العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
الآثار التربوية للزيارة

الآثار التربوية للزيارة

ميثم محتاجي ـ مرتضى انفرادي -مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدّسة/مشهد ـ إيران/ترجمة: م. م. حسن جميل الربيعي -باحث وأكاديمي/النجف الأشرف ـ العراق

خلاصة المقال

تمهيد[1]

إنّ معرفة المعصوم× هي أحد الأركان المهمّة في الزيارة، والزيارة التي تكون مؤثّرة في حياة الإنسان الدنيوية والأُخروية هي تلك الزيارة المفعمة بالمعرفة والعشق، وقد وعد الإمام الصادق× شيعته قائلاً: «... مَن زاره إليها عارفاً بحقّه أخذته بيدي يوم القيامة، وأدخلته الجنّة وإن كان من أهل الكبائر»[2]. أي لا بدّ من المعرفة الحقّة للمزور؛ لأجل قبول الزيارة والإفادة من ثوابها.

إنّ الزائر يرى المزور حاضراً وشاهداً على أعماله، فالزائر ـ طبقاً لعلمه ومعرفته ـ
يسعى لجعل سيرة المزور منهجاً لحياته. وفيما يلي بعض السلوكيّات التي يتعلّمها الزائرون العارفون من الأئمّة المعصومين^:

التنزّه عن الغرور والأنانية مقابل أوامر الله تعالى.

التفاني والإيثار.

التواضع.

التحرّر الروحي والفرار من التعلّق بالدنيا والنزعة المادّية.

الشوق إلى العبادة الخالصة.

السعي للحصول على الرزق الحلال.

الصدق في القول والعمل.

السخاء ومساعدة المحتاجين.

التوكّل على الله تعالى والأمل في رحمته الواسعة.

التقوى والورع.

تنظيم الأُمور.

العزم على أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

طهارة القول، والحياء في الأُمور كلّها.

الصبر على المصاعب.

الصلاة في أوّل وقتها.

احترام حقّ الناس وبيت المال.

مراعاة العدل في الحياة.

الحفاظ على نظافة الجسم والروح، والاهتمام بحفظ السلامة.

أداء الخُمس والزكاة.

حبّ أهل بيت النبي‘ والأولياء.

وسنقوم فيما يأتي بدراسة الآثار التربوية للزيارة، وتشمل: الزيارة والوقاية من الانحرافات، أثر الدين في البعد النفسي للإنسان، والزيارة والصحّة النفسية.

 [أوّلاً:] الزيارة والوقاية من الانحرافات

للمجتمع وأفراده دورٌ متبادلٌ في إيجاد الانحرافات، فالمجتمع الفاسد يُساهم في تنشئة المجرمين، والأفراد المنحرفون يساهمون بدورهم في وقوع الجرائم.

إنّ المشكلة الكبرى التي تواجهها البشرية اليوم هي التحدّيات النفسية والتربوية التي يوجدونها بأنفسهم؛ فالاضطراب، والكآبة، والعدوانية، والغضب، وعدم السيطرة على العواطف، والاضطرابات النفسية التي هي من هذا القبيل، هي نتيجة النظم المضطربة وغير المتناسقة في النفس الإنسانية، والأشخاص الذين يُبتلون بمثل هذه التحدّيات والاضطرابات هم سبب تفشّي الجريمة والانحراف.

إنّ دراسات علم النفس تظهر أنّ الدين والتعليمات الدينية قد تمكّنا من إيفاء دور تربوي مؤثّر في خلاص الإنسان من المشاكل النفسية، والزيارة من بين تلك التعليمات الدينية التي تمنح الإنسان فرصة للمناجاة والعودة إلى الله تعالى بالتوبة والعبادة، ولها دور مؤثّر في بناء الشخصية، ومكانة خاصّة فيما يرتبط بتقوية الإرادة والاعتماد على النفس، واستعادة القدرة على مواجهة المشاكل، والخلاص من الطاقات السلبية الناتجة عن الوساوس والإحباطات.

إنّ مسجد النبي الأعظم‘ ومراقد أئمّة أهل البيت^ ـ فضلاً عن كونها محالاً لعبادة الله تعالى ـ هي من جملة المراكز الدينية ذات الطابع الثقافي والاجتماعي الذي يساعد على تربية الفرد الصالح؛ والنتيجة أنّ كلّ فرد من أفراد المجتمع عندما يتمتّع بالسلامة من الناحية النفسية والتربوية، فإنّه لا يتّجه أبداً نحو الانحرافات، وبذلك يكون المجتمع بمأمن من آفة الأضرار السلوكية.

الانحرافات السلوكية والتربوية وكيفية ظهورها

لكلّ مجتمع مجموعة من القوانين والأعراف والأُصول، والأفراد الذين يعيشون في ظلّ ذلك المجتمع ملزمون برعاية تلك القوانين، والتمسّك بأُصول مجتمعاتهم؛ وذلك بغية استتباب النظام والأمن والرفاه الاجتماعي، وكذلك الذين يدخلون ذلك المجتمع بصفتهم أجانب، فإنّهم ملزمون باحترام القوانين السائدة في ذلك المجتمع، ومراعاة تلك الأعراف في سلوكهم كما يراعيها أفراد ذلك المجتمع.

وبعبارة أُخرى: إنّ الأعراف تمثّل أساليب سلوكية معيّنة متداولة في المجتمع، وعلى كلّ فرد أن يلتزم بها، ومن جهة أُخرى يتوقّع ذلك الفرد من الآخرين أن يلتزموا بها كذلك. وانطلاقاً من قيام تلك الأعراف على القيم التي يؤمن بها المجتمع؛ فإنّ الزيارة يمكنها أن تحتلّ مكانة خاصّة في هذا الموضوع.

ومن زاوية أُخرى؛ فإنّ الانحرافات والأضرار الاجتماعية تُطلق على مجموعة من السلوكيّات والتصرّفات الفردية أو الاجتماعية التي تتجاوز إطار القوانين الرسمية والعرفية للمجتمع، والتي يستتبع ارتكابها عقوبة قانونية أو إعراضاً واستنكاراً من قبل المجتمع.

إنّ ثقافة أفراد المجتمع يمكن أن تكون هي الأساس للتقاليد التي تستتبع مخالفتها ردود أفعال ومواجهة اجتماعية، ويتمّ تلقّيها من وجهة نظر الرأي العامّ بصفتها نوعاً من الانحراف والشذوذ.

يُدوَّن القانون في مجتمعات المسلمين طبقاً للتعليمات الإسلامية، وبناءً على ذلك فإنّ الالتزام بالشرع الإسلامي، وحفظ شؤونه، ورعاية أُصوله، والابتعاد عن السلوكيّات المحرّمة أو غير اللائقة، هو السبب في إيجاد مجتمع مسلم سليم، وأيّ تجاوز لحدود القانون والثقافة العامّة سوف يتّصف بعنوان (الانحراف).

وإذا ما قُدّر للسلوكيّات الفوضوية أن تنشب في جسد المجتمع، فإنّها ستزلزل بناءه، وستوقع أفراده ـ بصفتهم الأجزاء المكوّنة للمجتمع ـ في الحيرة والاضطراب، وستُعرِّض هذه أمن المجتمع للخطر، وأخيراً ستؤدّي إلى التباطؤ في دوران عجلة التطوّر والرقي، أو توقفها عن العمل كلّياً.

إنّ التأثير السلبي للانحرافات ـ التي هي عبارة عن مجموعة من السلوكيّات السيّئة والخطوات الفردية أو الاجتماعية الزائغة ـ يطال كلّ فرد من أفراد المجتمع، ويؤدّي إلى إيجاد خلل على المستوى النفسي والسلوكي. ومن جملة الآفات الاجتماعية على سبيل المثال: الإدمان على المخدّرات، تعاطي المشروبات الكحولية، السرقة، الاستجداء، النصب والاحتيال، الطلاق والاختلافات الأُسرية، القتل والانتحار، الابتزاز، العلاقات غير المشروعة، التدخّل بلا إذن في خصوصيّات الأفراد، الخيانة في الأمانة. كما يمكن عدّ الطمع، وطول الأمل، والسعي وراء الملذّات، والعبثية في الحياة، والكذب، وإلصاق التهم بالآخرين، والاغتياب، والنفاق، والحسد، وسوء النية، والحقد، وسائر الأمراض النفسية الفردية، أرضيّة خصبة لنمو السلوكيّات والآفات الاجتماعية.

وبصورة كلّية؛ يمكننا أن نشير إلى الموارد الآتية بصفتها من العوامل المهمّة في إيجاد الآفات والأضرار:

عدم التزام الأفراد والأُسر بالأُصول والمعايير الدينية.

التفكّك والانحلال في العلاقات الأُسرية.

البطالة، والأعمال الوضيعة كالاحتيال وغيره، والفقر، ومشاكل المعيشة.

الروابط غير الشرعية، وصداقة السوء.

الفقر الثقافي.

وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي الممنوعة.

غياب الرقابة الصحيحة على تطبيق القانون.

تُعدّ الانحرافات النفسية ـ طبقاً لما يراه كثير من علماء النفس ـ منشأً للكثير من المشاكل التي تعانيها البشرية في العصر الراهن، وما زال الإنسان يعيش بين قضبانها، محاولاً ـ في حالة من الاضطراب ـ التخلّص منها، وتحطيم جدران السجن الذي بناه بيديه، والتحرّر من تلك الشرنقة التي نسجها حول نفسه؛ فإنّ السبب لكثير من الأمراض الروحية والجسمية، والجرائم، والمشاكل الأُسرية ـ بل الأكثر من ذلك، كالحروب وإراقة الدماء، سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي أو الدولي ـ
هو ابتعاد الناس عن الطمأنينة والسكينة، وهجوم الاضطرابات النفسية على ذهن الإنسان.

«وربّما يمكن القول: إنّ أهمّ مشكلة يعانيها الإنسان ـ خصوصاً في العصر الراهن ـ
هي الاضطراب والكآبة. وبعبارة أكثر شمولاً: فقدان الهدوء النفسي والاطمئنان القلبي، حتّى إنّ بعض المفكّرين سمّى العصر الحالي بـ(عصر الاضطراب)، فالسكينة الروحية هي ضالّة الإنسان، وهو يسعى بكلّ كيانه للحصول عليه»
[3].

في هذا المجال هناك دوافع خارجية تقود الإنسان إلى طرق نفسية مسدودة، ومن جملة الدوافع التي يمكن أن نشير إلىها النزعة المادّية والصناعية، ومن العجيب أنّ الإنسان اليوم يسير في طريق معكوس، فبدلاً من أن تكون الصناعة في خدمته، أصبح هو أسيراً للصناعة، ولم تكن نتيجة هذا الوضع المقلوب سوى فقدان اللطافة الروحية والمشاعر الإنسانية.

«مع تحوّل المجتمعات إلى الصناعة وزيادة الأسباب المثيرة للقلق، نشهد ارتفاعاً متزايداً في السلوكيّات المنحرفة، ومن جملتها العدوانية، والعدوانية هي أحد العوامل التي تترك أثراً مدمّراً في العلاقات الاجتماعية»[4].

لقد فقد الإنسان بسبب الأمراض الروحية اعتماده على نفسه، فلم يعدّ يملك الإرادة أو ثبات الشخصية، وقد تدنّى لديه مستوى التسامح، حتّى نجم عن ذلك ردود فعل سلبية، وأحياناً خطيرة عليه وعلى المجتمع.

الشعور بالوحدة[5] هو الآخر من جملة التحدّيات والاضطرابات النفسية التي يُبتلى بها الناس. لقد خصّصت التعليمات الإسلامية قسماً معيّناً من أوقات الليل والنهار للعمل، إلّا أنّ الجهد المفرط الناشئ عن ارتفاع مستوى التوقّعات لدى الإنسان قد أدّى به إلى الغفلة عن أبسط حاجاته الروحية، وفي مثل هذه الظروف تنحسر المودّة والحبّ من حياة الإنسان، وتظهر في كيانه آثار الفراغ العاطفي التي تقوده إلى الإحساس بالوحدة.

«إنّ هذا الشعور يؤدّي إلى إحساس الفرد بالعجز والعبثية وعدم الكفاءة، وألّا يُعير حياته أيّ قيمة أو أهمّية، والشعور بالوحدة كما أنّ له آثاراً نفسية له كذلك آثار جسمية يمكنها أن تعرِّض حياة الفرد للخطر... عند الشعور الشديد بالوحدة ينتاب الإنسان إحساس بتهديد مؤلم ومبهم ومخيف، يزلزل كيانه، ويجعله أکثر عرضة للإصابة بالضرر»[6]. وفي مثل هذه الظروف يُقبل أكثر الأفراد على السلوكيّات التي تؤدّي إلى الإدمان أو الجريمة أو الاغتراب عن الواقع وغيرها.

لقد قام علماء النفس، ومعلّمو الأخلاق (الآباء والأُمّهات، وعلماء الدين، والمتعلّمون...) بتجريب طرق كثيرة للتخلّص من المعضلات النفسية، إضافة إلى إجراء دراسات مختبرية وميدانية كثيرة تمّ التركيز فيها على هذا الموضوع، وعلى الرغم من أنّهم قد تمكّنوا من تسكين الألم بوصف بعض الأساليب، فإنّهم لم يوفّقوا إلى استئصال جذور المشكلة.

للأسف «إنّ أكثر الأدوية مبيعاً في العالم اليوم هي أدوية الأعصاب، والأمراض النفسية، وضغط الدم، وأمراض القلب والأوردة، وقرحة المعدة؛ ثمّ إنّ أكثر أسباب الموت شيوعاً هي أمراض القلب والسرطان. وعند البحث لمعرفة سبب جميع هذه الأمراض المذكورة يتّصف الضغط النفسي بالدور الأبرز تأثيراً فيها، وعلى حدّ قول بعض العلماء: فإنّ جميع الأمراض التي يُصاب بها الإنسان ترتبط من جهات بالضغوطات النفسية، ولا يقتصر تأثير هذه الأمراض على الأمراض النفسية والجسدية، بل يشمل جميع الأمراض الجسمية كالسرطان والسل»[7].

«قد توصّلت الدراسات الطبّية في السنوات الأخيرة إلى نتيجة مفادها: أنّ الوضع النفسي للمريض هو العامل الأكثر أهمّية في الأمراض والاضطرابات النفسية المصاحبة للأعراض الجسدية»[8].

«إنّ الأسباب المؤدّية إلى الانحراف وسلوك الطرق الملتوية في المجتمعات المختلفة ليست على نسق واحد، فالمناطق تتفاوت فيما بينها من حيث نوع الجريمة وشدّتها وضعفها وعددها وأسبابها، ومثل هذا التفاوت يمكن أن نلحظه في المدن والقرى، بل في مناطق المدينة الواحدة وأحيائها، ففي كلّ مجتمع وبيئة هناك سلسلة من العوامل التي تتحكّم في حسن سلوك الفرد أو سوء سلوكه، كالعوامل الجغرافية والإقليمية، والحالة الاجتماعية، والوضع الاقتصادي، ومكانة الأُسرة الاجتماعية، والمستوى التربوي، والحالة الوظيفية، ونمط التفكير الخاصّ»[9].

لكلّ من المجتمع والأفراد دور في ظهور الانحرافات التربوية والاجتماعية؛ فإنّ المجتمع غير السليم يستطيع أن يغيّر سلوك أفراده في الحياة، والأفراد المنحرفون أيضاً لهم تأثير في تحوّل المجتمع؛ فـ«الأشخاص الذين يعانون الأمراض والاختلالات النفسية لا يبالون بالقيم والأعراف والتقاليد الاجتماعية، وقلّما يلتزمون بها، ومثل هؤلاء الأشخاص تكون أفعالهم وتصرّفاتهم مصدراً لزعزعة النظام الاجتماعي، وربّما تنتهي إلى الإخلال به، بل التشكيك في احترام القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية عند المجتمع أو بين الأفراد، وقد توصّل الالتزام بها إلى أدنى المستويات»[10].

تُصاب بعض المجتمعات بالفقر والبطالة ومشاكل أُخرى مشابهة؛ جرّاء بعض التحدّيات، كـ(الحروب، والحصار الاقتصادي...)، وينتج عن ذلك تهيّؤ الأرضية المناسبة لظهور بعض الانحرافات، كالسرقة والقتل والإدمان والعنف. وللخروج من هذه المشكلة والوقاية من هذه الآفات يمكن الإشارة إلى الارتقاء بالمستوى الثقافي لأفراد المجتمع في إطار التعليمات الأخلاقية، إضافة إلى حسن الإدارة والتخطيط المناسب من قبل النظام الحاكم.

«يظهر الكثير من دراسات علم النفس الاجتماعي والفلسفي أنّ الحياة القائمة على أُسس الأحكام الأخلاقية وبالعكس، لها تأثير مباشر في الحدّ من الآفات الاجتماعية أو زيادتها، فلو أنّ المواطنين ـ على سبيل المثال ـ يتعاملون في حياتهم بالصدق والعدالة والإحسان والتواضع والمزيد من الشفقة؛ فإنّ لهذا النمط من الحياة الأخلاقية تأثيراً في الحدّ من الآفات الاجتماعية في البلد»[11].

 وإذا تصفّحنا ملفات القتل والضرب والشتم ندرك أنّ الاختلالات النفسية التي يعانيها الأفراد، التي تشمل كلّاً من الانفعالات الآنية، وفقدان القدرة على الاحتمال، والعدوانية، وعدم التحكّم في التصرّفات السلوكية عند تعرّض الفرد للضغوط النفسية، تمثّل أبرز العوامل في إيجاد هذه الجرائم الاجتماعية. كما أنّ الإدمان ينشأ غالباً عن فقدان الثقة بالنفس، وعدم التحلّي بالإرادة اللازمة. أمّا السرقة والاغتصاب فهما كذلك يكشفان عن فقدان القدرة على الصبر والاحتمال في مقابل الجوع، أو الحاجة الجنسية، أو عدم توفّر السكن، أو غير ذلك.

وفي هذا المجال لا يسعنا أن نغضّ النظر بسهولة عن دور الأُسرة؛ فالأُسرة السليمة هي التي توفّر الأرضية اللازمة لنمو الشخص السليم. وممّا يؤسف له أنّ ما يشيع اليوم في المجتمع ـ على شكل أحد الأمراض الوبائية ـ هو الخلافات الأُسرية، ويقف الطلاق القانوني في مستوياتها الحادّة، بل الأخطر من ذلك أحياناً، هو الطلاق العاطفي.

وممّا يعدّ كعامل مهمّ ومؤثِّر في بروز هذه المشكلة مسألة ضبط النفس بين الرجل والمرأة، وقلّة الصبر والاحتمال إزاء المشاكل الاقتصادية والمعيشية والثقافية و... وارتفاع مستوى التوقّعات، والاستبداد في إدارة الأُسرة، وحرمان أفراد الأُسرة من ممارسة حرّياتهم المنطقية التي يحتاجون إليها، وفقدان الثقة المتبادلة.

وقد تبلور في أذهان الباحثين ـ بناءً على ما تقدّم ذكره ـ السؤال الآتي: هل بإمكان الزيارة، وحضور الفرد في المساجد، ومناجاة الله تعالى، أن تنقذ الإنسان من التحدّيات النفسية التي يواجهها؟ سنقوم ابتداءً ـ توصّلاً إلى هذا الغرض ـ بتقييم دور الدين في هذا المجال.

 ثانياً: أثر الدين في البعد النفسي للإنسان

أهمّ مشكلة يعانيها الإنسان في الحياة هي فقدان الهدف، أو اختيار بعض الأهداف الدنيوية التي لا تحظى بأيّ قيمة، أو غفلته عن هدفه الأساسي. والهدف الأساسي للإنسان ـ بحسب الواقع ـ هو ذات الهدف الذي خُلق الإنسان من أجله، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[12].

إنّ الإيمان هو نتيجة العبودية لله تعالى، وقلب الإنسان المؤمن ـ الذي يعرف الهدف الأساسي في حياته ـ يأنس بوليّه وسيّده، وهو ربّه الرحيم، وبذلك يوصد الأبواب أمام أيّ نوع من أنواع الانحرافات، فلا تجد طريقاً إلى نفسه، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ)[13].

وهذه السكينة التي يهبها الله تعالى للشخص المؤمن هي التي تحفظ قلبه من شرّ الوساوس الشيطانية، ولا شكّ أنّ الأمن من السيّئات يمنح روح الإنسان الهدوء والطمأنينة، ويقيه من الإصابة بالقلق والاضطراب، وفي مقابل ذلك يقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[14].

 و«من الواضح أنّه ليس المقصود من صعوبة الحياة هو الفقر المادّي، وضيق ذات اليد؛ فلربّما يكون أمثال هؤلاء الأفراد من ذوي الثراء الفاحش، إلّا أنّهم ـ على الرغم من جميع الإمكانات المادّية المتوفّرة لديهم ـ لا ينعمون براحة البال، والهدوء النفسي، فهم دائماً عرضة للقلق والاضطراب، فالمقصود إذاً من المعيشة الضنكى هو الاضطراب الدائم، والحرمان من اطمئنان القلب في الحياة، والدليل على ذلك واضح جدّاً»[15].

يقول العلّامة الطباطبائي: «وذلك أنّ مَن نسي ربّه وانقطع عن ذكره لم يبقَ له إلّا أن يتعلّق بالدنيا، ويجعلها مطلوبه الوحيد الذي يسعى له، ويهتمّ بإصلاح معيشته، والتوسّع فيها، والتمتّع منها، والمعيشة التي أُوتيها لا تسعه، سواء كانت قليلة أو كثيرة؛ لأنّه كلّما حصل منها واقتناها لم يُرضِ نفسه بها، وانتزعت إلى تحصيل ما هو أزيد وأوسع، من غير أن يقف منها على حدّ، فهو دائماً في ضيق صدر وحنق ممّا وجد، متعلّق القلب بما وراءه، مع ما يهجم عليه من الهمّ والغمّ والحزن والقلق والاضطراب والخوف، بنزول النوازل، وعروض العوارض، من موت، ومرض، وعاهة، وحسد حاسد، وكيد كائد، وخيبة سعي، وفراق حبيب.

ولو أنّه عرف مقام ربّه ذاكراً غير ناسٍ، أيقن أنّ له حياةً عند ربّه لا يخالطها موتٌ، وملكاً لا يعتريه زوال، وعزّةً لا يشوبها ذلّة، وفرحاً وسروراً ورفعة وكرامة لا تقدّر بقدر، ولا تنتهي إلى أمد، وأنّ الدنيا دار مجاز، وما حياتها في الآخرة إلّا متاع، فلو عرف ذلك قنعت نفسه بما قدّر له من الدنيا، ووسعه ما أُوتيه من المعيشة، من غير ضيق وضنك»[16].

«الإيمان عنصرٌ مهمّ يحتلّ أعلى نقطة من شخصية الإنسان، ويمثّل بصفته توجّهاً فطرياً في الحياة ـ بشكل عامّ ـ عنصراً دخيلاً في تحليل عوامل الشخصية. وبعبارة أوضح: بالإيمان بالله تعالى وعالم الغيب تتغيّر الأبعاد المعرفية والعاطفية والأخلاقية والاجتماعية للإنسان، فلا تنحصر بشكل عامّ في إطار الحسابات الكمّية والمادّية والبراغماتية والنفعية والدنيوية، ويبرز هذا التوجّه والاتّجاه الکلّي في أُسلوب الحياة والصفات الجانبية، بل في السلوك العادي، متمثّلاً في الأفكار والأحاسيس والتصرّفات الشخصية»[17]. وعليه؛ فإنّ الإيمان بالله تعالى والاستجابة لدعوته يؤدّيان إلى الرشد والتكامل.

وقد نبّه علماء النفس من أمثال (راش، وجيمز، ويونك، وفرام) على أهمّية التصرّفات والاعتقادات الدينية، وأشاروا إلى دور الدين في الصحّة النفسية والجسدية، وبحسب رؤيتهم فإنّ «إحدى الخصائص الأساسية للفرد السالم والطبيعي هي الهدوء النفسي، والإحساس بالرضا في الحياة، فدراسة أحوال الفرد المؤمن ومعنويّاته تكشف عن راحة باله، ونقائه الداخلي، علماً بأنّ باطن الإنسان المؤمن يشع بأنوار الحقيقة، وهو حافل باللذات المعنوية»[18].

إنّ الإنسان المؤمن يرى أنّ كلّ ما يصيبه لا يخرج عن إطار مشيئة الله تعالى، ولديه القناعة بأنّ المناجاة والدعاء تكسبه من القدرة ما يهوّن عليه احتمال الحوادث، فالارتباط بالله تعالى يغيّر نظرة الإنسان إلى الدنيا.

«فعندما يحافظ الإنسان على علاقته بالقدرة المهيمنة على كلّ شيء، يسعى أن يسلّم تسليماً محضاً لكلّ ما يحدث، وأن يستقبل ذلك برحابة صدر، فالدنيا لا تتغيّر، والذي يتغيّر هو أُسلوب تعاملنا، كما تتغيّر نظرتنا إلى الشخص الذي نحبّه؛ نظراً إلى الفترة التي لم تكن تربطنا به علاقة مودّة، وهكذا يزول عنّا الخوف والأنانية عندما نحافظ على رابطة المودّة بالإله الذي خلق الدنيا والعالم، ويحلّ مكانهما إحساس عجيب بالسكينة والنقاء الداخلي، فلا تنقضي لحظة حتّى تنعم الروح بشعور يمنحها القوّة، ويفعمها بالسعادة والنشاط، فيبدو لنا وكأنّ جميع الأبواب مفتوحة أمام وجوهنا، وجميع الطرق معبّدة تحت أقدامنا»[19].

تمثّل البرامج الدينية بالنسبة إلى الإنسان تجارب قيّمة، فالتجربة التي تتّسم بالطابع الديني تنشأ من إحساس الإنسان، وتوجد في داخله نوعاً من الإثارة الإيجابية، أمّا المشاركة في المراسم والآداب المذهبية، وأداء المناسك الخاصّة، فإنّها تقي الإنسان من الإصابة بالكثير من الأمراض النفسية، كالعدوانية، والغضب الانفعالي، إضافة إلى ما توفّره من راحة الضمير.

إنّ سلوكيات مثل التوكّل والأمل والصبر والمحبّة هي مستمدّة من نفس الإنسان، ومثل ذلك الحسد، والنفاق، والحقد، وفقدان الثقة، وسوء النية، وغيرها؛ وعليه فلا شكّ أنّ القسم الأوّل من هذه السلوكيّات يوجد السلام الداخلي، والقسم الثاني يوجد الاضطراب النفسي، علماً بأنّ جميع الأديان السماوية تدعو الإنسان إلى التوكّل على الله، والوثوق به تعالى، وإيكال الأُمور إليه، والمودّة والمحبّة، والأخلاق الحسنة، ونظير ذلك من الأخلاق التي تنشأ من نفس الإنسان، ولنلتفت إلى هذه الآية: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[20].

إنّ الظلمة تستتبع دائماً الشعور بالوحشة والضغوط النفسية بالنسبة إلى الإنسان، سواء كانت طبيعية، أم ناشئة عن الذنب والخطأ في رؤية الإنسان الكونية، وطبقاً لهذه الآية فإنّ الله تعالى هو الذي يتولّى شؤون المؤمن؛ ونتيجة ذلك أنّه سيكون بمأمن من القلق والاضطراب والضغوط النفسية التي تبرز في نفسه بإرادته أو دون إرادته.

 وفي مقابل ذلك؛ فإنّ الشخص الكافر الذي لا يعتقد بوجود الله سيحجب أنوار ضميره بالسواد والظلمة، وسيمتلئ قلبه بالمشاعر السلبية، كالحسد والحقد ونظيرهما، وقد أثبتت التجربة أنّ جميع هذه النوايا السيّئة تؤدّي إلى الاضطراب في نفس الإنسان، بل إنّ الأمراض الجسدية ـ كما ذكرنا سابقاً ـ تعود جذورها إلى مشاكل واضطرابات نفسية، يقول الله تعالى في آية أُخرى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[21].

إنّ مخاوف الإنسان ربّما تكون ناتجة عن ضياعه، بمعنى أنّ الإنسان قد يُصاب بالحيرة في مسيرة حياته، ومن الواضح أنّ الشخص الذي يضع خطاه في طريق معبّد يسير وهو ناعم البال، ثمّ يواصل مسيره بكلّ هدوء؛ فالتوجّه الديني ـ طبقاً لهذه الآيات ونماذج كثيرة أُخرى من الآيات القرآنية ـ يمثّل الأُسلوب المناسب للتحكّم بالعقل والنفس لدى الإنسان، والمانع الذي يقف دون ظهور المشاكل والتحدّيات.

 «لا يسعنا أن ننكر أنّ الدين هو من أقدم الظواهر الروحية للإنسان وأعمّها، ومن الواضح ـ بناء على ذلك ـ أنّ كلّ عالم من علماء النفس يُعنى ببناء الشخصية الإنسانية لا يمكنه ـ على الأقلّ ـ أن يغضّ الطرف عن الحقيقة التالية: وهي أنّ الدين لا يمثّل مجرّد ظاهرة اجتماعية تاريخية، بل هو بالنسبة إلى الكثير من الأفراد يمثّل مسألة شخصية تحظى بالأهمّية»[22].

ومع الالتفات إلى نعمة العقل التي أودعها الإله الحكيم في وجود الإنسان؛ «فإنّ الأفراد يبحثون عن الحقيقة في المسائل الأساسية من حياتهم، فهم يفتّشون عن طريق يربط حياتهم بالبعد المعنوي؛ فإنّ مثل هذه الرابطة تمكّنهم من الارتباط بالله تعالى في جميع مجالات حياتهم»[23].

يواجه الإنسان تحدّيات مختلفة، من جملتها: «الكآبة، الجريمة، الاضطراب، الفوضى، الحيرة، القلق، أزمة الهوية، العزلة والانزواء عن المجتمع. وجميع هذه الأُمور ـ ومثلها أُخرى ذات تبعات سيّئة ـ تضع الإنسان أمام قرار جادّ يشدّه إلى الدين والمعنوية، ومن هنا يبدو أنّ إنسان اليوم يجد في الدين والالتزام الديني من الآثار ما يمكّنه من تحقيق رغباته المكبوتة وأمانيه الضائعة»[24].

والنتيجة: «إنّ ثمرة الإيمان بالله والاستجابة لدعوته ـ كما هو ملحوظ ـ هي الرشد والتكامل، والهدف من دعوة الأنبياء وقبولها من قبل الناس هو الوصول إلى الكمال الروحي. وفي الواقع عندما تتلخّص الرؤية الكونية وفلسفة الحياة ـ من وجهة نظر الإسلام ـ في الحركة التكاملية؛ فإنّ الإنسان الذي يسير في هذا الاتّجاه سيتمتّع بالمعايير المثالية للسلامة الفكرية، ولو ابتعد عن هذا الاتّجاه فسيبتعد بنفس هذا المقدار عن معايير الصحّة النفسية»[25].

ثالثاً: الزيارة والصحّة النفسية

تمثّل المناسك الدينية ـ ومن جملتها الزيارة ـ عاملاً للحدّ من السلوكيّات النفسية غير الطبيعية، فهي تمنح الإنسان الأمل، وتهيّئ الأرضية لتحكّم الفرد بمصيره، وتضاعف من ثقته بنفسه، وهي كذلك توجّه تركيز الإنسان كلّه إلى الله تعالى، بصفته القدرة الأكثر هيمنة ورحمة. وفي مقابل ذلك؛ فإنّ الأفراد الأقلّ مشاركة في مثل هذه المراسم هم أكثر عرضة للخوف، وضعف الثقة بالنفس، والاضطراب العاطفي.

ولا يخلو التركيز على السطور الآتية من فائدة في فهم الموضوع بشكل أفضل: «إنّ الضمير نصف المستيقظ يمثّل واسطة بيننا وبين عالم الأُلوهية، هذه هي الحقيقة الراجحة التي نلمسها في التجربة الدينية، أمّا خارج حدود وجودنا فليكن ما يكن، ففي أبعاد وجودنا ضمير نصف مستيقظ يمثّل استمراراً لحياتنا الواعية... .

نحن نقول: إنّ تدفّق الضمير نصف المستيقظ على أبعادنا الظاهرية الواعية يوجد نحو شعور في الشخص بأنّه يخضع لقدرة خارجة عن حدود ذاته، وعلى رغم ما تظهره التجارب الدينية من أنّ منشأ تلك القدرة هو عالم أعلى؛ فإنّ الشعور بالارتباط بقدرة أعلى ليس هو مجرّد تصوّر، بل هو شعور حقيقي بتمام معنى الكلمة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الذي ينشط في مثل هذه الموارد هو الاستعدادات العالية لضميرنا نصف الواعي.

كلّما تتبّعنا حدودنا الوجودية نجد أنّها تضرب بجذورها إلى ما وراء هذا العالم العقلاني المحسوس، وهو يمثّل بُعداً آخر من أبعاد وجودنا، ولك أن تختار كيف تسمّيه: العالم الباطني، أو ما وراء الطبيعة، أو غير ذلك.

في دائرة الدين نواجه بُعداً في الإنسان له ارتباط قريب الصلة بما وراء عالم اليقظة، والمقصود هو أن نتخطّى هذا البعد من شخصية الإنسان ـ الذي يمثّل المستوى العادي، والذي يظهر لعموم الناس ـ والوصول إلى مرتبة أعلى... فإنّ هذا البعد هو أكثر سعة، وأرحب مساحة، فبوسعنا أن نتعرّف فيه على خزانة جميع الأُمور التي كانت تمثّل بالنسبة إلينا أسراراً غامضة لا يمكن أن ندركها بواسطة العقل المتعارف، ففي هذه الخزانة جميع القوى الخفية، وجميع الرؤى التي لا تخطر على بالنا أبداً، كالانفعالات التي لم نكن ننتظرها أو نتوقّعها، والعصبيّات، والفرضيّات، ووجهات النظر الفظّة، والقناعات التي تظهر أحياناً في نفوسنا، والخرافات، والميول، والآمال، والعقائد التي لا نستطيع أن نقيم لها دليلاً، فهو مصدر لجميع الرؤى والأحلام، والحوادث العرفانية، والوحي والإلهامات، والفلسفات، والإشراقات، و... فجميع هذه الأُمور التي يحتمل أن تكون لها حقيقة هي من هناك. إنّ للأفراد الذين يعيشون حياة دينية عميقة جدّاً باباً واسعاً جدّاً ينفتح على هذا البعد»[26].

بناءً على ذلك؛ فإنّ الدين والإقبال على الشعائر الدينية ـ كالزيارة ـ يمكنهما الحدّ من الاضطرابات الروحية والأمراض النفسية في الأفراد، إلّا أنّ السؤال الآتي ما زال يطرح نفسه: كيف توجد هذه الأمراض النفسية؟ وكيف يمكن للزيارة أن تحول دون بروزها؟

فيما يرتبط بتكوّن الاضطرابات النفسية والسلوكيّات المنحرفة لا بدّ من القول: «إنّ أكثر خصائص الحياة أصالة وأهمّها أساساً هو التنظيم، علماً بأنّ استقبال أي دافع من قبل كائن حي يمثّل مقدّمة لوجود مدار لعملية تنظيمية، ففي كلّ لحظة يُفعّل الكائنُ الحيّ في داخله مدارات تنظيمية بعدد الدوافع التي يستقبلها.

إنّ الإنسان ـ بصفته كائناً حيّاً، ولكونه يمتلك استعداداً كبيراً للتعلّم ـ يتمكّن في كلّ لحظة من استقبال عدد من الدوافع، وتكوين مدارات تنظيمية مختلفة، وهذه المنظومات غير الإرادية تؤدّي إلى ظهور الخصائص الحياتية في الإنسان، فالسلوكيّات المنحرفة هي نتيجة التنظيم غير المناسب والمنحرف، ولمعرفة العلّة الواقعية للانحرافات لا بدّ من معرفة المدارات المنحرفة وغير المناسبة»[27].

تشتمل المنظومات النفسية المضطربة على الأقسام الأربعة الآتية:

المنظومات الناقصة.

المنظومات المعيبة.

المنظومات المتعارضة.

عدم التنظيم.

1ـ المنظومات الناقصة

«عندما يتولّد دافع خارجي، ويقوم الإنسان باستقباله، يبدأ أحد المدارات التنظيمية بالعمل، وكلّ مدار تنظيمي يحتوي على مقدار من الطاقة يؤدّي إلى انتهاء عمل المدار. ثمّ إنّ الدافع يحدّد ـ عادةً ـ ميزان الطاقة المطلوبة لعملية التنظيم طبقاً لقيمته لدى الإنسان، فالدوافع التي تمتلك قيمة موجبة أو سالبة أكبر تختصّ بمقدار أكثر من الطاقة، وعندما يبدأ المدار التنظيمي بالعمل تؤدّي تلك الطاقة إلى وصول المدار ذي الصلة إلى نهايته، وفي آخر مرحلة ـ وهي مرحلة الانطباق ـ يتمّ تفريغ الطاقة ذات الصلة، وبذلك يتحقّق الهدوء النفسي.

فإن لم يكتمل أحد المدارات، ولم تتحقّق مرحلته الأخيرة ـ أي: الانطباق ـ يبقى هذا المدار ناقصاً، ووجود المدار الناقص يعني أنّ هناك طاقة لم يتمّ تفريغها ما زالت متبقية في منظومة الإنسان النفسية، وهذه الطاقة المتبقية إذا لم يتمّ تفريغها بنحو من الأنحاء ليكتمل المدار ذي الصلة، فإنّها ستتحوّل إلى عقدة نفسية مسبِّبة للمشاكل.

يمكننا أن نلحظ الكثير من هذه المدارات الناقصة في حياة الإنسان؛ فإنّ الإنسان يواجه في حياته اليومية العديد من الموانع التي تحول دون اكتمال هذه المدارات التنظيمية النفسية، وبحسب الاصطلاح يُطلق على مثل هذه الحوادث التي تحول دون اكتمال المدارات النفسية (الإخفاق)»[28].

ومن الطرق التي تؤدّي إلى تفريغ الطاقة التوسّل بالتجارب الدينية؛ فإنّ الشخص عندما يحضر في المساجد أو أضرحة المعصومين^ التي تمثّل مناخاً أكثر هدوءاً بالنسبة إلى بيته، والتي يتمكّن فيها من التركيز بنسبة أكبر على أعماله العبادية، هو ـ في الحقيقة ـ يقوم بإعادة بيان مشكلته بواسطة مناجاة الله تعالى، وهذا التكرار يساعده على التحلّي بالقدرة على التفكير في الموضوع بشكل أفضل، والتوصل إلى علاج مناسب له. ومن المحاسن الأُخرى لأداء العبادة بين يدي الله هو بكاء الإنسان، وهذا البكاء ينشأ ـ بحسب الغالب ـ عن الإخفاق المذكور.

 «قام الدكتور (ويليام فري) بطرح إحدى أكثر النظريّات جِدة فيما يرتبط بالبكاء، فالدموع الغزيرة ـ بحسب رأيه ـ تساعد على تخلّص الجسم من الموادّ الكيميائية الناتجة عن الضغوطات النفسية. والحاصل أنّ الأشخاص الذين يعانون الحزن أو الألم ينتابهم شعور أفضل بعد فترة من البكاء»[29].

«إنّ الكثير من الأمراض الجسدية ـ كأمراض القلب، وأنواع الصداع، والقرح المعدية، وضيق التنفّس (الربو)، وتقلّبات ضغط الدم، وغيرها ـ ترتبط جذورها بالأعصاب، ويصطلح علىها الأمراض النفسية الجسدية، وبإمكاننا من خلال الحدّ من الضغط والتوتّر عبر أساليب مختلفة ـ من جملتها البكاء ـ أن نحول دون ظهور الكثير من الأمراض الجسدية والنفسية ذات الجذور النفسية الجسدية»[30].

وعليه؛ يمكن للشخص بهذه الطريقة أن يفرغ الطاقة الناتجة عن المنظومة النفسية الناقصة، ويحصل على الشعور بالراحة والهدوء.

وكنموذج آخر: التجارب الفاشلة التي يواجهها الإنسان في حياته، كما إذا تولّدت فينا رغبة في موضوع ما، وحصلت نتيجة ذلك طاقة بالمستوى المطلوب، إلّا أنّنا نخفق في الوصول إلى الهدف لأيّ سبب من الأسباب، فستظهر فينا عندها منظومة نفسية ناقصة تؤدّي إلى الشعور بالإحباط والغضب والكآبة والاضطراب، ومشاكل أُخرى من هذا القبيل.

يقول الإمام الصادق×: «ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده ويركع ركعتين فيدعو الله فيهما، أما سمعت الله يقول: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)؟»[31].

في أثناء العبادة يتعلّم الإنسان ضبط النفس، ثم إنّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى حكيم، وأنّ جميع الحوادث لا تخلو من حكمته وعدالته، يدعو الشخص إلى الصبر عند مواجهة المشاكل والإخفاقات. ويمثّل الإيمان بوجود عالم تسوده العدالة، خاضع لحكومة إلهٍ عادل، مظهراً من مظاهر العبادة الحافلة بالحبّ والعرفان، وتؤدّي أضرحة المعصومين^ ـ التي هي موضع لسجود العارفين ـ مثل دور المساجد، فالزائر لها يناجي الله تعالى، ويطهّر قلبه من الذنوب، فلنتأمّل هذا المقطع من زيارة الإمام الثامن×: «اللهمّ، إنّي أتقرب إليك بحبّهم، وأُوالي وليّهم، وأُعادي عدوّهم، وارزقني بهم خير الدنيا والآخرة»[32].

فالزائر بقراءته لهذا الدعاء يشهد بأنّ حسن العاقبة في الدنيا والآخرة هي بيد الله المقتدرة؛ فإنّ الله تعالى ـ من الناحية المعرفية ـ قادر وحكيم وعليم، قد أحاط بكلّ شيء علماً، وكلّ ما يحدث للإنسان هو ناشئ عن حكمته. أمّا من جهة الحبّ؛ فإنّ الحبّ الحقيقي إذا وجد في قلب شخصٍ ما؛ فإنّه سيضع زمام جميع الأُمور بيد مَن يُحبّ بكلّ ثقة واطمئنان. [33]

وضعنا رؤوسنا بكلّ حبّ على عتبة كرمه

 

فلن يصيبنا إلّا ما كتب لنا(2)

 

«من أهمّ آثار الإيمان بالعالم الذي تسوده العدالة هو اكتساب الإنسان القدرة على تفسير الأحداث السلبية التي تقع في الحياة الاجتماعية، ومثل هذا البيان يتضمّن جنبة أمنية؛ لأنّه يحافظ على الأفراد في مقابل الإحساس بالضعف والوهن إزاء الحوادث السلبية، ففي الحقيقة كلّما كانت نسبة الاعتقاد بالحياة العادلة أكبر تكون نسبة الإحساس بالوهن والضعف أقلّ إزاء مديات التهديد الواسعة، فعندما يرى الأفراد ـ بشكل عامّ ـ أنّ العالم يفتقد العدل والإنصاف، ينتابهم ـ غالباً ـ شعور بالقلق والتوتر والضعف، وتظهر عليهم علائم الاضطرابات النفسية، كالقلق، والأرق، والكآبة، والرغبة في الانتحار، وسوء النية، والسلوكيّات العدوانية واللاعقلائية»[34].

ولذا؛ فإنّ الحضور في المساجد وأضرحة أهل البيت^ وإقامة الصلوات والعبادات، كلّ ذلك يمثّل تجربة دينية خالصة، تبعد الإنسان عن أضرار الإصابات النفسية، وبهذا الأُسلوب يتمكّن الشخص من تفريغ المنظومات الناقصة في وجوده.

ومن ناحية أُخرى؛ فإنّ الشخص يتمكّن من خلال الحضور في جماعة من الناس، يمتلك كلّ منهم استعدادات خاصّة، ومن خلال التواصل معهم بصورة ودّية، أن يطرح مشاكله على البعض منهم بشكل منطقي، ويستعين بهم في التوصّل إلى حلول لعلاجها، أو يمكنه ـ على الأقلّ ـ أن يشكو همّه إلى أصدقائه المؤمنين، ويخفّف ـ بواسطة ذلك ـ من عبء المتاعب والآلام التي يعانيها، وبذلك يتمّ ترميم منظومته النفسية وإعادة تأهيلها.

2ـ المنظومات المعيبة

«كلّ منظومة تتّبع أهدافاً خاصّة، وبالوصول إلى تلك الأهداف يتمّ تفريغ الطاقة النفسية، علماً بأنّ بعض الأفراد يُوجدون في منظوماتهم النفسية مدارات لا تؤمِّن غاياتهم، وتجعلهم يعيشون حالة من الاضطراب الدائم؛ وذلك لأسباب مختلفة، من أهمّها الاتّجاهات الخاطئة في التربية والتعليم»[35].

إنّ عقد النيّة على ارتكاب الذنب والإقدام على فعله يؤدّي كلّ منهما إلى ظهور منظومات معيبة في وجود الإنسان، فمن خصائص الذنوب أنّها تجعل الشخص حريصاً على تكرار الذنب؛ لأنّ المرّة الأُولى لا تحقّق حالة الإرضاء، ولا تؤمّن الغاية التي يبتغيها الشخص، ولذلك يسعى إلى تكرار المحاولة، وهذا العمل يعكس الخلل في منظومته النفسية التي تحتفظ بمقدار من الطاقة غير المفرغة في وجود الإنسان.

إنّ الزيارة تمنح الإنسان العزيمة على مقاومة وساوس الشيطان، والابتعاد عن السلوكيّات السيئة بواسطة التوكّل على الله تعالى، وإنّ تلاوة القرآن والأدعية والمناجاة في أماكن الزيارة والمساجد تمثّل مدرسة تعليمية تربوية، علماً بأنّ القرآن الكريم يتضمّن وعداً في قوله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[36]. وهذا الوعد يرشدنا إلى هذا الموضوع، وهو أنّ السنن وأركان العبادات تنأى بالإنسان عن السلوكيّات السيّئة.

فيما يرتبط بالدعاء والمناجاة ينبغي أن نقول: «إنّ الدعاء لا ينحصر في كونه وسيلة لنيل حاجاتنا، بل يمثّل في ذاته تجلّياً للعشق؛ فإنّ جميع الأُمور التي لا يمكن الحصول عليها بواسطة المنطق والدراسات التحليلية والعلم والتفكير العلمي والفلسفي، يمكن أن تنال ـ غالباً ـ بواسطة العشق، وارتباط الروح بالمعشوق، وإخلاص الباطن، وتفريغه من كلّ ما عداه»[37].

«هناك نصّ كامل لأحد الأدعية الإسلامية المنصوصة يتضمّن ثلاثة أبعاد تلبّي
ثلاثة احتياجات: أوّلها: تجلي الفقر والفاقة. وثانيها: تجلّي الإحساس العارف والعاشق الذي یمثّل مناجاة أحد العاشقين. وثالثها: التعليم الفكري والعلمي، وبثّ الوعي الذاتي الفلسفي والعقائدي للداعي في نصّ الدعاء»
[38].

«الدعاء ـ أساساً ـ لا يمثّل لدى الداعي وسيلة لتأمين موارد الاحتياج فقط، بل يمثّل عاملاً من عوامل التربية وتهذيب النفس بالنسبة إلى الداعي»[39].

«إنّ الدعاء والعبادة لم يكونا ـ على مدى التاريخ ـ مجرّد وسيلة لتجلّي بارقة العشق في الثقافة الإنسانية، وفي أعماق الفطرة الإنسانية، والحفاظ عليها حيّة وقّادة، بل يمثّل كلّ منهما واحداً من أهمّ العوامل التربوية التي تمنح النفس الإنسانية لطافة وصفاءً»[40].

«الدعاء مظهر للإقرار بالعبودية والتواضع في الحضرة الإلهية، والثناء والشكر إزاء المنعم الواقعي. والدعاء سبب للتنزّه عن الذنوب، والابتعاد عنها، وهو العامل الأساسي للطهارة والنقاء، ففي الدعاء يتأمّل الإنسان في ذاته، وترتسم أمام عينيه نواقصه وعيوبه، فيتخلّى عن الكبرياء والغرور، وينأى بنفسه عن الاستغلال والأنانية، ویلجم المیول والنزوات النفسية، ويستهجن الشرّ والقبائح، ويستغفر الله بعيون مغرورقة بالدموع؛ ولذلك لا توجد أيّ رابطة بين الدعاء أو الصلاة وبين أغلب المجرمين، ويكون الداعون والمصلّون بمعزل عن الجناية والجريمة»[41].

من هنا؛ فإنّ المثول في محضر الله تعالى، وفي مراقد أوليائه، يمنح الإنسان فرصة لتزكية النفس وتهذيبها، حتّى لا يضيع في متاهة الذنوب، ولا تتولّد في ذهنه منظومات نفسية معيبة.

«لا شكّ أنّ السير في طريق الله تعالى واتّباع تعليماته هو الطريق الوحيد للحصول على الصحّة النفسية، كما أنّ الهدوء النفسي هو السمة الغالبة والشاملة التي تتمتّع بها شخصية الإنسان المؤمن، وهذه السكينة وهدوء النفس يمثّلان صفة وميزة مستقلّة تعكس مدى تحكّم الشخص بعالمه النفسي، ومدى معرفته بنفسه ورسالته الإلهية.

إنّ السكينة التي يتحلّى بها المؤمن تمثّل خصوصية تكشف عن الانسجام بين عناصره الروحية، والتنظيم الذي يلتزم به للتوفيق بين رغباته المتناقضة، ومدى قدرته على ترويض نفسه من حيث الخضوع والانقياد لصاحبها؛ فإنّ المؤمن قد مُنِح مثل هذه الموهبة، ويمكن قراءة هذه السكينة على صحيفة محيّاه»[42].

وقد ذكرنا سابقاً أنّ إحدى الفرص التي تُتاح في أثناء الزيارة هي التوبة والرجوع إلى الله تعالى، والتوبة كفيلة بإزالة آثار الذنوب عن وجود الإنسان؛ فالتوبة ـ في الحقيقة ـ تقوم بتفريغ طاقة المنظومة المعيبة الناتجة عن الذنوب، كما أنّ الشخص يشعر بالهدوء والسكينة بعد التوبة الحقيقية، وكأنّه قد ولد من جديد.

إنّ الاستغفار عن الذنوب، وسجود الزائر، وإقراره بعظمة الله تعالى، واعترافه بالذنب تزامناً مع الاعتراف بعظمته تعالى، كلّ ذلك يوفّر للزائر فرصة للتأمّل في مسألة الذنب، تلك الفرصة التي تمكّن الشخص من التفكير في عاقبة بعض الأعمال التي ارتكبها، والكفّ عن اقترافها مرّة أُخرى.

ومن المتيقّن أنّ كلّ ذنب يرتكبه الإنسان يولّد له ضغطاً نفسياً، وهذا التأثّر الروحي يختلف من بعض الأشخاص إلى بعض آخر قلّة وكثرة، فالإنسان المؤمن ينتابه شعور بالخجل والندم عندما يُبتلى باقتراف الذنوب؛ لأنّ ذكر الله يسري في نفسه وروحه، وهذا الندم يستتبع شعوراً بالألم الروحي، يقول الرسول الأكرم‘: «الندم توبة»[43]. كما أنّ الاعتراف بعظمة الله تعالى وعفوه ورحمته يضفي على القلب شعوراً بالأمن والطمأنينة، فيرى العبد نفسه في ظلّ ألطاف القدرة التي أنقذته من المخاطر الأكثر ضرراً، والغفلة المستتبعة للخسارة.

ومن جانب آخر؛ فإنّ الشخص الذي يتردّد على أحد المزارات يتعرّف إلى الناس ويتعرّف الناس إليه، ومثل هذا الشخص يسعى للحفاظ على حرمته أمام الناس، فضلاً عن الحفاظ عليها في الحضرة الإلهية، فهو يعمل على الحفاظ على سمعته، وألّا يصدر منه عمل ناشئ عن المنظومة النفسية المعيبة، فالمكانة الاجتماعية للزيارة تعدّ ـ في الواقع ـ أحد العوامل الرادعة للزائر إزاء الانحرافات الفردية والاجتماعية.

3ـ المنظومات المتعارضة

«أحياناً يقع التعارض بين منظومتين أو ثلاث منظومات نفسية، كما إذا تردّد الشخص في الانتخاب بين عدّة أهداف؛ فهذا يمثّل نموذجاً من ذلك التعارض. ربّما يعالج التعارض عملياً، إلّا أنّ المنظومات تبقى في حالة التعارض، وهذه المنظومات المتعارضة قد تستهلك الكثير من الطاقة، وبحسب العادة فإنّ الأشخاص الذين يعانون التعارض الروحي والنفسي يفتقدون القدرة على الانتخاب أو الثقة بانتخابهم، والسبيل الأفضل لهؤلاء الأفراد هو رفع مستوى وعيهم الذاتي، والارتقاء بمستوى أحكامهم العقلية»[44].

إنّ الحضور في أضرحة المعصومين^ ـ بصفتها مراكز ثقافية تعليمية ـ يمنح الإنسان فرصة للبحث والتأمّل في سير أولياء الله، فعندما يتحلّى الإنسان بمعرفة نفسه ومعرفة الله تعالى وأوليائه، يعرف حينها الطريق الصحيح للحياة، وثمرة هذا التعلّم هي تحديد الأهداف السامية في الحياة، فالشخص الذي يختار السير في طريق الله تعالى لا يشغل بالَه شيءٌ سوى الأعمال التي تحقّق رضا الله تعالى.

وليس هناك أيّ تعارض بين الأعمال الحسنة والأهداف التي يتّبعها الإنسان في سبيل رضا الله تعالى؛ وعليه فإنّ الزائر المحبّ لله وولّيه، يضع خطاه ـ بعد اكتسابه الثقة بالنفس ـ في طريق الحضرة الإلهية، وتتّشح حياته كلّها بالمظهر الإلهي، فلا يعود في نفسه أيّ أثر للتعارض المسبِّب للفوضى والاضطراب وسائر الأمراض الروحية والنفسية.

4ـ عدم التنظيم

إنّ الإنسان مضطرّ ـ بحسب مراحل السنّ ـ لتفعيل مدارات جديدة من المنظومات؛ ليتمكّن من مواصلة حياته العادية، فإذا لم يُفعِّل الشخصُ ـ لأيّ سبب من الأسباب ـ المدارَ المطلوب لمثل تلك المنظومات، أو أنّه ـ بعبارة أُخرى ـ لم يستقبل المحرّكات المطلوبة لمثل هذه العملية، ولم يقم بتنظيمها؛ فإنّه سيتعرّض لنوع من الركود والثبات، نصطلح عليه نحن بـ(عدم التنظيم).

ولدينا هنا مصطلحان، هما: (الثبات، والتراجع). يُطلق الأوّل على استقرار الفرد في مرحلة من مراحل النمو، وعدم الوصول إلى المراحل الأعلى، ويُطلق الثاني على تراجع الشخص ونزوله إلى مستويات أدنى من المستوى الذي كان عليه، ويعدّ ذلك كلّه من نتائج عدم التنظيم.

تمثّل نشأة الأفراد وترعرعهم في أُسر ملتزمة دينياً من الهبات الكبيرة للفرد؛ لأنّه سيكون منذ ولادته إلى مرحلة بلوغه وسائر مراحل حياته إلى جانب أبوين مؤمنين، ممّا يمكّنه من الحصول على النمو وتكامل الشخصية والعقيدة، فتتكوّن لديه المنظومات الكاملة التي ينبغي أن تتوفّر في نفس الإنسان، وتضمحل المنظومات التي ينبغي أن تزول بسبب انتقال الشخص من مرحلة عمرية إلى مرحلة أُخرى، ومثل هذا البناء النفسي يشقّ طريقه إلى التكامل، ويجعل الشخص بمأمن من التحدّيات النفسية.

وما أكثر الأشخاص الذين يتواجدون إلى جانب أُسرهم في المزارات، فامتزجت حياتهم بحبّ الله تعالى وأوليائه، فهم يتردّدون على هذه الأماكن بكلّ شوق، فيناجون الله تعالى، ويبوحون بأسرارهم، ويشكرونه على هذه النعمة العظيمة، وهي نعمة الإيمان والمشاركة في العبادات، وفرصة الكلام مع الله تعالى، وبما أنّ الأمراض النفسية ـ بشكل عامّ ـ ناتجة عن المنظومات المعيبة، فإنّ الزيارات تحول دون هذا الأمر، وتبعد الشخص عن الإصابة بأيّ نوع من المشاكل النفسية.

تأثير الزيارة في معالجة النفس الإنسانية

تمثّل الزيارة موطناً لعودة جميع الناس، فلیس هناك موضع قدم لليأس؛ فإنّ الشخص يمكنه عندما يواجه أيّ نوع من أنواع الانحراف في أيّ مرحلة من مراحل حياته، أن يجدّد حياته من خلال الحضور في العتبات وممارسة العبادة.

يقول عالم النفس المشهور (ويليام جيمز) بهذا الصدد: «هناك جماعة يعرفون بـ(المختلّين نفسياً)، يمتاز هؤلاء بنظرتهم التشاؤمية للحياة، واستقطاب الشرّ للعالم، ومثل هؤلاء الأفراد ـ نظراً إلى حالتهم النفسية ـ لا ينجع معهم العلاج النفسي أصلاً، فالمشاكل التي يتّصفون بها ناشئة من العمق؛ إذ تعجز هذه المساعي السطحية عن تسكين حالتهم المرضية، فإنّ هؤلاء الأفراد ـ نتيجة تعرّضهم لعدم التوافق النفسي المسبِّب للتفكّك والتمزّق في شخصيّاتهم ـ هم بحاجة إلى تجربة عميقة وأصيلة، ينبغي أن تكون على شكل تحوّل إيماني، أو تجربة دينية، علماً بأنّ التجربة الدينية التي يتلقّاها هؤلاء الأفراد تضاهي نفس التجربة التي نطلق اسمها على الشخص الذي يولد من جديد.

فالأذهان المريضة بسبب الفقر والبؤس اللذين يعاني منهما هؤلاء الأفراد تكتسب حياة جديدة، وتنفتح على فهم أوسع للحياة في هذا العالم، وفي مرحلة تجدّد الحياة هذه هناك شعور بالخلاص يضاهي الولادة الجديدة، يعود من خلالها الشخص المتألّم، ولكنّه لا يعود بصحّة عادية متعارفة، بل بمعنى أعمق ممّا كان بإمكانه أن يتذوّقه سابقاً، وهو ما كان يحدث له في حالة الوعي واليقظة»[45].

فالزيارة هي أيضاً من جملة المناسك الدينية التي تتكفّل ببناء شخصية الإنسان، والتي توقظ من نوم الغفلة الأشخاص المصابين ـ لأيّ سبب من الأسباب ـ بأمراض نفسية، أو من تلوّث منهم بالذنوب.

والخلاصة: يمكننا أن نقيّم تأثير الزيارة في الصحّة النفسية بما يأتي:

الشكوى والبكاء

عندما يلجأ الشخص في مشاكله النفسية أو الخارجية إلى حضرة المعصومين^، ويتضرّع إلى الله تعالى، ويشكو معاناته، يتمكّن من تفريغ الطاقة السلبية المتكوّنة في نفسه، وينظر بتفاؤل إلى المستقبل، ويركّز بشكل أكبر على معالجة مشاكله. وهكذا البكاء؛ فإنّه يؤدّي إلى الاطمئنان القلبي للزائر، ويوفّر له موجبات الرحمة الإلهية.

يقول النبيّ الأعظم‘ حول البكاء: «حُرِّمت النار على عين بكت من خشية الله»[46].[47]

وقد أثنى العرفاء أيضاً بلسانهم العذب على البكاء والتضرّع في محضر الله تعالى:

یضحك العاشق ويبكي لأسباب أُخرى
فأنا أُغنّي ليلاً وأبكي سحراً(2)

وفي غزل آخر يطلب الشاعر من السائر في طريق العشق أن يترك الدنيا ويلجأ إلى التوبة والبكاء في محضر الله تعالى:[48]

حتّام ترتشف الصبوح وتغطّ إلى السحر في نوم هنيء 

 


فاجتهد في طلب العفو لدى الليل والبكاء في وقت السحر(3)

 

  الوقاية من الكآبة

 إنّ الارتباط بالله تعالى وتلاوة القرآن، ونظير ذلك من الخصائص التي تتضمّنها الزيارات، يمكنها أن تساعد الإنسان لئلّا يُصاب بأمراض روحية كالشعور بالوحدة والكآبة.

زيادة القدرة على اتّخاذ القرار والاعتماد على النفس

بما أنّ الزيارة ـ علاوة على بعدها الفردي ـ تُعدّ نوعاً من العبادة الجماعية؛ فإنّ الحضور في الجماعة يزوّد الشخص بصفة الاعتماد على النفس، ويحول دون إصابته بالعزلة التي تمثّل أهمّ عامل لفقدان الثقة بالنفس.

 كما أنّ إيمان الشخص بإلهٍ وسعت قدرته كلّ شيء يمنحه قوّة في القلب، وثباتاً في الإرادة، فالزائر يفوّض زمام أُموره إلى الله تعالى، ويوظّف جهوده في سبيل الوصول إلى الغاية؛ ونتيجة ذلك أنّ الله تعالى لا يتركه وحده، ويرزقه أحسن عاقبة؛ جزاءً على توكّله الخالص، ورعايةً لحرمة وليّه، أي الإمام المعصوم×.

طهارة الجسم وسلامة النفس

إنّ النظافة ـ ومراعاة الشؤون الصحّية ـ تساعد على توفير الصحّة النفسية قبل أن تؤدّي إلى سلامة جسم الإنسان، والجسم السليم مقدّمة لسلامة النفس، فإذا افتقد الجسم السلامة فإنّ الأمراض تتسلّل إلى النفس، وتسبّب لها القلق والاضطراب.

إنّ الاغتسال قبل أداء الزيارة والوضوء وارتداء الثياب النظيفة وتعطيرها وسائر آداب الزيارة ـ التي تعبّر عن احترام المزور ـ تسبّب سلامة الجسم؛ ونتيجة لذلك تمنح الإنسان الطمأنينة النفسية. كما أنّ الزيارة تسبّب طهارة القلب من أمراض مثل: البخل، والحقد، والحسد، والنفاق، وسوء الظنّ.

أداء الفرائض في أوّل وقتها

إنّ صلاة الجماعة التي تقام في العتبات تحمل للزائر كثيراً من البركات، من جملتها أنّها تترك أثراً كبيراً في روحه ونفسه، وهذا الأمر ثابت من وجهة نظر علم النفس أيضاً (الكرنوبيولوجي) (Chronobiology)، أو علم البيولوجيا الزمني (علم الأحياء الزمني)، وهو علم يدرس الظواهر البيولوجية وتغيّراتها المتناسبة مع الزمن: (الليل، النهار، الشهر، السنة)، فهذا العلم يدرس التغيّرات البيولوجية وعلاقتها بالزمان.

ومن المتغيّرات ـ فيما يرتبط بالشعائر ـ أنّ هذه الشعائر ينبغي أن تؤدّى في زمان خاصّ، فأداء الصلاة ـ مثلاً ـ له أوقات خاصّة، وقد اتّضح في العصر الراهن أنّ الكثير من الهرمونات يتمّ إفرازها بصورة دورية متناوبة، فإنّ تلك الهرمونات ـ على سبيل المثال ـ لا يتمّ إفرازها طيلة ليلة واحدة ونهارها بوتيرة واحدة، وإنّما تُفرز بعض الهرمونات في الساعات الأُولى من الليل وفي منتصفه، والبعض الآخر يتمّ إفرازه في الفاصلة الزمنية المتخلّلة بين طلوع الفجر وشروق الشمس.

ومع تطوّر العلم اتّضح أنّ الخلود إلى الراحة والنوم في ساعات العتمة الأُولى بعد صلاة العشاء يمتاز بتأثير أكثر في تعزيز القوى الجسدية والروحية وعملية ابتناء الجسم (Anabolism)، نسبة إلى الساعات الأخيرة من الليل؛ فإنّ هرمون النمو في الدم يصل في هذه الساعات إلى أعلى مستوياته.

«إنّ نصيحة الإسلام بالخلود إلى النوم في أوّل الليل والاستيقاظ في ساعاته الأخيرة، والتأكيد على بقاء الشخص مستيقظاً بين الطلوعين ـ الفترة الفاصلة بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ـ وهي فترة العبادة، والفترة المزامنة لزيادة نسبة الهرمونات المسبّبة للقلق (الكورتيزول، الآدرنالين، والهورمونات القشرية السكرية غلوكوكورتيكوئيد)، تمثّل هذه النصيحة استراتيجية عظيمة الفائدة فيما يرتبط بسلامة الجسم والروح»[49].

إنّ الزائرين الذين يؤدّون الزيارة في أوقاتها المذكورة، ويدعون الله تعالى أثناء الزيارة، إضافة إلى أداء الصلاة في أوّل الوقت، إنّ هؤلاء ـ طبقاً لما تقدّم ذكره ـ يعملون على تأمين السلامة لأجسامهم وأرواحهم، علماً بأنّ القرآن الكريم يدعو إلى الدعاء في أوقات خاصّة من النهار والليل: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[50].

وقد رويت تلك الأدعية في سيرة الأئمّة الأطهار^، فعلى سبيل المثال يقول رجاء بن أبي الضحّاك الذي كُلّف من قبل المأمون بمرافقة الإمام الرضا× من المدينة إلى مرو: «فوالله، ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته، ولا أشدّ خوفاً لله} منه، وكان إذا أصبح صلّى الغداة، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبِّح الله ويحمده ويكبِّره ويهلّله، ويصلّي على النبي‘ حتّى تطلع الشمس، ثمّ يسجد سجدة يبقى فيها حتّى يتعالى النهار»[51].

الخاتمة

[تمثّل الزيارة ـ فضلاً عن كونها ممارسةً عبادية تقرّب الإنسان إلى الله تعالى، وتزيد من الولاء لآل البيت الأوصياء^ والأولياء الصالحين ـ محطّة للتربية الروحية، والصحّة النفسية، والعلاج الروحي في الوقت نفسه؛ وذلك لما تتركه من أثر كبير في الإنسان بما تتضمّنه من أدعية ومناجاة، وتضرّع وبكاء، وكلام مع الله تعالى في محضر الأولياء، ممّا يؤدّي إلى سمو الروح، وبذلك السموّ الروحي يكتسب الجسم الصحّة والسلامة، فالقلب السليم وسيلة للتمتّع بجسم سليم، ومن وسائل الحصول على هذا القلب هو زيارة مراقد الأولياء والصالحين.

 من هنا؛ ينبغي للإنسان الموالي أن يواظب على الزيارات؛ لكيلا يبتلي بالوقوع في دوائر الانحراف، أو يكون عرضة للمشاكل النفسية، وإذا أحسّ بأنّه تعرّض لشيء من ذلك يمكنه معالجة الموقف بواسطة الزيارة.

المصادر والمراجع

الكتب:

          بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسي، مؤسّسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ.

          ترجمة ديوان حافظ الشيرازي، تعريب: إبراهيم أمين الشواربي، انتشارات مهر انديش، طهران ـ إيران، 1999م.

          جامع الأخبار (معارج اليقين في أُصول الدين)، محمّد بن محمّد السبزواري، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم ـ إيران، 1410هـ.

          جلوگاه عرفان (شرح مناجات شعبانيه)، عبد خدايي، محمّد هادي، بنياد پژوهشهاى إسلامي (مؤسّسة البحوث الإسلامية)، مشهد ـ إيران، 1384هـ.ش.

          در آمدي بر روان شناسى دين، مسعود آذربايجاني، وسيد مهدي موسوي اصل، مركز تحقيق وتوسعه علوم إنساني (سمت)، (مركز سمت للدراسات وتطوير العلوم الإنسانية)، 1385هـ.ش.

          ديوان غزليات، شمس الدين محمّد حافظ، بعناية خليل خطيب رهبر، انتشارات صفي عليشاه، طهران ـ إيران، الطبعة الأربعون، 1385هـ.ش.

          روان شناسى دين از ديدگاه ويليام جيمز، مسعود آذربايجاني، پژوهشگاه حوزه وجامعه، قم ـ إيران، 1386هـ.ش.

          روان شناسى شخصيت از ديدگاه إسلامي، علي اصغر احمدي، انتشارات امير كبير، طهران ـ إيران، 1368هـ.ش.

          روان شناسى ودين، كارل كوستاو يونك، ترجمة: فؤاد روحاني، شركة: سهامي كتابهاى جيبي، بالتعاون مع انتشارات أمير كبير، طهران ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1370هـ.ش.

10ـ    عيون أخبار الرضا، محمّد بن علي بن بابويه الصدوق، ترجمة: محمّد تقي آقا نجفي أصفهاني، انتشارات علمية إسلامية.

11ـ    مَن لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن بابويه الصدوق، ترجمة: محمّد جواد غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، 1385هـ.ش.

12ـ    الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم ـ إيران.

13ـ    نيايش، علي شريعتي، حسينية الإرشاد، طهران ـ إيران.

المجلّات:

       اخلاق وآسيب هاى اجتماعي، مصطفى ملكيان، مجلّة (آيين)، العددان 24و25، شهرا آذر ودي، 1388هـ.ش.

       بررسى ارتباط ميان جهت گيرى مذهبى وبهزيستى روان شناختى در دانشجويان، محمّد إبراهيم وهمكاران مداحي، مجلّة (روان شناسى تربيتى)، السنة الثانية، العدد 1، ربيع 1390 هـ.ش.

       تأثير شعائر دينى بر بهداشت روانى جوانان، شهنام أبو القاسمي، مجلّة (إسلام وپژوهش هاى تربيتى)، السنة الثانية، العدد 1، ربيع وصيف 1389هـ.ش.

       رابطه بين باور به دنياى عادلانه و نا عادلانه با برخاشگرى، گل پرور، محسن وهمكاران، مجلّة (روان شناسى تحولى.. روان شناسان ايرانى)، العدد 18، صيف 1387هـ.ش.

       علل وعوامل پيدايش آسيب هاى اجتماعى وراه هاى پيشگيرى از آن، محمّد فولادى، مجلّة (معرفت)، العدد 91، شهر تير1384هـ.ش.

       گريه بر هر درد بي درمان دواست، أبو الفضل أمير ديواني، مجلّة (بهداشت روان)، العددان 16و17، سنة 1385هـ.ش.

       ماهيت احساس تنهايى وراه هاى مقابله وارزيابى آن، ابراهيمي قوام صغري، مجلّة (تربيت)، السنة الحادية عشرة، العدد 4، شهر دي 1374هـ.ش.

       مفهوم زيارت ونقش آن در بهداشت روانى وتعالى روح، مجموعة مقالات (هم انديشى زيارت)، أعظم تركي.

       نقش ايمان واعتقاد مذهبي در درمان بيمارى ها ومعرفى سه مورد درمان با روان درمانى مذهبى، سيد علي أحمدي أبهري، مجلّة (انديشه ورفتار)، العدد 4، ربيع 1375هـ.ش.

10ـنقش مذهب در كاهش پرخاشگري، علوي سلمان وهمكاران، مجلّة (روان شناسى ودين)، السنة الأُولى، العدد 4، صيف 1387هـ.ش.

 



[1] كلّ ما يكتب بين قوسين معقوفين هو من إضافات المترجم بحسب ما اقتضاه السياق.

 

[2] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج2، ص290.

 

[3] آذربايجاني، مسعود وسيّد مهدي موسوي أصل، در آمدى بر روان شناسى دين (مدخل إلى علم نفس الأديان): ص152.

 

[4][4] علوي سلمان وآخرون، نقش مذهب در كاهش پرخاشگرى (دور الدين في الحدّ من العدوانية)، مجلّة (روان شناسى ودين) الفصلية، العدد4: ص120.

 

[5] يُطلق اسم الوحدة على الحياة بدون علاقات قريبة، مع شعور بأنّ مقدار العلاقات التي يتمنّاها الشخص وكيفيّتها هو أكثر ممّا هو في الواقع.

 

[6] إبراهيمي قوام، صغري، ماهيت احساس تنهايى وراه هاى مقابله وارزيابى آن (طبيعة الشعور بالوحدة وطرق مواجهته وتقويمه)، مجلّة (تربيت) الشهرية، العدد4: ص13.

 

[7] أبو القاسمي، شهنام، تأثير شعائر دينى بر بهداشت روانى جوانان (تأثير الشعائر الدينية في الصحّة النفسية للشباب)، مجلّة (إسلام وپژوهش هاى تربيتى) الفصلية، العدد1: ص48.

 

[8] يونك، كارل كوستاو، روان شناسى ودين (علم النفس والدين): ص15.

 

[9] فولادي، محمّد، علل وعوامل پيدايش آسيب هاى اجتماعى وراه هاى پيشگيرى از آن (أسباب وعوامل ظهور الآفات الاجتماعية وطرق الوقاية منها)، مجلّة (معرفت) الشهرية، العدد91: ص36.

 

[10] المصدر السابق: ص38.

 

[11] ملكيان، مصطفى، أخلاق وآسيب هاى اجتماعى (الأخلاق والآفات الاجتماعية)، مجلّة (آيين) الشهرية، العددان24و25: ص38.

 

[12] الذاريات: الآية56.

 

[13] الفتح: الآية4.

 

[14] طه: الآية124.

 

[15] آذربايجاني، مسعود، وموسوي أصل، سيّد مهدي، درآمدى بر روان شناسى دين (مدخل إلى علم نفس الأديان): ص152.

 

[16] الطباطبائي، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج14، ص225.

 

[17] آذربايجاني، مسعود، روان شناسى دين از ديدگاه ويليام جيمز (علم نفس الأديان من وجهة نظر ويليام جيمس): ص131.

 

[18] أبو القاسمي، شهنام، تأثير شعائر دينى بر بهداشت روانى جوانان (تأثير الشعائر الدينية في الصحّة النفسية للشباب)، مجلّة (إسلام وپژوهش هاى تربيتى)، العدد1: ص55.

 

[19] آذربايجاني، مسعود، روان شناسى دين از ديدگاه ويليام جيمز (علم نفس الأديان من وجهة نظر ويليام جيمس): ص259.

 

[20] البقرة: الآية257.

 

[21] البقرة: الآية186.

 

[22] يونك، كارل كوستاو، روان شناسى ودين (علم النفس والدين): ص2.

 

[23] مداحي، محمّد إبراهيم وزملاؤه، بررسى ارتباط ميان جهت گيرى مذهبى و بهزيستى روان شناختى در دانشجويان (دراسة العلاقة بين التوجّه الديني والرفاه النفسي لدى الطلبة)، مجلّة (روان شناسى تربيتى)، العدد 1: ص59.

 

[24] آذربايجاني، مسعود، روان شناسى دين از ديدگاه ويليام جيمز (علم نفس الأديان من وجهة نظر ويليام جيمس): ص242.

 

[25] أبو القاسمي، شهنام، تأثير شعائر ديني بر بهداشت روانى جوانان (تأثير الشعائر الدينية في الصحّة النفسية للشباب)، مجلّة (إسلام وپژوهش هاى تربيتى)، العدد 1: ص53.

 

[26] آذربايجاني، مسعود، روان شناسى دين از ديدگاه ويليام جيمز (علم نفس الأديان من وجهة نظر ويليام جيمس): ص122-123.

 

[27] أحمدي، علي أصغر، روان شناسى شخصيت از ديدگاه إسلامي (علم نفس الشخصية من وجهة نظر إسلامية): ص216.

 

[28] المصدر السابق: ص217.

 

[29] أمير ديواني، أبو الفضل، گريه بر هر درد بي درمان دواست! (البكاء دواء لكلّ ألم عضال)، مجلّة (بهداشت روان)، العددان16و17: ص5.

 

[30] المصدر السابق: ص7.

 

[31] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج66، ص342.

 

[32] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا×: ج2، ص301.

 

[33] اُنظر: الشواربي، إبراهيم أمين، ترجمة ديوان حافظ الشيرازي: ص17.

       والأصل الفارسي لحافظ الشيرازي:

      سر ارادت وآستان حضرت دوست          كه هر چه بر سر ما مى رود ارادت اوست

[34] گل پرور، محسن وزملائه، رابطه بين باور به دنياى عادلان و نا عادلان با برخاشگرى (العلاقة بين الإيمان بعالم العدالة والظلم وبين العدوانية)، مجلّة (روان شناسى تحولى.. روان شناسان إيرانى)، العدد 18: ص128.

 

[35] أحمدي، علي أصغر، روان شناسى شخصيت از ديدگاه إسلامى (علم نفس الشخصية من وجهة نظر إسلامية): ص217.

 

[36] العنكبوت: الآية45.

 

[37] شريعتي، علي، نيايش (المناجاة): ص48.

 

[38] المصدر السابق: ص134.

 

[39] المصدر السابق: ص145.

 

[40] المصدر السابق: ص156.

 

[41] عبد خدايي، محمّد هادي، جلوگاه عرفان (مظهر العرفان): ص14.

 

[42] تركي، أعظم، مفهوم زيارت و نقش آن در بهداشت روانى و تعالى روح (مفهوم الزيارة ودورها في الصحّة النفسية والسمو الروحي)، مجموعة مقالات (هم انديشى زيارت): ج2، ص696.

 

[43] اُنظر: الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه: ج4، ص380.

 

[44] أحمدي، علي أصغر، روان شناسى شخصيت از ديدگاه إسلامى (علم نفس الشخصية من وجهة نظر إسلامية): ص217.

 

[45] آذربايجاني، مسعود، روان شناسى دين از ديدگاه ويليام جيمز (علم نفس الأديان من وجهة نظر ويليام جيمس): ص268.

 

[46] السبزواري، محمّد بن محمّد، جامع الأخبار (معارج اليقين في أُصول الدين): ص260.

[47] الأصل الفارسي لحافظ الشيرازي:

      خنده و گريه عشاق زجايى دگر است     مى سرايم به شب و وقت سحر مي مويم

      حافظ، شمس الدين محمّد، ديوان غزليات: غزل 380، ص518.

[48] الأصل الفارسي لحافظ الشيرازي:

      مى صبوح و شِكر خواب صبحدم تا چند              به عذر نسيم شبي كوش و گريه سحرى

      حافظ، شمس الدين محمّد، ديوان غزليات: غزل 452، ص614.

[49] أحمدي أبهري، سيد علي، نقش ايمان واعتقاد مذهبى در درمان بيمارى هاى ومعرفى سه مورد درمان با روان درمانى مذهبى (دور الإيمان والاعتقاد الديني في معالجة الأمراض والتعريف بثلاث حالات للمعالجة بالعلاج النفسي الديني) مجلّة (انديشه ورفتار)، العدد 4: ص10-11.

 

[50] طه: الآية130.

 

[51] الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج2، ص194.