رض تلكَ الأضلع الزكية
ومن نبوع الدم من [جنبيها]
وجاوزوا الحدَّ بلطمِ الخدِ
فاحمرّت العينُ وعينُ المعرفة
ولا يزيلُ حُمرةَ العينِ سوى
إلّا بصمصامِ عزيزٍ مُقتدر
رزيةٌ لا مثلُها رزية
يُعرف عظم ما جرى عليها
شُلّتْ يد الطغيان والتعدي
تذرفُ بالدمع على تلك الصفة
بيضُ السيوف يوم ينشـر اللواء
[621].

***

المحاضرة الثامنة والعشرون: وصية الإمام الحسن العسكري× للشيعة

من وصية الإمام الحسن العسكري×، للشيخ الجليل الفقيه علي بن بابويه القمي&: «أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن، عليَّ بن الحسين ابن بابويه القمي ـ وفقك الله لمرضاته، وجعل من ولدك أولاداً صالحين برحمته ـ بتقوى الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإنّه لا تُقبل الصلاة من مانعي الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسـر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبت في الأُمور، والتعهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فاعمل بوصيتي، وآمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا عليه، وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإنّ النبي’ قال: أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ’، حيث قال: إنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

فاصبر ـ يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن ـ وآمر جميع شيعتي بالصبر، فإنّ الأرض لله يورثها مَن يشاء والعاقبة للمتقين. والسلام عليك، وعلى جميع شيعتنا، ورحمة الله وبركاته، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير»[622].

هناك عدّة وصايا صدرت من المعصومين الأربعة عشر^ ينبغي الاهتمام بها جيدّاً؛ لأنّ المخاطب بها أوّلاً وآخراً هو نحن شيعتهم، ومن جملة هذه الوصايا هذه الوصية الشريفة التي أوصى بها الإمام الحسن العسكري× الشيخ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ، المكنّى بأبي الحسن، شيخ القمّيين في عصره وفقيههم وثقتهم، والد الشيخ الصدوق&، قد اجتمع في العراق مع السفير الثالث للإمام صاحب العصر والزمان#، أبي القاسم الحسين بن روح& وسأله مسائل.وكان& أوّل مَن ابتكر طرح الأسانيد، والجمع بين النظائر والأتيان بالخبر مع قرينه، وذلك في رسالة الشرائع التي ألّفها لولده وبعض فقراتها مذكور في الفقيه والهداية والمقنع لابنه. ونظراً للثقة المطلقة التي منحها الأصحاب إياه، ولاعتمادهم المطلق عليه، لذا فقد كانوا يأخذون الفتاوى من رسالته إذا أعوزهم النصّ، وهذا من متفرداته (قدس الله نفسه الزكية)، وكفى في فضله ما ورد في هذا التّوقيع الشّريف، وله كتب كثيرة، توفّي سنة (329هـ)، ودُفن بقم بجوار المرقد الطاهر للسيدة المعصومة‘، ومقامه فيها معلومٌ، وقد أخبر عن موته في ساعة وفاته الشيخ الأجل أبو الحسن علي بن محمد السمري رابع النواب الأربعة (رضي الله عنهم) في بغداد[623].

ويكفي في فضله أنّ الإمام يسلِّم عليه ويدعو له ويوصيه، فهذا شرفٌ ليس بعده ولا قبله شرف، ولو تأمّلنا في عبارات الإمام× نجد أنّ الإمام× يبجّل ويقدّس الشيخ أيما تبجيل وتقديس، وهذه العبارات ليست كعبائر عوام الناس، بل ولا حتى الفقهاء؛ لأنها رويت عن المعصوم× وكفى، الإمام الواقف على نفسيات البشـر، لاحظ كيف يعظِّم الشيخ ويدعو له بهذه العبائر: «أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن، عليَّ بن الحسين ابن بابويه القمي، وفقك الله لمرضاته، وجعل من ولدك أولاداً صالحين برحمته».

والوصية طويلة نقف عند بعض فقراتها الشريفة:

والفقرات هي: «والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبّت في الأُمور، والتعهد للقرآن، وحسن الخلق».

الفقرة الأُولى: الحلم عند الجهل

الحلم هو ضبط النفس عند هيجان الغضب[624]، فالحلم يكسر شوكة الغضب، وفيه دلالة على كمال العقل وقوّة الإرادة في السيطرة على النفس الأمّارة بالسوء، وهو من صفات الأنبياء والأئمة الأطهار^، والحلم يُزيِّن صاحبَه حتّى يصبح محبوباً بين الجميع، ولا يُعرف الحليم إلّا عند الغضب، كما روي ذلك عن إمامنا الصادق×[625].

وقال الشاعر:

مَن يدّعي الحلمَ اغضبْه لتعرفــــه

لا يُعرفُ الحلمُ إلّا ساعةَ الغضبِ[626].

 فيعفو الإنسان مع قدرته على العقوبة، ويكون الحلم ذا قيمة عالية عندما يكون الإنسان عزيزاً فيُذّل، أو صادقاً فيُتّهم، أو يُسهتزأ به حين يدعو إلی الحقّ، أو يُؤذى بلا جُرمٍ، أو يطالب بالحقّ فيخالفه الناس.

وقد حثّت الروايات الشّريفة على التحلّي بالحلم حثّاً بليغاً، فعن الإمام الرضا×، قال: «لا يكونُ الرجُلَ عابداً حتّى يكون حليماً»[627].

بل إنّ بعض الروايات أمرت بالتحلُّم ـ أي التشبّه بأهل الحلم ـ وما ذاك إلّا لأهمّيته، فعن الإمام أمير المؤمنين× قال: «إنْ لم تكن حليماً فتحلّم؛ فإنّه قلَّ مَن تشبّه بقومٍ إلّا أوشك أن يكون منهم»[628].

وقد ضرب الأئمّة في ذلك أمثلةً رائعةً أذهلت عقول بني البشـر، وهي منهم وعندهم سجيّة وعادة، لا يتكلّفونها أبداً، فأخلاقهم أخلاق جدّهم المصطفى’ الذي يقول عنه الباري: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[629].

الفقرة الثانية: التفقّه في الدين

وأمّا الفقرة الثانية فيوصي بها الإمام× بالتفقّه بالدين، والحال أنّ الوصية موجهةً إلى الرجل الفقيه بشهادة الإمام×، وهذا يكشف عن مدى اهتمام الأئمّة^ بمواصلة الدرس والمباحثة وطلب العلم المستمرّ الذي لا يخفى فضله على أحدٍ، ويكفيك معرفةً بفضل التفقّه في الدين الرواية المرويةعن إمامنا الصادق×، أنّه قال: «لا يصلح المرء المسلم إلّا بثلاث: التفقّه في الدين، والتقدير في المعيشة، والصبر على النائبة»[630].

وقال الشهيد الثاني&: «أنّه لا خلافَ بين علمائِنا (رضوان الله عليهم أجمعين) أنّ التفقّه في الدين واجب، وإنّما اختلفوا في أنّ وجوبَه هل هو على الأعيان، أو الكفاية؟ فذهب قدماءُ علمائنا، وفقهاءُ حَلَب كأبي الصلاح، وسلار، وابن حمزةَ إلى أنّ وجوبَه عيني، وأنّه لا يجوز التقليد في الأحكام الشرعية لأحدٍ البتّةَ، وذهب باقي الأصحاب إلى أنّ وجوبَه كفائي. ومن المعلوم أنّ الواجبَ الكفائي متى لم يقم به أحد كان الواجبُ على جميعِ المكلّفين القيامَ به، فإنْ أخَلّوا به لَحِقَهُم جميعاً الإثمُ، ومتى أصَرّوا على تركه ساعةً بعدَ أُخرى ولو إلى يومٍ واحدٍ فضلاً عن أيّامٍ، كان من الكبائرِ، إنْ لم يكن منها، بل من أكبرِها ابتداءً»[631].

الفقرة الثالثة: التثبت في الأُمور

والفقرة الثالثة والمهمّة في الوصية التثبّت في الأُمور، وهي محل ابتلاء لنا جميعاً، فالكثير من الناس وللأسف الشديد يكثرون من الاستعجال في الحكم واتّهام الآخرين من دون دراية ومصاحبة ولا اختبار.

الفقرة الرابعة: التعهّد للقرآن

وفي الفقرة الرابعة يوصي الإمام× بها الشيخ ابن بابويه بالتعاهد للقرآن الكريم، هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

روى ابن شهر آشوب& في المناقب «أنّ إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن، وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وإنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري×، فقال له أبو محمد×: أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله القرآن؟! فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره، فقال له أبو محمد: أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم، قال: فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأُنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسأله أسألك عنها، فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلِّم بهذا القرآن: هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول لك: إنّه من الجائز؛ لأنّه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فيكون واضعاً لغير معانيه. فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ، فأعاد عليه فتفكّر في نفسه ورأي ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر، فقال: أقسمت عليك إلّا أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلا ما مثلك مَن اهتدى إلى هذا، ولا مَن بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمد، فقال: الآن جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا إلّا من ذلك البيت، ثمّ إنّه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه»[632].

الفقرة الخامسة: حُسن الخلق

والفقرة الخامسة من الوصية حسن الخلق، وحسن الخلق حالة نفسية، تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصادق×، حينما سُئِل عن حدّه، فقال: «تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن»[633].

وهو أفضل ما يقدم به الإنسان المؤمن على الله تبارك وتعالى، كما روي عن الإمام الصادق× أنّه قال: «ما يقدمُ المؤمنُ على الله بعملٍ بعدَ الفرائضِ، أحبُّ إلی الله تعالی من أن يسعَ الناس بخلقه»[634].

والمقصود بتليين الجناح: الـ «كناية عن عدم تأذّي من يجاوره ويجالسه ويحاوره من خشونته، بأن يكون سلس الانقياد لهم، ويكفُّ أذاه عنهم، أو كناية عن شفقته عليهم، كما أنّ الطائر يبسط جناحه على أولاده؛ ليحفظهم ويكنفهم كقوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)»[635].

وحسن الخلق من الأماني والآمال، التي يطمح إليها كلّ عاقل، ويسعى لكسبها وتحقيقها كلّ مؤمن مجاهد.

ومن الملفت للنظر، أنّ جميع المواهب والإمكانيات، والقيم والفضائل، لا تكون مدعاةً للإعجاب والإكبار، وسمّو المنزلة ورفعة الشأن إلّا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء.

ومن هنا اهتمّت الشريعة الحنيفية بحسن الخلق؛ لأنّه نظام عقد الفضائل وملاكها؛ ولذا مجّده أهلُ البيت^، وأكّدوا على التمسّك به بمختلف الأساليب التوجيهية المشوِّقة[636]، كما تصوّره النصوص التالية:

هناك جملة من النصوص دلّت على أهمّية حسن الخلق، منها ما ورد عن النبي الأكرم’، ومنها ما ورد عن أهل بيته الطاهرين^.

فعنه’ أنّه قال: «أكثر ما يُدخل الناس الجنّة: تقوى الله وحُسن الخُلق»[637]، وقال’أيضاً: «أكملُ المؤمنينَ إيماناً، أحسنهم خُلقاً»[638].

وعنه’ أنّه قال: «ما يوضعُ في ميزانِ امرئٍ يومَ القيامةِ أفضل من حُسن الخُلُق»[639].

وقال الإمام الصادق×: «إنّ الخلق الحسن يميثُ الخطيئة، كما تميث الشمس الجليد»[640].

وقال×: «البرّ وحسن الخلق يُعمّران الديار، ويزيدان في الأعمار»[641].

وكفى بحسن الخلق شرفاً وفضلاً، إنّ الله  لم يبعث رسله وأنبياءه إلی الناس إلّا بعد أن حلّاهم بهذه السجيّة الكريمة، وزانهم بها، ففيه رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.

ولقد كان سيد المرسلين’ المثل الأعلى في حسن الخلق وغيره من كرائم الفضائل والخِلال، واستطاع بأخلاقه الرفيعة أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه، بقوله عزّ من قائل: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[642].

وهو العامل بما قال، حيث قال’: «إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»[643]. وعبّر عن ذلك القرآن الكريم، حيث قال: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[644]، ولكنَّ النبيَّ الأكرم’ لم يكن غليظ القلب؛ ولذا لم ينفضّوا من حوله، بل اجتمعت إليه العرب من كلّ حدب وصوب، وفيهم من جنّد الجيوش ضده، وحزّب الأحزاب، وأخشن الكلام وأفحشه فيه، ومنهم من هجاه، وهو مع كلّ ذلك، ليّن العريكة، سخي اليد، منشرح الصدر، وفيّ الذمّة، كريم العشرة.

وهكذا هي أخلاق صاحب الوصية الإمام الحسن العسكري×، مع الحيوانات والأعداء، فضلاً عن المؤمنين وأصحابه، كما روى ابن شهر آشوب عن أبي هاشم الجعفري، عن داود بن الأسود ـ وقّاد حمام أبي محمد× ـ قال: «دعاني سيدي أبو محمد، فدفع إلي خشبة كأنّها رِجل باب مدورة طويلة ملء الكف، فقال: صر بهذه الخشبة إلى العمري. فمضيت فلمّا صرت إلى بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل فزاحمني البغل على الطريق فناداني السقّاء: صح على البغل. فرفعت الخشبة التي كانت معي فضربت البغل فانشقت، فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمي فجعل السقّاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي، فلمّا دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب، فقال: يقول لك مولاي (أعزّه الله): لِـمَ ضربت البغل وكسرت رِجل الباب؟ فقلت له: يا سيدي، لم أعلم ما في رِجل الباب. فقال: ولِمَ احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه؟! إياك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شاتماً فامضِ لسبيلك التي أُمرتَ بها، وإياك أن تجاوب مَن يشتمنا أو تعرِّفه مَن أنت؛ فإنّنا ببلد سوء، ومِصْر سوء، وامض في طريقك، فإنّ أخبارك وأحوالك تردّ إلينا فاعلم ذلك»[645].

لكنّ القوم لم يراعوا لله ولا لرسول الله’ حرمة مع أهل بيته^، بل كان العكس تماماً، وشعارهم إبادة أهل هذا البيت عن جديد الأرض، كما روى الشيخ المفيد& بسنده عن أحمد بن محمد، قال: «كتبت إلى أبي محمد× حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيدي، الحمد لله الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهددك ويقول: والله، لأجليَنّهم عن جدد الأرض. فوقّع أبو محمد× بخطّه: ذلك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام، ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به»[646]، وكان كما قال×، ولكن لم ينتهِ الأمر بالمهتدي العباسي، بل استمرّ الحقد والبغض لأهل هذا البيت إلى أن سُمّ الإمام الحسن العسكري× على يد المعتمد العباسي.

اجت الناس تتراكـــض ابدهشه

بچوا عالباب لمــن طلع نعشه
لگوا
 دار العلوم اشلـــون وحشه

تـلگوه ابـلطم يدمي الخديـن

***

أقول: وإن قُتِل الإمام الحسن العسكري× مسموماً، ولكنّه جُهِّز على أحسن ما يُرام، وشُيِّع على أطراف الأنامل من قِبَل كافّة الناس في سُرّ مَن رأى.

(نصاري)

سارت بالنعش تبچي حـوالـــيه

بس احسين مــا واحد وصل ليـه

لـمّا دفـنوه ردوا للعزه اعلـــيه
ثـلث تيام عــاري ابغير
 تكفين

***

المحاضرة التاسعة والعشرون: الفوائد التربوية لزيارة سيِّد الشهداء×

روي عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله×: «يا حسين، مَن خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي‘ إن كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال: إنّ رسول الله’ يقرؤك السلام، ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى»[647].

إنّ من أعظم النِّعم التي مَنّ الله تعالى بها على البشر هي نعمة الإمامة، فبها يتمّ الدين، وبها تنفتح أبواب السماء للراغبين، وبها يمكن الوصول لغايات ربّ العالمين، فمقام الإمامة مقام عُلوي في مراتب الوجود الإلهية، ومن أجل ذلك فقد فرض الله تعالى على عباده قبول هذا المقام، وأمرهم بتولّي الأئمّة^، والتبرَّي من أعدائهم، ومن أبرز مظاهر التولّي للإمام الإلهي هو الحضور عنده والبيعة له ومناصرته وإطاعته، ولأجل ذلك تُعتبر زيارة الإمام في مقامه وضريحه المقدّس من مظاهر البيعة له والتمسّك بنهجه؛ ولذلك جاء التأكيد الكبير والحثيث على زيارة أولياء الله تعالى، وخصوصاً الرسول الأعظم’ وأئمّة أهل البيت^.

وبذلك تكتسب الزيارة أهمّية قصوى؛ لأنّها تمثِّل مظهراً من مظاهر التولّي والبيعة لإمام الحقّ[648]؛ لأنّ من أهمّ مظاهر الولاء في الصدر الأوّل من الإسلام هو البيعة لولي الأمر، والتي كانت تتحقّق بالحضور عند الرسول الأعظم’ أو الإمام المعصوم×، ومبايعته والتسليم والطاعة له، وهذا الأمر له الأهمّية البالغة في حياة الأشخاص، بل هو من الواجبات التي حثّت عليها الشريعة المقدّسة في زمن حضور ولي الأمر. وقد تنوّعت طرق تحقيق البيعة بمرور الزمان، واتّخذت أشكالاً عديدة بمرور السنين، ومن تلك الطرق هو طريق الحضور عند قبر ولي الأمر وزيارته؛ لأجل ذلك تُعتبر الزيارة بيعة للإمام المعصوم×، وإظهار الاعتقاد به والمتابعة والطاعة له؛ ولذلك وردت الروايات في شرط قبول الزيارة أن يكون الزائر عارفاً بالإمام، والمعرفة تعني الإدراك والاعتقاد بأنّه إمام مفترض الطاعة ولازم الاتّباع[649]، فقد روي بأسانيد متعددة عن أبي عبد الله× أنّه قال: «مَن أتى قبر الحسين× عارفاً بحقّه كتب الله له أجر مَن أعتق ألف نسمة، وكمَن حمل على ألف فرس مسرجة ملجمة في سبيل الله»[650].

فوائد الزيارة

إنّ للزيارة فوائد عديدة ومتنوعة في مختلف المجالات، خصوصاً زيارة الرسول الأعظم’ وأئمّة أهل البيت^، نُشير إلى نوعين من الفوائد، هما: الفوائد التربوية، والفوائد العقائدية والمعرفية[651]:

الفوائد التربوية للزيارة

إنّ زيارة الأولياء والصالحين لها تأثير كبير على نفسية الشخص الزائر وعلى سلوكه وطريقة تعامله وسائر أفعاله؛ وذلك لأنّ الإنسان ـ وبحسب طبعه وميله إلى الأُمور المحسوسة ـ يتأثّر بما يدركه بحواسّه، لذلك نجده يتأثر بما يراه أمامه أكثر ممّا يتأثر بما يسمعه، وكذا نجد أنّ تأثره بكلّ حاسّة أكثر من غيرها فيما يرتبط بتلك الحاسّة، وهكذا نجد أنّ أقوى الحواس هي الرؤية والمشاهدة، فهي أكثر الأُمور تأثيراً في النفس البشرية؛ لذلك عندما تسمع بتفاصيل قضية ما فإنّك تتأثّر بها، ولكن عندما تراها فإنّ التأثّر يكون أشدّ وأقوى، والتفاعل معها يكون بصورة أعمق؛ من هنا فإنّ الحضور في محضر الأولياء والصالحين يكون أكثر تأثيراً في النفس وبشكل مباشر من أيّ شيء آخر، وهذا الحضور لا يقتصر على الحضور عند شخص الولي، بل يمتد إلى الحضور عند مرقده؛ لأنّ مقام ومرتبة الولي والإمام ليس بجسمه العنصري ـ وإن كان في القدسية والطهارة بمكان ـ بل المقام لشأنه ومرتبته الوجودية، وهي محفوظة على كلّ حال، وهذا الحضور له تأثيرات تربوية عديدة، منها:

1ـ التخلّق بأخلاق الأولياء والصالحين

من الآثار التربوية للزيارة وخصوصاً زيارة المعصومين^ هو التخلّق بأخلاق الشخص المزور، والسير على خطاه العملية في التعامل مع الله تعالى ومع الدين بشكل عام، ومع الناس.

لا نقول: إنّ الزيارة علّة تامّة لهذا الأثر، وإنّما نقول: إنّها مؤثِّرة في سبيل تحقق هذه الغاية، فعامل الحضور من العوامل المهمّة في هذا المجال.

2ـ التعرّف على الطرق الصحيحة في التعامل مع مختلف الأحداث

إنّ حياة الأولياء والصالحين ـ وخصوصاً المعصومين^ ـ مليئة بالمواقف المهمّة والأحداث الخطيرة التي لها القابلية لأن تُنير الطريق لطلاب الحقّ والحقيقة، فعندما نرى كلّ حدث مع الموقف الملائم له من قِبَل المعصومين^ فإنّ هذا أمر في غاية الأهمّية، وله تأثير كبير في حياة الأشخاص؛ من هنا فإنّ الحضور والزيارة لمراقد المعصومين^ من المحفزات المهمّة للسير على خطاهم.

لا نقول: إنّ هذا هو الطريق المنحصر؛ فإنّه يمكن التعرّف على سيرتهم من خلال مطالعة ما أُلّف وما نُقل عنهم، إلّا أنّ الحضور هو الطريق الأقوى لمتابعة القضية.

3ـ التعرّف على أخلاقيات الباطل والانحراف

إنّ الحضور والزيارة للأولياء والصالحين تعني التعرّف على الحقّ المستفاد من سيرتهم ومواقفهم، وهذا بنفسه تعرّف على الباطل؛ لأنّه هل غير الحق إلّا الضلال؛ لأجل ذلك فإنّ التعرّف على أولياء الله من خلال الحضور عندهم يُعرِّفنا بأعدائهم وبمَن خذلهم وقتلهم، والأسباب التي وراء ذلك؛ ولذا روى الشيخ الطوسي& بسنده عن القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي، وكان له علم بالسيرة وأيام الناس، قال: «بلغ المتوكِّل جعفر بن المعتصم أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين×، فيصير إلى قبره منهم خلق كثير. فأنفذ قائداً من قِوّاده، وضمّ إليه كتفاً من الجند كثيراً ليشعب قبر الحسين×، ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطف، وعمل بما أُمر، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين، فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا: لو قُتِلنا عن آخرنا لما أمسك مَن بقي منّا عن زيارته. ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا، فكتب بالأمر إلى الحضـرة، فورد كتاب المتوكِّل إلى القائد بالكفّ عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر، فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين، فبلغ المتوكِّل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين×، وأنّه قد كثر جمعهم كذلك، وصار لهم سوق كبير، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمّة ممّن زار قبر الحسين، ونبش القبر وحرث أرضه، وانقطع الناس عن الزيارة، وعمل على تتبّع آل أبي طالب^ والشيعة (رضي الله عنهم)، فقُتِل ولم يتمّ له ما قدّر»[652].

إلى غير ذلك من الأُمور التربوية التي تحصل من الزيارة والتي تفتح آفاقاً واسعة للشخص الزائر، وبذلك تبرز لنا أحد أهمّ الجوانب التي تُحتِّم الزيارة وتُثبِت أنّها أمر لا بدّ منه في حياة الإنسان المؤمن.

الفوائد المعرفية والعقائدية للزيارة

من الواضح أنّ العقيدة تتبع المعرفة، فكلّما كانت المعرفة صحيحة كانت العقيدة كذلك، وكلّما كانت المعرفة خاطئة تكون العقيدة كذلك، لذلك نجد العديد من العقائد الباطلة والتي يضحِّي من أجلها معتقدوها مع أنّها محض بطلان وبعيدة عن الواقع والصواب، وما ذلك إلّا للرؤية المعرفية الخاطئة التي يحملها هؤلاء، والتي على إثرها اعتقدوا تلك العقائد وبنوا آرائهم وأفكارهم. والزيارة والحضور عند أولياء الله تعالى لها التأثير الكبير في تحقيق المعرفة الصحيحة، والتي بدورها تصنع عقيدة صحيحة، ومن تلك الآثار:

1ـ التعرّف على الحقّ من خلال التعرّف على الأدلّاء عليه

إنّ الحضور عند المعصوم معناه التعرّف عليه، والتعرّف على المعصوم يؤثِّر في التعرّف على نهجه وعقيدته، وهذا التأثير ـ كما تقدّم ـ أقوى من بقية المؤثّرات؛ لأنّه حضور فعلي عملي محسوس، فالزائر في محضر المعصوم يعيش التوحيد، ويرى التسليم، ويدرك النبوّة، ويفهم الإمامة، ويميز الدين الحقّ من الدين الباطل.

2ـ التعرّف على طرق إحياء الحقّ

إنّ سيرة الأولياء والمعصومين مليئة بالطرق الحكيمة والعلمية لبيان الحقّ وتثبيته ونشره والتضحية من أجله، فعندما تحضر عند الإمام الحسين× ـ مثلاً ـ فإنّه ستتجلّى لك معاني الحقّ والحقيقة بأجلى صورها، وعندما تتأمّل وأنت قرب الضريح تحسّ بنفسك كأنّما تسمع كلامه× وهو يقول: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي»، وكذلك تسمع «هيهات منّا الذلّة»، وتسمع الكثير من المفاهيم الراقية والرائعة، والتي تُذكر على المنابر والمنائر وفي الطرقات.

يقول السيد محمد رضا الشيرازي&: «الوالد& كان ينقل قضية ـ أنقلها باختصار ـ وهي أنّه كان هناك رجلٌ سائق ينقل هذه القضية لأحد العلماء، يقول: أنا في بداية أمري كنت مغنّياً ومطرباً ولا يوجد منكر من المنكرات إلّا وفعلته، ولم يكن عندي علاقة بالدين بأي نحو من الأنحاء، حتى صلاة لم أكن أصلي، يقول: في ليلة التاسع من شهر محرّم، أخرجت عائلتي كلّها وبقيت وحدي في البيت حتى أحسست بالملل، فقلت: أخرج إلى الخارج دفعاً للملل، يقول: فمررت على مكان فيه خطيب يقرأ، فجلست أرى هذا الخطيب ماذا يقول، فأخذ يتكلّم فأثّر فيّ كثيراً، وبعد ذلك عرّج على قضية أبي الفضل العباس (صلوات الله عليه)، وأخذ يتكلّم حوله، وأنّه عندما قطعوا يمينه، قال: والله، إن قطعتم يميني إنّي أحامي أبداً عن ديني. يقول: هذه الكلمات أثرت فيَّ بشكل أكبر، ففكّرت أنّ هؤلاء الصفوة ضحّوا بأنفسهم، وبكلّ ما يملكون في سبيل الدين، وأنا أسحق الدين بقدمي! يقول: في نفس المكان قررت أن أتوب وتبت إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحة، وعدت إلى البيت وحطّمت كلّ الآلات المحرَّمة الموجودة في البيت، وتركت عملي القديم وهو الغناء، وعملت سائق سيارة، وأنا الحمد لله مهتدي والله تعالى أنعم عليَّ ـ فوضعي المادي أيضاً جيد ولله الحمد ـ فمن هؤلاء الأفراد في داخل المنظومة وخارجها بالمئات والألوف»[653].

3ـ التعرّف على الباطل وأهل الباطل

إنّ معرفة الحسين× ـ مثلاً ـ تعني معرفة يزيد، ومعرفة نهج الحسين× تعني معرفة نهج بني أُمية، وإنّ معرفة المظلوم تعني معرفة الظالم، وإنّ التضحية من أجل الحقّ تعني الوقوف بوجه الباطل، فكلّ معرفة بالحقّ إلى جنبها معرفة بالباطل، وهكذا كلّما ازدادت المعرفة اشتدّت وقوت العقيدة، وكلّما قويت العقيدة كان العمل إلى الصلاح أقرب.

والنتيجة: إنّ الزائر يرى ـ ومن خلال زيارته وحضوره عند ضريح الولي ـ لوحتين ظاهرتين: لوحة الحقّ وأهل الحقّ ونهج الحقّ، ولوحة الباطل وأهله ونهجه. وزيارة ولي الله تعني مبايعة الحقّ، واتّباع الصدق، وعقد القلب للتسليم لأمر الله تعالى[654]؛ ومن هنا يتوافد الزائرون عليه× بلهفةٍ وشوق، وكلُّ مَن يقف بين يديه يتذكّر ما جرى عليه، يتذكّر الصدر الذي رضّته الخيول، والجسم الذي أصلته الشمس... آه آه:

وأيُّ شهيدٍ أصلتِ الشمسُ جسمَه
وأيُّ ذبيحٍ داستِ الخيلُ صدرَه
فلو علمتْ تلكَ الخيولُ كأهلها
لثارتْ على فرسانها وتمردتْ
ومشهدُها من أصله متولدُ؟!
وفرسانُها من ذكره تتجمدُ؟!
بأنّ الذي تحتَ السنابكِ أحمدُ
عليهم كما ثاروا بها وتمرّدوا
[655].

***

المحاضرة الثلاثون: المهديّ# حقٌ وحقيقةٌ

روي عن رسول الله’، أنّه قال: «المهدي حقٌ، وهو من ولدِ فاطمة»[656].

الحديث حول الإمام المهدي# حديث شيّقٌ وجميل؛ لكونه يرتبط بإمام زماننا وولي نعمتنا، فيجب علينا التعرّف عليه وتحسس ما هو فيه×، وتعريف الناس الآخرين بأنّ قضية الإمام المهدي# ليست قضية شيعيّة، بل ولا إسلامية فقط، بل هي قضية عالمية، أشار القرآن الكريم إلى عالميتها في أكثر من آية.

ومن هنا نطرح السؤال التالي: هل أُشير إلى مسألة المصلح العالمي في الكتب السماوية؟

الجواب: إنّ هذه المسألة ليست من مختصّات المسلمين، بل إنّ فكرة ظهور المصلح في آخر الزمان من الأُصول الأساسية منذ العصور القديمة، وكانوا يذكرونها بشكل دائم، ففي كتب زرادشت، وكتاب أوستا، وكتاب زند، وكتب اليهود والنصارى، حتى المحرّفة منها ورد فيها ذكر المهدي الموعود والمصلح العالمي[657].

وأمّا أنّ قضية الإمام المهدي# لم تختص بالشيعة؛ فلكثرة ذكرها في كتب الجمهور من العامّة، بل في بعض الصحاح منها وإن كانت قد حذفت في الطبعات الجديدة من بعض الصحاح، لكن هي موجودة في النسخ القديمة، ولا يمكن لأحد أن يغطّي الشمس بغربال، فقد ورد في صحيح الترمذي[658]، وسنن ابن ماجة[659]، وسنن أبي داود[660]. وأمّا صحيح مسلم والنسائي، فقد حُذف منهما؛ والدليل على ذلك ما نقله بعض المتأخرين عن مسلم في كتبهم، مثل ابن حجر في الصواعق المحرقة[661]، والمتّقي الهندي في كنز العمّال[662]وغيرهم، حيث نقلوا الحديث في الإمام المهدي المنتظر#.

ومثله النسائي حيث حُذف منه، ولكن نقل عنه صاحب عقد الدرر حديث «المهدي منّي»[663].

والخلاصة مجموع ما رواه الفريقان في الإمام المهدي# (6000) رواية عن النبي| وأهل بيته^، وهذا الكم الهائل من الروايات يجعل كلّ منصف يذعن بالقضية.

هل أشار القرآن الكريم إلى قضية الإمام المهدي#؟

القرآن الكريم هو أصل لكلّ المعارف والقوانين، وغالباً ما يشير إلى القضايا بشكل إجمالي كلّي، وتبقى التفاصيل على عاتق النبيّ الأكرم’ وأهل بيته^ الذين هم عِدل القرآن، وهناك آيات شريفة أشارت إلى القضية المهدويّة، وقد بيّنتها الروايات الشريفة، نذكر بعضها:

الآية الأُولى: قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[664]. فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين× أنّه تلا هذه الآية، ثمّ قال: «هم آل محمد يبعث الله مهديَّهم بعد جهدهم، فيعزّهم ويذلّ عدوهم»[665].

الآية الثانية: قوله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[666]. فقد روي عن أبي جعفر× أنه قال: «هم أصحاب الإمام المهدي في آخر الزمان»[667].

الآية الثالثة: قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ)[668]. فعن الإمام الباقر× أنّه تلا هذه الآية، ثمّ قال: «هو والله المضطر في كتاب الله»[669].

فهذه جملة من الآيات الشريفة المفسّرة بروايات أهل البيت^ في أنّها في الإمام المهدي#.

لماذا يجب علينا معرفة الإمام المهدي#؟

إنّ معرفة الإمام× لها أهمّيتها الكبرى؛ لما يترتّب عليها من آثار مهمّة نوجزها فيما يلي:

1ـ الصون من الانحراف والضلال

فمعرفة الإمام# تأخذ أهمّيتها في الوقت الذي يشعر به الناس بشدّة الابتلاءات والفساد والضلالة على أثر ابتعادهم عن إمامهم×، وأنّ الخلاص من هذا المأزق الخطير سوف لن يكون إلّا عن طريق الإقتداء بالإمام×، ومن هنا روي عن إمامنا الكاظم× أنّه قال: «ما ترك الله  الأرض بغير إمام قط منذ قبض آدم× يُهتدى به إلى الله ، وهو الحجّة على العباد، مَن تركه ضلّ، ومَن لزمه نجا، حقّاً على الله »[670].

ولأجل ذلك علينا أن ندعو في هذا الزمان بهذا الدعاء المروي عن عبد الله بن بكير، عن زرارة قال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله× يَقُولُ: إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، قَالَ: قُلْتُ: ولِمَ قَالَ: يَخَافُ، وأَوْمَأَ بِيَدِه إِلَى بَطْنِه. ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ، وهُوَ الْمُنْتَظَرُ، وهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِه. مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوه بِلَا خَلَفٍ. ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَمْلٌ. ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّه وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيه بِسَنَتَيْنِ وهُوَ الْمُنْتَظَرُ. غَيْرَ أَنَّ الله  يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ. قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟ قَالَ: يَا زُرَارَةُ، إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا الزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي. ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ، لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالْمَدِينَةِ! قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ، ألَيْسَ يَقْتُلُه جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ؟ قَالَ: لَا، ولَكِنْ يَقْتُلُه جَيْشُ آلِ بَنِي فُلَان يَجِيءُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُه، فَإِذَا قَتَلَه بَغْياً وعُدْوَاناً وظُلْماً لَا يُمْهَلُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَقُّعُ الْفَرَجِ إِنْ شَاءَ الله»[671].

2ـ المنع من بطلان العمل

لا ريب في أنّ قبول الأعمال والمنع من بطلانها يكون في قبول ولاية الأئمّة المعصومين^، وحالها ـ من باب التقريب ـ كسائر الشرائط من الاستقبال والطهارة والوقت وغيرها، فكما أنّ الأعمال تقع باطلة فيما لو فقدت شرطاً أو جزءً، فكذا الحال هنا، وهذا صريح الأحاديث المرويّة عن أئمّة الهدى^، فعن زرارة، عن أبي جعفر الباقر×، أنّه قال: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ والْحَجِّ والصَّوْمِ والْوَلَايَةِ. قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ: وأَيُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الْوَلَايَةُ أَفْضَلُ لأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ، والْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ... أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَه وصَامَ نَهَارَه وتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِه وحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِه، ولَمْ يَعْرِفْ وَلَايَةَ وَلِيِّ الله فَيُوَالِيَه، ويَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِه بِدَلَالَتِه إِلَيْه مَا كَانَ لَه عَلَى الله (جَلَّ وعَزّ) حَقٌّ فِي ثَوَابِه، ولَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ»[672].

3ـ الوصول إلى السعادة الأبدية

لا شكّ أنّ الحياة السعيدة لا يمكن لنا أن ندركها إلّا عن طريق المدرك لها، وليس المدرك لها إلّا خالقها، وقد بيّن لنا الشارع المقدّس أنّ الحياة السعيدة لا تكون إلّا بموالاة أهل بيت العصمة والطهارة^، فقد روى الطبراني عن الرسول الأكرم’، أنّه قال: «مَن أحبَّ أن يحيى حياتي، ويموت موتتي، ويسكن جنَّة الخلد التي وعدني ربِّي، فإنّ ربّي  غرس قصباتها بيده، فليتولّ عليَّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)؛ فإنّه لن يخرجكم من هديي، ولن يدخلكم في ضلالة»[673]،ومن الطبيعي أنّ هذه الولاية موقوفة على التعرّف على شخص الإمام في كلّ زمان.

4ـ النجاة من الميتة الجاهلية

ومن آثار معرفة الإمام× أيضاً النجاة من الموت بالميتة الجاهلية، التي تواترت الروايات من الفريقين، بأنّ الذي يموت من دون أن يعرف إمام زمانه يموت ميتةً جاهلية، فقد روى الشيخ الكليني& عن الحارث بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد الله×: قال رسول الله’: مَن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم. قلت: جاهلية جهلاء، أو جاهلية لا يعرف إمامه؟ قال: جاهلية كفر ونفاق وضلال»[674]، فقد دلَّ هذا الخبر على أنّ إنكارهم مستلزم للميتة الجاهليّة المستلزم لدخول النار[675].

ولـمّا كان للكفر معانٍ، منها الكفر بالله واليوم الآخر، أعني إنكارهما رأساً، وهو إنكار أصل الإيمان، ومنها الضلال والارتداد، أعني الخروج عن طريق الحقّ بعد الدخول فيه، وتركه بعد طلبه، وقد لوّح× إلى ما هو المقصود ههنا، فإنّ مَن اعترف بهذا الشرع وأنكر إمام الحقّ اعترف بوجوب الإيمان وضلّ عن طريقه، لزعمه أنّ طريقه ما سلكه، فهو كافر بهذا المعنى لا بالمعنى الأوّل وإن كانا متشاركين في الخلود في النار[676].

وقال العلاّمة المجلسي& ـ في شرحه للحديث ـ: «ظاهرة على ما ذهب إليه الإمامية من أنّ إمام زماننا هذا هو مولانا الإمام الحجّة بن الحسن المهدي×، ومخالفوهم من أهل السنة يشنِّعون عليهم: بأنّه إذا لم يمكن التوصّل إليه، ولا أخذ المسائل الدينية عنه فأي ثمرة تترتّب على مجرّد معرفته حتى يكون مَن مات وليس عارفاً به فقد مات ميتة جاهلية؟ والإمامية يقولون: ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه، بل نفس التصديق بوجوده×، وأنّه خليفة الله في الأرض أمر مطلوب لذاته، وركن من أركان الإيمان، كتصديق مَن كان في عصر النبي’ بوجوده ونبوّته»[677].

يا صاحبَ العصرِ أدركنا فليسَ لنا
طالت علينا ليالي الانتظارِ فهل
فاكحل بطلعتك الغرا لنا مُقَلاً
وردٌ هنيٌّ ولا عيشٌ لنا رغدُ
يا ابنَ الزكي لليلِ الانتظار غدُ
يكادُ يأتي على إنسانها الرمدُ[678].

***

تمَّ الجزء الخامس من كتابي مُعين الخطباء في حلّته الجديدة،

وبه تمام الكتاب بتوفيق الله الملك الوهّاب،

والحمد لله ربّ العالمين

وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين.

كاظم البهادلي

قم المقدّسة

ليلة النصف من شهر شعبان المعظّم

مولد بقيّة الله الأعظم#، سنة 1438هـ.

فهرست المصادر

* القرآن الكريم، كتاب الله تبارك وتعالى.

* نهج البلاغة، الإمام أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب× المستشهد سنة (40ﻫ)، تحقيق الشيخ محمّد عبدة، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

* الصّحيفة السّجادية، الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين× المستشهد سنة (95ﻫ)، المطبعة والناشر جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

ـ أ ـ

1.   ابتلاءات الأُمم: سعيد أيوب (معاصر)، الطبعة الأُولى 1416هـ/1995م، منشورات دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

2.   إبصار العين في أنصار الحسين: الشيخ محمّد السماوي (ت1370ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمد جعفر الطبسي، الطبعة الأُولى 1419ﻫ/1377ش، منشورات حرس الثورة الإسلامية.

3.   الآحاد والمثاني: ابن أبي عاصم الضحّاك (ت287ﻫ)، تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة، الطبعة الأُولى 1411ﻫ/1991م، منشورات درّ الدراية للطباعة والنشر والتوزيع، السعودية ـ الرياض.

4.   الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، (ت548هـ)، تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان، منشورات مطابع النعمان ـ النجف الأشرف، 1386هـ/1966م.

5.   أحكام القرآن: أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص (ت370ﻫ)، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، الطبعة الأُولى 1415ﻫ/1995م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

6.   الأخبار الطوال: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت282ﻫ)، تحقيق: عبد المنعم عامر، الدكتور جمال الدين الشيّال، الطبعة الأُولى 1960م، منشورات دار إحياء الكتب العربي، منشورات الشريف الرضي.

7.   الاختصاص: الشيخ المفيد، محمد بن النعمان البغدادي (ت413هـ)، تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، انتشارات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قم المقدّسة.

8.   إختيار معرفة الرجال: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، تصحيح وتعليق: ميرداماد الأسترابادي، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، سنة الطبع 1404ﻫ، منشورات مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة.

9.   الأخلاق الحسينيّة، جعفر البياتي (معاصر)، الطبعة الأُولى 1418ﻫ، منشورات أنوار الهدى.

10.         أخلاق أهل البيت^: السيد مهدي الصدر، (حي لسنة 1390ﻫ)، منشورات دار الكتاب الإسلامي.

11.         الأخلاق والآداب الإسلامية: هيئة محمد الأمين، مطبعة سيِّد الشهداء، الطبعة الثانية، قم المقدّسة، 1421هـ.

12.         الأخلاق والآداب الإسلامية: هيئة محمّد الأمين’، الطبعة الثانية، قم المقدّسة، 1421ﻫ.

13.         الأخلاق والآداب الإسلامية، هيئة محمّد الأمين، الطبعة الثانية، 1421ﻫ/2001م، مكتبة الأمين، قم ـ إيران.

14.         الإخوان: ابن أبي الدُّنيا (ت281ﻫ)، تحقيق: محمد عبد الرحمن طوالبه، بإشراف نجم عبد الرحمن خلف، انتشارات دار الاعتصام.

15.         أدب الإملاء والاستملاء: أبو سعيد عبد الكريم بن محمد منصور التميمي السمعاني (ت562ﻫ)، شرح ومراجعة: سعيد محمد اللحام، بإشراف مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية، الطبعة الأُولى 1409ﻫ/1989م، منشورات دار ومكتبة الهلال، بيروت ـ لبنان.

16.         أدب الطفّ: السيد جواد شبّر، الطبعة الأُولى 1398ﻫ/1978م، دار المرتضى، بيروت ـ لبنان.

17.         الأدب المفرد: محمد بن إسماعيل البخاري، الطبعة الأُولى 1406ﻫ/1986م، منشورات مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت ـ لبنان.

18.         الأذكار النووية: محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت676ﻫ)، 1414ﻫ/1994م، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

19.         الأربعون حديثاً: السيد روح الله الموسوي الخميني& (ت1409هـ)، ترجمة: السيد محمد الغروي، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي ـ قم المقدّسة.

20.         الأربعون حديثاً: محمّد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني (الشهيد الأول) (ت786ﻫ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي#، برعاية: السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الأصفهاني، قم المقدّسة 1407ﻫ.

21.         الإرشاد: الشيخ المفيد محمد بن النعمان البغدادي (ت413هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^، قم المقدسة، الطبعة الأُولى 1417هـ.

22.         أسباب النزول (الواحدي): أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، (ت468ﻫ) مؤسسة الحلبي للنشر والتوزيع ـ القاهرة.

23.         الاستبصار: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة 1363ﻫ.ش، منشورات دار الكتب الإسلامية، طهران.

24.         الاستيعاب: ابن عبد البرّ (ت463ﻫ)، تحقيق: علي محمد اليماوي، الطبعة الأُولى 1412ﻫ، منشورات دار الجيل، بيروت ـ لبنان.

25.         أُسد الغابة: علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت630ﻫ)، منشورات دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

26.         الأسرار الفاطمية، الشيخ محمّد فاضل المسعودي (معاصر)، الطبعة الثانية 1420ﻫ، منشورات مؤسسة الزائر في الروضة المقدّسة للسيّدة فاطمة المعصومة‘، قم المقدّسة.

27.         أُصول الفلسفة والمنهج الواقعي: العلاّمة محمد حسين الطباطبائي (ت1402ﻫ)، تقديم وتعليق: الشهيد مرتضى المطهري، ترجمة: السيد عمّار أبو رغيف، منشورات المؤسسة العراقية للنشر والتوزيع.

28.         أضواء البيان: محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي (ت1393هـ)، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر 1415هـ/1995م، بيروت ـ لبنان.

29.         إعانة الطالبين: السيد البكري الدمياطي (ت1310ﻫ)، الطبعة الأُولى 1418ﻫ، دار الفكر ـ بيروت.

30.         الاعتقادات في دين الإمامية: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمّي (ت318ﻫ)، نشر وتحقيق: غلام رضا المازندراني، المطبعة العلمية، قم 1412ﻫ.

31.         أعلام الدين في صفات المؤمنين: الحسن بن أبي الحسن الديلمي (المتوفى في القرن الثامن الهجري)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.

32.         إعلام الورى: الشيخ الفاضل الفضل بن الحسن الطبرسي (ت458ﻫ)، طبع ونشر وتحقيق: مؤسسة آل البيت^، الطبعة الأُولى 1417ﻫ.

33.         الأعلام: خير الدين الزركلي (ت1410هـ)، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة 1980م.

34.         أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت1371ﻫ)، تحقيق: حسن الأمين، منشورات دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

35.         إقبال الأعمال: السيد ابن طاووس (ت664هـ)، تحقيق: محمّد جواد القيومي، الطبعة الأُولى 1414هـ، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي.

36.         الأقسام في القرآن الكريم: الشيخ جعفر السبحاني (معاصر)، الطبعة الأولى 1420هـ، منشورات مؤسسة الإمام الصّادق×، قم المقدّسة.

37.         إقناع اللائم: السيد محسن الأمين (ت137هـ)، تحقيق: محمود البدري، الطبعة الأولى 1418هـ، المطبعة پاسدار إسلام، انتشارات مؤسسة المعارف الإسلامية.

38.         إكسير المحبّة: مجهولة.

39.         الإلهيات: الشيخ جعفر السبحاني (معاصر)، تلخيص: علي الرباني الكلبايكاني، مؤسسة الإمام الصّادق×، قم المقدّسة، طبعة عام 1418هـ.

40.         أمالي السيد المرتضى: الشريف أبو القاسم علي بن الطاهر أبو أحمد الحسين (ت436 هـ)، صححه وضبط ألفاظه وعلّق حواشيه: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الطبعة الأُولى 1325 ه‍ـ/1907م، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم ـ إيران 1403ه‍.

41.         الأمالي: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة ـ قم، الطبعة الأُولى1414ﻫ، نشر: دار الثقافة.

42.         الأمالي: الشيخ المفيد، محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت413ﻫ)، تحقيق: حسين الإستادومي، علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية 1414ﻫ/1993م، منشورات دار المفيد، بيروت ـ لبنان.

43.         الأمالي: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت381ﻫ)، تحقيق: مؤسسة البعثة ـ قم المقدّسة، الطبعة الأُولى 1417ﻫ.

44.         الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: الشيخ أسد حيدر، الطبعة الرابعة 1413هـ، منشورات مكتبة الصدر، طهران.

45.         الإمامة تلك الحقيقة القرآنية: الدكتور زهير بيطار (معاصر)، منشورات دار السيرة، بيروت ـ لبنان 1422ه‍/2001م.

46.         الإمامة والتبصرة: ابن بابويه القُمّي والد الشيخ الصدوق (ت329ﻫ)، تحقيق ونشـر: مدرسة الإمام المهدي× قم المقدّسة.

47.         الإمامة والسياسة: ابن قُتيبة الدينوري (ت276ﻫ)، تحقيق: طه محمّد الزيني، منشورات مؤسسة الحلبي وشركاؤه للنشر والتوزيع.

48.         الإمامة والسياسة: أبو محمد عبد الله ابن قتيبة الدينوري (ت276هـ)، تحقيق: الأستاذ علي شيري، الطبعة الأولى 1413هـ، انتشارات الشريف الرضي، قم.

49.         الأمان من أخطار الأسفار: السيد ابن طاووس علي بن موسى بن طاووس (ت664هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^، الطبعة الأولى 1409هـ، قم المقدّسة.

50.         الإنصاف فيما تضمّنه الكشّاف: ابن المنير الأسكندري (ت683ﻫ)، منشورات مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

51.         أنوار البدرين: الشيخ عليّ البحراني (ت1340ﻫ)، تحقيق: محمّد علي الطبسي، سنة الطبع 1377ﻫ، في مطبعة النعمان، النجف الأشرف.

52.         الأنوار البهيّة: الشيخ عبّاس القمّي (ت1359هـ)، الطبعة الأولى 1417هـ، تحقيق: ونشرمؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة.

53.         الأنوار القدسية: الشيخ محمد حسين الأصفهاني (ت1320ﻫ)، تحقيق: الشيخ علي النهاوندي، الطبعة الأُولى 1415ﻫ، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم ـ إيران.

54.         آيات منتخبة من القرآن الكريم: السيد مهدي الخطيب الهنداوي (ت1427هـ)، مطبعة ستارة ـ قم المقدّسة.

55.         إيضاح الفوائد: فخر المحقّقين محمد بن الحسن بن المطهّر الحلّي (ت771ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد حسين الموسوي الكرماني، الشيخ علي پناه الأشتهاردي، الشيخ عبد الرحيم البروجردي، الطبعة الأُولى 1387ﻫ، المطبعة العلمية، قم المقدّسة.

ـ ب ـ

56.         الباب الحادي عشر: العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت726هـ)، انتشارات المصطفوي ـ قم المقدّسة.

57.         بحار الأنوار: العلامة محمد باقر المجلسي (ت1111هـ)، الطبعة الثانية 1403هـ، مطبعة مؤسسة الوفاء، بيروت.

58.         بداية المعارف الإلهية: السيد محسن الخرّازي (معاصر)، الطبعة الخامسة 1418ﻫ، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة.

59.         البداية والنهاية: أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، (ت774ﻫ)، الطبعة الأُولى 1408ﻫ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

60.         بشارة المصطفى: محمد بن علي الطبري الإمامي (ت525ﻫ)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الطبعة الأُولى 1420ﻫ، منشورات مؤسسة النشـر الإسلامي، جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

61.         بصائر الدرجات: الشيخ محمّد بن الحسن الصفّار، (ت290ﻫ)، تحقيق: ميرزا محسن كوچه باغي، الطبعة 1362ﻫ.ش/1404ﻫ.ق، منشورات مؤسسة الأعلمي، طهران.

62.         بغية الباحث: الحارث بن أبي سلمة (ت282ﻫ)، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمّد السعدني، منشورات دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصوير، القاهرة.

63.         بلاغات النساء: أبو الفضل ابن طاهر، المعروف بابن طيفور (ت380ﻫ)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم المقدّسة.

64.         بناء المقالة الفاطمية: السيد جمال الدين أبي الفضائل أحمد بن موسى بن طاوس (ت664ﻫ)، تحقيق: السيد علي العدناني الغريفي، الطبعة الأُولى 1411ﻫ/1991م، منشورات مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة.

65.         بنور فاطمة اهتديت: عبد المنعم حسن (معاصر)، الطبعة الأُولى 1419ه‍/1998م، منشورات دار المعروف، بيروت ـ لبنان.

66.         بيت الأحزان: الشيخ عبّاس القمّي (ت1359)، الطبعة الأُولى الجديدة، 1412هـ، منشورات دار الحكمة، قم ـ إيران.

ـ ت ـ

67.         تاج العروس: محمد مرتضى الزبيدي (ت1205هـ)، الناشر مكتبة الحياة، بيروت ـ لبنان.

68.         تاريخ الإسلام: شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي، (ت748ﻫ)، تحقيق: د. عُمر عبد السلام تدمري، الطبعة الأُولى 1407ﻫ/1987م. منشورات دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

69.         تاريخ الطبري: محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، تحقيق: نخبة من العلماء، انتشارات مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.

70.         التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت256هـ)، منشورات المكتبة الإسلامية، ديار بكر ـ تركيا.

71.         تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأُولى 1417هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، الناشر محمد علي بيضون.

72.         تاريخ مدينة دمشق: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، المعروف بابن عساكر (ت571ﻫ)، تحقيق: علي شيري، منشورات دار الفكر للطباعة والنشـر والتوزيع، بيروت ـ لبنان 1415ﻫ.

73.         تأويل الآيات: السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي النجفي (ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي# بالحوزة العلمية، قم المقدّسة، الطبعة الأُولى 1407ه‍/1366ه‍.ش.

74.         تبصرة المتعلّمين: جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر، المعروف بالعلّامة الحلي (ت726هـ)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني والشيخ هادي اليوسفي، الطبعة الأولى 1368ش، منشورات فقيه، طهران ـ إيران.

75.         التبيان: الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460 هـ)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة الأُولى 1409هـ، مكتب الإعلام الإسلامي.

76.         تحرير الأحكام: جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر، المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت726ﻫ)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف الشيخ جعفر السبحاني، الطبعة الأُولى 1420ﻫ، منشورات الإمام الصادق×، قم المقدّسة.

77.          التحصيل في أيام التعطيل: السيد علي نقي الطبسي، مجهولة.

78.         تحف العقول: ابن شعبة الحرّاني (المتوفى في القرن الرابع الهجري)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، نشر جماعة المدرّسين بقم المقدّسة، الطبعة الثانية 1404هـ.

79.         تحفة الأحوذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري (ت1282ﻫ)، الطبعة الأُولى 1410ﻫ/1990م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

80.         التحفة السنية: السيد عبد الله الجزائري (ت1180ﻫ)، مخطوط.

81.         تخريج الأحاديث والآثار: جمال الدين الزيلعي (ت762ﻫ)، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، الطبعة الأُولى، 1414ﻫ، المطبعة الرياض، منشورات دار ابن خزيمة.

82.         تذكرة الفقهاء: جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر، المعروف بالعلّامة الحلي (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^، الطبعة الأُولى 1414ﻫ، قم المقدّسة.

83.         تذكرة الموضوعات: محمد طاهر بن علي الفتني الهندي (ت986ﻫ)، مجهولة.

84.         ترتيب إصلاح المنطق: ابن السكّيت الأهوازي (ت244ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمد حسن بكائي، الطبعة الأُولى 1412ﻫ، منشورات مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدّسة ـ إيران.

85.         ترجمة الإمام الحسين (ابن عساكر): أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، المعروف بابن عساكر (ت571ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي، الطبعة الأُولى 1400ﻫ/1980م، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان.

86.         ترجمة الإمام الحسين (طبقات ابن سعد): محمد بن سعد (ت230ﻫ)، تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي، الطبعة الأُولى، منشورات الهدف للإعلام والنشر.

87.         التعجّب، أبو الفتح الكراجكي (ت449ﻫ)، تحقيق: فارس حسّون كريم.

88.         تفسير ابن أبي حاتم: ابن أبي حاتم الرازي (ت327 هـ)، تحقيق: أسعد محمد الطيب، منشورات المكتبة العصرية.

89.         تفسير ابن العربي: ابن العربي، (ت638هـ)، ضبطه وصححه وقدّم له: الشيخ عبد الوارث محمد علي، الطبعة الأُولى 1422هـ، منشورات دار الكتب العلمية.

90.         تفسير ابن زمنين: أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (ت399هـ)، تحقيق: حسين عكاشة، محمد الكنز، الطبعة الأُولى 1423هـ/2002م، منشورات الفاروق الحديثة.

91.         تفسير ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت774 هـ)، قدّم له: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان 1412هـ/1992م.

92.         تفسير أبي السعود: أبو السعود (ت951هـ)، طباعة ونشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.

93.         تفسير أبي حمزة الثمالي: أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار (ت148ﻫ)، تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، الشيخ محمد هادي معرفة، الطبعة الأُولى 1420ﻫ، منشورات الهادي، قم المقدّسة.

94.         التفسير الأصفى: المولى محمد محسن الفيض الكاشاني (ت1091هـ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، المحققان: محمد حسين درايتي ومحمد رضا نعمتي، الطبعة الأُولى 1418 هـ.ق/1376ش، منشورات مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

95.         تفسير الآلوسي: أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي (ت1270ﻫ)، مجهولة.

96.         تفسير الإمام العسكري×: المنسوب للإمام العسكري× (ت260ﻫ)، الطعبة الأُولى 1409ﻫ، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي× قم المقدّسة.

97.         تفسير الأمثل: الشيخ مكارم الشيرازي (معاصر)، طبعة جديدة منقّحة مع إضافات.

98.         تفسير البحر المحيط: أبو حيّان الأندلسي (ت745ﻫ)، تحقيق: مجموعة من المحقّقين، الطبعة الأُولى 1422ﻫ/2001م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

99.         تفسير البرهان: السيد هاشم البحراني (ت1107ﻫ)، الطبعة الأُولى 1419ﻫ، منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.

100.   تفسير البغوي: الحسين بن مسعود البغوي (ت516 هـ)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، مطبعة ونشر: دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

101.   تفسير البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت685ﻫ)، منشورات دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

102.   تفسير التبيان: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة الأُولى 1409ﻫ، مكتب الإعلام الإسلامي.

103.   تفسير الثعلبي: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري (ت427ﻫ)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأُستاذ نظير الساعدي، الطبعة الأُولى 1422ﻫ/2002م، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.

104.   تفسير السلمي: أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى الأزدي السلمي (ت412هـ)، تحقيق: سيد عمران، الطبعة الأُولى 1421هـ/2001م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

105.   تفسير السمرقندي: نصر بن محمد بن أحمد أبو الليث السمرقندي (ت367 هـ)، تحقيق: الدكتور محمود مطرجي، منشورات دار الفكر.

106.   تفسير السمعاني: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني (ت489ﻫ)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، الطبعة الأُولى 1418هـ/1997م، منشورات دار الوطن، الرياض ـ السعودية.

107.   التفسير الصافي: محسن الفيض الكاشاني (ت1091هـ)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي الطبعة الثالثة 1416هـ، مطبعة مؤسسة الهادي، قم المقدّسة، منشورات مكتبه الصدر، طهران ـ إيران.

108.   تفسير العزّ بن عبد السلام: العزّ بن عبد السلام (ت660ﻫ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوهبي، الطبعة الأُولى 1416ﻫ/1996م، منشورات دار ابن حزم، بيروت ـ لبنان.

109.   تفسير العيّاشي: أبو النضر محمّد بن مسعود بن عيّاش السّلمي، السمرقندي (ت320ﻫ)، تحقيق: الحاج هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية طهران.

110.   تفسير القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت671ﻫ)، تحقيق: أحمد بن العليم البردوني، منشورات دار إحياء التُّراث العربي، بيروت ـ لبنان.

111.   تفسير القمّي: عليّ بن إبراهيم القمّي (ت329ﻫ)، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيّب الموسوي الجزائري، مطبعة النجف الأشرف 1387ﻫ، منشورات مكتبه الهدى.

112.   التفسير الكاشف: محمد جواد مغنية (ت1400ﻫ)، الطبعة الثالثة 1981م، منشورات دار العِلم للملايين، بيروت ـ لبنان.

113.   تفسير الميزان: العلّامة محمد حسين الطباطبائي (ت1402هـ)، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة ـ قم المقدّسة.

114.   تفسير النسفي: أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (ت537ﻫ)، مجهولة.

115.   تفسير جامع البيان: محمد بن جرير الطبري (ت310ﻫ)، تحقيق وتقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطّار، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

116.   تفسير جوامع الجامع: الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت560هـ)، الطبعة الأولى 1418هـ، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرسين، قم المقدّسة.

117.   تفسير فرات الكوفي: أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (ت352ﻫ)، تحقيق: محمّد الكاظم، الطبعة الأُولى 1410ﻫ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

118.    تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي القمي (ت1125هـ)، تحقيق: مجتبى العراقي، الطبعة الأُولى 1407هـ، مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرسين، قم المقدّسة.

119.   تفسير مجمع البيان: أمين الاسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت560ﻫ)، تحقيق: لجنة من العلماء، الطبعة الأُولى 1415ﻫ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

120.   تفسير مفاتيح الغيب (التفسير الكبير): الفخر الرازي (ت606هـ)، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ.

121.   تفسير مقاتل: مقاتل بن سليمان (ت150هـ)، تحقيق: أحمد فريد، الطبعة الأُولى 1424هـ/2003م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

122.   تفسير نور الثقلين: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت1112هـ)، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة الرابعة 1412هـ، مؤسسة إسماعيليان، قم المقدّسة.

123.   التمحيص: محمد بن همام الإسكافي (ت336ﻫ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي#، قم المقدّسة.

124.   تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام): أبو الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري (ت605ﻫ)، منشورات مكتبة الفقيه، قم ـ إيران.

125.   تنبيه الغافلين: شرف الإسلام بن سعيد المحسن بن كرامة (ت494هـ)، تحقيق: السيد تحسين آل شبيب، الطبعة الأولى 1420هـ، منشورات مركز الغدير.    

126.   تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات: محبّ الدين الأفندي (ت1016ﻫ)، منشورات مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

127.   تنزيه الأنبياء: السيد المرتضى علم الهدى (ت436ﻫ)، الطبعة الثانية 1409ﻫ/1989م، منشورات دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

128.   تهذيب الأحكام: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، المطبعة خورشيد، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة 1365 ش.

129.   تهذيب التهذيب: شهاب الدين أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت852ﻫ)، الطبعة الأُولى 1404ﻫ/1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

130.   تهذيب الكمال: جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزّي (ت742ﻫ)، تحقيق: الدكتور بشّار عوّاد معروف، الطبعة الرابعة 1406ﻫ/1985م، مؤسسة الرسالة بيروت ـ لبنان.

131.   توحيد الإمامية: محمد باقر الملكي (معاصر)، تنظيم: محمد البياباني الأسكوئي، اهتمام على الملكي الميانجي، الطبعة الأُولى 1415ه‍، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ مؤسسة الطباعة والنشر.

132.   التوحيد: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي (ت381هـ)، تحقيق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، سنة الطبع 1387هـ، منشورات جماعة المدرسين، قم المقدّسة.

ـ ث ـ

133.   الثاقب في المناقب: الشيخ ابن حمزة الطوسي (ت560هـ)، تحقيق: الأستاذ نبيل رضا علوان، مطبعة الصدر، قم المقدسة، الطبعة الثانية 1412هـ، نشر مؤسسة أنصاريان، قم المقدّسة.

134.   ثمرات الأعواد: السيد علي الحسيني الهاشمي النجفي، الطبعة الأُولى 1420هـ، انتشارات المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

135.   ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي (ت381ﻫ)، الطبعة الثانية 1368ش، المطبعة أمير، منشورات الشريف الرضي، قم.

ـ ج ـ

136.   جامع أحاديث الشيعة: السيد حسين البروجردي (ت1383ﻫ)، المطبعة العلمية 1399ﻫ، قم المقدّسة.

137.   جامع السعادات: محمد مهدي النراقي (ت1209ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد محمد كلانتر، تقديم: الشيخ محّمد رضا المظفّر، الطبعة الرابعة، مطبعة النعمان، النجف الأشرف.

138.   جامع الشتات: محمد إسماعيل بن الحسين المازندراني الخواجوئي (ت1173ه‍)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة الأُولى 1418هـ، منشورات سلسلة آثار المحقق الخواجوئي.

139.   الجامع الصغير: جلال الدين السيوطي (ت911ﻫ)، الطبعة الأُولى 1401ﻫ/1981م، منشورات دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

140.   جامع المقاصد: المحقّق الكركي (ت940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة الأُولى 1408ﻫ، قم المقدّسة.

141.   جذوة من شعراء أمّ الحمام: الشيخ عبد الحميد المرهون (معاصر)، الطبعة الأولى 1421هـ، مطبعة دار المصطفى لإحياء التراث.

142.   جمال الأسبوع: السيد علي بن موسى بن طاووس (ت664هـ)، تحقيق: جواد القيومي، الطبعة الأُولى 1371ش، المطبعة أختر شمال.

143.   الجَمل: الشيخ محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالمفيد (ت413ﻫ)، مكتبة الداوري، قم ـ إيران.

144.   جوامع الجامع: الفضل بن الحسن الطبرسي (ت548ﻫ)، تحقيق ونشـر: مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأُولى 1418ﻫ.

145.   جواهر الكلام: الشيخ محمد حسن النجفي (ت1266ﻫ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية 1366ش، منشورات دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

146.   جواهر المطالب: محمد بن أحمد الدمشقي الشافعي (ت871هـ)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الأُولى 1415هـ، منشورات مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم المقدّسة.

ـ ح ـ

147.   حاشية رد المختار: ابن عابدين (ت1252)، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، سنة الطبع: 1415هـ/1995م، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

148.   حاشية رفيع الدين النائيني على أُصول الكافي: رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني (ت1082 هـ)، تحقيق: محمد حسين الدرايتي، الطبعة الأُولى 1424هـ/1382هـ.ش، منشورات دار الحديث للطباعة والنشر.

149.   الحدائق الناضرة: الشيخ يوسف البحراني (ت1186هـ)، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

150.   الحديقة الهلالية: محمد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي (ت1030ه‍)، تحقيق: السيد علي الخراساني، الطبعة الأُولى 1410هـ، منشورات مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم المشرّفة.

151.   حقيقة علم آل محمد وجهاته، السيد عاشور (معاصر)، مجهولة.

152.   حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني (ت1107هـ)، تحقيق: الشيخ غلام الرضا البروجردي، الطبعة الأُولى 1411ﻫ، منشورات مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدّسة.

153.   حياة الحيوان الكبرى: كمال الدين محمد بن موسى الدميري (ت808هـ) الطبعة الأُولى 2007م، منشورات دار ومكتبة الهلال، بيروت ـ لبنان.

154.   الخرائج والجرائح: قُطب الدين الراوندي (ت573هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي#، قم المقدّسة.

ـ خ ـ

155.   خزانة الأدب: عبد القادر بن عمر البغدادي (ت1093ﻫ)، تحقيق: محمد نبي طريفي، إميل بديع يعقوب، الطبعة الأُولى 1998م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

156.   الخصال: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، 1403ﻫ، قم المقدّسة.

157.   خصائص الأئمّة: الشريف الرضي (ت406هـ)، تحقيق: د. محمد هادي الأميني، نشر: مجمع البحوث الإسلامية في الإستانة الرضوية المقدّسة ـ مشهد المقدسة، طبعة عام 1406هـ.

158.   الخصائص العبّاسية: الحاج محمد إبراهيم الكلباسي، الطبعة الأُولى 1378ش/1420ﻫ، انتشارات المكتبة الحيدرية، قم المقدّسة.

159.   خصائص الوحي المبين: يحيى بن الحسن الأسدي، المعروف بابن البطريق (ت600ﻫ)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الطبعة الأُولى 1417ﻫ، منشورات دار القرآن.

ـ د ـ

160.   الدّر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي (ت911هـ)، دار المعرفة: الطبعة الأُولى 1365هـ.

161.   الدرّ النضيد: السيد محسن الأمين (ت1371ﻫ)، الطبعة الأُولى 1378ش، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

162.   الدرّ النظيم: ابن حاتم العاملي، (ت664ﻫ)، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

163.   الدرة الباهرة: محمّد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني (الشهيد الأول) (ت786ﻫ)، الطبعة الأُولى 1379ش، منشورات زائر ـ قم المقدّسة.

164.   الدرجات الرفيعة: السيد علي خان المدني (ت1120ﻫ)، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي، 1397ﻫ، قم المقدّسة.

165.   الدروع الواقية: السيّد ابن طاووس (ت664ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم المقدّسة، سنة 1414ﻫ.

166.   دعائم الإسلام: القاضي النعمان المصري (ت363ﻫ)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضـي، منشورات دار المعارف القاهرة 1963م.

167.   الدعوات: أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور بـ قطب الدين الراوندي (ت573 هـ)، الطبعة الأُولى 1407 هـ، منشورات مدرسة الإمام المهدي# ـ قم المقدّسة.

168.   دلائل الإمامة: الشيخ محمد بن جرير الطبري الإمامي، المتوفّي أوائل القرن الرابع الهجري، الطبعة الأُولى 1413ﻫ، مؤسسة البعثة، قم المقدّسة.

169.   ديوان دعبل الخزاعي: دعبل بن عليّ الخزاعي (ت246ﻫ) الطبعة الأُولى، 1417ﻫ/1997م، مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.

170.   ديوان سيد رضا الهندي: السيد رضا الموسوي الهندي (ت1362ﻫ)، تحقيق: السيد موسى الموسوي، مراجعة وتعليق: السيد عبد الصاحب الموسوي، الطبعة الأُولى 1409ﻫ/1988م، منشورات دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

171.   ديوان مفاتيح الدموع: الشيخ محمد سعيد المنصوري (ت1428ﻫ)، الطبعة الأُولى 1410ﻫ، الناشر ولده المرحوم عبد الحسين المنصوري.

172.   ديوان ميراث المنبر: الشيخ محمد سعيد المنصوري (ت1428هـ)، الطبعة الأُولى 1423هـ، طبع ونشر: دار المنصوري.

ـ ذ ـ

173.   الذريعة: الشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت1389هـ)، الطبعة الثالثة 1403ه‍/1983م، منشورات دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

174.   ذوب النضار: ابن نما الحلّي (ت645ﻫ)، تحقيق: فارس حسّون كريم، الطبعة الأُولى 1416ﻫ، مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

ـ ر ـ

175.   رسالة الشيخ المفيد حول حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورّث: الشيخ محمد بن النعمان البغدادي المشهور بالمفيد (ت413هـ)، الطبعة الثانية 1414هـ/1993م، دار المفيد، بيروت ـ لبنان.

176.   رسائل الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت966ﻫ)، الطبعة الحجرية، منشورات مكتبة بصيرتي، قم المقدّسة.

177.   الركب الحسيني: مجموعة (معاصرة) الطبعة الثانية 1425ﻫ، إعداد ونشر: مركز الدراسات الإسلامية ممثليّة الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية، قم المقدّسة.

178.   روضة الواعظين، محمّد بن الفتّال النيسابوري (ت508ﻫ)، تحقيق: السيد محمد مهدي الخرسان، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

179.   رياض السالكين، السيد علي خان المدني الشيرازي (ت1120ﻫ)، تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني، الطبعة الرابعة 1415ﻫ، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة.

180.   رياض المدح والرثاء: الشيخ حسين علي سلمان البلادي البحراني، الطبعة الرابعة 1426ﻫ، انتشارات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

ـ ز ـ

181.   زاد المسير: أبب الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي (ت597ﻫ)، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن عبد الله، الطبعة الأُولى 1407ﻫ، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

182.   زبدة البيان: أحمد بن محمد، الشهير بالمقدّس الأردبيلي (ت993هـ)، حققه وعلَّق عليه: محمد الباقر البهبودي، عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران ـ ناصر خسرو.

183.   زهر الربيع: السيد نعمة الله الجزائري (ت1112ﻫ)، مجهولة.

184.   زيارة الإمام الحسين× (بحثٌ استدلالي في روايات الوجوب)، الشيخ رافد التميمي (معاصر)، الطبعة الأُولى 1435هـ، منشورات مركز الدراسات التخصصيّة في النهضة الحسينيّة.

ـ س ـ

185.   سبائك السبَّاك: الحاج معين السبّاك (ت1423هـ)، الطبعة الأُولى 1425هـ، المطبعة مُحَمّد.

186.   سبل السلام: محمد بن إسماعيل الكحلاني الصنعاني (ت1182ﻫ) منشورات دار الفكر، تحقيق: الشيخ محمد عبد العزيز الخولي، الطبعة الرابعة 1379ﻫ/1960م، منشورات شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ـ محمود نصار الحلبي وشركائه.

187.   سر السلسلة العلوية: أبو نصر البخاري (ت341ﻫ)، تحقيق: السيد محمّد صادق بحر العلوم، الطبعة الأُولى 1413ﻫ/1371ش، انتشارات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

188.   سفير الحسين مسلم بن عقيل×، العلّامة الشيخ عبد الواحد المظفّر الطبعة الثالثة 1388ﻫ/1968م، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

189.   سفينة البحار: الشيخ عباس القمي (ت1359هـ)، مطبعة دار الأُسوة، قم المقدّسة، الطبعة الثانية 1416هـ.

190.   السقيفة وفدك: أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي (ت323هـ)، تحقيق: الدكتور محمد هادي الأميني، الطبعة الثانية 1413هـ، بيروت.

191.   سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني (ت273ﻫ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

192.   سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني (ت275ﻫ)، تحقيق: سعيد محمّد اللّحام، الطبعة الأُولى 1410ﻫ/1990م، منشورات دار الفكر.

193.   سنن الترمذي: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي (ت279ﻫ)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهّاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية 1403ﻫ/1983م، منشورات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

194.   سنن الدارمي: عبد الله بن بهرام الدارمي (ت255هـ)، مطبعة الاعتدال، دمشق.

195.   السنن الكبرى: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303ﻫ)، الطبعة الأُولى 1348ﻫ/1930م، منشورات دار الفكر للطباعة والنشـر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

196.   سنن النبيّ: العلّامة محمد حسين الطباطبائي (ت1402ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد هادي الفقهي، 1419ﻫ، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي.

197.   سياسة الحسين: الشيخ عبد العظيم الربيعي (ت1399ﻫ)، الطبعة الأُولى 1420ﻫ، منشورات المكتبة الحيدريّة، قم المقدّسة.

198.   سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748ﻫ) تحقيق: ثامون صاغرجي العرقسوسي، الطبعة التاسعة 1413ﻫ، منشورات الرسالة، بيروت ـ لبنان.

199.   سيرة الأئمّة: الشيخ مهدي البيشوائي (معاصر)، تعريب: حسين الواسطي، طباعة ونشر مؤسسة الإمام الصادق×، تقديم: الشيخ جعفر السبحاني.

200.   السيرة الحلبية: أبو الفرج علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، نور الدين ابن برهان الدين (ت1044 هـ)، سنة الطبع 1400هـ، المطبعة بيروت، دار المعرفة، منشورات دار المعرفة.

201.   السيرة المحمدية: الشيخ جعفر السبحاني (معاصر)، تعريب: جعفر الهادي، الطبعة الثانية 1425هـ، المطبعة والناشر: مؤسسة الإمام الصادق×، قم المقدّسة.

202.   السيرة النبوية: أبو الفداء إسماعيل بن كثير (747ﻫ)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، منشورات دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع 1976م، بيروت ـ لبنان.

ـ ش ـ

203.   الشافي في الإمامة: السيد مرتضى علم الهدى (ت436ﻫ)، الطبعة الثانية 1410ﻫ، منشورات مؤسسة إسماعيليان، قم المقدّسة.

204.   شجرة طوبى: الشيخ محمد مهدي الحائري (ت1369ﻫ)، الطبعة الخامسة 1385ﻫ، منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، النجف الأشرف.

205.   شرائع الاسلام: أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن، المشتهر بـ المحقق الحلي (ت676هـ)، مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية 1409هـ، انتشارات استقلال، طهران ـ ناصر خسرو، 1983م/1403ه‍، طبع بموافقة مؤسسة الوفاء، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان.

206.   شرح إحقاق الحقّ: السيد المرعشـي (ت1411ﻫ)، تصحيح: السيد إبراهيم الميانجي، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم ـ إيران.

207.   شرح أُصول الكافي: المولى محمد صالح المازندراني (ت1081ﻫ).

208.   شرح الأخبار، النعمان بن مُحمّد التميمي (ت363ﻫ)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.

209.   شرح الأزهار، أحمد المرتضى (ت840هـ)، منشورات غمضان، صنعاء 1400هـ.

210.   شرح التجريد: العلّامة الحلّي (ت726ﻫ)، تحقيق الشيخ حسن زاده آملي، الطبعة السابعة 1417ﻫ، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة.

211.   شرح الرضي على الكافية: رضي الدين الاسترآبادي (ت686 هـ)، تحقيق: يوسف حسن عمر، منشورات مؤسسة الصادق، طهران 1395هـ/1975م.

212.   شرح العقيدة الطحاوية: ابن أبي العزّ الحنفي (ت792 هـ)، الطبعة الرابعة 1391هـ، منشورات المكتب الإسلامي، بيروت ـ لبنان.

213.   الشرح الكبير: عبد الرحمن بن قدامة (ت682ﻫ)، الطبعة الجديدة بالأوفست، منشورات دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

214.   شرح رسالة الحقوق: السيد حسن القبانچي (ت1411هـ)، منشورات دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

215.   شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين×: كمال الدين ميثم بن علي البحراني (ت679ﻫ)، تحقيق: مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدّث، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم المقدّسة.

216.   شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت656ﻫ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة منشورات المرعشي النجفي، نشر: دار إحياء الكتب العربية، بدون تاريخ.

217.   الشعائر الحسينية بين الأصالة والتجديد: محاضرات الشيخ محمد السند (معاصر)، بقلم السيد رياض الموسوي، الطبعة الأُولى، منشورات دار الغدير 1424ﻫ، قم المقدّسة.

218.   الشفا بتعريف حقوق المصطفى: القاضي أبو الفضل عيّاض اليحصبي (ت544ﻫ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان 1409هـ/1988م.

219.   الشفاء الروحي: عبد اللطيف البغدادي (معاصر).

220.   شواهد التنزيل: عبيد الله بن أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني (المتوفى في القرن الخامس الهجري)، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الأُولى 1411هـ/1990م، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، طهران ـ إيران.

ـ ص ـ

221.   الصحاح: إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت393ﻫ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الأُولى 1376ه‍/1956م، منشورات دار العِلم للملايين، القاهرة.

222.   صحيح ابن حبّان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان (ت354ﻫ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثانية 1414ﻫ/1993م، منشورات مؤسسة الرسالة.

223.   صحيح ابن خزيمة: أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت211ﻫ)، تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، الطبعة الثانية 1412ﻫ/1992م، منشورات المكتب الإسلامي.

224.   صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري (ت256ﻫ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع سنة 1401ﻫ/1981م.

225.   صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (ت261ﻫ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

226.   الصراط المستقيم: الشيخ زين الدين أبو محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت877هـ)، صحّحه وحقّقه وعلّق عليه: محمد الباقر البهبودي، عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، الطبعة الأُولى 1384هـ.

227.   الصوارم المهرقة: الشهيد نور الله التستري (ت1019ﻫ)، تحقيق: جلال الدين المحدّث، سنة الطبع 1367، مطبعة نهضت.

228.   الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: أحمد بن حجر الهيتمي المكّي (ت974هـ)، الطبعة الثانية 1385هـ/1965م، منشورات مكتبة القاهرة لصاحبها: علي يوسف سليمان، ميدان الأزهر ـ مصر.

ـ ط ـ

229.   الطبقات الكبرى: ابن سعد2(ت30هـ)، دار الصادر، بيروت ـ لبنان.

230.   الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: السيد ابن طاووس (ت664ﻫ)، الطبعة الأُولى 1399ﻫ، المطبعة خيام، قم المقدّسة.

231.   الطريق إلى منبر الحسين: الخطيب المرحوم الشيخ عبد الوهاب الكاشي، الطبعة الأُولى 1421هـ، انتشارات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

ـ ع ـ

232.   عدة الداعي: ابن فهد الحلي (ت841ﻫ)، تحقيق وتصحيح: أحمد الموحدي القمي، منشورات مكتبة وجداني، قم المقدّسة.

233.   العدد القويّة: العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (ت726هـ)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة الأُولى 1408هـ، منشورات المرعشي النجفي.

234.   العروة الوثقى: السيد محمد كاظم اليزدي (ت1337ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى 1417ﻫ، قم المقدّسة.

235.   العقد النضيد والدرّ الفريد: مُحمّد بن الحسن القمي (المتوفَّى في القرن السابع الهجري)، تحقيق: عليّ أوسط الناطقي، الطبعة الأُولى 1423ﻫ، منشورات دار الحديث للطباعة والنشر.

236.   العقلية زينب والفواطم: الحاج حسين الشاكري (ت1430ﻫ)، الطبعة الأُولى 1422ﻫ/2001م، منشورات المؤسسة الإسلامية للتبليغ والإرشاد، قم المقدّسة.

237.   علل الترمذي: محمّد بن سورة (ت279ﻫ)، الطبعة الثانية 1403ﻫ، طباعة ونشر دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

238.   علل الشرائع: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمّي (ت381ﻫ)، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية 1386ﻫ/1966م، النجف الأشرف.

239.   علوم القرآن: السيد محمد باقر الحكيم (ت1424هـ)، الطبعة الثالثة، 1417هـ، منشورات مجمع الفكر الإسلامي.

240.   عمدة الطالب: جمال الدين أحمد بن علي المعروف بابن عنبة (ت828ﻫ)، تحقيق: محمد حسن آل الطالقاني، الطبعة الثانية 1380ﻫ/1961م، منشورات المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

241.   عمدة القارئ: بدر الدين محمود بن أحمد العيني (ت855ﻫ)، مطبعة ونشر دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.

242.   العمدة: ابن البطريق يحيى بن الحسن الأسدي (ت600ﻫ)، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي1407ﻫ، جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

243.   العهود المحمّدية: عبد الوهاب الشعراني (ت973هـ)، الطبعة الثانية 1393ه‍/1973م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

244.   العوالم: الشيخ عبد الله البحراني (ت1130ﻫ)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي#، الطبعة الأُولى 1407ﻫ، قم المقدّسة.

245.   عوالي اللئالي: ابن أبي جمهور الإحسائي (ت880ﻫ)، تحقيق: آقا مجتبى العراقي، الطبعة الأُولى 1403ﻫ/1983م.

246.   عين الحياة: العلّامة محمد باقر المجلسي (ت1111ﻫ)، ترجمة وتحقيق: السيّد هاشم الميلاني، الطبعة الأُولى 1416ﻫ، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة.

247.   عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت381ﻫ)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الأُولى 1404ﻫ، منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت ـ لبنان.

248.   عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الكليني الواسطي (المتوفّى في القرن السادس الهجري)، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، الطبعة الأُولى منشورات دار الحديث.

249.   عيون المعجزات: الشيخ حسين بن عبد الوهّاب (المتوفّي في القرن الخامس هجري)، تاريخ النشر 1369ﻫ، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

ـ غ ـ

250.   الغارات: إبراهيم بن محمد الثقفي (ت283ﻫ)، تحقيق السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدّث.

251.   غاية المرام: السيد هاشم البحراني (ت1107ﻫ)، تحقيق: السيد عاشور.

252.   الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني (ت1392ﻫ)، الطبعة الرابعة 1397ﻫ/1977م، منشورات دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

253.   غرر الحكم: الشيخ أبو الفتح عبد الواحد بن محمّد بن عبد الواحد الآمدي الإمامي (ت510ﻫ)، مجهولة.

254.   الغيبة: الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني (ت380هـ)، تحقيق: علي أكبر غفاري، طبع ونشر مكتبة الصدوق، طهران.

255.   الغيبة: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، تحقيق: عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد الناصح، المطبعة بهمن، الطبعة الأولى 1411هـ، منشورات مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدّسة.

ـ ف ـ

256.   الفايق في غريب الحديث: جار الله الزمخشري (ت538ﻫ)، الطبعة الأُولى 1417ﻫ/1996م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

257.   فتح الأبواب: أبو القاسم علي بن موسى بن طاووس الحسني (ت664هـ)، تحقيق: حامد الخفّاف، الطبعة الأُولى 1409ه‍/1989م، منشورات مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان.

258.   فتح الباري: شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) الطبعة الثانية، طباعة ونشر دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

259.   فتح القدير: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت1255ﻫ)، منشورات عالم الكتب.

260.   فرج المهموم: السيد ابن طاووس (ت664ﻫ)، منشورات الشريف الرضي، سنة الطبع 1363ش، قم المقدّسة.

261.   الفرج بعد الشدّة: القاضي أبو علي المحسن ابن أبي القاسم التنوخي (ت384هـ)، الطبعة الثانية، منشورات الشريف الرضي.

262.   فرحة الغري: السيّد عبد الكريم بن طاووس الحسيني (ت693ﻫ)، تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي، الطبعة الأُولى 1419ﻫ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

263.   الفصول المختارة: الشيخ محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالمفيد (ت413ﻫ)، الطبعة الثانية 1414ﻫ، تحقيق: السيد علي مير شريفي، منشورات دار المفيد.

264.   الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة: الحر العاملي (ت1104ﻫ)، تحقيق وإشراف: محمّد القائيني، الطبعة الأُولى 1418ﻫ، منشورات مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا×.

265.   الفصول الـمُهمّة في معرفة الأئمّة: ابن الصبّاغ المالكي (ت855ﻫ)، تحقيق: الشيخ سامي الغريري، الطبعة الأُولى 1422ﻫ، منشورات دار الحديث للطباعة والنشر.

266.   فضائل الشيعة: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمّي (ت381ﻫ)، منشورات كانون عابدي، طهران ـ إيران.

267.   فضائل الصحابة: النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت303ﻫ)، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

268.   فقه الإمام جعفر الصادق: الشيخ محمد جواد مغنية (ت1400ﻫ)، الطبعة الرابعة 1402ﻫ، دار الجواد، منشورات دار التعارف، بيروت ـ لبنان.

269.   فقه الرضا (الفقه المنسوب للإمام الرضا×): علي بن بابوية القمي، (ت329هـ)، تحقيق مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم المشرّفة، الطبعة الأُولى 1406هـ، منشورات المؤتمر العالمي للإمام الرضا×، مشهد المقدّسة.

270.   فقه القرآن: قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت573هـ)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية 1405هـ، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم المقدّسة.

271.   فهرست منتجب الدين: الشيخ منتجب الدين ابن بابويه (ت585ﻫ)، تحقيق: السيد جلال الدين محدّث الأرموي، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم المقدّسة.

272.   في رحاب التوبة: السيد محمد مجاهد، تحقيق: ناصر الباقري البيدهندي، الطبعة الأُولى 1377ش، انتشارات زائر.

273.   فيض القدير: محمد عبد الرؤوف المناوي (ت1331هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأُولى 1415هـ.

ـ ق ـ

274.   القاموس المحيط، الفيروزآبادي (ت817ﻫ)، مجهولة.

275.   القرآن وإعجازه العلمي: إسماعيل إبراهيم (معاصر)، منشورات دار الفكر العربي.

276.   قرب الإسناد: السيد الحميري أبو العباس عبد الله البغدادي (ت300هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^، قم المقدّسة، الطبعة الأُولى 1413هـ.

277.   القصائد السبع العلويات: عبد الحميد ابن أبي الحديد المعتزلي (ت655هـ)، المطبعة أمير، قم 1418هـ، منشورات دفتر تبليغات المهدي#، أصفهان.

278.   قصص الأنبياء: السيد نعمة الله الجزائري (ت1112ﻫ)، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

279.   قصص الأنبياء: قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت573ﻫ)، تحقيق: غلام رضا عرفانيان، الطبعة الأُولى 1418ﻫ/1376ش، منشورات الهادي.

280.   القصص القرآني، السيد محمد باقر الحكيم، الطبعة الثانية 1425هـ، انتشارات المجمع العالمي لأهل البيت^.

ـ ك ـ

281.   الكافي: الشيخ محمّد بن يعقوب الكُليني (ت329ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة 1363ش، الناشر دار الكُتب الإسلامية، طهران ـ إيران.

282.   كامل الزيارات: جعفر بن محمد بن قولويه (ت367ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأُولى 1417ﻫ، جماعة المدرّسين، منشورات مؤسسة الفقاهة.

283.   الكامل في التاريخ: عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت630ﻫ)، منشورات دار صادر للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1386ﻫ/1966م.

284.   الكامل: ابن عدي الجرجاني (ت365ﻫ)، تحقيق: يحيى مختار عزاوي، الطبعة الثالثة 1409ﻫ/1988م، منشورات دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

285.   كتاب الزهد: الحسين بن سعيد الكوفي (المتوفّى في القرن الثالث الهجري)، تحقيق: ميرزا غلام رضا عرفانيان، المطبعة العلمية قم المقدّسة 1399ﻫ.

286.   كتاب الصلاة (التنقيح في شرح العروة الوثقى): تقريراً لبحث السيد أبي القاسم الموسوي الخوئي (ت1413هـ)، بقلم الميرزا علي الغروي التبريزي، الطبعة الثالثة 1410هـ، منشورات دار الهادي للمطبوعات، قم المقدّسة.

287.   كتاب الصمت وآداب النفس: ابن أبي الدنيا (ت281ﻫ)، تحقيق: أبو إسحاق الحويني، الطبعة الأُولى 1410ﻫ، منشورات دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

288.   كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية 1409هـ، مؤسسة دار الهجرة.

289.   كتاب الفتوح: ابن أعثم الكوفي (ت314ﻫ)، تحقيق: عليّ شيري، الطبعة الأُولى 1411ﻫ، طباعة ونشر دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

290.   كتاب المكاسب: الشيخ مرتضى الأنصاري (ت1281هـ)، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الأُولى 1415هـ، منشورات المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

291.   كتاب سليم بن قيس: أبو صادق سليم بن قيس الهلالي (ت76ﻫ)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري، غير مؤرّخة.

292.   الكشّاف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، جار الله الزمخشري (ت538ﻫ)، سنة الطبع 1385ﻫ/1966م، منشورات شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباب الحلبي وأولاده بمصر.

293.   كشف الخفاء: إسماعيل بن محمّد العجلوني (ت1162ﻫ)، الطبعة الثالثة 1408ﻫ/1988م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

294.   كشف الرموز: زين الدين أبو علي المعروف بالفاضل الآبي (ت690هـ)، الطبعة الأُولى 1408هـ، تحقيق: الاشتهاردي واليزدي، جماعة المدرسين.

295.   كشف الغمّة: الشيخ علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي (ت693ﻫ)، الطبعة الثانية 1405ﻫ، دار الأضواء، بيروت.

296.   كفاية الأثر: الخزّاز القمّي (ت400ﻫ)، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، المطبعة خيّام، منشورات بيدار، قم المقدّسة.

297.   الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء: السيد عبد الحسين شرف الدين (ت1337ﻫ)، مطبوعة في دار النعمان في النجف الأشرف في ذيل الفصول المهمّة في تأليف الأُمّة له&.

298.   كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي (ت381هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرسين، قم المقدّسة.

299.   كنز العمال: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت975 هـ)، تحقيق: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السفا، مؤسسة الرسالة 1409ه‍/1989م، بيروت ـ شارع سوريا.

300.   كنز الفوائد: أبو الفتح الكراجكي (ت449ﻫ)، الطبعة الثانية 1369ش، منشورات المكتبة الحيدرية، قم المقدّسة.

301.   الكنى والألقاب: الشيخ عبّاس القمي (ت1359ﻫ)، مكتبة الصدر طهران، بتقديم محمّد هادي الأميني.

302.   الكوكب الدرّي: الشيخ مهدي المازندراني، انتشارات المكتبة الحيدرية، الطبعة الأُولى 1374هـ.

303.   كيمياء المحبّة: سيرة رجب علي الخيّاط، بقلم الشيخ محمد الريشهري (معاصر).

ـ ل ـ

304.   لُب الأثر في الجبر والقدر: محاضرات روح الله الموسوي الخميني (ت1409هـ)، تقرير: الشيخ جعفر السبحاني، الطبعة الأُولى 1418ه‍/1377ه‍.ش، منشورات مؤسسة الإمام الصادق×.

305.   لسان العرب: ابن منظور (ت711ﻫ)، نشـر أدب الحوزة قم ـ إيران، 1405ﻫ.

306.   اللهوف: السيد ابن طاووس (ت664ﻫ)، الطبعة الأُولى 1417ﻫ، منشورات أنوار الهدى، قم المقدّسة.

307.   لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين (ت1371ﻫ)، مطبعة العرفان صيدا 1331ﻫ، منشورات مكتبة بصيرتي، قم المقدّسة.

308.   ليلة عاشوراء في الحديث والأدب: الشيخ عبد الله الحسن (معاصر)، الطبعة الأُولى 1418ﻫ، الناشر المؤلف.

ـ م ـ

309.   مثير الأحزان: ابن نما الحلّي (ت645ﻫ)، المطبعة الحيدرية 1369ﻫ/1950م، النجف الأشرف.

310.   مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي (ت1085ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية 1408ﻫ، مكتبة نشر الثقافة الإسلامية.

311.   مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين الهيثمي (ت807ﻫ)، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة عام 1408ﻫ.

312.   مجمع الشعراء: كامل سليمان الجبوري، منشورات محمّد عليّ بيضون الطبعة الأُولى 1424ﻫ، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

313.   مجمع الفائدة والبرهان: المقدّس الأردبيلي (ت993ﻫ)، تحقيق: مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الأشتهاردي، حسين اليزدي، منشورات جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

314.   مجمع مصائب أهل البيت^: الشيخ محمد الهنداوي (معاصر)، الطبعة الأُولى 1425ﻫ، انتشارات المكتبة الحيدرية.

315.   المجموع: محيي الدين النووي (ت676ﻫ)، منشورات دار الفكر.

316.    مجموعة رسائل: الشيخ لطف الصافي الگلپايگاني (معاصر).

317.   مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر): أبو الحسن ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري (ت605ﻫ)، منشورات مكتبة الفقيه، قم المقدّسة.

318.   محاسبة النفس: الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت905ﻫ)، تحقيق: الشيخ فارس الحسون، الطبعة الأُولى 1413ﻫ، منشورات مؤسسة قائم آل محمّد#، قم.

319.   المحاسن: أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت247ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران 1370ﻫ.

320.   محاضرات في الإلهيات: الشيخ جعفر السبحاني (معاصر)، مؤسسة الإمام الصادق× قم المقدّسة.

321.   المحجّة البيضاء، الملا محسن الفيض الكاشاني (ت1091ﻫ)، منشورات جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

322.   المحرر الوجيز: ابن عطية الأندلسي (ت546هـ)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، الطبعة الأُولى 1413هـ/1993م، منشورات دار الكتب العلمية.

323.   المحلّى، ابن حزم (ت456ﻫ)، منشورات دار الفكر.

324.   مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت721هـ)، تحقيق: أحمد شمس الدين، الطبعة الأُولى 1415هـ، طبع ونشر دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

325.   مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني (ت1107ﻫ)، تحقيق: الشيخ عزّة الله الهمداني، الطبعة الأُولى 1413ﻫ، منشورات مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدّسة.

326.   المراقبات: الشيخ جواد الملكي التبريزي (ت1343ش).

327.   المزار (ابن المشهدي): الشيخ محمد بن المشهدي (ت610ﻫ)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني الطبعة الأُولى 1419ﻫ، منشورات القيوم، قم المقدّسة.

328.   المزار: الشيخ محمد بن محمد بن النُّعمان المفيد (ت413ﻫ)، تحقيق: السيد محمّد باقر الأبطحي، الطبعة الثانية 1414ﻫ، منشورات دار المفيد، بيروت ـ لبنان.

329.   مسارّ الشيعة: الشيخ محمد بن محمد بن النُّعمان المفيد (ت413ﻫ)، تحقيق: الشيخ مهدي نجف، الطبعة الثانية 1414ﻫ/1993م، منشورات دار المفيد، بيروت ـ لبنان.

330.   المستجاد من الإرشاد: جمال الحقّ والدين: حسن بن المطهّر الحلي المشتهر بالعلّامة الحلي (ت726هـ)، منشورات مكتب آية الله العظمى المرعشي النجفي ـ قم.

331.   مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت1405هـ)، تحقيق وتصحيح: نجل المؤلف الحاج الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، 1418هـ.

332.   المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري (ت405ﻫ)، تحقيق وإشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.

333.   مستدرك وسائل الشيعة: الشيخ النوري الطبرسي (1320ﻫ)، تحقيق ونشـر: مؤسسة آل البيت^، الطبعة الثانية 1408ﻫ.

334.   مستطرفات السرائر: ابن إدريس الحلّي (ت598ﻫ)، تحقيق ونشر: لجنة التحقيق في مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الثانية 1411ﻫ، قم المقدّسة.

335.   مستند الشيعة: المولى أحمد النراقي (ت1244ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى 1415ﻫ، مشهد المقدّسة.

336.   مسكّن الفؤاد: الشيخ زين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت966ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث الطبعة الأُولى، قم المقدّسة.

337.   مسند ابن راهويه: إسحاق ابن راهويه (ت238ﻫ)، تحقيق: الدكتور عبد الغفور عبد الحقّ حسين برد البلوسي، الطبعة الأُولى 1412ﻫ، مكتبة الإيمان، المدينة المنوّرة.

338.   مسند أبي داود الطيالسـي: سليمان بن داوود الطيالسـي (ت204ﻫ)، منشورات دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

339.   مسند أبي يعلى الموصلي: أبو يعلى الموصلي (ت307ﻫ)، تحقيق: حسين سليم أسد، منشورات دار المأمون للتراث.

340.   مسند أحمد: أحمد بن حنبل (ت241ﻫ)، دار صادر، بيروت ـ لبنان.

341.   مسند الحميدي: عبد الله بن الزبير الحميدي (ت219ﻫ)، تحقيق وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الأُولى 1409ﻫ، منشورات دار الكتب العلميّة، بيروت.

342.   مسند الشهاب: ابن سلامة (ت454ﻫ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأُولى 1405ﻫ/1985م، منشورات مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان.

343.   مسند زيد بن عليّ: زيد بن علي÷ (ت122ﻫ)، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت ـ لبنان.

344.   مشرعة بحار الأنوار: الشيخ محمد آصف محسني، انتشارات مكتبة العزيزي، قم المقدّسة، الطبعة الأُولى 1423هـ.

345.   مشكاة الأنوار: أبو الفضل علي الطبرسي (المتوفى القرن السابع)، الطبعة الثانية،1385هـ، المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

346.   مصادقة الإخوان: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت381ﻫ)، إشراف: السيد علي الخراساني الكاظمي، منشورات مكتبة الإمام صاحب الزمان# العامّة، الكاظمية ـ العراق، ليتوغراف الكرماني قم ـ عشق علي 1402ﻫ/1982م.

347.   مصباح المتهجد: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، الطبعة الأُولى 1411هـ/1991م، منشورات مؤسسة فقه الشيعة، بيروت ـ لبنان.

348.   المصباح: الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي الحسن بن محمد بن صالح العاملي الكفعمي (ت905ﻫ)، الطبعة الثالثة 1403ه‍/1983م، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

349.   المصنّف: ابن أبي شيبة الكوفي (ت235ﻫ)، تحقيق: سعيد اللّحام، الطبعة الأُولى 1409ﻫ/1989م، منشورات دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

350.   مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت652ﻫ)، تحقيق: ماجد أحمد العطية.

351.   معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول: الزرندي الشافعي (ت750ﻫ)، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية.

352.   معارج اليقين في أُصول الدين: الشيخ محمد بن محمد السبزواري (المتوفى في القرن السابع)، تحقيق: علاء آل جعفر، الطبعة الأُولى1410ﻫ/1993م، منشورات مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث ـ قم المقدّسة.

353.   معالي السبطين: الشيخ محمد مهدي الحائري (ت1369ﻫ)، منشورات المكتبة الحيدرية والشريف الرضي، قم المقدّسة.

354.   معاني الأخبار: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة 1379ﻫ.

355.   معاني القرآن: أبو جعفر النحاس (ت338هـ)، تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني، الطبعة الأُولى 1408ه‍ـ/1988م.

356.   المعتبر: نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن المشهور بالمحقق الحلي (ت676هـ)، حقّقه وصحّحه: عدة من الأفاضل، مؤسسة سيد الشهداء، 1364ش.

357.   المعجم الأوسط: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360ﻫ)، تحقيق ونشر: قسم التحقيق بدار الحرمين 1415ﻫ/1995م.

358.   معجم البلدان: ياقوت الحموي (ت626ﻫ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.

359.   معجم الشعراء: كامل سلمان الجبوري، منشورات محمد علي بيضون، الطبعة الأُولى 1424هـ، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

360.   المعجم الكبير: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360ﻫ)، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، منشورات دار إحياء التراث العربي، تحقيق السيد أحمد الحسيني.

361.   معجم رجال الحديث: السيد أبو القاسم الخوئي (ت1413ﻫ)، الطبعة الخامسة 1413ﻫ/1992م، طبعة منقحة ومزيدة.

362.   معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت395هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404هـ.

363.   معدن الجواهر: أبو الفتح بن علي الكراجكي (ت449ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية 1394ﻫ.

364.   مغني اللبيب: ابن هشام الأنصاري (ت761هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، منشورات مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي، 1404هـ، قم المقدّسة.

365.   مغني المحتاج: الشيخ محمد الشربيني الخطيب (ت977ﻫ)، منشورات دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان 1377ﻫ/1958م.

366.   المغني: عبد الله بن قُدامة (ت620ﻫ)، منشورات دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

367.   مفاتيح الجنان: الشيخ عباس القُمّي (ت1359ﻫ)، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

368.   مفاتيح الدموع: الشيخ محمد سعيد المنصوري (ت1428هـ)، الطبعة الأُولى 1410هـ، الناشر: ولده المرحوم عبد الحسين المنصوري.

369.   مفردات غريب القرآن: الراغب الأصفهاني (ت502هـ)، الطبعة الثانية 1404هـ، منشورات دفتر نشر الكتاب.

370.   مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني (ت356ﻫ)، الطبعة الثانية 1385ﻫ/1965م، منشورات المكتب الحيدرية ومطبعتُها، النجف الأشرف.

371.   مقتل الحسين×: أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد الأزدي الغامدي (ت157ﻫ)، تحقيق: الميرزا حسن الغفاري، المطبعة العلمية، انتشارات المرعشي النجفي، طبعة عام 1398ﻫ، قم المقدّسة.

372.   مقتل الحسين×: العلامة السّيد عبد الرزّاق المقرّم (ت1391ﻫ)، الطبعة الأُولى 1414ﻫ/1372ش، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

373.   مقدّمة في أُصول الدين: الخراساني، الشيخ حسين الوحيد (معاصر)، مجهولة.

374.   المقنع: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381ه‍)، منشورات مؤسسة الإمام الهادي× 1415ﻫ.

375.   المقنعة: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان البغدادي العكبري المشهور المفيد (ت413ﻫ)، الطبعة الثانية 1410ﻫ، مؤسسة النشر الإٍسلامي، جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

376.   مكارم الأخلاق: ابن أبي الدنيا (ت281ﻫ)، تحقيق: مجدي السيد إبراهيم، منشورات مكتبة القرآن، القاهرة.

377.   مكارم الأخلاق: الحسن بن الفضل بن حسن الطبرسي (ت548هـ)، منشورات الشريف الرضي ـ قم المقدّسة، الطبعة السادسة 1392هـ.

378.   مكيال المكارم: أبو عبد الله ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني (ت1348)، تحقيق: السيد علي عاشور، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأُولى 1421ه‍/2001 م، بيروت ـ لبنان.

379.   الملاحم والفتن: السيد ابن طاووس (ت664ﻫ)، الطبعة الأُولى 1416ﻫ، منشورات صاحب الأمر#.

380.   من أخلاق الإمام الحسين: عبد العظيم المهتدي البحراني (معاصر)، الطبعة الأُولى 1421ﻫ/2000م، انتشارات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

381.   مَن لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، منشورات مؤسسة جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

382.   مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب (ت588ﻫ)، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف سنة الطبع 1376ﻫ/1956م، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

383.   مناقب الإمام أمير المؤمنين×: محمد بن سليمان الكوفي، من أعلام القرن الثالث، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الأُولى 1412ﻫ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم المقدّسة.

384.   المناقب: الموفّق الخوارزمي (ت568ﻫ)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الطبعة الثانية 1414ﻫ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

385.   المنتخب: الشيخ فخر الدين الطريحي (ت1085ﻫ)، الطبعة الثالثة 1422ﻫ، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

386.   منتقى الجمان: جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد (ت1011ه‍)، صححه وعلّق عليه: على أكبر الغفاري، الطبعة الأُولى 1362ش، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة.

387.   منتهى الآمال: الشيخ عبّاس القمي (ت1359ﻫ)، ترجمة السيد هاشم الميلاني، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرّسين قم المقدّسة.

388.   منتهى المطلب: العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت726ﻫ)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الأُولى 1412ﻫ، منشورات مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدّسة.

389.   منهاج الصالحين: السيد أبو القاسم الخوئي (1413ﻫ)، الطبعة الثانية والعشرون 1410ﻫ، منشورات مدينة العلم آية الله الخوئي، قم المقدّسة.

390.   منهاج الكرامة: العلاّمة الحلي، الحسن بن يوسف بن المُطهّر (ت726ﻫ)، تحقيق: عبد الرحيم مبارك، الطبعة الأُولى 1379ش، منشورات تاسوعاء، مشهد المقدّسة.

391.   منية المريد: الشيخ زين الدين بن علي العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (ت965ﻫ)، تحقيق: رضا المختاري، الطبعة الأُولى 1409/1368ش، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي.

392.   مواقف الشيعة: الأحمدي الميانجي، الطبعة الأُولى 1416ﻫ، مؤسسة النشر الإٍسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

393.   المواقف: الأيجي (ت756ﻫ)، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الطبعة الأُولى 1417ﻫ/1997م، منشورات دار الجيل، بيروت ـ لبنان.

394.   موسوعة كلمات الإمام الحسين: لجنة الحديث في معهد باقر العلوم×، الطبعة الثالثة 1416ﻫ/1995م، دار المعروف للطباعة والنشر.

395.   ميزان الحكمة: الشيخ محمد الري شهري، نشر دار الحديث، الطبعة الأُولى.

396.   نخبة اللئالي: محمد بن سليمان الحلبي (ت1228ﻫ)، منشورات مكتبة الحقيقة، إسطنبول ـ تركيا.

ـ ن ـ

397.   النزاع والتخاصم: تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت845ﻫ)، تحقيق: السيد علي عاشور.

398.   نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: الحسين بن محمد بن الحسن الحلواني (المتوفى في القرن الخامس الهجري)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي#، الطبعة الأُولى 1408ﻫ، قم المقدّسة.

399.   النصّاريات الكبرى: الشّيخ مُحمّد بن نصّار، منشورات المكتبة الحيدريّة، قم المقدّسة.

400.   نظرة إلى حياة السيدة فاطمة المعصومة‘، انتشارات السيدة المعصومة‘، قم المقدّسة، بدون تاريخ.

401.   نظم درر السمطين: جمال الدين الزرندي الحنفي (ت750ﻫ)، الطبعة الأُولى 1377ﻫ/1958م.

402.   نفحات الولاء: السيد جاسم الكربلائي الطويرجاوي، الطبعة الأُولى 1426هـ، المطبعة محمد.

403.   نهاية المرام: السيد محمد العاملي (ت1009ﻫ)، تحقيق: آغا مجتبى العراقي، علي پناه الاشتهاردي، آقا حسين اليزدي، الطبعة الأُولى 1413ﻫ، منشورات جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

404.   النهاية في غريب الحديث: المبارك بن محمد مجد الدين ابن الأثير (ت606ﻫ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناجي، الطبعة الرابعة 1364ش، منشورات مؤسسة إسماعيليان، قم المقدّسة.

405.   النهاية: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت460هـ)، انتشارات قدس محمدي، قم المقدّسة.

406.   نهج الإيمان: ابن جبر زين الدين علي بن يوسف بن جبر، من أعلام القرن السابع الهجري، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الطبعة الأُولى 1418ﻫ، منشورات مجمع الإمام الهادي× مشهد المقدّسة.

407.   نهج البلاغة: الإمام أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب× المستشهد سنة (40ﻫ)، تحقيق الشيخ محمّد عبدة، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

408.   نهج السعادة: الشيخ المحمودي (معاصر)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

409.   نوادر المعجزات: الشيخ الطبري الإمامي (المتوفّى في القرن الرابع الهجري)، الطبعة الأُولى 1410ﻫ، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي×، قم المقدّسة.

410.   نور الأبصار: الشيخ محمد مهدي المازندراني، الطبعة الأُولى 1420هـ، انتشارات الشريف الرضي، قم المقدّسة.

411.   نور البراهين: السيد نعمة الله الجزائري (ت1112هـ)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة الأُولى 1417هـ، مطبعة ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرّسين.

412.   النور المشتعل: الحافظ أحمد بن عبد الله، المعروف بأبي نعيم الأصفهاني (ت430هـ)، تقديم: محمد باقر المحمودي، الطبعة الأُولى 1406هـ، منشورات وزارة الإرشاد.

ـ هـ ـ

413.   الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي (ت334ﻫ)، الطبعة الأُولى 1420ﻫ، منشورات المكتبة الحيدرية، قم المقدّسة.

ـ و ـ

414.   الوافي بالوفيات: خليل بن أيبك الصلاح الصفدي (ت764ﻫ)، تحقيق: أحمد الأرنأووط وتركي مصطفي، منشورات دار إحياء التراث 1420ﻫ/2000م، بيروت ـ لبنان.

415.   وسائل الشيعة: الحرّ العاملي (ت1104ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة الثانية 1414ﻫ، المطبعة مهر، قم المقدّسة.

416.   وصايا الرسول لزوج البتول: السيد علي الحسيني الصدر، الطبعة الأُولى 1421هـ، انتشارات دار الإمام الرضا×.

417.   وظيفة الأنام: آية الله الميرزا محمد تقي الأصفهاني، الطبعة الأُولى 1422هـ، 2001م، رابطة أهل البيت^ الإسلامية العالمية.

418.   وفيات الأعيان: ابن خلكان (ت681ﻫ)، تحقيق: إحسان عبّاس، دار الثقافة، لبنان.

419.   وفيات الأئمة: مجموعة علماء معاصرين، الطبعة الأُولى 1412هـ، منشورات دار البلاغة، بيروت.

420.   وقعة صفّين: ابن مزاحم المنقري (ت212ﻫ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية 1382ﻫ، منشورات المؤسسة العربية للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة.

ـ ي ـ

421.   يتيمة الدهر: أبو منصور عبد الملك الثعالبي (ت429ﻫ)، تحقيق: الدكتور مفيد محمّد قميحة، الطبعة الأُولى 1403ﻫ/1983م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

422.   اليقين: السيد ابن طاووس (ت664ﻫ)، تحقيق: الأنصاري، الطبعة الأُولى 1413ﻫ، منشورات مؤسسة دار الكتاب (الجزائري).

423.   ينابيع المعاجز: السيد هاشم البحراني (ت1107ﻫ)، المطعبة العلميّة، قم المقدّسة.

424.   ينابيع المودّة: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت1294ﻫ)، تحقيق: السيد علي جمال أشرف، الطبعة الأُولى 1416ﻫ، منشورات دار الأُسوة للطباعة والنشر.



[1] فضائل الأشهر الثلاثة: ص77، ح61.

[2] اُنظر الموقع الإلكتروني التالي:lbdoo.Com. (أخطاء تأريخية لا تنسى).

[3] توحيد المفضّل بن عمر الجعفي: ص17.

[4] فضائل الأشهر الثلاثة: ص110، ضمن حديث 101.

[5] تفسير مجمع البيان: ج2، ص14.

[6] البقرة: آية183.

[7] مقطع من دعاء الافتتاح، اُنظر: مصباح المتهجّد: ص578.

[8] المراقبات: ص157.

[9] الأنفال: آية24.

[10] الكافي: ج4، ص168، ح3.

[11] مصباح المتهجّد: ص152.

[12] اُنظر: كامل الزيارات: ص252، ح3، فقد روي عن أبي عبد الله× أنّه قال: «إذا أردتَ زيارةَ الحسين× فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبر، جائع عطشان، فإنّ الحسين قتُل حزيناً مكروباً شعثاً مغبراً جائعاً عطشاناً».

[13] مصباح المتهجّد: ص152.

[14] آل عمران: آية164.

[15] الأنعام: آية44.

[16] اُنظر: مفردات غريب القرآن: ص777.

[17] آل عمران: آية164.

[18] اُنظر: تفسير الأمثل: ج2، ص767.

[19] اُنظر: المصدر السابق.

[20] اُنظر: التبيان: ج3، ص39.

[21] الأعراف: آية157.

[22]اُنظر: بحوث في تاريخ القرآن وعلومه: ص132.

[23] الجمعة: آية157.

[24] الشورى: آية157.

[25]بصائر الدرجات: ص255.

[26] شرح أُصول الكافي: ج5، ص178.

[27] المصدر السابق: ج11، ص307.

[28] فصلت: آية26.

[29] التبيان: ج9، ص122.

[30]مجمع البيان: ج1، ص76.

[31] الكافي: ج5، ص83، ح11.

[32] القلم: آية4.

[33] بحار الأنوار: ج16، ص210.

[34] الأحزاب: آية40.

[35] الجمعة: آية2.

[36] الأنبياء: آية106ـ107.

[37]شرح الأخبار: ج3، ص35.

[38] الجمعة: آية2.

[39]نهج البلاغة: ج1، ص66.

[40] البيت من قصيدة رائعة لشاعر أهل البيت^ أبي الحسن علي بن حمّاد العبدي&، كما في الغدير:  ج4، ص163.

[41] البيتان من قصيدة رائعة لشاعر أهل البيت^ السيد مهدي الأعرجي&، كما في رياض المدح والرثاء: ص756، مطلعها:

رحلوا وما رحلوا اُهيل ودادي

 إلاّ بحسن تصبّري وفؤادي

 

[42]الحجرات: آية1.

[43] القلم: آية4.

[44] آل عمران: آية159.

[45] التفسير الكبير(مفاتيح الغيب): ج28، ص110.

[46] تفسير العياشي: ج2، ص203.

[47]تفسير القمّي: ج2، ص318.

[48] الأحزاب: آية36.

[49] اُنظر: أحكام القرآن (ابن العربي): ج4، ص144.

[50]الحجرات: آية1.

[51]صحيح البخاري: ج5، ص116.

[52]الحجرات: آية1.

[53]بحار الأنوار: ج30، ص380.

[54]تفسير التبيان: ج9، ص340.

[55]تفسيرمجمع البيان: ج9، ص217.

[56]تفسير الميزان: ج18، ص307.

[57]عمدة القارئ: ج18، ص19.

[58] اُنظر: زبدة البيان: ص416.

[59]اُنظر: الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف: ج1، ص34.

[60]اُنظر: صحيح مسلم: ج3، ص141. سنن الترمذي: ج2، ص106. سنن النسائي: ج4، 177. سنن البيهقي: ج4، ص241.

[61]اُنظر: السيرة النبوية (ابن كثير): ج4، ص256.

[62] اُنظر: الملل والنحل (الشهرستاني): ج1، ص23.

[63]صحيح البخاري: ج8، ص161.

[64]اُنظر: تفسير الأمثل: ج16، ص520ـ522.

[65] الملل والنحل(الشهرستاني): ج1، ص23.

[66]تفسير الميزان: ج18، ص307.

[67]تفسير القرآن العظيم: ج10، ص2302.

[68] الغدير: ج7، ص192.

[69] الحديد: آية28.

[70] القصص: آية52ـ54.

[71] القصص: آية54.

[72] تفسير مجمع البيان: ج9، ص406.

[73] النحل: آية125.

[74]تفسير مجمع البيان: ج2، ص6.

[75] نور البراهين: ج1، ص204.

[76]النساء: آية65.

[77]تفسير الميزان: ج19، ص174.

[78] اُنظر: كتاب العين: ج5، ص373.

[79] اُنظر: تفسير القمي: ج2، ص353.

[80]اُنظر: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج27، ص310.

[81]اُنظر: تفسير تيسير الكريم الرحمن في كلام المنّان: ص843.

[82] تفسير فرات الكوفي: ص468، ح3.

[83] اُنظر: تقريب القرآن إلى الأذهان: ج5، ص343.

[84] اُنظر: شرح أُصول الكافي: ج5، ص179.

[85] اُنظر: تفسير السمعاني: ج5، ص380.

[86]اُنظر: تفسير القمي: ج2، ص352.

[87]اُنظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج2، ص357.

[88] تفسير التبيان: ج9، ص538.

[89] تفسير الميزان: ج15، ص123.

[90]الكافي: ج1، ص194ـ 195، ح3.

[91]الكافي: ج1، ص194، ح1.

[92]مناقب آل أبي طالب: ج3، ص153.

[93]تفسير الميزان: ج19، ص174.

[94]بحار الأنوار: ج97، ص187.

[95]مصباح المتهجّد: ص721.

[96]المصدر السابق: ص789.

[97]موسوعة شهادة المعصومين^: ج2، ص299.

[98] المجالس العاشورائية في المآتم الحسينيّة: ص466ـ467.

[99] نهج البلاغة (تحقيق الصالح): ص141.

[100] اُنظر: بحوث فقهيّة مهمّة: ص148ـ 149.

[101] اُنظر: التاريخ وحركة التقدّم البشري ونظرة الإسلام: ص82.

[102] آل عمران: آية103.

[103] اُنظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): ج7، ص69.

[104] اُنظر: التاريخ وحركة التقدّم البشري ونظرة الإسلام: ص82ـ83.

[105] اُنظر: معارج نهج البلاغة: ص194.

[106] اُنظر: في ظلال نهج البلاغة: ج2، ص69ـ701.

[107] اُنظر: التاريخ وحركة التقدّم البشري ونظرة الإسلام: ص82ـ83.

[108] اُنظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): ج7، ص69.

[109] اُنظر: المصدر السابق: ج7، ص69.

[110] اُنظر: التاريخ وحركة التقدّم البشري ونظرة الإسلام: ص83.

[111] موسوعة طبقات الفقهاء: ج1، ص58ـ59.

[112] اُنظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): ج7، ص69.

[113] النحل: آية44.

[114] اُنظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم البحراني): ج2، ص401ـ402.

[115] صحيح البخاري: ج7، ص8ـ9.

[116] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص267. بحار الأنوار: ج45، ص250.

[117]النحل: آية125.

[118] روضة المتّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه: ج3، ص162.

[119]اُنظر: تفسير الميزان: ج5، ص267.

[120] اُنظر: شرح أُصول الكافي: ج5، ص208.

[121] تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم: ج1، ص119.

 

[122]التوحيد (الشيخ الصدوق): ص290.

[123] عيون أخبار الرضا: ج1، ص143.

[124] اُنظر: الكافي: ج1، ص169ـ 171، ح3.

[125] اُنظر: هامش شرح أُصول الكافي: ج5، ص101.

[126] اُنظر: تفسير السمعاني: ج3، ص210.

[127] اُنظر: التفسير الكاشف: ج4، ص565.

[128] فصلت: آية34.

[129]مناقب آل أبي طالب: ج3، ص169.

[130]اُنظر: كتاب العين: ج6، ص79.

[131] غافر: آية69.

[132]كنز الفوائد: ص128، عنه بحار الأنوار: ج2، ص138، ح49.

[133]الاختصاص: ص247، عنه بحار الأنوار: ج71، ص230، ح27.

[134]اُنظر: الوافي: ج15، ص31.

[135]اُنظر: بحوث في الفقه المعاصر: ج7، ص113.

[136]كامل الزيارات: ص383، ح13.

[137]الإرشاد: ج2، ص98.

[138]ديوان السيد رضا الهندي: ص43.

[139] شرح نهج البلاغة: ج14، ص68.

[140] الغدير: ج7، ص369ـ370.

[141] التوبة: آية101.

[142] الإيمان: ص201.

[143] المستدرك على الصحيحين: ج2، ص623.

[144] اُنظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي): ج4، ص141.

[145] اُنظر: خزانة الأدب: ج3، ص279.

[146] اُنظر: البداية والنهاية: ج3، ص56.

[147] اُنظر: فتح الباري: ج7، ص148.

[148] اُنظر: السيرة الحلبيّة: ج1، ص462.

[149] اُنظر: شرح نهج البلاغة: ج14، ص55.

[150] الغدير: ج7، ص335.

[151] شرح نهج البلاغة: ج14، ص78.

[152] كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحببيب (الخصائص الكبرى): ج1، ص86.

[153] الشعراء: آية214.

[154] «صَبَأَ فلان يَصْبَأُ إذا خَرج من دينه». لسان العرب: ج1، ص108.

[155] الكامل في التاريخ: ج2، ص61.

[156] الغدير: ج7، ص353.

[157] شعبته شعوب أي أماته الموت فمات. العين: ج1، ص264.

[158] شرح نهج البلاغة: ج14، ص64.

[159] الغدير: ج7، ص358.

[160] الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): ج6، ص406.

[161] الطبقات الكبرى: ج1، ص123.

[162] صحيح البخاري: ج7، ص121.

[163] كنز الفوائد: ص80. الاحتجاج: ج1، ص340ـ341، عنه بحار الأنوار: ج35، ص69، ح3.

[164] بحار الأنوار: ج35، ص114، ح51.

[165] نهج البلاغة: ص164.

[166] الإسراء: آية9.

[167] عوالي اللئالي: ج1، ص99، ح17.

[168] اُنظر: هامش كتاب عوالي اللئالي: ج1، ص99.

[169] سنن أبي داود: ج1، ص327، ح1455.

[170] اُنظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج8، ص3.

[171] اُنظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج8، ص5ـ6.

[172] يونس: آية57.

[173] الكافي: ج2، ص600، ح7. واُنظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج8، ص6.

[174] مكارم الأخلاق: ص271. هداية الأُمّة إلى أحكام الأئمة^: ج3، ص105، ح629.

[175] آل عمران: آية119.

[176] الحج: آية46.

[177] يونس: آية57.

[178] الفتح: آية1.

[179] الفتح: آية29.

[180] الفتح: آية29.

[181] الموقع الإلكتروني: (alkafeel.net/showthread).

[182]الكافي: ج2، ص612، ح5.

[183] الكافي: ج2، ص614، ح1.

[184] الحجر: آية9.

[185]اُنظر: الآداب المعنوية للصلاة: ص269ـ271.

[186] يوسف: آية3.

[187] اُنظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج8، ص7.

[188] الأعراف: آية175.

[189] تفسير القمّي: ج1، ص248.

[190] الأعراف: آية176.

[191]عليٌّ في الكتاب والسنة والأدب: ج5، ص177ـ 178.

[192] التكوير: آية8ـ9.

[193] آل عمران: آية154.

[194] المائدة: آية50.

[195] الأحزاب: آية33.

[196] الفتح: آية26.

[197] نهج البلاغة: ج1، ص67.

[198] اُنظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج3، ص366.

[199]التفسير الكبير: ج31، ص69.

[200]اُنظر: الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): ج19، ص232.

[201] الإسراء: آية40.

[202] زبدة التفاسير: ج4، ص363.

[203] الإسراء: آية31.

[204] الأنعام: آية140.

[205] اُنظر: شرح نهج البلاغة (ابن ميثم البحراني): ج4، ص300.

[206] اُنظر: تفسير الأمثل: ج19، ص451.

[207] آل عمران: آية195.

[208] البقرة: آية286.

[209] البقرة: آية234.

[210] نهج البلاغة: ج3، ص56.

[211]اُنظر: بحوث في الفقه المعاصر: ج6، ص443.

[212] النساء: آية22.

[213]اُنظر: تاريخ الفقه الجعفري: ص60.

[214]اُنظر: تفسير مجمع البيان: ج10، ص277.

[215] اُنظر: تفسير الأمثل: ج19، ص452.

[216] المائدة: آية116.

[217]اُنظر: أمالي السيد المرتضى: ج4، ص189.

[218]مجمع البيان: ج10، ص274.

[219]بحار الأنوار: ج7، ص272، ح38.

[220]كامل الزيارات: ص134، ح3.

[221]تفسير القمي: ج2، ص407.

[222] بحار الأنوار: ج49، ص208ـ211، ح3.

[223] الهداية الكبرى: ص418.

[224] الكوثر: آية1.

[225]شجرة طوبى: ج2، ص376.

[226] الصراط المستقيم: ج3، ص13.

[227] تفسير مجمع البيان: ج10، ص65. زبدة التفاسير: ج7، ص119. التفسير الأصفى: ج2، ص1326. التفسير الصافي: ج5، ص198. تفسير نور الثقلين: ج5، ص377، ح55. تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب: ج13، ص345. ومن تفاسير الجمهور: تفسير الكشاف: ج4، ص132. أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج5، ص227. تفسير أبي السعود: ج8، ص270. تفسير الآلوسي: ج28، ص165.

[228] الخصال: ص338، ح42.

[229] صحيح البخاري: ج4، ص132، ص139، وج6، ص205. ومثله مسلم في صحيحه ج7، ص133، وغيرهما.

[230] تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير): ج1، ص371.

[231] تفسير الرازي: ج11، ص229.

[232] التحريم: آية11.

[233] عمدة القاري: ج15، ص308.

[234] الزخرف: آية51.

[235] التحريم: آية11.

[236] اُنظر: بحوث في الفقه المعاصر: ج6، ص271.

[237] التحريم: آية12.

[238] تفسير مجمع البيان: ج10، ص65.

[239] تفسير العيّاشي: ج2، ص279، ح12.

[240] الأعراف: آية46.

[241] مختصر بصائر الدرجات: ص53.

[242] تفسير فرات الكوفي: ص80، ح31.

[243] مناقب علي بن أبي طالب×: ص354، ح458.

[244] الخصال: ص205ـ206، ح22.

[245] أنساب الأشراف: ج1، ص98.

[246] الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ج1، ص678ـ679.

[247] اُنظر: مناقب آل أبي طالب: ج1، ص150.

[248] الدرّ النضيد: ص153.

[249] شرح الأخبار: ج3، ص34.

[250] البقرة: آية21.

[251] البقرة: آية153.

[252] الأعراف: آية26.

[253] صحيح البخاري: ج6، ص189.

[254] اُنظر: من فقه الزهراء: ج3، ص10ـ11.

[255] الاحتجاج: ج2، ص39.

[256] آل عمران: آية144.

[257] اُنظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج3، ص62.

[258] اُنظر: خطاب وحراب: ص261ـ263.

[259] اُنظر: من فقه الزهراء: ج3، ص18.

[260] السنن الكبرى (النسائي): ج5، ص97.

[261] الاعتقادات للشيخ المفيد: ص105.

[262] الاحتجاج: ج2، ص103، عنه بحار الأنوار: ج43، ص21.

[263] أمالي الشيخ الطوسي: ص24.

[264] اُنظر: بيت الأحزان: ص30ـ31. الأنوار البهيّة: ص57ـ58.

[265] اُنظر: مسند أحمد: ج3، ص259. سنن الترمذي: ج5، ص31. المعجم الكبير: ج3، ص56. سير أعلام النبلاء: ج2، ص134. مجمع الزوائد: ج9، ص121. البداية والنهاية: ج8، ص224، وغيرها من المصادر والقضية مستفيضة، بل متواترة.

[266] اُنظر: السيرة النبوية (ابن كثير): ج2، ص148.

[267] اُنظر: تفسير السمعاني: ج1، ص327. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: ج1، ص156. نظم درر السمطين: ص108. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: ص155.

[268] اُنظر: أمالي الشيخ الصدوق: ص174ـ175، ح2.

[269] من فقه الزهراء: ج3، ص22.

[270] اُنظر: المصباح المنير: ج2، ص450.

[271] اُنظر: الصحاح: ج3، ص1147.

[272] اُنظر: العين: ج6، ص212.

[273] الجن: آية4.

[274] ص: آية22.

[275] اُنظر: من فقه الزهراء: ج3، ص24.

[276] كشف الغمّة: ج2، ص94.

[277] مقطوعةٌ شعرية بعنوان الآنية المكسورة لأخينا العزيز الأديب سماحة الشيخ أركان التميمي (دامت توفيقاته).

[278] الخصال: ص206ـ207، ح25.

[279] إقبال الأعمال: ج1، ص505. والمقطع من دعاء الندبة الشريف.

[280] آل عمران: آية33ـ34.

[281] اُنظر: تفسير الميزان: ج16، ص259.

[282] اُنظر: التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج6، ص259.

[283] بحار الأنوار: ج84، ص340.

[284] آل عمران: آية42.

[285] تفسير القمّي: ج1، ص102.

[286] بحار الأنوار: ج16، ص78ـ80.

[287] أمالي الشيخ الصدوق: ص690ـ691، ح1، عنه بحار الأنوار: ج43، ص2، ح1.

[288] وفاة الصديقة الزهراء: ص12.

[289] اُنظر: أمالي الشيخ الصدوق: ص690ـ692، ح1. دلائل الإمامة: ص77ـ79، ضمن الحديث 17.

[290] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص123.

[291] أمالي الشيخ الطوسي: ص39ـ40، ح13.

[292] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص124.

[293] المصدر السابق.

[294] مَن لا يحضره الفقيه: ج3، ص393، ح4383.

[295] موسوعة أدب المحنة أو شعراء المحسن بن علي×: ص555.

[296] شرح الأخبار: ج3، ص28، ح966.

[297] أمالي الشيخ الصدوق: ص362، ح3.

[298] شرح الأخبار: ج3، ص28ـ29، ح967.

[299] بيت الأحزان: ص124.

[300] النور: آية36.

[301] تفسير مجمع البيان: ج7، ص253. الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج5، ص50. تفسير الآلوسي: ج18، ص174.

[302] مدينة المعاجز: ج2، ص449، ح674.

[303] علل الشرائع: ج1، ص181، ح3.

[304] الثاقب في المناقب: ص302.

[305] الخرائج والجرائح: ج2، ص531، ح7.

[306] الثاقب في المناقب: ص196، ح1. مناقب آل أبي طالب: ج3، ص117. الخرائج والجرائح: ج2، ص530، ح5.

[307] الثاقب في المناقب: ص293ـ294.

[308] الزمر: آية30.

[309] فاطمة الزهراء والفاطميون (الطبعة الثانية): ص68. اُنظر: الهجوم على بيت فاطمة‘: ص215.

[310] تلخيص الشافي: ج3، ص156.

[311] بحار الأنوار: ج43، ص179.

[312] اُنظر: الانتصار: ص204.

[313] اُنظر: الخلاف: ج2، ص235. غنية النزوع: ج1، ص105.

[314] الكافي: ج3، ص173، ح5.

[315] اُنظر: صحيح البخاري: ج5، ص82، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، حيث روى: «... فلمّا توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر».

[316] اُنظر: عمدة القارئ: ج8، ص150، حيث قال: «روى الطحاوي من حديث نافع، عن ابن عمر قال: لا تدفنوا أمواتكم بالليل. وقال ابن حزم: لا يجوز أن يُدفن أحدٌ ليلاً إلّا عن ضرورة، وكلّ مَن دُفن ليلاً منه (صلى الله عليه [وآله] وسلّم) ومن أزواجه وأصحابه، (رضي الله تعالى عنهم)، فإنّما ذلك لضرورة أوجبت ذلك، من خوف زحام، أو خوف الحر على مَن حضر، وحر المدينة شديد، أو خوف تغيّر، أو غير ذلك ممّا يبيح الدفن ليلاً، لا يحل لأحد أن يظنّ بهم خلاف ذلك».

[317] اُنظر: شرح الأخبار: ج3، ص37. الاحتجاج: ج1، ص139. بحار الأنوار: ج43، ص35.

[318] كتاب سُليم بن قيس الهلالي: ص392. بحار الأنوار: ج28، ص304، وج43، ص199، وج78، ص256، ح18.

[319] القصيدة الأزرية: ص143.

[320] أمالي الشيخ الصدوق: ص244، ح10.

[321] الأحزاب: آية33.

[322] اُنظر: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول^: ص342.

[323] اُنظر: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري×: ص521.

[324] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص180.

[325] أمالي الشيخ الصدوق: ص244.

[326] اُنظر: روضة الواعظين: ص357.

[327] الغارات: ج2، ص696ـ697.

[328] سير أعلام النبلاء: ج3، ص260.

[329] نهج البلاغة: ج2، ص186، ح207.

[330] البيتان من قصيدة خالدة للشيخ صالح الكوّاز&.

[331] قولٌ مشهور، لم أتعرّف على قائله.

[332] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص180.

[333] تاريخ مدينة دمشق: ج13، ص245.

[334] المصدر السابق: ج13، ص246.

[335] الاحتجاج: ج1، ص398ـ401.

[336] عيون أخبار الرضا: ج2، ص216، ح1.

[337] اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج1، ص179.

[338] الأعراف: آية12.

[339]اُنظر: تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم: ج4، ص51.

[340] الوافي بالوفيات: ج10، ص86.

[341] الزخرف: آية31.

[342] الاحتجاج: ج1، ص115.

[343] النحل: آية89.

[344] الرعد: آية43.

[345] بصائر الدرجات: ص232، ح1.

[346] اُنظر: مقدّمة في أُصول الدين: ص427ـ428.

[347] وإن لم يكن× هو الأخير، فقد بلغها ابنه الإمام الهادي× بهذا السِن أو أصغر، وتقلّدها الإمام المهدي#، وهو لم يبلغ الست سنوات.

[348] الكافي: ج1، ص322، باب النص على الإمام الجواد×، ح13، وص384، ح6. الإرشاد: ج2، ص279، إعلام الورى: ج2، ص94. روضة الواعظين: ص237. كشف الغمة: ج3، ص145. تفسير نور الثقلين: ج3، ص334، ح68. مدينة المعاجز: ج7، ص277، ح11. بحار الأنوار: ج14، ص256 257، ح53، عن الكافي، وج50، ص23 24، ح15، عن الإرشاد وإعلام الورى.

[349] يوسف: آية22.

[350] مريم: آية12.

[351] الكافي: ج1، ص384، باب حالات الأئمّة^ في السن، ح7.

[352] دلائل الإمامة: ص204.

[353] انظر: الطبري (الشيعي)، ابن جرير، دلائل الإمامة: ص515 516.

[354] اُنظر: مجمع مصائب أهل البيت^: ج4، ص299ـ304.

[355] آل عمران: آية123ـ123.

[356] تفسير القمّي: ج1، ص271.

[357] اُنظر: السيرة النبوية (ابن كثير): ج2، ص364. السيرة الحلبية: ج2، ص352. الاستيعاب: ج3، ص1310. الدّرر: ص98. الطبقات الكُبرى: ج2، ص9. أُسد الغابة: ج4، ص237. معجم البلدان: ج3، ص225. الكامل في التاريخ: ج2، ص112. البداية والنهاية: ج3، ص303.

[358] اُنظر: الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم’: ج5، ص270ـ274.

[359] الأنفال: آية44.

[360] النواضح: جمع ناضح، وهو البعير الذي يُسنى عليه فيسقى به الأرضون، الأنثى ناضحة. اُنظر: غريب الحديث (ابن سلام): ج3، ص57.

[361] مناقب آل أبي طالب: ج2، ص80.

[362] الإل: العهد أو القرابة. اُنظر: لسان العرب: ج11، ص26.

[363] المطيبين: حلف تعاهد فيه أصحابه على أخذ المناصب الخمسة ـ وهي: السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة ـ من أولاد عبد الدار ونقلها إليهم، وكان سيّدهم عتبة (لعنه الله)، ثمّ خلطوا أطيابا، وغمسوا أيديهم فيها، وتعاقدوا، ثمّ مسحوا الكعبة بأيديهم توكيداً، فسُمّوا: المطيبين. اُنظر: القاموس المحيط: ج1، ص99.

[364] الدابة تكادم الحشيش إذا لم تستمكن منه. اُنظر: العين: ج5، ص334.

[365] البهر: الغلبة، بهرتُ فلاناً اذا غلبتهُ ببطشٍ أو لسانٍ. اُنظر: ترتيب إصلاح المنطق: ص88.

[366] منتهى الآمال: ج1، ص124- 129.

[367] اُنظر: رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين×: ج4، ص234.

[368] اُنظر: التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): ج8، ص226.

[369] اُنظر: السيرة الحلبيّة: ج2، ص407.

[370] اُنظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: ج2، ص145.

[371] تفسير القمّي: ج1، ص266.

[372] المغازي: ج1، ص77.

[373] اُنظر: إمتاع الأسماع: ج3، ص329.

[374] المغازي: ج1، ص76.

[375] المصدر السابق: ج1، ص76.

[376] رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين×: ج4، ص238.

[377] المصدر السابق.

[378] اُنظر: شجرة طوبى: ج2، ص277.

[379] البيتان من قصيدةٍ رائعةٍ للسيّد صالح بن السيّد مهدي بحر العلوم&. اُنظر: مَن لا يحضـره الخطيب: ج1، ص224.

[380] التحريم: آية6.

[381]الدروع الواقية: ص274، عنه بحار الأنوار: ج8، ص302، ح61.

[382]المحاسن: ج1، ص209، ح75، عنه بحار الأنوار: ج69، ص222، ح9.

[383]الخصال: ص209، ح31. كمال الدين وتمام النعمة: ص296، ح4. معاني الأخبار: ص112، ح1. بحار الأنوار: ج66، ص274، ح7، عن الخصال، وج90، ص363، ح4، عن معاني الأخبار.

[384]الغيبة (الطوسي): ص207، ح176. الثاقب في المناقب: ص567، ح9. الخرائج والجرائح: ج2، ص688، ح11. مناقب آل أبي طالب: ج3، ص538. مدينة المعاجز: ج7، ص571ـ572، ح39. بحار الأنوار: ج70، ص359، ح78، عن الغيبة.

[385]عيون أخبار الرضا: ج2، ص193، عنه بحار الأنوار: ج68، ص174، ح10.

[386] الفرقان: آية27ـ29.

[387]صفات الشيعة: ص6، عنه بحار الأنوار: ج71، ص197، ح31.

[388]أمالي الشيح الطوسي: ص535. مكارم الأخلاق: ص466. بحار الأنوار: ج71، ص189.

[389]عيون الحكم والمواعظ: ص340.

[390] المصدر السابق: ص485.

[391] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص256.

[392] ص: آية44.

[393]اُنظر: تفسير القمي: ج2، ص241. بحار الأنوار: ج12، ص344.

[394]اُنظر: لسان العرب: ج3، ص31.

[395]عيون الحكم والمواعظ: ص488.

[396]المصدر السابق: ص95.

[397]موسوعة أحاديث أهل البيت^: ج4، ص47.

[398]عيون الحكم والمواعظ: ص540.

[399]الكافي: ج2، ص428، ح2.

[400]صحيح مسلم: ج8، ص225.

[401]الكافي: ج7، ص188، ح3، عنه بحار الأنوار: ج4، ص292، ح66.

[402]الخصال: ص169، ح222.

[403]إبصار العين في أنصار الحسين×: ص176.

[404]اُنظر: اللهوف في قتلى الطفوف: ص65. إبصار العين في أنصار الحسين×: ص177. موسوعة كلمات الإمام الحسين×: ص545.

[405] ق: آية19.

[406] الزمر: آية30.

[407]اُنظر: منازل الآخرة والمطالب الفاخرة: ص107ـ108.

[408] الكافي: ج1، ص461، ح1.

[409]اُنظر: منازل الآخرة والمطالب الفاخرة: ص108.

[410]نهج البلاغة: ج1، ص212.

[411] ق: آية22.

[412]اُنظر: منازل الآخرة والمطالب الفاخرة: ص108.

[413]نهج البلاغة: ج2، ص210.

[414] فصلت: آية30.

[415]تفسير البرهان: ج4، ص789، ح15. تفسير نور الثقلين: ج4، ص547، ح41.

[416]فضائل الشيعة: ص3. مائة منقبة لمحمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ابن شاذان): ص65. بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: ص71.

[417]أمالي الشيخ الصدوق: ص473، ح14. أمالي الشيخ الطوسي: ص432، ح24.

[418]أمالي الشيخ المفيد: ص287، ح6. أمالي الشيخ الطوسي: ص65، ح4. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: ص284، ح858.

[419]أمالي الشيخ الصدوق: ص276، ح8. فضائل الأشهر الثلاث: ص87ـ88، ح68. الجواهر السنية: ص55.

[420]الأنبياء: آية 103.

[421]الكافي: ج2، ص204ح1، عنه بحار الأنوار: ج7، ص198، ح72.

[422]بحار الأنوار: ج63، ص288، ح13. مستدرك وسائل الشيعة: ج16، ص355، ح2.

[423]الكافي: ج2، ص626، ح24. البرهان في تفسير القرآن: ج5، ص725، ح1.

[424]الكافي: ج3، ص126، ح5. تهذيب الأحكام: ج1، ص427، ح3.

[425] أمالي الشيخ الصدوق: ص260، ضمن ح1. البرهان في تفسير القرآن: ج1، ص384ـ385، ح1.

[426]تفسير الإمام العسكري×: ص637، ح370، عنه بحار الأنوار: ج8، ص16، ح111.

[427]أمالي الشيخ الصدوق: ص65ـ 66، ح7. فضائل الأشهر الثلاثة: ص18، ح3.

[428]كامل الزيارات: ص203ـ204، ح7، عنه بحار الأنوار: ج44، ص289، ح31.

[429]الخصال: ص58، ح79. عيون أخبار الرضا: ج1، ص187، ح1.

[430] الأعراف: آية8ـ9.

[431] المؤمنون: آية101ـ103.

[432] الأنبياء: آية47.

[433] مَن لا يحضره الفقيه: ج4، ص404، ح5874.

[434] المؤمنون: آية103.

[435] اُنظر: تفسير الأمثل: ج10، ص519.

[436] بحار الأنوار: ج7، ص244.

[437] اُنظر: تفسير الأمثل: ج4، ص577.

[438] القارعة: آية6ـ11.

[439] المناقب: ص66، ح37. واُنظر الحديث في مصادرنا التالية: أمالي الشيخ الطوسي: ص619، ح12. مناقب آل أبي طالب: ج3، ص3. الجواهر السنيّة: ص299. بحار الأنوار: ج39، ص257، وغيرها الكثير.

[440] الكافي: ج2، ص494، ح15.

[441] ثواب الأعمال: ص155.

[442] الكافي: ج2، ص103، ح4. واُنظر: أخلاق أهل البيت^: ص9.

[443] هداية الأُمّة إلى أحكام الأئمّة: ج5، ص170، ح1110.

[444] قرب الإسناد: ص46، ح149، عنه بحار الأنوار: ج68، ص385، ح26.

[445] القلم: آية4.

[446]الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: ج2، ص342.

[447]منازل الآخرة والمطالب الفاخرة: ص208، ولم أعثر على الرواية في غيره.

[448]الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: ج1، ص289.

[449]الكافي: ج4، ص57، ح3. مكارم الأخلاق: ص135، عنه بحار الأنوار: ج93، ص170، ح1.

[450]الكافي: ج4، ص57، ح1. مكارم الأخلاق: ص135.

[451] الدعوات (سلوة الحزين): ص90.

[452]الإرشاد: ج2، ص34، عنه بحار الأنوار: ج44، ص325.

[453]اُنظر: هامش الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص809.

[454] الكهف: آية65ـ 68.

[455] مستدرك نهج البلاغة: ص164.

[456] الكافي: ج1، ص 47، ح6.

[457] اُنظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير: ج2، ص11.

[458] الوافي: ج1، ص10.

[459] الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ص136.

[460] اُنظر: تفسير البحر المحيط: ج6، ص139.

[461] اُنظر: الميزان في تفسير القرآن: ج11، ص220.

[462] بصائر الدرجات: ص150، ح1.

[463] الكهف: آية68.

[464] منية المريد: ص235ـ237.

[465] بحار الأنوار: ج13، ص279.

[466] البيتان من قصيدة رائعة لشاعر أهل البيت^ السيد مهدي الأعرجي&، كما في رياض المدح والرثاء: ص756، مطلعها:

رحلوا وما رحلوا أُهيل ودادي                               

إلّا بحسن تصبّري وفؤادي

 

[467]الفاتحة: آية6ـ7.

[468] محمّد: آية24.

[469] النحل: آية43.

[470]لسان العرب: ج15، ص345.

[471] الصافات: آية23.

[472] المؤمنون: آية73.

[473] الأنعام: آية161.

[474] الحج: آية24.

[475] النساء: آية69.

[476] النساء: آية69.

[477]البيان في تفسير القرآن: ص97.

[478]تفسير الميزان: ج1، ص29.

[479] اُنظر: الأقوال في الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): ص149ـ150.

[480]اُنظر: تفسير سورة الفاتحة (السيد الحكيم): ص228.

[481]اُنظر: مقدمة في أُصول الدين: ص237.

[482]صحيح البخاري: ج1، ص37.

[483] الحشر: آية7.

[484]الكافي: ج1، ص458، ح2.

[485]اُنظر: شرح أُصول الكافي (المازندراني): ج7، ص213.

[486]المزار: ص179.

[487]الأنوار القدسية: ص37.

[488]الاختصاص: ص185.

[489]القصيدة الأزرية: ص143.

[490] الحديد: آية11.

[491] البقرة: آية245.

[492]نهج البلاغة: ج2، ص114.

[493]اُنظر: تفسير الأمثل: ج18، ص32.

[494]المجموع: ج13، ص162.

[495]ثواب الأعمال: ص138. أعلام الدين في صفات المؤمنين: ص390. بحار الأنوار: ج100، ص139، ح4، عن ثواب الأعمال.

[496]ثواب الأعمال: ص289.

[497]المصدر السابق: ص138.

[498]المصدر السابق، عنه بحار الأنوار: ج100، ص139، ح7.

[499]علل الشرائع: ج2، ص527، ح1، عنه بحار الأنوار: ج100، ص141، ح4.

[500]ميزان الحكمة: ج2، ص958، عن غرر الحكم: 1687، 7105.

[501]المصدر السابق.

[502]الخصال: ص44، ح39، عنه بحار الأنوار: ج100، ص141، ح2. مسند أحمد: ج3، ص38. السنن الكبرى (النسائي): ج4، ص453، ح7908.

[503]الكافي: ج5، ص93، ح2. مَن لا يحضـره الفقيه: ج3، ص182، ح3683. حلية الأبرار: ج1، ص383، ح21.

[504]أمالي الشيخ الطوسي: ص667، ح3.

[505]نهج البلاغة: ج4، ص34، رقم143. الخصال: ص630، حديث الأربعمائة. بحار الأنوار: ج10، ص99، والحديث مشهور.

[506]الكافي: ج5، ص93، ح3. تهذيب الأحكام: ج6، ص184، ح6.

[507]منهاج الصالحين: ج2، ص169، مسألة 788.

[508]المسائل المنتخبة: ص341.

[509] البقرة: آية282.

[510]قرب الإسناد: ص79، ح258، عنه بحار الأنوار: ج90، ص355، ح3.

[511]الكافي: ج5، ص298، ح3. عنه التفسير الصافي: ج1، ص307. وتفسير نور الثقلين: ج1، ص300، ح1197.

[512]آل عمران: آية57.

[513]مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: ج3، ص76.

[514]مَن لا يحضـره الفقيه: ج4، ص16. أمالي الشيخ الصدوق: ص517، عنه بحار الأنوار: ج100، ص146، ح3.

[515]الخصال: ص90، ح29.

[516]مَن لا يحضره الفقيه: ج4، ص380، ح5819.

[517] آل عمران: آية57.

[518] إبراهيم: آية22.

[519]الكافي: ج1، ص537، ح4.

[520]المصدر السابق: ص538، ح6.

[521]المصدر السابق: ح7.

[522]مناقب آل أبي طالب: ج3، ص397.

[523] اُنظر: الروضة البهيّة: ج2، ص134.

[524] اُنظر: منتهى الآمال: ج2، ص189.

[525] الكافي: ج1، ص472، ح1.

[526] الكافي: ج4، ص428، ح6.

[527] اُنظر: المعتبر: ج1، ص26.

[528] الصواعق المحرقة: ص201.

[529] اُنظر: فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): ص325.

[530] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص397.

[531] الإمام الصادق× لعبد الحليم الجندي: ص222.

[532] كامل الزيارات: ص213، ح1.

[533] اُنظر: عيون أخبار الرضا: ج1، ص102.

[534] مهج الدعوات: ص18.

[535] نوادر المعجزات: ص153ـ 154.

[536] مجمع مصائب أهل البيت^: ج4، ص218ـ219.

[537] آل عمران: آية188.

[538] اُنظر: تفسير الأمثل: ج3، ص43.

[539] صحيح البخاري: ج5، ص174.

[540] جامع السعادات: ج2، ص244، ولم أعثر عليه في غيره.

[541]اُنظر: المصدر السابق: ج2، ص244.

[542] عيون المواعظ والحكم: ص133.

[543] المصدر السابق: ص118.

[544] المصدر السابق: ص92.

[545] مسند أحمد: ج4، ص99.

[546] إحياء علوم الدين: ج9، ص81.

[547]المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج5، ص283.

[548] عيون المواعظ والحكم: ص369.

[549] المصدر السابق: ص158.

[550]الصمت وآداب اللسان: ص277، ح539.

[551] سنن أبي داود: ج2، ص437، ح4804.

[552] عون المعبود: ج13، ص110.

[553] صحيح البخاري: ج2، ص71.

[554] الكافي: ج1، ص50، ح14.

[555] عيون المواعظ والحكم: ص123.

[556] تحف العقول: ص304.

[557]كنز العمّال: ج3، ص579، ح7987.

[558] نهج البلاغة: ج4، ص22، ح100.

[559] نهج البلاغة: ج2، ص162ـ163، ضمن الخطبة 193 (خطبة المتّقين).

[560] عيون الحكم والمواعظ: ص489.

[561]موسوعة أحاديث أهل البيت^: ج10، ص186، ح17، عن غرر الحكم: ح8831.

[562] عيون الحكم والمواعظ: ص440.

[563] مكارم الأخلاق: ص454.

[564] نهج البلاغة: ج3، ص88، ضمن العهد رقم (53).

[565]تحف العقول عن آل الرسول’: ص284.

[566] بحار الأنوار: ج70، ص294، ح3.

[567] المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج3، ص262.

[568] عيون الحكم والمواعظ: ص467.

[569] المصدر السابق: ص118.

[570] العنكبوت: آية69.

[571] البقرة: آية282.

[572] الصحاح: ج2، ص460.

[573] تاج العروس: ج4، ص407.

[574] اُنظر: شرح أُصول الكافي: ج1، ص261.

[575] مفردات غريب القرآن: ص208.

[576] الكافي: ج5، ص12، ح3.

[577]شرح أُصول الكافي: ج1، ص262.

[578]نهج البلاغة: ص480، رقم73.

[579] اُنظر: تفسير البحر المحيط: ج4، ص297.

[580] اُنظر: تفسير الميزان: ج1، ص35.

[581] تفسير البحر المحيط: ج4، ص297.

[582] نهج البلاغة: ص544، رقم38.

[583] اُنظر: كتاب الأخلاق والآداب الإسلامية: ص14ـ 15.

[584] أمالي الشيخ الطوسي: ص518، ح42.

[585] أمالي الشيخ الصدوق: ص72ـ73، ضمن ح4.

[586] نهج البلاغة: ص402.

[587] نسبه ابن أبي الحديد ـ في شرح نهج البلاغة: ج18، ص48 ـ إلى طرفة، كما نسبه الشيخ الطوسي& ـ في تفسير التبيان: ج3، ص198 ـ لعدي بن زيد.

[588] العنكبوت: آية69.

[589] اُنظر: تفسير الميزان: ج12، ص243.

[590] محمد: آية17.

[591] اُنظر: تفسير الميزان: ج16، ص151.

[592] النساء: آية58.

[593]شرح أُصول الكافي (المازندراني): ج11، ص287.

[594] المنتخب من تفسير القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان: ج2، ص204.

[595]اُنظر: النور الساطع في الفقه النافع: ج1، ص454.

[596] المؤمنون: آية1و2و8.

[597] أمالي الشيخ الصدوق: ص379، ح6. عيون أخبار الرضا: ج2، ص56، ح179، عنهما بحار الأنوار: ج68، ص9، ح13.

[598]عيون الحكم والمواعظ: ص117.

[599]الكافي: ج2، ص104ح5. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: ص96، ح214. بحار الأنوار: ج68، ص5، ح5.

[600]الكافي: ج2، ص162، ح15، عنه بحار الأنوار: ج71، ص56، ح15.

[601]الكافي: ج5، ص133، ح3. بحار الأنوار: ج75، ص56، ح114.

[602]الكافي: ج5، ص133، ح5. عنه تفسير نور الثقلين: ج1، ص496، ح324.

[603]الهداية: ص50. دعائم الإسلام: ج2، ص485، ح1731. أمالي الشيخ الصدوق: ص318، ح4. الاختصاص: ص241، عنه بحار الأنوار: ج72، ص115، ح11.

[604]الكافي: ج2، ص104، ح1. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام): ج2، ص507. بحار الأنوار: ج11، ص67، ح21، عن الكافي.

[605]النوادر: ص91. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام): ج2، ص545. بحار الأنوار: ج69، ص198، ح26، عن النوادر. والحديث مستفيضٌ في كتب الجمهور. اُنظر مثلاً: مسند أحمد: ج3، ص135، ومواضع أُخرى منه. السنن الكبرى (البيهقي): ج4، ص97، وغيرها.

[606]أمالي الشيخ الصدوق: ص516. مَن لا يحضـره الفقيه: ج4، ص15. مكارم الأخلاق: ص430. بحار الأنوار: ج72، ص171.

[607]قرب الإسناد: ص315، ح1222، عنه بحار الأنوار: ج76، ص127، ح10.

[608]عيون الحكم والمواعظ: ص524. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول^: ص277. بحار الأنوار: ج75، ص11.

[609]قرب الإسناد: ص84، ح276. الكافي: ج5، ص298، ح1. تهذيب الأحكام: ج7، ص232، ح31. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام): ج1، ص310. بحار الأنوار: ج72، ص194، ح2، عن قرب الإسناد.

[610]عيون الحكم والمواعظ: ص49.

[611]روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن (فارسي): ج4، ص396، وفي كتب الجمهور مثل: مسند الشهاب: ج1، ص72. كنز العمّال: ج3، ص61، ح5499.

 

[612]شواهد المبلّغين: ص271.

[613]قرب الإسناد: ص116ـ117، ح408. عنه وسائل الشيعة: ج19، ص78، ح2. وبحار الأنوار: ج72، ص114، ح6.

[614]الكافي: ج5، ص138، ح6، عنه بحار الأنوار: ج47، ص385، ح108.

[615]الأحزاب: آية72.

[616]مناقب آل أبي طالب: ج1، ص389. عوالي اللئالي: ج1، ص324، ح62. حلية الأبرار: ج2، ص179، ح14. تفسير الآلوسي: ج22، ص97. إحياء علوم الدين: ج2، ص270.

[617]البرهان في تفسير القرآن: ج5، ص836.

[618] الكافي: ج1، ص413، ح2.

[619]المسائل العكبرية: ص91.

[620]شجرة طوبى: ج2، ص444.

[621]الأنوار القدسيّة: ص43.

[622]مستدرك وسائل الشيعة: ج3، ص287.

[623]اُنظر: الكنى والألقاب: ج1، ص223.

[624]اُنظر: مفردات غريب القرآن: ص129.

[625]اُنظر: تحف العقول: ص316. بحار الأنوار: ج75، ص229، ح9.

[626]ذكر عجزه ابنُ عبد البر في الاستذكار: ج8، ص287. وجامع بيان العلم وفضله: ج2، ص155.

[627]الكافي: ج2، ص111، ح1. مشكاة الأنوار: ص379. وسائل الشيعة: ج15، ص265، ح1. بحار الأنوار: ج68، ص403، ح12، عن الكافي.

[628]نهج البلاغة: ج4، ص47، ح207. خصائص الأئمة: ص115. عيون الحكم والمواعظ: ص162. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص53، ح31، وسائل الشيعة: ج15، ص268، ح14. بحار الأنوار: ص68، ص405.

[629] القلم: آية4.

[630] مَن لا يحضره الفقيه: ج3، ص166، ح3618.

[631]رسائل الشهيد الثاني (ط.ج): ج1، ص35.

[632] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص526، عنه بحار الأنوار: ج10، ص392، ح1.

[633]المصدر السابق: ص103، ح4، عنه بحار الأنوار: ج71، ص171، ح39.

[634]الكافي: ج2، ص100، ح4، عنه بحار الأنوار: ج68، ص375، ح4.

[635]بحار الأنوار: ج71، ص171.

[636]اُنظر: أخلاق أهل البيت^: ص11ـ12.

[637]سبل السلام: ج4، ص211. الخصال: ص78، ح126. عيون أخبار الرضا: ج1، ص41، ح107. بحار الأنوار: ج67، ص288، ح20، عن الخصال.

[638]المجموع: ج16، ص415. مغني المحتاج: ج3، ص260. إعانة الطالبين: ج3، ص429. تحف العقول: ص47. أمالي الشيخ الطوسي: ص140، ح40، عنه بحار الأنوار: ج68، 389، ح44.

[639]الكافي: ج2، ص99، ح2، عنه وسائل الشيعة: ج12، ص151، ح13، وبحار الأنوار: ج7، ص249، ح7، وج68، ص374، ح2.

[640]الكافي: ج2، ص100، ح7. الجواهر السنية: ص334. عنه وسائل الشيعة: ج12، ص149، ح6. وبحار الأنوار: ج14، ص464، ح35، وج68، ص375، ح7.

[641]الكافي: ج2، ص100، ح8. عنه وسائل الشيعة: ج12، ص149، ح5.

[642] القلم: آية4.

[643]أمالي الشيخ الصدوق: ص62، ح9. عيون أخبار الرضا: ج1، ص58، ح204. مَن لا يحضـره الفقيه: ج4، ص394، ح5839. روضة الواعظين: ص376. الاختصاص: ص225. مشكاة الأنوار: ص369. العهود المحمدية: ص465. الدرة الباهرة: ص2، ح2. أعلام الدين في صفات المؤمنين: ص294. بحار الأنوار: ج68، ص383، ح19، عن الأمالي.

[644]آل عمران: آية159.

[645]مناقب آل أبي طالب: ج3، ص529.

[646]الإرشاد: ج2، ص333، عنه بحار الأنوار: ج50، ص308، ح5.

[647]كامل الزيارات: ص252ـ253، ح1. تهذيب الأحكام: ج6، ص43، ح4.

[648]اُنظر: مقدمة كتاب زيارة الإمام الحسين× (بحث استدلالي في روايات الوجوب): ص9.

[649] اُنظر: كتاب زيارة الإمام الحسين× (بحث استدلالي في روايات الوجوب): ص15ـ 16.

[650] الكافي: ج4، ص581، ح5. كامل الزيارات: ص307ـ308، ح1.

[651]اُنظر: كتاب زيارة الإمام الحسين× (بحث استدلالي في روايات الوجوب): ص18.

[652] أمالي الشيخ الطوسي: ص328، ح103.

[653] من المحاضرة رقم 43 من سنة 1425هـ في 22 ذي الحجة الحرام، من محاضرات المرحوم السيد محمد رضا الشيرازي&، بعنوان: (عطاء عاشوراء).

[654] اُنظر: كتاب زيارة الإمام الحسين× (بحث استدلالي في روايات الوجوب): ص18ـ22.

[655] من قصيدةٍ رائعة للسيد صالح بن السيد مهدي بحر العلوم. مَن لا يحضـره الخطيب: ج1، ص224.

[656] التاريخ الكبير: ج3، ص346.

[657] اُنظر: الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر: ص14ـ 15.

[658] اُنظر: سنن الترمذي: ج3، ص343، (باب44، باب ما جاء في المهدي)، ح2333، عن أبي سعيد الخدري، قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) فقال: «إنّ في أُمّتي المهدى يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً ـ زيد الشاك ـ قال: قلنا: وما ذاك. قال: سنين، قال: فيجئ إليه الرجل، فيقول يا مهدي أعطني أعطني، قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله»، هذا حديث حسن.

[659] اُنظر: سنن ابن ماجة: ج2، ص136، ح4083، عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، قال: «يكون في أُمّتي المهدى، إن قصـر، فسبع وإلّا فتسع، فتنعم فيه أُمّتي نعمة لم ينعموا مثلها قط. تؤتى أُكُلها، ولا تدخر منهم شيئاً، والمال يومئذٍ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني. فيقول: خذ».

[660] اُنظر: سنن أبي داود: ج2، ص310، ح4284، بسنده إلى سعيد بن المسيب، عن أُمّ سلمة، قالت: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة».

[661] اُنظر: الصواعق المحرقة: ص164.

[662] اُنظر: كنز العمّال: ج14، ص591، ح39675.

[663] اُنظر: عقد الدرر في أخبار المنتظر: ص33، وجاء فيه ـ بعد أن نقل الحديث ـ: «أخرجه الإمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي في البعث والنشور».

[664] القصص: آية5.

[665] الغيبة (الطوسي): ص184، ح143.

[666] الأنبياء: آية105.

[667] تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ج1، ص332.

[668] النمل: آية62.

[669] تفسير العيّاشي: ج2، ص57.

[670] كمال الدين وتمام النعمة: ص221، ح2.

[671] الكافي: ج1، ص337، ح5.

[672] الكافي: ج2، ص19، ح5.

[673] المعجم الكبير: ج5، ص194. الكافي: ج1، ص209، ح5.

[674] الكافي: ج1، ص377، ح3. واُنظر: هذا المضمون في المصادر التالية: مسند أحمد: ج4، ص96. مجمع الزوائد: ج5، ص218. المعجم الكبير: ج19، ص388. مسند الشاميين: ج2، ص437، ح1654.

[675] اُنظر: شرح أُصول الكافي (المازندراني): ج5، ص146.

[676] اُنظر: المصدر السابق: ج6، ص355.

[677] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج4، ص27.

[678] ديوان سيد رضا الهندي: ص45.