العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
قصديّة المتكلّم وأثرها في المخاطب خطبتا السيّدة زينب’ أُنموذجاً

قصديّة المتكلّم وأثرها في المخاطب خطبتا السيّدة زينب’ أُنموذجاً

أ. م. د. سجى جاسم محمّد -كلّية الآداب ـ جامعة بغداد / م. د. أنوار مجيد سرحان - كلّية الآداب ـ جامعة بغداد

خلاصة المقال

المقدّمة

يتناول هذا البحث قضيّة قصديّة المتكلّم وأثرها في المخاطَب في خطبتي السيّدة زينب’، اللتين تُعدّان من جواهر الإرث الحضاري لأهل البيت الأطهار^؛ لما تميّزتا به من دقّة البيان، وجماليّة الأُسلوب، وفصاحة الألفاظ، وبلاغة الخطاب، وروعة النظم؛ فضلاً عن أهمّية موضوعاتهما، وقيمة ما وراءهما من مغازٍ وأهداف، فكانت خطبتاها ـ في الكوفة والشام ـ من روائع الخطب الثوريّة في الإسلام، ومن متمّمات النهضة الحسينيّة.

فجاء البحث بعنوان (قصديّة المتكلّم وأثرها في المخاطب.. خطبتا السيّدة زينب’ أُنموذجاً). وقام على ركنين: الأوّل: المتكلّم. والثاني: المخاطَب. والعلاقة بين الاثنين ترتكز على أمرين: الأوّل: الإفهام الذي يسعى المتكلّم إليه؛ لإيصال الفكرة. والثاني: عدم الغموض؛ لتستمرّ تلك العلاقة بالتواصل بين الاثنين.

وقد بدأنا البحث بتمهيد وضّحنا فيه مفهوم القصديّة، ومفهوم المتكلّم والمخاطَب، ثم قسّمنا البحث على مبحثين، وقفنا في الأوّل عند القصديّة التي ترمي إليها السيّدة زينب’، والتي سعت في خطبتيها إلى إيصالها إلى المخاطَب.

ووضّحنا في المبحث الثاني الوسائل والأدوات التي استعملتها لإيصال قصديّتها إلى المخاطَب وأثرها فيه، عن طريق خطبتيها’ في الكوفة والشام، فكشفنا بذلك عن أثر الخطاب النسوي في بيان مظلوميّة النساء في واقعة الطفّ، تلك المظلوميّة التي عبّرت عنها السيّدة زينب’ في خطبتيها اللتين وقفنا عندهما في هذه الدراسة.

ثمّ ختمنا البحث بنتائجه. اعتماداً على المنهج التحليلي في التقصّي والوصول إلى النتائج.

التمهيد

أوّلاً: مفهوم القصديّة

إنّ محاولة استجلاء مصطلح القصديّة تُحيلنا إلى التمعّن في تعريفه، فهو يعني: «قصديّة المنتج توفير التضامّ والتقارن في النصّ، وأن يكون أداةً لخطّة موجّهة إلى هدف»[1]. وتتمحور عناية القصديّة حول اتّجاه منتج النصّ إلى أن تؤلّف مجموعة الوقائع نصّاً متضامّاً متقارناً ذا نفعٍ عملي وفكري في تحقيق مقاصده، أي: في نشر معرفة أو معارف عدّة، أو بلوغ هدف أو أهداف عدّة، يتعيّن من خلال خطّة معدّة من منتج النصّ[2].

إنّ التضامّ في ظاهر النصّ، والتقارن في باطنه، يُعدّان أكثر معيارين وضوحاً في معايير النصّية، وهما يظهران كيفيّة تآلف العناصر المكوّنة للنصّ، وإفادتها للمعنى، غير أنّهما يعجزان عن تزويدنا بحدود فصل مطلقة تُميّز بين النصوص وغير النصوص في الاتّصال الواقعي، ففي وسع الناس استعمال نصوص تبدو ـ لأسباب مختلفة ـ غير مستكملة التضامّ والتقارن، وهم يقومون بذلك فعلاً، ولذا يتوجّب إدخال اتّجاهات مستعملي النصّ ضمن معايير النصّية، ولا غنى لأيّة تشكيلة لغويّة يُراد استغلالها في التفاعل الاتّصالي عن توافر القصد (القصديّة) بأن تكون نصّاً، وعن قبولها بهذا الاعتبار[3].

إنّ القصديّة بالمعنى الأوسع لهذا المصطلح تُشير إلى جميع الطرائق التي يتّخذها منتجو النصوص في استغلال النصوص من أجل متابعة مقاصدهم المتعدّدة، وتحقيقها بشكل كامل.

ثانياً: المُتكلِّم والمُخاطَب 

المتكلّم: لفظة جاءت من مادّة (كلم)، يقال: «كلِمُ: القرآنُ: كلام الله وكلِمُ الله وكلماته وكلمته، وكلام الله لا يُحدّ ولا يُعدُّ... وقيل: الكلام ما كان مكتفياً بنفسه، وهو الجملة... وتكلّم الرجل تكلّماً وتكلاماً، وكلّمه كلاماً، جاؤوا به على موازنة الأفعال. وكالمه: ناطقه. وكليمك: الذي يكلّمك... ورجل تكلام وتكلامة وكلماني: جيّد الكلام، فصيح، حسن الكلام، منطيق»[4].

والمتكلّم: هو الطرف الأوّل في العمليّة التخاطبيّة، وهو الطرف الذي يصدر الكلام بقصده وإرادته واعتقاده. والمتكلّم في بحثنا هذا هو السيّدة زينب’.

أمّا المخاطَب فهو الطرف الثاني في العمليّة التخاطبيّة، وهو الذي يوجَّه إليه الكلام من قبل المتكلّم.

المبحث الأوّل: قصديّة المتكلّم (السيّدة زينب (

ذكرنا في التمهيد أنّ القصديّة تُشير إلى جميع الطرائق التي يتّخذها منتجو النصوص في استغلال النصوص من أجل متابعة مقاصدهم المتعدّدة، وتحقيقها بشكل كامل، وفي بحثنا هذا نقف عند السيّدة زينب’ في خطبتيها في الكوفة والشام، فهي تمثّل هنا المتكلّم الذي له قصديّة في كلامه، يعمل على إيصالها إلى المخاطَب، ففي خطبتيها’ في الكوفة والشام قصدت أُموراً عدّة، يمكن إجمالها على النحو الآتي:

 بيان هول المصاب، وعظيم الفاجعة التي حلّت بها بفقد إخوتها وأهل بيتها^، وزاد في ذلك أخذها أسيرةً مسبيّةً إلى الشام، هي ومَن معها من نساء أهل البيت^.

الدفاع عن الحرّية والحقّ والعقيدة.

بيان حالة الحزن والألم والأسى الذي أصاب نساء أهل البيت^ ومَن معهن.

بيان الجبروت والطغيان والظلم، وصفات الغدر والخيانة التي تميّز بها المخاطَب.

بيان مدى القوّة والشجاعة والعزّة والبطولة التي تميّزت بها شخصيّة المتكلّم (السيّدة زينب’).

تعريف المتكلّم ـ السيّدة زينب’ ـ بنفسه، ومن أية سلالة هو.

التشهير بالمخاطَب، وإظهار وجهه الحقيقي، وكشفه وفضحه أمام الناس عن طريق بيان الفعل الذي قام به؛ فضلاً عمّا تميّز به من صفات الخيانة والغدر والإخلاف بالعهد.

محاججة المخاطَب في فعله عن طريق رسم صورة تقوم على التناقض بين المتكلّم والمخاطَب.

إعلام المخاطَب بما ينتظره في الآخرة من العقاب؛ بسبب فعله الشنيع الذي قام به تجاه أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة.

مخاطبة الرأي العامّ، ولا سيّما أهل الكوفة، وإيضاح الحقائق لهم، بأُسلوب يعتمد على المكاشفة والمصارحة.

المبحث الثاني: وسائل المتكلّم )السيّدة زينب) في إيصال قصديّتها

 ممّا لا شكّ فيه أنّ السيّدة زينب’ امرأة ليست كبقيّة نساء العالمين، فهي بنت علي وفاطمة÷، فلا بدّ أن تكون ثقافتها انعكاساً لما تربّت عليه من بلاغة وفصاحة وبيان ورثته عن أبيها وأُمّها، وبالفعل نجد كلّ هذا فيها؛ فضلاً عمّا تميّزت به من شجاعة وجرأة ورثتهما عنهما÷، ولذا نجد وسائلها وأدواتها في إيصال قصديّتها ومبتغاها في خطبتيها تميّزت بالتنوّع والتعدّد في سبيل التأثير في المخاطَب، وإيصاله إلى نقطة الإقناع في خطابها.

وفي ضوء دراستنا ـ هذه ـ يمكننا تقسيم تلك الوسائل والأدوات التي اعتمدت عليها السيّدة زينب’ على النحو الآتي:

أوّلاً: ما يعتمد على التركيب

من الأدوات التي اعتمدت عليها السيّدة زينب’ في خطبتيها، ما يرجع إلى التركيب أو الأساليب التي يستعملها المتكلّم في إيصال قصديّته، وقد تميّزت هذه التراكيب عندها بالتنوّع، وهي على النحو الآتي:

1ـ النداء

يُعرّف النحاةُ النداءَ بأنّه: «توجيه الدعوة إلى المخاطَب، وتنبيهه للإصغاء وسماع ما يُريده المتكلّم»[5].

وكان للنداء مساحة في خطب السيّدة  زينب’، ففي خطبتها في الكوفة نجدها تستعمل النداء في قولها: «يا أهْلَ الكُوفة، يا أهْلَ الختْلِ والغَدْر»[6]، فهي قد استعملت النداء بأداة النداء (يا)، وقد كرّرته مرّتين، مرّة مع الاسم (يا أهلَ الكوفة)، ومرّة أُخرى مع الصفة (يا أهلَ الختْلِ والغدر)؛ مؤكّدة بذلك مدى الحزن والأسى الذي تشعر به بسبب مصائبها’، وجاذبة بذلك المخاطَب إلى خطابها، ومؤكّدة ـ أيضاً ـ صفات المخاطَبين وفعلهم الشنيع عن طريق بيانها لصفاتهم، فهم أهل الختل والغدر.

في حين نجدها في المقابل تُبيّن صفات أهل البيت^ بقولها: «سَلِيل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدره سنّتكم»[7]. وبذلك رسمت للمخاطَب صورةً تقوم على التضادّ في الصفات، وهي وسيلة من وسائل جذبها للمخاطَب.

وفي خطبتها’ في مجلس يزيد، نجدها تستعمل النداء في قولها: «يا يزيدُ...
 يا يزيدُ... يابن الطلقاء... يا عدوَّ الله
»[8]. فهي قد استعملت النداء أربع مرّات، في كلّ مرّة قصدت معنىً يختلف عمّا تقصده في غيرها، ففي قولها: (يا يزيد) دلالة على ما قام به من فعل، فخصّته هو دون أهل المجلس بهذا النداء. وفي قولها: (يابن الطلقاء) قصدت عقد مقارنة بأحقّية الأمر بين أبناء الطلقاء وأبناء الرسول الكريم‘. وفي قولها: (يا عدوّ الله) إشارة إلى ما قام به من فعل لا يقوم به مَن يوالي الله.

2ـ الاستفهام

وهو وسيلة تعبيريّة مهمّة، وهو من الأساليب التي يكثر استعمالها في الشعر والنثر؛ وذلك لتنوّع المعاني المجازيّة التي يخرج إليها، وقد عرّفه البلاغيّون بقولهم: هو «طلب الفهم بأدوات معروفة»[9].

وهو من الوسائل التي استعملتها السيّدة زينب’ في بيان قصديّتها، ففي خطبتها في الكوفة نجدها تستعمل هذا الأُسلوب في قولها: «أتبكون وتنتحبون؟»[10]، فاستعملت الهمزة التي جاءت للاستفهام الإنكاري بقصد التوبيخ للمخاطَب؛ إذ أنكرت على المخاطَب بكاءه، وما صاحب هذا البكاء من النياح وذرف الدموع التي جاءت فعلاً كاذباً؛ لعملهم الشنيع المتمثّل في قتل الإمام الحسين× ومَن معه من أهل البيت^، ففعلهم (البكاء) يُخالف فعلهم (القتل) ويتناقض معه، فالإنكار هنا بسبب كذبهم بالفعل الصادر عنهم.

ونجدها في موضع آخر من الخطبة تستعمل الاستفهام في قولها’: «أتَدْرون أيّ كبدٍ لرسول الله فريتم؟ وأيّ كريمةٍ لهُ أبرزتم؟ وأيّ دمٍ لهُ سفكتم؟ وأيّ حرمةٍ لهُ هتكتكم؟»[11]. فاستعملت أداة الاستفهام (أيّ)، وقد كرّرتها أربع مرّات، كاشفةً للمخاطَب مدى الألم والحرقة اللذين تشعر بهما بسبب الفعل الذي قام به المخاطَب، ولهذا نجدها تكرّر السؤال عن مكانة المقتول والمنزلة التي هو فيها عن طريق ذكرها لمكانته والصفات التي يتميّز بها.

وفي قولها’: «أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وضيّقت علينا آفاق السماء... أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟»[12]. جاءت الهمزة في هذا النصّ لغرض الإنكار على فعله.

وفي قولها’: «أتقولُ: ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا، غيرَ مُتَأثّمٍ ولا مُستَعظِم»[13]، فالهمزة هنا جاءت لغرض التعجّب في مخاطبتها ليزيد، فهي تتعجّب من قوله وهو غير مبالٍ لعظيم الإثم الذي ارتكبه في آل البيت^!

3ـ أُسلوب الأمر

هو: «طلب الفعل من الأعلى إلى الأدنى حقيقةً وادّعاءً»[14]. ويأتي الأمر بصور مختلفة[15]، وقد يأتي على الأصل اللغوي، أو قد يأتي على سبيل المجاز، فيحمل معاني بلاغيّة متعدّدة.

وقد استعملته السيّدة زينب’ في إنتاج خطابها مع الآخر وسيلةً في إيصال قصديّتها للمخاطَب، ومن ذلك قولها’: «فابْكوا كثيراً، واضحَكوا قليلاً»[16]، فنجدها تستعمل فعل الأمر (ابكوا، اضحكوا) الذي خرج بقصد المعنى المجازي وهو التهديد، أي: إنّها قصدت التخويف لهم؛ بسبب فعلهم الشنيع. وقد يكون الأمر هنا خرج بقصد معنىً آخر، وهو الإخبار بأنّ بكاءهم سيكون كثيراً؛ بسبب فعلهم الذي قاموا به.

وشبيه ذلك قولها: «فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَالله لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميتُ وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها»[17]، فنجدها في هذا النصّ قد جمعت بين أُسلوبين، هما: الأمر، والنهي. والثاني هو: «طلب كفّ عن فعل على جهة الاستعلاء»[18]، وصيغته تقترن مع الفعل المضارع فتجزمه، وقد استعملته هنا في أغراض مجازيّة؛ إذ خرج إلى غرض التهديد والوعيد، فهي تُريد أن تبلّغ المخاطَب بأنّه مهما عمل ومهما بذل من جهد، فإنّه لا يستطيع أن يمحو ذكر آل البيت^، ولا يستطيع أن يُميت وحيهم، فما نتيجة فعله إلّا الخزي والعار له في الدنيا والآخرة.

ثانياً: ما يعتمد على البنية الإيقاعيّة

تمثّل البنية الإيقاعيّة الركيزة الأساسيّة في بناء النصّ، فهي «أوّل المظاهر المادّية المحسوسة للنسيج الشعري الصوتي وتعلّقاته الدلاليّة»[19]. وتبرز البنية الإيقاعيّة في خطاب السيّدة زينب’ عن طريق العناية المتمثّلة في الإبداع، والتعليم، والتأليف؛ إذ رصّعت خطبتيها بفنون متنوّعة من الإيقاع الموسيقي، منها:

1ـ الجناس

هو تشابه اللفظين في النطق تشابهاً تامّاً أو جزئيّاً، مع اختلافهما في المعنى[20]. وقد شكّل الجناس حضوراً واضحاً في خطبتي السيّدة زينب’؛ فلو رجعنا إلى خطبتها في مجلس يزيد لوجدناها حافلةً بالجناسات، فمن ذلك قولها’: «فأصبحنا نُساق كما يُساق الأُسارى... »[21]، فقد ورد الجناس بين (نُساق، ويُساق)، وهو جناس ناقص.

وفي قولها: «حِين رأيت الدنيا مُستوسِقةً لك، والأُمور مُتّسِقةً عليك»[22]، فجاء الجناس بين (مستوسقة، ومتّسقة).

وفي قولها’: «غير أنّ العيونَ عَبْرَى، والصُّدُورَ حَرَّى»[23]، فنجد الجناس في (عبرى، وحرّى)، وهو جناس متطرّف.

وفي قولها’: «فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك»[24]، فنجد الجناس في (فكد، وكيدك، واسعَ، وسعيك)، وهو جناس اشتقاقي.

وورد الجناس في خطبتها في الكوفة في قولها’: «فلقد ذهبْتُم بعارِها وشنارِها»[25]، فالجناس في (عارها، وشنارها)، وهو جناس مضارع.

وممّا تقدّم نجد السيّدة زينب’ قد استعملت مختلف أنواع الجناس في خطابها، منتجةً بذلك موسيقى خاصّة في النصّ، ناتجةً عن اختلاف الأصوات واختلاف صفاتها بين الشدّة والرخاوة، والجهر والهمس، وقصديّتها بذلك شدّ انتباه المخاطَب إليها عن طريق إنتاج هذه الموسيقى الداخليّة في خطابها، وهي بهذا قد استعملت الألفاظ التي تضافرت فيها «الموسيقى الداخليّة مع الموسيقى الخارجيّة، فنهضت بالنصّ الإبداعي إلى أعلى المستويات، وكان وقعها في أذهان المتلقّين مؤثّراً، جعل الناس في حيرة من أمرهم، بعد أن تكشّفت الحجب التي حالت بينهم وبين الحقيقة»[26].

2ـ الطباق

هو التطبيق والتكافؤ، والطباق والمطابقة والمقاسمة[27]، وهو من الظواهر الموسيقيّة الداخليّة، وقد كان له حضور في خطبتي السيّدة زينب’، من ذلك قولها: «أظنَنْتَ يا يزيدُ حيثُ أُخِذَ عَلَيْنَا بِأطْرَافِ الأرضِ وَأكْنَافِ السَّمَاءِ»[28]، فجاء الطباق في (بأطراف الأرض، وأكناف السماء). وقصديّتها في هذا الاستعمال بيان هدف يزيد في قتله آل البيت^ في المعنى الذي صوّرته في البحث والتفتيش عنهم، وكأنّهم قد ارتكبوا الذنوب العظام، والفساد في الأرض، غير أنّها تعني معنىً آخر باطناً غير ظاهر للمخاطَب.

وكانت خطبتها في مجلس يزيد حافلةً بالطباق، أو ما يُسمّى بالتضادّ، ومن ذلك قولها’: «ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد، والدنيّ والشريف... لقتلِ حزبِ الله النجباءِ، بحزبِ الشيطانِ الطلقاءِ...»[29]، فجاء التضادّ بين (القريب والبعيد، الدني والشريف، حزب الله وحزب الشيطان، النجباء والطلقاء)، فهذه الألفاظ المتضادّة عملت على رسم صور تقوم على التناقض، ممّا أنتج في نفس المخاطَب مفارقةً عملت على شدّ انتباهه؛ فضلاً عن ذلك أنّها عملت على «خلق حالة انفعاليّة في نفس المتلقّي؛ ليوازن بين حالتين، وذلك ما يُساعد على وضوح الصورة في ذهنه، وذلك ما يقصده المبدع»[30].

3ـ التكرار

وهو من الوسائل التي تؤدّي دوراً دلاليّاً واضحاً في النصّ الأدبي، فتكرار لفظة ما، أو عبارة ما يؤدّي إلى تقوية النغم في الكلام[31]. والتكرار ظاهرة أُسلوبيّة تشترك في تكوين الموسيقى الداخليّة في النصّ الأدبي.

وقد حفلت خطبة السيّدة زينب’ في الكوفة بهذه الظاهرة، فمن ذلك قولها’ مخاطبةً أهل الكوفة: «ألا وهل فِيكم إلّا الصّلِف النّطِف، والصّدر الشّنِف، وملق الإماءِ، وغمْز الأعداءِ؟»[32]، فنجد السيّدة زينب’ اعتمدت على تكرار عدد من الأصوات، فكرّرت صوت الفاء في (الصلف، النطف، الشنف)، وهو من أصوات الصفير العالية[33]، وهي بهذا قصدت إنتاج موسيقى تقوم على ظاهرة تكرار الصوت بقصد تأكيد صفات المخاطَب والتنبيه عليها.

ونجدها في النصّ نفسه كرّرت صوتي الهمزة والمدّ في (الإماء، الأعداء)، وغرضها في ذلك إظهار مساوئ أخلاق المخاطَب.

ونجدها’ في الخطبة نفسها قد كرّرت العديد من الأصوات، مثل: السين، والكاف، والحاء.

وفي خطبتها في مجلس يزيد نجدها تُكرّر بعض الأساليب والتراكيب، كقولها: «ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم، وساء ما تزِرون لِيومِ بعثِكم، فتعساً تعساً، ونكساً نكساً، لقد خاب السعي، وتبّتِ الأيدي، وخسِرتِ الصفقة، وبؤتم‏ بغضبٍ مِن الله»[34]، فنجد التكرار اللفظي في (ساء، وتعساً، ونكساً)، فضلاً عن تكرار صوت السين الصفيري الذي كرّرته تسع مرّات، ممّا أضفى على النصّ إيقاعاً، وأكّد المعنى الذي قصدته من توبيخ لهم ودعاء عليهم. وهي في كلّ ما استعملته من تكرار ـ سواء كان بالحرف، أم اللفظ، أم التركيب ـ قصدت إنتاج دلالة موسيقيّة تقوم على التكرار بقصد توكيد المعنى في نفس المخاطَب وشدّ انتباهه، فضلاً عمّا ينتجه التكرار في النصّ من ترابط بين الفقرات.

 4ـ السجع

يُعدّ السجع من الظواهر الأُسلوبيّة الصوتيّة في النصّ الأدبي، ويُقصد به «تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد»[35]. وتأتي أهمّيته من كونه يمتلك القدرة على نقل الكلام المنثور من الحالة النثريّة التقريريّة إلى حالة ذات طابع إيقاعي مميّز، فهو أحد المرتكزات الصوتيّة التي تُسهم في تكوين الإيقاع، فضلاً عن المساهمة في تشكيل الانسجام اللفظي في السياق، ويُعطي رونقاً ونغمةً موسيقيّةً للكلام.

وقد شكّل هذا الفنّ سمةً أُسلوبيّة صوتيّةً مميّزةً في خطبتيها’، فكان من الوسائل التي استعملتها في شدّ انتباه المخاطَب، فمن ذلك قولها’: «ولئن جرّت عليَّ الدواهي مخاطبتك، فإنّي لأستصغرُ قدرَك، وأستعظم تقريعَك، وأستكثرُ توبيخَك... فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدَك»[36]، فنجد نهايات الفقرات تنتهي بالصوت نفسه، وهو (الكاف)؛ لشدّ انتباه المخاطَب.

وفي خطبتها في الكوفة نجدها تقول: «ويلكم يا أهلَ الكوفةِ! أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم؟! وأيّ كريمةٍ له أبرزتم؟! وأيّ دمٍ لهُ سَفكتُم؟! وأيّ حرمةٍ له هَتكتُم؟! لقد جئتُم بها صَلعاءَ عَنقاءَ سوداءَ فَقماءَ خَرقاءَ شَوهاءَ، كطِلاع الأرضِ وملءِ السماءِ»[37]، فجاء السجع في قولها: (فريتم، أبرزتم، سفكتم، هتكتم). وقولها: (صَلعاءَ، عَنقاءَ، سَوداءَ، فَقماءَ، خَرقاءَ، شَوهاءَ)، فضلاً عن تكرار اسم الاستفهام (أيّ) أربع مرّات؛ تعظيماً لما قاموا به من فعل، وإبرازاً لفداحته، وهي بذلك كلّه استطاعت إيصال الرسالة التي وجّهتها لأهل الكوفة الذين غدروا بأهلها، فضلاً عمّا حقّقته ألفاظها من تأثير فيهم، حتّى قيل: إنّ المجلس قد ضجّ ببكائهم. وهذا دليل على قوّة حجّتها، وبلاغة كلماتها التي ألقتها في المجلس، ممّا أثّر في المتلقّين.

وهكذا نجد السيّدة زينب’ قد استعملت السجع وسيلةً موسيقيّةً في شدّ انتباه المخاطَب، وغرضها في ذلك إيصال الفكرة والمعنى المراد من خطابها عن طريق إنتاج موسيقى داخل النصّ الخطابي تقوم على فكرة إنتاج أصوات مختلفة في كلمات مختلفة، بين جهر وهمس، وشدّة ورخاوة، ممّا له أثره في المخاطَب، وفي إنتاج نصّ يتميّز بالتناسق والوحدة الموضوعيّة التي لها أثرها في النفس[38].

ثالثاً: ما اعتُمد على تشكيل الصورة

الصورة مصطلح واسع لا تحدّه حدود، وقد عُبّر عنه بمفاهيم كثيرة، فهو قابل للتغيير تبعاً للتطوّر الذي يحصل في الأدب على مرّ العصور، وعلى هذا الأساس لا يمكن وضع تعريف محدّد للصورة؛ لأنّه سيلغي ما لها من أهمّية؛ «لأنّ للصورة دلالات مختلفةً، وترابطات متشابكةً، وطبيعةً مرنةً»[39].

وقد اندرج مفهوم الصورة في مصطلحات كثيرة، وتحت مسمّيات تناولت هذه اللفظة من جهات مختلفة، منها: الأدبيّة، والشعريّة، والفنّية، والبلاغيّة، والمجازيّة. وهي في مجموعها تعبيرات تكاد تترادف في أنّها تُعبّر عن شكل لغوي مخصوص لدى المبدع، يتناول في رسمه مفردات، ليُظهر عبرها معنىً أو عاطفةً أو فكرةً، ويعني من وراء ذلك التأثير في المتلقّي[40].

وقد عرّف الناقد سي ـ دي لويس الصورةَ قائلاً: «رسمٌ قوامُه الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطفة»[41]. فعدَّ الصورة الهيكل، والكلمات هي الروح التي تُجسّد هذا الهيكل.

ويتجلّى جمال الصورة في خلق علاقات لغويّة جديدة بين الكلمات تتجاوز دلالاتها المباشرة؛ لأنّ المبدع «ميّال إلى التعبير عن العوالم الشعوريّة المجرّدة بطريقة تجعله يستثمر مدركات العالم، وأشياءه الحسّية للقيام بمهمّة الأداء، وذلك بإعادة تشكيلها وفق ما يتصوّره من معانٍ ودلالات تعجز اللغة المباشرة عن الإفصاح عنه»[42].

وقد استثمرت السيّدة زينب’ الصور البلاغيّة لأداء هذه المهمّة؛ لأنّ من وظيفة الصورة البلاغيّة التمثيل الحسّي للتجربة؛ لكونها «صورة قويّة، بعيدة المدى»[43]، فضلاً عن مهمّتها في التأثير في المخاطَب. وارتكزت الصورة البلاغيّة عندها على الأساليب الآتية:

1ـ الصورة التشبيهية

التشبيه هو الصورة التي يكوّنها خيال المبدع من خلال المماثلة بين أشياء اشتركت في صفات معيّنة، ويكمن في العلاقة التي تربط بين طرفيه في رؤية المبدع التي يتميّز بها من سواه، ويعبِّر بواسطتها عن معنىً كامن في نفسه؛ لما يمتاز به التشبيه من قدرة فنّية على رسم الصور الموحية وإيصالها إلى المتلقّي، لذلك كثر التشبيه في كلام العرب وأشعارهم، وعدّوه وسيلةً للتعبير عن مكنون مشاعرهم وأفكارهم؛ لأنّه «يزيد المعنى وضوحاً، ويكسبه تأكيداً»[44].

وقد وصفه صاحب الطراز بأنّه «بحر البلاغة، وأبو عذرتها، وسرّها، ولبابها، وإنسان مقلتها»[45].

وكلّما كان التشبيه مبتكراً كان أكثر جمالاً وحيويّةً.

 وللصورة التشبيهية حضور واسع في خطب السيّدة زينب’، فكانت من وسائلها التي استعملتها في بيان قصديّتها والتأثير في المخاطَب، ومن ذلك قولها’: «فأصبحنا نُساق كما يُساق الأُسارى»[46]. تصوير لحال النساء والأطفال بصورة الأُسارى الذين يُساقون من بلد إلى بلد، ولا يُراعى فيهم إلٌّ ولا ذمّة، وهم آل البيت^.

فقد استعملت صورةً تشبيهيّةً تقوم على التشبيه المرسَل المجمَل؛ إذ ذكرت الأداة ولم تذكر وجه الشبه، والمشبّه هنا (سوق النساء والأطفال)، والمشبّه به (سوق الأُسارى)، وهو مركّب الطرفين، فالسوق يستدعي السير والضرب والجوع والعطش، وباجتماع هذه كلّها يتركّب المشبّه، وكذلك المشبّه به، ووجه الشبه هنا (الظلم والأذى).

 وهي بذلك تستنكر زعمهم الإسلام، وظلمهم بنات رسول الله‘، ولهذا نجدها تعتمد في قصديّتها ـ هنا ـ الصورة البصريّة السمعيّة لبيان حالهم، فهم معروفو الصفات عند المسلمين كافّة، ويكون سبيهم على مرأى الجميع، فلم تكتفِ بقولها: (أصبحنا نُساق)، بل بيّنت عظيم ما جرى عليهم من ظلم، فشبّهت سوقهم بسوق الأُسارى، وهذا ما يجعل المخاطَبين يزيدون نقمةً على مَن فعل بهم هذا. وبالفعل كان لكلامها البليغ أثرٌ كبير في تأليب الناس على يزيد، وإدانته أمام الملأ.

وفي خطبتها في الكوفة نجدها تستعمل التشبيه في قولها’: «إنّما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً، تتّخِذون أيمانكم دخلاً بينكم»[47]. فترسم صورةً بلاغيّةً في خطابها تقوم على التشبيه المقتبس من القرآن الكريم؛ لتثبت صفات الغدر والخيانة وعدم الإيفاء بالعهد والميثاق، وهي في الوقت نفسه ترسم صورةً حيّةً لمعاناتها وآلامها عن طريق ما عبّرت عنه، ممّا لمسته من تجاربها المرّة مع المخاطَب (أهل الكوفة)، الناقضين للعهد والمواثيق، ولهذا نجدها تؤكّد هذا المعنى في قولها: «ألا وهل فيكم إلّا الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟»[48].

وفي قولها’: «... أو كمرعىً على دِمنةٍ، أو كفِضّةٍ على ملحودةٍ»[49]، فنجدها تُشبّه المخاطَب بالمرعى ـ وهو محلّ العشب الجميل ـ على دمنة، وهي محلّ تراكم أرواث الحيوانات، وتُشبّه المخاطَب بالفضّة على ملحودة، وهي الجثّة الموضوعة في القبر، ووجه الشبه هنا إظهار خلاف ما يكنّون، وغرضها في هذا إظهار حقيقة المخاطَب المنافقة، أي إنّ باطنهم رديء وقبيح، وظاهرهم حسن وجميل، ولذلك ركّزت على هذا اللون من التشبيه لإثبات القوّة البلاغيّة لهذا الفنّ في نفس المخاطَب، والتأثير فيه.

وفي قولها’: «وأَيُّ كَبدٍ لرسول الله فَرَيتُم»[50]، فهنا جاء التشبيه بليغاً؛ إذ حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه، والغرض من ذلك بيان المتكلّم (السيّدة زينب’) شدّة الشبه بين المشبّه والمشبّه به، فقد شبّهت الإمام الحسين× بكبد رسول الله‘، ووجه الشبه المكانة المهمّة والعالية للمشبّه لدى النبي‘ بالنسبة إلى غيره من العباد.

2ـ الصورة الاستعاريّة

بما أنّ أهمّية الصورة تكمن في إيجازها وجدّتها وقوّة إيحائها[51]، وبعدها عن الأداء المباشر بقصد التأثير في المتلقّي، فقد يلجأ المبدع إلى الاستعارة؛ لما تملكه من قدرة على التشخيص والتجسيم للمعنويّات والمجرّدات والمحسوسات، وبثّ الحياة في الجمادات، بما يخلع عليها من أحاسيسه وانفعالاته، وما يضفيه من ألوان وخيالات تُعطي الصورة بُعداً جماليّاً وإيحائيّاً. والاستعارة: هي «أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتُريد به الطرف الآخر، مدّعياً دخول المشبّه في جنس المشبّه به، دالّاً على ذلك بإثباتك للمشبّه ما يخصّ المشبّه به»[52].

  وقد شغلت الاستعارة مساحةً من خطب السيّدة زينب’؛ إذ كانت الصورة الاستعاريّة إحدى وسائلها المهمّة في التعبير عن أفكارها وانفعالاتها، وقد عبّرت عن طريقها عن قدرة فائقة في خلق الصور وابتكارها، فمن ذلك قولها: «بإهراقِكَ دماءَ ذرّية رسول الله(صلّى الله عليه)، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب»[53].

فقد شبّهت الإمام الحسين× ومَن معه من آل البيت^ بالنجوم؛ لما تميّزوا به من جمال مشرق، ووجه وضّاء متلألئ كالنجوم، على طريق الاستعارة التصريحيّة؛ لأنّها حذفت المشبّه (آل البيت) وذكرت المشبّه به (النجوم)، والطرفان حسّيّان، والجامع بينهما حسّي، وهو الاهتداء، فبالنجوم يهتدي الناس إلى سبيلهم؛ لقوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[54]، فجعل الله نجوم السماء لهداية الناس في البرّ والبحر، وقد وصفت السيّدة زينب’ آل البيت^ بنجوم الأرض على سبيل الاستعارة؛ لتبيّن أنّهم رموز في الأرض، خلقهم الله ليهدوا الناس إلى طريق الحقّ، فكما يُهتدى بالنجوم يُهتدى بهم أيضاً.

ومن ذلك قولها’ في مجلس يزيد: «فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلّب من لحومنا»[55]. فهي صورة استعاريّة تعني أنّ الأيدي والأكفّ والسيوف التي ضربت الإمام الحسين× وآل بيته^ تتقاطر من دماء أُولئك الأطهار، وقد استعارت لفظة تتحلّب ـ بمعنى تستخرج اللبن من ضرع الناقة أو الشاة ـ لترسم صورةً استعاريّةً للأعداء والقتلى، فهم يمتصّون بأفواههم من لحوم آل البيت^ ودمائهم كما يمتصّ فصيل الناقة الحليب منها؛ مشيرةً بذلك إلى شدّة حقدهم وعدائهم لآل البيت^.

وفي استعارتها للفظة (تتحلّب) أرادت أن ترسم صورةً لسهولة قتلهم، فصار لحمهم كالماء الذي يسيل من أفواههم عند ضربه، فاللحوم لا تُحتلب وإنّما تسقط أو تقع عند التقطيع، لذلك شبّهت’ لحومهم بالماء على طريق الاستعارة المكنية، وفضلاً عن ذلك أرادت بيان مخالفتهم للقرآن والسنّة النبويّة في تحريم أكل لحم الإنسان.

وفي الخطبة نفسها تقول’: «وتلكَ الجُثثُ الطواهرُ الزواكي تتناهبُها العَواسِل، وتَعفُوها أُمَّهاتُ الفَراعل»[56]. فقد رسمت صورةً استعاريّةً؛ إذ وصفت أُولئك القتلة بالذئاب؛ لكونهم يحملون صفة الافتراس، وهي من صفات الذئاب. وتستمرّ الصورة الاستعاريّة في قولها’: (وتعفوها أُمّهات الفراعل)، فقد استعارت لفظة الفراعل التي تعني ولد الضبع؛ لترسم صورةً تقوم على الاستعارة في التعبير عن الذين ركبوا خيولهم وسحقوا الجسد الطاهر بعد قتله بحوافر الخيل، فوصفتهم بأولاد الضبع؛ بسبب صفات الافتراس والغدر وغيرهما التي اتّصفوا بها.

  وفي قولها’: «حين رأيت الدنيا مستوسقةً لك، والأُمور متّسقةً عليك»[57]، قد رسمت صورةً ليزيد تقوم على الاستعارة، فقد شبّهت الأُمور بالثوب، وحذفت المشبّه به (الثوب)، وأبقت على لوازمه (الاتّساق) على سبيل الاستعارة المكنية، وهي استعارة محسوس لمعقول، فقد أرادت’ أن تُبيّن اجتماع الناس وملاصقتهم ليزيد كما يلاصق الثوب صاحبه.

وفي قولها’: «وكيف لا تقول ذلك؟! وقد نكأت القُرحة، واستأصلت الشّأفة»[58]، فنجدها تستعمل صورةً تقوم على الاستعارة؛ فقد استعارت لواقعة كربلاء لفظ (القُرحة)، وكأنّ المعركة عادت من جديد حين بدأ يزيد يضرب ثنايا الإمام الحسين×، وهي استعارة تصريحيّة؛ لحذف المشبّه (المعركة)، والتصريح بلفظ المشبّه به (القرحة). وتشبّه أحداث بدر وأحد بالشأفة، وهي قرحٌ خشن[59]، وهي بهذا تُريد أن تُعطي صورةً كاملةً من بزوغ نور الإسلام حتّى قتل الإمام الحسين× في كربلاء، فتقول للمخاطَب (يزيد) إنّك أرجعت معركة كربلاء بضربك ثنايا الإمام الحسين×، واستأصلت القرح الذي تركه فيكم جدّي رسول الله‘، وأبي علي ابن أبي طالب×، وعمّي حمزة×، فاستأصلت بقتلك الإمام الحسين× وإخوته وأنصاره أصل القرح.

3ـ الصورة الكنائيّة

إنّ التصوير بأُسلوب الكناية يُعطي الصورة بُعداً جماليّاً من خلال الإيحاء والإثارة؛ لأنّ اللفظ فيها يُطلق ويُراد به لازم معناه، مع جواز إرادة المعنى نفسه[60]. والكناية: هي أن «يُريد المتكلّم إثبات معنىً من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنىً هو تاليه وردفه في الوجود، فيومئ به إليه، ويجعله دليلاً عليه»[61].

وقد لجأت السيّدة زينب’ إلى الكناية من أجل خلق صور توحي بالمعنى الكامن في نفسها أو عقلها، من ذلك قولها’: «أظننت يا يزيد، حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء، فأصبحنا نُساق كما يُساق الأُسارى، أنّ بنا هواناً على الله، وبك عليه كرامةً؟! وأنّ هذا لعظيم خطرك عنده؟! فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحاً، حين رأيت الدنيا مستوسقةً لك، والأُمور متّسقةً عليك...»[62].

فقد استنكرت على يزيد ظنّه بكناية تُبيّن من خلالها انقلاب الناس ضدّهم، حتّى لم يبقَ لهم مأوىً يلجؤون إليه، وذلك في قولها: (أُخذ علينا بأطراف الأرض)، فهي كناية عن نسبة الظلم الذي وقع عليهم، فلم تصرّح بها، وإنّما صرّحت بالموصوف ضمير المتكلّمين (نا) في شبه الجملة (علينا)، والصفة (التضييق عليهم)، وقد استعملت الفعل (أُخذ) لتعظيم هذا التضييق والمحاصرة والأسر عليهم، فكأنّها تقول: أُخذ علينا بأطراف الأرض كالمشركين؛ أوَأمرَ الله بغير المشركين، أم نحن منهم؟! ألسنا أبناء الرسالة وأبناء مَن جاء بالقرآن؟! فهي كناية عن عظيم ما فُعل بهم.

ثمّ تستشفع هذه الكناية باستعارة؛ تتمّةً لتعظيم تلك المصيبة، وهي قولها’: (وأكناف السماء)، ولفظة (أكناف) معطوفة على (أطراف)، أي: أُخذ علينا بأكناف السماء أيضاً، وهي استعارة مكنية، فقد ذكرت المشبّه (السماء)، وعدلت عن لفظ المشبّه به (الجبل)؛ لتدلّ عليه بلفظ (أكناف)[63]، والجامع بينهما السعة، وهو تشبيه محسوس بمحسوس، وبهذه الاستعارة تُتمِّم ما أرادت إيصاله في كنايتها السابقة.

ولتوكيد ما ذهبنا إليه من مرادها لهذه الصورة البيانيّة، تأمّل تشبيه أنفسهم ـ آل البيت^ ـ بالأُسارى، وقد صرّحت من خلاله بوجه الشبه (السوق)، ويبدو أنّها أرادت من بيانها هذا إيضاح حال يزيد، وأنّ ما حلّ بهم ليس لأنّه أكرم منهم عند الله، وأعظم خطراً، حتّى جاءت كنايتها لبيان صفاته (فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك)، وهاتان كنايتان عن صفات التعالي والتكبّر والفخر، أرادت السيّدة زينب’ عبرهما إثبات تلك الصفات ليزيد بعد ظنّه المزعوم الذي تولّد عنده، نتيجة اجتماع أُمور الدنيا عنده، من قوّة وسلطان ومال كان بين يديه، وقد كنّت عن اجتماع تلك الأُمور بقولها: (حين رأيت الدنيا مستوسقةً لك، والأُمور متّسقةً عليك)، لتختم تلك المعاني التي أرادت إيصالها ببلاغة التعبير وفنون التصوير البياني بآية قرآنيّة تُثبت ما رَمَت إليه بحجّة قويّة، ودليل توحيدي لله (سبحانه وتعالى)، وهو إمهال الظالمين، لا لأنّهم أصحاب كرامة، وإنّما ليزدادوا إثماً، ومن ثمّ يكون عذابهم أشدّ ألماً.

وقد كنّت’ عن (يزيد) بقولها: «يابن الطلقاء»[64]، والطلقاء: هم «كلّ مَن دخل عليه رسول الله‘ مكّة عنوةً بالسيف فملكه، ثمّ منّ عليه عن إسلام أو غير إسلام، فهو من الطلقاء ممّن لم يُسلِم كصفوان بن أُميّة، ومَن أسلم كمعاوية بن أبي سفيان»[65]. وهي كناية عن الموصوفين بعدم الدخول في الإسلام إلّا بالقوّة بعد امتداد سلطان المسلمين في مكّة المكرّمة.

وتستمرّ السيّدة زينب’ في رسم الصور البلاغيّة التي تقوم على الكناية، فنجدها تُبيّن ليزيد في خطابها أنّ ما قام به هو ومَن معه من القتل وسفك دماء آل البيت^، لم يكن إلّا قتلاً وسفكاً لدمائه هو لا غير، وذلك بكنايتها في قولها: «والله ما فريت إلّا في جلدك، ولا حززت إلّا في لحمك»[66]، فنجد في النصّ كنايات عن صفات أرادت بها إظهار جهل يزيد بما فعل، فهو لم يعرف أنّه بقتله الإمام الحسين× وتقطيع جسده الشريف لم يقتل إلّا نفسه، ولم يقطع إلّا جسده، وهذا معنى ما ورد في نظريّة تجسيد الأعمال عند الفلاسفة، وما ذهب إليه بعض المفسّرين[67].

وفي قولها: «مع أنّي والله ـ يا عدوّ الله وابن عدوّه ـ أستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك! غير أنّ العيون عبرى، والصدور حرّى، وما يجزي ذلك أو يُغني عنّا، وقد قتل الحسين×»[68]. فـ(عدوّ الله) كناية عن موصوف، فقد ذكرت الصفة (عدوّ الله)، وأعرضت عن الموصوف (يزيد)؛ بغية إظهاره بتركيبها اللغوي الذي يتضمّن (الفسق والفجور والظلم ومحاربة أولياء الله). وكذلك كنّت بـ(ابن عدوّه) عن أبيه معاوية بن أبي سفيان، وكنّت عن الحزن الذي يعتصر قلبها بـ(العيون عبرى، والصدور حرّى)، وهي كناية عن صفة، وهي الحزن.

وفي خطبتها’ في الكوفة نقف عند قولها: «ألا وهل فيكم إلّا الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟»[69]. فالصلف: كناية عن الإعجاب بالنفس، والتكبّر، والبغض من الرجال. والنطف: كناية عن العُجب، أو التلطخ بالعيب. والملق: كناية عن التملّق والتذلّل. والغمز: كناية عن التحقير والإذلال، أو فقدان عزّة النفس. وهي بهذه الكنايات أرادت إثبات صفات المخاطَب عن طريق أُسلوب الكناية بخفاء المعنى الظاهر، وإيراد المعنى الحقيقي، وغرضها بذلك جذب أسماع المخاطَبين، وتنبيه السامعين إلى الصفات السيّئة التي اتّصف بها المخاطَب.

وفي قولها: «أي والله، فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً»[70]، كنّت عن الفرح والحزن، ويكمن القصد هنا بإخفاء المعنى الصريح، والتعبير عنه إيحاءً بقصد جذب المخاطَب.

وفي قولها’: «وأيّ كريمةٍ له أبرزتم؟!... وأيّ حرمةٍ له هتكتم؟!»[71]، جاءت الكناية هنا عن السبايا المخدّرات من آل البيت^، وغرضها في استعمال الكناية في هذا النصّ التنبيه على عظم قدر المكنّى عنه بقربهم من الرسول الكريم‘. وهذا موافق لقولها’: «وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة سنّتكم»[72]، فكلّ ما ورد في هذا النصّ من كنايات (سليل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة سنّتكم)، هي لشخص واحد، وهو الإمام الحسين×، وغرضها في ذلك بيان عظمة شأن الإمام× ومكانته.

وفي قولها×: «فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم‏ بغضب من الله، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة»[73]، مجموعة من الكنايات، فخاب السعي: كناية عن انقطاع الرجاء، وقصدت من ذلك أنّهم قدّموا سلطة يزيد على بيعة الإمام الحسين× وحاربوه. وتبّت الأيدي: كناية عن الخسران والهلاك. وخسرت الصفقة: كناية عن خسران المعاملة.

وقد قصدت السيّدة زينب’ من مجموع هذه الكنايات توبيخ المخاطَبين (أهل الكوفة) على شراء الدنيا، وإرضاء يزيد، وهذا هو الخسران المبين، أن يبيع الفرد دينه وعقيدته وعزّته وآخرته مقابل الدنيا الفانية والمال والخزي، والثمن هنا هو قتل الإمام الحسين×.

رابعاً:  ما اعتمد القرآن الكريم

القرآن الكريم مفخرة العرب في لغتهم؛ إذ لم يتح لأُمّة من الأُمم كتاب مثله من حيث البلاغة، والتأثير في النفوس والقلوب، فهو معجزة بيانيّة خالدة، ومن الطبيعي ألّا تمرّ هذه المعجزة البيانيّة بحياة العرب من دون أن تؤثّر في أدبهم، وهذا ما وجدناه عند السيّدة زينب’؛ إذ يبدو تأثّرها واضحاً بنصوص القرآن الكريم ومعانيه من خلال استقراء خطبها’ في الكوفة والشام، فنجد فيها الأثر القرآني في اقتباسها لبعض آيات القرآن الكريم.

فقد وجدت السيّدة زينب’ في القرآن الكريم نبعاً لا ينضب بمعانيه وألفاظه وعبره التي رسخت في قلبها وفكرها، وقد لجأت إلى الاقتباس منه، لذا نجد بنية خطبتيها لا تخلو منه، ومن ذلك ما وجدناه في خطبتها’ في مجلس يزيد، حيث تبدأ الخطبة باقتباس قوله تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)[74]، وقصديّتها من ذلك شدّ انتباه المخاطَب عن طريق البدء بكلام الحقّ؛ لرسم صورة القتلة، وما قاموا به من فعل قبيح، مبيّنةً حالهم بحال مَن استهزأ بكلام الله.

وهي في الوقت نفسه تُبيّن للمخاطَب نهاية حاله عن طريق اقتباسها لنصّ قرآني آخر في الخطبة نفسها، وهو قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[75]، وقصدت منها بيان أنّ الانتصار في معركة الطفّ هو من توفيق الله}، ولهذا نجدها’ تملأ أسماع يزيد بتلك الألفاظ التي تذكّره بنهايته التعسة، وما يؤول إليه أمره في الدنيا والآخرة. وفي خطبتها في الكوفة نجدها في قولها’: «إنّما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم»[76]، تقتبس من قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ)[77].

ولا يقتصر الاعتماد أو الأثر القرآني على ظاهرة الاقتباس نصّاً فقط، بل نجد هناك بعض الألفاظ أو المعاني القرآنيّة التي اعتمدت عليها السيّدة زينب’ مقتبسةً إيّاها من القرآن الكريم، من ذلك قولها’: «ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم، أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون»[78]، فما ورد في هذا النصّ من معنىً وألفاظ نجده حاضراً في القرآن الكريم، وغرض السيّدة زينب’ في ذلك المبالغة والتخويف بالتوعّد للمخاطَب بالعذاب في الدنيا والآخرة.

الخاتمة

    بعد هذه الرحلة بين خطبتي السيّدة زينب’ في الكوفة والشام، نصل إلى خاتمة بحثنا، وهي على النحو الآتي:

 بيّنت الدراسة ما تميّزت به السيّدة زينب’ في خطبتيها من ثقافة واضحة متنوّعة، فكان منها الثقافة القرآنيّة، والثقافة اللغويّة، والبلاغية، والموسيقيّة، التي برزت بشكل واضح وجلي في أُسلوبها في خطبتيها’ في الكوفة والشام.

 بيّنت الدراسة استعمال السيّدة زينب’ لمختلف الوسائل والأدوات في سبيل بيان قصديّتها، فضلاً عن الاستعانة بالوسائل كلّها، ومنها الصور البلاغيّة التي تقوم على: التشبيه، والاستعارة، والكناية. وهي بذلك تصل بالخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ إلى أعلى درجات التأثير والانفعال في نفس المخاطَب.

 بيّنت الدراسة قدرة الخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ في الجمع بين الوظيفة الإيضاحيّة، والوظيفة التأثيريّة والانفعاليّة في المخاطَب.

 وضّحت الدراسة قدرة الخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ في شدّ انتباه المتلقّي، والتأثير فيه بجعله منفعلاً مع الحدث.

بيّنت الدراسة اعتماد المتكلّم (السيِّدة زينب’) على ظاهرة الاقتباس القرآني أداةً ووسيلةً قويةً ساطعةً في بيان القول وإثباته، وشدّ انتباه المخاطَب، وترسيخ قصديّة المتكلّم في تأكيد الحقائق، وترسيخ المفاهيم في نفس المخاطَب.

 بيّنت الدراسة براعة الخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ، وعلوّ مستواه الثقافي، عن طريق تشخيص الأمراض النفسيّة للمخاطَب، وبيانها على الملأ، وتشخيص نقاط الضعف عند المخاطَب.

 بيّنت الدراسة رقي الخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ، وقدرته في تشخيص حالة التناقض بين الطرفين (المتكلّم/المخاطَب) عن طريق رصد المواقف الإيجابيّة للمتكلّم (السيّدة زينب’، وآل البيت^)، والمواقف السلبيّة للمخاطَب.

 كشفت الدراسة عن قدرة الخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ في معرفة مكانة المخاطَب، ومخاطبته بأُسلوب يتميّز بمراعاة المخاطَب عن طريق استعمال أساليب ووسائل إقناعيّة، تهدف إلى التأثير في المخاطَب وإيصاله إلى درجة القناعة، عن طريق مخاطبته بأُسلوب يتناسب وأحواله ومواقفه وهيئته، ولهذا نجد نبرة الخطاب عند السيّدة زينب’ تختلف بين خطابها في الكوفة، وخطابها في مجلس يزيد.

وضّحت الدراسة  نضوج الخطاب النسوي بعد واقعة الطفّ بما تميّز به من أُسلوب جمع بين اللين والشدّة، والتوبيخ والتقريع، والمكاشفة والمصارحة.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

       الأساليب الإنشائيّة في النحو العربي، عبد السلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي، مصـر، الطبعة الثانية، 1979م.

       أساليب الشعريّة المعاصرة، د.صلاح فضل، دار قباء، القاهرة، 1998م.

       الأصوات اللغويّة، إبراهيم أنيس، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة ـ مصر، الطبعة الثالثة، 1961م.

       الإيضاح في علوم البلاغة، أبو عبد الله محمّد بن عبد الرحمن الخطيب القزويني (ت739هـ)، شرح وتعليق: محمّد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة، 1400هـ /1980م.

       بلاغات النساء، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر الطيفور، تقديم وطبع: أحمد الألفي، منشورات مكتبة بصيرتي، قم ـ إيران.

       البنيّات الدالّة في شعر أمل دنفل، عبد السلام المساوي، منشورات اتّحاد الكتاب العرب، دمشق، الطبعة الأُولى، 1994م.

       التلخيص في علوم البلاغة، جلال الدين القزويني (ت 731هـ)، تحقيق: محمّد هاشم دوريدي، منشورات دار الحكمة، دمشق، الطبعة الأُولى، 1971م.

       جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب، د. ماهر مهدي هلال، دار الحريّة للطباعة والنشر، بغداد ـ العراق، 1980م.

       دلائل الإعجاز في علم المعاني، الإمام عبد القاهر الجرجاني، تصحيح: الشيخ محمّد عبده، تعليق: السيّد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1419هـ /1998م.

10ـزينب الكبرى’ من المهد إلى اللحد، السيّد محمّد كاظم القزويني، تحقيق: السيّد مصطفى القزويني، دار المرتضى، بيروت ـ لبنان، (د.ط )، (د. ت).

11ـشرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله بن محمّد بن حسين بن أبي الحديد المعتزلي (ت565هـ)، تحقيق:محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأُولى، 1378هـ /1959م.

12ـالصورة الشعريّة، سي ـ دي لويس، ترجمة: د. أحمد نصيف الجنابي، ومالك ميري، وسلمان حسن إبراهيم، مراجعة: د. عناد غزوان إسماعيل، منشورات وزارة الثقافة والإعلام ، بغداد ـ العراق، مؤسّسة الخليج للطباعة والنشر، الكويت، ( د، ط)، 1982م.

13ـالصورة الشعريّة في النقد العربي الحديث، د. بشرى موسى صالح، المركز الثقافي العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1994م.

14ـالصورة الفنّية في قصيدة المدح بين ابن سناء الملك والبهاء زهير، تحليل ونقد وموازنة: د. علاء أحمد إبراهيم، دار العلم والإيمان، كفر الشيخ، الطبعة الأُولى، 2008م.

15ـالطراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني (ت 749هـ )، منشورات مؤسّسة النصـر، مطبعة المقتطف، مصـر، (د، ط)، 1332هـ/1914م.

16ـعروس الأفراح، بهاء الدين السبكي، مطبعة عيسى الحلبي، مصر، (د.ت).

17ـكتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري (ت 395هـ)، تحقيق: علي محمّد البجاوي، ومحمّد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار الفكر العربي، مصر، الطبعة الثانية، 1971م.

18ـلسان العرب، جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور، دار صادر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1212هـ.

19ـالمثل السائر، ضياء الدين ابن الأثير ابن أبي الحديد (ت 637هـ)، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، بيروت ـ لبنان، 2010م.

20ـمختصر النحو، د. عبد الهادي الفضيلي، دار الشروق، جدّة، الطبعة السابعة، 1980م.

21ـمعجم المصطلحات العربيّة في اللغة و الأدب، مجدي وهبة، كامل المهندس، مكتبة لبنان، بيروت، 1979م.

22ـمعجم مصطلحات البلاغة وتطوّرها، د. أحمد مطلوب، مكتبة لبنان، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1996م.

23ـمفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي ( ت 626هـ )، تحقيق: أكرام عثمان يوسف، دار الرسالة، بغداد ـ العراق، الطبعة الأُولى، 1400هـ/1980م.

24ـالنحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة والحياة اللغويّة المتجدّدة، عبّاس حسن، الطبعة الأُولى، دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1987م.

الرسائل والأطاريح

   خطب سيّدات البيت العلوي^ حتّى نهاية القرن الأوّل الهجري (دراسة موضوعيّة فنّية)، زينب عبد الله مهدي الموسوي، رسالة ماجستير، كلّية الآداب، جامعة الكوفة، 2008م.

الدوريّات 

   قراءة نقديّة في خطب السيّدة زينب’، د. فليح الركابي، مجلّة حوار الفكر، العدد 9، 2009م.

 



[1] ديبوغراند، روبرت، وآخرون، مدخل إلى علم لغة النصّ: ص12.

 

[2] يُنظر: المصدر السابق: ص30.

 

[3] يُنظر: المصدر السابق: ص152.

 

[4] ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب: مادّة (كلم).

 

[5][5] عبّاس حسن، النحو الوافي: ج4، ص1.

 

[6] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص284.

 

[7] المصدر السابق: 284ـ 285.

 

[8] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص27ـ 28.

 

[9] القزويني، جلال الدين، التلخيص في علوم البلاغة: ص83.

 

[10] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص284.

 

[11] المصدر السابق: ص285.

 

[12] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص30.

 

[13] المصدر السابق: ص27.

 

[14] هارون، عبد السلام محمّد، الأساليب الإنشائيّة في النحو العربي: ص1.

 

[15] يُنظر: الفضلي، د. عبد الهادي، مختصر النحو: ص19.

 

[16] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص284.

 

[17] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص28.

 

[18] السبكي، بهاء الدين، عروس الأفراح: ج2، ص324.

 

[19] د. صلاح فضل، أساليب الشعريّة المعاصرة: ص21.

 

[20] يُنظر: مجدي وهبة، معجم المصطلحات العربيّة في اللغة والأدب: ص188.

 

[21] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص27.

 

[22] المصدر السابق.

 

[23] المصدر السابق: ص28.

 

[24] المصدر السابق.

 

[25] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص284.

 

[26] الركابي، د. فليح، قراءة نقديّة في خطب السيّدة زينب’، مجلّة حوار الفكر، العدد 9: ص99.

 

[27] يُنظر: د. أحمد مطلوب، معجم مصطلحات البلاغة وتطوّرها: ص367.

 

[28] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص28.

 

[29] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص487ـ 489.

 

[30] الركابي، د. فليح، قراءة نقديّة في خطب السيّدة زينب’، مجلّة حوار الفكر، العدد 9: ص98.

 

[31] يُنظر: هلال، د. ماهر مهدي، جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب: ص239.

 

[32] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص284.

 

[33] يُنظر: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغويّة: ص62ـ63.

 

[34] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص285.

 

[35] ابن الأثير، ضياء الدين نصر الله، المثل السائر: ج1، ص95.

 

[36] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى’: ص489ـ490.

 

[37] المصدر السابق: ص285.

 

[38] يُنظر: الموسوي، زينب، خطب سيّدات البيت العلوي حتى نهاية القرن الأوّل الهجري: ص118.

 

[39] د. بشرى موسى صالح، الصورة الشعريّة في النقد العربي الحديث: ص19.

 

[40] يُنظر: د. علاء أحمد إبراهيم، الصورة الفنّية في قصيدة المدح بين ابن سناء الملك والبهاء زهير: ص29.

 

[41] سي ـ دي لويس، الصورة الشعريّة: ص23.

 

[42] المساوي، عبد السلام، البنيات الدالّة في شعر أمل دنقل: ص92.

 

[43] سي ـ دي لويس، الصورة الشعريّة: ص67.

 

[44] العسكري، أبو هلال، كتاب الصناعتين:ص249.

 

[45] العلوي اليمني، يحيى بن حمزة، الطراز المتضمّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز: ج1، ص326.

 

[46] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص27.

 

[47] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى: ص284.

 

[48] المصدر السابق.

 

[49] المصدر السابق.

 

[50] المصدر السابق: 285.

 

[51] يُنظر: سي ـ دي لويس، الصورة الشعريّة: ص44.

 

[52] السكاكي، يوسف، مفتاح العلوم: ص599.

 

[53] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص28.

 

[54] سورة الأنعام: الآية 97.

 

[55] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص27. وتنطف: بمعنى تقطر وتبل.

 

[56] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى:ص489.

 

[57] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص27.

 

[58] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى:ص487.

 

[59]  يُنظر: ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب: مادّة (قرح).

 

[60]  يُنظر: الخطيب القزويني، محمّد، الإيضاح في علوم البلاغة: ص456.

 

[61] الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز في علم المعاني: ص52.

 

[62] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء:ص27ـ 28.

 

[63] أكناف الجبل: نواحيه حيث تنضمّ إليه. يُنظر: ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب: مادّة (كنف).

 

[64] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص28.

 

[65] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج15، ص119.

 

[66] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص28.

 

[67] يُنظر: الطباطبائي، السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج4، ص210.

 

[68] ابن طيفور، أحمد، بلاغات النساء: ص28.

 

[69] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى: ص285.

 

[70] المصدر السابق.

 

[71] المصدر السابق.

 

[72] المصدر السابق.

 

[73] المصدر السابق.

 

[74] الروم: الآية10.

 

[75] آل عمران: الآية 178.

 

[76] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى: ص284.

 

[77] النحل: الآية 92.

 

[78] القزويني، السيّد محمّد كاظم، زينب الكبرى: ص284.