العتبة الحسينيةمؤسسة وارث الأنبياء
مخطوطة العتبة الحسينيةمخطوطة وارث الأنبياء
أُصول المقتل الحسيني ـ دراسة تسلّط الضوء على الأُصول الكوفية للمقتل الحسيني

أُصول المقتل الحسيني ـ دراسة تسلّط الضوء على الأُصول الكوفية للمقتل الحسيني

  • المؤلف: الشيخ عامر الجابري

  • الطبعة: الأولي

  • الناشر : مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

  • سنة الطبع: 1436 هـ ـ 2015 م

مقدمة المؤسسة

الماضي والحاضر والمستقبل، ثلاثة حلقات، يربطها العلم والمعرفة، فتتكوّن منها منظومة متكاملة ممتدة الجذور عبر التاريخ، وواضحة الهوية في الحاضر، وترنو إلىٰ مستقبل سعيد.

إنّ أعظم ما أنعم الله تعالىٰ به علىٰ الإنسان، العلم، فبه يُعرف الله تعالىٰ وبه يُطاع، وبه تتحقق الغاية (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)([i]). وهذا أمر عظيم ومقدس؛ ولأجل ذلك حازت أماكن العلم والتعلّم القداسة والاحترام عند عامّة عقلاء البشـر؛ كونها تصنع الإنسان من خلال رسم الطريق الصحيح والمعرفة الهادية، فالضـرورة قاضية بأهميّة تأسيس الحوزات والمدارس العلمية، والجامعات، والمؤسسات والمراكز البحثية والتحقيقية؛ كونه الخطوة الأهم والأساسية في طريق الحقيقة.

من هنا؛ عمدت الأمانة العامّة للعتبة الحسينية المقدّسة بتأسيس الجامعات والمؤسسات والمراكز العلمية والتحقيقية؛ لنشـر العلم وإنماء المعرفة، وتوسعة دائرة الفضيلة، وتثبيت ركائز الحقيقة، ونشـر معالم النور، إلىٰ جنب ما تبذله من مشاريع خدمية وثقافية وتربوية كثيرة في أماكن متعددة ومتباعدة.

وقد كان للتخصّص دور لافت في تلك المشاريع؛ كونه من شأنه أن يبرز الموضوع الذي تخصّص به بشكل أكبر وأوضح وأفضل، وفي هذا الميدان كان لمؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية في النجف الأشرف وقم المقدسة السمة الأبرز والأوضح في مجال التخصّص العلمي التحقيقي، فهي مؤسسة علمية تخصصية تهتمّ بجميع معالم النهضة الحسينية المقدسة سواء التاريخية منها أو الاجتماعية، أو السياسية، أو العقائدية، أو غيرها، وسواء النقلية أو التحليلية أو التحقيقية وغيرها، وقد عملت المؤسسة علىٰ مجموعة من المشاريع الكبرىٰ في هذا الصدد:

1ـ قسم التحقيق، والعمل فيه جار على تحقيق موسوعة حول التراث المكتوب عن الإمام الحسين× ونهضته المباركة، ما يشمل المقاتل والتاريخ والسيرة وغيرها، وسواء التي كانت بكتاب مستقل أو ضمن كتاب. وكذا العمل جار في هذا القسم على متابعة المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلى الآن؛ لجمعها  وتحقيقها، ثم طباعتها ونشـرها.

2ـ قسم التأليف، والعمل فيه جار على تأليف كتب حول الموضوعات الحسينية المهمة التي لم يتم تناولها بالبحث والتنقيب أو التي لم تُعطَ حقها من ذلك، كما ويتم استقبال الكتب الحسينية المؤلفة خارج المركز  ومتابعتها علمياً وفنياً من قِبل اللجنة العلمية، وبعد إجراء التعديلات والإصلاحات اللازمة يتم طباعتها ونشـرها.

3ـ مجلّة الإصلاح الحسيني، وهي مجلّة فصلية متخصصة في النهضة الحسينية، تهتم بنشـر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسليط الضوء على تاريخ النهضة  المباركة وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة.

4ـ قسم ردّ الشبهات، ويتم فيه جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسين× ونهضته المباركة، ثم فرزها وتبويبها، ثم الردّ عليها بشكل علمي تحقيقي رصين.

5ـ قسم الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين×، وهي موسوعة تجمع كلمات الإمام الحسين× في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ثم تبويبها حسب التخصصات العلمية، ووضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا لنا نظريات علمية واضحة تمازج بين كلمات الإمام الحسين× والواقع العلمي.

6ـ قسم دائرة معارف الإمام الحسين×، وهي موسوعة تشتمل على كل ما يرتبط بالنهضة الحسينية من أحداث ووقائع ومفاهيم ورؤى وأسماء أعلام وأماكن وكتب وغير ذلك من الأُمور، مرتّبة حسب حروف الألف باء، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلى شكل مقالات علمية رصينة تراعى فيها كل شروط المقالة العلمية، ومكتوبة بلغة عصرية وبأُسلوب سلس ومقروء.

7ـ قسم الرسائل الجامعية، والعمل فيه جار على إحصاء الرسائل الجامعية التي كُتبت حول النهضة الحسينية ومتابعتها من قِبل لجنة علمية متخصصة؛ لرفع النواقص العلمية وتهيئتها للطباعة والنشـر. كما ويتم إعداد موضوعات حسينية تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.

8 ـ قسم الترجمة، والعمل فيه جار على ترجمة التراث الحسيني باللغات الأُخرى إلى اللغة العربية.

9ـ قسم الرصد، ويتم فيه رصد جميع القضايا الحسينية المطروحة في الفضائيات والمواقع الالكترونية والكتب والمجلات وغيرها؛ مما يعطي رؤية واضحة حول أهم الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامة للمؤسسة، ورفد بقية الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسسات والمراكز العلمية بمختلف المعلومات.

10ـ قسم الندوات، ويتم من خلاله إقامة ندوات علمية تخصصية في النهضة الحسينية، يحضرها الباحثون والمحققون وذوو الاختصاص.

11ـ قسم المكتبة الحسينية التخصصية، حيث قامت المؤسسة بإنشاء مكتبة حسينية تخصصية تجمع التراث الحسيني المطبوع.

وهناك مشاريع أُخرى سيتم العمل عليها قريباً إن شاء الله تعالى.

مجلّة الإصلاح الحسيني

ومن بين أبرز المشاريع التي أنشأتها هذه المؤسسة المباركة هو إصدار مجلّة فصلية متخصصة في النهضة الحسينية، تحمل عنوان وشعار وهدف وغاية ومنهج وفكر وهداية (الإصلاح الحسيني) وقد احتوت علىٰ المقالات العلمية التحقيقية الرصينة، وقد اتفقت مجموعة من المقالات في تناول موضوع واحد من جهات مختلفة وبإساليب متعدّدة، فكان من المناسب ـ بل والضروري ـ أن تجمع هكذا أبحاث في كتاب واحد حتىٰ تُلملم أطراف البحث الواحد وتعم الفائدة المطلوبة، فكان من الأُمور المهمة التي عملت عليها المؤسسة في قسم مجلّة الإصلاح الحسيني هو إصدار سلسلة مؤلّفات بعنوان كتاب المجلة.

 وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ هو الكتاب الثاني من هذه السلسلة والذي يحمل عنوان (أُصول المقتل الحسيني ) للشيخ عامر الجابري، والتي تم نشـرها في أعداد سابقة من المجلّة مع إضافات جديدة تفضّل بها الكاتب مشكوراً.

وهو يضم بين دفّتيه مجموعة من أُصول المقاتل الحسينية، والتي كانت مصدراً لكتّاب التاريخ في وقتها، وكانت محلاً للاعتماد ومحوراً للنقل، فقد نقل عنها أصحاب الموسوعات التاريخية كثيراً، واعتمدوا عليها.

وقد اختار المؤلّف في هذا الكتاب هذه المجموعة من المقاتل؛ كونها تتفق في قواسم مشتركة من قبيل أنها أقدم المقاتل، وكون مؤلّفيها من الشيعة بالمعنىٰ العام أو الخاص، وكونهم جميعاً من أهل الكوفة.

وفي الختام نتمنىٰ للمؤلف وللإخوة العاملين في قسم مجلّة الإصلاح الحسيني دوام التوفيق في خدمة القضية الحسينية، ونسأل الله تعالىٰ أن يـبارك لنا في أعمالنا إنّه سميع مجيب.

اللجنة العلمية في

مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات   التخصصية في النهضة الحسينية


المقدمة

تُعتبر كتابة المقاتل من أقدم أنواع الكتابة التاريخيّة، وقد ظهر هذا النوع من الكتب إلىٰ جانب كُتب السِّيَر والمغازي والفتوح في مرحلة مبكرة من مراحل كتابة التاريخ الإسلامي، سبقت ظهور كتب التاريخ العام.

وموضوع كُتب المقاتل هو عبارة عن رموز وشخصيات بارزة في المجتمع الإسلامي تعرَّضت إلىٰ القتل، حيث يحاول المؤرِّخ أن يبذل ما بوسعه لرصد جميع ما يرتبط بتفاصيل حادثة القتل وملابساتها ومقدّماتها وإرهاصاتها وتداعياتها وردود الأفعال المباشرة لها، بالإضافة إلىٰ تسليط الضوء علىٰ شخصيّة القتيل وأبعادها وتحديد القاتل المباشر وغيره.

وبهذا البيان يتّضح للقارئ الكريم أنّ هذه الكُتب ليست مقصورة علىٰ رواية مقتل الإمام الحسين×، «فثَمَّة مؤلفون كثيرون كتبوا في (مقتل عليّ)، (مقتل زيد)، (مقتل عثمان)، (مقتل حجر بن عدي)، وغير ذلك، ويجد الباحث أسماء عشرات من كتب المقتل في موضوعات مختلفة»([2]).

ولكن لا ريب في أنّ أكثر تلك الكُتب قد كُتبت في مقتل الإمام الحسين×.

ألهت بني تغلب عن كلِّ مكرمة

قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثوم

       وقد أحصىٰ الشيخ آغا بُزُرْك الطهراني في موسوعته القيمة (الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة) عشـرات الكتب في المقتل الحسينيّ، كُتبت بلغات مختلفة: كالعربيّة، والفارسيّة، والأُرديّة، وغيرها، وهي تنتمي إلىٰ عصور مختلفة ومؤلِّفين من طبقات مختلفة ومستويات متفاوتة.

وقد امتاز المقتل الحسينيّ بميزة أُخرىٰ ألا وهي المواظبة علىٰ قراءته في كلّ عام صبيحة اليوم العاشر من محرَّم في شتّىٰ المجتمعات الشيعيّة، ولم تنقطع هذه العادة إلّا في بعض الظروف الاستثنائية؛ ومن هنا وبمرور الأيام تطوّر معنىٰ كلمة (المقتل) حتّىٰ صارت تدلّ بنفسها ـ وبلا إضافة ـ علىٰ مدلولِ شهادة الإمام الحسين×، فإذا قلتَ: (قرأتُ المقتلَ)، انصرف الذهن إلىٰ مقتل الإمام الحسين×، فصار (المقتل) اصطلاحاً في الكتاب الذي يروي أحداث ووقائع شهادة الإمام الحسين×([3]). قال ابن طاووس: «فإن قيل: فعَلامَ تُجدّدون قراءة المقتل والحزن كلَّ عام؟ فأقول: لأنّ قراءته هو عرض قصّة القتل علىٰ عدل الله (جلّ جلاله) ليأخذ بثأره كما وعد من العدل»([4]).

وقد جرت العادة أن يبدأ الحديث عن المقتل الحسينيّ من وفاة معاوية منتصف رجب عام (60هـ)؛ إذ من هنا تبدأ المواجهة الفعليّة بين الحسين× ويزيد، ثمَّ تصل المواجهة أوجها بحدوث المعركة الخالدة في مطلع سنة (61هـ) أي: في العاشر من المحرّم كما هو معلوم، ويستمرّ أكثر أرباب المقاتل بعرض ما جرىٰ بعد الواقعة من تداعيات وردود أفعال مباشرة، كأحداث الدفن والسبي والآيات الكونيّة التي حدثت بعد مقتل الحسين×.

وقد يذهب بعض المؤرِّخين إلىٰ أبعد من ذلك في الحديث عن الإرهاصات والمقدّمات، كالحديث عن صلح الإمام الحسن× بوصفه مقدّمة لثورة الحسين×، أو الحديث عن الإخبارات الغَيبيّة التي تنبّأت بمقتله×، كما أنّه قد يُفرط البعض أيضاً في الحديث عمّا تلا الواقعة من تداعيات وردود أفعال، كالحديث عن معركة عين الوردة، أو قيام المختار، وما شاكل ذلك.

وفي الواقع أنّنا لو نظرنا إلىٰ إرهاصات واقعة الطفّ ومقدّماتها بهذا المنظار فإنّنا لا ننتهي إلىٰ نقطة محدّدة في التاريخ، فالتاريخ بشكل عام ـ أو تاريخ المعصومين^ علىٰ الأقل ـ هو عبارة عن حلقات متواصلة يرتبط بعضها بالبعض الآخر، كما أنّ لواقعة الطف ردود أفعال وتداعيات مستمرّة إلىٰ قيام الساعة، ولعل ما نكتبه الآن هو من تلك التداعيات وردود الأفعال.

إذا اتّضح هذا نقول: إنّ هناك مجموعة من المقاتل التي كُتبت بعد وقعة الطف يمكن اعتبارها الأُصول التاريخيّة الأُولىٰ والمنابع الأساسية لتاريخ وقعة كربلاء.

والضابطة في كون الكتاب أصلاً تاريخيّاً لهذه الواقعة، هو أن يحتوي علىٰ مادّة تاريخيّة مأخوذة مباشرة من أفواه الرواة، ولم تسجّل في كتاب آخر غير هذا الكتاب، وهذا ما ينطبق علىٰ مجموعة من المقاتل الحسينيّة القديمة، وفي مقدّمتها المقاتل السبعة التالية:

1ـ مقتل الأصبغ بن نباتة الكوفي (ت بعد 101هـ).

2ـ مقتل جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي (ت128هـ).

3ـ مقتل عمّار بن معاوية الدهني الكوفي (ت133هـ).

4ـ مقتل فضيل بن الزبير الأسدي الكوفي (ت بين عامي122ـ 148هـ).

5ـ مقتل أبي مخنف لوط بن يحيىٰ الأزدي الغامدي الكوفي (ت157هـ).

6ـ مقتل هشام بن محمّد الكلبي الكوفي (ت204 ـ 206هـ).

7ـ مقتل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي (ت212هـ).

ولا ريب في أنّ أُصول المقاتل لا تنحصر بهذا العدد، وإنّما قصـرنا البحث في هذا الكتاب علىٰ هذه المقاتل دون غيرها لوجود ثلاثة قواسم مشتركة تربط فيما بينها، وهي:

1ـ إنّ هذه المقاتل هي أقدم المقاتل الحسينيّة علىٰ الإطلاق، حيث كُتبت بأجمعها بين عامي 100هـ ـ 212هـ.

2ـ إنّ أصحاب هذه المقاتل جميعهم من أهل الكوفة.

3ـ إنّ أصحاب هذه المقاتل جميعهم من المحسوبين علىٰ التشيُّع بمعناه الخاص أو العام.

وبملاحظة هذه القواسم المشتركة يمكننا القول وبقوّة: إنّ حركة التأليف والتصنيف حول واقعة الطفّ كانت في بداياتها حركة كوفيّة شيعيّة، وأنّ شيعة الكوفة هم رادة هذا المجال والسبّاقون إليه.

هيكليّة الكتاب

يتكوّن الكتاب الذي بين أيدينا من سبعة فصول؛ إذ خصصنا لكلّ واحد من هذه المقاتل فصلاً مستقلاً، ويتكوّن كلّ فصل من مبحثين أساسيين: يتضمّن أحدهما ترجمة وافية لصاحب المقتل، ويشتمل الآخر علىٰ ما توصّلنا إليه من تحقيق وتنقيب فيما يخصّ كتابه في المقتل، وقد بدأنا كلّ فصل بتقديم مقتضب وختمناه بخاتمة بأهم النتائج التي توصّلنا إليها حول المقتل وصاحبه.

هذه هي هيكليّة الكتاب الأساسية، وقد مهّدنا لذلك بمدخل تمهيدي يشتمل علىٰ المبحثين التاليين:

المبحث الأول: تأخّر تدوين أخبار كربلاء إلىٰ مطلع القرن الثاني الهجري.

المبحث الثاني: نظرة عامّة حول مدينة الكوفة.

وفي ختام هذه المقدّمة، نسأل الله سبحانه وتعالىٰ أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب.

مدخل تمهيدي

لمّا كانت الدراسة التي بين أيدينا تتمحور أحاديثها حول (أُصول المقاتل الكوفيّة)، ولما كانت تلك الأُصول قد كُتب أقدمها بعد وقعة الطف بما يقرب من أربعين عاماً، كان لا بدّ لنا أن نستهلّ هذه الدراسة بمدخل عام يشتمل علىٰ المبحثين التاليين:

المبحث الأوّل: تأخّر تدوين أخبار كربلاء إلىٰ مطلع القرن الثاني.

المبحث الثاني: نظرة عامّة حول مدينة الكوفة.

المبحث الأوّل

 تأخّر تدوين أخبار كربلاء إلى مطلع القرن الثاني الهجري

من الحقائق التاريخيّة التي يجهلها الكثير هو أنّ أحداث ووقائع كربلاء قد بقيت أحاديث وحكاياتٍ شفهيّة، تلهج بها الألسن، ويتهامس بها الرواة في البيوت والمجالس الخاصّة، ما يزيد علىٰ الأربعين عاماً من دون أن يتصدّىٰ أحدٌ إلىٰ جمع تلك الأخبار وتدوينها في القراطيس والصحف.

فمن العبث أن نبحث عن وجود عمل تدويني حول واقعة كربلاء قبل مطلع القرن الثاني الهجري، أي: في العقود الأربعة التي تلت واقعة الطف 61هـ؛ وذلك لوجود عاملين أساسيين تسبّبا في تأخّر مسيرة جمع وتدوين روايات هذه الواقعة، وهما: (جريمة منع تدوين الحديث) و(التقية) التي كان يعيشها أهل البيت^ وأتباعهم في أيام دولة بني أُميّة لا سيما في العقود الأربعة الأُولىٰ، وفيما يأتي تفصيل عن هذين العاملين بحدود ما يتناسب وحجم هذا المدخل.

العامل الأوّل: جريمةُ منعِ تدوين الحديث

كان منع تدوين السنّة النبويّة الشريفة في بداية الأمر مجرّد فكرة أو رؤية أو وجهة نظر تبنّاها بعض الصحابة من قريش، وفي طليعتهم الخليفة الأول والخليفة الثاني ومَن كان يدور في فلكهما وتلتقي غاياته مع غاياتهما.

والأساس النظري المُعلن لهذه الوجهة هو أنّ هؤلاء كانوا لا يرون في النبي| كائناً معصوماً مسدّداً، وإنّما هو بشر عادي يُخطئ ويُصيب، وإذا كان هناك نوع من العصمة يتمتّع بها النبي| فهي لا تتعدّىٰ حدود تبليغ القرآن الكريم.

وكان أوّل إعلان عن هذه النظرية في حياة النبي|، فقد روىٰ الدارمي بسندٍ صحيح عن عبد الله بن عمرو، قال: «كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أُريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم) بشـر يتكلَّم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فأومأ بإصبعه إلىٰ فيه، وقال: اكتب؛ فوالذي نفسي بيده، ما خرج منه إلّا حق»([5]).

فهذا كان أقدم تصريح بهذا التوجّه، وكان أوّل مَن وقف في وجهه هو نفس النبي|، وبقي في حياته| مجرّد صوت نشاز خافت لا يُصغىٰ إليه. وبعد وفاة النبي| واستتباب الأُمور لأصحاب هذه النظرية وتسلُّطهم علىٰ رقاب المسلمين([6]) عمدوا علىٰ الفور إلىٰ تفعيل هذه النظرية وبلورتها علىٰ المستويين النظري والعملي.

فعلىٰ المستوىٰ النظري كانت جهودهم تصبّ في اتّجاهين:

الاتّجاه الأوّل: خلق مبررات نظريّة وفكريّة جديدة حاولت أن تُرمّم المنطلق الفلسفي الذي تقوم عليه هذه النظريّة، وقد تعرّض السيّد عليّ الشهرستاني في (منع تدوين الحديث) إلىٰ جميع هذه المبرّرات، وقام بمناقشتها مناقشةً موضوعيّة علمية جديرة بالاهتمام والرجوع إليها.

الاتّجاه الثاني:وضع روايات عن النبي| تتضمّن النهي عن تدوين السنّة النبويّة الشريفة، وقد تعرّض الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (الحديث النبويّ) إلىٰ أشهر تلك الروايات، وأثبت ضعفها من ناحيتي السند والدلالة معاً.

وأمّا علىٰ المستوىٰ العمليّ، فإنّ الأُمور قد تطوّرت في ثلاثة مسارات:

المسار الأوّل: قوننة قضية المنع

حيث تحوّلت قضية منع التدوين من مجرّد رأي أو فكرة إلىٰ قانون رسمي تتبنّاه الدولة، وتتّخذ التدابير اللازمة لضمان تطبيقه علىٰ أفضل وجه وأكمل صورة.

جاء في تذكرة الحفّاظ للذهبي: «أنّ الصدِّيق جمعَ الناسَ بعد وفاة نبيِّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)شيئاً. فمَن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه»([7]).

فهذه هي أوّل بادرة رسمية في هذا الجانب، وقد سبق أن بادر أبو بكر إلىٰ حرق خمسمائة حديث كان جمعها من أحاديث رسول الله|، كما حدَّثت عنه ابنته عائشة، ولكنّها لم تكن خطوة رسمية ومعلنة كما يبدو([8]).

وفي عهد عمر بن الخطاب أصبح منع تدوين الحديث قانوناً صارماً يتعرّض المخالفُ له إلىٰ شتّىٰ أنواع العقوبة. قال السيّد جعفر مرتضـىٰ العاملي: «ثمّ كانت خلافة عمر بن الخطاب، فكان التحرّك في هذا الاتّجاه أكثر دقّة، كما كان أكثر شموليّة واستقصاء، حتىٰ ليخيل إليك: أنّ هذا الأمر هو أعظم ما كان يشغل بال الخليفة، ويقضّ مضجعه، فكان يتابع هذا الأمر، ويحثّ عليه، ثمَّ يراقب ويعاقب ويتّخذ القرارات والإجراءات بصورة ظاهرة ومستمرّة ودؤوبة»([9]).

ولعلّ أوسع خطوة عمليّة قام بها عمر بن الخطاب في هذا المجال ما رواه الخطيب البغدادي بسنده، عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر، قال: «إنّ عمر بن الخطاب، بلغه أنّه قد ظهر في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها، وقال: أيُّها الناس، إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبّها إلىٰ الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحدٌ عنده كتاب إلّا أتاني به، فأرىٰ فيه رأيي. قال: فظنّوا أنّه يريد أن ينظر فيها ويقوّمها علىٰ أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار، ثمّ قال: أُمنية كأُمنية أهل الكتاب»([10]).

وهكذا استمرّ الحال بعد عمر، وسار مَن جاء بعده من الخلفاء ـ باستثناء فترة خلافة أمير المؤمنين والحسن÷ ـ في نفس هذا المسار، حتىٰ أصبح التدوين في تلك الأيام عيباً يُعيَّر به صاحبه.

المسار الثاني: تقليل التحديث ثمَّ المنع منه

إذا كان الهدف الحقيقي من وراء منع التدوين هو طمس السنّة النبويّة الشريفة بالكامل ـ كما أشرنا سابقاً ـ فمن الطبيعي أن تقوم السلطة الحاكمة بمحاصرة التحديث وتطويقه، ثمَّ منعه من الأساس، وهذا ما حصل بالفعل في خطوات تدريجيّة متتابعة.

فقد لاحظنا سابقاً أنّ الخليفة الأوّل قد نهىٰ الناس عن التحديث عن رسول الله| بقوله: «فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً»، بيد أنّ الناس لم يلتزموا بأوامر أبي بكر في هذا المجال حتىٰ جاء عمر بن الخطاب إلىٰ السلطة، فاتّخذ خطوات متشدّدة في هذا المجال.

فقد روىٰ ابن سعد بسنده، عن قرظة بن كعب الأنصاري، أنّه قال: «أردنا الكوفة فشيَّعَنا عمر إلىٰ صرار، فتوضأ فغسل مرّتين، وقال: تدرون لِمَ شيَّعتكم؟ فقلنا: نعم، نحن أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم). فقال: إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل، فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم. جرِّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، امضوا وأنا شريككم»([11]).

وروىٰ ابن عساكر بسنده، عن السائب بن يزيد، قال: «سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أو لأُلحقنك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركنّ الحديث أو لأُلحقنك بأرض القردة»([12]).

قال الذهبي ـ بعد نقله لهذه الرواية ـ : «قلت: هكذا هو، كان عمر يقول: أقلّوا الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، وزجر غير واحد من الصحابة عن بثِّ الحديث...»([13]).

وذكر المؤرِّخون: «أنّه جمع الصحابة من الآفاق، وطالبهم بما أفشوه من حديث رسول الله|، ثمَّ أمرهم بالمقام عنده، وأن لا يفارقوه ما عاش، ومنعهم من مغادرة المدينة، فبقوا فيها إلىٰ أن مات»([14]).

وقد استطاع ابن الخطاب بهذه السياسة أن يمنع التحديث عن رسول الله|، أو علىٰ الأقل استطاع أن يطوِّقه ويحاصره إلىٰ أبعد حدٍّ ممكن.

فقد كان أبو هريرة يقول ـ بعد وفاة عمر ـ : «كان يقول: إنّي لأحدِّث أحاديث لو تكلَّمت بها في زمان عمر ـ أو عند عمر ـ  لشجّ رأسي»([15]).

وقال عمرو بن ميمون: «صحبت عبد الله بن مسعود سنين فما سمعته يروي حديثاً إلّا مرّة واحدة»([16]).

ويقول الشعبي: «قعدت مع ابن عمر سنتين، أو سنة ونصفاً، فما سمعته يحدِّث عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إلّا هذا الحديث»([17]).

وقد أصبح الإقلال من رواية الحديث أو منعها سنّة يستنّ بها الخلفاء الذين جاؤوا بعد عمر «فكانوا يعلنون أنّ منهجهم في ذلك منهج عمر، وقاموا بما قام به عمر من تهديد الصحابة، ومنعهم من الرواية. وبما أنّ السلطة قد تمكّنت من الرقاب بشكلٍ لا تخشىٰ من أيّ شيء ومن أيّ أحدٍ، فإنّ أهداف المنع من الحديث ـ تدويناً وروايةً ـ لم تَعدُ طيّ الكتمان، بل بدأت يُعلن عنها، ويُتحدّث بها علىٰ المنابر، وتُصدّر الأوامر الأميريّة بها»([18]).

المسار الثالث: تعميم المنع وتمديده من الناحية العمليّة

وهذا ما يلامس الموضوع الذي نحن بصدده بالصميم، فالمنع المعلَن وإن كان من الناحية النظرية خاصّاً بالسنّة النبويّة الشريفة، إلّا أنّه من الناحية الميدانيّة والإجرائيّة كان شاملاً للسيرة والتاريخ. يقول محمّد هادي اليوسفي الغروي: «ولم يُدوَّن في تأريخ الإسلام أو في سيرته| شيء حتىٰ مضت أيام الخلفاء، لم يُدوَّن في هذه المدّة شيء سوىٰ القرآن الكريم وتقويم إعرابه بمبادئ وقواعد النحو علىٰ يد أبي الأسود الدؤلي بإملاء أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب×»([19]).

وهناك الكثير من الآثار الشاهدة علىٰ صحّة هذا المدّعىٰ، من بينها:

1ـ مرّ علينا «إنّ عمر بن الخطّاب بلغه أنّه قد ظهرت في أيدي الناس كتب»، إلىٰ أن تقول الرواية: «فأتَوْه بكتبهم، فأحرقها بالنّار».

وحينما ندقّق في عبارات هذه الرواية لا نجد فيها ما يشير إلىٰ كون تلك الكتب مختصّة بنقل الحديث النبويّ الشريف، وإن كان بعضها مشتملاً عليه. ويبدو أنّ هدف عمر الأساسي هو منع تدوين السنّة النبويّة الشريفة، ولكنّه من الناحيّة العمليّة كان يمنع من انتشار الكتب ـ ماعدا القرآن الكريم ـ بنحو مطلق، ولا يفرِّق بين ما كان موضوعه السنّة النبويّة وما كان موضوعه شيئاً آخر، ولعلّه كان يقوم بهذه الإجراءات احتياطاً وتحسّباً من تسـرّب بعض الأحاديث إلىٰ طيات تلك الكتب.

2ـ وممّا يؤيِّد تطوّر المنع من الناحية العمليّة إلىٰ الحدّ الذي أشرنا إليه ما روي أنّ عمر ابن الخطاب ضرب رجلاً من عبد القيس لأنّه نسخ كتاب دانيال، وأمره بمحوه بالحميم والصوف الأبيض([20]).

3ـ وقال عمرو بن ميمون الأودي: «كنَّا جلوساً بالكوفة، فجاء رجل ومعه كتاب، فقلنا: ما هذا؟ قال: كتاب دانيال. فلولا أنّ الناس تحاجزوا عنه لقُتِلَ، وقالوا: كتاب سوىٰ القرآن؟!»([21]). ومن الواضح أنّ كتاب دانيال لم يكن يتضمّن شيئاً من السنّة.

4ـ وعن ميمون بن مهران، قال: «أتىٰ عمر بن الخطاب رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّا فتحنا المدائن أصبت كتاباً فيه كلام معجِب، قال: أمن كتاب الله؟ قلت: لا. فدعا بالدرّة فجعل يضربه بها...»([22]).

وقد استمرّ المنع ـ بالشدّة التي ذكرناها والشمول الذي صوّرناه ـ ساري المفعول إلىٰ أيام الخليفة الأُمويّ عمر بن عبد العزيز الذي وصل إلىٰ رأس السلطة عام 99هـ، وأوقف هذه المهزلة وأصدر أمراً رسميّاً بتدوين الحديث.

قال السيوطيّ (ت911هـ): «وأمّا ابتداء تدوين الحديث، فإنّه وقع علىٰ رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره»([23]).

ويرىٰ بعض المحقّقين ـ استناداً إلىٰ العديد من كلمات مؤرِّخي السنّة ـ أنَّ عمر بن عبد العزيز وإن أصدر أمراً بالتدوين، إلّا أنّ أمره لم يُنفَّذ في حياته، وبقي حبراً علىٰ ورق، وقد اضطربت كلماتهم في تحديد البداية الدقيقة لعصر التدوين([24]).

ومهما يكن، فإنّ المنع قد استمرّ بعد واقعة الطف 61هـ ما يناهز الـ (40) عاماً علىٰ أقلِّ التقادير، وهذه جناية أُخرىٰ تُضاف إلىٰ الجنايات التي تمخض عنها المنع.

العامل الثاني: التقيّة

إنّ العقود الأربعة التي تلت واقعة الطف (61هـ) هي أقسىٰ مقطع تاريخي مرّ علىٰ التشيُّع والشيعة، فهي فترة تسلّط الأُمَويّين والمروانيّين والزبيريّين علىٰ رقاب المسلمين، وكان أهل البيت^ وأتباعهم يعيشون في هذه الحقبة في أقصىٰ حالات التقيّة، حتىٰ قال بعض الباحثين: «إنّ بقاء التشيّع في هذه العصور المظلمة كان معجزة من معاجز الله سبحانه»([25])، فكان القيام بجمع وتدوين روايات وقائع عاشوراء في تلك السنين يُعدّ عمليّة انتحارية لا يجرؤ أحدٌ علىٰ الإقدام عليها.

ولعل خير ما يُبيِّن لنا حقيقة الأُمَويّين وأيامهم المظلمة هو ما جاء في وصفهم علىٰ لسان أمير المؤمنين×، فمن ذلك ما نقله ابن الأثير عن عليٍّ× أنّه قال مخاطباً لأهل العراق وواصفاً الحزب الأُمَويّ: «قاتلوا مَن حادَّ الله ورسوله، وحاول أن يطفئ نور الله، فقاتلوا الخاطئين الضالّين القاسطين الذين ليسوا بقرّاء قرآن، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء في التأول، ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام، والله، لو وُلّوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرىٰ وهرقل»([26]).

وعندما نزل أمير المؤمنين× الأنبار، والتأمت عليه العساكر خطب الناس وحرّضهم علىٰ الجهاد، وقال: «سيروا إلىٰ قتلة المهاجرين والأنصار، قد طالما سعوا في إطفاء نور الله، وحرّضوا علىٰ قتل رسول الله| ومَن معه، ألا إنّ رسول الله| أمرني بقتال القاسطين، وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم، والناكثين وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم، والمارقين ولم نلقهم بعد، فسيروا إلىٰ القاسطين فهم أهمّ علينا من الخوارج، سيروا إلىٰ قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين يتّخذهم الناس أرباباً، ويتّخذون عباد الله خولاً ومالهم دولاً»([27]).

وأمّا المجازر التي ارتكبها الحزب الأُمَويّ في عهد الإمام عليّ× ـ فضلاً عن العهود التالية ـ فحدِّث عنها ولا حرج، فقد ذكر التاريخ «أنّ معاوية بن أبي سفيان بعث بسـر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين ـ وعليّ بن أبي طالب× يومئذٍ حيّ ـ وبعث معه جيشاً ووجه الضحاك ابن قيس الفهري في جيش آخر، وضمّ جيشاً آخر إلىٰ رجل من غامد، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كلّ مَن وجدوه من شيعة عليّ بن أبي طالب× وأصحابه، وأن يغيروا علىٰ سائر أعماله، ويقتلوا أصحابه، ولا يكفّوا أيديهم عن النساء والصبيان، فمرّ بسر لذلك علىٰ وجهه حتىٰ انتهىٰ إلىٰ المدينة فقتل بها أُناساً من أصحاب عليّ× وأهل هواه، وهدم بها دوراً، ومضىٰ إلىٰ مكّة وقتل نفراً من آل المهلب، ثمّ إلىٰ السراة فقتل بها مَن وجد من أصحابه، وأتىٰ نجران وقتل عبد الله بن عبد المدان الحارث وابنه، وكانا من أصهار ابن العباس عامل عليّ×، ثمَّ أتىٰ اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عامل عليّ بن أبي طالب×، وكان غائباً فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيّين فأخذهما بسـر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه، ثمّ انكفأ راجعاً إلىٰ معاوية، وفعل مثل ذلك سائر مَن بعثه معاوية، فقصد الغامدي الأنبار فقتل ابن حسان البكري، وقتل رجالاً كثيرين ونساء من الشيعة» ([28]).

كان هذا كلّه قد حدث في أيام حكومة الإمام عليّ×، والشيعة لا تزال لهم دولة وكيان قائم يستظلون بظله، وما أن استُشهد الإمام عليّ× سنة 40هـ حتىٰ بدأ عهد جديد من العهود المظلمة التي مرّت علىٰ الشيعة، وقد حفظ لنا التاريخ ـ عن تلك الحقبة ـ صفحات سوداء مظلمة يندىٰ لها الجبين، ويشيب لها الرضيع تضاف إلىٰ ملف الأُمَويّين الأسود.

ونحن نكتفي هنا بتسجيل هذا النص أو الوثيقة الذي يشتمل علىٰ توصيف دقيق لمجمل ما آلت إليه الأُمور بعد شهادة الإمام عليّ×، والذي نقله لنا ابن أبي الحديد المعتزلي عن كتاب الأحداث لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدائني، قال: «كتب معاوية نسخة واحدة إلىٰ عمّاله بعد عام الجماعة أن برئت الذمّة ممَّن روىٰ شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلىٰ كلّ منبر يلعنون عليّاً×، ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذٍ أهل الكوفة؛ لكثرة مَن بها من شيعة عليّ×، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيام عليّ×، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وصلبهم علىٰ جذوع النخل، وطرفهم وشردهم عن العراق، فلم يبقَ بها معروف منهم، وكتب معاوية إلىٰ عمّاله في جميع الآفاق ألّا يُجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته^ شهادة، وكتب إليهم أن اُنظروا من قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فاُدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا ليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتىٰ أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه؛ لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصـر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلك حيناً. ثمَّ كتب إلىٰ عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلىٰ الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله. فقُرئت كتبه علىٰ الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها.

وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرىٰ حتىٰ أشادوا بذكر ذلك علىٰ المنابر، وأُلقي إلىٰ معلمي الكتاتيب فعلَّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتىٰ رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن وحتىٰ علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ كتب إلىٰ عمّاله نسخة واحدة إلىٰ جميع البلدان: اُنظروا مَن قامت عليه البيِّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته^ فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة أُخرىٰ: مَن اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكِّلوا به واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة حتىٰ أن الرجل من شيعة عليّ× ليأتيه مَن يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدِّثه حتىٰ يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضىٰ علىٰ ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليةً القرّاء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والمنازل، حتىٰ انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلىٰ أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتىٰ مات الحسن بن عليّ× فازداد البلاء والفتنة، فلم يبقَ أحدٌ من هذا القبيل إلّا وهو خائف علىٰ دمه أو طريد في الأرض. ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين× وولي عبد الملك بن مروان فاشتدّ علىٰ الشيعة، وولّىٰ عليهم الحجّاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النُسك والصلاح والدين ببغض عليّ وموالاة أعدائه وموالاة مَن يدّعي من الناس أنّهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغضِّ من عليٍّ× وعيبه والطعن فيه والشنئان له حتىٰ أنّ إنسـاناً وقف للحجّاج ـ ويقال: إنّه جدّ الأصمعي عبد الملك بن قريب ـ فصاح به: أيُّها الأمير، إنّ أهلي عقّوني فسموني عليّاً وإنّي فقير بائس، وأنا إلىٰ صلة الأمير محتاج. فتضاحك له الحجّاج، وقال: للطف ما توسّلت به قد ولّيتك موضع كذا»([29]).

فهذا النصّ أو الوثيقة يكشف لنا بوضوح عن كيفيّة وكميّة الظلم الواقع علىٰ أهل البيت^ وشيعتهم، ويدلّنا ـ كذلك ـ علىٰ ارتفاع مؤشِّر هذا الظلم وتزايده باستمرّار كلّما مشينا في الحقبة التاريخية التي تلت رحيل الإمام عليّ×، حتىٰ بلغ الظلم غايته بعد مقتل الإمام الحسين×، فكان أهل البيت^ وأتباعهم ومحبِّوهم يمرّون في أحلك الظروف وأسواها، ويمكن القول: إنّ الأمر قد وصل في عهد الإمام زين العابدين× إلىٰ حدِّ الاستئصال والإبادة لولا مشيئة الله (عزّ وجلّ) في حفظ هذه الجماعة، فقد جاء في نصٍّ آخر ـ مروي عن الإمام الباقر× ـ يتناسب مع النصّ السابق: «ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلىٰ زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين×، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة، وأخذهم بكلّ ظنّة وتهمة، حتّىٰ أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحبّ إليه من أن يقال: شيعة عليّ×...» ([30])، وبهذا تعرف أنّنا لم نغالِ حينما قلنا ـ في بداية حديثنا ـ : إنّ القيام بجمع وتدوين روايات وقائع عاشوراء في تلك السنين يُعدُّ عملية انتحاريّة لا يجرؤ أحدٌ علىٰ الإقدام عليها.

المبحث الثاني

نظرة عامّة حول مدينة الكوفة

قلنا في المقدّمة: بأنّ حركة التأليف والتصنيف حول واقعة الطفِّ كانت في بداياتها حركة كوفيّة شيعيّة، وأنّ شيعة الكوفة هم رادة هذا المجال والسبّاقون إليه.

من هنا؛ كان لا بدّ لنا أن نمهِّد لذلك بما يثبت أهمّية الكوفة من الناحية العلميّة وصيرورتها مركزاً من المراكز الفكريّة للشيعة والتشيُّع خلال مدّة وجيزة نسبياً بعد تمصيرها.

1ـ الكوفة، بالضم: الرملة الحمراء المجتمعة. وقيل: المستديرة، أو كلّ رملة تخالطها حصباء أو الرملة ما كانت.

والكوفة: مدينة العراق الكبرىٰ، وهي قبّة الإسلام، ودار هجرة المسلمين، واختُلف في سبب تسميتها، فقيل: سُميت لاستدارتها. وقيل: بسبب اجتماع الناس بها. وقيل: لكونها رملة حمراء، أو لاختلاط ترابها بالحصىٰ. ويقال لها أيضاً: كوفان، بالضم، قال اللحياني: كوفان: اسم للكوفة، وبها كانت تُدعىٰ قَبْل. وقال الكسائي: كانت الكوفة تُدعىٰ كوفان([31]).

ومهما يكن، فقد مُصِّرت الكوفة في عهد عمر بن الخطاب عام 17 أو 18 أو 19هـ([32])‍، وذلك بعد فراغ الجيش الإسلامي ـ بقيادة سعد بن أبي وقاص ـ من وقعة القادسية وفتح المدائن، وحكاية ذلك باختصار هو ما ذكره البلاذري: «أنّ عمر بن الخطاب كتب إلىٰ سعد ابن أبىٰ وقاص يأمره أن يتّخذ للمسلمين دار هجرة، وأن لا يجعل بينه وبينهم بحراً، فأتىٰ الأنبار وأراد أن يتّخذها منزلاً، فكثر علىٰ الناس الذباب، فتحوّل إلىٰ موضع آخر فلم يصلح، فتحوّل إلىٰ الكوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل، وأنزل القبائل منازلهم، وبنىٰ مسجدها»([33]).

فقد كان الغرض من تأسيس هذه المدينة غرضاً عسكريّاً خالصاً، حيث أُريد لها أن تكون قاعدة عسكريّة تنطلق منها الجيوش الإسلاميّة لفتوح البلدان، وقد نُظِّم الجيش فيها علىٰ أساس قَبَلي، وكانوا يقسمون الأرزاق في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها أيضاً([34]).

وقد قُسِّمت الجيوش فيها علىٰ سبعة تجمّعات رئيسة، وهي:

كنانة وحلفاؤها وجديلة.

قضاعة وبُجيلة وغسان وخثعم وكندة وحضرموت والأزد.

مذحج وحمير وهمدان.

4ـ تميم ورباب.

بنو أسد ومحارب ونمر من بني بكر وتغلب، وأكثرية هؤلاء من ربيعة.

إياد وبنو عبد قيس وأهل هجر والحمر (وهم بقايا الجيش الفارسي كما سنشير).

مُلملَمَة أظهرهم طي.

وقد غيَّر الإمام عليّ× بعد ذلك تشكيل هذه التجمّعات إلىٰ ما يلي:

1ـ همدان وحمير والحمر.

2ـ مذحج وأشعر وطي.

3ـ قيس وعبس وذبيان وعبد القيس.

4ـ كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة.

5ـ الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار.

6ـ بكر وتغلب وبقية ربيعة.

7ـ قريش وكنانة وأسد وتميم وضبة ورباب([35]).

ولم يكن الجيش وحده قد نُظِّم وفق الأساس القبلي، بل كانت الروح القبليّة سائدة ومتحكِّمة في كلِّ شيء، فالتخطيط العمراني في الكوفة ابتداءً من توزيع الأحياء ومروراً بالشوارع والسكك وانتهاءً بالمقابر، كلّ ذلك كان يُخطّط له علىٰ أساس قبلي([36]).

2ـ ولم يكن العنصر العربي هو العنصر الوحيد الذي استوطن الكوفة، بل استوطنتها إلىٰ جانبه عناصر أُخرىٰ، ساهمت مساهمة كبيرة في تقدُّم عجلة الحياة الفكريّة والثقافيّة في هذه المدينة، ولعل أهمّ هذه العناصر هو العنصر الفارسي، فقد «كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه، فاستأمنوا علىٰ أن ينزلوا حيث أحبّوا ويحالفوا مَن أحبّوا، ويفرض لهم في العطاء، فأُعطوا الذي سألوه، وحالفوا زهرة بن حوية السعدي من بني تميم، وأنزلهم سعد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألف، وكان لهم نقيب منهم يقال له: ديلم. فقيل: حمراء ديلم... والعرب تُسمِّىٰ العجم الحمراء، ويقولون: جئت من حمراء ديلم. كقولهم: جئت من جهينة وأشباه ذلك»([37]).

ويمكن اعتبار هؤلاء الجند بمثابة الموجة الفارسيّة الأُولىٰ التي استوطنت الكوفة، ثمَّ بدأت أعدادهم تزداد بمرور الوقـت، وقد كان لهذه الجالية ـ بصفتها جالية متحضّـِرة ـ دور كبير في دفع عجلة التقدُّم الحضاري في مدينة الكوفة علىٰ كافّة الأصعدة.

وقد عانت هذه الجالية ما عانت من ممارسة التمييز العنصـري العرقي في عهد الخليفتين الثاني والثالث، ولم يذوقوا طعم العدالة والمساواة إلّا في عصـر أمير المؤمنين×، فقد روىٰ الفضل بن أبي قرّة عن الإمام الصادق×، قال: «أتت الموالي أمير المؤمنين× فقالوا: نشكو إليك هؤلاء العرب، إنّ رسول الله| كان يعطينا معهم العطايا بالسوية، وزوّج سلمان، وبلالاً، وصهيباً، وأبوا علينا هؤلاء، فقالوا: لا نفعل. فذهب إليهم أمير المؤمنين× فكلَّمهم فيهم، فصاح الأعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن، أبينا ذلك. فخرج وهو مغضب يجرّ رداءه وهو يقول: يا معشر الموالي، إنّ هؤلاء قد صيَّروكم بمنزلة اليهود والنصارىٰ، يتزوَّجون إليكم ولا يزوِّجونكم، ولا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتّجروا بارك الله لكم، فإنّي قد سمعت رسول الله| يقول: الرزق عشـرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة وواحد في غيرها»([38]).

ومنذ ذلك الحين أصبح ميل وهوىٰ هذه الجالية لأهل البيت^، وبدأ أفرادها يدخلون إلىٰ التشيُّع بمعناه الرسمي بشكل تدريجي، وقد كان للمختار الثقفي دور كبير في كسب هذه الجماعة وتقريبهم من التشيُّع، وكان لها دور كبير في حركته ودولته، فقد ذكر الدينوري: «أنّ أكثر مَن استجاب له همدان، وقوم كثير من أبناء العجم الذين كانوا بالكوفة... وكانوا يُسمَّون الحمراء، وكان منهم بالكوفة زهاء عشرين ألف رجل»([39]).

ومن العناصر التي سكنت الكوفة وتركت أثراً إيجابياً علىٰ نموّها الفكريّ والحضاريّ، هو العنصر النبطيّ، والأنباط ـ بحسب رأي بعض الباحثين ـ من عرب شمال الجزيرة، ولعلّهم أقرب الدول القديمة إلىٰ عرب الحجاز، فأغلب الأسماء التي كانت شائعة عندهم تشبه الأسماء المستعملة عند ظهور الإسلام، مثل: حارثة، ومليكة، وجذيمة، وكليب، ووائل، ومغيرة، وقصي، وعدي، وعائذ، وعمر، وعميرة، ويعمر، وكعب.

كما أنّ تركيب لغتهم يُشبه تركيب النحو العربي المعروف لدينا، غير أنّهم يستعملون في الكتابة والمكاتبات الرسمية والمعاملات التجارية اللغة الآرامية، فكانت لهم لغة للتخاطب ولغة للكتابة([40]).

وعلىٰ أيّ حال، فقد نزل الأنباط الكوفة بعد تمصيرها، وكان لهم دور فعّال في تطوير الحياة المدنيّة فيها، ويكفي أن تعرف أنّ الخط العربي الكوفي هو نسخة محورة عن الخطّ النبطي، وهو بدوره نسخة محورة عن الخط الآرامي المشتق من الفينيقي([41]).

ويقول الشيخ باقر شريف القرشي: «وكانت الأنباط مِن العناصر التي سكنت الكوفة، وقد أثّروا في الحياة العامّة تأثيراً عقليّاً واجتماعيّاً»([42]).

هذا من جهة، ومن جهة أُخرىٰ لم يكن المسلمون وحدهم يسكنون في هذه المدينة
ـ وإن كانوا هم العنصر المتسيِّد ـ  بل كانت تضمّ إلىٰ جانبهم اليهود والمسيحيين، وقد كان لهاتين الفئتين دور مهم في بلورة الحياة الاقتصاديّة في الكوفة، ولا سيما المسيحيين الذين كانت لهم أكبر محلات الصيرفة في الكوفة([43]).

3 ـ ومن الأُمور التي ساهمت في تطوير الحياة العلميّة في هذه المدينة، وساعدت ـ من جهة أُخرىٰ ـ علىٰ انتشار التشيُّع فيها، هو نزول ثلّة من صحابة الرسول| فيها في وقت مبكِّر، كعبد الله بن مسعود، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب الأنصاري وغيرهم، وقد كان لبعض هؤلاء مهام إداريّة أو علميّة، ولم يكونوا أفراداً من عامّة الناس، فعمّار بن ياسر جاءها والياً من قِبَل عمر بن الخطاب بعد ما عزل واليها الأسبق سعد بن أبي وقاص... وعبد الله بن مسعود بعثه عمر ليكون معلِّماً للقرآن.

 ويرىٰ الدكتور عبد الرسول الغفاري بأنّ هؤلاء الصحابة وأمثالهم كانوا يعرفون أهمّية الإمام عليّ× في الخلافة والإمرة، ويعترفون بفضله، وسابقيّته في الإسلام، وعلمه، وشجاعته، فكانوا ممَّن يميلون إليه ويتشيّعون له، وهم الذين بذروا بذور التشيُّع في الكوفة، بنشـرهم ما كانوا يعرفونه من فضائل ومناقب أمير المؤمنين×؛ ولذا كانت الكوفة ـ حسب رؤية الغفاري ـ تميل إلىٰ أمير المؤمنين عليّ× قبل أن يدخلها بعنوانه خليفةً للمسلمين أو يتّخذها عاصمة للدولة الإسلامية([44]).

4 ـ وبعد عقد ونصف من تمصيرها تقريباً أضحت الكوفة مركزاً لصحابة رسول الله|، والتابعين وأهل العلم، يوم نزلها أمير المؤمنين×، باب مدينة العلم بحسب الحديث الشريف: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»([45])؛ ولذا ازدلفت إلىٰ هذه المدينة «زرافات من خيار الصحابة ورجالات التابعين ورواد العلم وحفّاظ الحديث، فمَن والج مدينة العلم من بابه المفتوح علىٰ هذه الحاضرة الدينيّة بكلا مصراعيه، ومَن كارع من فضل بحره المديد الوافر متهذِّب بخلقه العذب النمير، ومعتبر بعظاته البالغة، وآخذ منه معالم دينه وراوٍ عنه صدق الحديث، ومحض الحقيقة»([46]).

وقد ذكر لنا المؤرِّخون أنّ مجموع الصحابة الذين نزلوا العراق مع أمير المؤمنين× وناصروه في حروبه لا يقلّون عن ألفين وثمانمائة صحابي، قال المسعودي: «وكان ممَّن شهد صفِّين مع عليٍّ من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممَّن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله| تسعمائة، وكان جميع مَن شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة»([47]).

وقد اسـتقرّ قسـم كبير من هؤلاء الصـحابة المذكوريـن في نصِّ المسـعودي ـ بعد أن وضعت الحرب أوزارها ـ في الكوفة، واتّخذوها موطناً لهم، وساهموا في تنشيط الحركة العلميّة فيها، قال ابن سعد: «هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر»([48]).

فنزول أمير المؤمنين× في الكوفة كان له أكبر تأثير في دفع عجلة التقدُّم في هذه المدينة، وعلىٰ جميع الأصعدة، حتىٰ قال ابن الوردي: «الكوفة مدينة علويّة بناها عليّ بن أبي طالب×»([49])، مشيراً بذلك إلىٰ الدور الكبير الذي تركه أمير المؤمنين× علىٰ جوانب هذه المدينة لا سيما الجانب العقديّ والفكريّ.

5 ـ وقد قطنت الكوفة بعد مرور مدّة قصيرة علىٰ تمصيرها العديد من الأُسَر العلميّة التي أسهمت في نشـر نور العلم والمعرفة في هذه المدينة، وأضحت ببركة أبنائها قبلة الباحثين عن العلم والمتزودين من حياض المعرفة، وقد عدَّ مؤرِّخ الكوفة الكبير السيد حسين البراقي واحداً وعشرين من الأُسّر العلميّة التي سكنت الكوفة وتفرّعت فيها، وكان لها أكبر الأثر في رفد الحركة العلميّة فيها، وهذه الأُسَر هي:

1 ـ آل أبي جعد.

2 ـ آل أبي الجهم.

3 ـ آل أبي رافع.

4 ـ آل أبي سارة.

5 ـ آل أبي شعبة الحلبيون.

6 ـ آل أبي صفية.

7 ـ آل أعين.

8 ـ آل حيان التغلبي.

9 ـ آل نعيم الأزدي الغامدي.

10ـ آل أبي أراكة.

11ـ بنو الحرّ الجعفي.

12ـ بنو الياس البجلي.

13ـ بنو عبد ربّه بن أبي ميمونة بن يسار الأسدي.

14ـ بنو أبي سبرة.

15ـ بنو سوقة.

16ـ بنو نعيم الصحاف.

17ـ بنو عطية.

18ـ بنو رباط.

19ـ بنو فرقد.

20ـ بنو درّاج.

21ـ بنو عمّار البجلي الدهني .

هذه هي الأُسَر العلميّة التي استوطنت الكوفة، وقد أشار البراقي إلىٰ ما تفرّع عن كلِّ أُسرة من هذه الأُسَر ممَّن انخرط في سلك أهل العلم من أبنائها، وأشار إلىٰ مجمل ما أنتجته من ثمار العلم والمعرفة([50]).

لهذه العوامل المختلفة المتقـدّمة أضـحت الكوفة ـ وخلال مدّة وجيزة ـ مركزاً علميّاً هامّاً يعجّ بالعلماء والفقهاء والمفسِّرين والمحدِّثين والأخباريين والنحاة والشعراء، فليس غريباً علىٰ الكوفة بعد هذا كلّه أن تكون المنطلق الأَوّل والقاعدة الأساسيّة لحركة جمع وتتبّع وتدوين أخبار كربلاء، لا سيما وأنّ أكثر رواة الواقعة المباشرين هم من أهل الكوفة، فنهض فيها في القرن الثاني للهجرة سبعة من الأخباريين والمحدِّثين المنتسبين إلىٰ التشيُّع، وانبروا إلىٰ تسجيل أحداث واقعة الطفِّ، فأثمرت جهودهم عن سبعة مقاتل اشتملت علىٰ أقدم مادّة تاريخيّة مسجلة حول هذه الواقعة.

الفصل الأول: مقتل الأصبغ بن نباتة التميمي الكوفي(أقدم المقاتل الحسينيّة)

الفصل الأول

مقتل الأصبغ بن نباتة التميمي الكوفي (ت ـ بعد 101هـ)

(أقدم المقاتل الحسينيّة)

تقديم

يُعتبر مقتل الأصبغ بن نباتة التميمي أقدم عمل تدويني قام به مؤرِّخٌ حول أحداث ووقائع كربلاء، إلّا أنّه من المحزن حقّاً أن نُعلن عن فقدان هذا المقتل واندثاره بشكل كامل، بحيث لا ترىٰ له من أثر، والأغرب من ذلك أن لا تجد مَن ينقل عن هذا المقتل بالرغم من بقائه في متناول العلماء ما يزيد علىٰ ثلاثة قرون، كما سنبيِّن من خلال البحث.

والصفحات القليلة التالية هي نتاج ليالٍ وأيام من البحث المستمرّ كنت خلالها أحفر في بطون كتب التاريخ، وأُنقِّب فيما وصَلَنا من نصوص حول الأصبغ ومقتله؛ بغية الوصول إلىٰ بصيص نور في هذا المجال.

وقد أرغمتـنا ندرة الوثائق التاريخيّة ـ المتوفِّرة في هذا الجانب ـ علىٰ التوسُّع قليلاً في التحليل والاستنتاج لترميم وترقيع الكثير من الجوانب المرتبطة بترجمة الأصبغ ومقتله المفقود، لنخرج بصورة مقبولة ومقروءة.

والبحث عن هذا المقتل المفقود ـ من وجهة نظرنا ـ له ثلاثة أهداف علىٰ الأقل:

الهدف الأول: هو الهدف النظري البحت، فالتعرُّف علىٰ صاحب أَوّل عمل تدويني حول واقعة كربلاء، هو مطلب علميّ يستحقّ البحث والدراسة، بغضِّ النظر عمّا سيترتَّب علىٰ هذا المطلب من آثار ميدانيّة وعمليّة، وقد دأب أصحاب التراجم والرجال علىٰ ذكر كلِّ ما يتعلَّق بالمترجَم له من مؤلفات وغيرها؛ ممّا له دور في إبراز شخصيّة صاحب الترجمة علميّاً، وإن لم يكن ذلك الكتاب قد وصل إليهم.

الهدف الثاني: هو تقديم الشكر والعرفان لهذا المؤرِّخ المسلم الإماميّ الذي بذل جهده وقدّم ما عليه في رصد وملاحقة وجمع وتدوين روايات كربلاء، ولكنّ الأقدار قد حالت بينه وبين وصول مقتله إلينا، وهل من الإنصاف أن نتنكّر لريادة هذا الرجل وأسبقيته في هذا الميدان بحجّة أن لا فائدة عمليّة مرجوة من هذا العمل؟!

الهدف الثالث:هو أنّنا نستطيع أن ندّعي أنّ لهذا البحث أثراً عمليّاً؛ فإنّنا نحتمل بأنّ روايات مقتل الأصبغ لم تُهمَل، بل تسلّلت إلىٰ المدونات التاريخيّة من دون الإشارة إلىٰ أنّ مصدرها هو مقتل الأصبغ، خصوصاً وأنّه قد بقي موجوداً في الأوساط لعدّة قرون، وإنّا وإن كنّا لا نستطيع تحديد تلك المدونات ومواضع نقلها من هذا المقتل، إلّا أنّ دَيْدَن العلماء في التأليف هو الاستفادة من مؤلفات السابقين، ولا أقل من أنّ الأصبغ بتأليفه للمقتل قد ألهمَ الآخرين تأليف المقاتل.

ومهما يكن، ينبغي لنا الآن أن نترجم للأصبغ، ثمَّ نحاول أن نسلِّط الضوء علىٰ مقتله.

المبحث الأول

ترجمة الأصبغ

 1 ـ اسمه ونسبه وكنيته

هو (الأصبغ) ـ بـالألف واللام، كما هو شائع علىٰ الألسن، وكما عنونت له الكثير من المصادر([51]). أو (أصبغ) بتعريته منهما، كما هو معنون في مصادر أُخرىٰ([52]) ـ بن نُباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر([53]) التميمي الحنظلي الدارمي المُجاشعي، أبو القاسم الكوفي([54]).

والتميمي: بفتح التاء وكسر الميم وسكون الياء وكسر الميم، نسبةً إلىٰ تميم التي تنتسب إليها عدّة من القبائل العربيّة المعروفة، والمنتسب إليها جماعة من الصحابة والتابعين([55])، ولا زالت هذه القبائل موجودة إلىٰ يومنا هذا، بل في بعض الروايات ما يشير إلىٰ بقائها إلىٰ زمان ظهور القائم#،حيث ورد في أحاديث أنّ صاحب راية المهديّ# رجل من تميم يقال له: شعيب بن صالح التميمي([56]).

والحنظلي: بفتح الحاء وسكون النون وفتح الظاء وكسر اللام، نسبة إلىٰ حنظلة بطن من تميم، وهو حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم([57]).

والدارمي: بفتح الدال وكسر الراء، هذه النسبة إلىٰ بني دارم، وهو دارم بن مالك بن حنظلة([58]).

والمُجاشعي: بضم الميم، وفتح الجيم، وكسر الشين، هذه النسبة إلىٰ بني مُجاشِع، وهو مجاشع بن دارم([59]).

قال صاحب الاشتقاق: «... واشتقاق الأَصبغ من قولهم: فرس أصبغ، والأُنثىٰ صبغاء، وهو الذي طرف ذنبه بياض. والصبغ معروف. وثوب صبيغ ومصبوغ. ونُباتة: فُعالة من النبت»([60]).

كان الأصبغ من خاصّة أمير المؤمنين×، وكان من المعدودين من شرطة الخميس الذين ضمنوا لأمير المؤمنين× الذبح وضمن لهم الفتح، «وكان من ذخائر على ممَّن قد بايعه علىٰ الموت، وكان من فرسان أهل العراق، وكان عليّ× يضن به علىٰ الحرب والقتال»([61]).

2 ـ ولادته ونشأته

الذي يراجع كتب السيرة والتاريخ والتراجم يلاحظ أنّ أكثر المشاهير في التاريخ من علماء وأُدباء وملوك وأُمراء وغيرهم، لا يعرف المؤرِّخون تواريخ مواليدهم، وغاية ما يتمكّنون منه هو تحديد وفياتهم؛ ولذا نجد أنّ هناك عدداً من المؤرِّخين قد ألّفوا كتباً في الوفيات، كوفيات المصريين لأبي إسحاق الْحَبَّال (ت418هـ)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (ت681هـ)، والوافي بالوفيات للصفدي (ت764هـ)، والوفيات لابن رافع السلامي (ت774هـ)، والوفيات لابن قنفذ (ت810هـ)، بينما لا نجد مَن ألّف في المواليد إلّا نادراً كمولد العلماء ووفياتهم للربعي (ت397هـ).

والسبب في ذلك أنّ الرجل من هؤلاء العظماء يُولَد كما يولَد ملايين الأطفال من عامة الناس، فلا تُبادر أُسرته أو مجتمعه إلىٰ تسجيل زمان ولادته، فهم لا يعلمون الغيب كي يتنبَّأوا بأنّ هذا الطفل أو ذاك سيكون له شأن أو منزلة رفيعة في المستقبل.

وقد يلجأ بعض الباحثين في مثل هذه الحالات إلىٰ الاعتماد علىٰ بعض القرائن والمؤشرات العقليّة والتاريخيّة لتخمين فترة زمنيّة معينة وقعت فيها ولادة الشخصية المترجَم لها، كما لو عرفنا تاريخ وفاة والدة المترجَم له، فإن ّولادته ستكون حتماً قبل هذا التاريخ، أو عرفنا تاريخ وفاة والده، فإنّنا سنعلم أنّ ولادته كانت قبل هذا التاريخ أو بعده بأشهُر؛ لاحتمال أن يكون قد توفّي والده بعد الحمل وقبل الولادة، وهكذا.

وفيما يخصّ المترجَم له: فإنّنا لم نعثر علىٰ نصٍّ يحدد لنا زمان ولادته بالدقّة، غير أنّنا نستطيع القول: بأنّ ولادته كانت في حياة النبي|؛ يدلّنا علىٰ ذلك ما رواه ابن عساكر بإسناده إلىٰ الأصبغ بن نباتة أنّه قال: «إنّا لجلوس ذات يوم عند عليّ بن أبي طالب× في خلافة أبي بكر إذ أقبل رجل من حضرموت لم أرَ رجلاً قط أنكر منه ولا أطول...»([62]).

فهذا النصّ يدلّ علىٰ أنّ الأصبغ كان رجلاً أو صبياً مميِّزاً علىٰ أقل تقدير في زمان خلافة أبي بكر، وبما أنّ خلافته لم تمتد لأزيد من سنتين وعدّة أشهُر([63])، فيكون الأصبغ قد أدرك زمان رسول الله|؛ ولذا عنوَن له ابن حجر في الإصابة في ضوء هذا المؤشر([64]).

وممّا يدعم ذلك ما وصفه به نصر بن مزاحم المنقري بعد إحدىٰ مبارزاته في صفِّين، حيث قال: «فرجع الأصبغ وقد خُضّب سيفه دماً ورمحه، وكان شيخاً ناسكاً عابداً»([65]).فإنّ لفظة الشيخ لا تُطلق في اللغة إلّا علىٰ مَن ظهر عليه الشيب، أو تجاوز الـ 50 أو 51 عاماً([66])، وهذا يعني أنّه قد بلغ هذا السنّ أو قاربه أو تجاوزه في وقعة صفِّين التي حصلت سنة 37هـ.

وعلىٰ أيّة حال، فإنّ هذا النصّ الذي أسنده ابن عساكر إلىٰ الأصبغ يرشدنا إلىٰ ملازمته لأمير المؤمنين× ومتابعته له في مرحلة مبكِّرة جدّاً من حياته، قبل تولّيه للخلافة، ممَّا يؤكِّد إخلاص الأصبغ وعمق ولائه لأمير المؤمنين×، وأنّه لم يكن يتحرّك بدافع دنيوي أو سياسي أو مصلحي.

وقد بقي الأصبغ ـ كما تشير النصوص ـ في شرف هذه الصحبة إلىٰ آخر لحظة من لحظات حياة أمير المؤمنين×، فقد انتقل معه إلىٰ العراق، وشهد معه وقعة الجمل وصفِّين([67])، وحينما نزل أمير المؤمنين× في الكوفة واتّخذها عاصمة للدولة الإسلاميّة، استقرّ معه فيها متتلمذاً علىٰ يديه، مقتفياً أثره، مستضيئاً بنور علمه، وفي هذا الصدد نقل عنه أنّه قال: «حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ عليّ بن أبي طالب×»([68]).

 وتشير بعض النصوص إلىٰ انتقال الأصبغ من الكوفة إلىٰ المدائن في الأيام الأخيرة من ولاية سلمان الفارسي عليها([69])، ولا تسعفنا النصوص في تحديد المهمّة التي أُنيطت بالأصبغ في المدائن.

 وعلىٰ أيّة حال، فالذي يظهر من نصوص أُخرىٰ أنّ مكثه في المدائن لم يدم طويلاً؛ إذ وجدناه حاضراً في الكوفة في شهر رمضان من عام 40 هـ، وهو الشهر الذي قُتل فيه أمير المؤمنين×([70])، وقد كان حاضراً في الليلة التي ضُرب فيها أمير المؤمنين× معه في بيته([71]).

ولا تهدينا النصوص إلىٰ معرفة ما آل إليه أمر الأصبغ بعد رحيل أمير المؤمنين×، ولا نعرف شيئاً كثيراً عن طبيعة علاقته بالأئمّة^ من بعده، كما أنّ الأخبار لا تفيدنا بشـيءٍ عن نشاطه في الكوفة بعد غياب أمير المؤمنين× عنها.

والمظنون أنّه قد كرّس جهده وما بقي من عمره في نشـر التشيّع وترويج أُصوله وأُسسه ومفاهيمه من خلال ما سمعه ووعاه من أمير المؤمنين×، نتلمس ذلك ونتحسسه من خلال ما نقله الرواة عنه من أحاديث في العقيدة والفقه والتفسير والأخلاق والعرفان...

والذي نعتقده أنّه لم يهاجر من الكوفة بعد استشهاد أمير المؤمنين×، وإنّما بقي فيها إلىٰ آخر لحظات عمره.

3 ـ مكانته العلميّة وطبقته ومصنَّفاته

 كان الأصبغ رجلاً فاضلاً كما عبّر عنه المفيد في الاختصاص([72])، وهو من الأوصاف التي تُطلَق علىٰ أهل العلم في عُرفِهم، وفي معالم العلماء لابن شهر آشوب: «إنّ أوّل مَن صنّف فيه [يعني في الإسلام]أمير المؤمنين×، ثمَّ سلمان، ثمّ أبو ذرّ، ثم الأصبغ بن نباتة...»([73]).

ويمكن أن نتلمّس الجانب العلمي في شخصيّة الأصبغ من خلال مروياته الكثيرة في فنون العلم: الفقه والتفسير والحكم وغيرها، فقد كان كثير الرواية، متقناً في حديثه، وكان أكثر رواياته عن أمير المؤمنين×، وقد روىٰ عن الصحابة، عن النبي| فضائل عليٍّ×. وله روايات في فضل الشيعة، كما في اختصاص المفيد، وغيره([74]).

أمّا طبقته، فقد عدّه الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام أمير بالمؤمنين×، ثمَّ عاد مرّة أُخرىٰ وعدّه من أصحاب الإمام الحسن×([75]).

وقد عدّه ابن حجر من الطبقة الثالثة، المشتملة علىٰ أسماء الطبقة الوسطىٰ من التابعين([76])، بل إنّه احتمل في الإصابة ـ كما ألمحنا ـ أن يكون مُدرِكاً للنبي|، وأن تكون له صحبة.

ووقع الأصبغ في إسناد اثنتين وستّين رواية في الكتب الأربعة عدا ما روىٰ في غيرها، بعنوان (الأصبغ بن نباتة) في إسناد ستّ وخمسين رواية، وبعنوان (الأصبغ) في إسناد خمس روايات، وبعنوان (أصبغ بن نباتة الحنظلي) في إسناد رواية واحدة ([77]).

روىٰ عنه أبو الجارود زياد بن منذر، وأبو حمزة الثمالي، وأبو الصباح الكناني، والحارث بن المغيرة، وخالد النوفلي، وسعد بن طريف، وعبد الحميد الطائي، وعبد الله بن جرير العبدي، وعليّ الحزور، ومحمّد بن داود الغنوي، ومحمّد بن الفرات، ومسمع، والأجلح بن عبد الله الكندي، وثابت بن أسلم البناني، ورزين بياع الأنماط، وسعيد بن مينا، وعليّ بن الحزور، وفطر بن خليفة، ومحمّد بن السائب الكلبي، والوليد بن عبدة الكوفي، ويحيىٰ بن أبي الهيثم العطار وآخرون([78]).

والأصبغ هو مَن روىٰ عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين× لمّا ولّاه مصر، وروىٰ ـ أيضاً ـ وصية أمير المؤمنين× إلىٰ ابنه محمّد بن الحنفيّة، كما ذكر ذلك شيخ الطائفة الطوسي في فهرسه، وقال: «أخبرنا بالعهد ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، والحسن بن ظريف جميعاً، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين×.

وأمّا الوصية، فأخبرنا بها الحسين بن عبيد الله، عن الدوري، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، عن جعفر بن محمّد الحسيني، عن عليّ بن عبدك الصوفي، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي، قال كتب أمير المؤمنين× إلىٰ ولده محمّد بن الحنفيّة بوصيته»([79]).

وروىٰ الطوسي عنه أيضاً مقتل الحسين× كما سيأتي عمّا قريب.

وقد روىٰ الأصبغ ـ أيضاً ـ القضايا التي حكم فيها أمير المؤمنين×، وهو برواية إبراهيم بن هاشم القمّي، وتوجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران برقم (3915) وبتاريخ (1064هـ)، ونسخة في تركيـا مكتبـة حميـديّة رقم (1447) من 149 آ ـ 153 آ، وهي بعنوان (أقضية أمير المؤمنين×).

وكانت عند السيِّد محسن الأمين العاملي صاحب أعيان الشيعة نسخة ثمينة من هذا الكتاب، ضمن مجموعة عليها تواريخ سنة (410 و420) باسم (عجائب أحكام أمير المؤمنين× ومسائله)، أدرجها في كتاب ألّفه باسم (عجائب أحكام وقضايا ومسائل أمير المؤمنين×)([80]).

4 ـ مذهبه ومعتقده

 لا ينبغي التوقّف في القول بتشيُّع الأصبغ وموالاته لأهل البيت^، بل لا ينبغي التردّد في كونه من الناشرين لمذهبهم والمروِّجين لفكرهم، ويمكن للقارئ الكريم أن يتأكَّد من ذلك من خلال ما بثّه الأصبغ من روايات تحمل فضائل أهل البيت^ ومناقبهم وفضائل شيعتهم ومحبّيهم.

ونحن نكتفي هنا بإيراد رواية واحدة رواها الصدوق بإسناده إلىٰ الأصبغ بن نباتة أنّه قال: «خرج علينا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب× ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن×، وهو يقول: خرج علينا رسولُ الله| ذات يوم ويدي في يده هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيِّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم، ومولىٰ كلّ مؤمن بعد وفاتي. ألا وإنّي أقول: خير الخلق بعدي وسيِّدهم ابني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن، ومولىٰ كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّه سيُظلَم بعدي كما ظُلمت بعد رسول الله|، وخير الخلق وسيِّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه، خلفاء في أرضه وحججه علىٰ عباده، وأمناؤه علىٰ وحيه، وأئمّة المسلمين وقادة المؤمنين، وسادة المتّقين، تاسعهم القائم الذىٰ يملأ الله (عزّ وجلّ) به الأرض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها، والذي بعث أخي محمداً بالنبوّة واختصّني بالإمامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء علىٰ لسان الروح الأمين جبرئيل، ولقد سُـئل رسـول الله| ـ وأنا عنده ـ عن الأئمّة بعده، فقال للسائل: والسماء ذات البروج: إنّ عددهم بعدد البروج، وربّ الليالي والأيام والشهور: إنّ عددهم كعدد الشهور. فقال السائل: فمَن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله| يده علىٰ رأسي، فقال: أوّلهم هذا وآخرهم المهدي، مَن والاهم فقد والاني، ومَن عاداهم فقد عاداني، ومَن أحبّهم فقد أحبّني، ومَن أبغضهم فقد أبغضني، ومَن أنكرهم فقد أنكرني، ومَن عرفهم فقد عرفني، بهم يحفظ الله (عزّ وجلّ) دينه، وبهم يعمر بلاده، وبهم يرزق عباده، وبهم نزل القطر من السماء، وبهم يخرج بركات الأرض هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمّة المسلمين وموالي المؤمنين»([81]).

والمحتوىٰ العقائدي الذي تحمله هذه الرواية ونظائرها ممّا كان ينشـره الأصبغ بين الناس هو جوهر العقيدة الإماميّة ومحورها؛ ومن هنا عبَّر عنه الرجاليون بألفاظ دالّة علىٰ عمق تشيّعه ورسوخ عقيدته في أهل البيت^، فقد عبَّر عنه النجاشي ـ وهو يوافق قول الطوسي أيضاً ـ بقوله: «كان من خاصّة أمير المؤمنين×»([82])، وقال عنه المفيد: «وكان من شرطة الخميس»([83])، وهذه العبارة لا تُطلق إلّا علىٰ خيار شيعة أمير المؤمنين×، والمقصود بالخميس: الجيش، سُمّي به لأنّه مقسوم إلىٰ خمسة أقسام: المقدّمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب، وهم ستّة آلاف رجل أو خمسة آلاف، وهم أصحاب أمير المؤمنين× الذين قال لهم: «تشـرّطوا فأنا أُشارطكم علىٰ الجنّة، ولست أُشارطكم علىٰ ذهب ولا فضّة»([84]).

روىٰ الكشي، عن محمّد بن مسعود، قال حدَّثني عليّ بن الحسين، عن مروك بن عبيد قال: حدَّثني إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل، عن الأصبغ، قال: قلت له: كيف سُمِّيتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: «إنّا ضمنّا له الذبح وضمن لنا الفتح»([85]).

هذا من زاوية أتباع مدرسة أهل البيت^، أمّا من زاوية العامّة فتكاد تتّفق كلمتهم علىٰ تشيُّعه ونسبته إلينا، فهذا ابن قتيبة يعدّه من رجال الشيعة([86])، وقال ابن سعد: «كان شيعيّاً»([87])، وقال ابن حجر: «رُمي بالرفض»([88])، وقال العقيلي: «كوفي كان يقول بالرجعة»([89]). وقال ابن حبان: «وهو ممَّن فُتن بحبِّ عليّ×»([90]). وقال الخركوشي عنه: إنّه من الشيعة المحترقين([91]).

5 ـ وثاقته وعدالته

قلنا ـ فيما تقدّم ـ : إنّ الأصبغ من المعدودين من (شرطة الخميس)، وقد تحدَّثنا عن معنىٰ هذه العبارة وعن دلالتها علىٰ تشيُّع مَن أُطلقت في حقّه، ونريد أنّ نضيف الآن بأنّها قد تـدلّ علىٰ الوثـاقة ـ أيضاً ـ كما صرّح به صاحبُ سـماء المقال بقوله: «ثمّ إنّه لا يخفىٰ أنّها [يعني عبارة شرطة الخميس]تدلّ علىٰ غاية قوّة إيمان مَن ذُكر في حقّه... كما أنّ الظاهر دلالتها علىٰ الوثاقة، كما جرىٰ عليه جمع من الطائفة...»([92]).

ولا كلام في كون الأصبغ من المعدودين من شرطة الخميس، كما نصَّ علىٰ ذلك المفيد، بل نصّت علىٰ ذلك جملة من المصادر من الفريقين([93])، وإنّما الكلام كلّ الكلام في دلالة هذه العبارة علىٰ وثاقة مَن أُطلقت في حقّه، والواقع أنّ العبارة لا تدلّ بذاتها علىٰ التوثيق وإن دلّت علىٰ التشيّع، وإنّما اكتسبت هذه الحمولة، وصارت تدلّ علىٰ التوثيق من خلال الروايات المادحة لـ(شرطة الخميس)، وهي بأجمعها ضعيفة، كما صرّح بذلك السيِّد الخوئي([94]).

ومن هنا؛ لم ينصّ النجاشي والطوسي علىٰ عدالة الأصبغ واكتفيا بالتعبير عنه بأنّه:
 
«من خاصّة أمير المؤمنين×»، وهذا التعبير لا يدلّ ـ عند الدرائيـين ـ علىٰ أكثر من المدح والحسن([95])، ونعته العلّامة الحلّي في الخلاصة بـلفظ (مشكور) بعد ما ذكره في القسم المخصَّص للرواة المعتمد عليهم، وهو من الألفاظ التي تفيد المدح كما في الراشحة الثانية عشـر من الرواشح السماوية([96])، واعتبره صاحب نهاية الدراية من ألفاظ المدح من المرتبة الثانية([97])، ومثله ما وصفه به فائق المقال، حيث قال عنه: «وكان جليل القدر، خيّراً»([98])، وهو من تعابير المدح أيضاً دون التوثيق، وكذا صنع الخوئي؛ إذ وصفه بقوله: «وهو من المتقدِّمين، من سلفنا الصالحين»([99])، وهذه الكلمات لا تدلّ علىٰ غير المدح أيضاً، كما لا يخفىٰ علىٰ مَن تتبّع كتب كلمات الدرائيين ومصطلحاتهم.

ويتلّخص ممّا تقدم: أنّ المستقرّ عليه هو أنّ الرجل من الممدوحين في رجالنا، ولم يصـرِّح أحدٌ منهم بتوثيقه وتعديله، غير أنّ النَفْس غير راضية بما قالوه، ونحن نرىٰ وثاقته ونرجِّح عدالته لوجوه:

الوجه الأول: إنّ الرجل قد تكرّر اسمه في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي (كان حيّاً سنة307هـ)، وهذا الوجه حجّة علىٰ مَن يذهب إلىٰ وثاقة جميع مَن وقع في إسناد هذا التفسير.

الوجه الثاني: ورود اسمه في إسناد كامل الزيارات، فهو أيضاً موثّق عند مَن يرىٰ وثاقة جميع الواقعين في سلسلة الإسناد.

الوجه الثالث: أن نرفض القوالب التي وضعها علماء الدراية في تحديدهم لألفاظ الجرح والتعديل، ونقول: بأنّ عبارة «من خاصّة أمير المؤمنين×» تدلّ علىٰ التوثيق، بل هي من أرفع عبارات التوثيق، ويتّضح ذلك من خلال عرض العبارة علىٰ العرف([100]).

الوجه الرابع([101]): وهو مبني علىٰ مسلك (الاطمئنان) المتاخم للعلم الحاصل من ملاحظة مجموع الأوصاف التي وصفها به علماء الرجال والتاريخ، ومجموع ما قيل عنه وما صدر منه.

فإنّ كلّ مفردة ـ إذا فُصلت عن نظائرها ـ وإن لم تفد الوثوق والاطمئنان النوعي، إلّا أنّها بمجموعها قد تفيد العلم، أو علىٰ الأقل الاطمئنان بوثاقته، بل بما هو فوق الوثاقة، أي: الدرجات العالية منها.

ومن العبارات: قول النجاشي والطوسي: «كان من خاصّة أمير المؤمنين×»، وكذا عبارة «مشكور»، و«كان جليل القدر، خيِّراً»، و«من المتقدِّمين من سلفنا الصالحين...» إلخ، فإذا ضـممنا إلىٰ ذلك وقـوعه في إسـناد كامـل الزيارات، وتفسير عليّ بن إبراهيم ـ وإن لم نقل بوثاقة جميع مَن ورد في إسنادهما علىٰ المبنىٰ فرضاً ـ ثمَّ ضممنا إلىٰ ذلك كلّه ما وصفه به رجاليو العامّة، كقول ابن حبان: «وهو ممَّن فُتِن بحبِّ عليٍّ»([102])، وإذا ضممنا إلىٰ ذلك كلّه أنّ بعض العامّة قد وثّقه كالعجلي، بل وابن عدي، رغم أنّ ذلك علىٰ خلاف القاعدة منهم، وإذا ضممنا إلىٰ ذلك أيضاً ما ذُكر له من الأوصاف والأعمال والمواقف، مثل كونه من شرطة الخميس، وكونه راوياً لمقتل سيِّد الشهداء×، وكونه الراوي لعهد الأشتر عن أمير المؤمنين×، وكونه الراوي لوصيّة أمير المؤمنين× إلىٰ ابنه محمّد بن الحنفية، ومثل مضامين مجموعة من رواياته التي رُويت عنه ورواها كبار علمائنا في موسوعاتهم الروائية، كما في رواية الكـشي عنه خبر المائة وأويس القرني([103])، ورواية أبي الجارود عنه في قوله: «إلّا أنّ سيوفنا علىٰ عواتقنا فمَن أومأ إليه [أي: مَن أومأ إلىٰ أمير المؤمنين×]ضربناه بها»([104])، وكروايته قضية دخول حارث الهمداني علىٰ أمير المؤمنين×، وقوله× له: «يا حار همدان مَن يمت يرني...»([105]).

أقول: إذا ضممنا ذلك كلّه بعضه إلىٰ بعض؛ فالظاهر أنّه يُطمأن ـ دون شكٍّ ـ بوثاقته، وذلك سواء أقلنا: بأنّ (الاطمئنان) الشخصي حجّة، أم قلنا: بأنّ الحجّة هي للاطمئنان النوعي، أي: حصول الوثوق النوعي من المجموع، وإن لم يحصل للشخص نفسه اطمئنان شخصي، فإنّ العقلاء بملاحظتهم مجموع ذلك، يحصل لهم الاطمئنان بوثاقته، فحجّية هذا الظنّ الحاصل من المجموع مستندة إلىٰ بناء العقلاء، كما يمكن إسنادها إلىٰ أنّها نوع استبانة، بل من أظهر مصاديقها ـ والأشياء كلّها علىٰ ذلك حتىٰ تستبين أو تقوم البينة ـ كما تشملها آية النبأ، بلحاظ التعليل فيها([106]).

هذه بعض الوجوه، ولعل المتتبّع يجد وجوهاً أُخرىٰ يُستفاد منها توثيق الأصبغ.

أمّا في رجال العامّة فقد ذهب أكثرُهم إلىٰ ردِّ روايته ونكارة حديثه([107])، ولم يوثِّقه منهم سوىٰ العجلي الذي قال عنه: «كوفي، تابعي، ثقة»([108])، وتوسّط في أمره ابن عدي فاعتبره في نفسه ثقة، وجعل الإنكار من جهة مَن روىٰ عنه، فقال: «وإذا حدّث عن الأصبغ ثقة، فهو عندي لا بأس بروايته، وإنّما الإنكار من جهة مَن روىٰ عنه، لأنّ الراوي عنه لعلّه يكون ضعيفاً»([109]).

وفي الحقيقة إنّك لو فتّشت عن سبب مقنع لتضعيف الأصبغ وجرحه، فلن تجد سوىٰ حبّه لأمير المؤمنين× وعشقه له، ونقله لفضائله ومناقبه، وهذا ما صرّح به ابن حبان جهاراً نهاراً، حيث قال: «وهو ممَّن فُتن بحبِّ عليٍّ، أتىٰ بالطامات في الروايات، فاستحقّ من أجلها الترك»([110]).

فقد بَانَ السبب إذن، فلم يكن الأصبغ تاركاً للصلاة ولا شارباً للخمر ولا زانياً ولا ولا... وإنّما كان ذنبه الوحيد هو افتتانه بحبِّ أمير المؤمنين×، ونقله لما يغيظ ابن حبان ومَن علىٰ شاكلته، «فالصواب ما قاله العجلي، من أنّه ثقة، وأشار إليه ابن عدي بقوله: لا بأس بروايته، وجعل الإنكار من جهة مَن روىٰ عنه، ولا يُلتفت إلىٰ قدح مَن قدح فيه؛ لأنّ الجرح إنّما يُقدَّم علىٰ التعديل إذا لم يكن الجرح مستنداً إلىٰ سببٍ عُلِمَ فساده»([111]).

6 ـ وفاته

نصَّ النجاشي ـ ومن بعده الطوسي ـ علىٰ أنّ الأصبع قد عمَّر بعد أمير المؤمنين×، ولكنّهما لم يحددا لنا سنة وفاته([112]).

ولا يوجد ما نستند إليه في تحديد سنة وفاة الأصبغ عدا أمرين:

أ ـ ذكر الذهبي له في تاريخه في الطبقة الحادية عشرة ـ بحسب تقسيمه للطبقات في هذا الكتاب ـ وقد حصر وفيات هذه الطبقة بين عامي 101- 120هـ([113]).

ب ـ عدّ ابن حجـر له في تقريب التهذيب في الطبقة الثـالثةـكما تقـدَّم ـوقد صرّح في مقدّمة الكتاب أنّ المعدودين في الطبقة الثالثة إلىٰ آخر الثامنة كلّهم من المتوفّين بعد المائة الأُولىٰ للهجرة([114]).

وفي ضوء ذلك ذكر الطهراني: أنّ وفاته كانت بعد عام مائة للهجرة، ذكر ذلك مرّتين: تارة عند ذكره لكتابته عهد أمير المؤمنين× إلىٰ مالك الأشتر([115])، وأُخرىٰ عند ذكره لكتابته وصية أمير المؤمنين× لابنه محمّد بن الحنفيّة([116]).

 


المبحث الثاني

كتاب مقتل الحسين  ×  للأصبغ

الظاهر أنّ الأصبغ بن نباتة هو أول مَن كتب في مقتل الحسين×، وكتابه أسبق كتب المقاتل([117])، بل الظاهر أنّه أوّل مؤرِّخي واقعة الطف علىٰ الإطلاق، فكتابه كان يحوي أقدم مادّة تاريخيّة مسجّلة عن واقعة الطف؛ لأنّه كان معاصراً للواقعة.

وينبغي أن نتحدّث عن هذا المقتل من عدّة نواحي:

الناحية الأُولى:

لعلّ المصدر الوحيد الذي أشار إلىٰ وجود كتاب باسم مقتل الحسين× للأصبغ بن نباتة هو كتاب الفهرست للطوسي (ت460هـ)، فبعد أن ذكر من كتبه عهد أمير المؤمنين× لمالك الأشـتر، ووصيته إلىٰ محمّد بن الحنفية، قال: «وروىٰ الـدوري عنه ـ أيضاً ـ مقتل الحسين بن عليّ×، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن يوسف الجعفي، عن محمّد ابن يزيد النخعي، عن أحمد بن الحسين، عن أبي الجارود، عن الأصبغ، وذكر الحديث بطوله»([118]).

رجال السند الواقعون بين الشيخ والأصبغ:

والرواة الظاهرون في سند هذا الحديث ستّة رجال: الدوري، أحمد بن محمّد بن سعيد، أحمد بن يوسف الجعفي، محمّد بن يزيد النخعي، أحمد بن الحسين، أبو الجارود. والدوري أقربهم إلىٰ الشيخ، والشيخ لا يروي عنه مباشرة، بل يروي عنه بواسطة شيخه الحسين بن عبيد الله الغضائري، وإنّما لم يصرِّح بالواسطة لوضوحها في ذهن المتتبّع لأسانيد الشيخ، وهذه الطريقة تُسمّىٰ في فنِّ الرجال بـ(التعليق).

وعلىٰ أساس ذلك؛ يكون عدد الرجال الواقعين في السند بين الشيخ والأصبغ سبعة رجال، سنحاول فيما يلي أن نقف علىٰ كلِّ واحد منهم والتعريف به تعريفاً مقتضباً؛ تمهيداً لاستنتاج بعض النتائج التاريخيّة المهمّة التي ترتبط بمقتل الأصبغ.

1ـ الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري (ت411هـ): هو شيخ النجاشي، وقد ذكره في الرجال قائلاً: «الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري، أبو عبد الله، شيخنا w»، ثمَّ قال بعد أن ذكر عدداً من كتبه: «أجازنا جميعها وجميع رواياته، عن شيوخه، ومات رحمه الله في نصف صفر سنة إحدىٰ عشرة وأربعمائة»([119]).

أقول: وقد ثبت في محلِّه من علم الرجال وثاقة جميع شيوخ النجاشي([120]).

وهو من مشايخ الطوسي أيضاً، وقد ذكره في رجاله في باب مَن لم يروِ عنهم^، ووصفه بكثير السماع بالرجال، وقال: إنّ له تصانيف ذكرها في الفهرست([121])، ولكن النُّسَخ الموجودة من الفهرست لا تحتوي علىٰ ترجمة للغضائري، وقد احتمل السيد الخوئي سقوطها منها وأنّها كانت موجودة في نسخة الأصل؛ فإنّ جلالة مقام الشيخ تأبىٰ عن أن يُخبر بشيء لا أصل له([122]).

أقول: وما ذهب إليه السيد الخوئي من سقوط ترجمة الغضائري من الفهرست يحلّ لنا إحدىٰ الإشكاليات التي ابتُلينا فيها في الرجال، أعني إشكالية إعراض الأُصول الرجاليّة عن ترجمة عدد كبير من الرواة والشخصيات العلميّة؛ إذ من المحتمل أن تكون قد سقطت تراجمهم من النُّسخ الأصلية للأُصول، كما سقطت ترجمة الغضائري من رجال الشيخ، وفي ضوء هذا الاحتمال لا يكون عدم الترجمة للراوي ـ بالضرورة ـ مساوياً للتقليل من شأنه والحطّ من أهمّيته.

2ـ الدوري: هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن جُلّين الدّوري. أبو بـكر الـورّاق (299ـ 379هـ)، من أهل بغداد([123])، قال فيه النجاشي: «كان من أصحابنا، ثقة في حديثه، مسكوناً إلىٰ روايته، لا نعرف له إلّا كتاباً واحداً، في طرق ردّ الشمس...»([124]).

3ـ أحمد بن محمّـد بن سـعيد: وهو المعروف بـ(ابن عقـدة) (249ـ 233هـ)، وهذا رجل جليل القدر معظَّم عند جميع فرق المسلمين، مشهور بالحفظ، وكان كوفيّاً زيديّاً جارودياً علىٰ ذلك حتّىٰ مات([125]). قال عنه الطوسي في الفهرست: «وأمره في الثقة والجلالة وعِظم الحفظ أشهر مِن أن يُذكر»([126])، وقال النعماني في غيبته: «وهذا الرجل ممَّن لا يُطعن عليه في الثقة، ولا في العِلم بالحديث والرجال الناقلين له»([127]).

4ـ أحمد بن يوسف الجعفي (ت ـ بعد 271هـ)([128]): هو من أهل الكوفة ومن شيوخ ابن عقدة، وقد ذكر النجاشي اسمه ونسبه بشكل مفصَّل في ترجمة (الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني)، قال: «وله [يعني للبطائني]كتاب فضائل القرآن أخبرناه أحمد بن محمّد بن هارون عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال حدَّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب بن حمزة بن زياد الجعفي القصباني يُعرف بابن الجلا [الحلا] بعرزم...»([129]).

والعجيب أنّ النجاشي والطوسي لم يعنونا له، مع كثرة ذكر النجاشي له في تراجم الآخرين، وكثرة رواية ابن عقدة عنه وتصريحه بأنّ له (كتاباً وأصلاً) كان يحدِّثه ممَّا فيه([130])؛ ولذا لم يجد الخوئي بُداً من القول([131]) باتّحاده مع أحمد بن يوسف الذي عنون له الطوسي في الفهرست، وقال: «له روايات»([132])، وباتّحاده مع أحمد بن يوسف مولىٰ بني تيم الله الذي ذكره في رجاله في عداد أصحاب الرضا×، وقال عنه: «كوفي كان منزله بالبصـرة، ومات ببغداد، ثقة»([133])، ولا تعارض بين كونه جعفياً وبين ولائه لبني تيم الله، فإنّ منزله كان بالبصرة، فجاز ولاؤه فيها لبني تيم الله، كما ذكر الخوئي([134]).

5ـ محمّد بن يزيد النخعي: لم يعنون له النجاشي، وهو شيخ أحمد بن يوسف وتلميذ أحمد بن الحسين، كما يبدو من هذا السند، وقد روىٰ عن سيف بن عميرة، كما في ترجمة أبان ابن تغلب من رجال النجاشي ([135]).

أمّا الشيخ، فقد ذكر عشرة أشخاص بعنوان (محمّد بن يزيد)، سبعة منهم يمكن تمييز بعضهم عن الآخر، كما يمكن تمييزهم عن المترجَم له؛ وذلك من خلال ملاحظة الصفات والأحوال التي ذكرها في تراجمهم([136])، والثلاثة الباقون وإن كان يمكن تمييز أحدهم عن الآخر بوضوح، إلّا أنّ كلّ واحد منهم إذا قارناه بصاحبنا فإنّنا لا نجد ما يميزه عنه ـ لا علىٰ مستوىٰ المؤشرات اللفظيّة، ولا علىٰ مستوىٰ المؤشرات الخارجيّة ـ وعليه يمكن أن نقول: إنّه مشترك بين هؤلاء الثلاثة، وهم([137]):

الأوّل: محمّد بن يزيد الكوفي من أصحاب الصادق× برقم (391)، لم يوثَّق ولم يضعّف= مهمل.

الثاني: محمّد بن يزيد: من أصحاب الكاظم× برقم (16)، بدون جرح أو تعديل= مهمل.

الثالث: محمّد بن يزيد: من أصـحاب الكاظم×ـ أيضـاً ـ برقم (41)، وقال عنه: مجهول.

وخلاصة الكلام في محمّد بن يزيد النخعي: أنّه مشترك بين مجهول الحال ومهمَلَين.

6ـ أحمد بن الحسين: لا يوجد له ذِكْر في الرجال، بل ليس له ذِكْر في غير هذا الموضع علىٰ الإطلاق، وقال الأبطحي في تهذيب المقال: «وأحمد بن الحسين مشترك بين الضعيف وغيره»([138])، ونحن لا نوافقه علىٰ ذلك، فإنّ الذين يشتركون مع المترجَم له في اسمه واسم أبيه ممَّن عنونت لهم الأُصول الرجاليّة كلّهم معروفون بصفات وأحوال ومؤشرات خارجية، ونستبعد معها احتمال الاتّحاد بين المترجَم له وكلّ واحد منهم، فالصحيح ما ذكرناه: من عدم عنونة المترجَم له في كتب الرجال، ونُخمّن أنه كان زيديّاً جاروديّاً من أتباع أبي الجارود، وقد لا يكون له نشاط علميّ سوىٰ نقله لهذا المقتل؛ ولهذا السبب أعرضوا عن ترجمته.

7ـ أبو الجارود: وهو زياد بن المنذر الهمداني الكوفي، وإليه تُنسب الزيديّة الجاروديّة، قال عنه النجاشي: «كان من أصحاب أبي جعفر وروىٰ عن أبي عبد الله‘، وتغيّر لمّا خرج زيد رضي الله عنه»([139]).

وهذا الذي ذكره النجاشي يؤكِّده الطوسي بقوله فيه: «زياد بن المنذر، أبو الجارود الهمداني، الحوفي الكوفي تابعي زيدي أعمىٰ، إليه تُنسب الجارودية منهم»([140]).

فهنا لا يشير الطوسي إلىٰ إماميّته قبل خروج زيد، ولكنّه يؤكِّد علىٰ ما يؤكِّد عليه النجاشي من اعتناقه لمذهب الزيديّة، ويظهر منهما استمراره علىٰ هذا الحال إلىٰ آخر عمره.

وقد أورد الصدوق روايتين تدلّان دلالة واضحة علىٰ رجوع أبي الجارود إلىٰ مذهب الإماميّة في آخر حياته([141]).

وعلىٰ أيّة حال، فقد اختلفت كلمة القوم في وثاقته، فذكر الكشي أنّ أبا الجارود سُمي سرحوباً، ونُسبت إليه السرحوبية من الزيديّة، سمّاه بذلك أبو جعفر×، وذكر أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمىٰ يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمىٰ، أعمىٰ القلب، ثمَّ أورد عدَّة روايات عن أبي عبد الله× في ذمّه([142]).

وقد ناقش السيد الخوئي في تلك الروايات وأثبت ضعفها([143]).

وأمّا النجاشي والشيخ، فلا يظهر منهما جرح أو تعديل للرجل، وإنّما اكتفيا ببيان مذهبه وطبقته كما مرّ عليك.

وأمّا ابن الغضائري، فمن قوله فيه: «... حديثه في حديث أصحابنا أكثر منه في الزيديّة، وأصحابنا يكرهون ما رواه محمّد بن سنان عنه، ويعتمدون ما رواه محمّد بن بكر الأرجني»([144]).

وهذا يدلّ علىٰ أنّ الرجل ثقة في نفسه، وإنّما حصل التشويش بسبب ما رواه بعض الضعفاء عنه؛ ولذا فإنّ رأينا فيه كرأي المحقق النوري الذي قال فيه: «وأمّا أبو الجارود، فالكلام فيه طويل، والذي يقتضيه النظر بعد التأمّل فيما ورد وفيما قالوا فيه أنّه كان ثقة في النقل، مقبول الرواية، معتمداً في الحديث، إمامياً في أوله وزيديّاً في آخره»([145]).

استنتاجات في ضوء ما تقدّم:

حينما نتأمّل في سلسلة هذا السند نستنتج الأُمور التالية:

1ـ إنّ هذا المقتل قد كُتب في الكوفة، وأملاه الأصبغ فيها، حيث تلقّاه زياد بن المنذر من الأصبغ وهو من أهل الكوفة، ومن الغريب أن لا يروي هذا المقتل عن الأصبغ غير هذا الرجل، لا سيما القاسم بن الأصبغ بن نباتة الذي كان مهتمّاً علىٰ ما يبدو بموضوع روايات كربلاء كما سنُشير.

2ـ من المرجح أنّ هذا المقتل قد بقي محبوساً في الكوفة يتوارثه تلاميذ الأصبغ، فمن أبي الجارود إلىٰ أحمد بن الحسين إلىٰ محمّد بن يزيد النخعي إلىٰ أحمد بن يوسف الجعفي، الذي كان حيّاً عام 271هـ، بمعنىٰ أنّه قد بقي حوالي 170عاماً في الكوفة، أي: أربعة أجيال.

3ـ إنّ الذي نقل هذا المقتل إلىٰ بغداد هو ابن عقدة الذي كان زيديّاً جاروديّاً حتىٰ مات، وهذا ما يجعلنا نرجّح بأنّ الواقعِين في السند بين أبي الجارود وابن عقدة كلّهم من الزيديّة الجاروديّة، ممَّا قد يفسِّر لنا عدم النقل عن هذا المقتل خلال تلك الفترة، فقد كان هذا المقتل محبوساً في الكوفة عند أتباع أبي الجارود، وهؤلاء بدورهم كانوا منشغلِين عن نشـر هذا المقتل بالدفاع عن مذهبهم الذي كان لا يزال فَتيِّاً في تلك الفترة هذا من جانب.

ومن جانب آخر، فإنّ انتماءهم الفكري والمذهبي سيكون مانعاً من الاتّصال بهم لدىٰ الكثير من المؤرِّخين المختلفين معهم في المذهب.

وعلىٰ أيّة حال، فقد انتقل هذا المقتل إلىٰ بغداد قبل عام 333هـ التي هي سنة وفاة ابن عقدة، وقد بقي متداولاً هناك إلىٰ أن وصل إلىٰ يد شيخ الطائفة الطوسي(ت 460هـ).

والسبب واضح في انتقال هذا المقتل إلىٰ بغداد في هذه الفترة بالذات، ففي هذه الفترة وتحديداً عام 320هـ كان مبدأ قيام الدولة البويهيّة الشيعيّة، فكانت لهم السلطة في العراق وبعض بلاد إيران كفارس وكرمان وبلاد الجبل وهمدان وأصفهان والري([146])، وفي هذه الفترة أظهر الشيعة ما كان مدفوناً من تراثهم، واستطاعوا أن يعيدوا الحياة لهذا التراث، وقام العلماء ببذل جهود جبارة في تنظيم ونشـر وترويج فكر أهل البيت^ في تلك الفترة.

الناحية الثانية:

لقد عرفنا الآن بأنّ مقتل الأصبغ قد بقي إلىٰ أيام شيخ الطائفة الطوسي (ت460هـ)، أي: ما يزيد علىٰ ثلاثة قرون، وقد بقي حوالي نصف هذه المدَّة في الكوفة، منحصـراً بين تلاميذ أبي الجارود من الزيديّة، ثمَّ نقله ابن عقدة إلىٰ بغداد في بدايات الحكم البويهي، ثمَّ وصل إلىٰ الدوري، فابن الغضائري، فالطوسي، وربما كانت هناك نسخة من هذا المقتل في المكتبة العامّة التي أنشأها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة ابن عضد الدولة، وكانت من دُور العلم المهمّة في بغداد بناها هذا الوزير الجليل في محلة بين السورين في الكرخ سنة 381 هـ علىٰ مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد.

قال ياقوت الحموي: «وبها كانت خزانة الكتب التي أوقفها الوزير أبو نصـر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها، كانت كلّها بخطوط الأئمّة المعتبرة وأُصولهم المحررة»([147]).

وعند مجيء طغرل بيك أُحرقت هذه المكتبة العظيمة في جملة ما أُحرق من محال الكرخ، ثمّ توسعت الفتنة فدخلوا دار شيخ الطائفة، فأحرقوا كُتبَه وكرسيَّه الذي كان يجلس عليه للتدريس([148]).

قال ابن الجوزي في حوادث سنة (449ه‍): «وفي صفر هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة في الكرخ، وأُخذ ما وُجد من دفاتره وكرسي يجلس عليه للكلام، وأُخرج إلىٰ الكرخ وأُضيف إليه ثلاث مجانيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إن قصدوا زيارة الكوفة، فأُحرق الجميع»([149]).

من هنا؛ فنحن نرجِّح أنّ مقتل الأصبغ قد أُتلف فيما أُتلف في الحملة السلجوقيّة التي تسبّبت بتدمير عدد هائل من الأُصول الشيعيّة، وفي مقدِّمتها الأُصول الأربعمائة التي كانت موجودة في هذه المكتبة.

وقد كان الطوسي بعد انتقاله للنجف منهمكاً بإعادة ما يمكن إعادته من هذا التراث التالف، ولا ريب في أنّ الشغل الشاغل له هو التركيز علىٰ الجانب العقدي والفقهي من هذا التراث، وسيكون التركيز علىٰ الجانب التاريخي تركيزاً هامشياً. وممّا يدعم ذلك: أنّ الطوسي نفسه كان له مقتل، كما صرّح بذلك في الفهرست عند ترجمته لنفسه([150])، وقد فُقد هذا المقتل أيضاً، ولعلّه أيضاً ممّا أُتلف في هذه الحملة، إلّا أنّ الوقت لم يكن يسمح للطوسي بإعادة كتابته.

الناحية الثالثة:

ذكر السيِّد محمّد طاهر الياسري الحسيني روايتين عن القاسم بن الأصبغ، روىٰ أحدهما الطبري والأُخرىٰ أبو الفرج، واحتمل كونهما ممَّا نقله القاسم عن مقتل والده([151])، فتكون الروايتان بحسب هذا الاحتمال هما بقيّة هذا المقتل، وسنورد الروايتين، ثمَّ نناقشهما:

الرواية الأُولىٰ: روىٰ الطبري، عن هشام الكلبي بسنده، عن القاسم بن الأصبغ بن نُباتة، قال: «حدَّثني مَن شهد الحسين× في عسكره: أنّ حسيناً حين غُلب علىٰ عسكره ركب المسناة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم! حولوا بينه وبين الماء لا تتام إليه شيعته. قال: وضرب فرسه، واتبعه الناس حتىٰ حالوا بينه وبين الفرات، فقال الحسين: اللّهم أظمه، قال: وينتزع الأباني بسهم، فأثبته في حنك الحسين، قال: فانتزع الحسين السهم، ثمَّ بسط كفيه فامتلأت دماً، ثمَّ قال الحسين: اللّهم، إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيك. قال: فوالله، إن مكث الرجل إلّا يسيراً حتىٰ صبَّ الله عليه الظمأ، فجعل لا يروىٰ. قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيتني فيمَن يروح عنه والماء يبرد له فيه السكر وعساس فيها اللبن، وقلال فيها الماء، وإنّه ليقول: ويلكم! اسقوني قتلني الظمأ. فيعطىٰ القلة أو العس كان مُرْوِياً أهل البيت فيشـربه، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة، ثمَّ يقول: ويلكم! اسقوني قتلني الظمأ. قال: فو الله، ما لبث إلّا يسيراً حتىٰ انقد بطنه انقداد بطن البعير»([152]).

الرواية الثانية: روىٰ أبو الفرج عن المدائني، بسنده إلىٰ القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال: «رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً، شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفك. قال: إنّي قتلتُ شابّاً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمتُ ليلة منذ قتلته إلّا أتاني، فيأخذ بتلابيبي حتىٰ يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح، فما يبقىٰ أحد في الحيّ إلّا سمع صياحي. قال: والمقتول العباس بن عليّ‘»([153]).

والمتأمِّل في سند الروايتين لا يرىٰ وجهاً لما احتمله الحسيني من كون هاتين الروايتين ممّا تبقىٰ من آثار مقتل الأصبغ.

 فرواية الطبري صريحة في كون منبع الرواية هو أحد الرواة الذين كانوا متواجدين في الطف، وظاهر الرواية أنّ القاسم يروي عن هذا الراوي مباشرة، ولا علاقة لأبيه بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد.

وأمّا رواية المقاتل، فهي أشدّ صراحة؛ حيث صرّح فيها بأنّ القاسم هو الراوي المباشر لهذا الخبر وأنّه كان شاهد عيان في الحادثة.

نعم، يمكن أن يُقال: إنّ نفس القاسم كان أحد المصادر التي اغترف منها الأصبغ في مقتله؛ وحينئذٍ يتّجه هذا الاحتمال، وهو ما يُسمّىٰ عند الدرائيين بـ(رواية الأكابر عن الأصاغر)([154])، ولكن هذا الكلام هو بمثابة ارتفاع المانع لا بمنزلة المقتضي، أي: إنّه لا مانع من رواية الوالد عن ولده وإن كان ذلك نادراً، ولكن وقوع ذلك وتحقّقه بالفعل يحتاج إلىٰ دليل، وهو مفقود في مورد بحثنا.

ومهما يكن، فإنّ في هاتين الروايتين إشارة إلىٰ اهتمام آل الأصبغ بجمع أخبار كربلاء وملاحقتها من منابعها ومصادرها الأُولىٰ.


 

خاتمة بأهمّ النتائج

النتيجة الأُولىٰ: إنّ الأصبغ بن نباتة هو من كبار محدِّثي الإماميّة في القرن الأوّل وبدايات القرن الثاني، وقد كان له شرف الريادة والمبادرة إلىٰ الكتابة حول وقعة كربلاء.

النتيجة الثانية: إنّ مقتله هو أقدم المقاتل الحسينيّة، وكان يتضمّن أقدم مادّة تاريخيّة حول هذه الوقعة.

النتيجة الثالثة: إنّ هذا المقتل قد بقي إلىٰ منتصف القرن الخامس الهجري، وقد رجّحنا أنّه قد أُتلف في الحملة السلجوقيّة التي قضت علىٰ الدولة البويهيّة.

النتيجة الرابعة: إنّنا لم نعثر علىٰ منقولات من هذا المقتل في المدوّنات التاريخيّة التي تأخّرت عنه؛ ممّا يعني أنّ هذا المقتل قد ضاع من بين أيدينا بشكل نهائي.

الفصل الثاني: مقتل جابر بن يزيد الجعفي الكوفي

الفصل الثاني

مقتل جابر بن يزيد الجعفي الكوفي (... ــ 128هـ)

 

تقديم

كان جابر بن يزيد الجعفي من المعاصرين للإمام السجّاد والباقر والصادق^ كما يبدو من مروياته، ولكنّه كان مختصّاً بالإمام الباقر× وقد أكثر الرواية عنه، وتوفّي في أيام الإمام الصادق×.

ويُعَدّ الجعفي من الشخصيات العلميّة البارزة في الربع الأوّل من القرن الثاني الهجري، وقد أثارت شخصيته وكتبه ومروياته جدلاً واسعاً بين العلماء، فرفعه قوم إلىٰ مصاف سلمان الفارسي وأبي ذرّ الغفاري، ورماه البعض بالاختلاط والجنون.

ويعتبر الجعفي من أوائل مَن تصدّىٰ إلىٰ حفظ وتسجيل النصِّ الكربلائي، ولم يسبقه في هذا المضـمار سوىٰ الأصبغ بن نباتة التميمي (توفّي بعد101هـ)، ولكـن ـ مع الأسف الشديد ـ أنّ كتابه في المقتل لم يصل إلينا، وقد طالته يد التلف والضياع كما طالت غيره من أُصول المقاتل، ولم تُبقِ لنا الأيام من هذا المقتل سوىٰ روايات عثرنا عليها في بطون المدونات التاريخيّة، وأغلب الظنّ أنّها كانت ممَّا كان قد أودعه الجعفي في مقتله.

وسننطلق أوّلاً للحديث عن ترجمة جابر بن يزيد الجعفي، ثمَّ نتّجه للحديث عن كتابه في مقتل الحسين×.

المبحث الأول

ترجمة جابر بن يزيد الجعفي

1 ـ اسمه وكنيته ونسبه وأولاده

قال النجاشي: «جابر بن يزيد أبو عبد الله، وقيل: أبو محمّد الجعفي، عربي قديم، نسبه: ابن الحارث بن عبد يغوث بن كعب بن الحارث بن معاوية بن وائل بن مرار بن جعفي»([155]).

وجعفي علىٰ وزن كرسي أبو قبيلة من القحطانية، والنسبة إليه كذلك، وهم بطن من سعد العشيرة، وهو جعفي بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب([156]).

قال ابن دريد: «واشتقاق جعفي من قوله: جعفت الشيء أجعفه جعفاً. إذا اقتلعته من أصله. وضربه حتىٰ انجعف، أي: انصرع»([157]).

وقد أنجبت قبيلة جعفي العديد من الرواة والمحدِّثين الذين كانوا من أصحاب الأئمّة^، وروّاد مجالسهم، وأكثرهم من سكان الكوفة، وممَّن صحب الإمامين الباقر والصادق÷، فمنهم: بشر بن جعفر الجعفي أبو الوليد، وسالم الجعفي، ويزيد بن عبد الملك الجعفي، وجميعهم من أصحاب الإمام الباقر×.

وأحمد بن معاذ الجعفي الكوفي، وأيوب بن مهاجر الجعفي الكوفي، وأشعر بن الحسن الجعفي الكوفي، وبكر بن عبد الله الجعفي الكوفي، وجميعهم من أصحاب الصادق×([158]).

2 ـ ولادته ونشأته

وُلِد جابر ونشأ وتعلّم في الكوفة، ولكن ليس في أيدينا ما نقطع معه بإعطاء تاريخ دقيق لمولده، وإن كنّا نقدّر ـ كما قدر السيِّد محمّد عليّ الأبطحي ـ أنّ ولادته كانت حوالي سنة 50هـ، وهو ما جمع الأبطحي لإثباته العديد من الشواهد والقرائن، قال في تهذيب المقال: «لم أقف علىٰ ذكر لتاريخ مولد جابر الجعفي في كلام أصحابنا وغيرهم، إلّا أنّه يمكن [أن] تعرف عصر مولده ممّا اتّفق عليه الأكثرون، من أنّه مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وأيضاً من كونه شيخاً كبير السن حين مات، وهو في العادة ابن ثمانين أو قبله أو بعده بقليل. ومن أنّه روىٰ عن غير واحد من الصحابة وأكابر التابعين، كما سيأتي ذكرهم. ومن كونه تابعياً، كما صرَّح به الشيخ في أصحاب الصادق× بقوله: (تابعي أُسند عنه)، وقد عدّ جماعة من نظرائه من أصحاب الصادق× من التابعين، مثل: أبي حمزة الثمالي، وإسماعيل بن عبد الرحمان الكوفي، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ‘، وغيرهم كما في مناقب ابن شهر آشوب في أصحابه× من التابعين. وغير ذلك من الشواهد... وعلىٰ هذا؛ فهو علىٰ الظاهر من مواليد سنة خمسين أو قُبيل ذلك أو بُعيدها»([159]).

والمعروف أنّ الجعفي لم يمكث طوال حياته في الكوفة، بل طوىٰ 18عاماً في خدمة الإمام الباقر× في المدينة المنوّرة؛ ولذا كانت أكثر أحاديثه عن هذا الإمام×، وقد كان من خواصّه وحملة علومه وأسراره.

وروىٰ الطوسي في أماليه بسنده، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: «خدمت سيِّدنا الإمام أبا جعفر محمّد بن عليّ‘ ثماني عشرة سنة، فلمّا أردت الخروج ودّعته، وقلت: أفِدْني. فقال: بعد ثماني عشرة سنة يا جابر؟! قلتُ: نعم، إنّكم بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره. فقال: يا جابر، بلِّغ شيعتي عنّي السلام، وأعلمهم أنّه لا قرابة بيننا وبين الله (عزّ وجلّ)، ولا يُتقرب إليه إلّا بالطاعة له.

يا جابر، مَن أطاع الله وأحبَّنا فهو ولينا، ومَن عصىٰ الله لم ينفعه حبّنا. يا جابر، مَن هذا الذي يسأل الله فلم يُعطه، أو توكل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم يُنجه.

يا جابر، أنزل الدنيا منك كمنزلٍ نزلته تريد التحويل عنه، وهل الدنيا إلّا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت علىٰ فراشك غير راكب ولا آخذ بعنانها، أو كثوب لبسته أو كجارية وطأتها.

يا جابر، الدنيا عند ذوي الألباب كفيء الظلال، لا إله إلّا الله إعزاز لأهل دعوته، الصلاة تثبيت للإخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزيد في الرزق، والصيام والحجّ تسكين القلوب، القصاص والحدود حقن الدماء، وحبُّنا أهل البيت نظام الدين، وجعلنا الله وإياكم من الذين يخشون ربّهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون»([160]).

وحيث إنّنا نعلم أنّ فترة تولّي الإمام الباقر× لشؤون الإمامة الفعلية تمتدّ بين عامي95ـ 114هـ، أي: قرابة الــ (19) عاماً، فيمكن القول: إنّ جابر قد لازم الإمام الباقر× طيلة فترة إمامته ما عدا عام واحد، ولنا أن نقدِّر حينئذٍ أنّ انتقال جابر من الكوفة إلىٰ المدينة المنوّرة كان في بين عامي 95ـ 96هـ، وأنّ عودته إلىٰ الكوفة مرّة أُخرىٰ كانت بين عامي 113ـ 114هـ.

نعم، يمكن أن يُقال: إنّ مبدأ خدمة جابر للإمام الباقر× كانت قبل تولّيه شؤون الإمامة الفعليّة، أي: في عهد والده الإمام السجاد×، وهذا ما قد تشير إليه قصّة الخيط التي رواها جابر عن الإمامين السجاد والباقر÷، حيثُ تبدو من القصّة ملازمة جابر للإمام الباقر× منذ ذلك الحين([161]).

نعم روىٰ الكشي بإسناده عن جابر، قال: «دخلت علىٰ أبي جعفر× وأنا شابٌّ، فقال: مَن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال ممَّن؟ قلت: من جعفي. قال: ما أقدمك إلىٰ هيهنا؟ قلت: طلب العلم. قال: ممَّن؟ قلت: منك. قال: فإذا سألك أحد من أين أنت؟ فقل: من أهل المدينة. قال، قلت: أسألك قبل كلّ شيء عن هذا، أيحلّ لي أن أكذب؟ قال: ليس هذا بكذب، مَن كان في مدينة فهو من أهلها حتىٰ يخرج. قال: ودفع إليّ كتاباً وقال لي: إن أنت حدَّثت به حتىٰ تهلك بنو أُميّة فعليك لعنتي ولعنة آبائي، وإذا أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أُميّة فعليك لعنتي ولعنة آبائي. ثمَّ دفع إليّ كتاباً آخر، ثمَّ قال: وهاك هذا فإن حدَّثت بشيء منه أبداً فعليك لعنتي ولعنة آبائي»([162]).

فإنّ ظاهر هذه الرواية ـ لو صحّت ـ يدلّ علىٰ أنّ قدوم جابر علىٰ أبي جعفر×، كان في أيام إمامته الفعليّة، يعني بعد عام 195هـ، مع أنّ جابر يصف نفسه بـ (الشابّ)، وهذا ما لا ينسجم مع القول بولادته حدود سنة 50هـ، فإنّ المفروض أن يكون عمره وقتئذٍ قد تجاوز الـ (45) عاماً علىٰ أقلّ تقدير.

 وعلىٰ أيّة حال، فإنّ جابر لم ينقطع عن المدينة المنورة بعد رحيل الإمام الباقر×، بل جعل يتردّد عليها، ويتزوّد من الإمام الصادق×، كما تشهد بذلك رواياته التي يرويها عن الإمام الصادق× بلا واسطة([163]).

3 ـ مكانته العلمية وطبقته ومصنفاته

يُعتبر جابر بن يزيد الجعفي من علماء أصحاب الأئمّة الذين ساهموا بنشـر وترويج مذهب أهل البيت^، وقد عدّه الشيخ المفيد من الفقهاء، والأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، ومن أصحاب الأُصول المدوَّنة والمصنَّفات المشهورة([164]).

ووصفه الذهبي في ميزان الاعتدال بكونه أحد علماء الشيعة([165])، وفي تاريخ الإسلام بأحد أوعية العلم([166]).

وقال عنه الزركلي: «تابعي، من فقهاء الشيعة... وكان واسع الرواية غزير العلم بالدين»([167]).

أمّا طبقته: فقد قال النجاشي: «لقي أبا جعفر وأبا عبد الله‘ ومات في أيامه»([168])، وعدّه الشيخ الطوسي أوّلاً: في أصحاب الإمام الباقر×([169])، ثمَّ رجع ثانياً: وعدَّه في أصحاب الإمام الصادق×([170]).

بل عدّه بعض الرجاليين في أصحاب الإمام زين العابدين×، استناداً إلىٰ بعض الروايات التي رواها جابر عنه×([171]).

وعدّه ابن حجر في الطبقة الخامسة([172])، وقد روىٰ عن: الحارث بن مسلم، وخيثمة بن أبي خيثمة البصري، وزيد العمي، وسالم بن عبد الله بن عمر، وطاووس بن كيسان، وعامر بن شراحيل الشعبي، وأبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي الصحابي، وأبي حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان، وعبد الله بن نجي، وعبد الله بن عبد الرحمان بن الأسود ابن يزيد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولىٰ ابن عباس، وعمار الدهني، والقاسم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود، وغيرهم.

وروىٰ عنه: إسرائيل بن يونس، وحسان بن إبراهيم الكرماني، والحسن بن صالح بن حي، وحفص بن عمر البرجمي الأزرق، وزهير بن معاوية، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وسلام بن أبي مطيع، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجاج، وشيبان بن عبد الرحمان، وعبد الرحمان بن عبد الله المسعودي، وقيس بن الربيع، وأبو حمزة محمّد بن ميمون السكري، ومسعر بن كدام، وغيرهم([173]).

أمّا مصنفاته: فقد ذكرها الطوسي في الفهرست([174])، والنجاشي في الرجال([175])، وابن شهر آشوب في المعالم([176])، وتبلغ قائمة كتبه عشرة كتب هي:

1 ـ أصل جابر الجعفي (ذكره الطوسي وابن شهر آشوب).

2 ـ التفسير (ذكره الطوسي والنجاشي وابن شهر آشوب).

3 ـ النوادر (ذكره النجاشي).

4 ـ الفضائل (ذكره النجاشي).

5 ـ الجَمَل (ذكره النجاشي).

6 ـ صفِّين (ذكره النجاشي).

7 ـ النهروان (ذكره النجاشي).

8 ـ مقتل أمير المؤمنين× (ذكره النجاشي).

9 ـ مقتل الحسين× (ذكره النجاشي).

10ـ رسالة أبي جعفر× إلىٰ أهل البصـرة (ذكرها النجاشي، وقال: وتضاف إليه رسالة...).

4 ـ مذهبه ومعتقده

لسنا بحاجة إلىٰ إثبات تشيُّع جابر بن يزيد الجعفي واختصاصه بالمذهب الإمامي، فإنّ هذا الأمر من المسلَّمات التي لم يناقش فيها أحد، بل لسنا بحاجة إلىٰ إثبات كونه من خواص الأئمّة وبطانتهم وحملة علومهم وأسرارهم، وقد ذكرنا سابقاً أنّه كان بوّاب الإمام الباقر× لمدّة 18 عاماً.

وقد روىٰ الشيخ المفيد بإسناد صحيح، عن الصدوق، عن محمّد بن موسىٰ بن المتوكِّل، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسىٰ بن عبيد، عن أبي أحمد الأزدي، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمّد÷ إذ دخل المفضل بن عمر، فلمّا بصر به ضحك إليه، ثمَّ قال: «إليّ يا مفضل» ـ إلىٰ أن قال: ـ فقال: «يا بن رسول الله، فما منزلة جابر بن يزيد منكم؟ فقال×: منزلة سلمان من رسول الله|»([177]).

وقد عدّه في الرسالة العددية ـ كما مرّ ـ من الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، وعدّه في الاختصاص ممَّن اعتبرهم أصحاب محمّد بن عليّ الباقر×، وهم: جابر بن يزيد الجعفي، حمران بن أعين، وزرارة، وعامر بن عبد الله بن جذاعة، حجر بن زائدة، عبد الله بن شريك العامري، فضيل بن يسار البصـري، سلام بن المستنير، بريد بن معاوية العجلي، الحكم بن أبي نعيم([178]).

وقد صرّح الكثير من علماء العامّة بنسبته إلىٰ التشيُّع أو الرفض، فقال الذهبي: «جابر ابن يزيد... بن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة»([179])، وقال عنه أيضاً: «جابر بن يزيد الجعفي الكوفي...أحد أوعية العلم علىٰ ضعفه ورفضه»([180])، وقال ابن حجر: «... رافضـي من الخامسة»([181])، وقال الزركلي: «جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي... من فقهاء الشيعة»([182])، وقال عمر كحالة: «جابر بن يزيد... الجعفي، الكوفي، الشيعي...»([183]).

5 ـ وثاقته وعدالته

اختلف القدماء في وثاقة جابر وعدالته اختلافاً كبيراً، فقد عدّه الشيخ المفيد من فقهاء أصحاب الأئمّة، والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلىٰ ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأُصول المدوَّنة، والمصنَّفات المشهورة([184]).

وأمّا ابن الغضائري، فقال: «إنّ جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكن جُلَّ مَن روىٰ عنه ضعيف، فمَن أكثر عنه من الضعفاء: عمرو بن شمر الجعفي، ومفضل بن صالح، والسكوني، ومنخل بن جميل الأسدي، وأرىٰ الترك لما روىٰ هؤلاء عنه، والوقف في الباقي إلّا ما خرج شاهداً»([185]).

وأمّا النجاشي، فقد بالغ في تضعيفه، فقال: «...وكان في نفسه مختلطاً، وكان شيخنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله ينشدنا أشعاراً كثيرة في معناه تدلّ علىٰ الاختلاط، ليس هذا موضعاً لذكرها»([186]).

والحقّ أنّ جابر من أصحاب الأئمّة^ الذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلىٰ ذمّ واحد منهم، كما قال الشيخ المفيد، وكان ثقة في نفسه كما قال ابن الغضائري، وأمّا رمي النجاشي له بالاختلاط فيمكن مناقشته من عدّة وجوه:

1ـ إنّنا لا نعرف المعطيات والمؤشرات التي وقف عليها النجاشي، وحكم من أجلها باختلاط جابر، فلعلّه قد وقف علىٰ بعض الآراء المنسوبة لجابر، والتي كانت تُعدّ غلواً وارتفاعاً من منظور النجاشي، ومن المعلوم أنّ القدماء لم يتّفقوا فيما بينهم علىٰ ضابطة موحدة في مسألة الغلو والتقصير، فما كان غلواً وارتفاعاً في منظور القمّيين لم يكن كذلك في منظور البغداديين.

يقول المامقاني: «قد نبّهنا غير مرّة علىٰ أنّ رمي القدماء ـ سيما القمّيين منهم ـ الرجل بالغلو لا يُعتنىٰ به؛ لأنّ الاعتقاد بجملة ممّا هو الآن من ضروريات المذهب كان معدوداً عندهم من الغلو، ألا ترىٰ عدَّهم نفي السهو عن النبي| والأئمّة× غلوّاً، مع أنّ مَن لم ينفِ السهو عنهم اليوم لا يعدّ مؤمناً، ولقد أجاد الفاضل الحائري حيث قال: رمي القمّيين بالغلو، وإخراجهم من قمّ لا يدلّ علىٰ ضعفٍ أصلاً، فإنّ أجلّ علمائنا وأوثقهم غالٍ علىٰ زعمهم، ولو وجدوه في قم لأخرجوه منها لا محالة»([187]).

2ـ يمكن أن يكون اختلاط جابر ممّا أشاعه عليه المخالفون من أجل إسقاطه من عيون الناس وإبعادهم عنه، فقد روىٰ الكشي بسنده عن عبد الحميد بن أبي العلا، قال: «دخلت المسجد حين قُتل الوليد، فإذا الناس مجتمعون، قال: فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خزٍّ حمراء، وإذا هو يقول: حدَّثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمّد بن علّي×. قال: فقال الناس: جُنَّ جابر، جُنَّ جابر»([188]).

وقد روىٰ لنا العقيلي عن الحميدي ما يكشف لنا مَن هم هؤلاء الناس الذين رموا جابر بالجنون، قال الحميـدي: «سـمعت ابن أكثم الخراسـاني قال لسـفيان: أرأيت ـ يا أبا محمّد ـ الذين عابوا علىٰ جابر الجعفي قوله: حدَّثني وصىٰ الأوصياء؟ فقال سفيان: هذا أهونه»([189]).

3 ـ كما يمكن أن يكون رمي جابر بالاختلاط أو الجنون، كان بسبب تظاهره بذلك في فترة من الفترات بأمر من الإمام الباقر× للحفاظ عليه من السيف، فقد روىٰ الشيخ المفيد بسنده، عن النعمان بن بشير، قال: «زاملت جابر بن يزيد الجعفي إلىٰ الحجّ، فلمّا خرجنا إلىٰ المدينة ذهب إلىٰ أبي جعفر الباقر‘، فودعه ثمَّ خرجنا، فما زلنا حتىٰ نزلنا الأخيرجة، فلمّا صلَّينا الأُولىٰ ورحلنا واستوينا في المحمل إذا دخل رجل طوال آدم شديد الأدمة، ومعه كتاب طينه رطب من محمّد بن عليّ الباقر‘ إلىٰ جابر بن يزيد الجعفي، فتناوله جابر وأخذه وقبّله، ثمّ قال: متىٰ عهدك بسيِّدي؟ قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ قال: بعد الصلاة الساعة. قال: ففكّ الكتاب وأقبل يقرأه ويقطب وجهه، فما ضحك ولا تبسّم حتىٰ وافينا الكوفة، وقد كان قبل ذلك يضحك ويتبسّم ويحدِّث، فلمّا نزلنا الكوفة دخل البيت فأبطأ ساعة، ثمَّ خرج علينا قد علق الكتاب في عنقه وركب القصب، ودار في أزقة الكوفة، وهو يقول: منصور بن جمهور أمير غير مأمور. ونحو هذا من الكلام، وأقبل يدور في أزقة الكوفة والناس يقولون: جُنَّ جابر، جُنَّ جابر. فلمّا كان بعد ثلاثة أيام ورد كتاب هشام بن عبد الملك علىٰ يوسف بن عثمان بأن اُنظر رجلاً من جعف يقال له: جابر ابن يزيد، فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. فلمّا قرأ يوسف بن عثمان الكتاب التفت إلىٰ جلسائه، فقال: مَن جابر بن يزيد؟ فقد أتاني من أمير المؤمنين يأمرني بضرب عنقه وأن أبعث إليه برأسه؟ فقالوا: أصلح الله الأمير، هذا رجل علّامة صاحب حديث وورع وزهد وأنّه جُنَّ وخولط في عقله، وها هو ذا في رحبة يلعب مع الصبيان. فكتب إلىٰ هشام بن عبد الملك: أنّك كتبت إليّ في أمر هذا الرجل الجعفي وأنّه جُنَّ! فكتب إليه دعه. قال: فما مضت الأيام حتىٰ جاء منصور بن جمهور فقتل يوسف بن عثمان، فصنع ما صنع»([190]).

هذا بحسب رجالنا، أمّا العامّة، فقد اختلفوا فيه أيضاً، فوثقه جماعة، وضعفه جماعة، وهم الأكثر.

 قال سفيان الثوري: إذا قال جابر: حدَّثنا، وأخبرنا، فذاك. وكان يقول أيضاً: كان جابر ورعاً في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث منه.

وقال شعبة: جابر صدوق في الحديث، وقال أيضاً: كان جابر إذا قال: حدَّثنا، وسمعت، فهو من أوثق الناس.

وقال زهيـر بن معاويـة: كان إذا قال ـ يعني جابر ـ : سـمعت، أو سألت، فهو من أصدق الناس.

وكان وكيع يقول: مهما شككتم في شيء، فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقة.

وقال يحيىٰ بن معين: لم يدع جابراً ممَّن رآه إلّا زائدة، وكان جابر كذّاباً. وقال في موضع آخر: لا يُكتب حديثه، ولا كرامة.

وقال يحيىٰ بن سعيد: تركنا حديث جابر، قبل أن يقدم علينا الثوري.

وقال زائدة: أمّا جابر الجعفي، فكان ـ والله ـ كذّاباً يؤمن بالرجعة.

وقال أبو حنيفة: ما لقيت فيمَن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأيي إلّا جاءني فيه أثر، وزعم أنّ عنده ثلاثين ألف حديث، عن رسول الله|، لم يظهرها.

وقال: عبد الرحمان بن مهدي، يقول: ألا تعجبون من سفيان بن عيينة؟ لقد تركت جابراً الجعفي لقوله لما حكىٰ عنه أكثر من ألف حديث، ثمَّ هو يحدِّث عنه.

وقال النسائي: متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يُكتب حديثه([191]).

ومن الملاحظ علىٰ أقوال الجارحين أنّهم قد تركوا روايته لأحد سببين:

السبب الأول: كثرة أحاديثه، ونحن نظنّ أنّ أكثر هذه الأحاديث ممَّا رواه عن الإمام الباقر×، وهو أمر طبيعي بالنسبة لمَن قضىٰ 18عاماً من عمره في خدمة الإمام الباقر×، ولكنّنا نعتقد أنّ مشكلة القوم لم تكن مع جابر، بل مع أستاذ جابر، أعني به: الإمام الباقر×، فإنّهم يعتقدون أنّ كلّ ما رواه الإمام الباقر× ولم يسنده فهو من المراسيل ظاهراً وواقعاً؛ وبالتالي، فإنّ روايات جابر أو غيره عن الإمام الباقر× عن النبي| تُعدّ من المراسيل في نظرهم ما لم تُبيَّن الواسطة بين الإمام الباقر× والنبي|.

قال الذهبي ـ في ترجمة الإمام الباقر× من سـير أعلام النبـلاء ـ : «روىٰ عـن جدَّيه: النبي(صلى الله عليه وسلم) وعليّ (رضي الله عنه) مرسلاً، وعن جدَّيه: الحسن والحسين مرسلاً أيضاً»([192]).

ونحن نعتقد أنّ أحاديث الإمام الباقر× عن جدِّه رسول الله| كلّها مأخوذة عن طريق آبائه المعصومين^، سواء صرح الإمام× بإسناده أو لا.

فقد روىٰ الشيخ المفيد في أماليه بسنده عن جابر، أنّه قال: «قلتّ لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر‘: إذا حدَّثتني بحديث فأسنده لي. فقال: حدَّثني أبي، عن جدِّي، عن رسول الله|، عن جبرئيل×، عن الله (عزّ وجلّ)، وكلّ ما أحدِّثك بهذا الإسناد»([193]).

السبب الثاني: اعتراضهم علىٰ بعض المفاهيم التي كانت تحملها بعض تلك الأحاديث، وهذا ما صرّح به المزي بعد نقله لتلك الأقوال، حيث قال: «وقد احتمله الناس، ورووا عنه، وعامّة ما قذفوه به: أنّه كان يؤمن بالرجعة...»([194]).

6 ـ وفاته

توفّي جابر ـ علىٰ ما ذكر النجاشي ـ عام 128هـ في حياة الإمام الصادق×([195])، وهذا هو المشهور المنصور، فقد قال به محمّد بن سعد صاحب الطبقات (ت230هـ) عن الفضل بن دكين([196])، ولعلّه أقدم مَن نقل ذلك، وأحمد بن حنبل (ت241هـ) كما في رجال الطوسي([197])، وإسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت256هـ) عن أبي نعيم([198])، ومحمّد بن عبد الله بن أحمد بن سليمان بن زبر الربعي(ت397هـ)([199])، وأبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ)، عن أبي موسىٰ محمّد بن المثنىٰ([200])، وغيرهم.

وقيل: مات جابر سنة 127هـ، وقيل: سنة132هـ ([201])، وقيل سنة 167هـ ([202]).


المبحث الثاني

مقتل الحسين× لجابر بن يزيد الجعفي

وصلنا للكلام حول مقتل الحسين× لجابر بن يزيد الجعفي، وهو ما سنوزعه ضمن ثلاث جهات:

الجهة الأُولى: بقاء هذا المقتل إلى منتصف القرن الخامس الهجري

إنّ كتاب مقتل الحسين× لجابر بن يزيد الجعفي، من الكتب المفقودة في زماننا شأنه شأن سائر كتبه، ولعلّ أقدم مَن نصَّ علىٰ وجود هذا الكتاب، هو الرجالي الكبير أبو العباس النجاشي (ت450هـ)، قال: «...وكتاب الجَمَل، وكتاب صفِّين، وكتاب النهروان، وكتاب مقتل أمير المؤمنين×، وكتاب مقتل الحسين×. روىٰ هذه الكتب الحسين بن الحصين العمّي، قال: حدَّثنا أحمد بن إبراهيم بن معلىٰ، قال: حدَّثنا محمّد بن زكريا الغلابي وأخبرنا ابن نوح، عن عبد الجبار بن شيران الساكن نهر خطىٰ، عن محمّد بن زكريا الغلابي، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر بهذه الكتب».

والملاحظ: أنّ النجاشي له طريقان إلىٰ هذا المقتل، كلاهما ينتهي بمحمّد بن زكريا الغلابي (ت298هـ)، الذي يروي هذا المقتل عن جابر بن يزيد الجعفي بثلاث وسائط.

فالغلابي من الرواة الأساسيـين لهذا المقتـل: وهو مولىٰ بني غلاب ـ بالغين المفتوحة واللام المفتوحة المخففة ـ وبنو غلاب قبيلة بالبصرة من بني نصـر بن معاوية، وكان هذا الرجل وجهاً من وجوه الإماميّة بالبصرة في القرن الثالث الهجري، وكان مؤرِّخاً كبيراً صنَّف العديد من الكتب، منها: كتاب مقتل الحسين×([203])، وهو أيضاً مفقود في هذا الزمان.

ويبدو لي ـ من خلال التأمّل في طريق النجاشي إلىٰ الجعفي ـ : أنّ هذا المقتل، قد انتقل من الكوفة إلىٰ البصرة، فكان موجوداً في البصرة في القرن الثالث الهجري، وكانت نسخته موجودة عند محمّد بن زكريـا الغـلابي (ت298هـ)، ثمَّ انتقـل بعد ذلك ـ مع الرواة ـ من البصرة إلىٰ بغداد، فكان موجوداً في بغداد في القرن الخامس الهجري عند النجاشي الذي وصلته ـ علىٰ ما يبدو ـ نسختان من هذا الكتاب، إحداهما: عن طريق الحسين بن الحصين العمّي، وأُخراهما: عن طريق ابن نوح السيرافي، وهاتان النسختان، هما في الأصل نسخة واحدة، وهي نسخة الغلابي.

ولا نعلم شيئاً بعد ذلك عن مصير هذا المقتل، ففي سنة 447هـ، أي: قبل وفاة النجاشي بثلاث سنين، ورد طغرل بك أول ملوك السلاجقة إلىٰ بغداد، الذي اضطهد الشيعة، وخرَّب الكثير من مراكزهم العلميّة، ومنها: المكتبة العامّة التي وقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها، كانت كلّها بخطوط الأئمّة المعتبرة وأُصولهم المحررة، فاحترقت فيما أُحرق من محال الكرخ([204]).

ثمّ توسعت الفتنة فطالت علماء الشيعة وكبار رجال الطائفة، فقد قال ابن الجوزي في أحداث سنة 449هـ : «وفي صفر هذه السنة: كُبست دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة بالكرخ، وأُخذ ما وُجد من دفاتره، وكرسيّ كان يجلس عليه للكلام، وأُخرج ذلك إلىٰ الكرخ وأُضيف إليه ثلاثة مجانيق بيض كان الزوّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأُحرق الجميع»([205]).

ويبدو أنّ هذه الأحداث قد وقعت بعد هجرة الشيخ الطوسي إلىٰ النجف بعام واحد، إذ ذكر ابن الجوزي في أحداث سنة 448هـ ما نصّه: «وقد هرب أبو جعفر الطوسي، ونُهبت داره»([206])، يعني في سنة 448هـ.

كما أنّ النجاشي لم يسلم من هذه الفتنة أيضاً علىٰ ما يبدو، فنفذ بجلده إلىٰ مطير آباد
ـ وهي ناحية من نواحي سامراء ـ وبقي إلىٰ أن توفّي هناك سنة 450هـ ([207])، ولا تسعفنا المصادر عن السنة التي كان خروجه فيها إلىٰ هذه الناحية.

وعلىٰ أيّة حال، فإنّ هذه الفتنة قد تسبّبت بضياع الكثير من الكتب، بدليل وجودها في متناول العلماء قبل هذه الفتنة، واختفائها بعد ذلك مباشرةً، فكتاب مقتل الحسين× لجابر بن يزيد الجعفي كان موجوداً في متناول العلماء إلىٰ منتصف القرن الخامس الهجري تقريباً، ثمَّ اختفىٰ بعد ذلك.

الجهة الثانية: ما تبقّىٰ  من آثار مقتل الحسين× لجابر بن يزيد الجعفي

قلنا في الجهة السابقة: إنّ مقتل جابر بن يزيد الجعفي غير موجود في زماننا، والغريب أنّنا لا نجد من آثار هذا المقتل في الكتب المتأخِّرة عن عصر الجعفي، سوىٰ مجموعة قليلة من الروايات ـ ممّا وقع الجعفي في طرقها ـ ونحتمل أنّها ممّا كان أودعه الجعفي في مقتله، وهي متوفرة بشكل رئيسي في كتاب مقاتل الطالبيين لأبي فرج الأصفهاني (ت356هـ)، وكتاب كامل الزيارات لابن قولويه (ت368هـ)، وهناك روايات أُخرىٰ متفرِّقة في تاريخ الأُمم والملوك لمحمّد بن جرير الطبري (ت310هـ)، وتفسير العياشي لمحمّد بن مسعود العياشي (ت320هـ)، والكافي لمحمّد بن يعقوب الكليني (ت329هـ)، والهداية الكبرىٰ لأبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ت334هـ)، والخرائج والجرائح وقصص الأنبياء لقطب الدين الراوندي (ت573هـ).

 وعلينا الآن أن نشير إلىٰ مواضع تلك الروايات في المصادر المشار إليها أعلاه ضمن العناوين التالية:

1ـ روايات مقتل الجعفي في مقاتل الطالبيين:

1ـ تعيين قاتل جعفر بن عليّ÷، قال: قال نصر بن مزاحم: حدَّثني عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفـر محمّـد بن عليّ÷: «أنّ خـولي بن يزيـد الأصبحي ـ لعنه الله ـ قتل جعفر بن عليّ»([208]).

2ـ تعيين قاتل العباس×، قال: حدّثني أحمد بن عيسىٰ، قال: حدَّثني حسين بن نصـر، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر×: «أنّ زيد ابن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائي، قتلا العباس بن عليّ»([209]).

3ـ تعيين قاتل محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب^، قال: حدَّثني أحمد بن عيسىٰ، قال: حدَّثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر...: «أنّ رجلاً من تميم من بني أبان بن دارم قتله ـ رضوان الله عليه ـ ولعن الله قاتله»([210]).

4ـ تعيين قاتل أبي بكر بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب^، قال: وفي حديث عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر×: «أنّ عقبة الغنوي قتله»([211]).

أقول: الروايات الثلاث الأُولىٰ ممّا يندرج ضمن مقتل نصـر بن مزاحم المنقري (ت212هـ) أيضاً، كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ، وبهذا تعرف أنّ مقتل جابر الجعفي هو من المصادر التي اعتمدها نصر بن مزاحم المنقري في تصنيفه لمقتله.

2ـ روايات مقتل الجعفي في كامل الزيارات:

1ـ قال: وحدَّثني محمَّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسىٰ، عن صفوان بن يحيىٰ، عن الحسين بن أبي غندر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر×، قال: قال أمير المؤمنين×: «زارنا رسول الله| وقد أهدت لنا أُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً، فقدمنا منه، فأكل ثمَّ قام إلىٰ زاوية البيت، فصلّىٰ ركعات، فلمّا كان في آخر سجوده بكىٰ بكاءً شديداً، فلم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً له، فقام الحسين× وقعد في حجره، فقال: يا أبه، لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك، ثمَّ بكيت بكاء غمّنا، فما أبكاك، فقال: يا بني، أتاني جبرئيل× آنفاً فأخبرني أنّكم قتلىٰ وأنّ مصارعكم شتّىٰ...»([212]).

2ـ قال: حدَّثني محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن محمّد بن حماد الكوفي، عن إبراهيم بن موسىٰ الأنصاري، قال: حدَّثني مصعب، عن جابر، عن محمّد بن عليّ÷، قال: قال رسول الله|: «مَن سرّه أن يحيىٰ حياتي ويموت مماتي ويدخل جنتي، جنة عدن غرسها ربّي بيده، فليتولَّ عليّاً ويعرف فضله، والأوصياء من بعده، ويتبرّأ من عدوي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، هم عترتي من لحمي ودمي، أشكو إلىٰ ربّي عدوهم من أُمّتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، والله، ليقتلن ابني، ثمَّ لا تنالهم شفاعتي»([213]).

3ـ قال: حدَّثني محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعيد، عن عليّ بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله×، قال: قال عليّ× للحسين×: «يا أبا عبد الله، أُسوة أنت قدماً. فقال: جعلت فداك ما حالي؟ قال: علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم، يا بني، اسمع وأبصر من قَبْل أن يأتيك، فوالذي نفسي بيده، ليسفكن بنو أُمّية دمك، ثمَّ لا يزيلونك عن دينك، ولا ينسونك ذكر ربّك...»([214]).

4ـ وحدَّثني أبيw، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسىٰ، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر×، قال: قال رسول الله|: «إنّ في النار لمنزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلّا قاتل الحسين بن عليّ ويحيىٰ بن زكريا‘»([215]).

5ـ وحدَّثني عليّ بن الحسين بن موسىٰ، عن عليّ بن إبراهيم وسعد بن عبد الله جميعاً، عن إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر×، قال: «ما بكت السماء علىٰ أحد بعد يحيىٰ بن زكريا إلّا علىٰ الحسين بن عليّ‘، فإنّها بكت عليه أربعين يوماً»([216]).

أقول تعليقاً علىٰ هذه الروايات: إنّ الروايتين الأُولىٰ والثانية قد ذكرتا في الباب (22) قولَ رسول الله|: إنّ الحسين× تقتله أُمّته من بعده. والرواية الثالثة قد ذكرت في الباب (23) قولَ أمير المؤمنين× في قتل الحسين× وقول الحسين له في ذلك، والرواية الرابعة في الباب (25) ما جاء في قاتل الحسين× وقاتل يحيىٰ بن زكريا÷، والرواية الخامسة في الباب (28) بكاء السماء والأرض علىٰ قتل الحسين× ويحيىٰ بن زكريا÷.

ولقائل أن يقول: إنّ هذه الروايات لا تدخل في صميم أحداث يوم عاشوراء، كما أنّها لا تتحدَّث عمّا سبقه من تمهيدات ومقدِّمات، أو ما لحقه من وقائع السبي، فالروايات الثلاث الأُولىٰ تندرج ضمن النبوءات التي تحدَّثت عن مقتل الحسين× قبل وقوعه، والرواية الرابعة تندرج ضمن عقوبة قتلة الحسين×، والرواية الخامسة تندرج ضمن الأحداث الكونيّة التي حدثت بعد مقتله×، ومعه كيف يُحتمل أن تكون هذه الروايات كانت مودعة في مقتل جابر الجعفي؟

وهذا الكلام غير صحيح، فإنّ أرباب المقاتل قد دأبوا علىٰ ذكر هذه الروايات وأمثالها في كتب المقتل، ونحن وإن كنّا نفتقد كتب المقاتل القديمة (الأُصول)، ولا يمكننا أن نطّلع علىٰ تبويبها بشكل مباشر، ولكن يمكن أن نقيسها علىٰ ما وصلنا من كتب المقاتل التي كُتبت بعد ذلك، وكمثال علىٰ ذلك مقتل الخوارزمي، فقد عُقد الفصل الثامن من هذا الكتاب في إخبار رسول الله| عن الحسين× وأحواله، وأورد فيه نبوءات الرسول| عن مقتل الحسـين×، ثمَّ عُقد بعد ذلك الفصل الثاني عشر في بيان عقوبة قاتل الحسين× وخاذله وما له من الجزاء.

3ـ شذرات من مقتل الجعفي:

بقي علينا أن نشير إلىٰ شذرات متناثرة من هذا المقتل عثرت عليها عدّة من المصادر التاريخيّة، وهي ـ ما أشرنا إليها سابقاً ـ : تاريخ الأُمم والملوك لمحمّد بن جرير الطبري (ت310هـ)، وتفسير العياشي لمحمّد بن مسعود العياشي (ت320هـ) ، والكافي لمحمّد ابن يعقوب الكليني (ت329هـ)، والهداية الكبرىٰ لأبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ت334هـ)، والخرائج والجرائح وقصص الأنبياء لقطب الدين الراوندي (ت573).

1ـ محمّد بن جرير الطبري (ت310هـ) في تاريخ الأُمم والملوك: قال: قال هشام: حدَّثني عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: «عطش الحسين حتىٰ اشتدّ عليه العطش، فدنا ليشرب من الماء، فرماه حصين بن تميم بسهم، فوقع في فمه، فجعل يتلقّىٰ الدم من فمه، ويرمي به إلىٰ السماء، ثمَّ حمد الله وأثنىٰ عليه، ثمَّ جمع يديه، فقال: اللّهم، أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر علىٰ الأرض منهم أحداً»([217]).

أقول: وهذه الرواية تندرج ـ أيضاً ـ ضمن مقتل هشام بن محمّد بن السائب الكلبي (ت204هـ) ـ كما سيأتي ـ وبهذا يكون مقتل جابر الجعفي من المصادر التي استقىٰ منها الكلبي في مقتله.

2ـ محمّد بن مسعود العياشي (ت320هـ) في تفسيره: قال: عن جابر، عن أبىٰ جعفر×، قال: «نزلت هذه الآية في الحسين×(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)قاتل الحسين.(إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) قال: الحسين×»([218]).

3ـ محمّد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في الكافي: قال: أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سـالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر×، قال: «قُتل الحسين بن عليّ‘ وعليه جبّة خزّ دكناء فوجدوا فيها ثلاثة وستّين من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح أو رمية بالسهم»([219]).

4ـ قطب الدين الراوندي (ت573هـ) في الخرائج والجرائح وقصص الأنبياء:

أ ـ في الخرائج والجرائح: عن أبي سعيد سهل بن زياد: حدَّثنا الحسن بن محبوب: حدّثنا ابن فضيل: حدّثنا سعد الجلاب، عن جابر، عن أبي جعفر×، قال: قال الحسين ابن عليّ÷ لأصحابه قبل أن يُقتل: «إن رسول الله| قال: يا بني، إنّك ستُساق إلىٰ العراق، وهي أرض قد التقىٰ بها النبيون، وأوصياء النبيين، وهي أرض تُدعىٰ (عمورا)، وإنّك تُستَشهد بها ويُستشهد معك جماعة من أصحابك، لا يجدون ألم مسِّ الحديد، وتلا:  (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)­­­ تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً. فأبشروا: فو الله، لئن قتلونا، فإنّا نرد علىٰ نبينا. ثمّ أمكث ما شاء الله، فأكون أول مَن تنشقّ عنه الأرض، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة...»([220]).

ب ـ في قصص الأنبياء: عن جابر، عن أبي جعفر×، قال: «إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغيّ، وكانت ثمود تقول: ما نعرف له فينا أباً ولا نسباً، وأنّ قاتل الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما ابن بغيّ، وأنّه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلاّ أولاد البغايا، وقال في قوله تعالىٰ جلّ ذكره:(لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)­­  قال: يحيىٰ بن زكريّا لم يكن له سميّ قبله ، والحسين بن عليّ لم يكن له سميّ قبله، وبكت السّماء عليهما أربعين صباحاً، وكذلك بكت الشّمس عليهما، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب حمراء»([221]).

الجهة الثالثة: السبب في إعراض المؤرِّخين عن مقتل الجعفي

استنتجنا في الجهة الأُولىٰ ـ بناءً علىٰ بعض المعطيات ـ  بقاء مقتل الجعفي في متناول أيدي العلماء إلىٰ منتصف القرن الخامس الهجري، ومع بقاء هذا المقتل طوال هذه المدّة، وانتشـاره في الكـوفة والبصـرة وبغـداد، غـير أنّنا قد لاحظـنا ـ في الجهة الثانيـة ـ إعراض المؤرِّخين عن هذا المقتل، وندرة اعتمادهم عليه، فالطبري ـ مثلاً ـ لم يروِ عنه سوىٰ رواية واحدة، وهناك مصادر ـ كالإرشاد للشيخ المفيد (ت313هـ) ـ قد خلت تماماً من مرويات هذا المقتل، وهذا ما يثير الاستغراب، ويدفع بنا للبحث عن وجود تفسير لذلك:

التفسير الأوّل: تخطيط ومؤامرة الدولة العباسية ضد كتاب الجعفي

يرىٰ السيِّد سامي البدري في كتابه (المدخل إلىٰ دراسة مصادر السيرة النبويّة والتاريخ الإسلامي): أنّ هذا الإعراض عن مقتل الجعفي وندرة الاعتماد عليه، كان مؤامرة مدبَّرة، خطّط لها الساسة العباسيون، ونفّذها أبو مخنف والمؤرِّخون بعده، يقول البدري: «أقول: بل وضع كتابه في المقتل [يعني: أبو مخنف] علىٰ ما يبدو في قبال كتاب جابر بن يزيد الجعفي لتطويقه واحتوائه؛ إرضاءً للعباسيين في خطّتهم التي استهدفت وصف أهل الكوفة خاّصة بأنّهم خذلوا الحسين×، وأنّهم المسؤولون عن قتل الحسين× دون يزيد، وقد نجح أبو مخنف في تحقيق ما أرادوا، وصار كتابه أفضل الكتب المؤلّفة في بابه وتبّناه المؤرِّخون بعده».

وهذا الرأي يمكن مناقشته والاعتراض عليه من عدّة وجوه:

1ـ إنّ مقتل أبي مخنف وإن احتوىٰ علىٰ بعض المرويات التي تحاول رفع المسؤولية عن يزيد، غير أنّه قد اشتمل علىٰ مرويات أُخرىٰ مضادّة، فعلىٰ سبيل المثال، قال أبو مخنف: «وأمّا ما حدَّثَنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الأزدي وغيرهما من المحدِّثين، فهو ما عليه جماعة المحدِّثين، قالوا: إنّه قال: اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً: إمّا أن أرجع إلىٰ المكان الذي أقبلت منه، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية، فيرىٰ فيما بيني وبينه رأيه، وإمّا أن تسيِّروني إلىٰ أيّ ثغرٍ من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلاً من أهله، لي ما لهم وعليَّ ما عليهم»([222]).

فهذا النصّ من النصوص التي حاولت إلصاق المسؤوليّة بعمر بن سعد وحده، وتبرئة يزيد، إلّا أنّ الظاهر أنّ أبا مخنف قد أورده كمقدِّمة لتفنيده ونقل ما يضاده، حيث قال بعد ذلك مباشرة: «فأمّا عبد الرحمن بن جندب، فحدَّثني عن عقبة بن سمعان، قال: صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة إلىٰ مكّة، ومن مكّة إلىٰ عراق، ولم أُفارقه حتىٰ قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلىٰ يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد ابن معاوية، ولا أن يُسيّروه إلىٰ ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتىٰ ننظر ما يصير أمر الناس»([223]).

ويظهر من كلام ابن سمعان أنّ الرواية الأُولىٰ كانت قد انتشرت في وقت مبكر، فكان لا بدّ له من عرضها وإيراد ما يناقضها.

2ـ إنّنا قد نؤمن بنظرية المؤامرة في هذا الخصوص، ولكنّها لم تكن كما صوّرها البدري، بل المؤامرة كانت ضدّ جميع أصحاب الأُصول الشيعيّة في المقتل، كالأصبغ بن نباتة التميمي، وجابر بن يزيد الجعفي، وأبي مخنف، وغيرهم.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ المؤامرة لم تكن من قِبَل ساسة بني العباس؛ إذ إنّنا نسأل ما هي مصلحة بني العباس بتحسين صورة يزيد؟!

بل المؤامرة كانت ـ في تصورنا ـ من قِبَل المؤرِّخين أنفسهم، وبدافع مذهبي، فكان كلّ واحد منهم ينتقي من الأخبار ما ينسجم مع ميوله وتوجهاته المذهبية، وكانت نظرة الواحد منهم إلىٰ بني أُميّة عموماً ويزيد خصوصاً قد لعبت دوراً مهمّاً وخطيراً في هذا المجال، ونحن نعلم أنّ نظرة مؤرِّخي العامّة إلىٰ بني أُميّة عموماً ويزيد خصوصاً لم تكن متساوية، بل كانت متفاوتة أشدّ التفاوت.

3ـ لو تنزلنا عن المناقشتين السابقتين، فإن هذا الرأي يبقىٰ قاصراً عن تفسير الإعراض عن مقتل الجعفي من عموم المؤرخين، فإن هذا الإعراض لم يكن خاصاً بمؤرخي السنّة، بل يشمل مؤرخي الشيعة أيضاً، كالشيخ المفيد الذي لم يورِد من هذا المقتل شيئاً في الإرشاد.

التفسير الثاني: ما توصلنا إليه في المقام

نحن نعتقد أنّ الإعراض عن مقتل الجعفي وندرة الاعتماد عليه، جاء نتيجة أحد الأسباب التالية:

1ـ قد يكون إعراض البعض عن هذا المقتل بسبب تضعيف الجعفي من قِبَل شريحة كبيرة من المؤرِّخين السنّة والشيعة معاً، كما ذكرنا ذلك سابقاً، وهذا وإن لم يكن خاصّاً بالجعفي، فقد ضعّفوا أبا مخنف أيضاً، ومع ذلك اعتمد عليه الطبري كثيراً، ولكنّ المتأخّرين عن الطبري قد انتقدوه في ذلك، ولم يسلم من طعونهم، قال ابن كثير: «...ولهذا توسّع [يعني الطبري] في إيراده [يعني المقتل] بروايات أبي مخنف لوط بن يحيىٰ، وهو متّهم فيما يرويه، ولا سيما في باب التشيُّع...»([224]).

2ـ قد يكون إعراض البعض عن هذا المقتل بسبب ضعف تلامذة الجعفي الذين نقلوا عنه هذا المقتل، وقد نقلنا سابقاً قول ابن الغضائري: «إنّ جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكن جلّ مَن روىٰ عنه ضعيف، فمن أكثر عنه من الضعفاء: عمرو بن شمر الجعفي، ومفضل بن صالح، والسكوني، ومنخل بن جميل الأسدي، وأرىٰ الترك لما روىٰ هؤلاء عنه، والوقف في الباقي إلّا ما خرج شاهداً»([225]).

وهذه الرؤية التي يتبنّاها ابن الغضائري، لو عُمِّمت إلىٰ آخرين، ووسِّعت لتشمل مروياته التاريخيّة، ستكون من أخطر أسباب محاصرة هذا المقتل وتطويقه، فإنّ عمرو بن شمر الجعفي ـ مثلاً ـ هو الراوي الأساسي لهذا المقتل.

3ـ قد يكون إعراض البعض عن هذا المقتل، بسبب عدم اشتهاره بين المؤرِّخين؛ فإنّ الجعفي وإن كان من المؤرِّخين القدماء، وقد صنّف عدّة كتب في مجال التاريخ، إلّا أنّ شهرته لم تكن بمستوىٰ شهرة أبي مخنف والكلبي وأضرابهما، وقد يؤيِّد ذلك عدم النصِّ علىٰ وجود هذا المقتل في كتب الفهارس ومعاجم المؤلّفات، سوىٰ نصّ النجاشي عليه.


 

خاتمة بأهمّ النتائج

1ـ كان جابر بن يزيد الجعفي من الشخصيات الشيعيّة العلميّة الكوفيّة التي برزت في الربع الأوّل من القرن الثاني للهجرة.

2ـ وُلِد جابر ونشأ وتعلّم في الكوفة، ثمَّ رحل إلىٰ المدينة المنوّرة، ليمكث فيها (18) عاماً في خدمة الإمام الباقر×، ثمّ عاده ثانية إلىٰ الكوفة، ليُتوفّىٰ فيها عام 128هـ.

3ـ كان جابر مختصّاً بالإمام الباقر×، وملازماً له، وقد أكثر الرواية عنه، ولكنّه قد صحب الإمامين السجّاد والصادق÷، وروىٰ عنهما أيضاً.

4ـ يُعتَبر جابر من رواة المعارف، وقد أثارت مروياته في هذا المجال جدلاً واسعاً، كما أنّه كان من المهتمين بكتابة التاريخ الإسلامي، وله عدّة كتب في هذا المجال.

5ـ كان جابر من المختصين بمذهب أهل البيت^، ولم يناقش أحدٌ في تشيِّعه، بل في إماميّته، ولكنّ النقاش قد وقع بعد ذلك في وثاقته وعدالته، فوثّقه قوم وضعّفه آخرون، وقد ناقشنا ذلك بشيءٍ من التفصيل، ورجّحنا وثاقته وعدالته.

6ـ يُعتَبر مقتل جابر بن يزيد الجعفي من أُصول المقاتل، وقد نصَّ النجاشي علىٰ وجوده وذكر طريقه إليه، ولكنّه مفقود في عصرنا، ولم يتبقَّ منه سوىٰ مجموعة قليلة من الروايات التي روتها المدوَّنات التاريخيّة عن جابر، وقد ناقشنا بعد ذلك السبب في إعراض هذه المدوَّنات عن هذا المقتل وندرة اعتمادها عليه.

الفصل الثالث: مقتل عمّار الدهني، الكوفي

الفصل الثالث

مقتل عمّار الدهني، الكوفي (ت133هـ)

 

تقديم

نحن بين يدي المحدِّث والأخباري القديم عمّار الدهني، وهو من الشخصيات الكوفية التي برزت في نهايات القرن الأوّل وبدايات القرن الثاني، وقد عُرف بوصفه محدِّثاً أكثر من أيِّ شيءٍ آخر.

وعمّار الدهنـي هو والـد معاوية بن عمّار المحدِّث المعروف، ولكن لم تكن منزلة عمّار ـ عندنا نحن الإماميّة ـ كمنزلة وَلَدِه معاوية، فقد وقع خلاف حول مذهب عمّار ومعتقده، كما أنّ موقف علمائنا غامض من وثاقته وعدالته كما سيجيء، بينما لا نجد خلافاً حول إماميّة معاوية بن عمّار، كما لا يُشكك أحد في كونه من ثقات محدِّثي الطائفة وأجلّائها.

كان عمّار الدهني من المهتمّين بمعرفة تفاصيل مقتل الحسين×، وكان يطمح أن تكون معرفته بما جرىٰ في كربلاء معرفة يقينيّة، معرفة غير قائمة علىٰ الحَدْس والتخمين اللذين لا ينفكّان عن إخبارات المؤرِّخين وحكاياتهم، فلم يجد مَن يجمع بين هذين الأمرين سوىٰ الإمام الباقر×، فذهب إليه، وطلب منه أن يحدِّثه بمقتل الحسين× حديثاً يكون معه عمّار الدهني بمنزلة الحاضر في تلك الأحداث، فحدَّثه الإمام× عن ذلك، في رواية مفصلة سنأتي عليها في مطاوي البحث.

ولو سَلِم هذا المقتل من تلاعب الرواة الذين جاؤوا بعد الدهني، لكان في هذا المقتل غنىٰ عن سائر المقاتل، ولكنّه مع الأسف لم يُروَ عن طرقنا، بل وصلنا عن طريق العامّة، وقد توسّط في الطريق بعض الكذّابين والمدلِّسين الذين تلاعبوا بالنصّ بالحذف تارة، وبالدسِّ أُخرىٰ؛ ففقد بذلك قيمته، وأهملته المصادر الشيعيّة المعنيّة بذكر وقعة الطف.

وفي الصفحات التالية ستكون لنا رحلة تحقيقيّة نفصِّل الكلام في المبحث الأوّل منها حول ترجمة عمّار الدهني، ثمَّ نتحدَّث في المبحث الثاني حول مقتله.

المبحث الأول

ترجمة عمّار الدهني

1 ـ اسمه ونسبه وكنيته وذرّيته

هو عمّار بن أبي معاوية، واسم أبي معاوية خباب([226])، وقيل: معاوية([227]) بن عبد الله الدهني أبو معاوية.

عُرِف عمّار بـ (الدهني)، حيث كان مولىٰ لبني دهن، وهو بضم الدال وسكون الهاء نسبة إلىٰ حي من بجيلة، وهم: بنو دهن بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار([228]).

قال السمعاني: «قرأت بخطِّ أبي بكر الأودني ببخارىٰ، علىٰ وجه الجزء التاسع والعشرين من كتاب الغريب لأبي سليمان الخطابي، سمعت أبا سليمان يقول: سمعت أبا سعيد بن الأعرابي يقول: سمعت عباساً الدوري يقول سمعت يحيىٰ بن معين يقول: عمّار الدهني، دهن قبيلة من بجيلة»([229]).

وقال ابن عبد البرّ: «ومن بطون بجيلة: دهن بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار، ومن دهن هذا: عمّار بن أبي معاوية الدهني»([230]).

معاوية بن عمّار:

وعمّار هذا هو والد معاوية بن عمّار المحدِّث الإمامي الثقة المشهور، الذي كان من خواصّ الإمام الصادق×، وكان ـ بحسب تعبير النجاشي ـ : «وجهاً في أصحابنا ومقدَّماً، كبير الشأن عظيم المحل»([231]). له عدّة كتب، منها: كتاب الحجّ، وكتاب يوم وليلة، وكتاب الزكاة، وغير ذلك([232]).

معاوية بن حكيم:

ومن أحفاد عمّار: معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمّار الدهني، وهو من الثقات الأجلّاء، ومن أصحاب الإمام الرضا×. قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت شيوخنا يقولون: «روىٰ معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلاً لم يروِ غيرها. وله كتب، منها: كتاب الطلاق، وكتاب الحيض، وكتاب الفرائض، وكتاب النكاح، وكتاب الحدود، وكتاب الديِّات، وله نوادر»([233]).

أحمد بن معاوية:

ومن أولاده: أبو الفضل أحمد بن معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمّار، سمع منه ابن عقدة، وقال: مات سنة 292 هـ، وله ثمان وستّون سنة([234]).

يونس بن يعقوب:

ومن أسباط عمّار: يونس بن يعقوب بن قيس أبو عليّ الجلاب البجلي الدهني، حيث إنّ أُمّه هي منية بنت عمّار الدهني، وهو من خواص الإمامين الصادق والكاظم÷، وكان وكيلاً للإمام الكاظم×، ومات في المدينة في أيام الرضا×، فتولّىٰ أمره، وكان من المحظوظين والموثقين عند الأئمّة^([235]).

2 ـ ولادته ونشأته

توجد ثلاث حقائق تاريخيّة ـ في سيرة عمّار الدهني ـ لا يرتقي إليها شكّ، ولا تطالها شبهة:

الحقيقة الأُولىٰ: إنّه قد وُلد بالكوفة، كما تشهد بذلك المصادر التي تعرَّضت لترجمته ولقبته بـ (الكوفي)([236])، أو التي قالت: إنّ عداده في أهل الكوفة([237]).

ولم ينسب عمّار إلىٰ أيِّ مدينة سوىٰ الكوفة، وهذا ما يجعلنا نطمأنّ بأنّه من مواليد هذه المدينة، ولم يكن مجرَّد نزيل فيها.

الحقيقة الثانية: إنّه قد نشأ وتعلَّم الحديث فيها أيضاً، يدلّنا علىٰ ذلك أنّ أكثر شيوخه وأساتذته هم من أهل الكوفة.

الحقيقة الثالثة: إنّه قد حدَّث وبثَّ ما لديه من العلم فيها كذلك، وهذا واضح من خلال مراجعة سير وتراجم تلامذته والمستفيدين منه، حيث إنّ غالبيتهم من أهل الكوفة.

فهذه الحقائق الثلاث ممّا لا ريب فيه، ولكن ما يحتاج إلىٰ مزيد من البحث والتنقيب، هو تحديد أو علىٰ الأقل تخمين زمان ولادته، وفي الحقيقة أنّنا نفتقر إلىٰ وجود نصٍّ في هذا المجال، ولا يمكننا أن نحدِّد زمان ولادة عمّار الدهني تحديداً دقيقاً.

ولعل أهم ما ينفعنا في هذا الصدد، هو روايته عن عدّة ممَّن كانت وفياتهم في تسعينيات القرن الهجري الأوّل، ومنهم:

1ـ سعيد بن جبير، قُتل سنة 94 أو 95هـ.

1ـ إبراهيم النخعي مات: سنة 96هـ.

2ـ إبراهيم التيمي: مات سنة92 أو 94هـ.

وقد تتبّعت شيوخ الدهني وأساتذته، فلم أجد فيهم مَن توفّي في ثمانينيات القرن الأوّل، وهذا إن دلّ علىٰ شيء فإنّما يدلّ علىٰ أنّه كان صبياً صغيراً غير مؤهلٍ لتلقّي الحديث في الثمانينيات، وبهذا نستطيع أن نُخمِّن أنّ ولادته كانت قُبَيل أو بُعَيد عام 80هـ، وأنّه طلب العلم في فترة التسعينيات، ولعله لم يكن قد بلغ آنذاك؛ ولذا نجد أنّ ابن عياش كان يشكِّك في سمع سعيد بن جبير([238]).

نعم، روىٰ العقيلي عن عبد الله بن أحمد، عن البخاري، عن عليّ بن المديني، قال: قال: سفيان: «قطع بشر بن مروان عرقوبيه([239]). فقلت: في أيِّ شيء. قال: في التشيُّع»([240]).

وبشر بن مروان هو أخو عبد الملك بن مروان الذي ولي إمرة العراق لأخيه عبد الملك، وكانت وفاته سنة 75هـ([241])، فإذا افترضنا أنّ عمر الدهني في أيام بشر كان 15عاماً كما هو أقل الفروض المحتملة، تكون ولادته حوالي عام 60هـ، وهذا يعني أنّه كان في الثمانينيات شابّاً قد تجاوز العشرين، وهذا بدوره يتعارض مع عدم نقله ولو لحديث واحد من رجل واحد من رواة الحديث الذين كانت وفياتهم في الثمانينيات، ولعل الذهبي كان ملتفتاً إلىٰ هذا التعارض، حيث يقـول ـ بعد أن أشار إلىٰ هذه الرواية ـ : «وأراه كان صبياً شابّاً في أيام بشر»([242]).

أقول: إنّ افتراض كونه صبياً شابّاً في أيام بشر لا يحلّ الإشكالية، وإنّما افترض الذهبي ذلك ليتفصّىٰ من ردّ الرواية، وأنّىٰ له ذلك، فالرواية ـ بناءً علىٰ ما تقدم ـ غير قابلة للإثبات التاريخي.

وممّا يُثير الشكّ حول هذه الرواية أيضاً، أنّ العقيلي ذاته، قد روىٰ مضمون هذه الرواية عن سفيان نفسه، ولكن بحقِّ مصدع، أبي يحيىٰ الأعرج، وليس في حقِّ الدهني([243]).

3 ـ مكانته العلمية وطبقته ومصنفاته

لم يُعرف الدهني بكونه مؤرِّخاً، بل اشتُهر بوصفه محدِّثاً، ولعل أهمّ وأدقّ ما قيل في بيان مكانته العلميّة، هو نعت الذهبي له بـ (الإمام المحدِّث)([244])، ووصف النجاشي له
ـ في ترجمة ابنه معاوية ـ حيث قال:
«وكان أبوه عمّار ثقة في العامّة وجهاً»([245]).

وقد عدّه ابن النديم من فقهاء الشيعة ومحدِّثيهم وعلمائهم ومن مشايخهم الذين رووا الفقه عن الأئمّة^([246]). وسيأتي الحديث عن مذهبه، وكونه من الشيعة بالمعنىٰ العام للتشيُّع، والمساوي للميل والمحبّة لأهل البيت^.

وأمّا طبقته، فقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق×([247])، مع أنّه قد روىٰ عن الإمام الباقر× أيضاً، ويكفي أن نستشهد علىٰ ذلك بكتاب المقتل الذي نحن بصدده، حيث يدّعي أنّه يرويه عنه×.

وقـد عدّه ابن حجـر من الطبقـة الخامسـة([248])، وقد روىٰ ـ كـما في تهذيب الكمال ـ عن إبراهيم التيمي، وبكير الطويل، والحكم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن جبير، وأبي فاختة سعيد بن علاقة، وأبي وائل شقيق بن سلمة، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعبد الجبار بن العباس الشبامي، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمّد ابن أبي بكر، وعطية العوفي، ومالك بن عمير الحنفي، ومجاهد بن جبر المكّي، وغيرهم.

وروىٰ عنه الأجلح الكندي، وإسرائيل بن يونس (س)، وجابر الجعفي، وأبو صخر حميد بن زياد المدني، وخالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القسـري، وزهير بن معاوية، وسفيان الثوري (س)، وسفيان بن عيينة (س ق)، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجاج، والصباح بن يحيىٰ، وعبد الله بن الأجلح، وعبد الله بن شبرمة، وعبد الجبار بن العباس الشبامي، وعبيدة بن حميد، وغيرهم كثير([249]).

ولم يكن للدهني نشاطاً تأليفيّاً واسعاً، ولعل السبب في ذلك ـ في تقديرنا ـ هو أنّه قد توفّي ما بين عامي 33 ـ 40 بعد المائة الهجرية كما سنبيِّن، وقد كانت حركة التدوين والتأليف والتصنيف في هذه الفترة ضعيفة جدّاً عند العلماء المخالفين لخطّ أهل البيت^، فمع أنّ قانون منع التدوين الجائر قد أُلغي في مطلع القرن الثاني الهجري بقرار من عمر بن عبد العزيز([250])، غير أنّ التفاعل مع هذا القرار والتجاوب معه بشكل واعٍ وشامل قد تأخّر لعقود، وقد كان تجاوب العلماء معه ـ وقت صدوره ـ متفاوتاً، فالعلماء الواعون الذين كانوا يرون قانون منع التدوين قانوناً ظالماً، قد رحبّوا بهذا القرار، وبادروا مباشرة إلىٰ تدوين ما يحملونه من العلم، وهؤلاء هم العلماء الذين كانوا يسيرون علىٰ هدىٰ أهل البيت^، ويستضيئون بتعليماتهم وتوجيهاتهم، وأمّا العلماء الذين لم يكونوا علىٰ صلة وثيقة بخطّ أهل البيـت^ ـ ومنهم عمّار الدهني ـ فقد كانت استجابتهم لهذا القرار بطيئة، ولم يتفاعلوا معه كما ينبغي.

قال أبو طالب المكّي: «يقال: إن أوّل كتاب صنّف في الإسلام كتاب ابن جريج في الآثار وحروف من التفاسير عن مجاهد وعطاء وأصحاب ابن عباس بمكة، ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن جمع فيه سنناً منثورة مبوّبة، ثم كتاب الموطأ بالمدينة لمالك بن أنس في الفقه، ثم جمع ابن عيينة كتاب الجوامع في السنن والأبواب وكتاب التفسير في أحرف من علم القرآن، وجامع سفيان الثوري الكبير في الفقه والأحاديث. فهذه من أوّل ما صُنّف ووُضع من الكتب بعد وفاة سعيد بن المسيب وخيار التابعين وبعد سنة عشرين أو أكثر ومائة من التاريخ، فكان العلماء الذين هم أئمة هؤلاء العلماء من طبقات الصحابة الأربعة ومن بعد موت الطبقة الأُولىٰ من خيار التابعين هم الذين انقرضوا قبل تصنيف الكتب وكانوا يكرهون كتب الحديث، ووضع الناس الكتب»([251]).

وقال الغزالي: «الكتب والتصانيف مُحدَثة ولم يكن شيء منها زمن الصحابة وصدر التابعين، وإنّما حدث بعد سنة (120هـ)، وبعد وفاة جميع الصحابة وجلّة التابعين، وبعد وفاة سعيد بن المسيب (ت105هـ)، والحسن البصري (ت110هـ)، وخيار التابعين، بل كان الأوّلون يكرهون كتب الحديث، وتصنيف الكتب»([252]).

وعلىٰ أيّة حال، لم يذكر أصحاب الفهارس إلّا كتاباً واحداً من تأليف عمار الدهني، قال الطوسي: «عمّار بن معاوية الدهني له كتاب ذكره ابن النديم»([253]).

وهذا الكتاب هو ما أشار إليه ابن النديم في الفنّ الخامس من المقالة السادسة تحت عنوان (فقهاء الشيعة ومحدِّثوهم وعلماؤهم) فقال ـ عند عدِّ الكتب المصنفة لهم ـ : «كتاب عمّار بن معاوية الدهني...»([254]).

وهذا الكتاب غير موجود الآن، ولا نعرف محتوياته تفصيلاً، وإن تبدّىٰ لنا من كلام ابن النديم أنّه كان يحتوي علىٰ مرويات فقهيّة رواها عمّار الدهني عن أهل البيت^؛ إذ يقول: «هؤلاء مشايخ الشيعة الذين رووا الفقه عن الأئمّة، ذكرتهم علىٰ غير ترتيب فمنهم... كتاب عمّار بن معاوية الدهني...»([255]).

ويمكن أن نُضيف إلىٰ هذا الكتاب كتاباً آخر صنّفه الدهني، وهو كتاب المقتل الذي نحن بصدده، هذا إن صح كونه كتاباً، وستأتي مناقشة ذلك.

4 ـ مذهبه ومعتقده

كان عمّار الدهني يميل إلىٰ أهل البيت^ إلىٰ درجة أنّه صنّف كتاباً ممّا رواه من فقههم^ ـ كما مرَّ علينا ـ وكان من المهتمّين بمرويات كربلاء، وقد حرص أن يأخذ تفاصيلها عن الإمام الباقر×، كما سيأتي عند الحديث عن مقتله.

وقد كان الإمام الصادق× يهتمّ به ويُخلي له المجلس، فقد روىٰ محمّد بن يعقوب بإسناده، عن معاوية بن عمّار، قال: «كنّا عند أبي عبد الله× نحواً من ثلاثين رجلاً، إذ دخل عليه أبي فرحب به أبو عبد الله× وأجلسه إلىٰ جنبه، فأقبل عليه طويلاً، ثمّ قال أبو عبد الله×: إنّ لأبي معاوية حاجة فلو خفّفتم. فقمنا جميعاً، فقال لي أبي: ارجع يا معاوية فرجعت، فقال أبو عبد الله×: هذا ابنك؟ قال: نعم»([256]).

ومع هذا كلّه، فإنّ عمّار الدهني لم يكن شيعيّاً إماميّاً، بل كان عامّياً معتدلاً محبّاً لأهل البيت^، وهذا ما يظهر من كلام النجاشي الذي مرّ علينا؛ إذ وصفه بكونه: «ثقّة في العامّة وجهاً».

قال بحر العلوم ـ بعد نقله لكلام النجاشي ـ : «وظاهر كلام النجاشي أنّ عمّاراً هذا ليس منّا»([257]).

وهذا ما فهمه السيد الخوئي أيضاً من عبارة النجاشي؛ إذ قال: «إنّ قول النجاشي كان ثقة في العامّة وجهاً، ليس معناه أنّ عمّاراً كان ثقة عند العامّة أيضاً، وإلّا لم يقل: في العامّة، بل معناه أنّه كان ثقة في رواة العامّة وجماعتهم؛ فيكون ذلك شهادة من النجاشي علىٰ أنّ الرجل لم يكن شيعيّاً»([258]).

وعلىٰ هذا؛ فإنّ عدَّ البعض من علماء العامّة له من الشيعة([259])، يُحمل علىٰ التشيُّع بالمعنىٰ العام المنسجم مع القول بأنّ الإمامة بالاختيار، وممَّا يؤيد ذلك أنّهم أجمعوا علىٰ وثاقته وعدالته كما سيجيء، ولو كان تشيُّعه بالمعنىٰ الخاص للتشيُّع، لكان ذلك من أكبر الطعون فيه، ولحكموا بردِّ روايته كما فعلوا مع غيره.

وقد يُستدلّ علىٰ تشيُّعه برواية تفسير الإمام العسكري×، ومفادها: أنّ القاضي ابن أبي ليلىٰ ردّ شهادة عمّار الدهني، معلّلاً ذلك بكونه رافضياً، فبكىٰ عمّار، وقال: نسبتَني إلىٰ مرتبة شريفة لست من أهلها، فقيل هذا للصادق×، فقال: «لو أنّ علىٰ عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضين لَمُحِيَت عنه بهذه الكلمات، وإنّها لتزيد في حسناته عند ربِّه حتىٰ جعل كلّ خردلة منها أعظم من الدنيا ألف مرّة»([260]).

وقد ردّ السيِّد الخوئي هذه الرواية بوجهين:

الوجه الأوّل: إنّ نسبة هذا التفسير إلىٰ الإمام× غير ثابتة، بل هي معلومة العدم.

الوجه الثاني: إنّ الصدوق قد روىٰ عن أبي كهمس، أنّه قال: تقدّمت إلىٰ شريك في شهادة لزمتني، فقال لي: كيف أُجيز شهادتك وأنت تُنسب إلىٰ ما تُنسب إليه؟! قال أبو كهمس: فقلتُ: وما هو؟ قال: الرفض. قال: فبكيتُ، ثمَّ قلتُ: نسبتَني إلىٰ قوم أخاف أن لا أكون منهم. فأجاز شهادتي، وقد وقع مثل ذلك لابن أبي يعفور ولفضيل سكرة، فإنّ عدم تعرّض الصدوق لذكر عمّار يؤيِّد عدم صحّة القصّة المنسوبة إليه([261]).

وخلاصة القول: إنّ كلَّ المعطيات والدلائل التي بين أيدينا تشير إلىٰ ميل عمّار الدهني ومودّته الشديدة لأهل البيت×، ولكنّنا لا نستطيع أن نثبت تشيُّعه بالمعنىٰ الخاص للتشيُّع.

5 ـ وثاقته وعدالته

يمكن أن يُدّعىٰ توثيق عمّار الدهني ـ بحسب مباني علم الرجال لدينا ـ بعدِّة وجوه:

الوجه الأوّل: هو أن يُستدلّ علىٰ وثاقته وعدالته برواية تفسير العسكري× السالفة، فقد ورد فيها ما يدلّ علىٰ وثاقة عمّار وعدالته، بل إنّ قول الإمام×: «لو أنّ علىٰ عمّار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والأرضين لَمُحِيت عنه بهذه الكلمات، وإنّها لتزيد في حسناته عند ربِّه حتىٰ جعل كلّ خردلة منها أعظم من الدنيا ألف مرّة». هو من أعلىٰ عبارات التوثيق، ولا يخفىٰ أنّ توثيق الإمام× هو أرفع طرق التوثيق، قال جعفر السبحاني: «إذا نصَّ أحد المعصومين^ علىٰ وثاقة الرجل، فإنّ ذلك يثبت وثاقته قطعاً، وهذا من أوضح الطرق وأسماها، ولكن يتوقّف ذلك علىٰ ثبوته بالعلم الوجداني، أو برواية معتبرة»([262]).

ولكن قد عرفت حال هذه الرواية من خلال الوجهين اللذين أوردهما السيِّد الخوئي عليها.

الوجه الثاني: مرّ علينا وصف النجاشي له بكونه: «ثقة في العامّة وجهاً»، والنجاشي من علمائنا المتقدِّمين، وهو خرِّيت هذه الصناعة، وقوله يقدّم حتىٰ علىٰ قول الطوسي عند التعارض، وإنّما الكلام في دلالة هذه العبارة، وهل أنّ النجاشي يريد أن يقول: إنّ الدهني ثقة عندنا، مع أنه وجهاً من وجوههم؟ أي: أنّ الفارزة تقع بعد كلمة (ثقة). هذا احتمال، والاحتمال الآخر: هو أنّه يريد أن يقول: إنّ الدهني ثقة عند العامّة ووجهاً لديهم، أي: نجعل الفارزة بعد عبارة (ثقة في العامّة).

وقد استظهر السيِّد الخوئي ـ كما مرّ علينا ـ من هذه العبارة توثيق النجاشي له، إذ سمعناه يقول: «إنّ قول النجاشي: كان ثقة في العامّة، وجهاً، ليس معناه أنّ عمّاراً كان ثقة عند العامّة أيضاً، وإلّا لم يقل: في العامّة، بل معناه أنّه كان ثقة في رواة العامّة، وجماعتهم».

فهو ـ إذن ـ يرجّح الاحتمال الأوّل في فهم عبارة النجاشي، وقد استظهر السيِّد الخوئي ذلك من كلمة (في).

ولكن ممّا يرجّح الاحتمال الآخر هو وجود معطىٰ خارجي واضح لا يمكن تجاوزه أو صرف النظر عنه، وهو أنّ عمّاراً بالفعل ـ كما سيجيء عمّا قريب ـ موثّق عند العامّة، بل هم مجمعون علىٰ ذلك، فالاحتمال الآخر هو المتبادر إلىٰ الذهن بعد الاطّلاع علىٰ هذا المعطىٰ.

الوجه الثالث: إنّ الطوسي قد عنوَن لعمّار الدهني في الرجال([263])، والفهرست([264])، وهو وإن لم يوثقه، أو يمدحه، ولكنه لم يجرحه أيضاً، وإنّما أهمله، ومَن كانت هذه حاله فهو معتمَد علىٰ أخباره عند جماعة؛ إذ المهمل غير المجهول الذي صرّح علماء الرجال بجهالة حاله، وقد كان ابن داود يعمل بخبر المهمل كما يعمل بخبر الممدوح([265]).

وهذا هو مبنىٰ العلامة الحلّي أيضاً، حيث قال في إبراهيم بن هاشم: «ولم أقف لأحد من أصحابنا علىٰ قول في القدح فيه ولا علىٰ تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله»([266]). وقال في أحمد بن إسماعيل بن سمكة: «ولم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل، ولم يرد فيه جرح، فالأقوىٰ قبول روايته مع سلامتها من المُعَارِض»([267]).

نعم، كان العلّامة الحلّي يشترط في توثيق الشخص المهمل أن يكون إماميّاً، وهذا ما لم يثبت بحقِّ المترجَم له.

الوجه الرابع: إنّ ابن داود قال في ترجمة معاوية بن عمّار نقلاً عن الكشـي: «وأبوه عمّار أيضاً ثقة»([268]).

والكشي من علمائنا المتقدِّمين، وتوثيقاته معتمدة بلا خلاف، شأنه شأن سائر المتقدِّمين كالنجاشي والشيخ وغيرهما، وقد ألّف كتاباً أسماه (معرفة الرجال) أو (معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقين) أو (معرفة الناقلين)، ولكنّه لم يصل إلينا، والموجود بين أيدينا هو ما اختصره الطوسي من هذا الكتاب، وأسماه (اختيار معرفة الرجال)، وحينما نراجع هذا المختصر (أعني: اختيار معرفة الرجال)، لا نجد أثراً لهذه العبارة، ويوجد في المقام عدّة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: إنّ هذه العبارة موجودة في أصل الكتاب، وإنّ هذا الأصل كان موجوداً عند ابن داود، وكان يرتشف منه مباشرة، لا من (اختيار معرفة الرجال)، فقد قيل: إنّ الأصل كان موجوداً عند السيِّد جمال الدين أحمد بن موسىٰ بن طاووس؛ لأنّه تصدّىٰ إلىٰ ترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمّه إلىٰ كتب أُخرىٰ من الكتب الرجالية وأسماه (حل الإشكال في معرفة الرجال)([269])، وزمان ابن داود ليس بعيداً عن زمان السيِّد ابن طاووس، فقد كان الأخير أُستاذ الأوّل.

وممّا يؤيِّد ذلك أنّ القهبـائي كان يقول ـ في كيفيّة عمل الشيخ في رجال الكشـي ـ : «إنّ الأصل كان في رجال العامّة والخاصّة، فاختار منه الشيخ الخاصّة»([270])، وبما أنّ عمّاراً كان من العامّة ـ كما رجحّنا فيما سلف ـ فمن الطبيعي أن لا نجد له ذكراً في اختيار الشيخ إلّا ما وقع عَرَضَاً.

الاحتمال الثاني: أن تكون عند ابن داود نسخة من (اختيار معرفة الرجال) تختلف في بعض الموارد عن النسخة المتداولة، فإنّ لابن داود طريقه الخاص إلىٰ الشيخ كما صرّح في مقدِّمة رجاله، وبالتالي تكون لديه نسخته الخاصّة التي قد تكون غير متطابقة مع النسخة المتداولة في بعض الموارد.

قال في المقدِّمة: «وطريقي إلىٰ الكشي شيخنا نجم الدين أيضاً، والشيخ مفيد الدين محمّد بن جهيم جميعاً، عن السيِّد شمس الدين فخار، عن أبي محمّد قريش ابن سبيع بن مهنا بن سبيع الحسيني، عن الحسين بن رطبة السوراوي، عن أبي عليِّ عن أبيه أبىٰ جعفر الطوسي، عن عدّة من أصحابنا، عن أبي محمّد هارون بن موسىٰ التلعكبري، عن الكشي رحمه الله تعالىٰ»([271]).

الاحتمال الثالث:أن تكون هذه العبارة من إنشاء ابن داود، وقد امتزجت بكلام الكشـي بسبب سوء النسخ، وفي ضوء هذا الاحتمال تسقط قيمة هذه العبارة في توثيق عمّار الدهني إلّا علىٰ المبنىٰ القائل بصحّة الاعتماد علىٰ توثيقات المتأخّرين، وهو ما قال به جماعة([272]).

هذا بحسب رجالنا، وأمّا في رجال العامّة، فقد وثقوه واعتمدوا مروياته، قال الذهبي: «وثقة أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والناس، وما علمت أحداً تكلَّم فيه إلّا العقيلي، فتعلّق عليه بما سأله أبو بكر بن عياش: أسمعت من سعيد بن جبير؟ قال: لا. قال: فاذهب»([273]).

وقد أشرنا إلىٰ هذه الرواية سابقاً، وهذه الرواية ـ إن ثبتت ـ فهي لا تدلّ علىٰ أكثر من كون مرويات عمّار عن ابن جبير مرسلة، والإرسال في نفسه لا يُعَدُّ طعناً في الراوي، ما لم يدّعِ المرسِّل المباشرة، كأن يقول: حدَّثني، أو أخبرني، وما شابه ذلك من العبارات التي تفيد التلقّي المباشر، ففي هذه الحالة يكون الإرسال تدليساً، وهذا لم يثبت في حقّ عمّار.

6 ـ وفاته

يوجد حول وفاة عمّار الدهني قولان:

القول الأوّل: قال المزّي: قال محمد بن عبد الله الحضـرمي: «مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة»([274]).

وهذا القول هو الذي تبنّاه الذهبي في سير أعلام النبلاء([275])، وميزان الاعتدال([276])، وتاريخ الإسلام([277])، ومَن له رواية في الكتب الستّة([278])، ونُسب هذا القول في سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام إلىٰ مطين، ومطين هو لقب محمّد بن عبد الله الحضرمي، وقد لُقِّب بـ(مطين) لأنّه كان وهو صغير يلعب مع الصبيان في الماء فيطينون ظهره([279]).

إذاً؛ فالمزّي والذهبي استندا في هذا القول علىٰ نفس المصدر، وهو محمّد بن عبد الله الحضرمي الملقب بـ (مطين)، وجميع مَن تبنّىٰ هذا القول ممَّن تأخّر عنهما، فإنّه قد أخذه عنهما عن مطين.

القول الثاني: ما تفرّد به الصفدي من أنّ عمّار الدهني قد توفّي في حدود الأربعين ومائة([280])، وفي تقديري أنّ هذا القول غير نابع من نصّ روائي، وإلّا لذكر الصفدي مصدره، ولعلّه قد استنتجه من خلال ملاحظة طبقتَي شيوخ وتلامذة الدهني، ومعرفة وفياتهم، وهذا ما توحي به طريقته المرنة في التعبير؛ حيث قال: (في حدود)، وهذه العبارة تسـتخدم ـ في العادة ـ في حالة التقدير.

ومهما يكن، فإنّنا بالجمع بين هذين القولين، نستطيع القول: إنّ وفاة الدهني كانت بين عامي 133 ـ 140هـ.

المبحث الثاني

مقتل الحسين× للدهني

يروي الدهني مقتل الإمام الحسين× عن الإمام الباقر×، وهذا ما يزيد من أهمّية البحث حول هذا المقتل، ومن الملفت للنظر أنّ هذا المقتل لم يروَ بطرقنا الخاصّة، وليس له أيُّ أثر في مدوناتنا الحديثيّة.

وينبغي أن يُعلم أنّه لا يوجد كتاب مستقلّ بعنوان مقتل الحسين× من تصنيف عمّار الدهني، لا في هذا العصر ولا في العصور السابقة، كما لا تجد إشارةً إلىٰ وجود كتاب بهذا العنوان في كتب الفهارس ومعاجم المؤلفات، والظاهر أنّ هذا المقتل كان عبارة عن رواية شفهية مطوّلة، ولم يكن مدوّناً علىٰ قرطاس قبل تدوينه في تاريخ الطبري، فأقدم نسخة من هذا المقتل هي نسخة الطبري المتوفَّىٰ عام 310هـ، ورواية الطبري له غير متّصلة، بل أورده في ثلاثة مقاطع.

ويُعَدُّ هذا المقتل من الأُصول التي اعتمدها أبو الفرج الأصفهاني (ت356هـ) في كتابه مقاتل الطالبيين، حيث ذكره في جملة المصادر التي استقىٰ منها حديثه حول مقتل الحسين×([281]).

ونلاحظ أنّ العامّة قد ضخّموا من شأن هذا المقتل، واهتمّوا بروايته؛ لأنّه ينسجم إلىٰ حدٍ كبير مع نظرتهم إلىٰ واقعة الطف، ويمكن القول: إنّ أهمّية مقتل عمّار الدهني عند العامّة كأهمّية مقتل أبي مخنف عند الشيعة.

قال ابن حجر(ت852هـ) ـ بعد أن روىٰ مقتـل الحسـين× برواية عـمّار الدهنـي ـ : «وقد صنّف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغثّ والسّمين، والصّحيح والسّقيم، وفي هذه القصّة التي سقتها غنىٰ»([282]).

وعلىٰ أيّة حـال، فنحن الآن سنورد مقتل عمّار الدهنـي كامـلاً برواية الطـبري ـ لأنّها الأصل علىٰ ما يبدو ـ بعد وَصْلِ بعضها بالبعض الآخر، ثمَّ نذكر أهمّ المناقشات التي أُثيرت حول هذه الرواية.

مقتل عمار الدهني برواية الطبري([283]):

قال الطبري: «حدَّثني زكريا بن يحيىٰ الضـرير، قال: حدَّثنا أحمد بن جناب المصيصي ـ ويُكنّىٰ أبا الوليد ـ قال: حدَّثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القـسري، قال: حدَّثني عمّار الدهني، قال: قلت لأبي جعفر×: حدَّثني بمقتل الحسين حتىٰ كأنّىٰ حضرته.

قال×: مات معاوية، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان علىٰ المدينة، فأرسل إلىٰ الحسين بن عليّ ليأخذ بيعته، فقال له: أخّرني وأرفِقْ. فأخّره، فخرج إلىٰ مكّة، فأتاه أهل الكوفة ورسلهم:

إنّا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي، فأقدِمْ علينا. وكان النعمان بن بشير الأنصاري علىٰ الكوفة. قال: فبعث الحسين إلىٰ مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمّه، فقال له: سِرْ إلىٰ الكوفة فانظُر ما كتبوا به إليّ، فإن كان حقّاً خرجنا إليهم. فخرج مسلم حتىٰ أتىٰ المدينة، فأخذ منها دليلين، فمرا به في البرِّية، فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين، وكتب مسلم إلىٰ الحسين يستعفيه، فكتب إليه الحسين: أن امضِ إلىٰ الكوفة.

فخرج حتىٰ قدمها، ونزل علىٰ رجل من أهلها يُقال له: ابن عوسجة. قال: فلمّا تحدَّث أهل الكوفة بمقدمه دبّوا إليه فبايعوه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفاً. قال: فقام رجل ممَّن يهوىٰ يزيد بن معاوية إلىٰ النعمان بن بشير، فقال له: إنّك ضعيف أو متضعِّف، قد فسد البلاد! فقال له النعمان: أن أكون ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحبُّ إليّ من أن أكون قوياً في معصية الله، وما كنت لأهتك ستراً ستره الله.

فكتب بقول النعمان إلىٰ يزيد، فدعـا مولىٰ له يُقـال له: سـرجون ـ وكـان يسـتشيره ـ فأخبره الخبر، فقال له: أكنت قابلاً من معاوية لو كان حيّاً؟ قال: نعم. قال: فاقبل منّي، فإنّه ليس للكوفة إلّا عبيد الله ابن زياد، فولها إياه ـ وكان يزيد عليه ساخطاً، وكان همَّ بعزله عن البصرة ـ فكتب إليه برضائه، وأنّه قد ولّاه الكوفة مع البصرة، وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده.

قال: فأقبل عبيد الله في وجوه أهل البصرة حتىٰ قدم الكوفة متلثِّماً، ولا يمرّ علىٰ مجلس من مجالسهم فيسلم إلّا قالوا: عليك السلام يا بن بنت رسول الله ـ وهم يظنّون أنّه الحسين بن عليّ× ـ حتىٰ نزل القصر، فدعا مولىٰ له، فأعطاه ثلاثة آلاف، وقال له: اذهب حتىٰ تسأل عن الرجل الذي يبايع له أهل الكوفة فأعلمه أنّك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر، وهذا مال تدفعه إليه ليتقوّىٰ. فلم يزل يتلطّف ويُرفق به حتىٰ دُلّ علىٰ شيخ من أهل الكوفة يلي البيعة، فلقيه فأخبره، فقال له الشيخ: لقد سرّني لقاؤك إياي، وقد ساءني، فأمّا ما سرّني من ذلك فما هداك الله له، وأمّا ما ساءني فإنّ أمرنا لم يستحكم بعد. فأدخله إليه، فأخذ منه المال وبايعه، ورجع إلىٰ عبيد الله فأخبره.

فتحوّل مسلم حين قدم عبيد الله بن زياد من الدار التي كان فيها إلىٰ منزل هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم بن عقيل إلىٰ الحسين بن علي× يخبره ببيعة اثني عشر ألفاً من أهل الكوفة، ويأمره بالقدوم.

وقال عبيد الله لوجوه أهل الكوفة: ما لي أرىٰ هانئ بن عروة لم يأتني فيمَن أتاني! قال: فخرج إليه محمّد بن الأشعث في ناس من قومه وهو علىٰ باب داره، فقالوا: إنّ الأمير قد ذكرك واستبطأك، فانطلق إليه، فلم يزالوا به حتىٰ ركب معهم وسار حتىٰ دخل علىٰ عبيد الله وعنده شريح القاضي، فلمّا نظر إليه قال لشريح: أتتك بحائن رجلاه. فلمّا سلّم عليه، قال: يا هانئ، أين مسلم؟ قال: ما أدري. فأمر عبيد الله مولاه صاحب الدراهم فخرج إليه، فلمّا رآه قطع به، فقال: أصلح الله الأمير! والله، ما دعوته إلىٰ منزلي ولكنّه جاء فطرح نفسه عليّ. قال: ائتني به، قال: والله، لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما عنه. قال: أدنوه إليّ. فأُدني فضربه علىٰ حاجبه فشجّه، قال: وأهوىٰ هانئ إلىٰ سيف شرطي ليسلّه، فدُفِع عن ذلك، وقال: قد أحلّ الله دمك، فأمر به فحُبس في جانب القصر»([284]).

ثمَّ قال:  «فبينا هو كذلك إذ خرج الخبر إلىٰ مذحج، فإذا علىٰ باب القصر جلبة سمعها عبيد الله، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مذحج، فقال لشريح: اخرج إليهم فأعلمهم أنّي إنّما حبسته لأسائله. وبعث عيناً عليه من مواليه يسمع ما يقول، فمرّ بهانئ بن عروة، فقال له هانئ: اتّقِ الله يا شريح، فإنّه قاتلي. فخرج شريح حتىٰ قام علىٰ باب القصر، فقال: لا بأس عليه، إنّما حبسه الأمير ليُسائله. فقالوا: صدق، ليس علىٰ صاحبكم بأس، فتفرّقوا، فأتىٰ مسلماً الخبر، فنادىٰ بشعاره، فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، فقدّم مقدمته، وعبّىٰ ميمنته وميسرته، وسار في القلب إلىٰ عبيد الله، وبعث عبيد الله إلىٰ وجوه أهل الكوفة، فجمعهم عنده في القصر، فلمّا سار إليه مسلم فانتهىٰ إلىٰ باب القصر أشرفوا علىٰ عشائرهم فجعلوا يكلِّمونهم ويردّونهم، فجعل أصحاب مسلم يتسلّلون حتىٰ أمسىٰ في خمسمائة، فلمّا اختلط الظلام ذهب أُولئك أيضاً.

فلمّا رأىٰ مسلم أنّه قد بقي وحده يتردّد في الطرق أتىٰ باباً فنزل عليه، فخرجت إليه امرأة، فقال لها: اسقيني. فسقته، ثمّ دخلت فمكثت ما شاء الله، ثمَّ خرجت فإذا هو علىٰ الباب، قالت: يا عبد الله، إنّ مجلسك مجلس ريبة، فقم. قال: إنّي أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوىٰ؟ قالت: نعم، ادخُل. وكان ابنها مولىٰ لمحمّد بن الأشعث، فلمّا علم به الغلام انطلق إلىٰ محمّد فأخبره، فانطلق محمّد إلىٰ عبيد الله فأخبره، فبعـث عبيـد الله عمرو بن حريث المخزومي ـ وكان صاحب شرَطـه ـ إليه، ومعه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث، فلم يعلم مسلم حتىٰ أُحيط بالدار، فلما رأىٰ ذلك مسلم خرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه عبد الرحمن الأمان، فأمكن من يده، فجاء به إلىٰ عبيد الله، فأمر به، فأُصعد إلىٰ أعلىٰ القصر فضُـربت عنقه، وألقىٰ جثته إلىٰ الناس، وأمر بهانىٰء فسحب إلىٰ الكناسة، فصُلب هنالك، وقال شاعرهم في ذلك:

فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فاُنظري
إلى ٰ هانئ في السوقِ وابن عقيل
أصابهما أمر الإمام فأصبحا

أحاديثَ مَن يسعىٰ بكلِّ سبيل

أيركب أسماء الهماليج آمناً

وقد طلبَتْه مذحجٌ بذحول»([285])

ثمّ قال: فأقبل حسين بن عليّ بكتاب مسلم بن عقيل كان إليه، حتىٰ إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال، لقيه الحرّ بن يزيد التميمي، فقال له: أين تريد؟ قال: أُريد هذا المصر. قال له: ارجع فإنّي لم أدع لك خلفي خيراً أرجوه. فهمّ أن يرجع، وكان معه إخوة مسلم بن عقيل، فقالوا: والله، لا نرجع حتىٰ نصيب بثأرنا أو نُقتل. فقال: لا خير في الحياة بعدكم. فسار فلقيته أوائل خيل عبيد الله، فلمّا رأىٰ ذلك عدل إلىٰ كربلاء، فأسند ظهره إلىٰ قصباء وخلا؛ كي لا يُقاتل إلّا من وجه واحد، فنزل وضرب أبنيته. وكان أصحابه خمسة وأربعين فارساً، ومائة راجل وكان عمر بن سعد ابن أبي وقاص قد ولّاه عبيد الله بن زياد الري، ، وعهد إليه عهده، فقال: اكْفِني هذا الرجل. قال: اعفني. فأبىٰ أن يعفيه، قال: فانظُرني الليلة. فأخّره، فنظر في أمره، فلمّا أصبح غدا عليه راضياً بما أمر به، فتوجّه إليه عمر بن سعد، فلمّا أتاه قال له الحسين: اختر واحدة من ثلاث: أمّا أن تدَعوني فأنصرف من حيث جئت، وأمّا أن تدَعوني فأذهب إلىٰ يزيد، وأمّا أن تدَعوني فألحق بالثغور. فقبِل ذلك عمر فكتب إليه عبيد الله: لا ولا كرامة، حتىٰ يضع يده في يدي. فقال له الحسين: لا والله، لا يكون ذلك أبداً. فقاتله، فقُتل أصحاب الحسين كلّهم، وفيهم بضعة عشـر شاباً من أهل بيته...وجاء سهم فأصاب ابناً له معه في حجره، فجعل يمسح الدم عنه، ويقول: اللّهم، احكُم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا. ثمّ أمر بحبرة فشقها ثمّ لبسها، وخرج بسيفه، فقاتل حتىٰ قُتل صلوات الله عليه قتله رجل من مذحج، واحتزّ رأسه وانطلق به إلىٰ عبيد الله، وقال:

أوقر ركابي فضّة وذهبا
أنا قتلت الملك المحجّبا
قتلتُ خيرَ الناس أمّاً وأبا
وخيرهم إذ يُنسبون نسبا

وأوفده إلىٰ يزيد بن معاوية، ومعه الرأس فوضع رأسه بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي فجعل ينكت بالقضيب علىٰ فيه، ويقول:

يفلقن هاماً من رجال أعزّة
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال له أبو برزة: ارفع قضيبك، فو الله، لربّما رأيت فاه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) علىٰ فيه يلثمه، وسرّح عمر بن سعد بحرمه وعياله إلىٰ عبيد الله، ولم يكن بقي من أهل بيت الحسين إلّا غلام كان مريضاً مع النساء، فأمر به عبيد الله ليُقتل، فطرحت زينب نفسها عليه، وقالت: والله، لا يُقتل حتىٰ تقتلوني!! فرقّ لها فتركه وكفّ عنه.

قال: فجهّزهم، وحملهم إلىٰ يزيد، فلمّا قدموا عليه جمع مَن كان بحضـرته من أهل الشام، ثمَّ أدخلوهم فهنئوه بالفتح، فقام رجل منهم أزرق أحمر، ونظر إلىٰ وصيفة من بناتهم، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه. فقالت زينب: لا والله، ولا كرامة لك ولا له إلّا أن يخرج من دين الله. قال فأعادها الأزرق، فقال له يزيد كفّ عن هذا، ثمّ أدخلهم علىٰ عياله فجهّزهم، وحملهم إلىٰ المدينة، فلمّا دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرة شعرها، واضعة كمّها علىٰ رأسها تلقاهم، وهي تبكي وتقول:

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُمم!
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
منهم أُسارىٰ وقتلىٰ ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي»([286]).

إلىٰ هنا ينتهي مقتل عمّار الدهني برواية الطبري.

مناقشات حول رواية الدهني:

توجد عدّة مناقشات يمكن أن تُثار حول هذه الرواية، نقتصر علىٰ أهمّها:

1ـ أشرنا فيما سبق إلىٰ أهمية البحث حول هذا المقتل من جهة كونه مروياً عن الإمام الباقر×، وأشرنا أيضاً إلىٰ أنّ هذا المقتل لم يصل إلينا من خلال طُرُقنا الخاصّة، ولم يعتمد في مدوناتنا المعنيّة بنقل مرويات كربلاء.

نعم، اعتمد عليه ابن نما في مثير الأحزان، وأثبت منه الرواية التي تتحدّث عن مفاوضة الحسين× مع ابن سعد لعنه الله، وطلب الإمام الحسين× منه أن يأخذه إلىٰ يزيد لعنه الله ليرىٰ فيه رأيه([287])، وهذا غريب من ابن نما.

والطبري يرويه عن الدهني بثلاث وسائط: (عن زكريا بن يحيىٰ الضرير، عن أحمد ابن جناب المصيصي، عن خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القسـري)، وهؤلاء جميعهم من العامّة، وقد طعنت كتبهم الرجالية في زكريا بن يحيىٰ الضـرير، فذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين([288])، وعن الشعبي، عن يحيىٰ بن معين أنّه قال فيه: «ليس بشيء»([289])، وخالد بن يزيد القسري، فقد ذكره ابن عدي في الضعفاء، وقال فيه: «وخالد بن يزيد هذا له أحاديث غير ما ذكرت وأحاديثه كلّها لا يتابع»([290])، وهذا ما يجعلنا نحتمل أنّ التلاعب الذي حصل في هذه القصّة ـ وسنشير إلىٰ بعضه فيما يلي ـ قد أتىٰ من أحد هذين الرجلين، وذلك لو سلّمنا بوثاقة الدهني والمصيصي والطبري.

2ـ ما ناقش به الشيخ باقر شريف القرشي هذه الرواية، حيث قال: «إنّ عمّار الدهني طلب من الإمام× أن يحدِّثه ـ بالتفصيل ـ عن مقتل الإمام الحسين× كأنّه قد حضـره، أمّا الجواب، فقد كان موجزاً، ولم يُشر إلىٰ كثير من الأحداث لا بقليل ولا بكثير، فقد طويت فيه أكثر فصول تلك المأساة، ومن الطبيعي أنّ هذا لا يتناسب مع السؤال الذي يطلب فيه المزيد من المعلومات»([291]).

ويمكن مناقشة ما ذكره القرشي من وجهين:

الوجه الأوّل: إنّ طلب عمّـار الدهنـي من الإمام× أن يحدِّثه ـ بالتفصيل ـ عن مقتل الإمام الحسين×، غير ملزم للإمام× بأن يكون جوابه تفصيليّاً، فقد تقتضي المصلحة بأن يكون الجواب مجملاً، وممّا يؤيِّد ذلك أنّنا نلاحظ: أنّ الأحاديث الواردة عن المعصومين^ حول كربلاء، كلّها تتّسم بالاقتضاب والإجمال، بل يرىٰ بعض الأعلام: أنّ المعصومين^ لم يتحدَّثوا عن واقعة الطفّ كمؤرِّخين، بل كانوا يركِّزون علىٰ الجانب المعنوي لواقعة الطف والدفاع عن قضية الحسين×، ولا يكون همّهم رواية أو نقل الحوادث، إلّا ما جاء عَرَضاً خلال الحديث، إذاً؛ فلا ينبغي أن نتوقّع سماع حديثهم عن التفاصيل الكثيرة التي نريدها([292]).

وقد شاع مؤخّراً بين الموالين حديثاً منسوباً إلىٰ الإمام الباقر× يقول: «لولا خوفنا علىٰ شيعتنا من الموت لروينا لهم ما جرىٰ في كربلاء»، وهذا الحديث لو كان صحيحاً، لصلح أن يكون جواباً عن هذه المناقشة، ولكن هذا الحديث لا أساس له من الصحّة، وهو غير متوفِّر في أيِّ مصدر من المصادر، ويبدو أنّ مسلسل الأحاديث الموضوعة حول واقعة الطفّ ليس له نهاية.

 الوجه الثاني:قد يكون الإمام× قد أجابه مفصَّلاً، ولكنّ الطبري لم ينقل القصّة بشكل كامل، وممّا يؤيِّد ذلك أنّ الطبري قد أوردها في ثلاثة مقاطع، والظاهر أنّ الطبري كان يقتطع منها حسب الحاجة، ولم يدّعِ الطبري أنّه أورد الرواية بشكل كامل.

3ـ كما حصل حذف في بعض تفاصيل هذه الرواية، فقد حصل دسٌّ وإضافة أيضاً، ومن ذلك قوله: إنّ الحسين× همَّ أن يرجع علىٰ أثر نصيحة الحرّ له، ولكن إخوة مسلم ابن عقيل كانوا معه، فقالوا: «والله، لا نرجع حتىٰ نصيب بثأرنا أو نُقتل، فقال: لا خير في الحياة بعدكم فسار...».

ويأتي هذا النصّ جزءاً من النصوص التي وُضِعتْ لتشويه وتحريف أهداف نهضة الحسين× ووضعها في إطار قبليٍّ ضيِّق، وهذا ممَّا لا يمكن قبوله في حقِّ إخوة مسلم، فضلاً عن قبوله في حقِّ الحسين×، وهو الإمام المفترض الطاعة.

4ـ ومن نماذج الدسِّ والإضافة في هذا المقتل، الفقرة التي تقول: إنّ الحسين× قال لعمر بن سعد لعنه الله: «اختر واحدة من ثلاث: إمّا أن تدَعوني فأنصرف من حيث جئت، وإمّا أن تدعوني فأذهب إلىٰ يزيد، وإمّا أن تدعوني فألحق بالثغور...».

فهذا ممّا لا يمكن صدوره من الحسين×، وهو ممّا كان يشيعه بنو أُميّة لتشويه صورة الحسين×، ولنفي الجريمة عن يزيد، وإلصاقها بعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وقد كان عقبة بن سمعان ينفي هذه القضية، وكان يقول: «صحبت حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلىٰ مكّة، ومن مكّة إلىٰ العراق، ولم أُفارقه حتىٰ قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلىٰ يوم مقتله إلّا وقد سمعتها، ألا والله، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيّروه إلىٰ ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتىٰ ننظر ما يصير أمر الناس»([293]).

خاتمة بأهمّ النتائج

1ـ إنّ عمّار الدهني من المحدِّثين والأخباريين القدامى، وقد دخل معترك الحياة العلميّة في نهايات القرن الأوّل، ونشط في نشـر الحديث وتعليمه بعد مطلع القرن الهجري الأوّل.

2ـ كان عمّار الدهني من الشخصيات التي اتّصلت بأهل البيت^، وروت عنهم، وكان محبّاً لهم، ولكن لم يثبت لدينا أنّه كان يؤمن بإمامتهم.

3ـ يمكن توثيق عمّار الدهني في ضوء بعض المباني الرجاليّة المعمول بها عند البعض منّا، وقد أجمعت ـ أو كـادت أن تُجمع ـ كتب الجرح والتعديل عند العامّة علىٰ وثاقته وتعديله.

4ـ كان عمّار الدهني من الأوائل الذين اهتموا بحفظ النصّ الكربلائي، وقد حرص الدهني أن يتلّقىٰ هذا النصّ من مصادره القريبة والمأمونة، كما حرص أن يتعرّف علىٰ أدقّ التفاصيل، وإن جاء الجواب مجملاً من الإمام×، وحصل تلاعب في هذا النصّ، كما ناقشنا في ذلك.

5ـ لا يوجد أثر لكتاب في مقتل الحسين× من تصنيف الدهني، ولم تنصّ كتب الفهارس عليه، ولكن الطبري قد نقل لنا هذا المقتل في ثلاثة مقاطع، وقد قمنا بوصل بعضها بالبعض الآخر، وجمعناها في رواية واحدة.

6ـ مقتل الدهني من الأُصول التي اعتمد عليها الكثير من العامّة، وهو كمقتل أبي مخنف لدىٰ الشيعة، وقد فضّله ابن حجر علىٰ سائر المقاتل؛ وذلك لكونه يحتوي علىٰ بعض المفردات التي تخدمهم، ويخلو من الكثير من الحقائق التي لا تروق لهم.

7ـ لم يعتنِ رواة الشيعة الأوائل برواية هذا المقتل، ولم يهتمّ أصحاب المدونات الحديثيّة والتاريخيّة الشيعيّة بتدوينه، اللّهم إلّا ما كان من ابن نما في مثير الأحزان، كما أشرنا.

8ـ استعرضنا مقتل عمّار الدهني برواية الطبري، وأوردنا عليها أربع مناقشات، واحدة منها ترتبط بسند هذا المقتل، والبقية تتعلّق بالمتن، وأشرنا فيها إلىٰ عمليات الحذف والدسّ والإضافة التي أُجريت علىٰ هذا المقتل.


الفصل الرابع: مقتل الفضيل بن الزبير الأسدي الكوفي

الفصل الرابع

مقتل الفضيل بن الزبير الأسدي الكوفي (ت بين 122ـ 148هـ)

تقديم

كان الفضيل بن الزبير علىٰ صلة وثيقة بزيد الشهيد×، وقد حاول أن يتعرّف من خلاله علىٰ (تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ÷ من وُلْده وإخوته وأهله وشيعته)، ثمَّ أضاف إلىٰ ذلك ما توصّل إليه من مصادر أُخرىٰ أهمّها:

1ـ يحيىٰ بن أُمّ طويل، أخو الإمام زين العابدين× من الرضاعة.

2ـ عبد الله بن شريك العامري، من حواريي الإمامين السجاد والباقر×.

ثمَّ ألّف من كلّ ذلك نصّاً يُعد من أهمّ وأقدم النصوص التاريخيّة التي ذكرت أسماء مَن قُتل مع الحسين× من الهاشميين وغيرهم.

وقد كان هذا النصّ ولقرون متطاولة غائباً عن أوساطنا العلميّة، إلىٰ أن وفّق الله سبحانه وتعالىٰ العلّامة والمحقق الكبير السيد محمد رضا الحسيني الجلالي لاستخراج هذا النصّ من بعض مصادر التراث الزيديّ، وتحقيقه ونشـره ووضعه بين يدي الباحثين والمؤرِّخين.

وقد وضعتُ في هذه السطور غاية ما توصّلت إليه من بحث وتنقيب وتحقيق حول شخصية الفضيل وكتابه في المقتل، وما توفيقي إلاّ باللّه عليهِ توكلتُ وإليه أُنيب.

 

المبحث الأوّل

ترجمة الفضيل بن الزبير

1 ـ اسمه ونسبه وأُسرته

هو الفضيل([294]) ـ بالألف واللام. أو فضيل([295])، بدونهما ـ بن الزبير، بضم الزاي وفتح الباء علىٰ زنة (رُجَيل) مصغراً علىٰ ما هو المألوف والظاهر من علماء الأنساب([296])، بن عمر ابن درهم([297]) الأسدي الرسّان.

والأَسَدي ـ بفتح الألف والسين ـ نسبة إلىٰ أسد، وهو اسم عدّة من القبائل العربيّة، منهم:

1ـ أسد بن عبد العزّىٰ من قبائل قريش.

2ـ أسد بن خزيمة.

3ـ أسد بن ربيعة بن نزار.

4ـ أسد بن دودان.

5ـ أسد بن شريك، بطن من الأزد([298]).

ويظهر من بعض النسّابين أنّ الفضيل بن الزبير ينتسب إلىٰ أسد بن خزيمة([299])، وهي قبيلة عظيمة من العدنانيّة، تنتسب الىٰ أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضـر بن نزار. وهي ذات بطون كثيرة يطول ذكرها.

كانت بلادهم فيما يلي الكرخ من أرض نجد، وفي مجاورة طيء، ويُقال: إنّ بلاد طيء كانت لبني أسد، فلمّا خرجوا من اليمن غلبوهم علىٰ أجأ وسلمىٰ، وجاءوا واصطلحوا، وتجاوروا لبني أسد، ثمّ تفرّقوا من بلاد الحجاز علىٰ الأقطار وذلك بعد الإسلام، فنزلوا العراق، وسكنوا الكوفة منذ سنة 19هـ وملكوا الحلّة وجهاتها حتىٰ سنة 588هـ([300]).

وعلىٰ أيّة حال، فإنّ الفضيل بن الزبيرـ علىٰ ما يبدوـ لم يكن من صميم بني أسد، بل كان ينتسب إليهم بالولاء، كما صرّح بذلك الشيخ الطوسي، قائلاً: «الفضيل بن الزبير الأسدي مولاهم»([301]).

والرَسّان: بفتح الراء وتشديد السين هو صانع الرسن أو بائعه، والرسن هو زمام البعير ونحوه([302]).

ويبدو لي أنّ هذا الوصف كان في الأصل للزبير، والد الفضيل، فهو صاحب هذه المهنة علىٰ ما يبدو، ثمّ عُمِّم الوصف علىٰ أفراد أُسرته، والدليل علىٰ ذلك: أنّ هذا الوصف لم يكن خاصّاً بالفضيل، بل يُطلق علىٰ أخيه عبد الله أيضاً ([303]).

من أعلام أُسرة آل الزبير:

تعتبر أُسرة آل الزبير من الأُسَر الشيعيّة الكوفيّة التي أنجبت عدّة من الأعلام، فمنهم الفضيل بن الزبير صاحب الترجمة، ومنهم:

1ـ عبد الله بن الزبير الأسدي الرَّسّان:

ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الصادق×، قائلاً: «عبد الله بن الزبير والد أبي أحمد الزبيري»([304]).

أقول: أبو أحمد الزبيري هو محمّد بن عبد الله بن الزبير الآتي، وكلام الشيخ يدلّ بظاهره علىٰ كونه أشهر من والده.

روىٰ الكشي ـ كما مرّ ـ عن عبد الرحمن بن سيابة، قال: «دفع إليّ أبو عبد الله× دنانير، وأمرني أن أُقسمها في عيالات مَن أُصيب مع عمّه زيد، فقسمتها، قال: فأصاب عيال عبد الله بن الزبير الرسّان أربعة دنانير»([305]). وقد علّق العلّامة الحلّي علىٰ هذه الرواية بقوله: «وهذه الرواية تُعطي أنّه كان زيديّاً»([306]).

أقول: الدليل أعمّ من المدّعىٰ، فليس كلّ مَن خرج مع زيد كان ـ بالضـرورة ـ زيديّاً، نعم، لا شكّ في أنّ الخروج يعدّ قرينة مهمّة علىٰ ذلك، وعلينا أن نبحث عن قرائن أُخرىٰ نضمّها إليها.

وعلىٰ أيّة حال، فظاهر رواية الكـشي أنّ عبد الله من المُستَشهدِين مع زيد× سنة 122هـ، ولكن بعض النقولات قد دلّت علىٰ بقائه حيّاً إلىٰ أيام محمّد بن عبد الله النفس الزكيّة المُستشهَد سنة 145هـ، فقد قال أبو الفرج الأصفهاني: حدَّثنا عليّ بن العباس، قال: حدَّثنا بكار بن أحمد، قال: حدَّثنا الحسن بن الحسين، قال: حدَّثنا عبد الله بن الزبير الأسدي، وكان في صحابة محمّد بن عبد الله، قال: «رأيت محمّد بن عبد الله عليه سيف محلّىٰ يوم خرج، فقلت له: أتلبس سيفاً محلّىٰ؟ فقال: أيّ بأس بذلك؟! قد كان أصحاب رسول الله| يلبسون السيوف المحلّاة»([307]).

ورواية المقاتل صريحة الدلالة علىٰ بقائه حيّاً إلىٰ أيام محمّد بن عبد الله، فلا بدّ من حَمْل رواية الكشي علىٰ الجرح دون القتل، وهذا ما تحتمله رواية الكـشي من غير تكلّف، حيث قالت: «من أُصيب مع عمّه زيد». ومن المعلوم أنّ الإصابة أعمّ مفهوماً من القتل.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرىٰ ربما تصلح هذه الرواية كقرينة أُخرىٰ علىٰ زيديّة عبد الله بن الزبير، أو علىٰ ابتعاده عن خطِّ الاثني عشريّة علىٰ الأقل.

وقد كان عبد الله بن الزبير شاعراً، وله في رثاء مسلم وهانئ÷ قصيدة مشهورة بين خطباء المنبر الحسينيّ، يقول في مطلعها:

فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فاُنظري
إلى ٰ هانئ في السوقِ وابن عقيل([308])

2ـ محمد بن عبد الله بن الزبير (أبو أحمد الزبيري):

وهو أبو أحمد، محمّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي الزبيري، من أهل الكوفة، محدِّث كبير مكثر، كان يبيع القت بزبالة([309]).

قال عنه الذهبي: «الحافظ الكبير، المجود، أبو أحمد الزبيري، الكوفي، مولىٰ بني أسد، حدَّث عن مالك بن مغول، وفطر بن خليفة، وعيسىٰ بن طهمان ـ صاحب أنس ـ وعمر بن سعيد بن أبي حسين، ومسعر، وسعد بن أوس العبسي، وأيمن بن نابل، ورباح بن أبي معروف، وحمزة بن حبيب، والوليد بن عبد الله بن جميع، وسفيان، وشيبان النحوي، وسعيد بن حسان المخزومي، ويونس بن أبي إسحاق، وخلق كثير. حدّث عنه ابنه طاهر، وأحمد، والقواريري، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وابن نمير، وابن مثنىٰ، ومحمود بن غيلان، ونصر بن عليّ، وأحمد بن سنان القطان، وبندار، ومحمّد بن رافع، ويحيىٰ بن أبي طالب، والكديمي، وخلق سواهم»([310]).

وذكره العجلي في تاريخ الثقات بقوله: «محمّد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، يكنّىٰ أبا أحمد، كوفي، ثقة، يتشيَّع»([311]).

وعدّه ابن حبّان في كتاب الثقات قائلاً: «أبو أحمد الزبيري اسمه محمّد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، من أهل الكوفة، يروىٰ عن الثوري وإسرائيل، روىٰ عنه أحمد بن حنبل وأهل العراق، مات سنة ثلاث ومائتين بالأهواز»([312]).

2 ـ ولادته ونشأته

لم نقف علىٰ ما يحدِّد لنا مولد الفضيل تحديداً دقيقاً، إلّا أنّ كونه من دعاة زيد× المُستشهَد سنة 122هـ كما سنشير، وكونه ـ كما سيأتي أيضاً ـ ممَّن روىٰ عن الإمام الباقر× المتوفَّىٰ سنة 114هـ، وعدم روايته عن الإمام السجاد× المتوفَّىٰ سنة 95هـ، كلّها مؤشرات علىٰ ولادته قبل مطلع القرن الثاني الهجري.

ونحن لا نمتلك ما يساعدنا علىٰ معرفة نشأة الفضيل ومسيرة حياته بشكل دقيق ومفصّل، فالنصوص في هذا المجال شحيحة، بل تكاد تكون منعدمة.

وغايّة ما نستطيع استشفافه من النصوص، هو أنّه قد نشأ وترعرع في الكوفة، وقد نُسب إليها في بعض المصادر([313])، وأخذ العلم عن أهلها، وأخذه عنه أهلها، كما يستفاد هذا الأمر من خلال النظر في تراجم شيوخه وتلامذته والراوين عنه.

وحينما نزل زيد× في الكوفة سنة 121هـ، وقام بنشـر دعوته بين أهلها، كان الفضيل بن الزبير من أوائل المبادرين إلىٰ نصرته، بل كان من قياديي هذه الدعوة كما يستفاد من بعض الروايات التي سنشير إليها لاحقاً.

كما يُستشفّ من خلال مرويات الفضيل أنّه قد سافر إلىٰ المدينة المنوّرة، في حياة الإمام الباقر×، فكان يلتقي به، وقد روىٰ عنه معجزة لأمير المؤمنين×([314])، كما روىٰ عنه حديث: «يا فضيل، أما علمت أنّ رسول الله| قال: إنا أهل بيت...»([315])، وسيأتي ما يشير إلىٰ سفره بعد مقتل زيد× إلىٰ المدينة للقاء الإمام الصادق×.

3 ـ مكانته العلمية وطبقته، من مصنفاته

قال ابن النديم: «ومَن متكلميّ الزيديّة: فضيل الرساف، وهو ابن الزبير»([316]).

أقول: (الرساف) تصحيف (الرسّان) كما هو واضح.

وقد اعتبره سعد بن عبد الله الأشعري أحد رؤساء فرق الزيديّة القويّة، حيث قال:

«وأمّا الأقوياء منهم، فهم: أصحاب أبي الجارود، وأصحاب أبي خالد الواسطي، وأصحاب فضيل الرسان»([317]).

ويمكن أن نتلمّس المكانة العلميّة التي كان يتمتّع بها الفضيل بن الزبير، من خلال التأمّل برواياته المنقولة في أبواب: التفسير والعقيدة، والأخلاق والعرفان والتاريخ، وغيرها.

وقد لاحظنا: أنّ أكثر رواياته ترتبط بأحقيّة أهل البيت^ في الخلافة، وتفضيلهم علىٰ غيرهم، وهو ما يؤكِّد كون الرجل من المهتمّين بالجانب الكلامي والعقائدي، كما دلّ علىٰ ذلك كلام ابن النديم والأشعري، ولم أجده يتعرّض إلىٰ نقل الروايات الفقهيّة إلّا نادراً.

أمّا طبقته: فقد عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر×، قائلاً: «فضيل بن الزبير الرسّان»([318])، ثمَّ عدّه في أصحاب الإمام الصادق×، قائلاً: «الفضيل بن الزبير الأسدي، مولاهم، كوفي، الرسّان»([319]).

وقد روىٰ أيضاً ـ كما يأتي في سند مقتله ـ عن زيد الشهيد×، ويحيىٰ بن أُمّ طويل، وعبد الله بن شريك العامري، وروىٰ أيضاً عن أبي سعيد عقيصا([320])، وأبي عبد الله مولىٰ بني هاشم([321])، وأبي داود السبيعي([322])، وأبي عمر مولىٰ ابن الحنفية([323])، وفروة بن مجاشع([324])، ويحيىٰ ابن عقيل([325])، وغيرهم.

وروىٰ عنه أبو حفص الأعشىٰ الكاهلي([326])، وإسماعيل بن أبان([327])، ومخول بن إبراهيم([328])، وعاصم بن حميد الحناط([329])، وغيرهم.

وهو عادة ما يقع في نصوص كتب الحديث والتاريخ بعنوان (الفضيل بن الزبير) أو (فضيل بن الزبير) أو (فضيل الرسّان)، وقد يقع في بعض النصوص بعنوان (الفضل بن الزبير) وهو تصحيف.

ولم أجد من ذكر الفضيل بن الزبير في عداد المصنِّفين، ولم يُنسب إليه أيُّ كتاب في أيِّ علم من العلوم أو فنٍّ من الفنون، وأمّا كتابه في المقتل فهو في ظاهره ليس كتاباً مدوّناً في قرطاس، ولم تذكره كتب الفهـارس، وإن كنت أرىٰ أنّ عمـله في هذا المقتـل ـ في واقعه ـ لا يختلف عن عمل المؤلّفين، بل إنّ انطباق مفهوم التأليف عليه أشدّ بكثير من انطباقه علىٰ العديد من الآثار المنقولة عن تلك الفترة الزمنيّة، فمن سمات التأليف فيه:

1ـ ذكره في البدء لمصادره ومنابعه الأساسية التي استقىٰ منها مادّة هذا المقتل.

2ـ تبوبيه للمادّة، حيث قسّم الشهداء علىٰ قسمين: شهداء أهل البيت^، وشهداء الأصحاب، وقدم شهداء أهل البيت^ علىٰ غيرهم، وقسم شهداء الأصحاب بحسب القبائل التي ينتمون إليها، وهو المنهج الذي سار عليه جلُّ مَن كتب في هذا الموضوع، كعبد المجيد الحسيني الحائري في ذخيرة الدارين، والسماوي في إبصار العين، وشمس الدين في أنصار الحسين×، وغيرهم.

والخلاصة: إنّني أظنّ أنّ هذا العمل كان في واقعه كتاباً من حيث المحتوىٰ والمضمون، وإن لم ينتشر بين الناس بهذه الصفة إلّا في وقتنا الحاضر علىٰ يد السيِّد الجلالي.

4ـ مذهبه ومعتقده

نقلنا فيما مرّ اعتبار ابن النديم الفضيل بن الزبير من متكلميّ الزيديّة، بل اعتبره عبد الله بن سعد الأشعري ـ كما مرّ أيضاً ـ من رؤساء الفرق القويّة المنبثقة عن المذهب الزيديّ، ويمكن أن نضيف إلىٰ ذلك قرينتين تؤكِّدان هذا المعنىٰ:

1ـ كونه من دعاة زيد× وكبار مساعديه في ثورته، كما يدلّ علىٰ ذلك ما رواه أبو الفرج الأصفهاني، عن الفضيل بن الزبير، قال: قال أبو حنيفة: «مَن يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال: قلت سليمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهارون بن سعد، وهاشم بن البريد، وأبو هاشم الرماني، والحجاج بن دينار، وغيرهم. فقال لي: قل لزيد لك عندي معونة وقوّة علىٰ جهاد عدوك، فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح. ثمَّ بعث ذلك معي إلىٰ زيد، فأخذه زيد»([330]).

ويمكن أن يستدلّ علىٰ ارتباطه بزيد× وثورته أيضاً ما رواه الكشـي عن فضيل الرسّان، قال: «دخلت علىٰ أبي عبد الله× بعد ما قُتل زيد بن عليّ&، فأُدخلت بيتاً جوف بيت، فقال لي: يا فضيل، قُتل عمّي زيد؟ قلت: نعم جُعلت فداك. قال: رحمه الله إنّه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صادقاً، أما إنّه لو ظفر لوفىٰ، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها...»([331]).

2ـ اختصاصه بزيد× وأخذه عنه، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بعدّة أُمور:

منها: كونه أحد المصادر الأساسية التي اغترف منها الفضيل في هذا المقتل كما سيأتي.

ومنها: ما روي عن الفضيل بن الزبير، قال: قلت لزيد بن علي×: «ما تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: قل فيهما ما قال عليّ: كفّ كما كفّ لا تجاوز قوله. قلت: أخبرني عن قلبي أنا خلقته ؟ قال: لا. قلت: فإنّي أشهد علىٰ الذي خلقه أنّه وضع في قلبي بغضهما، فكيف لي بإخراج ذلك من قلبي؟ فجلس جالساً، وقال: أنا والله الذي لا إله إلّا هو، إنّي لأبغض بنيهما من بغضهما؛ وذلك لأنهم إذا سمعوا سبَّ عليٍّ× فرحوا»([332])، وما روي عنه أيضاً أنّه قال: «سمعت زيد بن عليّ‘ يقول: المنتظَر من وُلد الحسين بن عليّ، في ذرّية الحسين وفي عقب الحسين×...»([333])، فإنّ هاتين الرواتين تكشفان عن مدىٰ اختصاصه بزيد×، وكونه المرجعيّة التي كان يرجع إليها في مسائله الفكريّة والعقديّة.

5 ـ وثاقته وعدالته

يمكننا أن نحاول إثبات اعتبار الفضيل بن الزبير بأكثر من أُسلوب:

الأُسلوب الأوّل: أن نستدلّ علىٰ وثاقته أو مدحه علىٰ أقل تقدير من خلال نصِّ المعصوم×، كالرواية التي نقلناها سابقاً عن الكشي، عن الفضيل بن الزبير، قال: «دخلتُ علىٰ أبي عبد الله× بعد ما قُتل زيد بن عليّ&، فأُدخلت بيتاً جوف بيت...»، فإنّ هذه الرواية تكشف عن وجود نوع من أنواع العلاقة الخاصّة بين الإمام× والفضيل، وأقلّ ما يستفاد من جو هذه الرواية: هو أنّ الرجل من الممدوحين، ولعل هذه الرواية هي التي دعت ابن داود إلىٰ ذكره في القسم المخصص للرواة الممدوحين، وهي التي دعته إلىٰ نسبة مدحه إلىٰ الكشي([334]).

ولكن أقلّ ما يُعترض به علىٰ هذه الرواية: هو أنّ الراوي لهذه الرواية هو الفضيل نفسه، فيكون الاستدلال بها ـ حينئذٍ ـ علىٰ مدح الفضيل أشبه بالدور.

الأُسلوب الثاني: أن نستدلّ علىٰ وثاقته من خلال التوثيقات العامّة، فقد وقع اسمه في بعض أسانيد كتاب كامل الزيارات([335])، وكتاب تفسير القمّي([336])، فيكون بذلك موثقاً علىٰ المبنىٰ القائل بوثاقة جميع مَن ورد اسمه في أسانيد هذين الكتابين.

نعم، بناءً علىٰ القول بانحصار التوثيق بشيوخ ابن قولويه والقمّي المباشرين، لا يكون الفضيل مشمولاً بهذين التوثيقين.

الأُسلوب الثالث: أن نستدلّ علىٰ وثاقته بعدم ورود ما يقدح به.

وتوضيح ذلك: أنّ الفضيل قد عنونه الرجاليون ولم يضعفوه، وهذا ما يجعله في عداد المهملين، والمهمل ـ عند القدماء ـ يختلف عن المجهول الذي صرَّح علماء الرجال بضعفه، فالأخير تُردّ روايته دون الأوّل، وقد كان ابن داود يعمل بخبر المهمل كما يعمل بخبر الممدوح؛ ولذا خصّص الجزء الأوّل من كتابه للممدوحين ومَن لم يضعفهم الأصحاب، وبهذا يكون الفضيل معتبر الرواية عند أصحاب هذا المبنىٰ.

الأُسلوب الرابع: أُسلوب جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان، وهو ما سلكه السيِّد محمّد رضا الجلالي لتوثيق الفضيل، قال: «والذي أراه أنّ الرجل معتبر الحديث، لما يبدو من مجموع أخباره وأحواله من انقطاعه إلىٰ أهل البيت^، واختصاصه بهم ونصـرته له وتعاطفه معهم، وكونه مأموناً علىٰ أسرارهم، وكذلك وقوعه في طريق كثير من الروايات ـ وكلّها خالية ممّا يوجب القدح فيه ـ فهذا كلّه مدعاة إلىٰ الاطمئنان به...»([337]).

6 ـ وفاته

من المؤكَّد أنّ الفضيل قد كان حيّاً بعد عام 122هـ، وهو العام الذي استُشهد فيه زيد×، حيث أشرنا إلىٰ لقائه بالإمام الصادق× بعد هذا التاريخ، كما أنّ عدم روايته عن الإمام الكاظم× قد تدلّ علىٰ وفاته في أيام الإمام الصادق× المتوفّىٰ عام 148هـ، وبالتالي نستطيع أن نحصر وفاته بين عامي (122ـ 148هـ).

المبحث الثاني

 مقتل الحسين× لفضيل بن الزبير الأسدي

قبل أن نقوم بنقل النصّ الكامل لهذا المقتل من كتاب الأمالي الخميسيّة، توجد عدّة نقاط ينبغي الوقوف عليها:

1ـ أقدم نصّ مكتوب من هذا المقتل

إنّ أقدم نصّ احتوىٰ علىٰ هذا المقتل هو كتاب الأمالي الخميسيّة ليحيىٰ بن الحسين الشجري (ت479هـ) المشهور بـ (المرشد بالله) أحد أئمّة الزيديّة؛ من هنا كان لا بدّ لنا من وقفة قصيرة للتعريف بالكاتب والكتاب.

أمّا الكاتب، فهو أبو الحسين يحيىٰ بن الحسين ـ (الموفق بالله) صاحب كتاب (الاعتبار وسلوة العارفين) ـ بن إسماعيل بن زيد الحسني الرازي، عرف يحيىٰ بـ (المرشد بالله) و(الشجري) و(إِلْكيَا)([338])، وكان مفتي الزيديّة ومرجعهم، وكانت دعوته في بلاد الجيل والديلم والرّي وجرجان في القرن الخامس الهجري.

قال ابن الجوزي: «يحيىٰ بن الحسين بن إسماعيل بن زيد، أبو الحسين الحسني وكان مفتي طائفته علىٰ مذهب زيد بن عليّ، وكان له معرفة بالأُصول والحديث»([339]).

وقال ابن حجر ـ بعد ما أشار إلىٰ نسبه ومذهبه وسكناه ـ : سمع الصوري والعتيقي وابن غيلان وابن زيده بأصبهان وغيرهم، روىٰ عنه محمّد بن عبد الواحد الدقاق ونصر ابن مهدي وأبو سعد يحيىٰ بن طاهر السمان، وكان ممّن عُني بالحديث إلّا أنّه مبتدع كان مفتي الزيديّة ومقدّمهم وعالمهم توفِّي بالرّي سنة تسع وسبعين وأربع مائة([340]).

أمّا الكتاب، فيعرف بـ(الأمالي الخميسيّة)، والأمالي: هو «عنوان لبعض كتب الحديث غالباً، وهو الكتاب الذي أدرج فيه الأحاديث المسموعة من إملاء الشيخ عن ظهر قلبه وعن كتابه، والغالب عليها ترتيبه علىٰ مجالس السماع، ولذا يطلق عليه المجالس أو عرض المجالس أيضاً، وهو نظير الأصل في قوّة الاعتبار وقلّة تطرّق احتمال السهو والغلط والنسيان، ولا سيما إذا كان إملاء الشيخ عن كتابه المصحح، أو عن ظهر القلب مع الوثوق والاطمئنان بكونه حافظاً ضابطاً متقناً»([341]).

وسُميت (الأمالي الخميسيّة) بهذا الاسم، لأنّ الشجري كان يمليها علىٰ طلابه كلّ يوم خميس، وللمصنِّف كتاب آخر اسمه كتاب (الأنوار) يعرف بـ(الأمالي الاثنينيّة) أملاه يوم الاثنين.

ويُعرف هذا الكتاب أيضاً باسم (ترتيب الأمالي الخميسيّة)، وذلك بعدما رتّبه العلّامة محيي الدين محمّد بن أحمد بن عليّ بن الوليد القرشي العبشمي، وهو الآن علىٰ ترتيبه، وكان قبل ذلك رتّبه القاضي العلّامة شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيىٰ في سبعة وعشـرين باباً.

2ـ سند الكتاب واسمه

قال الشجري: «أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمّد بن عليّ([342]) بن الحسن البطحاني، بقراءتي عليه بالكوفة، قال: أخبرنا محمّد بن جعفر التميمي ـ قراءةً ـ قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: أخبرني الحسن بن جعفر التميمي ـ قراءةً ـ قال: حدّثني عمّي طاهر بن مدرار، قال: حدَّثني فضيل بن الزبير، قال: سمعت الإمام أبا الحسين زيد بن عليّ‘، ويحيىٰ بن أُمّ طويل، وعبد الله ابن شريك العامري يذكرون تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ‘ من وُلْده وإخوته وأهله وشيعته، وسمعته أيضاً من آخرين سواهم»([343]).

وقد اشتمل هذا النصّ علىٰ أمرين أساسيين:

أولاً: طريق صاحب الأمالي إلىٰ الفضيل بن الزبير.

ثانياً: مصادر الفضيل بن الزبير في هذا الكتاب.

وهذا ما سنبحثه فيما يلي:

أولاً: طريق صاحب الأمالي إلىٰ الفضيل بن الزبير

روىٰ صاحب الأمالي هذا الكتاب عن الفضيل بن الزبير بوسائط خمس:

1- الشريف أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسن البطحاني (ت445هـ): قال عنه الذهبي: «الإمام، المحدِّث، الثقة، العالم، الفقيه، مسند الكوفة، أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الكوفي. انتقىٰ عليه الحافظ أبو عبد الله الصوري، وغيره»([344]).

وذكره ابن الجوزي في ترجمة (أبو الغنائم النرسي)، حيث قال: «ولقي [يعني النرسي] أبا عبد الله العلوي العلّامة، وهو محمّد بن عليّ بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي، وكان هذا العلوي يعرف الحديث...»([345]).

2ـ محمّد بن جعفر التميمي: هذا هو أبو الحسن محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون ابن فروة التميمي، النحوي، الكوفي، المعروف بـ (ابن النجار)، كان مولده عام 303هـ، ووفاته عام 402هـ([346]).

قال الزركلي: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون التميمي، أبو الحسن، المعروف بابن النجّار: عالم بالعربية، له اشتغال بالتأريخ، معمِّر، من أهل الكوفة، مولده ووفاته فيها، من كتبه (تاريخ الكوفة) رآه ياقوت، و(التحف والطرف) و(روضة الأخبار) و(القراءات)»([347]).

3ـ أحمد بن محمّد بن سعيد: هذا هو الحافظ المعروف بـ (ابن عقدة)، المولود سنة (249هـ) والمتوفَّىٰ سنة (333هـ) والموثّق عند الإماميّة والزيديّة والعامّة، (وقد مرّت له ترجمته في هذا الكتاب عند حديثنا عن مقتل الأصبغ بن نباتة).

4ـ الحسن بن جعفر التميمي: من شيوخ ابن عقدة، ومن تلامذة عمّه طاهر بن مدرار الآتي، وأكثر رواياته عنه، ولم ترد له ترجمة خاصّة في رجالنا، ذكره الخطيب البغدادي في غنية الملتمس إيضاح الملتبس، قائلاً: «الحسن بن جعفر بن مدرار الكوفي، حدَّث عن عمّه طاهر بن مدرار، روىٰ عنه أبو العباس بن عقدة الحافظ»([348]).

5ـ طاهر بن مدرار: هذا هو طاهر بن مدرار التميمي الطنافسي الكوفي، عمّ الحسن ابن جعفر وشيخه، ومن تلامذة الفضيل بن الزبير، وراوي كتابه في المقتل.

قال الجلالي فيه وفي ابن أخيه: «...ويظهر حُسْن حالهما عند الدار قطني؛ حيث لم يتعرّض لهما بشيء في الروايات التي وقعا في طُرُقِها مع أنّه تعرّض للحسن بن عمارة مكرراً، وقال: إنّه متروك. أو إذا لاحظنا ما ذكره الذهبي في حقّ الدار قطني من أنّه: حافظ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، ولاحظنا أنّ كتابه (السنن) من مظانّ الحديث الحسن، كما قال السيوطي، بل من مظانّ الحديث الصحيح، كما قال ابن حجر، اتّضح عدم مجهوليّة الرجلين، بل حُسْن حالهما والاعتماد عليهما»([349]).

ثانياً: مصادر الفضيل بن الزبير في هذا الكتاب

لقد اعتمد الفضيل بن الزبير في هذا الكتاب ـ كما صـرّح في النصِّ أعلاه ـ علىٰ ثلاثة مصادر أساسية: (أبو الحسين زيد بن عليّ÷، ويحيىٰ بن أُمّ طويل، وعبد الله بن شريك العامري)، فهؤلاء يمثّلون المآخذ الأساسية والمنابع الرئيسيّة التي استقىٰ منها الفضيل مادّة كتابه، وفيما يلي تعريف مقتضب لكلّ واحد منهم:

1ـ أبو الحسين زيد بن عليّ÷: هذا هو زيد الشهيد×، الذي يُنسب إليه المذهب الزيديّ، وهو أشهر من نار علىٰ علم.

قال الشيخ المفيد: «كان زيد بن عليّ بن الحسين‘ عين إخوته بعد أبي جعفر× وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهىٰ عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين×.

أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدِّه عن الحسن بن يحيىٰ، قال:
حدَّثنا الحسن بن الحسين، عن يحيىٰ بن مساور عن أبىٰ الجارود زياد بن المنذر، قال: قدمت المدينة فجعلت كلّما سألت عن زيد بن عليّ×، قيل لي: ذاك حليف القرآن! وروىٰ هشام ابن هشام، قال: سألت خالد بن صفوان، عن زيد بن عليّ×، وكان يحدِّثنا عنه، فقلت: أين لقيته؟ قال: بالرصافة. فقلت: أيّ رجل كان؟ فقال: كان كما علمت يبكىٰ من خشية الله حتىٰ يختلط دموعه بمخاطه. واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف، يدعو إلىٰ الرضا من آل محمد|، فظنّوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن
يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه× للإمامة من قبله، ووصيته عند وفاته إلىٰ أبي عبد الله×»([350]).

وعدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام زين العابدين×، قائلاً: «زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب^»([351])، ثمّ عدّه في أصحاب الإمام الباقر× قائلاً بعد أن عنونه: «أبو الحسين أخوه×»([352])، ثمّ عنونه في أصحاب الإمام الصادق×، وقال: «أبو الحسين مدني تابعي، قُتل سنة إحدىٰ وعشرين ومائة وله اثنتان وأربعون سنة»([353]).

2ـ يحيىٰ بن أُمّ طويل: هذا هو يحيىٰ بن أُمّ الطويل أخو الإمام زين العابدين× من الرضاعة وبابه وخاصّته وبطانته، عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام زين العابدين^ مع توصيفه بـ (المطعمي)([354]).

وروىٰ الكشي بسنده عن أبي عبد الله×، قال: «ارتدّ الناس بعد قتل الحسين× إلّا ثلاثة أبو خالد الكابلي، ويحيىٰ بن أُمّ الطويل، وجبير بن مطعم، ثمّ إنّ الناس لحقوا وكثروا»([355]).

3ـ عبد الله بن شريك العامري: هذا هو أبو المحجل عبد الله بن شريك بن عدي العامري الكلابي الوحيدي، الكوفي، من وجوه الشيعة، ومن حواريي الإمامين السجّاد والباقر÷. ذكره النجاشي في ترجمة حفيد حفيده: (عبيد بن كثير بن محمد)، فقال: «روىٰ عن عليّ بن الحسين وأبي جعفر‘، وكان يُكنّىٰ أبا المحجل، وكان عندهما وجيهاً مقدّماً»([356]).

3ـ الجلالي أوّل مَن أحيى هذا المقتل

ممّا ينبغي أن يُشار إليه هو أنّ أوّل مَن أحيىٰ هذا الأثر، ونشـره في حواضرنا العلميّة، هو العلّامة والمحقق الكبير المعاصر محمّد رضا الحسيني الجلالي، حيث قام باستخراج متنه من كتاب الأمالي الخميسيّة، وقام بتحقيق النصّ وتقويمه، وقدّم له بمقدّمة إضافية اشتملت علىٰ: (التعريف بالكتـاب، ترجمة الفضـيل بن الزبير، سند الكتاب) وقد نشــرـ لأوّل مرّة ـ بعنوان (تسمية مَن قُتل مع الحسين× من وُلْده وإخوته وأهل بيته وشيعته) في العدد الثاني من فصليّة تراثنا (1406هـ) التي تصدر في قم عن مؤسسة آل البيت^ لأحياء التراث.

وقد تعرّض السيِّد الجلالي ـ في مستهلّ مقدّمة التحقيق ـ إلىٰ نقاط القوّة التي اشتمل عليها هذا النصّ، والتي حفّزته علىٰ تحقيقه ونشـره، وهي كما يلي:

1ـ إنّ روايته مسندة عن رجال معروفين، يتمتّعون بمكانة عند المحدّثين والعلماء، وهذا ما لم تحضَ به أكثر الروايات التي يتداولها المؤرِّخون وأرباب المقاتل وغيرهم من المؤلّفين بهذا الصدد.

 2 ـ إن جامعه (فضيل بن الزبير) قصد إلىٰ استيعاب ما توفّر له من النقول في هذا المجال، فلقي أكثر من شخص، وجمع ما ذكروه في هذه الرواية؛ ممّا يدلّ علىٰ عنايته الفائقة بما جمعه فيه.

 3 ـ احتواؤه علىٰ أسماء لشهداء لم يُذكروا في موضع آخر.

 4 ـ احتواؤه علىٰ آثار وروايات وتفصيلات، ممّا يرفع من قيمته العلميّة والتاريخيّة.

5 ـ إنّي لم أجد (والكلام للجلالي) فيما قرأت من الكتب المعنيّة بهذا الموضوع ذكراً لهذا الأثر، ولا نقلاً عنه([357]).

أقول: وبعد هذا أخذ هذا الأثر بالانتشار في حواضرنا العلميّة، وأخذت الكتب المعنية بواقعة كربلاء تعتمد عليه، فممَّن اعتمد عليه ـ بحسب تتبّعي لما صدر في هذا الشأن في السنوات الماضية ـ : الطبسي في كتابه الركب الحسيني من المدينة إلىٰ المدينة، وفوزي آل سيف في كتابه من قضايا النهضة الحسينيّة، وجواد محدّثي في كتابه موسوعة عاشوراء، وحسين الشاكري في كتابه سيرة الإمام الحسين×، وفارس تبريزيان الحسون في تحقيقه لكتاب الملهوف علىٰ قتلىٰ الطفوف لابن طاووس.

متن المقتل براوية صاحب الأمالي:

أشرنا فيما سبق إلىٰ أنّ أقدم نصٍّ مكتوب من هذا المقتل هو ما نقله الشجري في الأمالي الخميسيّة، وسننقل فيما يأتي النصّ الكامل لهذا المقتل برواية صاحب الأمالي، مع الأخذ بعين الاعتبار التصحيحات التي أجراها السيِّد الجلالي بعد تحقيقه للنصّ، فهذه هي النسخة المحققة من هذا المقتل بتحقيق السيِّد الجلالي، والمنشورة في العدد الثاني من فصليّة تراثنا بعنوان: (تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ÷ من وُلْده وإخوته وأهله وشيعته)، الصفحات: (149ـ 157)، ولم نغيِّر من هذه النسخة سوىٰ حذف التعليقات التي يضعها المحقّق أحياناً للتنبيه علىٰ المواضع المصحّحة.

بسم الله الرحمن الرحيم

تسمية مَن قُتل مع الحسين بن عليّ‘ من وُلده وإخوته وأهله وشيعته

شهداء أهل البيت^:

(1) الحسين بن عليّ، ابن رسول الله (صلوات الله عليهم)، قتله سنان بن أنس النخعي، وحمل رأسه، فجاء به خولي بن يزيد الأصبحي.

(2) والعباس بن عليّ بن أبي طالب÷، وأُمّه أُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة ابن الوحيد العامري، قتله زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائف السنبسـي، وكلاهما ابتُلي في بدنه.

(3) وجعفر بن عليّ بن أبي طالب÷، وأُمّه ـ أيضاً ـ أُمّ البنين بنت حزام، قتله هانئ ابن ثبيت الحضرمي.

(4) وعبد الله بن عليّ×، وأُمّه ـ أيضاً ـ أُمّ البنين، رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم، وأجهز عليه رجل من بني تميم بن أبان بن دارم.

(5) ومحمّد بن عليّ بن أبي طالب÷ الأصغر، قتله رجل من أبان بن دارم، وليس بقاتل عبد الله بن عليّ، وأُمّه أُمّ وَلَد.

(6) وأبو بكر بن عليّ بن أبي طالب÷، وأُمّه ليلىٰ بنت مسعود بن خالد بن مالك ابن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم التميمي.

(7) وعثمان بن عليّ÷، وأُمّه أُمّ البنين بنت حزام، أخو العباس وجعفر وعبد الله أبناء عليّ لأُمّ.

(8) وعليّ بن الحسين، الأكبر، وأُمّه ليلىٰ بنت (أبي) مرّة بن عروة بن مسعود بن مغيث الثقفي، وأُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب، قتله مرّة بن منقذ بن النعمان الكندي، وكان يحمل عليهم، ويقول:

أنا عليّ بن الحسين بن عليّ
نحن وبيت الله أوْلىٰ بالنبي

حتىٰ قُتل×.

(9) وعبد الله بن الحسين÷، وأُمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حكيم الكلبي، قتله حرملة بن الكاهل الأسدي الوالبي، وكان وُلِدَ للحسين بن عليّ× في الحرب، فأُتي به وهو قاعد، وأخذه في حجره ولبأه بريقه، وسمّاه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسين× دمه، فجمعه ورمىٰ به نحو السماء، فما وقعت منه قطرة إلىٰ الأرض. قال فضيل: وحدَّثني أبو الورد: أنّه سمع أبا جعفر يقول: لو وقعت منه إلىٰ الأرض قطرة لنزل العذاب. وهو الذي يقول الشاعر فيه:

وعند غني قطرة من دمائنا
وفي أسد أُخرىٰ تُعدُّ وتُذكر

وكان عليّ بن الحسين× عليلاً، وارتثّ يومئذٍ، وقد حضـر بعض القتال فدفع الله عنه، وأُخِذ مع النساء هو، ومحمّد بن عمرو بن الحسن، والحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب^.

(10) وقُتل أبو بكر بن الحسن بن عليّ، وأُمّه أُمّ ولد، قتله عبد الله بن عقبة الغنوي.

(11) وعبد الله بن الحسن بن عليّ^، وأُمّه أُمّ ولد، رماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فقتله.

(12) والقاسم بن الحسن بن عليّ، وأُمّه أُمّ ولد، قتله عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.

(13) وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأُمّه جمانة بنت المسيب بن نجية بن ربيعة بن رباح الفزاري، قتله عبد الله بن قطنة الطائي النبهاني.

(14) ومحمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأُمّه الخوصاء بنت حفصة بنت ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل، قتله عامر بن نهشل التيمي. قال: ولمّا أتىٰ أهل المدينة مصابهم، دخل الناس علىٰ عبد الله بن جعفر يعزونه، فدخل عليه بعض مواليه، فقال: هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين! قال: فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله، وقال: «يا بن اللخناء! أللحسين تقول هذا؟! والله، لو شهدته ما فارقته حتىٰ أُقتل معه. والله، ما تسخىٰ نفسي عنهما وعن أبي عبد الله× إلّا أنّهما أُصيبا مع أخي وكبيري وابن عمّي مواسين، مضاربين معه»، ثمّ أقبل علىٰ جلسائه، فقال: «الحمد لله علىٰ كلّ محبوب ومكروه، أعزز عليّ بمصرع أبي عبد الله×، ثمّ أعزز عليّ ألا أكون آسيته بنفـسي، الحمد لله علىٰ كلّ حال، قد آساه وَلداي».

(15) جعفر بن عقيل بن أبي طالب، أُمّه أُمّ البنين بنت الشقر بن الهضاب الكلابي، قتله عبد الله بن عمرو الخثعمي.

(16) وعبد الرحمن بن عقيل، أُمّه أُمّ ولد، قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني، وبشـر بن حرب الهمداني القانصي، اشتركا في قتله.

(17) وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب، وأُمّه أُمّ ولد رماه عمرو بن صبيح الصيداوي، فقتله.

(18) ومسلم بن عقيل بن أبي طالب، قُتل بالكوفة، وأُمّه حبلة أُمّ ولد.

(19) وعبد الله بن مسلم بن عقيل، وأُمّه رقية بنت عليّ بن أبي طالب، وأُمّها أُمّ ولد، قتله عمرو بن صبيح الصيداوي، ويُقال: قتله أسد بن مالك الحضرمي.

(20) ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب، وأُمّه أُمّ ولد، قتله ابن زهير الأزدي، ولقيط بن ياسر الجهني، اشتركا في قتله.

ولمّا أتىٰ الناس بالمدينة مقتل الحسين بن عليّ÷، خرجت زينب بنت عقيل بن أبي طالب، وهي تقول:

ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم
ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُمم
بعترتي أهل بيتي بعد مفتقدي
منهم أُسارىٰ ومنهم ضُرِّجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
أن تخلفوني بسوء في ذوي رَحمي

شهداء الأصحاب رضوان الله عليهم:

(21) وقُتل سليمان، مولىٰ الحسين بن عليّ÷، قتله سليمان بن عوف الحضرمي.

(22) وقُتل منجح، مولىٰ الحسين بن عليّ÷، قتله حسّان بن بكر الحنظلي.

(23) وقُتل قارب الديلمي، مولىٰ الحسين بن عليّ÷.

(24) وقُتل الحارث بن نبهان، مولىٰ حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله.

(25) وقُتل عبد الله بن يقطر، رضيع الحسين بن عليّ÷ بالكوفة، رُمي به من فوق القصر فتكسّر، فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي فقتله واحتزّ رأسه.

وقُتل من بني أسد بن خزيمة:

(26) حبيب بن مظاهر، قتله بديل بن صريم الغفقاني، وكان يأخذ البيعة للحسين ابن عليّ÷.

(27) وأنس بن الحارث، وكانت له صحبة من رسول الله|.

(28) وقيس بن مسهَّر الصيداوي.

(29) وسليمان بن ربيعة.

(30) ومسلم بن عوسجة السعدي، من بني سعد بن ثعلبة، قتله مسلم بن عبد الله، وعبيد الله بن أبي خشكاره.

وقُتل من بني غفار بن مليل بن ضمرة:

(31) و(32) عبد الله، وعبيد الله، ابنا قيس بن أبي عروة.

(33) و(جون بن) حوي، مولىٰ لأبي ذرّ الغفاري.

وقُتل من بني تميم:

(34) الحرّ بن يزيد، وكان لَحِق بالحسين بن عليّ÷ بعدُ.

(35) وشبيب بن عبد الله، من بني نفيل بن دارم.

وقُتل من بني سعد بن بكر:

(36) الحجّاج بن بدر.

 وقُتل من بني تغلب:

(37) و(38) قاسط، وكردوس، ابنا زهير بن الحارث.

(39) وكنانة بن عتيق.

(40) والضرغامة بن مالك.

وقُتل من قيس بن ثعلبة:

(41) (جوين) بن مالك.

(42) وعمرو بن ضبيعة.

وقُتل من عبد القيس، من أهل البصرة:

(43) و(44) و(45) يزيد بن ثبيط، وابناه: عبد الله، وعبيد الله، ابنا يزيد.

(46)و(47) وعامر بن مسلم وسالم مولاه.

(48) وسيف بن مالك.

(49) والأدهم بن أُميّة.

وقُتل من الأنصار:

(50) عمرو بن قرظة.

(51) وعبد الرحمن بن عبد ربّ، من بني سالم بن الخزرج، وكان أمير المؤمنين× ربّاه وعلّمه القرآن.

(52) ونعيم بن العجلان الأنصاري.

(53) وعمران بن كعب الأنصاري.

(54) و(55) وسعد بن الحارث، وأخوه: (أبو) الحتوف بن الحارث، وكانا من المحكمة، فلمّا سمعا أصوات النساء والصبيان من آل رسول الله|، حكما، ثمّ حملا بأسيافهما، فقاتلا مع الحسين× حتىٰ قُتلا، وقد أصابا في أصحاب عمر بن سعد ثلاثة نفر.

وقُتل من بني الحارث بن كعب:

(56) الضباب بن عامر.

وقُتل من بني خثعم:

(57) عبد الله بن بشر الأكلة.

(58) وسويد بن عمرو بن المطاع، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.

وقُتل:

(59) بكر بن حيّ التيملي، من بني تيم الله بن ثعلبة.

(60) وجابر بن الحجاج، مولىٰ عامر بن نهشل من بني تيم الله.

(61) ومسعود بن الحجاج.

(62) وابنه: عبد الرحمن بن مسعود.

وقُتل من عبد الله:

(63) مجمع بن عبد الله.

(64) وعائذ بن مجمع.

وقُتل من طي:

(65) عامر بن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام.

(66) وأُميّة بن سعد.

وقُتل من مراد:

(67) نافع بن هلال الجملي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين×.

(68) و(69) وجنادة بن الحارث السلماني، وغلامه: واضح الرومي.

وقُتل من بني شيبان بن ثعلبة:

 (70) جبلة بن عليّ.

وقُتل من بني حنيفة:

(71) سعيد بن عبد الله.

وقُتل من جواب:

(72) و(73) جندب بن حجير، وابنه: حجير بن جندب.

وقُتل من صيدا:

(74) و(75) عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد، مولاه.

وقُتل من كلب:

(76) و(77) عبد الله بن عمرو بن عياش بن عبد قيس، وألم مولىٰ لهم.

وقُتل من كندة:

(78) الحارث بن امرئ القيس.

(79) ويزيد بن زيد بن المهاصر.

(80) وزاهر، صاحب عمرو بن الحمق، وكان صاحبه حين طلبه معاوية.

وقُتل من بجيلة:

(81) كثير بن عبد الله الشعبي.

(82) و(83)ومهاجر بن أوس، وابن عمّه: سلمان بن مضارب.

وقُتل:

(84) و(85) النعمان بن عمرو، والحلاس بن عمرو الراسبيّان.

وقُتل من خرقة جهينة:

(86) مجمع بن زياد.

(87) وعباد بن أبي المهاجر الجهني.

(88) وعقبة بن الصلت.

وقُتل من الأزد:

(89) مسلم بن كثير.

(90) والقاسم بن بشر.

(91) وزهير بن سليم.

(92) ومولىٰ لأهل شندة يُدعىٰ رافعاً.

وقُتل من همدان:

(93) أبو ثمامة، عمرو بن عبد الله الصائدي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين×، قتله قيس بن عبد الله.

(94) ويزيد بن عبد الله المشرقي.

(95) وحنظلة بن أسعد الشبامي.

(96) وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي.

(97) وعمار بن سلامة الدالاني.

(98) وعابس بن أبي شبيب الشاكري.

(99) وشوذب، مولىٰ شاكر، وكان متقدّماً في الشيعة.

(100) وسيف بن الحارث بن سريع.

(101) ومالك بن عبد الله بن سريع.

(102) وهمام بن سلمة القانصي.

وارتثّ من همدان:

(103) سوار بن حمير الجابري فمات لستّة أشهُر من جراحته.

(104) وعمرو بن عبد الله الجندعي، مات من جراحة كانت به، علىٰ رأس سنة.

وقُتل:

(105) هانئ بن عروة المرادي، بالكوفة، قتله عبيد الله بن زياد.

وقُتل من حضرموت:

(106) بشير بن عمر.

(107) وخرج الهفهاف بن المهنّد الراسبي، من البصـرة، حين سمع بخروج الحسين×، فسار حتىٰ انتهىٰ إلىٰ العسكر بعد قتله، فدخل عسكر عمر بن سعد، ثمَّ انتضـىٰ سيفه، وقال: «يا أُيها الجند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغس عيال محمّد». ثمّ شدّ فيهم.

قال عليّ بن الحسين÷: فما رأىٰ الناس منذ بعث الله محمّداً|، فارساً ـ بعد عليّ بن أبي طالب÷ ـ قتل بيده ما قتل، فتداعوا عليه خمسة نفر، فاحتوشوه، حتىٰ قتلوه، رحمه الله تعالىٰ. ولمّا وصلوا إلىٰ سرادقات الحسين بن عليّ÷ أصابوا عليّ بن الحسين عليلاً مدنفاً، ووجدوا الحسن جريحاً، وأُمّه خولة بنت منظور الفزاري، ووجدوا محمّد بن عمرو بن الحسن بن عليّ غلاماً مراهقاً، فضموهم مع العيال، وعافاهم الله تعالىٰ فأنقذهم من القتل.

فلمّا أُتي بهم عبيد الله بن زياد همَّ بعليّ بن الحسين، فقال له: إنّ لك بهؤلاء حرمة، فأرسل معهن مَن يكفلهن ويحوطهن. فقال: لا يكون أحد غيرك، فحملهم جميعاً.

واجتمع أهل الكوفة ونساء همدان حين خرج بهم، فجعلوا يبكون، فقال عليّ بن الحسين÷: هذا أنتم تبكون! فأخبروني مَن قتلنا؟! فلمّا أُتي بهم مسجد دمشق، أتاهم مروان، فقال للوفد: كيف صنعتم بهم؟! قالوا: ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً، فأتينا علىٰ آخرهم! فقال أخوه عبد الرحمن بن الحكم: حُجبتم عن محمّد| يوم القيامة، والله، لا أجامعكم أبداً. ثمّ قام وانصرف، فلمّا أن دخلوا علىٰ يزيد، فقال: إيه يا عليّ! أجزرتم أنفسكم عبيد أهل العراق؟! فقال عليّ بن الحسين:  (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).  فقال  يزيد :  (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).ثمَّ أمر بهم فأُدخلوا داراً، فهيّأهم وجهّزهم وأمر بتسـريحهم إلىٰ المدينة. وكان أهل المدينة يسمعون نوح الجنّ علىٰ الحسين بن عليّ÷ حين أُصيب، وجنّية تقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهدِ

ومَن يبكي علىٰ الشهداء بعدي

علىٰ رهط تقودهم المنايا

إلىٰ متجبِّر في مُلك عبد

تكملة مقتل الفضيل بن الزبير:

يبدو أنّ الفضيل بن الزبير كان من المهتمين بحفظ وتسجيل النصّ الكربلائي، وقد عثرت علىٰ عدّة روايات مسندة إلىٰ الفضيل ترتبط بكربلاء غير رواية الأمالي الخميسيّة، وقد أحببت أن أجمع تلك الروايات، لتكون بمثابة التكملة لرواية الأمالي.

1ـ في تاريخ دمشق لابن عساكر (ت571هـ) بسنده إلىٰ الفضيل([358]) بن الزبير، قال: «كنت جالساً عند شخص([359])، فأقبل رجل فجلس إليه رائحته رائحة القطران، فقال له: يا هذا، أتبيع القطران؟ قال: ما بعته قط. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: كنت ممَّن شهد عسكر عمر بن سعد، وكنت أبيعهم أوتاد الحديد، فلمّا جنَّ عليّ الليل رقدت فرأيت في نومي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ومعه عليّ، وعليٌّ يسقي القتلىٰ من أصحاب الحسين، فقلت له: اسقني. فأبىٰ، فقلت: يا رسول الله، مُره يسقيني. فقال: ألست ممَّن عاون علينا؟! فقلت: يا رسول الله، والله، ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم، ولكنّي كنت أبيعهم أوتاد الحديد، فقال: يا عليّ، اسقه فناولني قعباً مملوءاً قطراناً فشربت منه قطران، ولم أزل أبول القطران أياماً، ثمّ انقطع ذلك البول عنّي وبقيت الرائحة في جسمي. فقال له السدي: يا عبد الله، كُل من برِّ العراق واشرب من ماء الفرات فما أراك تعاين محمّداً أبداً»([360]).

2ـ وفيه أيضاً: بسنده عن فضيل بن الزبير، عن عبد الرحيم بن ميمون، عن محمّد بن عمرو بن حسن، قال: «كنّا مع الحسين رضي الله عنه بنهري كربلاء، فنظر إلىٰ شمر بن ذي الجوشن، فقال: صدق الله ورسوله، قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) كأنّي أنظر إلىٰ كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي»([361]).

وقد رواه بطريق آخر ينتهي للفضيل أيضاً، وبلفظ متقارب([362]).

3ـ وفي كامل الزيارات: بسنده عن فضيل الرسّان، عن أبي سعيد عقيصا، قال: «سمعت الحسين بن عليّ‘، وخلا به عبد الله بن الزبير وناجاه طويلاً، قال: ثمَّ أقبل الحسين× بوجهه إليهم، وقال: إنّ هذا يقول لي: كن حماماً من حمام الحرم. ولأن أُقتل وبيني وبين الحرم باعٌ أحبُّ إليّ من أن أُقتل وبيني وبينه شبر، ولأن أُقتل بالطفّ أحبّ إليّ من أن أُقتل بالحرم»([363]).

4ـ وفي علل الشرائع: بسنده عن فضيل الرسّان عن جبلة المكيّة، قالت: «سمعت ميثم التمّار (قدّس الله روحه) يقول: والله، لتَقتُل هذه الأُمّة ابن نبيِّها في المحرّم لعشر يمضين منه، وليتّخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالىٰ ذكره، أعلم ذلك بعد عهده إليَّ مولاي أمير المؤمنين×، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتىٰ الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء، ويبكىٰ عليه الشمس والقمر والنجوم، والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات والأرضين، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً.

ثمّ قال: وجبت لعنة الله علىٰ قتلة الحسين×، كما وجبت علىٰ المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر، وكما وجبت علىٰ اليهود والنصارىٰ والمجوس.

قالت جبلة: فقلت له: يا ميثم، فكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي قُتل فيه الحسين× يوم بركة؟ فبكىٰ ميثم (رضىٰ الله عنه) ثمّ قال: يزعمون لحديث يضعونه أنّه اليوم الذي تاب الله فيه علىٰ آدم×! وإنّما تاب الله علىٰ آدم× في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبِل الله فيه توبة داود×! وإنّما قَبِل الله (عزّ وجلّ) توبته في ذيّ الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس× من بطن الحوت! وإنّما أخرج الله (عزّ وجلّ) يونس× من بطن الحوت في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح× علىٰ الجودي! وإنّما استوت علىٰ الجودي يوم الثامن عشـر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله تعالىٰ فيه البحر لبنىٰ إسرائيل! وإنّما كان ذلك في ربيع الأوّل. ثمَّ قال ميثم: يا جبلة، اعلمي أنّ الحسين بن عليّ‘ سيِّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه علىٰ سائر الشهداء درجة، يا جبلة إذا نظرتِ السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيِّد الشهداء الحسين× قد قُتل.

قالت جبلة: فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس علىٰ الحيطان كأنّها الملاحف المصفرّة؛ فصحت حينئذٍ وبكيت وقلت: قد ـ والله ـ قُتل سيِّدنا الحسين×»([364]).

 

خاتمة بأهمّ النتائج

1ـ يُعتبر الفضيل بن الزبير من الشخصيات الكوفيّة التي برزت في بدايات القرن الهجري الأوّل، ولم نستطع تحديد تاريخ دقيق لولادته أو وفاته، إلا أنّ المعطيات المتوفرة تشير إلىٰ ولادته قبل مطلع القرن الهجري الثاني، ووفاته بين عامي (122ـ 148هـ).

2ـ انحدر الفضيل من أُسرة من الأُسّر الّتي تنتمي إلىٰ بني أسد بالولاء، وهي أُسرة الزبير بن عمر بن درهم التي أنجبت عدّة من الأعلام، كالفضيل بن الزبير، وأخيه عبد الله ابن الزبير، وولده محمّد بن عبد الله بن الزبير المعروف بـ (أبي أحمد الزبيري).

3ـ كان الفضيل من الشخصيات العلميّة التي ركّزت علىٰ الجانب الكلامي والعقائدي، كما كان له اهتمام حديثيّ وتاريخيّ، والتأمّل في أُسلوبه وصياغته لكتابه في المقتل، والمصادر التي اعتمد عليها في ذلك يدلّ علىٰ حسٍّ علمي، وبراعة في التأليف يجعلانه في مصاف الأخباريين من الطراز الأوّل.

4ـ كان الفضيل علىٰ مذهب الزيديّة، بل هو من متكلِّميهم وكبرائهم، وكان من أبرز مساعدي زيد الشهيد× في دعوته وثورته.

5ـ كان الفضيل علىٰ صلة طيبة بالإمامين الباقر والصادق÷، وكان يفد عليهما، ويروي عنهما.

6ـ والفضيل معتبر الحديث بحسب المبنىٰ القائل بوثاقة جميع رواة كامل الزيارات، والمبنىٰ القائل بوثاقة جميع رواة تفسير القمّي، والمبنىٰ القائل بكفاية عنونة الراوي في الأُصول الرجاليّة وعدم القدح فيه، وأيضاً يمكن اعتبار حديثه عن طريق التأمّل في القرائن والشواهد الدالّة بمجموعها علىٰ وثاقته كما صنع الجلالي.

7ـ وكتابه في المقتل موجود في كتاب الأمالي الخميسيّة للشجري، ويعود فضل انتشاره في أوساطنا العلميّة إلىٰ العلّامة والمحقق الكبير السيّد محمّد رضا الجلالي كما نبَّهنا.

8ـ كان الفضيل من المهتمّين بحفظ وتدوين النصّ الكربلائي، وهو ما لمسناه في مقتله، وفي نصوص أُخرىٰ مرويّة عنه في هذا الشأن، جمعناها تحت عنوان (تكملة مقتل الفضيل بن الزبير).

الفصل الخامس: مقتل أبي مخنف الأزدي الكوفي أشهر المقاتل الحُسينيّة

الفصل الخامس

مقتل أبي مِخْنَف الأزدي الكوفي (000ـ 157هـ)

أشهر المقاتل الحُسينيّة

 

تقديم

كان أبو مخنف في زمانه شيخ المؤرِّخين في الكوفة، وكان من أشدّ المؤرِّخين اهتماماً بجمع وتدوين أخبار كربلاء، وقد حاول أن يحيط بأدقّ التفاصيل المرتبطة بهذه الواقعة، فشملت أخباره أحداث ووقائع يوم عاشوراء، وما سبقه من إرهاصات وتمهيدات، وما تلاه من أحداث ووقائع السبي.

 وقد روىٰ محمّد باقر القائني في كتابه الكبريت الأحمر: «أنّه أعطىٰ قباءه ـ وهو برد يماني نفيس ـ ثمناً لكتابة أبيات من الشعر منسوبة لسيِّد الشهداء×»([365]).

وهذه الرواية ـ إن صحت ـ تكشف عن حرصه الشديد وتطلّعه إلىٰ التقاط كل شاردة وواردة حول هذه الواقعة.

وكما حاول أبو مخنف أن يحيط بأدقّ تفاصيل أحداث ووقائع كربلاء، فقد
حاول ـ أيضاً ـ أن يستند في عمله إلىٰ المنابع الأُولىٰ المتمثِّلة في الرواة الأوائل الذين عايشوا الأحداث وباشروها، كعقبة بن سمعان مولىٰ الرباب زوجة الحسين×([366])، ودلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين([367])، وجعفر بن حذيفة الطائي([368])، وعقبة بن أبي العيزار([369])، ويحيىٰ ابن هانئ بن عروة المرادي([370])، وغيرهم.

 وإذا تعذّر الاتّصال بالراوي المباشر لعدم معاصرته، أو للبُعد المكاني، كان أبو مخنف يتّصل بمَن اتّصل بالرواة المباشرين (بلا واسطة) كما اتّصل بسليمان بن أبي راشد الأزدي للوصول إلىٰ أخبار حُميد بن مسلم الأزدي([371])، أو (بواسطة) كما أخذ أخبار عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين([372])عن أبي جناب الكلبي عن عدي بن حرملة الأسدي عنهما([373]).

من هنا؛ فقد جاءت روايات مقتل أبي مخنف غنيّة في تفاصيلها وإحاطتها بالجزئيات، مسندة متّصلة موثوقة في مآخذها ومنابعها؛ ولذا أصبح مقتله من أشهر المقاتل الحسينيّة، وأكثرها اعتماداً لدىٰ المؤرِّخين علىٰ مرِّ العصور.

وسنعود سريعاً للحديث عن مقتل أبي مخنف بشيءٍ من التفصيل، ولكن بعد أن نكون قد ترجمنا لأبي مِخْنَف، وحملنا فكرة كافية عن شخصيته.

المبحث الأوّل

ترجمة أبي مخنف

1 ـ اسمه ونسبه وكنيته

هو لـوط بن يحيىٰ بن سـعيد بن مخنـف ـ بكسـر الميم وسكون الخاء وفتح النون ـ بن سليم([374]) ـ بضم السين وفتح اللام وسكون الياء ـ أو سالم([375])، أو سليمان([376])، الأزدي الغامدي (أبو مِخْنَف).

وهو مشتَهر بكنيته (أبو مخنف)، ويُخطأ بعض الخطباء في تلفظ كلمة (مخنف)، والصحيح ما أثبتناه: (بكسر الميم وسكون الخاء وفتح النون) علىٰ وزن (مِنْبَر)، كما ضبطه أئمّة اللغة، وجهابذة علم الأنساب، وفحول فنّ المؤتلف والمختلف.

قال ابن دريد: «مخنف: مِفعل من قولهم: خنَفَ الرجلُ بأنفه، إذا أمالَه من كِبْر. والفرس خانف وخَنُوف، إذا أمالَ رأسَه في جريه أو تقريبه. والخِنَاف: ضربٌ من سير الإبل. والخَنيف: ثوب من كَتّان خشن. والجمع خُنُف، شبيهٌ بالخَيْش. ويُقال: خَنفْتُ الأُتْرُجَّة، إذا قطعتها، والواحد من قَطْعها خَنِيفٌ أيضاً»([377]).

والأزدي: بفتح الألف وسكون الزاي وكسر الدال، نسبةً إلىٰ أزد شنوءة، وهو أزد ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ([378]).

قال الجوهري: «والشَّنُوْءَةُ ـ علىٰ فَعُوْلَةٍ ـ : التقَزُّز وهو التباعد من الأدناس، تقول: رجل فيه شَنُوْءَةٌ، ومنه أزْدُ شَنُوءَةَ وهم حي من اليمن، يُنسب إليهم شَنَئيٌّ، قال ابن السِّكيت: ربما قالوا: أزدُ شَنُوَّةَ ـ بالتشديد غير مَهْمُوزةٍ ـ ويُنسب إليها شَنَوِيٌّ»([379]).

والغامدي: بفتح الغين وكسر الميم والدال، هذه النسبة إلىٰ غامد بطن من الأزد، واسم غامد ـ كما في أُسد الغابة ـ : عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وهو معدود في أهل الحجاز، سكن الطائف([380]).

آل مخنف بن سليم زعماء الأزد في الكوفة:

يبدو أنّ مخنف بن سليم هو أول مَن دخل في الإسلام من أسلاف أبي مخنف، وكانت له صحبة مع رسول الله|، ثمَّ نزل الكوفة بعد ذلك، وهو نقيب الأزديين فيها([381])، وكان في الكوفة جبانة (مقبرة) تُعرف بـ (جبانة مخنف بن سليم)([382]).

وقد عدّه الشيخ في رجاله في طبقة أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب×([383])، بل عدّه ابن داوود من خواص أصحابه([384]).

وكان حامل راية الأزد من أهل الكوفة في وقعة الجمل، وقيل: إنّه قُتل يومئذٍ([385]). ولم يثبت؛ فإنّ الأخبار الدالّة علىٰ حياته بعد وقعة الجمل من الكثرة بحيث يسقط معها هذا القول عن الاعتبار التاريخي، ومنها علىٰ سبيل المثال:

1ـ روىٰ نصر بن مزاحم المنقري: أنّ عليّاً× استعمله علىٰ أصفهان وهمدان بعد الجمل([386]).

 وذكر المنقري أيضاً: أنّه لمّا أراد عليّاً× المسير إلىٰ أهل الشام، كتب إلىٰ عمّاله، فكتب إلىٰ مخنف بن سليم كتاباً، يذكره فيه بفريضة الجهاد، ويُخبره بنيته في المسير إلىٰ أهل الشام، ويصف له فيه ظلم بني أُمّية وانحرافهم عن النهج الإسلامي العادل، وفي آخر الكتاب: «فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف علىٰ عملك أوثق أصحابك في نفسك، وأقبل إلينا، لعلك تلقىٰ هذا العدو المحل، فتأمر بالمعروف وتنهىٰ عن المنكر، وتجامع الحقّ وتباين الباطل، فإنّه لا غناء بنا ولا بك عن أجر الجهاد. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىٰ العظيم...»([387]).

ثمَّ أردف المنقري قائلاً: «فاستعمل مخنفُ علىٰ أصبهان الحارثَ بن أبىٰ الحارث بن الربيع، واستعمل علىٰ همدان سعيدَ بن وهب ـ وكلاهما من قومه ـ وأقبل حتىٰ شهد مع عليٍّ صفِّينَ»([388]).

وذكر الطبري في أحداث سنة 39هـ أنّ معاوية قد بعث النعمان بن بشير في ألفي رجل إلىٰ عين التمر، وبها مالك بن كعب مسلحة لعليٍّ× في ألف رجل، فأذن لهم، فأتوا الكوفة، وأتاه النعمان، ولم يبقَ معه إلّا مائة رجل، فكتب مالك إلىٰ أمير المؤمنين× يخبره بما جرىٰ، فخطب عليٌّ× الناسَ، وأمرهم بالخروج، فتثاقلوا، وواقع مالك النعمان، فأمر مالك أصحابه أن يجعلوا جُدُر القرية في ظهورهم، واقتتلوا.

وكتب إلىٰ مخنف بن سليم يسأله أن يمدّه وهو قريب منه، فوجه إليه ابنه عبد الرحمن ابن مخنف في خمسين رجلاً، فانتهوا إلىٰ مالك وأصحابه، وقد كسـروا جفون سيوفهم، واستقتلوا، فلما رآهم أهل الشام وذلك عند المساء، ظنوا أن لهم مددا فانهزموا([389]).

قال محمّد هادي اليوسفي الغروي ـ بعد أن نقل ما نقلناه وما لم ننقله من الأحاديث الدالّة علىٰ بقاء مخنف بن سليم حيّاً بعد الجمل ـ : «فهذه الأحاديث كلّها تـصرِّح بحياة جدِّه مخنف بن سليم بعد الجمل، بل حتّىٰ بعد صفِّين، فإنّ غارات معاوية إنّما كانت سنة 39 هـ بعد وقعة صفّين 37 هـ، بينما تنفرد تلك الرواية بأنّه قُتل يوم الجمل كما سلف آنفاً، ولم يفطن الطبري لذلك، فلم يعلِّق عليه بشيء، مع تصريحه في (ذيل المذيّل) بحياته إلىٰ سنة 80 هـ»([390]).

ونحن نؤيِّده فيما ذهب إليه من بقاء مخنف بن سليم بعد الجمل، بل حتىٰ بعد صفِّين كما قال، غير أنّنا لا نوافقه علىٰ عدم التفات الطبري إلىٰ ذلك، فإنّ منهج الطبري في تاريخه هو نقل جميع الروايات المختلفة ووجهات النظر المتباينة حول الحادث، بغضِّ النظر عن موافقتها للعقل والفكر، أو عدم موافقتها، وبصـرف النظر عن انسجامها مع الثوابت التاريخيّة أو عدم انسجامها، فعدم تعليق الطبري علىٰ ما شذّ من النقول التاريخيّة هو الموافق للنهج الذي ألزم نفسه السير عليه في مقدِّمة الكتاب حيث يقول: «فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين ممَّا يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنّه لم يعرف له وجهاً في الصحّة، ولا معنىٰ في الحقيقة، فليعلم أنّه لم يؤتَ في ذلك من قبلنا، وإنّما أتىٰ من قِبل بعض ناقليه إلينا، وإنّا إنّما أدّينا ذلك علىٰ نحو ما أُدّي إلينا»([391]).

أمّا في منتخب ذيل المذيَّل، فلم يظهر منه أنّه يسير علىٰ نفس المنهج، بل الظاهر خلافه، وأنّ الآراء الموجودة فيه تمثِّل مختارات الطبري ممَّا قيل في وفيات الصحابة والتابعين.

وعليه؛ فلا منافاة بين تصريح الطبري في منتخب ذيل المذيَّل بحياته إلىٰ سنة 80هـ، وبين نقله لخبر مقتله في يوم الجمل في تاريخه، ما دام لكلٍّ من الكتابين منهجه الخاصّ وأُسلوبه المتميِّز.

وقد انفرد ابن حجر (ت852هـ) فذكر أنّ مخنف بن سليم كان ممَّن خرج مع سليمان ابن صرد في وقعة عين الوردة، وقُتل بها سنة 64هـ([392])، ونحن نستبعد هذا الخبر ونشكك به لسببين:

1ـ إنّ ابن حجر لم يعيِّن لنا المصدر الذي استقىٰ منه هذا الخبر، وقد تتبّعنا كتب قدامىٰ الأخباريين والمؤرِّخين، فلم نعثر له علىٰ قائل قبل ابن حجر.

2ـ إنّ مخنف بن سليم لم يكن شخصاً عادياً من عامّة المجتمع، وإنما كان زعيم الأزديين في الكوفة، وأحد رجالات الشيعة البارزين، ولو كان حاضراً في معركة عين الوردة، وقُتل بها كما زعم ابن حجر، لذكر ذلك المؤرِّخون الذين رووا أحداث ووقائع هذه المعركة.

وكان لمخنـف بن سـليم ـ علىٰ ما ذكره الطبري ـ إخوة ثلاثة يُقال لأحدهم: عبد شمس، قُتل يوم النخيلة، والصقعب، وعبد الله، قُتلا يوم الجمل([393]).

ومن أبرز أولاد مخنف بن سليم عبد الرحمن بن مخنف، زعيم الأزديين في الكوفة، وأبرز قيادات الكوفة في زمانه، وكان إلىٰ جانب أبيه مع أمير المؤمنين× في حربه ضدّ أهل الشام([394])، إلّا أنّه تحوّل بعد ذلك إلىٰ الخطّ المعادي للعلويين، فعندما خرج المختار وقف عبد الرحمن ضدّه مع عبد الله بن مطيع، وكان في ليلة خروج المختار متمركزاً مع اتباعه في جبانة (مقبرة) مراد([395]).

وحينما سار إبراهيم بن مالك الأشتر يريد الموصل، وتواطأ أهل الكوفة عَلَىٰ حرب المختار، كان عبد الرحمن ممَّن خرج ضدّه([396]).

وقبيل حدوث وقعة المذار ـ التي وقعت بين أنصار المختار بقيادة أحمر بن شميط وأنصار مصعب بن الزبير بقيادة المهلب بن أبي صفرة ـ دعا مصعب بن الزبير عبد الرحمن ابن مخنف، فقال له: ائت الكوفة مستخفياً حتىٰ تُخرِج إليّ مَن استطعت إخراجه، وخذّل الناس عن المختار، فمضىٰ حتىٰ نزل منزله سرّاً فلم يظهر([397]).

وفي زمان عبد الملك بن مروان، وفي سنة75هـ ناهض عبد الرحمن بن مخنف والمهلب ابن أبي صفرة الأزارقة برامهرمز بكتاب الحجاج إليهما لعشر بقين من شعبان، فأجْلَوهم عن رامهرمز من غير قتال شديد، وخرج القوم كأنّهم علىٰ حامية، حتىٰ نزلوا سابور بأرض منها يُقال لها: كازرون. وسار المهلّب وعبد الرحمن بن مخنف حتىٰ نزلوا بهم في أول رمضان، فخندق المهلّب عليه، فذكر أهل البصرة أنّ المهلّب قال لعبد الرحمن بن مخنف: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل، وإنّ أصحاب عبد الرحمن أبوا عليه، وقالوا: إنّما خندقنا سيوفنا وإن الخوارج زحفوا إلىٰ المهلّب ليلاّ ليبيتوه، فوجدوه قد أخذ حذره، فمالوا نحو عبد الرحمن بن مخنف فوجدوه لم يخندق، فقاتلوه، فانهزم عنه أصحابه، فنزل فقاتل في أُناس من أصحابه فقُتل، وقُتل أصحابه حوله ([398]).

وأمّا سعيد بن مخنف الجدّ المباشر للوط، فلم أعثر له علىٰ ذكر عدا وروده في سلسلة نسب أبي مخنف، علىٰ أنّ بعض المصادر قد أسقطته من سلسلة نسب أبي مخنف وذكرت نسبه هكذا: (لوط بن يحيىٰ بن مخنف)([399])، فجعلت مخنف الجدّ المباشر للوط.

وأمّا يحيىٰ والد لوط، فلم أجد له ترجمة خاصّة، ولم أعرف عنه شيئاً سوىٰ عدِّ الطوسي له في طبقة أصحاب أمير المؤمنين×([400])، وقول ابن شهر آشوب في معالم العلماء: إنّه من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين^([401]).

وهذا يعني أنّ ولادته كانت قبل عام40هـ، بفترة تؤهِّله لتلقّي الحديث عن أمير المؤمنين× المستشهَد في هذا العام، وأنّه كان حيّاً بعد سنة 50هـ، وهي السنة التي توفِّي فيها الإمام الحسن×.

وممّا ينبغي أن يُشار إليه: أنّ جلّ مَن ترجم لمخنف بن سليم أشار إلىٰ أنّ من وُلده (أبو مخنف) لوط بن يحيىٰ صاحب الترجمة، ممّا يدلل علىٰ أنّه أشهر شخصية في هذا البيت.

2 ـ ولادته ونشأته

لُقِّب أبو مخنف بـ (الكوفي) في عدّة مصادر([402])، وما ذلك إلّا لكونه كوفي المولد، ولا نقاش في ذلك، كما لا نقاش في كونه نشأ وتعلّم في الكوفة أيضاً، كما يشهد بذلك التأمّل في كثرة مشايخه وأساتذته من أهل الكوفة، وإنّما ينحصر الكلام في زمان ولادته؛ إذ لا يوجد نصّ يُعتمد عليه في تحديدها، وإنّما يتوّفر في أيدينا معطيان تاريخيان نستطيع أن نستنتج في ضوئهما أنّ ولادته كانت في بداية أربعينيات القرن الهجري الأوّل، وهما:

المُعطىٰ الأوّل: قد مرّ علينا أنّ والده يحيىٰ كان من أصحاب أمير المؤمنين×
ـ بحسب الطوسي وابن شهر آشوب ـ وقد قال الطوسـي عن أبي مخنف أنّه «لم يلقَ أمير المؤمنين×»([403])، فقد نفىٰ اللقاء الذي هو أعمّ من تلقّي الحديث، وهذا يعني أنّ أبا مخنف لم يكن قد وُلِد في حياة أمير المؤمنين×، وإنّ ولادته كانت بعد عام40هـ الذي هو عام مقتله×.

المعطىٰ الثاني: عرفنا الآن أنّ أبا مخنف قد وُلِد بعد عام 40هـ، ونقول الآن: إنّه قد وُلِد قبل عام 50هـ، فهذا هو المنسجم مع ذكره في طبقة أصحاب الحسن×([404]) المتوفّىٰ في هذا العام، فإذا عرفنا أنّ عدّ الشخص من أصحاب الإمام× معناه أنّه قد سمع حديثه ووعاه، فلا بدّ لنا أن نفترض أنّ ولادة أبي مخنف كانت في بداية الأربعينيات: 41أو42أو43هـ مثلاً؛ لكي يكون صبياً مميِّزاً علىٰ أقل تقدير في نهايات حياة الإمام الحسن×.

ويمكن أن ندعم هذا الرأي ونؤكِّده بأمرين:

الأمر الأوّل: إنّ هذا الرأي ينسجم مع إدراك أبي مخنف لعددٍ من رواة الطفّ المباشرين، ونقله عنهم بلا واسطة، كعقبة بن سمعان، ودلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين وغيرهما.

الأمر الثاني: إنّ هذا الرأي ينسجم مع كون المشهور في وفاة أبي مخنف هو عام 157هـ كما سيأتي في آخر الترجمة، فإنّ عمره سيكون حين وفاته 120سنة أو أقل بقليل، وليس في هذا شذوذ أو مخالفة للمألوف من معدل الأعمار في تلك الأزمان.

3 ـ مكانته العلميّة وطبقته ومصنّفاته

 يُعدّ أبو مخنف من كبار الأخباريين والمؤرِّخين الأوائل الذين سارعوا إلىٰ كتابة التاريخ الإسلامي، وقد تركّز نشاطه علىٰ تاريخ العراق بصورة خاصّة، كما انصبّت جهوده علىٰ الأحداث التي وقعت بعد رحيل النبي| إلىٰ أواخر العهد الأُموي.

قال ابن النديم: «قرأت بخطِّ أحمد بن الحارث الخزّاز، قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها يزيد علىٰ غيره، والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدي بالحجاز والسيرة، وقد اشتركوا في فتوح الشام»([405]).

وأخبار العراق وفتوحها هو تعبير آخر عن تاريخ التشيُّع؛ إذ ارتبط التشيُّع منذ بدايات وجوده ـ كقوّة اجتماعيّة ـ بالعراق، ومن هنا قال فلهاوزن: «وأبو مخنف هو أَثْبَتُ حجّة... في تاريخ الشيعة طالما اتّصل بالكوفة، والطبري يكاد لا يعتمد علىٰ غيره في ذِكر أخبارهم وما أطولها»([406]).

وقد تركّزت جهود أبي مخنف علىٰ جمع وتدوين أخبار الكوفة بنحو خاصٍّ، حتىٰ وصفه النجاشي بكونه «شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم»([407])، والكوفة كانت آنذاك مركز التشيُّع وجمجمة العراق، وحينما يكون أبو مخنف شيخ مؤرِّخيها فإنّه يعني أنّه شيخ مؤرِّخي أهل العراق بشكل عام، أو يكون من كبار مؤرِّخي العراق علىٰ أقل تقدير.

إلّا أنّه ممَّا ينبغي أن يشار إليه: أنّ علاقة أبي مخنف بالتشيّع ربما تكون علاقة علميّة، وليست روحية، وإذا ما قيل: إنّه (من مؤرِّخي الشيعة). فقد يكون المقصود أنّه من المهتمّين بتاريخ الشيعة وجمع أخبارهم، وليس بالضرورة أن يكون المقصود من هكذا عبارة أنّه كان شيعيّاً بالمعنىٰ الخاصّ للتشيّع.

أمّا طبقة أبي مخنف، فلا يمكن ضبطها من خلال ملاحظة أساتذته وشيوخه؛ إذ اختلف في ذلك اختلافاً كبيراً، فقد عدَّه الكشـي في طبقة أصحاب الإمام عليّ×، ونفىٰ الطوسي ذلك([408])، وأثبت صحبته للحسنين÷([409])، ونفىٰ النجاشي أن تكون له صحبة مع الإمام الباقر× فضلاً عمَّن سبقه من أئمّة أهل البيت^، وعدّه من أصحاب الإمام الصادق×([410]).

وعليه؛ فلا يمكن أن نضبط طبقة أبي مخنف من خلال أساتذته وشيوخه مع الاختلاف المشار إليه، والقدر المتيقن أنّه من طبقة أصحاب الإمام الصادق×، مع احتمال أن يكون من طبقة أقدم، وإنّما يمكن تحديد طبقته من خلال ملاحظة الآخذين عنه والمتتلمذين علىٰ يديه، ومنهم:

1ـ أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي (ت204 أو 206هـ)، النسّابة المشهور([411])، وهو الراوي لمقتله كما سنبيِّن.

2ـ أبو الفضل نصر بن مزاحم بن سيار المنقري (ت212هـ)([412])، صاحب كتاب وقعة صفِّين، وقد أخطأ ابن النديم في عدِّ نصر بن مزاحم من طبقة أبي مخنف([413]).

3ـ أبو الحسن عليّ بن محمّد المدائني (ت225هـ)، المؤرِّخ المعروف([414]).

فهؤلاء الثلاثة هم من كبار الأخباريين والمؤرِّخين الذين برزوا في نهايات المائة الثانية وبدايات المائة الثالثة، وهم من تلاميذ أبي مخنف؛ فيكون أبو مخنف في الطبقة التي فوقهم، مع أنّه لا مانع من أن يندرج في طبقات أعلىٰ أيضاً لو احتملنا طول عمره، وأنّه قد وُلِد في خمسينيات القرن الهجري الأوّل، كما احتملنا ذلك عند الحديث عن ولادته ونشأته.

وقد صنّف أبو مخنف كُتباً كثيرة يطول تعدادها، وقد ذكرها النجاشي في رجاله([415])، وابن النديم في فهرسه([416])، والحموي في معجمه([417])، والصفدي في وافيه([418])، منها: كتاب المغازي، كتاب السقيفة، كتاب الردّة، كتاب فتوح الإسلام، كتاب فتوح العراق، كتاب فتوح خراسان، كتاب الشورىٰ، كتاب قتل عثمان، كتاب الجَمَل، كتاب صفّين، كتاب النهر، كتاب الحكمين، كتاب الغارات، كتاب مقتل أمير المؤمنين×، كتاب قتل الحسن×، كتاب قتل الحسين×، كتاب مقتل حجر بن عدي، كتاب أخبار زياد، كتاب أخبار المختار، كتاب أخبار الحجاج، كتاب أخبار مطرف بن المغيرة بن شعبة، كتاب أخبار آل مخنف بن سليم، كتاب أخبار الحريث بن أسد الناجي وخروجه.

وكُتُب أبي مخنف قد أُبيدت عن بكرة أبيها، ولم يتبقَّ منها سوىٰ ما نقلته الموسوعات التاريخيّة المتأخّرة عن عصـر أبي مخنف، كموسوعة تاريخ الأُمم والملوك للطبري (ت310هـ) التي نقلت عن أبي مخنف ما ينيف علىٰ (٥٠٠) رواية في موضوعات مختلفة، حيث تحتلّ الروايات التي تتحدّث عن عهد خلافة الإمام عليّ× المرتبة الأُولىٰ، فقد بلغت (١٢٦) رواية، تعقبها (١١٨) رواية حول حادثة كربلاء، و(١٢٤) رواية تناولت ثورة المختار([419]).

وقد حاول العديد من الباحثين والمحقّقين إحياء تراث أبي مخنف من خلال استخراج مروياته من بطون المدوّنات التاريخيّة، كمحاولة حسن الغفاري ومحمّد هادي اليوسفي الغروي في إحيائهما كتاب مقتل الحسين× لأبي مخنف، حيث كتب الأوّل مقتل الحسين×، وكتب الآخر وقعة الطفّ، وكلاهما متّخذان من تاريخ الطبري، ومحاولة جليل تاري في كتابه (حقائق السقيفة في دراسة رواية أبي مخنف) الذي حاول فيها إحياء كتاب السقيفة علىٰ ما يبدو، ومحاولة الباحث السعودي يحيىٰ اليحيىٰ في دراسته المسماة بـ (عصـر الخلافة الراشدة)، والتي حاول أن يدرس فيها ـ دراسة نقديّة ـ مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري والمختصّة بهذه الحقبة.

4 ـ مذهبه ومعتقده

إنّ التأمّل في مرويات أبي مخنف، وما نقله من فضائل ومحاسن أهل البيت^، ومثالب وقبائح أعدائهم، وتركيزه البالغ علىٰ تاريخ التشيُّع هو الذي قاد بعض الباحثين والمحقّقين إلىٰ القول بإماميّته.

كما أنّ التأمّل في مرويات أُخرىٰ لأبي مخنف تتقاطع مع الإيمان بعصمة الأئمّة^ هو الذي أرغم بعض الباحثين والمحقّقين علىٰ التوقّف عن القول بإماميّته([420]).

والذي يبدو لي ـ بعد الوقوف طويلاً علىٰ هذا الموضوع ـ أنّ أبا مخنف لم يكن إماميّاً، وإنّما كان شيعيّاً بالمعنىٰ العام للتشيُّع، والمساوي للميل والمودّة الشديدة لأهل البيت^، وهذا ما صرّح به ابن أبي الحديد المعتزلي (ت655هـ) بقوله: «وأبو مخنف من المحدِّثين، وممَّن يرىٰ صحّة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها»([421]).

وهذا الكلام ذكره ابن أبي الحديد بعد أن نقل عن أبي مخنف أشعاراً وأراجيز تضمّنت بأنّ عليّاً× وصي رسول الله|، ومن المعلوم أنّ الوصيّة لديهم لا تساوي الاستخلاف.

 قال ابن أبي الحديد: «أمّا الوصيّة، فلا ريب عندنا أنّ عليّاً× كان وصي رسول الله| وإن خالف في ذلك مَن هو منسوب عندنا إلىٰ العناد ولسنا نعني بالوصية النصّ والخلافة، ولكن أُموراً أُخرىٰ لعلّها إذا لمحت أشرف وأجل»([422]).

من هنا؛ فإنّ تعجُّب المامقاني من نفي ابن أبي الحديد لإماميّة أبي مخنف في غير محلّه، حينما قال: «والعجب العجاب أنّ ابن أبي الحديد نطق بما سمعت، بعد أن روىٰ أشعاراً في أنّ عليّاً× وصيّ رسول الله|»([423]).

إذ لا منافاة بين القول بالوصيّة وبين القول بأنّ صحّة الإمامة بالاختيار بحسب تفسير القوم لمفهوم الوصيّة.

والقول بعامّية أبي مخنف هو ما يظهر من الشيخ المفيد (ت413هـ) أيضاً في كتابه الجَمَل، فبعد أن نقل أخبار الجَمَل عن أبي مخنف وغيره من المؤرِّخين قال: «فهذه جملة من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها، قد أوردناها علىٰ سبيل الاختصار، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامّة دون الخاصّة، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة»([424]).

والشيخ المفيد من متقدِّمي علمائنا، وهو أخبر بحال أبي مخنف، ومن المرجَّح أنّه استند في الحكم بعامّيته علىٰ شواهد حِسِّية، وليست حَدسيّة.

ويمكن تأكيد هذا الرأي ودعمه بعدّة قرائن وإن كانت جميعاً قابلةً للنقاش:

القرينة الأُولىٰ: قد يُستدلّ علىٰ عدم تشيُّع أبي مخنف بالمصطلح الخاصّ للتشيُّع بندرة روايته عن الأئمّة^، مع معاصرته لأربعة منهم، هم: السجّاد، والباقر، والصادق، والكاظم^.

«وهذا ممّا قد يدلّنا علىٰ أنّه لم يكن شيعيّاً، ومن صحابة الأئمّة^ بالمعنىٰ المصطلح الشيعي الإمامي الذي يعبّر عنه العامّة، بـ (الرافضي)، وإنّما كان شيعيّاً في الرأي والهوىٰ كأكثر الكوفيّين، غير رافض لمذهب عامّة المسلمين آنذاك»([425]).

ولكن هذه القرينة قابلة للنقاش، فإنّ ندرة الرواية عن الأئمّة^ ليست بالضـرورة مباينة للتشيُّع بالمصطلح الخاصّ له، كما أنّ كثرة الرواية عنهم^ ليست مساوية له أيضاً، وإنّما الصحيح أنّ النسبة بين ندرة الرواية وعدم التشيُّع هي (العموم والخصوص من وجه)، فقد يكون الراوي مقلاً وهو من الشيعة بالمصطلح الخاص، وقد يكون الراوي مكثراً وهو ليس منهم، والنماذج علىٰ ذلك كثيرة يمكن استخراجها بسهولة من كُتُب الرجال.

القرينة الثانية: قال اليوسفي الغروي: «وقد يكون ممّا يؤيد هذا [يعني كونه غير إمامي]: أنّ أحداً من العامّة لم يرمه بالرفض، كما هو المعروف من مصطلحهم: أنّهم لا يقصدون بالتشيُّع سوىٰ الميل إلىٰ أهل ‏البيت^، وأمّا مَن علموا من أتّباع أهل البيت^ في مذهبه، فإنّهم يرمونه بالرفض لا التشيّع فحسب، وهذا هو الفارق في مصطلحهم بين الموردين»([426]).

ويمكن أن يناقش في ذلك من جهتين:

الجهة الأُولىٰ: إنّ قوله: «أنّ أحداً من العامّة لم يرمه بالرفض». غير تام، فقد وصفه الذهبي بذلك في كتابه تاريخ الإسلام، فقال: «أبو مخنف الكوفي الرافضـي الأخباري صاحب هاتيك التصانيف»([427]).

الجهة الثانية: أنّ تفسيره للتشيُّع ـ عند العامّة ـ بالميل إلىٰ أهل البيت^ غير دقيق، والصحيح أنّ التشيُّع في اصطلاحهم: تارة: يُستخدم بمعنىٰ الميل إلىٰ أهل البيت^، وهذا لا يؤدّي إلىٰ ردِّ الرواية لديهم، وأُخرىٰ: يُستخدم بما يساوي الإيمان بالإمامة، وهذا ما يُطلق عليه أيضاً بالرفض، وهو ما يؤدّي إلىٰ ردِّ الرواية عندهم.

ويمكن القول: إنّ إطلاق لفظة (الشيعي) علىٰ أبي مخنف هي بالمعنىٰ الثاني دون الأوّل، وذلك لعدّة شواهد:

الشاهد الأوّل: إنّ ابن عدي قبل أن يصف أبا مخنف بكونه (شيعيّاً) قدّم هذه العبارة: «حدَّث بأخبار مَن تقدّم من السلف الصالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم»، ثمَّ قال بلا فصل: «وهو شيعي محترق»([428])، فإنّ الدليل لديهم علىٰ تشيُّعه هو تناوله لسلفهم ونقله لمخازيهم ومثالبهم، فهذا شاهد علىٰ أنّ تشيّعه بمعنىٰ الرفض لا الميل.

الشاهد الثاني: لو كان تشيُّعه بمعنىٰ الميل لما أدّىٰ ذلك إلىٰ ردِّ روايته، مع أنّهم أجمعوا علىٰ ردِّها، فيشهد هذا علىٰ أن تشيّعه بمعنىٰ الرفض.

الشاهد الثالث: ما نقلناه من وصف الذهبي له بـ (الرافضي)؛ فإنّه قرينة علىٰ أنّ مراد أسلافه من تشيُّع أبي مخنف هو التشيُّع بمعنىٰ الرفض لا مجرَّد الميل.

القرينة الثالثة: قال التستري: «ولم يذكره [أي: لم يذكر أبا مخنف] ابن قتيبة وابن النديم في الشيعة مع عقد باب في كتاب كلّ منهما للشيعة، ولو كان إماميّاً لأشار إليه أحدهم، بل ظاهر سكوتهم عامّيته»([429]).

وهذه القرينة لا تصمد أمام النقاش أيضاً لمَن خَبُر منهجي ابن قتيبة وابن النديم في كتابيهما المعارف والفهرست، فإنّهما لم يقسِّما أبحاث كتابيهما تقسيماً منطقياً يمنع من تداخل الأقسام، فليس هناك أساس واحد قُسّمت علىٰ ضوئه المباحث، كما أنّهما لم يقصدا إلىٰ الاستيعاب في كلّ قسم.

فلو أتينا إلىٰ كتاب المعارف لابن قتيبة لوجدنا أبا مخنف مذكوراً في باب (النسّابون وأصحاب الأخبار)([430])، ثمَّ بعد ذلك دخل في تعداد الفِرَق وذكر من ضمن الفِرَق (الشيعة)، وذكر (42) رجالاً ممَّن يُحسبون علىٰ التشيُّع([431])، وأهمل العديد من الشخصيات المعاصرة لهؤلاء المذكورين، فهل يُعدّ إهمالهم قرينة علىٰ عدم تشيُّعهم؟!

وحينما نأتي إلىٰ كتاب الفهرست لابن النديم نجده قد قسّم كتابه إلىٰ عشـر مقالات، وجعل المقالة الثالثة (في أخبار الأخباريين والنسّابين وأصحاب الأحداث والآيات)، وقسّمها إلىٰ ثلاثة فنون، فجعل الفنّ الأوّل (في أخبار الأخباريين والنسّابين وأصحاب السير والأحداث وأسماء كتبهم)، بغض النظر عن اتّجاهاتهم وميولهم العقديّة والمذهبيّة، ثمَّ ذكر (أبا مخنف) كأحد أعمدة هذا الفنّ([432]).

ولم يخصّص ابن النديم بعد ذلك باباً خاصّاً بعلماء الشيعة بمختلف تخصّصاتهم في العلوم، لكي يكون إهمال أبي مخنف وعدم ذكره في هذا الباب قرينة علىٰ عدم تشيُّعه كما زعم التستري، وإنّما خصّص الفنّ الثاني من المقالة الخامسة (في أخبار متكلِّمي الشيعة والإماميّة والزيديّة)، ثمَّ خصّص الفنّ الخامس من المقالة السادسة (في أخبار فقهاء الشيعة وأسماء كتبهم)([433]).

ومن المعلوم أنّ أبا مخنف ليس من حملة هذين الفنّين؛ لكي يكون إهماله مؤشِّراً علىٰ عدم تشيُّعه.

وهناك قرائن أُخرىٰ يمكن أن يُستفاد منها عدم إماميّة أبي مخنف صرفنا النّظر عنها خوفاً من الإطالة.

وخلاصة القول في مذهب أبي مخنف ومعتقده: أنّه كان شيعيّاً بالمعنىٰ العام للتشيُّع، وأمّا إماميّته فلم يقم عندنا دليل قاطع عليها، ولم يصرِّح بها أحدٌ من علمائنا المتقدِّمين.

5 ـ وثاقته وعدالته

بالرغم من الخلاف الذي أشرنا إليه حول مذهب أبي مخنف ومعتقده، غير أنّ الطائفة تكاد تتّفق كلمة رجاليّيها علىٰ قبول مرويات أبي مخنف الفقهيّة، فضلاً عن التاريخيّة.

ولعل الأصل في ذلك هو قول شيخ الرجاليين النجاشي فيه: «أبو مخنف شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يُسكن إلىٰ ما يرويه»([434]).

وهذا الذي قاله النجاشي يوافقه عليه أغلب الرجاليين، كالعلّامة الحلّي(ت726هـ) في خلاصة الأقوال([435])، والتفرشي في نقد الرجال([436])، والسيِّد عليّ البروجردي (ت1313هـ) في طرائف المقال([437])، والسيد الخوئي في معجم رجال الحديث([438])، وعبد الحسين الشبستري في أصحاب الإمام الصادق×([439]).

فجميع هؤلاء وغيرهم قد نعتوه بما نعته به النجاشي في قوله: «وكان يُسكن إلىٰ ما يرويه»، ومع أنّ شيخ الطائفة قد أهمل أبا مخنف، ولم يحكم عليه بجرح ولا تعديل، غير أنّ ذلك لم يمنع أغلب الرجاليين من متابعة رأي النجاشي فيه، وذلك لسببين:

السبب الأوّل: إنّ الطوسي وإن لم يوثِّق أبا مخنف إلّا أنّه لم يطعن به أيضاً، ولم يقل أنّه مجهول الحال، والمهمل غير المجهول الذي صرّح علماء الرجال بجهالة حاله، فالمهمل لا توصف روايته بضعف أو صحّة أو توثيق أو حسن ما لم تتبيَّن حاله من جهة تتبّع القرائن والمؤشِّرات، وقد كان ابن داود يعمل بخبر المهمل كما يعمل بخبر الممدوح([440]).

السبب الثاني:لو تنزّلنا وقلنا: بأنّ سكوت الطوسي يُعدّ جرحاً بأبي مخنف، فإنّنا في هذه الحالة سنقدِّم رأي النجاشي علىٰ رأي الشيخ أيضاً؛ وذلك لاتّفاقهم علىٰ تقديمه عند المعارضة، «بل الظاهر منهم تقديم قوله، ولو كان ظاهراً علىٰ قول غيره من أئمّة الرجال في مقام المعارضة في الجرح والتعديل، ولو كان نصّاً»([441]).

قال الشهيد الثاني: «وظاهر حال النجاشي أنّه أضبط الجماعة، وأعرفهم بحال الرجال»([442]).

وقـال حفيـده الشيخ محمّد بن الشـيخ حسـن بن الشـهيد الثاني ـ بعد ذكر كلامي النجاشي والشيخ في (سماعه) ـ : «... والنجاشي يُقدّم علىٰ الشيخ في هذه المقامات، كما يُعلم بالممارسة»([443]).

وقال الميرزا محمّد الأسترآبادي ـ في ترجمة سـليمان بن صالح الجصّاص ـ: «ولا يخفىٰ تخالف ما بين طريقي الشيخ والنجاشي، ولعل النجاشي أثبت»([444]).

بقيت نكتة مهمّة ينبغي أن يُشار إليها: وهي أنّ عبارة «وكان يُسكن إلىٰ ما يرويه». تُعَدُّ من ألفـاظ المدح من المرتبة الثانية عند الدرائيين([445])، والمعروف عند الرجاليين والدرائيين
ـ منّا ـ أنّ الراوي الممدوح تُعتبر مروياته من قسم الحسن إن كان إماميّاً، وأمّا إذا كان علىٰ غير نهج الإماميّة، فإنّ المدح الوارد فيه لا يؤثِّر في قيمة مروياته مهما كانت مرتبة المدح، ولا يُخرجـها من دائـرة الضـعيف إلىٰ دائرة المعتـبر، نعم، يمكن أن نعدَّ المدح ـ إذا ورد في غـير الإماميّ ـ كقرينة من القرائن التي يمكن أن تنضمّ إليها قرائن أُخرىٰ توصلنا إلىٰ الاطمئنان بوثاقته. هذا كلّه في رجالنا.

وأمّا أهل السنّة، فقد أجمع أئمّة الرجال منهم علىٰ تضعيفه وترك روايته.

قال يحيىٰ بن معين: «ليس بثقة»، وقال مرّة: «ليس بشـيء»، وقال أبو حاتم الرازي: «متروك الحديث»، وقال الدارقطني: «ضعيف»([446]).

وقال ابن عدي ـ بعد أن نقل رأي يحيىٰ بن معين في أبي مخنف ـ : «وهذا الذي قاله ابن معين يوافقه عليه الأئمّة؛ فإنّ لوط بن يحيىٰ معروف بكنيته وباسمه. حدَّث بأخبار مَن تقدَّم من السلف الصالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم، وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم...»([447]).

وبهذا يتّضح السبب الذي تركوا حديث أبي مخنف من أجله، وهو ميله ومودّته لأهل البيت^ من جانب، ونقله لمثالب ومخازي أعدائهم من جانب آخر.

ومع هذا الإعراض عن مرويات أبي مخنف فيما يخصّ الفقه والعقيدة، غير أنّهم قد اعتمدوا عليه اعتماداً منقطع النظير في مروياته التاريخيّة، لا سيما الطبري الذي شحن موسوعته التاريخيّة الكبرىٰ بمرويات أبي مخنف.

قال عنه ابن الأثير: «وهو أحد أئمّة هذا الشأن»([448])، وقال عنه أيضاً: «وقد كان شيعيّاً، وهو ضعيف الحديث عند الأئمّة، ولكنّه أخباري حافظ، عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره، ولهذا يترامىٰ عليه كثير من المصنِّفين في هذا الشأن ممَّن بعده»([449]).

6 ـ وفاته

 توفّي أبو مخنف سنة (157هـ) كما في تاريخ مولد العلماء ووفياتهم للربعي (ت279هـ)([450])، ومعجم الأُدباء للحموي (ت626هـ)([451])، وسير أعلام النبلاء([452])، وتاريخ الإسلام([453]) للذهبي (ت748هـ)، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي (ت764هـ)([454])، والذريعة للطهراني (ت1389هـ)([455])، والأعلام لخير الدين الزكلي الدمشقي (ت1396هـ)([456])، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة (ت1408هـ)([457])، وغير ذلك من مصادر ومراجع.

ولعلّ الجميع قد نهلوا هذا القول من مصدر واحد، وهو تاريخ مولد العلماء ووفياتهم للربعي (ت279هـ)؛ نظراً لكونه أقدم مَن صرَّح بهذا القول بحسب تتبّعنا للمصادر والمراجع التي تعرَّضت لوفاة أبي مخنف.

وفي قبال هذا القول يوجد قولان ضعيفان وغير مشهورين:

القول الأوّل: إنّه توفِّي قبل سنة (170هـ)، وهو قول الذهبي في ميزان الاعتدال([458])، ويلاحظ عليه:

1ـ إنّه لم يذكر الحادثة التي بسببها استنتج كون وفاته قبل سنة (170هـ)، وهذا الإشكال لا يرد علىٰ أصحاب القول الأوّل؛ لأنّهم قد استندوا إلىٰ قول الربعي المتوفَّىٰ عام 279هـ، وهو يحكم عن حسٍّ لا عن حَدس، فإنّه لا يفصله عن أبي مخنف سوىٰ طبقة واحدة، فهو من طبقة تلاميذ تلاميذ أبي مخنف، أو قُل هو من أقران أحفاده، بخلاف الذهبي (ت748هـ)، الذي يفصله عن أبي مخنف قرابة خمسة قرون.

2ـ إنّه مخالف لما اشتُهر من كون وفاته سنة (157هـ)، بل هو مخالف لما ذهب إليه الذهبي نفسه في سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام كما مرّ.

القول الثاني: إنّه توفّي سنة (175هـ)، ذكر ذلك إسماعيل باشا بن محمّد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (ت1339هـ)، ولم يُشر إلىٰ مستنده في هذا القول، ولولا أنّه قد أكَّد علىٰ ذلك ثلاث مرّات، مرّتين في إيضاح المكنون([459])، ومرّة واحدة في هدية العارفين([460])، ولولا أنّه قد ذكر ذلك (رقماً وكتابةً) في المواضع الثلاث، لولا ذلك لقلنا: بحصول تصحيف للتشابه الكبير بين الرقم (175) والرقم (157).

المبحث الثاني

كتاب مقتل الحسين × لأبي مخنف

والحديث حول مقتل أبي مخنف حديث ذو شجون، والإحاطة به من جميع الجهات يحتاج إلىٰ بحث مستقلّ ودراسة مفردة؛ ولذا سنحاول أن نتحدّث بإيجاز عن عدّة أُمور أساسية ورئيسة حول هذا المقتل:

الأمر الأوّل: أنّه لا ريب ولا شبهة في أنّ أبا مخنف قد كتب كتاباً حول واقعة الطفّ أسماه مقتل أو قتل الحسين×.

فقد ذكره ابن النديم (ت428هـ) في قائمة كتبه، وذكر أنّ اسمه (مقتل الحسين×)([461])، ولعلّ ابن النديم هو أقدم مَن نصَّ علىٰ وجود كتابٍ لأبي مخنف في مقتل الحسين×.

وذكره النجاشي (ت450هـ) كذلك في قائمة مصنَّفاته، وذكر أنّ اسمه (قَتْل الحسين×)، ثمَّ ذكر طريقه إلىٰ هذا الكتاب وسائر كُتُب أبي مخنف، فقال: «أخبرنا أحمد بن عليّ بن نوح، قال: حدَّثنا عبد الجبار بن شيران الساكن بنهر جطا (خطىٰ)، قال حدَّثنا محمّد بن زكريا بن دينار الغلابي، قال: حدَّثنا عبد الله بن الضحاك المرادي، قال: حدَّثنا هشام بن محمّد بن السائب الكلبي عن أبي مخنف»([462]).

وقد ذكره الطوسي(ت460هـ) أيضاً في الفهرست، وذكر أنّ اسمه (مقتل الحسين×)، ثمَّ ذكر طريقه إلىٰ مصنفات أبي مخنف بما فيها كتاب المقتل، فقال: «أخبرنا بها أحمد بن عبدون، والحسين بن عبيد الله جميعاً، عن أبي بكر الدوري، عن القاضي أبي بكر أحمد بن كامل، عن محمّد بن موسىٰ بن حماد، عن ابن أبي السري محمّد، قال أخبرنا هشام بن محمّد الكلبي عنه...»([463]).

ثمَّ جاء بعدهما ابن شهر آشوب (ت588هـ) فأكَّد لنا وجود هذا الكتاب في
قائمة كُتُب أبي مخنف، فقال ـ بعد التعريف بأبي مخنف ـ :
«له كُتُب كثيرة في السير، كمقتل الحسين×»([464]).

وممَّن ذكره أيضاً الحموي (ت626هـ) في معجم الأُدباء، وهو يذكر ذلك عن محمّد بن إسحاق([465]).

فهذه أهمّ النصوص الأصيلة الموجودة في هذا المجال، وقد اخترناها من أشهر المصادر في عالم الفهارس ومعاجم المؤلفات، وجميعها صرَّحت بوجود كتاب لأبي مخنف في مقتل الحسين×، وهناك نصوص أُخرىٰ صرَّحت بوجود هذا الكتاب في قائمة أبي مخنف، ولكنّها بأجمعها تنهل من المصادر التي ذكرناها.

الأمر الثاني: ذهب بعض الباحثين إلىٰ القول: بأنّ مقتل أبي مخنف هو أقدم المقاتل الحسينيّة وأسبقها، قال محمّد مهدي شمس الدين: «فكُتُب المقتل تصلح أن تكون موضوعاً لدراسة علميّة واسعة وعميقة، تشتمل علىٰ تاريخ نشوء هذا النوع من كتابة التاريخ، وتطوره، ومنهجه، ومحتوياته، ونوعيات المؤلِّفين، والأُسلوب الذي كُتب به، وتطور هذا الأُسلوب خلال العصور، وعلاقة هذا الأُسلوب بلغة الكتابة في المجالات الأُخرىٰ، واللغات التي كُتبت بها (العربيّة، والفارسيّة، والتركيّة، والأُردية، وغيرها) والمحتوىٰ الشعري لهذه الكُتب التي بدأت ـ فيما نحسب ـ بأبي مخنف ولم تنتهِ بعد...»([466]).

وقال محمّد هادي اليوسفي الغروي: «وكذلك بقيت هذه الحادثة الأليمة في سنة 61هـ ، أحاديث شجون تتناقلها الألسن نقلاً عن الذين كانوا قد شهدوا المعركة، أو الحوادث السّابقة عليها أو التالية لها، كسائر أحاديث المغازي والحروب في الإسلام... حتّىٰ انبرىٰ لها في أوائل المئة الثانية للهجرة أبو مِخْنف، لوط بن يحيىٰ بن سعيد بن مِخْنف بن سليم الأزدي الغامدي الكوفي (ت158هـ)، فجمعها من أفواه الرواة وأودعها كتاباً أسماه: (كتاب مقتل الحسين×) كما في قائمة كُتبه. فكان أوّل كتاب في تاريخ هذه الحادثة العظمىٰ علىٰ الإطلاق»([467]).

ونحن لا نوافـق علىٰ ما ذهب إليـه هـذان المحقّقـان وغيرهما، فقد أثبتـنا ـ في بحوثنا السابقة ـ أنّ أوّل مَن كتب في المقتل الحسيني هو الأصبغ بن نباتة، ثمّ جاء بعده جابر بن يزيد الجعفي، ثمّ جاء بعدهما عمّار الدهني، فلا يكون أبو مخنف هو أول مَن كتب في المقتل الحسينيّ، وإن جرىٰ ذكر ذلك علىٰ بعض الألسن.

الأمر الثالث: إنّ مقتل أبي مخنف مفقود، ولم يصل إلينا منه إلّا ما انتقل إلينا عبر مطاوي الكتب، وفي ضوئه فإنّ المقتل المتداول بين الناس والمنسوب لأبي مخنف، هو ليس له بإجماع المحققين.

يقول السيِّد عبد الحسين شرف الدين: «ولا يخفىٰ أنّ الكتاب المتداول في مقتله×، المنسوب إلىٰ أبي مِخْنف، قد اشتمل علىٰ كثير من الأحاديث التي لا علم لأبي مِخْنَف بها، وإنّما هي مكذوبة علىٰ الرجل، وقد كثرت عليه الكذّابة، وهذا شاهد علىٰ جلالته»([468]).

ويقول الشيخ عباس القمّي: «وليُعلم أنّ لأبي مِخْنَف كتباً كثيرةً في التاريخ والسير، منها كتاب: (مقتل الحسين×) الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدّمين واعتمدوا عليه... ولكن للأسف إنّه فُقد ولا يوجد منه نسخة، وأمّا المقتل الذي بأيدينا ويُنسب إليه، فليس له، بل ولا لأحد من المؤرِّخين المعتمدين، ومَن أراد تصديق ذلك، فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتّىٰ يعلم ذلك، وقد بيّنتُ ذلك في نَفَس المهموم في: طرمّاح بن عدي، والله العالم»([469]).

ويقول محمّد هادي اليوسفي الغروي: «تتداول الأيدي والمطابع في هذه العهود المتأخّرة كتاباً في مقتل الحسين×، نُسب إلىٰ أبي مخنف، ومن المعلوم الواضح أنّه ليس لأبي مخنف، وإنّما هو من جمع جامع غير أبي مخنف، ولا يُدرىٰ بالضبط متىٰ؟ وأين؟ وممّن وجد هذا الكتاب؟ ومتىٰ طُبع لأوّل مرّة» ([470]).

 أقول: ولكن صاحب الذريعة قد صرّح بأنّ الطبعة الأُولىٰ لهذا المقتل كانت علىٰ الحجر في بمبئىٰ منضمّاً إلىٰ المجلد العاشر من (البحار) في سنة 1287هـ([471]).

ثمَّ أُعيدت طباعته علىٰ الحجر مرّتين: الأُولىٰ: في بمبئي عام 1326هـ منضمّاً إلىٰ مثير الأحزان، واللهوف، كما نصّ علىٰ ذلك التبريزي في مرآة الكتب([472])، والأُخرىٰ: في النجف الأشرف عام 1353هـ، كما صرّح بذلك الأميني في معجم المطبوعات النجفيّة([473]).

وللمقتل المتداول علامتان أساسيتان يمكن معرفته من خلالهما:

العلامة الأُولىٰ: من خلال العنوان حيث إنّ هذه النسخة عادة ما تُطبع بعنوان (مقتل الحسين× ومصرع أهل بيته وأصحابه في كربلاء).

العلامة الأُخرىٰ: من خلال الكلمات الأُولىٰ فيه حيث يبدأ بهذه الكلمات: «قال أبو مخنف حدَّثنا أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي...».

وهذه الكلمات هي أوّل مؤاخذة علىٰ هذا المقتل، فإنّ أبا مخنف هو شيخ هشام بن محمد وأستاذه، فكيف يصح أن يحدِّث الأُستاذ عن التلميذ؟!

الأمر الرابع: أشرنا في الأمر السابق، إلىٰ أنّ الباحثين المحقّقين قد أجمعوا علىٰ ضياع مقتل أبي مخنف، وأنّه لم يصلنا منه إلّا ما نقله المؤرِّخون عن هذا المقتل، والمعروف بين المحقّقين أن أقدم نصٍّ نقل مرويّات هذا المقتل هو كتاب تاريخ الأُمم والملوك للطبري (ت310هـ).

يقول محمد هادي اليوسفي الغروي: «وأقدم نصّ معروف لدينا ممّن نقل أحاديث هشام الكلبي في كتابه عن أبي مِخْنف هو: تاريخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت310هـ)، وهو لمْ يُفرد لها تأليفاً خاصّاً، وإنّما ذكر الوقعة في أثناء تاريخه لحوادث سنة (60 ـ 61هـ)»([474]).

ويقول حسن غفاري: «... أردت أن أجمع الأخبار الواردة في مقتل مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين روحي له الفداء، بحيث كان كلّ مَن نظر فيه، وتأمَّل في مضامينه أغناه عن الرجوع إلىٰ سائر المقاتل، وبينا أنا كنت مشغولاً بذلك بانَ لي أنّ من جملة المقاتل التي استندوا إليها، ونقلوا عنها مقتل أبي مخنف المشهور بين الخواص والعوام، ونقل مهرة الفنّ عنه في زبرهم القديمة كمحمّد بن جرير الطبري في كتابه تاريخ الأُمم والملوك...»([475]).

ويتكوّن مقتل أبي مخنف المستخرج من تاريخ الطبري ـ بحسب ما حقّقه محمّد هادي اليوسفي الغروي ـ من 65 حديثاً مسنداً([476])، رواها أبو مخنف بالمباشرة وبالواسطة عن 39 راوياً، وقد وضع اليوسفي الغروي ستّة قوائم تفصيليّة بأسماء الرواة الوسائط بين أبي مخنف والأحداث، ووضع أمام اسم كلّ راوٍ منهم الحديث الذي رواه، فكانت هذه القوائم ـ هي في حدّ ذاتها ـ فهرساً لأحاديث الكتاب أيضاً([477]). وتتوّزع هذه الأحاديث المتناثرة في الطبري علىٰ حوادث المعركة وما قبلها وما بعدها، بشكل يغطّي أكثر التفاصيل، ويجيب علىٰ أغلب التساؤلات التي تشغل الباحث؛ ومن هنا؛ أمكن إعادة تنسيقها وتشكيلها بحسب التسلسل الزمني للأحداث والخروج بمقتل متكامل أو شبه متكامل.

من هنا؛ نهض المحققان الكبيران: الميرزا حسن الغفاري، والشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي لإحياء مقتل أبي مخنف من خلال العمل علىٰ استخراج روايات أبي مخنف من تاريخ الطبري، ثمّ تنسيقها بحسب تسلسل الأحداث ووضعها في كتاب مستقل يكون بديلاً للطبعة المتداولة بين الناس.

فكتب الأوّل مقتل الحسين×، وكتب الثاني وقعة الطفّ، وكلاهما مستخرجان من تاريخ الطبري.

طريق الطبري إلى مقتل أبي مخنف:

وطريق الطبري إلىٰ مقتل أبي مخنف هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي، الكوفي (ت206هـ).

ولا ريب في أنّ الطبري لم يتّصل بهشام بن محمّد، فقد توفّي الأخير قبل ولادة الطبري بحوالي 18 عاماً ومع ذلك نجد أنّ الطبري ـ في أحداث سنتي 60 - 61 هـ ـ يسند مروياته إلىٰ هشام من دون أن يذكر الواسطة بينهما، ويمكن أن نتصور في هذا الخصوص ثلاث فرضيات:

الفرضية الأُولىٰ: أن نقول بانقطاع السند بين الطبري وبين هشام؛ وبالتالي سنحكم علىٰ مجموع روايات الطبري عن أبي مخنف بالإرسال، فتكون ضعيفة بحسب المقاييس الفقهيّة؛ لأنّنا نجهل الواسطة بين الطبري وهشام.

ولو أردنا أن نتكلَّم بلغةٍ يفهمها الجميع نقول: بما أنّنا نجهل الواسطة التي نقلت مقتل أبي مخنف من هشام إلىٰ الطبري، فلا يمكننا الجزم بنسبة هذا المقتل إلىٰ أبي مخنف، فلا تكون قيمته التاريخيّة أفضل من المقتل المتداول.

الفرضية الثانية: ما ذكره محمد هادي اليوسفي الغروي ومفاده: أنّ الطبري كان يمتلك نسخة من مقتل أبي مخنف، فكان ينقل من الكتاب بشكل مباشر، وكان يعزز ذلك بمرويات من هذا المقتل وردت إليه عن طريق تلميذه هشام، ولا يُعيِّن لنا مَن حدَّثه عن هشام([478]).

وعلىٰ ضوء هذه الفرضية يكون دور هشام بن محمّد دوراً هامشياً، والمصدر الأساسي الذي اعتمده الطبري هو نفس كتاب مقتل أبي مخنف.

وممّا يعزز هذه الفرضية، أنّ الطبري كثيراً ما يتجاوز هشام ويحدِّث عن أبي مخنف بالمباشرة، فيقول مثلاً: (وقال: أبو مخنف).

الفرضية الثالثة: وهو ما نراه نحن؛ إذ نعتقد أنّ طريق الطبري إلىٰ هشام بن محمّد معروف، فإنّ الطبري يروي عن الحارث بن محمّد (ت282هـ)([479])، عن محمّد بن سعد صاحب الطبقات (ت230هـ)، عن هشام بن محمّد، عن أبي مخنف.

 وليس للطبري طريق إلىٰ هشام غير ما ذكرنا، وقد صرَّح الطبري بذلك في ستّة موارد في الجزء الأوّل من تاريخه([480])، وبعد أن صار طريقه معروفاً إلىٰ هشام بن محمّد بدأ يسند إلىٰ هشام بن محمّد بقوله مثلاً: (حُدِّثت) بصيغة المبني للمجهول، وهذه الطريقة في الاختصار تُسمّىٰ في علم الرجال بـ (التعليق)، وهي طريقة معروفة بينهم، لا سيما بين المتقدِّمين.

قال صاحب المعالم في منتقىٰ الجمان: «اعلم أنّه اتّفق لبعض الأصحاب توهّم الانقطاع في جملة من أسانيد الكافي؛ لغفلتهم عن ملاحظة بنائه لكثير منها علىٰ طُرُق سابقة وهي طريقة معروفة بين القدماء، والعجب أنّ الشيخw ربما غفل عن مراعاتها فأورد الإسناد من الكافي بصورته ووصله بطُرُقه عن الكليني من غير ذكر للواسطة المتروكة؛ فيصير الإسناد في رواية الشيخ له منقطعاً، ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله. ومنشأ التوهُّم الذي أشرنا إليه فَقْدُ الممارسة المطلعة علىٰ التزام تلك الطريقة...»([481]).

يقول جعفر السبحاني ـ حول طريقة الكليني في الإسناد ـ : «...قد يحذف الكليني صدر السند في خبر مبتنياً علىٰ الخبر الذي قبله، وهذا ما يُعبَّر عنه في كلام أهل الدراية بالتعليق، فمثلاً يقول في الخبر الأوّل من الباب: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس...)، وفي الخبر الثاني منه: (ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد)، أو يقول في الخبر الأوّل من الباب: (عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله صاحب السابري...)، وفي الخبر الثاني منه: (ابن أبي عمير، عن ابن رئاب، عن إسماعيل بن الفضل). وفي الخبر الثالث منه: (ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله×...([482]).

وعلىٰ هذا الأساس ـ أيضاً ـ نفسِّر إسناده إلىٰ أبي مخنف مباشرة، فإنّه لم يسند إليه إلّا بعد أن صار واضحاً أنّه يروي عنه بواسطة هشام.

وفي ضوء هذه الفرضية تتهاوىٰ الفرضيتان السابقتان، وإن كنّا في نفس الوقت لا نمانع من وصول كتاب مقتل أبي مخنف إلىٰ الطبري، من خلال هذا الطريق عينه.

الأمر الخامس: أشرنا ـ فيما مضىٰ ـ أنّ أقدمَ نصٍّ تاريخي يحتوي علىٰ نقولات من مقتل أبي مخنف هو تاريخ الطبري، وهذا لا يعني أنّه النصّ الوحيد، فهناك العديد من النصوص التي اشتملت علىٰ مرويات من هذا المقتل، وهذه النصوص علىٰ أنواع:

النوع الأوّل: ما لم يكن طريقه إلىٰ مقتل أبي مخنف يمرّ بالطبري، كالبلاذري (ت279هـ) في أنساب الأشـراف، وابن أعثم الكوفي (ت ـ نحـو ـ 314هـ) في الفتوح، والمسعودي (ت345هـ) في مروج الذهب، وأبي الفرج الأصفهاني (ت356هـ) في مقاتل الطالبيين، وغيرهم ممَّن نقل عن أبي مخنف عن غير طريق الطبري.

 ويمكن عدّ المفيد (ت413هـ) في الإرشاد، وسبط ابن الجوزي (ت654هـ) في التذكرة منهم؛ فإنّهما لا ينقلان عن مقتل أبي مخنف عن طريق الطبري علىٰ ما يبدو، ففي هذه الكتب وأمثالها يجد الباحث شذرات مبثوثة من هذا المقتل يمكن اقتصاصها وإضافتها إلىٰ مقتل أبي مخنف المستخرج من الطبري.

النوع الثاني: ما كان معتمداً علىٰ نسخة الطبري من المؤرِّخين المتأخّرين عنه كابن الأثير (ت630هـ) في الكامل في التاريخ، والذهبي (ت748هـ) في تاريخ الإسلام، وابن كثير (ت774هـ) في البداية والنهاية، وابن شهر آشوب (ت588هـ) في مناقب آل أبي طالب، فإنّ لكلّ واحد من هؤلاء طريقه الخاص إلىٰ تاريخ الطبري، وبعض هذه النسخ غير مطابقة لنسـخة الطبري المتداولة في بعض الموارد؛ وبالتـالي فإنّ المتتبّع لا يُعدَم ـ من خلال المقارنة ـ من التقاط بعض العبارات الساقطة من تاريخ الطبري، وهي وإن كانت نادرة جدّاً إلّا أنّنا بحاجة حتىٰ إلىٰ هذا النادر، فلعلّ فيه سدّاً لثغرة مهمّة في التاريخ الكربلائي.

النوع الثالث: هناك نُسَخ من مقتل أبي مخنف لا تتطابق مع نسخة الطبري، ولا مع الطبعة المتداولة، وأبرز نماذج ذلك نسختان:

1ـ نسخة القندوزي (ت1294هـ) في ينابيع المودة: فقد خصص الباب الحادي والستّين من الجزء الثالث من كتابه لما أورده أبو مخنف، وعند المقارنة يتّضح للباحث عدم تطابق هذه النسخة مع النسخة الشائعة المتداولة ولا نسخة الطبري، كما اتّضح ليّ عند التحقيق أنّ هذه النسخة لا يمكن أن تكون ملفّقة من النسختين؛ لانفرادها بالعديد من الموارد، مع أنّه يقول في صدر الباب: «الباب الحادي والستّون في إيراد ما في الكتاب المسمّىٰ بـ‍(مقتل أبي مخنف) الذي ذكر فيه شهادة الحسين وأصحابه مفصّلاً... »([483]).

وهذا النصّ صريح بأنّه ينقل عن كتاب كان لديه اسمه (مقتل أبي مخنف)؛ فتكون هذه نسخة ثالثة من مقتل أبي مخنف ينبغي للباحثين والمحقّقين أن يلتفتوا إليها.

2ـ نسخة إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري (ت1286هـ): قال في كشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار: «مقتل الحسين× للوط بن يحيىٰ بن سعيد بن مخنف (بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح النون) بن سالم الأزدي الغامدي، أوله: قال أبو منذر هشام بن السائب الكلبي: أخبرنا أبو عبد الله بن الجاسر، قال: أخبرنا أبو مخنف لوط بن يحيىٰ الأزدي إلخ»([484]).

ولا ريب في أنّ هذا المقتل الذي يتحدَّث عنه صاحب (كشف الحُجُب) غير المقتل المشهور؛ لأنّ أوله ـ كما مرّ علينا ـ هكذا: «قال أبو مخنف: حدَّثنا أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي...».

وممّا لا بدّ أن يُشار إليه: هو أنّ صاحب (كشف الحُجُب) من العلماء المحقّقين والمنقِّبين في الآثار، يقول عنه شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي: «واعلم أنّه سافر إلىٰ العراق وزار المشاهد المشرَّفة واجتمع بعلمائها؛ فأفاد واستفاد، وكثرت مجالسته مع العلّامة الحاج الميرزا حسين النوري شيخ مشايخنا في الرواية، وجمع هناك عدّة كُتُب ومن نفائس المخطوطات فجاء بها إلىٰ خزانة كُتُب أخيه صاحب العبقات»([485]).

ولا يخفىٰ أنّ عصر صاحب (كشف الحُجُب) هو عصر اكتشاف الأُصول المندثرة، وقد اكتُشفت في هذه الفترة العديد من الكتب التراثية المفقودة([486])؛ ولذا لا نستبعد أن تكون نسخة صاحب (كشف الحُجُب) من بين تلك الأُصول المكتشفة في تلك الفترة، ولكنّنا مع شديد الأسف لا نعلم شيئاً عن مصير تلك النسخة.

إنّ هاتين النسختين: نسخة ينابيع المودّة، ونسخة كشف الحُجُب والأستار، هما أبرز نماذج نُسَخ مقتل أبي مخنف، التي لا تطابق نسخة الطبري، ولا النسخة المتداولة. ويظهر من خلال التأمّل في منقولات صاحب أسرار الشهادة عن مقتل أبي مخنف، ومقارنتها بالمقتل المتداول، ونسخة الطبري، وجود نُسَخ متعدّدة لمقتل أبي مخنف، ويبدو أنّ الدربندي كان ملتفتاً إلىٰ ذلك؛ حيث يقول في بعض تلك الموارد: «وفي نسخة من نُسَخ كتاب أبي مخنف هكذا...»([487]). فهذه العبارة تدلّ بوضوح علىٰ تعدّد نُسَخ مقتل أبي مخنف، وأنّ صاحب أسرار الشهادة كان ملتفتاً إلىٰ هذا التعدّد.

وفي ضوء هذه الحقائق التي ذكـرناها، فإنّنا نزعم أنّه يمكن ـ مع مضاعفة الجهـود ـ أن يُكتب مقتل أبي مخنف بحجمٍ أكبر من المقتل المستخرَج من تاريخ الطبري.

خاتمة بأهمّ النتائج

1ـ إنّ أبا مخنف لوط بن يحيىٰ الكوفي الأزدي هو من أعلام القرنين الأوّل والثاني الهجريين.

2ـ كان أبو مخنف من كبار الأخباريين والمؤرِّخين في عصـره، وقد اختصّ بتاريخ العراق والتشيُّع في الفترة التي تلت رحيل النبي| إلىٰ أواخر العصـر الأُموي، وقد عُدَّ أعلم المؤرِّخين بتاريخ العراق والتشيُّع فيما يخصّ هذه الفترة.

3ـ كان أبو مخنف شديد الولاء والمحبّة لأهل البيت^، متجاهراً في نقل مخازي أعدائهم إلىٰ الحدِّ الذي أوهم بعض الباحثين بكونه إماميّاً، مع أنّه لم يكن علىٰ مذهب أهل البيت^، ولكنّه لم يكن متعصِّباً.

4ـ تكاد تتّفق كلمة الرجاليين منّا علىٰ توثيق أبي مخنف، وقبول مروياته، وفي المقابل تكاد تتّفق كلمة مخالفينا علىٰ ترك أبي مخنف وتضعيفه، ومع ذلك فقد أجمع المؤرِّخون من الفريقين علىٰ عدم الاستغناء عنه فيما يخصّ مروياته التاريخيّة.

5ـ يعتبر أبا مخنف من أهمّ مؤرِّخي واقعة الطف، ويُعتبر مقتله أشهر المقاتل الحسينيّة علىٰ الإطلاق، وقد جاءت هذه الأهمّية والشهرة ممَّا تضمّنه هذا المقتل من تفاصيل تكاد تكون مفقودة في غيره، وممّا سلكه من طريق علمي في جمع أخباره وتدوينها، وهو طريق الإسناد المعمول به بين المحدِّثين.

6ـ ومقتل أبي مخنف مفقود في هذا العصر، ولم يتبقَّ منه سوىٰ ما نقله عنه المؤرِّخون المتأخرون عنه، وفي مقدمتهم الطبري في تاريخه الكبير، وأمّا النسخة المتداولة فهي منحولة عليه بإجماع المحقّقين.

7ـ تمكنّا من العثور علىٰ الواسطة المفقودة بين الطبري وهشام بن محمّد الكلبي راوي مقتل أبي مخنف، وبذلك سدَدْنا الطريق علىٰ مَن أراد أن يطعن بمرويات هذا المقتل بكونها مراسيل، ولا نتصور أنّ أحداً من الباحثين والمحققين قد سبقنا إلىٰ هذه النتيجة المهمّة.

8 ـ أثبتنا بأنّ الطبري ليس هو النصّ الوحيد المتضمِّن لمرويات أبي مخنف، وهذه النصوص بعضها لا يمرّ بالطبري، وينهل من أبي مخنف مباشرة، وبعضها ينهل من الطبري ولكنّها تحتوي علىٰ زيادات غير موجودة في المطبوعة المتداولة، وبعضها عبارة عن نُسَخ من هذا المقتل لا تتطابق مع نسخة الطبري والنسخة المتداولة. وبهذا نكون قد نبهّنا الباحثين والمحقّقين المختصين في هذا الشأن إلىٰ إمكانية كتابة مقتل أبي مخنف بصورة أوسع من الصورة المستخرجة من تاريخ الطبري.


الفصل السادس: مقتل هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، الكوفي

الفصل السادس

مقتل هشام بن محمّد بن السائب الكلبي، الكوفي (000 ـ 204هـ)

تقديم

يُعتبر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي الكوفي، من أبرز المؤرِّخين والنسّابين في القرن الثاني الهجري، وكان من المهتمّين برواية أحداث ووقائع كربلاء، فهو الذي روىٰ كتاب مقتل الحسين× لشيخه أبي مخنف كما ذكرنا عند حديثنا عن مقتله.

ويبدو أنّ الكلبي قد قرّر فيما بعد تصنيف كتاب في مقتل الحسين×، وهذا الكتاب وإن كان مفقوداً في هذا العصر، ولكنّنا نُقدّر أنّ المادّة الروائية الأساسية التي تألَّف منها هذا الكتاب كانت مأخوذة من كتاب أُستاذه أبي مخنف، ثمَّ أضاف إليها ما توصّل إليه عبر مصادر أُخرىٰ، وأهمّها فيما نحسب:

1ـ مرويات شيخه عوانة بن الحكم الكلبي (ت147هـ).

2ـ مرويات والده وشيخه محمّد بن السائب الكلبي (ت146هـ).

ودعونا ننطلق الآن للحديث عن شخصية الكلبي وأهمّ أبعادها، ثمَّ ننطلق بعد ذلك للحديث عن كتابه في مقتل الحسين×، مستمدّين العون في ذلك كلّه من الله سبحانه وتعالىٰ.

المبحث الأول

ترجمة هشام بن محمّد الكلبي

1 ـ اسمه وكنيته ونسبه

هو أبو المنذر، هشام بن محمّد بن السائب، بن بشر بن زيد بن عمرو، بن الحارث بن عبد الحارث بن عبد العزىٰ، بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان، بن عامر بن عبد ود بن عوف، بن كنانة بن عوف بن عذرة، بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة([488]).

ويُقال له: الكلبي أو ابن الكلبي. نسبةً إلىٰ جدِّه كلب، وهو ـ علىٰ ما حقّقه ابن الأثير ـ :
 
«كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان، بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وقد اختلف النسّابون في قضاعة هل هو من معد أو من اليمن؟ فقيل: هو قضاعة ابن معد بن عدنان، وبه كان معد يكنّىٰ. وقيل: هو من اليمن، وهو قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ. وقيل: قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير. ولهذا الاختلاف قال محمّد بن سلام البصري النسّابة لمّا سُئل: أنّ نزار أكثر أم اليمن؟ فقال ما شاءت قضاعة إن تمعددت، فنزار أكثر وإن تيمّنت فاليمن أكثر»([489]).

قال الشيخ عبّاس القمّي: «والكلبي ـ بفتح الكاف وسكون اللام ـ نسبة إلىٰ كلب بن وبرة، قبيلة كبيرة من قضاعة، يُنسب إليها خلق كثير»([490]).

انحدر هشام بن محمّد من بيت من البيوتات التي عُرفت بولائها لأهل البيت^، فجدّه بشر كان من الموالين لأمير المؤمنين×، وقد شارك هو وبنوه: السائب، وعبيد، وعبد الرحمن مع أمير المؤمنين× في وقعتي الجَمَل وصفِّين([491]).

وأمّا والده محمّد بن السائب (ت146هـ)، فقد عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمامين الباقر والصادق÷([492])، وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الصادق×([493]).

وقد كان محمّد بن السائب من المهتمّين بعلمي التفسير والأنساب، حتىٰ عُدَّ رأساً فيهما.

قال ابن سعد: «وكان محمّد بن السائب عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم»([494]).

وقال ابن عدي: «وللكلبي غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة وخاصّة، عن أبي صالح، وهو رجل معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول، ولا أشبع منه، وبعده مقاتل بن سليمان إلّا أنّ الكلبي يُفضّل علىٰ مقاتل...»([495]).

وقال الذهبي: «العلّامة، الأخباري، أبو النضر محمّد بن السائب بن بشـر الكلبي، المفسّـِر، وكان أيضاً رأساً في الأنساب»([496]).

2 ـ ولادته ونشأته

وُلِد هشام بن محمّد الكلبي ونشأ وتعلّم في الكوفة، قال تلميذه محمّد بن سعد صاحب الطبقات: «أخبرنا هشام بن محمّد بن السائب بن بشر الكلبي، قال: علّمني أبي وأنا غلام نسبَ النبي|...»([497]).

 (والغلام)، بالضمّ له ثلاثة استعمالات في كلام العرب:

 الأوّل: يُطلق هذا اللفظ علىٰ الشاب الطارّ الشارب([498]).

 الثاني: ويُطلق أيضاً علىٰ المولود حين يولد ذكراً([499]).

الثالث: ويُطلق أيضاً علىٰ الرجل الكبير من باب المجاز باسم ما كان عليه، كما يُقال للصغير: شيخ مجازاً باسم ما يؤول إليه([500]).

ولا ريب في أنّ المراد من لفظ (غلام) الوارد في كلام الكلبي هو المعنىٰ الأوّل من المعاني المتقدِّمة؛ وذلك لأنّ الغلام بمعناه الثاني لا يعقل بحقّه التعلّم والتعليم، وأمّا المعنىٰ الثالث فهو معنىٰ مجازي يحتاج إلىٰ نصب قرينة، وهي مفقودة في المقام، فيتعيَّن المعنىٰ الأوّل.

وأقل ما يُستفاد من هذه الرواية أنّ محمّد بن السائب والد هشام لم يرحل عن الدنيا إلّا وقد ترك هشاماً شابّاً طارّ الشارب علىٰ أقلّ الفروض، والشاب الطارّ الشارب هو ما قارب عمره الـ 15 عاماً بحسب العادة؛ وحيث إنّ وفاة محمّد بن السائب كانت عام 146هــ، فلذا فنحن نقدِّر أنّ ولادة هشام كانت في العقد الثاني أو الثالث من القرن الثاني الهجري، ويمكن أن ندعم هذا الاستنتاج ونؤكِّده بالأُمور التالية:

الأمر الأوّل: إنّ أقدم شيوخه وأساتذته كانت وفياتهم في العقد الخامس من القرن الثاني، كمجالد بن سعيد الهمداني (ت144هـ)([501])، وعوانة بن الحكم الكلبي (ت147هـ)([502])، ولا يوجد من شيوخه وأساتذته مَن كانت وفاته قبل العقد المشار إليه.

الأمر الثاني: عدّه في أصحاب الإمام الصادق× دون غيره من الأئمّة، فإنّه يؤكِّد أنّ فترة تلقيه للعلم كانت قبل عام 148هـ، وهو تاريخ وفاة الإمام الصادق×.

الأمر الثالث: إنّ القول بولادته في فترة ما بين عامي 120ـ 140هـ ينسجم مع القول بوفاته عام 104هـ كما سيأتي؛ لأنّ عمره سيكون حينئذٍ لا يتجاوز الـ 84 عاماً علىٰ أبعد فرض، وهو ينسجم مع معدَّل العمر الطبيعي.

قال الشيخ الطهراني: «ولم نجد تاريخ ولادة هشام الكلبي في فهرس ابن النديم وغيره، لكن يرشدنا أخذه الأنساب عن أبيه الذي توفّي سنة 146هـ، وكذا الحديث المشهور عنه الذي رواه النجاشي في كيفيّة تعلّمه من الإمام الصادق× الذىٰ توفّي سنة 148هـ من أنّه× كان يقرّبه ويدنيه ويبسطه وكان يسبقه العلم، إلّا أنّه وُلد في أوائل القرن الثاني وكان في عصـره من الكبار المحترمين...»([503]). هذا من جهة ولادته ونشأته.

وأمّا من جهة تنقّلاته وأسفاره، فإنّ المعروف من سيرة ابن الكلبي، أنّه لم يخرج من الكوفة إلّا لبغداد حيث دخلها محدِّثاً كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي، وقد أخذ عنه العلم كبارُ مؤرِّخي بغداد في ذلك العصر، كمحمّد بن سعد صاحب الطبقات (ت212هـ)، وله حضور بيِّن في كتاب الطبقات، ومحمّد بن أبي السري الأزدي، وأحمد بن مقدام بن سليمان العجلي (ت253هـ) وغيرهم([504]).

وقد كان نزول ابن الكلبي في بغداد في زمان أصبحت فيه قبلة العلم والعلماء من جميع الأمصار. ومن الملاحظ أنّ أغلب علماء المدينة والبصرة والكوفة في تلك الفترة قد نزلوا بغداد وحدَّثوا بها، كما تشهد بذلك تراجمهم وسيرهم، وهذا إن دلّ علىٰ شيء فإنّما يدلّ علىٰ ازدهار العلم في بغداد في تلك الحقبة، وتقدّمها علىٰ سائر حواضر العلم في بلاد الإسلام.

ولم نقف علىٰ تاريخ دقيق لقدومه لبغداد، ولا مدّة مكثه فيها، إلّا أنّه يبدو أنّ ابن الكلبي لم يبقَ في بغداد إلىٰ آخر عمره، بل عاد إلىٰ الكوفة مرّة أُخرىٰ في آخر أيام حياته، وتوفِّي فيها([505]).

3 ـ مكانته العلميّة وطبقته ومؤلفاته

تُعتَبر شخصية ابن الكلبي من أشهر الشخصيات العلميّة الكوفيّة التي ذاع صيتها في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وقد اعتبره علماء الأنساب رأس هذا العلم وباقره، كما يعدّه المؤرِّخون أحد المصادر التي لا غنىٰ عنها في مجال التاريخ الجاهلي والإسلامي.

 وإليك هذه الباقة من شهادات أهل الاختصاص بحقِّه؛ ليتّضح لك علوّ مقامه وسموّ مكانته في علمَي التاريخ والأنساب:

قال النجاشي: «الناسب العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختصّ بمذهبنا، وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلىٰ جعفر بن محمّد×، فسقاني العلم في كأس فعاد إليَّ علمي. وكان أبو عبد الله× يقرِّبه ويدنيه ويبسطه»([506]).

وقال محمّد بن سعد (ت230هـ) ـ بحسب نقل ابن النديم ـ : «هو هشام بن محمّد بن السائب بن بشر عالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها»([507]).

وقال إسحاق المصلي (الموصلي): «كنتُ إذا رأيت ثلاثة يرون ثلاثة يذوبون... علويه إذا رأىٰ مخارقاً، وأبا نواس إذا رأىٰ أبا العتاهية، والزهري إذا رأىٰ هشاماً»([508]).

وقال ابن قتيبة (ت276هـ): «وابن الكلبي هشام بن محمّد بن السائب كان أعلم الناس بالأنساب»([509]).

وروىٰ الخطيب البغدادي (ت463هـ) بسنده إلىٰ محمّد بن أبي السـري، قال: قال لي هشام بن الكلبي: «حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، كان لي عمٌّ يعاتبني علىٰ حفظ القرآن فدخلت بيتاً وحلفت أن لا أخرج منه حتىٰ أحفظ القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام، ونظرت يوماً في المرآة، فقبضت علىٰ لحيتي لآخذ ما دون القبضة، فأخذت ما فوق القبضة»([510]).

قال الشيخ عباس القمّي معلِّقاً علىٰ هذه الحادثة: «وأنا أقول: لا بدع في ذلك، فإنّ من سقاه الصادق× العلم في كأس يحفظ القرآن بأقل من ثلاثة أيام»([511]).

وقال الحموي (ت626هـ) بعد أن عنونه: «الأخباري النسّابة العلّامة: كان عالماً بالنسب وأخبار العرب وأيامها ووقائعها ومثالبها»([512]).

وقال ابن أبي الحديد (ت655هـ): «... هو هشام بن محمّد بن السائب الكلبي نسّابة ابن نسّابة، عالم بأيام العرب وأخبارها، وأبوه أعلم منه، وهو يروي عن أبيه»([513]).

وقال الذهبي (ت748هـ): «أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب العلّامة، الأخباري، النسّابة الأوحد»([514]).

ويقول حاجي خليفة (ت1067هـ): «والذي فتح هذا الباب وضبط علم الأنساب هو الإمام النسّابة: هشام بن محمّد بن السائب الكلبي المتوفّىٰ سنة أربع ومائتين، فإنّه صنَّف فيه خمسة كتب: المنزلة، والجمهرة، والوجيز، والفريد، والملوك»([515]).

أمّا طبقته: فالمستظهَر من ترجمته في رجال النجاشي كونه من طبقة أصحاب الإمام الصادق×([516])، ويؤيِّده عدُّ والده محمّد بن السائب من طبقة الإمام الباقر×، ثمَّ من طبقة الإمام الصادق×، وقد توفّي محمّد بن السائب ـ كما مرّ ـ عام 146هـ، أي: قبل وفاة الإمام الصادق× بسنتين، وقد رجّحنا سابقاً ـ في ضوء بعض المعطيـات ـ كون ولادة هشام في العقد الثاني أو الثالث من القرن الثاني؛ فتكون بداية انطلاقته العلمية في عصـر الإمام الصادق×.

نعم، إنّ القول بوفاة الكلبي عام 204هـ ـ كما سـيأتي ـ يقتضـي معاصرته للإمامين الكاظم (ت183هـ) والرضا (ت203هـ)÷، ومع ذلك فلم يدّعِ أحد صحبته لهما وأخذه عنهما.

وقد روىٰ هشام عن أبيه محمّد بن السائب، ومجالد بن سعيد، وأبي مخنف لوط بن يحيىٰ، وطائفة([517]).

وحدّث عنه: ابنه العبّاس، وخليفة بن خياط، ومحمّد بن سعد صاحب الطبقات، ومحمّد بن أبي السري، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام، وغيرهم([518]).

وقد ترك الكلبي ثروة ضخمة من المصنَّفات، يُقال: بلغت تصانيفه مائة وخمسين مصنَّفاً([519])، وقد عدّ ابن النديم منها مائة وأربعة وأربعين كتاباً، وعدَّ النجاشي منها خمسين كتاباً، وهي: «كتاب المذيّل الكبير في النسب، وهو ضعف كتابه الجمهرة، وكتابه الجمهرة، وكتاب حروب الأوس والخزرج، وكتاب المشاتمات بين الأشراف، وكتاب القداح والميسـر، وكتاب أسواق العرب، وكتاب أخبار ربيعة والبسوس وحروب تغلب وبكر، وكتاب أنساب الأُمم، وكتاب المعمِّرين، كتاب الأوائل، كتاب أخبار قريش، كتاب أخبار جرهم، كتاب أخبار لقمان بن عاد، كتاب أخبار بني تغلب وأيامهم وأنسابهم، كتاب أخبار بني عجل وأنسابهم، كتاب بني حنيفة، كتاب كلب، كتاب أخبار تنوخ وأنسابها، كتاب مثالب ثقيف، كتاب مثالب بني أُميّة، كتاب الطاعون في العرب، كتاب الأصنام، كتاب فتوح العراق، كتاب فتوح الشام، كتاب الردّة، كتاب فتوح خراسان، كتاب فتوح فارس، كتاب مقتل عثمان، كتاب الجَمَل، كتاب صفِّين، كتاب النهروان، كتاب الغارات، كتاب مقتل أمير المؤمنين×، كتاب مقتل حجر بن عدي، كتاب مقتل رشيد وميثم وجويرية بن مسهر، كتاب عين الوردة، كتاب الحَكَمَين، كتاب مقتل الحسين×، كتاب قيام الحسن×، كتاب أخبار محمّد بن الحنفية، كتاب التباشير بالأولاد، كتاب الموؤودات، كتاب مَن نُسب إلىٰ أُمّه من قبائل العرب، كتاب الطائف، كتاب رموز العرب، كتاب غرائب قريش وبني هاشم في سائر العرب، كتاب أجزاء الخيل، كتاب الرواد، كتاب الجيران، كتاب الخطب»([520]).

هذا ما عدّه النجاشي من كُتب ابن الكلبي، وينبغي أن نشير إلىٰ أنّ أكثر كتب ابن الكلبي التي ذكرها ابن النديم والنجاشي وغيرهما غير موجودة في هذا العصـر، وما هو موجود منها فعلاً ـ كما ذكر المحقّق المتتبّع الشيخ نجاح الطائي ـ لا يتعدّىٰ سبعة كُتُب هي:

1ـ مثالب العرب (مطبوع).

2ـ أسواق العرب (مخطوط).

3ـ أخبار بكر وتغلب (مخطوط).

4ـ الجمهرة في النسب (مطبوع).

5ـ نسب الخيل (مطبوع).

6ـ نسب معد واليمن الكبير (مطبوع).

7ـ كتاب الأصنام (مطبوع)([521]).

هذا ما ذكره المحقق المتتبّع الشيخ نجاح الطائي حول كتب ابن الكلبي الموجودة فعلاً (المخطوط والمطبوع منها)، ولكن الشيخ الطهراني في كتابه الذريعة قال: «ومن آثاره الباقية أيضاً: كتابه (الملوكي في النسب) و(المنزل الكبير) أيضاً في النسب و(نسب الخيل) و(المعمِّرين) و(الجمهرة) كلّها موجودة»([522]).

ففي هذا النصّ توجد ثلاثة كُتب أُخرىٰ يدّعي الشيخ الطهراني وجودهـا
 ـ بالإضافة إلىٰ ما ذكره الطائي ـ  وهي:

1ـ الملوكي في النسب.

2ـ المنزل الكبير.

3ـ المعمِّرين.

ولكن الطهراني ـ ومع شديد الأسف ـ لم يعيِّن لنا أماكن هذه الكتب. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ الكثير من مضامين كتب الكلبي التالفة قد وصلت إلينا عِبْر الموسوعات التاريخيّة، وقد أثبتها المؤرِّخون في مصنَّفاتهم قبل تلفها، ومنهم: محمّد بن سعد كاتب الواقدي (ت230هـ) في الطبقات الكبرىٰ، وخليفة بن خياط العصفري (ت240هـ) في الطبقات والتاريخ، ومحمّد بن حبيب البغدادي (ت245هـ) في المنمق في أخبار قريش، ومحمّد بن جرير الطبري (ت310هـ) في تاريخ الأُمم والملوك، والمسعودي في مروج الذهب (ت346هـ) وغيرهم.

وأمّا علماء الأنساب، فكلّهم عيال عليه كما عرفت، وقد اعتمد المؤلِّفون منهم عليه بشكل رئيسي، وقد اعترفوا جميعاً بتقدُّمه وريادته في هذا الحقل، وقد حملت إلينا كتبهم الكثير من آرائه وأقواله في علم الأنساب.

ويُذكر هشام ـ عادة ـ في المصادر المشار إليها بعنوان (هشام بن محمد)، أو(هشام بن محمّد بن السائب)، أو (الكلبي)، أو (ابن الكلبي).

4 ـ مذهبه ومعتقده

قال النجاشي ـ كما مرّ علينا ـ : «... وكان يختصّ بمذهبنا، وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علّة عظيمة نسيتُ عِلمي، فجلست إلىٰ جعفر بن محمّد×، فسقاني العلم في كأس؛ فعاد إليَّ عِلمي. وكان أبو عبد الله× يقرِّبه ويدنيه ويبسطه».

وقد تسالم الرجاليون من الشيعة علىٰ تشيُّعه واختصاصه بمذهب أهل البيت×، ولم يخالف في ذلك أحدٌ من المتقدِّمين والمتأخِّرين([523])، سوىٰ ما نقله الطوسي في (اختيار معرفة الرجال) المعروف بـ (رجال الكشي)؛ حيث اعتبر الكلبي من رجال العامّة الذين لهم ميل ومحبّة شديدة لأهل البيت×، ثمّ قال: «وقد قيل: إنّ الكلبي كان مستوراً ولم يكن مخالفاً»([524]).

ويبدو أنّ الطوسي كان معتقداً بما نقله عن الكشـي حول هشام؛ ولذا لم يذكره في الرجال ولا في الفهرست إلّا من حيث وقوعه في بعض الأسانيد، وقد اشتبه صاحب أعيان الشيعة في قوله: «وذكره الشيخ الطوسي في رجال الصادق×، وقال: إنّه مولىٰ»([525])، فإنّ هذا شخص آخر غير هشام بن محمّد الكلبي جزماً؛ لأنّه من الواضح أنّ هشاماً صاحب الترجمة لم يكن مولىٰ لبني كلب، بل هو من أنفسهم.

وهذا الذي ذهبنا إليه ـ من التفريق بين هشام الكلبي وهشام المولىٰ المذكور في رجال الطوسي ـ يذهب إليه غير واحد من المحقّقين في الرجال، منهم: السيد الخوئي، فقد ذَكره بعد ذِكره لهشام الكلبي مباشرة، وقد قال عنه: «هشام بن محمّد: مولىٰ، من أصحاب الصادق×» ([526]).

وعلىٰ أيّة حالٍ، فإنّ الرجل من الشيعة الإماميّة بلا ريب، وما ذهب إليه الكشـي أو الطوسي لا يرجَّح علىٰ ما ذهب إليه النجاشي لسببين علىٰ الأقل:

أولاً: إنّ قول النجاشي يُقدَّم علىٰ قول غيره في الجرح والتعديل وما يلزمهما من مقدِّمات، ومن تلك المقدِّمات معرفة مذهب الرجل ومعتقده ونحوها ممَّا له مدخليّة في الجرح والتعديل؛ ولذا وجدنا أغلب الرجاليين قد قالوا بتشيُّعه واختصاصه بمذهبنا تبعاً للنجاشي، ولم يلتفتوا إلىٰ كلام الكشي فيه وإهمال الطوسي له.

ثانياً: إنّ قول الكشـي ـ بحسب نقل الطوسـي ـ : «إنّ الكلبي كان مستوراً...»، ليس صحيحاً، فإنّ هشاماً كان متجاهراً ومعروفاً بولائه لأهل البيت×؛ ولذا نسبه العامّة إلىٰ الرفض والتشيُّع والغلو في مذهب أهل البيت^.

قال ابن حبان: «...وكان غالياً في التشيُّع...»([527]).

وقال ابن عساكر: «رافضي، ليس بثقة»([528]).

 ووصفه الذهبي: بـ«الكوفي، الشيعي»([529]).

5 ـ وثاقته وعدالته

 مرَّ علينا قول النجاشي في ابن الكلبي: «الناسب العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختصّ بمذهبنا، وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علّة عظيمة نسيت عِلمي، فجلستُ إلىٰ جعفر بن محمّد×، فسقاني العِلم في كأس؛ فعاد إليَّ عِلمي. وكان أبو عبد الله× يقرِّبه ويدنيه ويبسطه».

وهذا النصّ كما أنّه يدلّ علىٰ تشيُّع الكلبي وإماميّته واختصاصه بمذهب أهل البيت^، فإنّه يدلّ أيضاً علىٰ عدالته ووثاقته وجلالته، وكما أشرنا سابقاً فقد نقل أغلب رجالي الشيعة نصَّ النجاشي في مدوناتهم الرجاليّة، وقد اقترن نقلهم بالموافقة والقبول بما قاله النجاشي في حقِّه؛ ومن هنا نستطيع أن ندّعي وثاقة وعدالة وجلالة ابن الكلبي عند أكثر رجاليّي الشيعة.

نعم، قد يُقال: بأنّ نصَّ النجاشي ـ الذي هو الأصل في توثيق الكلبي ـ لا يفيد توثيقاً، وعبائره لا تزيد علىٰ المدح، وهذا الكلام ربما يصحّ لو قصـرنا النظر علىٰ قوله: «المشهور بالفضل والعلم». أو قوله: «وكان يختصُّ بمذهبنا»، ولكن لو نظرنا إلىٰ قوله في ذيل النصّ: «وكان أبو عبد الله× يقرِّبه ويدنيه ويبسطه»، فلا محيص لنا من القول بوثاقة هذا الرجل وعدالته وجلالته، فحاشا للإمام× أن يقرِّب أو يُدني منه كاذباً أو فاسقاً، فالإمام× منهجه منهج القرآن الذي يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ([530]).

 وقد يُقال: لعل سبب تكريم الإمام× له، هو ما كان يحمله من العلم، والعلم سبب من أسباب التكريم، ومقياس من مقاييس التفضيل؛ لقوله تعالىٰ: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ([531]).

والجواب: إنّ العلم إنّما يكون سبباً من أسباب التكريم إذا كان مقترناً بالتقوىٰ، وما قيمة العلم المتّهم صاحبه بالكذب، خصوصاً إذا كان من جنس العلم القائم علىٰ الأخبار والحكايات كما هو العلم الذي يحمله الكلبي.

وقد يُقال: إنّ ذيل النصِّ ليس من كلام النجاشي، بل هو جزء من الرواية، وهذه الرواية مرسلة فلا يصحّ الاستشهاد بها!

والجواب:

أولاً: الظاهر أنّ هذه العبارة من كلام النجاشي علّق بها علىٰ الرواية، وكون هذه العبارة جزءاً من الرواية ـ أي: من كلام الراوي لا من كلام النجاشـي ـ هو مجرّد احتمال خلاف الظاهر.

ثانياً: إنّ هذه الرواية من الروايات المشهورة بين القدماء، كما يدلّ علىٰ ذلك قول النجاشي: «وله الحديث المشهور»، والشهرة الروائيّة بين القدماء تجعل الخبر غير الموثوق بصدوره في نفسه موثوقاً، كما هو مقرّر في علم الأُصول.

يقول السيِّد الخوئي: «...فلا ريب أنّ كثرة رواية أصـحاب الأئمّة^ لروايـة معيَّنة ـ ولو كان في سندها مَن لا يوثق به ـ يوجب الظنّ الاطمئناني باحتفافها بقرينة أوجبت اشتهارها بين الأصحاب؛ لقرب عهدهم من زمان صدورها، فيكشف ذلك عن تثبّتهم فيها ووقوفهم علىٰ ما يوجب اطمئنان النفس بصدورها...»([532]).

الكلبي في رجال العامّة:

هذا كلّه بحسب رجالنا، أمّا في رجال العامّة فقد أجمعت كلمتهم علىٰ تركه وطرح أحاديثه في العقيدة والتشريع، ولم نجد لذلك سبباً ظاهراً سوىٰ تشيُّعه واختصاصه بمذهب أهل البيت^، وهذا ما صرّح به ابن حبان جهاراً نهاراً، حيث قال فيه ـ بعد أن وضعه في قائمة المجروحين ـ : «هشام بن محمّد بن السائب، أبو المنذر الكلبي من أهل الكوفة، يروي عن أبيه ـ ومعروف مولىٰ سليمان والعراقيين ـ العجائب والأخبار التي لا أُصول لها، روىٰ عنه شباب العصفري، وعليّ بن حرب الموصلي، وعبد الله بن الضحاك الهدادي، وكان غالياً في التشيُّع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلىٰ الإغراق في وصفها»([533]).

وقال ابن عساكر: «رافضي، ليس بثقة»([534]).

وقال الذهبي: «وكان حافظاً علّامة، إلّا أنّه متروك الحديث، فيه رفض»([535]).

 هذا هو موقف العامّة من مرويات الكلبي في مجال العقيدة والتشريع، أمّا حينما نأتي إلىٰ علمَي التاريخ والأنساب ـ ولا سيما الأخير ـ نجد أنّ روّاد هذين الميدانين كلّهم عيال عليه، ونلاحظ: أنّ الموسوعات التاريخيّة الكبرىٰ وكُتب الأنساب مشحونة من رواياته وأخباره، وقد نقلنا في بداية حديثنا عن (مكانته العلميّة وطبقته ومصنّفاته) الكثير من الأقوال الدالّة علىٰ قبول مروياته في مجالَي التاريخ والأنساب عند العامّة، بل في تلك الأقوال ما يدلّ علىٰ تقدُّمه في هذين الحقلين وعدم غناهم عنه.

6 ـ وفاته

توفّي ابن الكلبي في الكوفة سنة 204هـ علىٰ ما صححه أكثر المؤرِّخين، وقيل: سنة 206هـ.

قال الخطيب البغدادي (ت463هـ): «بلغني أنّ هشام ابن الكلبي مات في سنة أربع ومائتين، وقيل: سنة ستّ ومائتين»([536]).

وقال ياقوت الحموي (ت626هـ): «مات هشام سنة أربع ومائتين، وقيل: سنة ستّ»([537]).

وقال ابن خلكان (ت681هـ): «وتوفّي سنة أربع ومائتين، وقيل: سنة ستّ، والأوّل أصح، والله أعلم بالصواب، رحمه الله تعالىٰ»([538]).

وقال الذهبي (ت748هـ): «مات ابن الكلبي علىٰ الصحيح سنة أربع ومائتين، وقيل: بعد ذلك بقليل... وقيل: مات سنة ستّ ومائتين»([539]).

ويبدو لي أنّ أصل الرأي القائل بوفاة الكلبي سنة 206هـ والذي ضعّفه المؤرِّخون السابقون هو ابن النديم، فقد صرّح في فهرسه بوفاة هشام الكلبي سنة 206هـ، والذي لم يُشر إلىٰ الرأي الآخر في المقام؛ ممّا يدلل علىٰ استبعاده له أو عدم اطّلاعه عليه([540]).

وقد نسب الصفدي هذا الرأي ـ أعني الرأي القائل بوفاته سنة 206هـ ـ إلىٰ ابن سعد صاحب الطبقات([541])، ولو ثبت ذلك عن ابن سعد لكان هذا الرأي هو الرأي الأصح؛ نظراً لمعاصرته لهشام وتتلمذه علىٰ يديه في بغداد كما ذكرنا، ولكنّنا أطلنا الفحص في كتاب الطبقات ولم نعثر علىٰ شيءٍ من ذلك.

ومن الواضح من خلال رصد السير التاريخي لهذين الرأيين في وفاة ابن الكلبي أنّ الخطيب البغدادي هو المصدر الأوّل للرأي القائل بوفاته سنة 204هـ، كما أنّه هو أوّل مَن رجّح هذا الرأي علىٰ الرأي الآخر، ثمَّ تابعه القوم علىٰ ذلك، ولم يبيِّن لنا الخطيب البغدادي ولا غيره مستنده في هذا الترجيح.

المبحث الثاني

كتاب مقتل الحسين ×  للكلبي

تُعتبر كتابة المقاتل أحد أنواع الكتابة التاريخيّة التي بدأت مع بدايات عصـر التدوين، وقد كان لهشام الكلبي اهتماماً ملحوظاً في هذا المحور، حيث كتب عدّة مقاتل لعدّةٍ من الشخصيات البارزة في المجتمع الإسلامي في القرن الهجري الأوّل، وكُتُبه في هذا المجال بلغت خمسة كتب هي:

1ـ مقتل عثمان.

2ـ مقتل أمير المؤمنين×.

3ـ مقتل حجر بن عدي.

4ـ مقتل رشيد وميثم وجويرية بن مسهر.

5ـ مقتل الحسين×([542]).

وقد أشرنا فيما مضىٰ إلىٰ فقدان أكثر كُتُب هشام الكلبي في هذا العصر، وقد كان من جملة كتبه المفقودة كتابه في مقتل الحسين×، غير أنّ من حُسن الحظِّ أنّ الكثير من المرويات التي جمعها ابن الكلبي في كتابه مقتل الحسين× قد وصلتنا عِبَر المصادر التاريخيّة المتأخّرة عن عصر ابن الكلبي، والتي اهتمّت بحفظ وتسجيل النصّ الكربلائي، وأخذه من منابعه الأصليّة، وهذا ما سنفصِّل الكلام عنه في السطور التالية:

1 ـ علاقة مقتل ابن الكلبي بمقتل أبي مخنف

عند حديثنا عن كتاب مقتل الحسين× لأبي مخنف لوط بن يحيىٰ الأزدي الكوفي (ت157هـ)، ذكرنا هناك أنّ الكلبي هو تلميذ أبي مخنف وهو الراوي لكتابه في المقتل، ويبدو أنّ كتاب مقتل الحسين× للكلبي هو عين كتاب أبي مخنف مع إضافات أُخرىٰ توصّل إليها الكلبي عن غير طريق أبي مخنف، فأخبار أبي مخنف المرتبطة بواقعة كربلاء ـ والتي أشـرنا إلىٰ مواضعـها هناك ـ تُشكِّل المادّة الأساسيّة لكتاب مقتل الحسين× للكلبي.

إنّ من الطُرُق المألوفة بين الأخباريين والمؤرِّخين القدامىٰ أن يأخذ التلميذُ أحدَ كتب أُستاذه، ويجعله أساساً لكتاب يقوم التلميذُ بتصنيفه في نفس الموضوع، وربما حمل نفس العنوان، وقد يشتُهر كتاب التلميذ أكثر من كتاب الأُستاذ، لا سيما إن طالت يد التلف والضياع كتابَ الأُستاذ، وشاءت الأقدار أن يبقىٰ كتاب التلميذ، ومن أمثلة ذلك: المؤرِّخ الكبير محمد بن سعد البصري البغدادي (ت230هـ) الذي سار في كتابه الشهير (الطبقات الكبرىٰ) علىٰ منوال كتاب (الطبقات) المفقود لأُستاذه الواقدي وأفاد منه كثيراً.

ويمكن مقاربة هذا النوع من أنواع الكتابة بما هو شائع في كتابة الرسائل العمليّة في عصرنا، حيث يعمد الفقيه إلىٰ الرسالة العمليّة لأُستاذه، فيقوم بتطبيقها علىٰ فتاويه مع تغيير مواضع الخلاف وتوضيح بعض المواضع وإضافة فروع وعناوين جديدة أُخرىٰ إليها، ثمَّ تُطبع بنفس العنوان السابق، ولكن باسم الفقيه اللاحق، كما يمكن اعتبار كتاب عوالم العلوم للشيخ عبد الله البحراني مصداقاً من مصاديق الجَرْي علىٰ هذه الطريقة، حيث إنّ الكتاب هو عبارة عن نسخة مكرّرة من كتاب البحار لأُستاذه المجلـسي مع إضافات وتغييرات بسيطة.

وإنّما سقنا هذا الكلام، ليتّضح للقارئ الكريم شيوع هذه الطريقة ومقبوليتها بين قدماء الأخباريين، وأنّها كانت لوناً من ألوان الكتابة التاريخيّة المستساغة لديهم، إلىٰ جانب الإملاء والتهذيب والتحشيّة وغيرها من ألوان الكتابة التي كانت شائعة في ذلك العصـر، ولأنّنا لم نجد من الباحثين مَن تحدَّث عن هذه الطريقة بشيءٍ من التفصيل.

وعلىٰ أيِّة حال، فإنّ مقتل هشام الكلبي هو عبارة عن مقتل أبي مخنف مع إضافات الكلبي التي توصّل إليها بطرقه الخاصّة، وحيث إنّنا قد تحدَّثنا سابقاً عن مقتل أبي مخنف، فإنّنا نحيل القارئ الكريم إلىٰ هناك، وبقي علينا أن نتحدَّث عن مرويات مقتل الكلبي التي توصّل إليها عن غير طريق أبي مخنف في الطبري، ثمّ نتحدَّث عن مروياته في غير الطبري، وأهمّها: كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، وكتاب تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي، وهو ما تتكلّف به العناوين التالية.

2 ـ ما رواه هشام عن غير أبي مخنف في الطبري

يبلغ عـدد رواة هشـام في الطبري ـ غير أبي مخنف ـ تسعة رواة، وهؤلاء هم الذين اتّصل بهم هشام مباشرة، وحدَّثوه عن الأحداث من خلال واسطة واحدة أو واسطتين، وسنقوم فيما يلي بتعداد أسماء هؤلاء الرواة مع الإشارة إلىٰ مروياتهم وتحديد مواضعها في الطبري.

1ـ عوانة بن الحكم الكلبي الكوفي، وهو من أهمّ مصادر هشام بعد أبي مخنف، غير أنّه علىٰ النقيض منه، فقد كان متّهماً بولائه للأُمويين، ووضع الأحاديث والأخبار لهم، كما ذكر ذلك غير واحد من المؤرِّخين.

قال الزركلي: «عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض، من بني كلب، أبو الحكم: مؤرِّخ من أهل الكوفة، ضرير، كان عالماً بالأنساب والشعر، فصيحاً، واتُّهم بوضع الأخبار لبني أُميّة»([543]).

ونقل صاحب لسان الميزان، عن عبد الله بن المعتز، عن الحسن بن عليل العنزي قوله في عوانة بن الحكم: «إنّه كان عثمانيّاً، فكان يضع الأخبار لبني أُميّة»([544]). ومع ذلك فقد اعتمد هشام علىٰ بعض مروياته، ولعل انتساب عوانة إلىٰ نفس قبيلة هشام (بني كلب)، وانتمائه إلىٰ نفس مدينته (الكوفة) جعل اتّصال هشام به أمراً طبيعيّاً.

ويبدو أنّ هشاماً لم يقم بغربلة روايات عوانة؛ ولذا يجب التعاطي بحذر شديد مع روايات هذا الرجل وغربلتها حتىٰ وإن كان وصولها إلينا عبر طريق هشام، فقد روىٰ الطبري ستّ روايات ممَّا كان يحدِّث به هشام عن شيخه عوانة، ويغلب علىٰ بعض تلك الروايات طابع التبرئة لساحة يزيد ومحاولة إلصاق الجرائم التي ارتُكبت في كربلاء بعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وأعوانهما، وفيما يلي نشير إلىٰ مواضع تلك الروايات:

الرواية الأُولىٰ: اجتماع كتب أعوان بني أُميّة في الكوفة عند يزيد، ودعوته لسـرجون ومشاورته في الأمر، وأخذ يزيد برأي سرجون، وأوّل الرواية: قال هشام: قال عوانة: «فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلّا يومان، دعا يزيد بن معاوية سرجون مولىٰ معاوية، فقال: ما رأيك؟...»([545]).

الرواية الثانية: لقاء الفرزدق بالحسين×، ثمَّ لقاء الفرزدق بعبد الله بن عمرو بن العاص، ثمّ مجيء الخبر بقتل الحسين×، ومعرفة الناس بقتل الحسين× قبل حدوثه، وأوّل الرواية: قال هشام، عن عوانة بن الحكم، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب، عن أبيه، قال: «حججت بأُمّي، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحجّ، وذلك في سنة ستّين، إذ لقيت الحسين بن عليّ خارجاً من مكّة معه أسيافه وتراسه...»([546]).

الرواية الثالثة: دخول عمّار بن عبد الله بن يسار الجهني علىٰ عمر بن سعد قبل مسيره إلىٰ الحسين×، إلىٰ حين نزول الأخير بكربلاء، وإرساله الرُّسُل إلىٰ الحسين× يسألونه ما الذي جاء به؟ وماذا يريد؟ وأوّل الرواية: قال هشام: حدَّثني عوانة بن الحكم، عن عمّار ابن عبد الله بن يسار الجهني، عن أبيه، قال: «دخلت علىٰ عمر بن سعد، وقد أمر بالمسير إلىٰ الحسين×...»([547]).

الرواية الرابعة: جانب من أحداث السبي في حبس الكوفة، ثمّ تسريحهم ووصولهم إلىٰ الشام، وجانب ممّا حصل من أحداث ومحاورات هناك، وأوّل الرواية: قال هشام: وأمّا عوانة بن الحكم الكلبي، فإنّه قال: «لمّا قُتل الحسين وجيء بالأثقال والأُسارىٰ حتىٰ وردوا بهم الكوفة إلىٰ عبيد الله، فبينا القوم محتبسون...»([548]).

الرواية الخامسة: إرسال ابن زياد لعبد الملك بن أبي الحارث السلمي إلىٰ المدينة يُخبر عمرو بن سعيد بن العاص بقتل الحسين×، وأوّل الرواية: قال هشام: حدَّثني عوانة بن الحكم، قال: «لمّا قتل عبيدُ الله بن زياد الحسينَ بن عليّ، وجيء برأسه إليه، دعا عبدَ الملك بن أبي الحارث السلمي، فقال: انطلق حتىٰ تقدم المدينة علىٰ عمرو بن سعيد بن العاص، فبشـّره بقتل الحسين×...»([549]).

الرواية السادسة: مطالبة ابن زياد عمر بن سعد بالكتاب الذي كتبه إليه بقتل الحسين×، وأوّل الرواية: قال هشام: عن عوانة، قال: «قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين: يا عمر، أين الكتاب الذي كتبتُ به إليك في قتل الحسين؟...»([550]).

2ـ أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي (95-193هـ)، الكوفي، الحنّاط، المقرئ، الفقيه، المحدِّث، وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، عامّي المذهب، وُلِد سنة 95هـ وتوفِّي سنة 193هـ، وقد وثّقه العامّة وأثنوا عليه([551]).

روىٰ عنه هشام خبراً واحداً، وخبره يدور حول: تبرئة عبد الملك بن عمير اللخمي المتّهم بذبح عبد الله بن يقطر، وورود خبر مقتله ومقتل مسلم وهانئ (رضوان الله عليهم أجمعين) إلىٰ الحسين× في زبالة، وتفرّق الناس عنه بعد سماع النبأ، وأول الخبر: قال هشام: حدَّثنا أبو بكر بن عياش عمّن أخبره، قال: «والله، ما هو عبد الملك بن عمير الذي قام إليه فذبحه، ولكنّه قام إليه رجل جعد طوال يُشبه عبد الملك بن عمير...»([552]).

3ـ لقيط، لا يُعرف مَن هو، وإن كنت أحتمل أنّه لقيط بن ياسر الجهني (لعنه الله) قاتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل×([553])، بقرينة روايته عن عليّ بن الطعان المحاربي الذي كان في معسكر يزيد لعنه الله.

وعلىٰ أيِّة حال، فقد روىٰ هشام عن لقيط هذا خبراً واحداً مفصّلاً حول لقاء الحرّ (رضوان الله عليه) بالحسين× ومسايرته له، وأوّله هكذا: قال هشام: حدَّثني لقيط، عن عليِّ بن الطعان المحاربي: «كنت مع الحرّ بن يزيد، فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأىٰ الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية...»([554]).

4ـ أبو الهذيل السكوني، بفتح السين وضم الكاف، نسبةً إلىٰ السكون بطن من كندة([555])، ليس له ذِكْر في الرجال، له خبر واحد في الطبري رواه عنه هشام حول حديث هانئ بن ثبيت الحضرمي في مجلس الحضرميين أوله:

قال هشام: حدَّثني أبو الهذيل ـ رجل من السكون ـ عن هانئ بن ثبيت الحضـرمي، قال: «رأيته جالساً في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد الله وهو شيخ كبير، قال: فسمعته وهو يقول: كنت ممَّن شهد قتل الحسين...»([556]).

5ـ عمرو بن شمر بن يزيد الجعفي الكوفي، ضعّفه النجاشي([557])، وعدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الباقر×([558])، ثمَّ عاد مرّة أُخرىٰ وعدّه في أصحاب الإمام الصادق×([559]). روىٰ له هشام خبراً واحداً في الطبري حول عطش الحسين×، ومحاولته شرب الماء، أوله: قال هشام: حدّثني عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، «قال: عطِش الحسين حتىٰ اشتدّ عليه العطش، فدنا ليشرب من الماء...»([560]).

6ـ محمّد بن السائب والد هشام، مرّت ترجمته، روىٰ عنه ابنه هشام ـ في تاريخ الطبري ـ خبرين بخصوص واقعة الطفّ.

الخبر الأوّل: حول ركوب الحسين× إلىٰ المسناة طالباً الماء، وهذا أوّله: قال هشام، عن أبيه محمّد بن السائب، عن القاسم بن الأصبغ بن نباته، قال: «حدَّثني مَن شهد الحسين في عسكره أنّ حسيناً حين غُلب علىٰ عسكره ركب المسناة يريد الفرات...»([561]).

الخبر الآخر: حول ما أخبرت به النوار زوجة خولي عمّا رأت من معجزات رأس الحسين×، وأوّل الخبر: قال هشام: فحدّثني أبي، عن النوار بنت مالك، قالت: «أقبل خولي برأس الحسين× فوضعه تحت إجانة في الدار، ثمّ دخل البيت...»([562]).

7ـ عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، لم يرد له ذكر في الرجال، ولكن يظهر من بعض النصوص أنّه كان من أتباع مروان بن محمّد بن مروان بن الحكم، ويبدو أنّه كان من الوجوه المعروفة، يدلّنا علىٰ ذلك أنّه لمّا سار مروان إلىٰ فلسطين بعد قيام أبي مسلم الخراساني، فنزل نهر أبي فطرس، وقد غلب علىٰ فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي، أرسل مروان إليه عبد اللّه بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، فأجاره([563]).

وقد روىٰ هشام عن هذا الرجل خبراً واحداً حول دخول زحر بن قيس علىٰ يزيد بن معاوية، وتقديمه تقرير بما حصل من أحداث في كربلاء، أوّله هكذا قال هشام: فحدّثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه، عن الغاز بن ربيعة الجرشي، من حمير، قال: «والله، إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتىٰ دخل علىٰ يزيد بن معاوية، فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك؟ وما عندك؟...»([564]).

8ـ ما عبَّر عن هشام بـ (بعض أصحابنا)، وقد روىٰ عنه هشام خبراً حول بعض المعجزات التي حدثت يوم مقتل الحسين× في المدينة، جاء فيه: قال هشام: حدَّثني بعض أصحابنا، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: حدَّثني عمرو بن عكرمة، قال: «أصبحنا صبيحة قَتْل الحسين بالمدينة فإذا مولىٰ لنا يحدِّثنا، قال: سمعت البارحة منادياً ينادي، وهو يقول:

أُيّها القاتلون جهلاً حُسيناً
أبشـروا بالعذاب والتنكيل
كلّ أهل السماء يدعو عليكم
من نبي وملاك وقبيل
قد لُعنتم علىٰ لسان ابن داود
وموسىٰ وحامل الإنجيل»([565])

 9ـ عمر بن حيزوم الكلبي، لم يرد ذكره في الرجال، روىٰ عنه هشام خبراً يؤكِّد فيه علىٰ سماع أبيه للنداء الوارد في الخبر السابق، ونصّ الخبر: قال هشام: حدّثني عمر بن حيزوم الكلبي، عن أبيه، قال: «سمعت هذا الصوت»([566]).

3 ـ آثار مقتل الكلبي في الإرشاد للمفيد

يُعتبر الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت413هـ) من كبار علماء الإماميّة في زمانه، و«فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم». بحسب تعبير الرجاليّ الكبير أبو العباس النجاشي([567]).

وقال عنه الشيخ الطوسي: «محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد، يُكنّىٰ أبا عبد الله، المعروف بابن المعلِّم، من جملة متكلِّمي الإماميّة، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدَّماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدِّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنَّفٍ كبار وصغار، وفهرست كتبه معروف، وُلِد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وتوفِّي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، وكان يوم وفاته يوماً لم يُرَ أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والمؤالف»([568]).

أمّا كتابه (الإرشاد في معرفة حجج الله علىٰ العباد)، فهو من أقدم وأهمّ وأشهر الكتب المصـنَّفة في سـيرة الأئـمّة الاثني عشـر^، وقد خصص المصنِّف ـ في الباب المخصّص لسيرة الإمام الحسين^ ـ عدّة فصول للحديث عن مقتل الإمام الحسين×، وقد اعتمد المصنِّف في مقتله بشكل شبه كلّي علىٰ مصدرين هما: الكلبي، والمدائني؛ إذ يقول في مستهلِّ كلامه: «فمن مختصر الأخبار التي جاءت بسبب دعوته×، وما أخذه علىٰ الناس في الجهاد من بيعته، وذكر جملة من أمره في خروجه ومقتله: ما رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة...»([569]).

وظاهر هذا الكلام أنّ مقتل الكلبي هو أحد الأُصول الأساسيّة المعتمدة في مقتل الإرشاد، وهذا ما يستدعي بسط الكلام حوله في النقاط التالية:

النقطة الأُولىٰ: إنّ المراد بالمدائني الذي اعتمده المفيد إلىٰ جانب الكلبي هو عليّ بن محمّد المدائني (ت225هـ)، عامّي المذهب([570])، وهو من المؤرِّخين الأوائل، ومن قدماء كتّاب السير والفتوح والمغازي، ووزانه في هذه الفنون كَوِزان أبي مخنف والواقدي وأضرابهما.

قال ابن النديم في الفهرست: «قرأتُ بخطِّ أحمد بن الحارث الخزاز: قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها يزيد علىٰ غيره، والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدي بالحجاز والسيرة. وقد اشتركوا في فتوح الشام»([571]).

أمّا كتابه في المقتل، فهو من الأُصول القديمة المفقودة، ذكره ابن النديم في الفهرست، وذكر أنّ اسمه (أسماء مَن قُتل من الطالبيين)([572])، وسمّاه الطوسي (ت460هـ) في الفهرست (مقتل الحسين)([573])، وذكر ابن شهر آشوب في المعالم أنّ اسمه (السيرة في مقتل الحسين)([574])، ولعلّ لهذا الكتاب أكثر من اسم، كما في كثير من التصانيف القديمة([575]).

 ولعلّ أقدم مَن روىٰ عن هذا المقتل هو أبو الفرج الأصفهاني (ت356هـ) في مقاتل الطالبيين؛ حيث نقل عنه فيما يناهز الخمسة عشر موضعاً، ويبدو أنّه كان يمتلك نسخة من هذا المقتل، ثمَّ جاء بعده الشيخ المفيد (ت413هـ) الذي جعله مصدراً أساسيّاً من مصادره كما هو واضح من النصّ.

النقطة الثانية: لا ريب في أنّ المراد بـ(الكلبي) الوارد في نصّ المفيد هو هشام بن محمّد الكلبي؛ فإنّ هذا اللّقب إذا أُطلق في كُتُب الأنساب والسيرة والتاريخ ينصـرف إليه، وقد يُطلق في بعض المصادر ويُراد به والده محمّد بن السائب الكلبي، والتمييز بينهما يتمّ عِبْر القرائن الحاليّة، كما لو كان الكلام حول التفسير فيُحمل علىٰ (الكلبي الأب)، لاهتمامه بهذا الجانب، وكما لو كان الكلام حول أخبار كربلاء ـ كما في المقام ـ فيُحمل علىٰ (الكلبي الابن) لتخصّصه في هذا الحقل، وهذا أمر بيِّن للمتخصّصين، وإنّما ذكرنا هذه الالتفاتة ليتّضح الأمر لغير المتخصّص.

نعم، قد يشتبه الأمر حتىٰ علىٰ بعض المتخصّصين، فيتصور أنّ مراد الشيخ المفيد بالأخبار التي رواها الكلبي هي خصوص أخبار شيخه أبي مخنف، وإنّما نسبها للكلبي باعتباره الراوي الأساسي لمقتل أُستاذه أبي مخنف؛ وبالتالي لا معنىٰ لاعتبار كتاب الإرشاد من المصادر التي حملت آثار مقتل الكلبي؛ لأنّ المفيد قد اعتمد في الحقيقة علىٰ روايتي أبي مخنف والمدائني، وليس الكلبي سوىٰ طريق إلىٰ رواية أبي مخنف؟

والجواب:إنّ هذا الاحتمال وإن كان وارداً، إلّا أنّ مقارنة المادّة التاريخيّة التي احتواها مقتل الإرشاد بما نقله هشام عن غير أبي مخنف في الطبري، تظهر أنّ المراد بأخبار الكلبي الواردة في مقتل الإرشاد هي عموم أخباره التي استقاها من أبي مخنف وغيره من مشايخه، لا خصوص أخبار أبي مخنف، وهذه عيِّنات من نتائج تلك المقارنة:

1ـ نقل الشيخ المفيد أربعاً من روايات هشام الكلبي، عن شيخه عوانة بن الحكم، مع حذف بسيط لبعض الأجزاء وتغيير قليل في اللفظ، وهي الروايات: (الأُولىٰ، والثانية، والثالثة، والخامسة) بحسب التسلسل الذي سرنا عليه في نقل روايات هشام عن عوانة، وقد أهمل الروايتين: (الرابعة، والسادسة) لما فيهما من رائحة التبرئة لساحة يزيد، وإلصاق التّهمة بابن زياد وابن سعد، وتحميلهما المسؤولية وحدهما، وإليك مواضع تلك الروايات في الإرشاد:

أ ـ قال: «فلمّا وصلت الكتب إلىٰ يزيد دعا سرجون مولىٰ معاوية، فقال: ما رأيك؟...»([576])، وهذه الرواية الأُولىٰ بحسب تسلسلنا في نقل روايات هشام عن عوانة.

ب ـ قال: «...فروىٰ عن الفرزدق الشاعر أنّه قال: حججت بأُمّي في سنة ستّين، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم، إذ لقيت الحسين بن عليّ‘، خارجاً من مكّة مع أسيافه وتراسه...»([577])، وهذه هي الرواية الثانية.

ج ـ «...فلمّا كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبىٰ وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس، فنزل بنينوىٰ، فبعث إلىٰ الحسين× عروة بن قيس الأحمسي، فقال له: إيته فسله: ما الذي جاء بك؟ وماذا تريد؟...»([578])، وهذه هي الراوية الثالثة.

د ـ «ولمّا أنفذ ابن زياد برأس الحسين× إلىٰ يزيد تقدَّم إلىٰ عبد الملك بن أبي الحديث السلمي، فقال: انطلق حتىٰ تأتىٰ عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشّـِره بقتل الحسين×...»([579])، وهذه هي الرواية الخامسة.

2ـ قال: «ثمّ ارتحلوا، فسار حتىٰ انتهىٰ إلىٰ زبالة، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر، فأخرج إلىٰ الناس كتاباً فقرأه عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّه قد أتانا خبر فظيع، قُتِل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر...»([580])، وهذا هو نفس الخبر الذي رواه هشام عن أبي بكر بن عياش مع حذف أوله، وتغيير بسيط في اللفظ.

3ـ قال: «فقال عليّ بن الطعان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذٍ، فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأىٰ الحسين× ما بي وفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية...»([581]). وهذه هي نفس رواية لقيط مع تغيير قليل في الصياغة.

4ـ قال: «واشتدّ به العطش، فركب المسناة يريد الفرات وبين يديه العباس أخوه، فاعترضه خيل ابن سعد (لعنه الله) وفيهم رجل من بنىٰ دارم، فقال لهم: ويلكم! حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنوه من الماء...»([582])، وهذا هو الخبر الأوّل الذي رواه هشام عن والده محمّد بن السائب مع بعض التغيير.

«فروىٰ عبد الله بن ربيعة الحميري، قال: إنّي لعند يزيد بن معاوية بدمشق، إذ أقبل زحر ابن قيس حتىٰ دخل عليه، فقال له يزيد: ويلك! ما وراءك وما عندك؟...»([583])، وهذا هو خبر هشام عن عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، مع تغيير في اسم الراوي وتغيير قليل في اللفظ.

فهذه عيِّنات تُثْبِت أنّ مراد المفيد بأخبار الكلبي، عموم أخباره حول واقعة كربلاء، لا خصوص ما رواه عن أبي مخنف، ويبدو أنّ المفيد كان يقوم بغربلة أخبار الكلبي، فلا ينقل منها سوىٰ ما وافق الثوابت العقديّة والتاريخيّة من منظور الإماميّة؛ ولذا وجدناه ينتقي بعض روايات هشام عن عوانة، ويترك البعض الآخر، كما أنّه قد يحذف جزءاً من الخبر، إذا أحسّ أنّ ذلك الجزء ممّا أُضيف علىٰ الخبر الأصلي؛ نظراً لتعارض ذلك الجزء مع بعض الثوابت.

النقطة الثالثة: يتّضح من خلال نصِّ المفيد، بأنّ روايات الكلبي في مقتل الإرشاد قد اختلطت بروايات المدائني وغيره، علىٰ طريقة مزج الحديث بعضه ببعض، وهي الطريقة التي كان يعمل بها الواقدي، وأُثير حولها جدل بين المؤرِّخين والمحدِّثين.

فممّا أنكره البعض علىٰ الواقدي ـ في منهجه التاريخي ـ أنّه يأتي بأسانيد متعدّدة، ثمَّ يذكر متناً واحداً ويدخل نصوص الرواة بعضها في بعض ويلفِّق من الجميع نصّاً واحداً.

قال إبراهيم الحربي: «سمعت المسيبي، يقول: رأينا الواقدي يوماً جالساً إلىٰ إسطوانة في مسجد المدينة، وهو يُدرِّس، فقلنا: أيُّ شيء تُدرِّس؟ فقال: جزئي من المغازي. وقلنا يوماً له: هذا الذي تجمع الرجال تقول: حدَّثنا فلان وفلان، وجئت بمتن واحد، لو حدَّثتنا بحديث كلّ واحد علىٰ حدة. فقال: يطول. قلنا له: قد رضينا، فغاب عنّا جمعة، ثمَّ جاءنا بغزوة أحد، في عشرين جلداً، فقلنا: ردّنا إلىٰ الأمر الأوّل»([584]).

 وفي تاريخ ابن عساكر بإسناده إلىٰ المغيرة، أنّه قال: أخبرني بعض مشايخنا، قال: «سألت إبراهيم الحربي عمّا أنكره أحمد بن حنبل علىٰ الواقدي، فذكر أنّ ممّا أنكر عليه جمعه الأسانيد ومجيئه بالمتن واحداً، قال إبراهيم الحربي: وليس هذا عيباً، قد فعل هذا الزهري وابن إسحاق»([585]).

مناقشة: يظهر من الخبر الأوّل أنّ اختصار الوقت هو السبب الذىٰ دفع الواقدي للسير علىٰ هذا المنهج، وهذا السبب يمكن أن يكون مبرّراً في حدود المادّة الدراسية، أعني: في حدود الكتاب الموضوع للدرس والتدريس، أمّا إذا كان الكتاب قد وُضِع ليكون مصدراً ومرجعاً للمتخصصين، فلا معنىٰ حينئذٍ للاختصار.

ويظهر من الخبر الثاني أنّ هذه الطريقة كانت موضع خلاف بين أحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي، فبينما أنكرها الأوّل علىٰ الواقدي، ولم يرَ الثاني بأساً بها، وأنّها ممّا كان يعمل به العلماء قبل الواقدي، كالزهري وابن إسحاق، وهذا الردّ من الحربي أشبه ما يكون بالنقض وليس حلاً.

ولعل عيب هذه الطريقة ـ من وجهة نظر الرافضين لها ـ يتمثّل بإشكاليتين:

1ـ إنّ فيه مصادرة لما يُطلق عليه اليوم بحقوق النشـر الفكريّة، فقد يكون أحد هذه النقول ممّا بذل صاحبه للوصول إليه جهوداً كبيرة.

2ـ إنّ هناك تفاوتاً بين المؤرِّخين في الاعتقاد والوثاقة والعلم وغيرها، ممّا له دخالة في ترجيح بعض النصوص علىٰ بعض، ولكنّنا بسبب هذه الطريقة قد فقدنا فرصة الترجيح المشار إليها.

فإذا استطاع المؤرِّخ أن يتجاوز هاتين الإشكاليتين بإعطائه مبرِّراً ما للسير علىٰ هذه الطريقة، كما لو كان الكتاب كتاباً تدريسيّاً تعليميّاً، وإلّا فإنّ هذه الطريقة في حدِّ نفسها معيبة، ولا يمكن غضِّ الطرف عن الإشكاليتين المذكورتين.

دفاع عن الشيخ المفيد:

وفيما يخصّ الشيخ المفيد في مقتل الإرشاد، نقول: إنّ الشيخ لم يكن بصدد النقل التاريخي البحت، لكي يكون ملزَماً بذكر الأسانيد والمتون تفصيليّاً والتمييز بينها، وإنّما كان بصدد عرض ما صحّ عنده من أخبار مقتل الحسين×.

وبعبارة أُخرىٰ: كان الشيخ في مقتل الإرشاد يمارس عملاً تاريخيّاً اجتهاديّاً لا نقليّاً، بحيث إنّ إطلاق عبارة: (مقتل المفيد) علىٰ هذا العمل قد تكون أصدق من إطلاق عبارة: (مقتل الكلبي أو المدائني برواية المفيد).

نعم، لا شـك في أنّـه قد اعتـمد علىٰ هذين المصـدرين في تصـنيف مقتله ـ كما صرّح ـ ولكن ممّا لا شكّ فيه أيضاً، أنّ الرواية عنهما لم تكن ملحوظة لديه بالدرجة الأُولىٰ.

ويمكن مقاربة العمل التاريخي الاجتهادي، بالعمل الفقهي الاجتهادي، فإنّ الفقيه تارة يقوم بعمل فقهي نقلي (حديثي)؛ فيكون في هذا العمل ملزَماً بنقل الأسانيد والمتون وفرز بعضها عن بعض بدقّة عالية، وتارة يقوم بعمل فقهي اجتهادي (إفتائي)؛ فلا يكون ملزَماً إلّا بذكر ما توصّل إليه من آراء صحيحة ـ من وجهة نظره ـ ولا حاجة لذكر متون الأحاديث والتمييز بينها وبين رواتها.

هذا، ويمكن للمحقّقين المتمرِّسين في تراث واقعة الطفّ، تمييز روايات هشام الكلبي عن غيره في مقتل الإرشاد، بمقارنة هذا المقتل بما رواه الطبري عن هشام من جانب، وبمقارنته بما رواه أبو الفرج الأصفهاني وغيره عن المدائني من جانب آخر.

وينبغي الاعتراف بأنّها عملية شاقّة، وقليلة الجدوىٰ؛ لما قلناه من عدم وجود كتابي الكلبي والمدائني في المقتل، فالروايات المنقولة عن هذين الكتابين في تاريخ الطبري ومقاتل الطالبين وغيرهما لا تمثِّل تمام هذين الكتابين؛ وحينئذٍ ستكون المقارنة ناقصة، ولكنّها علىٰ أيّة حال مفيدة وموصلة إلىٰ نتائج جزئية، وقد طبقناها سابقاً في فرز روايات هشام عن غير أبي مخنف، واستطعنا فرز العديد منها.

4 ـ آثار مقتل الكلبي في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي

وُلد أبو المظفر شمس الدين يوسف بن قزغلي (فرغلي) المعروف بـ (سبط ابن الجوزي) بعد سنة 580هـ ببغداد، وتوفّي في دمشق سنة 654هـ، فهو من أعلام القرن السابع الهجري، وهو سبط أبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد الجوزي (ت597هـ) صاحب كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم([586]).

أمّا كتابه (تذكرة خواص الأُمّة بذكر خصائص الأئمّة)، أو (تذكرة الخواص من الأُمّة في ذكر مناقب الأئمّة)، أو (تذكرة الخواص) اختصاراً، فهو من أهمّ الكتب التي تناولت سيرة أمير المؤمنين والصديقة الزهراء والأئمّة من ذرّيتهما^، وتكمن أهمّية هذا الكتاب ـ بالإضافة إلىٰ اشتماله علىٰ جملة من مرويات الأُصـول التاريخيّة القديمة ـ بكون مؤلفه من العامّة الموصوفين بالاعتدال وعدم التعصّب المذهبي.

وقد خصّص سبط ابن الجوزي الباب التاسع من هذا الكتاب لذكر الحسين× ومقتله، معتمداً في ذلك علىٰ مرويات قدماء الأخباريين والمحدِّثين، ومنهم: هشام الكلبي، وقد وجدنا في هذا الكتاب العديد من النصوص التي انفرد سبط ابن الجوزي بروايتها بصورة أو بأُخرىٰ، فكان لا بدّ من التأشير عليها:

النصّ الأوّل: قال سبط ابن الجوزي: «قال هشام بن محمّد: وكتب يزيد في أسفل الكتاب:

يا أيّها الراكب الغادي لمطيَّته([587])
علىٰ عذافرة في سيرها قحمُ
» ([588])

هذا مطلع من قصيدة تتكّون من عشرة أبيات، كتبها يزيد أسفل الكتاب الذي بعثه إلىٰ ابن عباس، رواها سبط ابن الجوزي عن هشام، ورواها ابن عساكر مع زيادة بيت واختلاف يسير في اللفظ، ضمن كلام طويل ملفّق من عدّة نصوص تاريخيّة لعدّة مؤرِّخين من بينهم أبي مخنف([589])، ولا ندري بالضبط هل أنّ هذه القصيدة من مرويات أبي مخنف أم لا، وعلىٰ فرض أنّها من مروياته، فنحن لا نعلم بكون هشام قد أخذها عنه أم عن غيره؛ ولذا فقد أثبتنا هذه القصيدة كمثال علىٰ ما روي عن هشام في غير الطبري والإرشاد من غير طريق أبي مخنف، وقد روىٰ الطبري هذه القصيدة مع زيادة بيتين واختلاف يسير في اللفظ، ولكن بطريق لا يمر بهشام ولا أبي مخنف، كما أنّه لم يذكرها ضمن أحداث الطفّ، وإنّما ذكرها ضمن أحداث فخ([590]).

النصّ الثاني: عن هشام بن محمّد الكلبي، قال: «لمّا رآهم الحسين× مصـرِّين علىٰ قتله أخذ المصحف ونشـره وجعله علىٰ رأسه ونادىٰ...»([591]).

والنصّ هو عبارة عن مقتل مقتضب، فيبدأ بمحاورة الإمام الحسين× لمعسكر الأعداء ووعظه إياهم، ثمَّ يمرّ بمقتل عبد الله الرضيع×، ومبارزة زهير بن القين أثناء أداء الإمام الحسين× لصلاة الخوف بأصحابه، ثمَّ ينتهي بمقتل الحسين×، وليس فيه إشارة إلىٰ مبارزات بقية الهاشميين والأصحاب.

ويبدو لي من خلال مقارنة هذا النصّ بروايات هشام في الطبري، أنّ هذا النصّ قد اقتبسه سبط ابن الجوزي من عدّة روايات لهشام في الطبري، وصاغه بأُسلوبه الخاصّ، ومع هذا فمادّة هذا النصّ ليست كلّها اقتباساً من تاريخ الطبري، فبالتدقيق تجد في ثنايا النصّ بعض الشذرات التي لم تؤخذ من الطبري ولا غيره.

النصّ الثالث: إقدام ابن زياد علىٰ إهانة الرأس الشـريف، ومحاورته لزيد بن أرقم، وأوّله هكذا: قال هشام بن محمّد: «لمّا وُضِع الرأس بين يدي ابن زياد قال له كاهنه: قُم فضع قدمك علىٰ فم عدوِّك ! فقام فوضع قدمه علىٰ فيه...»([592]).

النصّ الرابع: يتحدَّث عن قصّة حافر حمار النبي عيسىٰ× التي رواها رسول القيصر في قصر يزيد، جاء في أوله: «وحكىٰ هشام بن محمّد، عن أبيه، عن عبيد بن عمير، قال: كان رسول قيصر حاضراً عند يزيد، فقال ليزيد: هذا رأس مَن؟...»([593]).

ونودّ أنّ نعلِّق علىٰ هذا النصّ بتعليقين:

1ـ ذكرنا سابقاً روايتين ممّا رواه هشام عن والده محمّد بن السائب في تاريخ الطبري؛ فيكون مجموع روايات هشام عن والده ثلاث روايات بعد ضمّ هذه الرواية إليهما، وبهذا نستطيع القول: إنّ محمّد بن السائب يأتي بعد أبي مخنف وعوانة بن الحكم من حيث كثرة اعتماد هشام عليه في تصنيف مقتله.

2ـ إنّ القصّـة الـواردة في النصّ قد وردت أيضاً ـ مع بعض الاختلاف ـ في الملهوف علىٰ قتلىٰ الطفوف لعليّ بن موسىٰ بن جعفر بن طاووس (ت664 هـ)([594])، وابن طاووس معاصر لسبط ابن الجوزي وروايته مرسلة؛ وبالتالي يتعذّر علينا التأكّد إن كان مصدره هشام أم غيره، ونقل هذه القصّة ـ بشكل مقتضب ـ أحمد بن محمّد بن عليّ بن حجر الهيتمي (ت974هـ) في الصواعق المحرقة([595])، وروايته مرسلة أيضاً، وإن كنّا نحتمل أنّه قد نقلها عن كتاب التذكرة؛ لتأخر الهيتمي عن سبط ابن الجوزي قرابة الثلاثة قرون.

النصّ الخامس: طلب الشامي من يزيد أن يهب له فاطمة بنت الحسين÷، وتشبّثها بعمتها زينب‘، ومحاورة زينب‘ مع يزيد وإفحامه، وهذا أوله: وذكر هشام بن محمّد: «أنّه لمّا دخل النساء علىٰ يزيد نظر رجل من أهل الشام إلىٰ فاطمة بنت الحسين÷...»([596]).

وهذه الحادثة رواها الطبري عن أبي مخنف([597])، ولكنّه ذكر أنّ صاحبة الحادثة هي فاطمة بنت عليّ÷ وليست فاطمة بنت الحسين÷، كما أنّه جاء في نصِّ التذكرة: أنّ يزيد قد سكن غضبه بعد أن كلَّمته زينب‘، علىٰ العكس من نصِّ الطبري الذي ذكر: أنّ يزيد قد غضب واستطار بعد سماع كلامها‘؛ ومن هنا نحتمل أنّ نصّ التذكرة هو رواية أُخرىٰ غير رواية الطبري.

النصّ السادس: حادثة دخول الرؤوس إلىٰ الكوفة، وحمل حرملة بن كاهل الأسدي رأس العباس بن عليّ÷، وهذا هو أوّل النصّ: عن هشام بن محمّد، عن القاسم بن الأصبغ المجاشعي، قال: «لمّا أُتي بالرؤوس إلىٰ الكوفة إذا بفارس أحسن الناس وجهاً، قد علَّق في لبب فرسه رأس غلام أمرد كأنّه القمر ليلة تمامه...»([598]).

 وقد روىٰ صاحب مقاتل الطالبيين هذا الخبر عن طريق المدائني بسنده إلىٰ القاسم بن الأصبغ، وفيه بعض الاختلاف عن رواية هشام([599]).

خاتمة بأهمّ النتائج

1ـ يُعتبر هشام بن محمّد بن السائب الكلبي من أبرز المؤرِّخين الذين أنجبتهم الكوفة في القرن الثاني الهجري.

2ـ يُعدّ الكلبي رأس علم الأنساب، وأوّل مَن فتح باب التصنيف والتأليف في هذا العلم، وعلماء الأنساب كلّهم عيال عليه.

3ـ الكلبي من ثقات علماء الإماميّة وأجلّائها، وكان من المختصّين بمذهب أهل البيت^، ومن المقرّبين من الإمام الصادق×.

4ـ يُعتبر كتاب مقتل الحسين× للكلبي من أُصول المقاتل، وقد جمع مادّته ممَّا رواه عن أبي مخنف وعوانة بن الحكم ووالده محمّد بن السائب وغيرهم من شيوخه وأساتذته.

5ـ مقتل الكلبي مفقود في عصرنا، ولكنّنا يمكن أن نلمس آثاره ومروياته في كتب التاريخ المتأخِّرة عن الكلبي وأهمّها: تاريخ الأُمم والملوك لمحمّد بن جرير الطبري (ت310هـ)، والإرشاد في معرفة حجج الله علىٰ العباد لمحمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت413هـ)، وتذكرة خواص الأُمّة بذكر خصائص الأئمّة لسبط ابن الجوزي (ت654هـ).

الفصل السابع: مقتل الحسين (عليه السلام) لنصر بن مزاحم المنقري الكوفي

الفصل السابع

مقتل الحسين×

لنصر بن مزاحم المنقري الكوفي (000ـ 212هـ)

تقديم

من الشخصيات الكوفيّة الأخباريّة القديمة، هي شخصية نصر بن مزاحم المنقري، وقد برزت هذه الشخصيّة في نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الهجريين.

وهي شخصية يكتنف الغموضُ العديدَ من جوانبها، فليس لدينا حول شخصيته سوىٰ معلومات متناثرة في بطون كتب التاريخ والسيرة والرجال، وقد حاولنا جمع تلك المعلومات وتنسيقها، وإخضاعها للتحليل والاستنتاج بغية سدّ الثغرات والفجوات التي قد نواجهها في معرفة الكثير من أبعاد هذه الشخصيّة.

ولعلّ أشهر ما عُرِف به نصر بن مزاحم هو كتابه (وقعة صفِّين) الذي يُعد أقدم وأهمّ أصل تاريخي يتحدَّث عن هذه الوقعة، وربما يكون كتابه هذا أعرف منه، ولذا كثيراً ما يُعرف به، فيقال مثلاً: نصر بن مزاحم، صاحب وقعة صفِّين.

وإلىٰ جانب هذا الكتاب ألَّف المنقري عدّة كُتُب أُخرىٰ، ومنها كتاب (مقتل الحسين×)، الذي يُعدُّ من أُصول المقاتل الحُسينيّة.

وهذا المقتل وإن كان مفقوداً في عصرنا، إلّا أنّ اعتماد علماء كبار علىٰ هذا المقتـل
 ـ
كأبي الفرج الأصفهاني، وابن قولويه، والشيخ الصدوق ـ قد حفظ لنا العديد من مروياته.

وسنتحدّث أوّلاً عن شخصية المنقري، ثمَّ نتحوّل للحديث عن كتابه في المقتل، ومن الله نستمدّ العون والتوفيق.

المبحث الأوّل

ترجمة المنقري

1 ـ اسمه ونسبه وكنيته وأولاده

نصر بن مزاحم بن يسار([600]) أو سيار([601]) المنقري العطار، أبو الفضل([602]) أو المفضل([603]).

والمنقري: بكسر الميم، وسكون النون، وفتح القاف، نسبة إلىٰ بني منقر، وهو منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم([604])، فَهُمْ بطنٌ من تميم؛ ولذا قد يلقّب نصر بن مزاحم في بعض المصادر بـ (التميمي) أيضاً، وإن كان إطلاق لقب (المنقري) عليه أشهر.

وقد نُسب إلىٰ هذا الفرع من تميم جماعة من أهل العلم ممَّن التفّوا حول أئمّة أهل البيت^، منهم: الحسين بن أحمد المنقري من أصحاب الباقر والكاظم÷([605])، وسليمان ابن داود المنقري الذي كان يروي عن جماعة من أصحاب الإمام الصادق×([606])، وأسلم ابن أيمن المنقري الكوفي من أصحاب الإمام الباقر×([607])، وإسماعيل بن محمّد المنقري من أصحاب الإمام الكاظم×([608])، وخلاد، وعبد الله، ومحمّد، أبناء سليم المنقري، وهم من أهل الكوفة، ومن أصحاب الإمام الصادق×([609])، وموسىٰ بن داود المنقري من أصحاب الجواد×، وغيرهم ممَّن أعرضنا عن ذكرهم خوفاً من الإطالة([610]).

والعطار: هو بائع العطور كما في المعاجم([611])، ولكن يبدو لي من خلال التتبّع أنّ لهذه المفردة معنىٰ أوسع ممّا ذكره أصحاب المعاجم، قال أعرابي في امرأة تزوّجها، وذُكِر له أنّها شابّة طرية، ودسّوا إليه عجوزاً:

عجوزٌ ترجىٰ أن تكون فتيةً
وقد نحل الجنبان واحدودب الظهرُ
تدسّ إلىٰ العطار سلعةَ أهلها
وهل يُصلِحُ العطارُ ما أفسد الدهرُ

تزوّجتُها قبل المحاق بليلةٍ
فكان محاقاً كلّه ذلك الشهرُ
وما غرّني إلّا خضابٌ بكفّها
وكحلٌ بعينيها وأثوابها الصفرُ(
[612])

فهم من البيت الأخير أنّ (الخضاب) و(الكحل) هما من ضمن الأشياء التي يبيعها العطّار؛ فتكون تجارته أوسع من تجارة بيع العطور، ويمكن أن نقول: إنّ العطّار هو بائع مواد التجميل.

وقد تطلق مفردة (العطار) علىٰ بائع الأدوية (الصيدلاني)، قال الزبيدي: «والصيدناني: العطّار مثل الصيدلاني»([613]).

وقد تقول: إنّ هذا النصّ قد فسَّر (الصيدلاني) بـ (العطار)، وهذا لا ينفعنا في مورد البحث؛ لأنّه أشبه بالدور؟

فأقول: هذا صحيح، ولكن ما ينفعنا في هذا النصّ هو أنّه يعتبر (الصيدلاني) و(العطار) لفظين مترادفين علىٰ معنىٰ واحد، وبما أنّ مفردة (الصيدلاني) لا تدلّ إلّا علىٰ بائع الأدوية والعقاقير الطبيّة([614])، يكون العطار بهذا المعنىٰ في هذا النصّ وأمثاله بنحو الخصوص.

وفي الحقيقة، نحن لا نعلم ما إذا كانت مهنة المنقري هي بيع العطور ونحوها من مواد التجميل، أم بيع الأدوية والعقاقير الطبيّة، فكلاهما محتملان؛ لأنّ المؤرِّخين لم يذكروا لنا سوىٰ كونه (عطّاراً) ولم يزيدوا علىٰ ذلك، وقد رجّح عبد السلام محمّد هارون محقق كتاب وقعة صفِّين أن يكون العطار هو بائع العطور؛ حيث يقول: «ويذكر المترجمون له أنّه كان عطّاراً يبيع العطور، ولعلّ ذلك ممّا أسبغ علىٰ تأليفه ذلك الذوق الحسن الذي يلمع في أثناء كتابه، ولعلّ ذلك أيضاً ممّا أكسبه هذه الروح البارعة في التأليف»([615]).

أقول: قد ذكر المترجمون لنصر بن مزاحم أنّه كان عطّاراً، أمّا كون العطار بمعنىٰ بائع العطور فهو من ترجيحات المحقق، وهو ترجيح بلا مرجح، وأمّا الربط بين الذوق الحسن والروح البارعة في التأليف وبين مهنة بيع العطور فهو ربط لطيف، ولكن هذا إن ثبت أن المنقري كان عطّاراً بهذا المعنىٰ، وكما يقولون: (ثبِّت العرش، ثمَّ انقش).

من أولاد نصر بن مزاحم ومن آل نصر: مزاحم بن نصر بن مزاحم، يروي عن هلقام بن جميع السدوسي([616])، وحسين أو (الحسين) بن نصر بن مزاحم، يروي عن أبيه([617])، ومحمّد بن سكين بن الرحال([618])، وخالد بن عيسىٰ([619])، وروىٰ عنه محمد بن القاسم بن زكريا الحارثي السوداني الكوفي([620])، وعلي بن العباس([621])، وعلي بن الحسن بن فضال([622]) ، ومحمّد بن مسلم([623]).

2ـ ولادته ونشأته

ذكر شيخُ الطائفة (نصراً) في قائمة أصحاب الإمام الباقر×([624])، وحيث إنّنا نعلم أنّ وفاة الإمام الباقر× كانت في عام 114هـ؛ فتكون ولادة نصـر قبل هذا التاريخ بفترة يكون معها مؤهّلاً لصحبة الإمام الباقر×، فإذا قلنا: إنّه وُلِد حوالي عام 100هـ، فقد قلنا بأقرب الاحتمالات؛ لأنّنا نستبعد أن يكون قد وُلِد قبل عام 100هـ بفترة طويلة، لأنّنا في هذه الحالة سنضطر إلىٰ افتراض كونه من المعمِّرين، وذلك بعد ملاحظة أنّ وفاته كانت عام 212هـ كما سيأتي.

هذا كلّه بناءً علىٰ صحّة عدِّ الشيخ الطوسي له في أصحاب الإمام الباقر×، ولكن سيجيء عند الحديث عن (مكانته العلميّة وطبقته ومصنفاته) مناقشة السيِّد الخوئي في صحّة ذلك.

والقدر المتيقن لدينا أنّ ولادته كانت قبل عام 161هـ، فقد ذكر ابن حبّان أنّ نصـراً قد أخذ عن سفيان الثوري([625])، وقد توفِّي سفيان هذا عام 161هـ ([626]).

كانت ولادة المنقري ونشأته في الكوفة، وكان عطّاراً فيها كما مرّ علينا
عند الحديث عن (اسمه ونسبه وكنيته وأولاده)، ثمّ ولّاه محمّد بن محمّد بن زيد ـ أحد أئمّة الزيديّة ـ سوقها([627])، أو بالأحرىٰ: أنّ الذي ولّاه سوق الكوفة هو أبو السرايا الذي كان القيِّم بأُمور الحرب لمحمّد بن محمّد بن زيد([628])، ثمَّ سكن بغداد([629])، ولا نعرف إذا ما استقرّ في بغداد إلىٰ آخر حياته أم أنّه رجع إلىٰ الكوفة مرّة أُخرىٰ.

3ـ مكانته العلميّة وطبقته ومؤلفاته

يُعتبر نصر بن مزاحم من الأخباريين القدامىٰ الذين اعتنوا بتدوين التراث الإسلامي، وقد تركّز نشاطه علىٰ جمع أخبار وروايات حربَي الجَمَل وصفِّين، وقد عدَّه ابن أبي الحديد المعتزلي من رجال أصحاب الحديث([630]).

أمّا طبقته، فقد عدَّه الشيخ في رجاله من أصحاب الباقر×. ولكن السيِّد الخوئي قد أشكل علىٰ ذلك، ورآىٰ ذلك غير قابل للتصديق، وذلك لعدّة أُمور:

1ـ لأنّ محمّد بن عليّ الصيرفي أبا سمينة، روىٰ عنه بكتابه، علىٰ ما ذكره النجاشي والشيخ، وهو معاصر لأحمد بن محمد بن عيسىٰ، المتوفَّىٰ حدود سنة (280هـ)، وقد أخرجه من قم، وكيف يمكن رواية مثل ذلك عن أصحاب الباقر×؟!

2ـ ولأنّ حميداً روىٰ كتاب نصر بن مزاحم بواسطة، علىٰ ما ذكره الشيخ، وحميد توفِّي سنة (310هـ)، وكيف يمكن أن يروي عن أصحاب الباقر× بواسطة واحدة؟!

3ـ ولأنّ أحمد بن محمّد بن سعيد المتوفَّىٰ سنة (333هـ) روىٰ كتاب نصـر بن مزاحم بواسطة واحدة، علىٰ ما ذكره النجاشي، وكيف يمكن روايته عن أصحاب الباقر× بواسطة واحدة؟!

4ـ إنّ الذهبي أرَّخ وفاته في ميزان الاعتدال لسنة اثنتي عشرة ومئتين([631]).

وممّا يدعم رأي السيِّد الخوئي هو عدم وجود روايات لنصر بن مزاحم يرويها عن الإمام الباقر× مباشرة، وإنّما هناك روايات له يرويها عن الإمام الباقر× بعضها بواسطة واحدة ([632]) وبعضها بواسطتين([633])، ويروي عن الإمام الصادق× بواسطة واحدة([634]).

وقد يُنتصر لرأي الشيخ الطوسي بعَدِّ ابن النديم له في طبقة أبي مخنف المظنون معاصرته للإمام الباقر×، إلّا أنّ هذا القول من ابن النديم لا يصمد أمام النقد أيضاً؛ لأنّ اشتراك اثنين في طبقة واحدة يعني اشتراكهما في الأساتذة والمنابع والمآخذ، مع أنّ المنقري يروي ـ أحياناً ـ عن أبي مخنف بالواسـطة، كما في بعض النقول([635])، ويروي عنه ـ أحياناً ـ بلا واسطة، كما في نقل آخر([636])، فهو إن لم يكن من طبقة تلامذة تلامذته، يكون من طبقة تلامذته علىٰ أقل تقدير.

من مصنّفات نصر بن مزاحم([637]): كتاب الجَمَل، كتاب صفِّين، كتاب مقتل الحسين بن عليّ، كتاب الغارات، كتاب مقتل حجر بن عدي([638])، كتاب النهروان، كتاب أخبار محمّد بن إبراهيم وأبي السرايا([639])، كتاب المناقب([640])، كتاب أخبار عين الوردة، كتاب أخبار المختار([641]).

ولم تحفظ لنا الأيام من هذه الآثار سوىٰ (كتاب صفِّين) أو (وقعة صفِّين)، كما هو معروف في طبعته المتداولة، وهذا الكتاب هو أقدم نصٍّ تأريخي محفوظ عن هذه الوقعة.

والملاحظ من خلال أسماء هذه الكتب أنّ المنقري قد انحصـر نشاطه علىٰ التأريخ الشيعي بالخصوص؛ ولذا لا نجد له حضوراً واسعاً في كتب التاريخ العام، وإن كانت هذه الكتب لم تغفل عن رواياته فيما يتّصل بـ (وقعة صفِّين)، لا سيما أبي الفرج الأصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين، حيث اعتمد علىٰ مروياته، وفضّلها علىٰ غيرها، وقال معلِّلاً ذلك «إذ كان ثبتاً في الحديث والنقل»([642])، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج، حيث اعتمد عليه اعتماداً كليّاً في قصّة التحكيم وظهور أمر الخوارج، فقال: «ونحن نذكر ما أورده نصـر بن مزاحم في كتاب صفِّين في هذا المعنىٰ، فهو ثقة ثبت صحيح النقل، غير منسوب إلىٰ هوىٰ ولا إدغال، وهو من رجال أصحاب الحديث»([643]).

4 ـ مذهبه ومعتقده

يوجد في مذهب نصر بن مزاحم ومعتقده ثلاثة آراء:

الرأي الأوّل: إنّه إماميّ المذهب، كما يظهر ذلك من النجاشي، إذ يقول في وصفه: «مستقيم الطريقة، صالح الأمر، غير أنّه يروي عن الضعفاء. كُتُبه حِسَان...»([644]).

ومحل الشاهد في قوله: «مستقيم الطريقة»، فإنّها لا تُستعمل في كلمات المتقدِّمين إلّا بحقّ الإماميّ الخالي من الشطحات الاعتقادية، والمقالات المنكَرة، فهي أخصّ دلالةً من لفظ (الإماميّ)؛ لأنّ هذا اللفظ بمفرده لا يدلّ علىٰ سلامة صاحبه من الأفكار المنحرفة والآراء الضالّة، وإنّما تقتصر دلالته علىٰ كونه من المنتسبين إلىٰ مذهب الإماميّة، وهذا واضح لمَن خبُر موارد استعمالات هذه العبارة في كلمات الرجاليين القدامىٰ، ومن تلك الموارد:

1ـ قال شيخ الطائفة في ترجمة (عليّ بن أحمد الكوفي): «كان إماميّاً مستقيم الطريقة، وصنّف كتباً كثيرة سديدة، منها كتاب الوصايا، وكتاب في الفقه علىٰ ترتيب كتاب المزني، ثمَّ خلَّط وأظهر مذهب المخمسة، وصنّف كتباً في الغلو والتخليط، وله مقالة تُنسب إليه»([645]).

فلاحظ معي كيف قيَّد وصفه له بكونه إماميّاً، بوصف آخر أخصّ منه، وهو قوله: «مستقيم الطريقة»، أي: إنّه كان علىٰ مذهب الإماميّة، وكان خالياً من الاعتقادات الفاسدة والآراء المنحرفة.

 ويؤكِّد هذا المعنىٰ قوله بعد ذلك: «ثمَّ خلَّط وأظهر مذهب المخمسة وصنَّف كتباً في الغلو والتخليط، وله مقالة تُنسب إليه»، فجعل الخلط وإظهار مذهب المخمسة معنىٰ مقابلاً لاستقامة الطريقة، ممَّا يدلّ علىٰ ما قلناه من استعمالهم لهذه العبارة في المعنىٰ الذي ذكرناه.

2ـ وقال الشيخ أيضاً في ترجمة (محمّد بن عليّ الشلمغاني): «وكان مستقيم الطريقة، ثمَّ تغيَّر وظهرت منه مقالات منكرة».

فقوله: «كان مستقيم الطريقة». لا يدلّ علىٰ إماميّة الشلمغاني فحسب، بل تكشف عن تنزيهه عن الشطحات والأفكار المنحرفة أيضاً، أي: إنّه كان إماميّاً خالص العقيدة قبل أن ينحرف وتتغيَّر أفكاره.

وعلىٰ هذا الأساس؛ تكون هذه العبارة شهادة من النجاشي بإماميّة المنقري، بل تكون شهادة بما هو أعلىٰ من ذلك، وهو السلامة من الانحرافات العقائديّة والشطحات الفكريّة.

الرأي الثاني: إنّه زيديّ المذهب، وذلك لكونه من عمّال محمّد بن محمّد بن زيد أحد أئمّة الزيديّة، حيث ولّاه السوق كما نصّ علىٰ ذلك غير واحد من المؤرِّخين؛ ومن هنا اعتبرته الزيديّة عَلماً من أعلامها وعَيناً من أعيانها.

قال صاحب الجداول الصغرىٰ: «كان أحد شيعة الإمام محمّد بن إبراهيم، وولّاه محمّد بن محمّد بن زيد السوق...»([646]).

وقال أحمد بن صالح بن أبي الرجال: «نصر بن مزاحم المنقري الزيديّ... كان أحد أعلام الزيديّة... وأحد أعيان أصحاب الإمام الأعظم محمّد بن إبراهيم...»([647]).

الرأي الثالث: إنّه عاميّ المذهب، يظهر ذلك من أبي الفرج الأصفهاني عند حديثه (عن ذكر السبب في خروج أبي السرايا)، حيث صرّح بقلّة اعتماده علىٰ (عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي) في نقله أخبار (أبي السرايا)، وعلّل ذلك بقوله: «لأنّ عليّ بن محمّد كان يقول: بالإمامة؛ فيحمله التعصّب لمذهبه علىٰ الحيف فيما يرويه»، ثمّ قال: «فاعتمدت علىٰ رواية مَن كان بعيداً عن فعله في هذا، وهي رواية نصر بن مزاحم؛ إذ كان ثبتاً في الحديث والنقل»([648]).

ففي نظر أبي الفرج أنّ العلّة التي قلّلت من اعتماده علىٰ مرويات النوفلي غير موجودة في المنقري، وهذه العلّة هي القول بالإمامة، فيكون المنقري من غير القائلين بالإمامة في نظر أبي الفرج.

ويظهر القول بعامّيته أيضاً من ابن أبي الحديد؛ إذ قال فيه: «فهو ثقة ثبتٌ، صحيح النقل غير منسوب إلىٰ هوىٰ ولا إدغال، وهو من رجال أصحاب الحديث»([649]).

قال صاحب روضات الجنّات تعليقاً علىٰ قول بن أبي الحديد: «وهذا يُشْعِر بأنّه ليس إماميّاً، وفيه نظر»([650]).

المختار من هذه الآراء:

إنّ الرأي الثالث هو أبعد هذه الآراء عن الصواب؛ فإنّ رجاليّي العامّة تكاد تتّفق كلمتهم علىٰ مخالفة المنقري لمذهبهم، فمرّة ينسبونه إلىٰ التشيُّع، وأُخرىٰ يرمونه بالرفض، وثالثة يتّهمونه بالزيغ عن الحقِّ، كما سيأتي عند الحديث عن (وثاقته وعدالته)، فهذا الرأي مخالف لما عليه أكثر علماء العامّة، بل هو مخالف لما عليه أكثر العلماء من الإماميّة والزيديّة والعامّة.

وأمّا الرأي الثاني، فهو غير مستند إلىٰ شاهد حسّي قطعي، بل هو مجرّد استنتاج، وهو مبني علىٰ كون المنقري أحد عمّال محمّد بن محمّد بن زيد، أحد أئمّة الزيديّة، ومن الواضح أنّه ليس كلّ مَن ساهم مع الزيديّة في ثوراتهم أو كان عاملاً لأحد أئمّتهم لا بدّ أن يكون موافقاً لهم في المذهب!

فالمختار من هذه الآراء هو الرأي الأوّل (رأي النجاشي)؛ فإنّه خرِّيت هذا الفنّ، وهو العارف البصير بأحوال الرجال، وقوله هو القول الفيصل في أمثال هذه الخصومات، وإذا كان قوله يُقدّم في مثل هذا وأشباهه علىٰ قول شيخ الطائفة، فكيف نتحرّج من تقديمه علىٰ قول غيره ممَّن ينتسبون إلىٰ غير مذهب الإماميّة؟

ولا يُقال: إنّ تقدُّم النجاشي وتفوّقه يقتصر علىٰ معرفة ما يوجب الجرح والتعديل، ولا يتعدّىٰ إلىٰ ما هو خارج حدود هذه الدائرة، كمعرفة مذهب الرجل ومعتقده.

لأنّنا نقول: إنّ معرفة المذهب والمعتقد لا يخرج عن حدود هذه الدائرة أيضاً؛ فإنّ معرفة هذا الجانب في شخصيّة الراوي لها مدخليّة كبيرة في تقييم مروياته، وكان القدماء يحرصون أشدّ الحرص علىٰ معرفة هذا الجانب.

5 ـ وثاقته وعدالته

مرّ علينا قول النجاشي فيه: «مستقيم الطريقة، صالح الأمر، غير أنّه يروي عن الضعفاء، كُتُبه حِسَان...».

ولا ريب في أنّ عبارة (مستقيم الطريقة) لا تفيد توثيقاً ولا مدحاً، بل المقصود بها صحّة المذهب والسلامة من الشطحات الفكريّة والاعتقادية كما مرّ، وإنّما غاية ما يمكن أن يُستدلّ به علىٰ توثيقه أو مدحه علىٰ أقلّ تقدير، هو الكلام الذي يلي هذه العبارة.

فإنّ قوله: «صالح الأمر». وإن كانت تحتمل صلاح العقيدة كما تحتمل صلاح السلوك، إلّا أنّ حملها علىٰ المعنىٰ الأخير أوْلىٰ؛ وذلك بقرينة قوله بعد ذلك: «غير أنّه يروي عن الضعفاء»؛ فلو لم يكن قوله: «صالح الأمر». دالاً علىٰ توثيقه أو مدحه في نفسه، لما احتاج إلىٰ الاحتراز من روايته عن الضعفاء.

وبكلمة ثانية: إنّه بعد أن وثّقه في نفسه بقوله: «صالح الأمر»، خشـي أن يسـري هذا التوثيق إلىٰ جميع مروياته، فاحترز من ذلك بقوله: «غير أنّه يروي عن الضعفاء».

وأمّا عبارة: (كُتُبه حِسَان)، فيمكن أن تكون متفرِّعة علىٰ قوله: «صالح الأمر»، أي: بما أنّه صالح الأمر تكون كُتُبه حِسَان، ولا بدّ أن يكون ذلك بنحو الموجبة الجزئية، أي: إنّها حِسَان في الجملة؛ لكي لا يتنافىٰ ذلك مع روايته عن الضعفاء، كما يمكن أن تكون هذه العبارة مدحاً مستقلاً غير متفرِّع علىٰ عبارة: (صالح الأمر)، وفي جميع الأحوال، فإنّ أقلّ ما يُستفاد من نصِّ النجاشي هو أنّ الرجل من الممدوحين.

بل يمكن أن نقول بتوثيقه علىٰ بعض المباني، وذلك بناءً علىٰ ورود اسمه مكرّراً في كتاب كامل الزيارات([651])، ولا يخفىٰ أنّ هناك مبنىٰ رجاليّاً يرىٰ وثاقة جميع المذكورين في هذا الكتاب([652]).

أمّا علماء رجال العامّة، فقد ترك أكثرُهم روايته بسبب تشيُّعه، فقال الذهبي: رافضـي جلد تركوه([653]). وقال العقيلي: كان يذهب إلىٰ التشيُّع، وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير من حديثه([654]). وقال أبو خثيمة: كان كذّاباً. وقال يحيىٰ بن معين: ليس حديثه بشـيء. وقال أبو حاتم الرازي: واهي الحديث متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان زائغاً عن الحقِّ. وقال صالح بن محمّد: روىٰ عن الضعفاء أحاديث مناكير. وقال أبو الفتح الأزدي: كان غالياً في مذهبه غير محمود في حديثه([655]).

وقد أنصفه ابن حبّان فذكره في الثقات([656]).

كما أنصفه ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله المارّ علينا: «فهو ثقة ثَبْت، صحيح النقل غير منسوب إلىٰ هوىٰ ولا إدغال...».

كما أنصفه أبو الفرج الأصفهاني بقوله فيه: «...إذ كان ثَبْتاً في الحديث والنقل»، وقد مرّ علينا أيضاً.

6 ـ وفاته

قال الخطيب البغدادي (ت463هـ): «أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا جعفر بن محمّد بن نصير الخلدي، حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، قال: سنة اثنتي عشـرة ومائتين فيها مات نصر بن مزاحم المنقري»([657]).

ويبدو لي أنّ هذا هو أقدم نصٍّ تاريخي يحدّد لنا وفاة نصـر بن مزاحم المنقري، وقد تسالم مَن جاء بعده من المؤرِّخين علىٰ ذلك، كالذهبي في تاريخ الإسلام([658]) وميزان الاعتدال([659])، وياقوت الحموي في معجم الأُدباء([660])، وإسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين([661])، وخير الدين الزركلي في الأعلام([662])، وعمر كحالة في معجم المؤلفين([663])، وغيرهم.

المبحث الثاني

مقتل الحسين ×  للمنقري

نصّ علىٰ كتابه في مقتل الحسين× الطوسي في الفهرست([664])، وابن النديم كذلك([665])، والنجاشي في رجاله([666])، وابن شهر آشوب في معالم العلماء([667])، والحموي في معجم الأُدباء([668])، وغيرهم.

وهذا المقتل غير محفوظ، كما أشرنا عند الحديث عن قائمة كتبه، إلّا أنّنا لو فتّشنا في الموروث الروائي لواقعة الطفّ لوجدنا العديد من الروايات المتناثرة هنا وهناك، ممّا وقع في سنده نصر بن مزاحم.

ولعل أقدم مَن نقل عن هذا المقتل هو أبو الفرج الأصفهاني (ت356هـ)، في كتابه مقاتل الطالبيين، ثمّ ابن قولويه (ت368هـ) في كامل الزيارات، ثمّ الصدوق (ت381هـ) في الأمالي، وعلل الشرائع، وثواب الأعمال وعقاب الأعمال.

ولا يوجد قبل هؤلاء الأعلام مَن نقل شيئاً من هذا المقتل، كما أنّ مَن جاء بعدهم قد أخذ روايات المنقري عنهم، فرواياته منحصرة بكتب هؤلاء المصنِّفين الثلاثة.

وهذا أمر له دلالته؛ فإنّه يشير إلىٰ بقاء مقتل المنقري محبوساً علىٰ نفسه لمدّة تقارب القرن من الزمن، ولم يجرأ أحد علىٰ النقل عنه حتىٰ جاء البويهيون وتسلّموا «مقاليد الحكم والسلطة من عام (320 ـ 447هـ)، فكانت لهم السلطة في العراق وبعض بلاد إيران، كفارس، وكرمان، وبلاد الجبل، وهمدان، وأصفهان، والرّي، وقد أُقصوا عن الحكم في الأخير بهجوم الغزاونة عليه عام 420هـ. وقد ذكر المؤرِّخون خصوصاً ابن الأثير في الكامل وابن الجوزي في المنتظم شيئاً كثيراً من أحوالهم، وخدماتهم، وإفساحهم المجال لجميع العلماء من دون أن يفرِّقوا بينهم بافتراق طوائفهم»([669]).

وفي ظلّ هذه الدولة كان يعيش هؤلاء العلماء، فاتّصلوا برواة هذا المقتل الذين يروونه عن المنقري بواسطة أو واسطتين أو ثلاث؛ ممّا يؤكِّد ما قلناه من انحصار رواية هذا المقتل بين تلامذة المنقري وتلامذة تلامذته، ولم تتوفر نسخه بين العلماء والمؤرِّخين إلّا في أيام البويهيين.

وفيما يلي سنشير إلىٰ مواضع تلك الروايات في الكتب المشار إليها لكي يتمكَّن المعنيون من ملاحقتها ومتابعتها:

1ـ أبو الفرج في كتابه (مقاتل الطالبيين)

هو عليّ بن الحسين بن محمّد (ت356هـ)، صاحب كتاب الأغاني، أُمويّ النسب، أصفهاني الأصل، بغدادي المنشأ([670])، زيديّ المذهب([671]).

وكان أبو الفرج من أعيان الأُدباء وكبار العلماء، وكان خبيراً بأيام الناس، والأنساب، والسيرة، وكان شاعراً محسناً، وصنَّف كتباً كثيرة منها: (الأغاني)، و(مقاتل الطالبيين) وغيرهما([672]).

قال التنوخي: «ومن الرواة المتّسعين الذين شاهدناهم أبو الفرج عليّ بن الحسين الأصبهاني، فإنّه كان يحفظ من الشعر، والأغاني، والأخبار، والآثار، والحديث المسند والنسب ما لم أرَ قط مَن يحفظ مثله، وكان شديد الاختصاص بهذه الأشياء، ويحفظ دون ما يحفظ منها علوماً أُخر منها: اللغة، والنحو، والخرافات، والسير والمغازي، ومَن آلة المنادمة شيئاً كثيراً، مثل: علم الجوارح، والبيطرة، ونتفاً من الطب، والنجوم والأشربة، وغير ذلك»([673]).

وقد عُرِف أبو الفرج بـ(الكاتب)؛ لأنّه كان كاتباً لدىٰ ركن الدولة البويهي، وكان قريب المنزلة منه، عظيم المكانة لديه([674]).

وأمّا كتابه (مقاتل الطالبيين)، فهو ممّا لا غنىٰ عنه لكلّ مؤرِّخ أو باحث في التاريخ الإسلامي، وذلك لما يحويه من مرويات الأُصول التي صنَّفها الأخباريون الأوائل، والتي ضاع معظمها، ولم يتبقَّ منها سوىٰ ما نقله عنها كتاب مقاتل الطالبيين ونظائره.

قال آغا بزرك الطهراني: «مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان الأُموي الزيديّ... ذكر فيه شهدائهم إلىٰ أواخر المقتدر الذي مات سنة320هـ، ابتدء فيه بجعفر الطيار أول الشهداء من آل أبي طالب، واختتم بإسحاق ابن عباس([675])، المعروف بالمهلوس الشهيد بأرمن، وذكر بعده جمعاً ممَّن حُكىٰ له قتلهم وتبرّء من خطائه، وفرغ منه في جمادي الأُولىٰ سنة313هـ، ويظهر من مواضع منه أنّه شيعي زيديّ المذهب»([676]).

وقد اعتمد أبو الفرج في تأليف كتـابه هذا ـ كما ألمحـنا ـ علىٰ مجموعة من الأُصول التاريخيّة القديمة التي صنّفها قدامىٰ الأخباريين، ومن بينهم: نصر بن مزاحم المنقري الذي عدّه أبو الفرج من المعتمدين الأثبات ـ كما مرّ ـ فكان أحد مصادره التي استقىٰ منها حديثه عن مقتل الحسين×.

وتتّخـذ روايات أبي الفرج عن المنقري ـ فيما يتّصـل بأحـداث ووقـائع كربلاء ـ عدّة أشكال، نبيِّنها فيما يلي:

الشكل الأوّل: ما أُسند إلىٰ نصر بن مزاحم بشكل صريح وواضح، وهو ما ينطبق علىٰ الروايات التالية:

الرواية الأُولىٰ: وهي ترتبط بمقتل جعفر بن عليّ بن أبي طالب^، ونصّ الرواية: «وقال نصر بن مزاحم: حدّثني عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ: أن خولي بن يزيد الأصبحي ـ لعنه الله ـ قتل جعفر بن عليّ»([677]).

الرواية الثانية: تعيين قاتل العباس×، قال: «حدَّثني أحمد بن عيسىٰ، قال: حدّثني حسين بن نصر، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر×: إنّ زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائي، قتلا العباس بن علي»([678]).

الرواية الثالثة: تعيين قاتل محمّد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب^، قال: «حدَّثني أحمد ابن عيسىٰ، قال: حدَّثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر...: أنّ رجلاً من تميم من بني أبان بن دارم قتله ـ رضوان الله عليه ـ ولعن الله قاتله»([679]).

الرواية الرابعة: وهي تتعلّق بجانب ممّا حدث في ليلة العاشر في معسكر الحسين×، قال أبو الفرج: «فحدَّثني عبد الله بن زيدان البجلي، قال: حدّثنا محمّد بن زيد التميمي، قال: حدَّثنا نصـر بن مزاحم، عن أبي مخنف عن الحرث بن كعب، عن عليّ بن الحسين×، قال: إنّي ـ والله ـ لجالس مع أبي في تلك الليلة، وأنا عليل...»([680]).

أقول: الروايات الثلاث الأُولىٰ مرّت علينا في مقتل جابر بن يزيد الجعفي، وقد أشرنا هناك إلىٰ كون الجعفي من مصادر المنقري في كتابه في المقتل، وأمّا الرواية الرابعة، فهي مقتبسة من مقتل أبي مخنف كما هو واضح من السند.

الشكل الثاني: ما أُسند إلىٰ المنقري بشكل مضمر، وهو ما يعبِّر عنه القدماء بطريقة (التعليق)، وتوضيح ذلك: أنّ أبا الفرج قد سلك طريقين للوصول إلىٰ رواية أبي مخنف حول مقتل الحسين×، وهما:

الطريق الأوّل: أحمد بن عيسىٰ بن أبي موسىٰ العجلي، عن الحسين بن نصر بن مزاحم، عن أبيه (نصر بن مزاحم)، عن عمر بن سعد([681])، عن أبي مخنف.

الطريق الثاني: أحمد بن محمّد بن شبيب المعروف بأبي بكر بن شيبة، عن أحمد بن الحرث الخزاز، عن عليّ بن محمّد المدائني، عن أبي مخنف([682]).

ولكنّه بعد ذلك كان كثيراً ما يختصر أحد هذين الطريقين بحذف بعض الوسائط علىٰ طريقة التعليق المتعارفة عند القدماء، فيقول ـ مثلاً ـ : «قال عمر بن سعد: عن أبي مخنف...»، فيطوي الوسائط الثلاث التي ذكرناها في الطـريق الأوّل، أو يقول ـ مثلاً ـ : «فقال المدائني: عن أبي مخنف...». فيطوي الواسطتين اللتين ذكرناهما في الطريق الثاني.

وفي ضوء ذلك؛ فإنّ الروايات التي رواها أبو الفرج ـ مباشرة ـ عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف، يمكن إسنادها أيضاً إلىٰ نصر بن مزاحم؛ وبالتالي يمكن القول: إنّها ممّا كان قد أودعه في كتابه مقتل الحسين×، وهذا ما ينطبق علىٰ الروايات الثلاث التالية:

الرواية الأُولىٰ: قال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، فحدّثني المصعب بن زهير، عن أبي عثمان: «إنّ ابن زياد أقبل من البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلي، والمنذر بن عمرو بن الجارود، وشريك بن الأعور، وحشمه وأهله...»([683]).

الرواية الثانية: وقال عمر([684]): عن أبي مخنف، عن المعلىٰ بن كليب، عن أبي الوداك، قال: «لمّا نزل ابن زياد القصر نودي في الناس: الصلاة جامعة. فاجتمع إليه الناس، فخرج إلينا...»([685]).

الرواية الثالثة: وقال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، قال: حدَّثني الحجاج بن عليّ الهمداني، قال: «لمّا ضرب عبيد الله هانئاً وحبسه، خشي أن يثب الناس به...»([686]).

الشكل الثالث: ما يحتمل وقوع المنقري في طريقه، وتوضيح ذلك: أنّ هناك العديد من الروايات التي نسبها أبو الفرج إلىٰ أبي مخنف بنحو مباشر، وبما أنّنا قد عرفنا أنّ رواية أبي الفرج عن أبي مخنف تمرّ عن أحد طريقين يقع في أحدهما نصر بن مزاحم، فنحن نحتمل أنّ جميع تلك الروايات أو بعضها قد وقعت لأبي الفرج عن طريق نصر بن مزاحم، وهذا ما يصدق علىٰ أحد عشر رواية:

الرواية الأُولىٰ: وقال أبو مخنف: فحدّثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن حازم البكري، قال: «أنا ـ والله ـ رسول ابن عقيل إلىٰ القصر في أثر هانئ لأنظر ما صار إليه أمره...»([687]).

الرواية الثانية: قال أبو مخنف: فحدَّثني سليمان بن أبي راشد، عن عبد الله بن حازم البكري، قال: «أشرف علينا الأشراف، وكان أوّل مَن تكلّم كثير بن شهاب. فقال...»([688]).

الرواية الثالثة: قال أبو مخنف: حدَّثني المجالد بن سعيد: «أنّ المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها، فتقول: انصرف، الناس يكفونك...»([689]).

الرواية الرابعة: قال أبو مخنف: فحدَّثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي: «أنّ ابن زياد بعث مع ابن الأشعث ستّين أو سبعين رجلاً كلّهم من قيس...»([690]).

الرواية الخامسة: قال أبو مخنف: فحدَّثني قدامة بن سعد: «أنّ مسلم بن عقيل حين انتُهي به إلىٰ القصر رأىٰ قلّة مبرّدة موضوعة علىٰ الباب...»([691]).

الرواية السادسة: قال أبو مخنف: فحدَّثني أبو قدامة بن سعد: «أنّ عمرو بن حريث بعث غلاماً له يُدعىٰ سليماً، فأتاه بماء في قلّة فسقاه...»([692]).

الرواية السابعة: قال (يعني أبا مخنف): وحدَّثني مدرك بن عمارة «أنّ عمارة بن عقبة بعث غلاماً يُدعىٰ نسيماً فأتاه بماء في قلّة عليها منديل...»([693]).

الرواية الثامنة: قال أبو مخنف في حديثه خاصّة عن رجاله: «إنّ عبيد الله بن زياد وجّه الحرّ بن يزيد ليأخذ الطريق علىٰ الحسين×...»([694]).

الرواية التاسعة: قال أبو مخنف: فحدَّثني عبد الرحمن بن جندب، عن عتبة بن سمعان الكلبي، قال: «لمّا ارتحلنا من قصـر ابن مقاتل، وسرنا ساعة خفق رأس الحسين× خفقة ثمّ انتبه...»([695]).

الرواية العاشرة: وقال أبو مخنف: عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: «سماع أُذني يومئذٍ الحسين× وهو يقول: قتلَ اللهُ قوماً قتلوك يا بُني...»([696]).

الرواية الحادية عشرة: قال أبو مخنف: فحدَّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: «لمّا اشتدّ العطش علىٰ الحسين× دعا أخاه العباس بن عليّ‘، فبعثه في ثلاثين راكباً وثلاثين راجلاً...»([697]).

الشكل الرابع: ما دخلت فيه رواية المنقري في رواية غيره، وهذا ما فعله عند حديثه عن أوّل قتيل قُتل من وُلد أبي طالب× مع الحسين×، فقال: قال المدائني، عن العبّاس ابن محمّد بن رزين، عن عليّ بن طلحة، وعن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن حميد بن مسلم، وقال عمر بن سعد البصـري: عن أبي مخنف، عن زهير بن عبد الله الخثعمي، وحدَّثنيه أحمد بن سعيد، عن يحيىٰ بن الحسن العلوي، عن بكر بن عبد الوهاب، عن إسماعيل بن أبي إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين: «إنّ أوّل قتيل قُتل من وِلْد أبي طالب مع الحسين ابنه عليّ، قال: فأخذ يشدّ علىٰ الناس...»([698]).

وقد أشرنا سابقاً إلىٰ أنّ رواية عمر بن سعد عن أبي مخنف هي بعينها رواية المنقري عنه، بعد حذف الوسائط الثلاث بين أبي الفرج وعمر بن سعد؛ اختصاراً للسند، عملاً بطريقة التعليق المعروفة بين القدماء.

 2 ـ ابن قولويه (ت 368هـ) في كتابه كامل الزيارات

وهو الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسىٰ بن قولويه القمّي (ت368هـ)، أُستاذ الشيخ المفيد، من علمائنا المتقدِّمين المتبحِّرين في الفقه والحديث.

قال عنه النجاشي: «وكان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه، روىٰ عن أبيه وأخيه عن سعد، وقال: ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحاديث، وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل، وكلّ ما يُوصَف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه...»([699]).

وقال عنه الطوسي: «جعفر بن محمد بن قولويه القمي، يُكنّىٰ أبا القاسم ثقة، له تصانيف كثيرة علىٰ عدد أبواب الفقه...»([700]).

وأمّا كتابه (كامل الزيارات)، فهو من أشهر كتب الزيارات وأكثرها اعتماداً، أخذ عنه شيخ الطائفة في التهذيب، والحرّ العاملي في الوسائل، وغيرهما، وقد ذكر ابن قولويه في مقدّمة كتابه هذا ما لفظه: «وأنا مُبيِّن لك ـ أطال الله بقاك ـ ما أثاب الله به الزائر لنبيّه وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) بالآثار الواردة عنهم^... ولم أُخرِّج فيه حديثاً روي عن غيرهم؛ إذ كان فيما روينا عنهم من حديثهم (صلوات الله عليهم) كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنىٰ ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم الله برحمته)، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال، يؤثَر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم. فَهِمَ بعض العلماء من عبارته توثيق كلّ مَن ذُكر في أسانيد كتابه، بل كونهم من المشهورين بالحديث والعلم»([701]).

وقد أصبح هذا النصّ فيما بعد من أهمّ مصاديق التوثيقات العامّة التي نالت قسطاً وافراً من البحث والتحقيق حولها في كتب الفقه والرجال؛ حيث اعتبر البعض أنّ هذا الكلام يُعدّ توثيقاً لجميع المذكورين في أسانيد الكتاب، وهم حوالي (400) راوياً، ولا ريب في أنّ هذا العدد يُعدّ ثروة ضخمة لو ثبتت دلالة هذا النصّ علىٰ المدّعىٰ، ولكن البعض يرىٰ أنّ عبارات ابن قولويه في هذا النصّ قاصرة عن بلوغ هذا المعنىٰ، وأنّ القدر المتيّقن أنّها تدلّ علىٰ وثاقة خصوص شيوخه المباشرين، وهم لا يتجاوزون (32) شيخاً، وهذا بحث طويل الذيل نكتفي منه بهذه الإشارة([702]).

وكتاب كامل الزيارات في الأصل هو عبارة عن جامع للزيارات، وما ورد فيها من فضل وثواب، ولكنّه قد ذكر ـ استطراداً أو تمهيداً ـ الكثير من الأبواب الخارجة عن إطار منهجيّة الكتاب لا سيما فيما يرتبط بالإمام الحسين× وقضيته المقدّسة، وقد نقل ابن قولويه خمس روايات عن المنقري ـ تتّصل بقضية الطفّ ـ نشير إلىٰ مواضعها فيما يلي:

الرواية الأُولىٰ: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن يزيد بن إسحاق، عن هانئ، عن عليّ بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله× قال: قال عليّ للحسين: «يا أبا عبد الله، أُسوة أنت قُدماً. فقال: جُعلت فداك ما حالي؟ قال: علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم، يا بني، اسمع وأبصر من قَبْل أن يأتيك، فوالذي نفسي بيده، ليسفكن بنو أُميّة دمك، ثمَّ لا يزيلونك عن دينك، ولا ينسونك ذكرَ ربّك. فقال الحسين: والذي نفسـي بيده، حسبي أقررت بما أنزل الله وأُصدّق قول نبي الله ولا أُكذّب قول أبي»([703]).

الرواية الثانية: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمّد بن الحسين، عن نصـر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن يزيد بن إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن عليٍّ× قال: «ليُقتل الحسين× قتلاً، وأنّي لأعرف تربة الأرض التي يُقتل عليها قريباً من النهرين»([704]).

الرواية الثالثة: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن محمّد بن الحسين، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن محمّد بن سلمة، عمَّن حدَّثه، قال: «لمّا قُتل الحسين بن عليّ‘ أُمطرت السماء تراباً أحمر»([705]).

الرواية الرابعة: عن محمّد بن جعفر (والد المؤلِّف)، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، قال: حدّثني أبو معشر، عن الزهري، قال: «لمّا قُتل الحسين× أُمطرت السماء دماً»([706]).

الرواية الخامسة: عن محمّد بن جعفر الرزاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أُمّ سلمة زوجة النبي| قالت: «ما سمعت نوح الجنّ منذ قبض الله نبيَّه إلّا الليلة، ولا أراني إلّا وقد أُصبت بابني الحسين...»([707]).

الرواية السادسة: عن محمّد بن جعفر (والد المؤلف)، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين، عن نصر بن مزاحم، عن عبد الرحمن بن أبي حماد، عن أبي ليلىٰ الواسطي، عن عبد الله بن حسان الكناني، قال: «بكت الجنّ علىٰ الحسين بن عليّ بن أبي طالب×...»([708]).

ونلاحظ علىٰ هذه الروايات ما يلي:

أوّلاً:إنّ هذه الروايات لا ترتبط بأحداث ووقائع المعركة، بل نلاحظ: أنّ الروايتين الأُوليين تندرجان ضمن الإخبارات الغيبيّة عن واقعة الطفّ، والروايات الثلاث الأخيرة تندرج ضمن الروايات التي تحدَّثت عن الظواهر الكونيّة التي حدثت بعد مقتل الحسين×.

ومع هذا، فلا ينبغي التردّد في اندراج هذه الروايات ضمن كتاب المقتل؛ لأنّ العادة قد جرت بين أرباب المقاتل الحسينيّة علىٰ ذكر الإخبارات الغيبيّة عن واقعة الطفّ كفصل من الفصول التمهيديّة قبل الدخول في تفاصيل المقتل، كما جرت العادة بينهم أيضاً علىٰ ذكر الظواهر الكونيّة بعد الفراغ من أحداث القتل.

ثانياً: بملاحظة أسانيد ابن قولويه إلىٰ نصر بن مزاحم يمكن أن نستنتج أنّ مقتله قد وصل إليه من خلال طريقين، كلاهما ينتهي إلىٰ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب أبي جعفر الزيّات الهمداني الكوفي (ت262هـ)، وهو ـ بحسب النجاشي ـ عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلىٰ روايته([709])، ويبدو لي أنّه أحد رواة هذا المقتل الأساسيين.

الطريق الأوّل: أبو العباس محمّد بن جعفر الرزاز الكوفي (ت301هـ) ابن أُخت محمّد بن الحسين([710]) ومن مشايخ الكليني([711]).

ولعلّ ابن قولويه قد أخذ عنه هذا المقتل في بغداد بعد مجيئه إليها سنة 337هـ([712])، ونحن وإن لم نظفر بنصٍّ صريح دالٍّ علىٰ تواجد الرزاز في تلك الفترة ببغداد، ولكن كونه من أساتذة الكليني يشير إلىٰ تواجده فيها، وبهذا يتأكّد ما قلناه: سابقاً من وصول هذا المقتل إلىٰ بغداد وانتشاره فيها.

الطريق الثاني: والده محمّد بن جعفر، وكان يُلقَّب بـ (مَسلمة) بفتح الميم وسكون السين([713])، وهو يرويه عن أبي خلف سعد بن عبد الله القمّي الأشعري (ت301هـ)، وهو كما قال النجاشي: «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها، كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً وسافر في طلب الحديث»([714]).

وهو صاحب كتاب بصائر الدرجات الذي اختصره الحسن بن سليمان الحلبي وسمّاه (مختصر بصائر الدرجات)، وهو غير بصائر الدرجات لشيخ القمّيين أبي جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت290هـ) من أصحاب الإمام الحسن العسكري×؛ فإنّ بصائر الدرجات للأشعري مفقود.

ولا ريب في أنّ الأشعري قد صادف في بعض أسفاره محمّد بن الحسين، وروىٰ عنه مقتل المنقري، ثمَّ نقله إلىٰ قم ونشـره فيها، وهذا ما تؤيِّده روايات الصدوق عنه كما يأتي.

3 ـ الصدوق في (الأمالي وعلل الشرائع وعقاب الأعمال)

هو رئيس المحدِّثين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسىٰ بن بابويه القمّي المعروف بـ (الصدوق) (ت381هـ)، أشهر من نارٍ علىٰ عَلم.

قال عنه النجاشي: «شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السنّ...»([715]).

وقال عنه الطوسي: «كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القمّيين مثله في حفظه وكثرة عِلمه، له نحو من ثلاثمائة مصنَّف...»([716]).

وقد نقل الصدوق عن المنقري أربع روايات ترتبط بواقعة الطفّ، ممّا يُحتمل أنّها كانت مودعة في كتاب مقتل الحسين× للمنقري، وهذه الروايات عثرنا عليها في (الأمالي وعلل الشرائع وعقاب الأعمال)، وهي من مؤلَّفات الصدوق المعروفة والمتداولة، كما أنّها تُعتبر من أُصول كُتُب الحديث ومصادره.

وفيما يلي نُشير إلىٰ مواضع تلك الروايات في الكتب المذكورة:

الرواية الأُولىٰ: عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدw، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصـر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أُمّ سلمة زوجة النبي، قالت: «ما سمعت نوح الجنّ منذ قُبض النبي إلّا الليلة...»([717]).

الرواية الثانية: عن محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد ابن عليّ الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن يحيىٰ، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت عليّ (صلوات الله عليهما): «ثمّ إنّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين×، فحُبسن مع عليّ بن الحسين‘ في محبس لا يكنّهم من حرٍّ ولا قر...»([718]).

الرواية الثالثة: حدَّثنا الحسين بن أحمد بن إدريسw، قال: حدَّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أرطاة بن حبيب، عن فضيل الرسّان، عن جبلة المكّية، قالت: سمعت ميثم التمّار (قدس الله روحه) يقول: «والله، لتَقتُل هذه الأُمّة ابن نبيِّها في المحرّم لعشر يمضين منه...»([719]).

الرواية الرابعة: عن محمّد العطّار، عن الأشعري، عن محمّد بن الحسين، عن نصـر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن محمّد بن يحيىٰ الحجازي، عن إسماعيل بن داود، عن أبي العباس الأسدي، عن سعيد بن الخليل، عن يعقوب بن سليمان، قال: «سمرت أنا ونفر ذات ليلة، فتذاكرنا مقتل الحسين×...»([720]).

ونلاحظ علىٰ هذه الروايات ما يلي:

أوّلاً: إنّ الرواية الأُولىٰ من هذه الروايات هي نفس الرواية الخامسة التي نقلها ابن قولويه عن المنقري، ونقلناها سابقاً، والاختلاف بينهما ينحصر باختلاف طريقيهما إلىٰ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، وفيما عدا ذلك فإنّ الروايتين تتّفقان سنداً ومتناً.

ثانياً: إنّ الصدوق كان ينهل من هذا المقتل من طُرُق شتّىٰ، ينتهي أكثرها إلىٰ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، وهذا يدلّ علىٰ شيوع رواية هذا المقتل بين مشايخ قم، ووصول نسخته إليهم كما أكّدنا عليه سابقاً، كما يدلّ علىٰ ما قلناه سابقاً من كون محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب هو أحد الرواة الأساسيين لهذا المقتل.

ما جاء في كتاب وقعة صفِّين:

ولعل ممَّا كان في ذلك المقتل ما رواه نصر نفسه في كتابه (وقعة صفِّين) حول نزول أمير المؤمنين× في كربلاء وإخباره بمقتل الحسين×، وهي ثلاث روايات نذكرها بأسانيدها علىٰ التسلسل الموجود في الكتاب المذكور:

الرواية الأُولىٰ: حدَّثني مصعب بن سلام، قال أبو حيان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم، قال: «غزونا مع عليّ بن أبي طالب غزوة صفِّين، فلمّا نزلنا بكربلا صلّىٰ بنّا صلاة، فلمّا سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها، ثمَّ قال: واهاً لكِ أيّتها التربة، ليُحـشرُنَّ منكِ قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب...»([721]).

الرواية الثانية: عن مصعب بن سلام، قال: حدَّثنا الأجلح بن عبد الله الكندي، عن أبي جحيفة، قال: جاء عروة البارقي إلىٰ سعيد بن وهب، فسأله وأنا أسمع، فقال: «حديث حدثتنيه عن عليّ بن أبىٰ طالب‘. قال: نعم، بعثني مخنف بن سليم إلىٰ عليٍّ، فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول: هاهنا هاهنا. فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: ثقلٌ لآل محمّد ينزل هاهنا...»([722]).

الرواية الثالثة: عن سعيد بن حكيم العبسي، عن الحسن بن كثير، عن أبيه: «أنّ عليّاً أتىٰ كربلاء فوقف بها، فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء...»([723]).

خاتمة بأهمّ النتائج

وصلنا إلىٰ نهاية بحثنا حول شخصية المنقري، وكتابه في مقتل الحسين×، ونوجز فيما يلي أهمّ النتائج التي خرجنا بها في هذا البحث:

النتيجة الأُولىٰ: إنّ نصر بن مزاحم المنقري من الشخصيات الأخباريّة الكوفيّة القديمة التي نشطت مع نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الهجريين، وهو صاحب كتاب (وقعة صفِّين) الذي يُعدّ أقدم وأهمّ أصل تاريخي حول هذه الوقعة.

النتيجة الثانية: اختلف القوم في تحديد مذهب المنقري ومعتقده، فيظهر من النجاشي إماميّته، وقال آخرون: بزيديّته، ويتبدّىٰ من أبي الفرج وابن أبي الحديد عامّيته، وقد انتصـرنا لرأي النجاشي واتّبعناه في القول بإماميّته.

النتيجة الثالثة: إنّ المنقـري من الممدوحـين في رجالـنا ـ تبعاً للنجاشـي ـ بل هو من الموثقّين علىٰ ضوء بعض المباني، وأمّا العامّة، فقد ترك أكثرهم روايته بسبب تشيُّعه، وأنصفه البعض منهم كابن حبّان الذي عدّه في الثقات.

النتيجة الرابعة: مقتل المنقري مفقود في هذا العصر، ولم يتبقَ منه سوىٰ ما نقله عنه أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين)، وابن قولويه في (كامل الزيارات)، والصدوق في (الأمالي وعلل الشرائع وعقاب الأعمال).

فما بقي من آثار مقتل المنقري ينحصر بكتب هؤلاء العلماء، فلم يسبقهم أحد في النقل عنه، كما أنّ مَن جاء بعدهم قد أخذ روايات مقتله عنهم.

النتيجة الخامسة: وقد عرفنا أنّ السبب في انتشار هذا المقتل في عصر هؤلاء المؤرِّخين بالذات ـ رغم الفاصل الزمني الطويل بينهم وبين المنقري ـ هو كون الثلاثة من المعاصرين للدولة البويهيّة التي فسحت المجال أمام نشـر العلم وترويجه، فأظهر علماء الشيعة ما كان محبوساً من تراثهم نتيجة الضغوط التي كانت تُمارس عليهم من قِبَل الحكومات الجائرة.

النتيجة السادسة: وفي ختام بحْثنا حـول كتـاب مقتـل الحسـين× للمنقري أشـرنا ـ استدراكاً ـ إلىٰ ثلاث روايات ذكرها المنقري في كتابه وقعة صفِّين تتحدَّث عن نزول أمير المؤمنين× في كربلاء وإخباره بمقتل الحسين×؛ إذ لعل تلك الروايات ممّا كان قد أودعه في مقتله أيضاً.

المصادر والمراجع

ـ أ ـ

أجود التقريرات، أبو القاسم الخوئي، تقريراً لأبحاث الشيخ النائيني، الطبعة الثانية، 1369هـ .ش، مؤسسة مطبوعات ديني، قم.

إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (ت505هـ)، دار المعرفة، بيروت.

الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت282هـ)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: جمال الدين الشيال، الطبعة الأُولىٰ، 1960م، دار إحياء الكتاب العربي.

الاختصاص، أبو عبد الله محمد بن النعمان المفيد (ت413هـ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ترتيب الفهارس: محمود الزرندي المحرمي، منشورات جماعة المدرِّسين في الحوزة العلميّة، قم.

اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشـي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، تصحيح وتعليق: ميرداماد الإستربادي، تحقيق: مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت×، قم، 1404ه‍ـ.

الإرشاد في معرفة حجج الله علىٰ العباد، أبو عبد الله محمد بن النعمان المفيد (ت413هـ)، مؤسسة آل البيت× لإحياء التراث، المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرىٰ ألفية الشيخ المفيد.

أُسد الغابة، أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد المعروف بابن الأثير (ت630هـ)، دار الفكر، 1409هـ/1989م، بيروت.

أسرار الشهادات، آغا بن عابد الفاضل الدربندي (ت1285هـ)، تحقيق: محمد جمعة بادي وعباس ملا عطية الجمري، ذوي القربىٰ، قم، 1431هـ.

الاشتقاق، محمد بن الحسن المعروف بابن دريد (ت321هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الأُولىٰ، 1991م، دار الجيل، بيروت.

أُصول السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسـي (ت483هـ)، دار المعرفة، بيروت.

الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الطبعة الأُولىٰ، 1415هـ، دار الكتب العلميّة، بيروت.

أضواء علىٰ عقائد الشيعة الإماميّة، جعفر السبحاني، الطبعة الأُولىٰ 1379هـ، دار مشعر.

أضواء علىٰ ثورة الحسين×، محمد محمد صادق الصدر، تحقيق: كاظم العبادي، هيئة تراث السيِّد الشهيد الصدر ودار ومكتبة البصائر، بيروت، 1431هـ.

إقبال الأعمال، رضي الدين عليّ بن موسىٰ بن جعفر بن طاووس (ت664هـ)، بتحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الطبعة الأُولىٰ، 1414هـ، طبع ونشـر: مكتب الإعلام الإسلامي في قم ـ إيران.

أمل الآمل، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104هـ)، تحقيق: أحمد الحسيني، مكتبة الآداب، النجف.

الأمالي، أبو عبد الله محمد بن النعمان المفيد (ت413هـ)، تحقيق: الحسين أستاد ولي وعلي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرِّسين في الحوزة العلمية، قم، 1403هـ.

الأمالي، أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت381هـ)، الطبعة الأُولىٰ، ١٤١٧هـ، قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم.

الأمالي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، دار الثقافة.

أنساب الأشراف، أحمد بن يحيىٰ بن جابر بن داود البلاذري (ت279هـ)، تحقيق: سهيل زكّار ورياض الزركلي، الطبعة الأُولىٰ، 1417هـ/1996م، دار الفكر، بيروت.

الأنساب، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني (ت562هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيىٰ المعلمي اليماني وغيره، الطبعة الأُولىٰ، 1382هـ/1962م، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد.

الإنباه علىٰ قبائل الرواة، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (ت463هـ)، تحقيق: إبراهيم الأبياري، الطبعة الأُولىٰ، 1405هـ/1985م، دار الكتاب العربي، بيروت.

أنصار الحسين×، محمد مهدي شمس الدين، تحقيق: سامي الغريري الغراوي، الطبعة الثالثة، 1429هـ/2008م، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي.

أعيان الشيعة، السيِّد محسن الأمين، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف، بيروت، 1403هـ.

الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي (ت1396هـ)، الطبعة الخامسة، 2002م، دار العلم للملايين.

إيضاح الاشتباه في معرفة أسماء الرواة، الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف بالعلّامة الحلّي (ت726هـ)، تحقيق: محمد الحسون، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم.

إيضاح المكنون في الذيل علىٰ كشف الظنون، إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (ت1399هـ)، عُني بتصحيحه وطبعه علىٰ نسخة المؤلف: محمد شرف الدين ورفعت بيلكه الكليسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

ـ ب ـ

بحار الأنوار، محمد باقر المجلسـي (ت1111هـ)، الطبعة الثانیة، 1403هـ/1983م، مؤسسة الوفاء، بیروت.

بحر الدم فيمَن تكلَّم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي بن المبرد (ت909هـ)، تحقيق وتعليق: روحية عبد الرحمن السويفي، الطبعة الأُولىٰ، 1413 هـ ـ 1992م، دار الكتب العلمية، بيروت.

البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ)، تحقيق: عليّ شيري، الطبعة الأُولىٰ، 1408هـ  ـ 1988م، دار إحياء التراث العربي.

بحوث في فقه الرجال، عليّ حسين مكّي العاملي، تقرير بحث الفاني، الطبعة الثانية، 1414هـ، مؤسسة العروة الوثقىٰ.

ـ ت ـ

تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الزبيدي (ت1205هـ)، تحقيق: مجموعة محققين، نشـر دار الهداية.

التاريخ الكبير، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، البخاري (ت256هـ)، طُبع تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعيد خان، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد ـ الدكن.

تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين، أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب بن أزداذ المعروف بابن شاهين (ت385هـ)، تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقشري، الطبعة الأُولىٰ، 1409هـ.

تاريخ بغداد، أحمد بن عبد المجيد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ)، تحقيق: بشار عواد معروف، الطبعة الأُولىٰ، 1422هـ/2002م، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

تاريخ الكوفة، حسين بن أحمد البراقي (ت1332هـ)، استدراك: محمد صادق آل بحر (ت1399ه‍)، تحقيق ماجد بن أحمد العطية، الطبعة الأُولىٰ، 1424هـ، انتشارات المكتبة الحيدريّة.

تاريخ الأُمم والملوك، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري (ت310هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1407هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.

تاريخ مولد العلماء ووفياتهم، أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر المعروف بابن زبر الربعي (ت379هـ)، تحقيق: عبد الله أحمد سليمان الحمد، الطبعة الأُولىٰ، 1410هـ، دار العاصمة، الرياض.

تاريخ دمشق، أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر (ت571هـ)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، 1415 هـ /1995م.

تاريخ الإسلام، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748هـ)، تحقيق: بشار عوّاد معروف، الطبعة الأُولىٰ، 2003م، دار الغرب الإسلامي.

التحرير الطاووسي، الشيخ حسن زين الدين (ت1011هـ)، صاحب المعالم، تحقيق: فاضل الجواهري، الطبعة الأُولىٰ، 1411هـ، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشـي النجفي.

تذكرة الحفاظ، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748هـ)، مصحَّح عن النسخة القديمة المحفوظة في مكتبة الحرم المكّي تحت إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهندية، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله المامقاني (ت1351هـ)، تحقيق واستدراك: محمّد رضا المّامقاني، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث.

التفسير المنسوب إلىٰ الإمام العسكري، الحسن بن عليّ العسكري×، تحقيق ونشـر: مدرسة الإمام المهدي×، قم.

تقييد العلم، أحمد بن عبد المجيد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت463هـ)، إحياء السنّة النبويّة، بيروت.

تقريب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تحقيق: محمد عوامة، الطبعة الأُولىٰ، 1406هـ /1986م، دار الرشيد، سوريا.

تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تحقيق: محمد علي النجار، مراجعة: عليّ محمد البجاوي، المكتبة العلميّة، بيروت.

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ)، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة.

تذكرة الخواص، أبو المظفر بن فرغلي بن عبد الله المعروف بسبط ابن الجوزي (ت654هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1425هـ /2004م، دار العلوم، بيروت.

تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي (ت320هـ)، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

ترتيب الأمالي الخميسية، يحيىٰ (المرشد بالله) بن الحسين (الموفق) بن إسماعيل ابن زيد الشجري (ت499هـ)، رتّبه: القاضي محيي الدين محمد بن أحمد القرشي العبشمي (ت610هـ) تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، الطبعة الأُولىٰ، 1422 هـ/2001م دار الكتب العلمية، بيروت.

الجلالي، محمد رضا، مجلة تراثنا، العدد الثاني، مقال: تسمية مَن قُتل مع الحسين×.

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال، محمد عليّ الأبطحي، الطبعة الثانية، 1417هـ، قم.

تهذيب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1326هـ، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند.

تهذيب اللغة، محمد بن أحمد، تحقيق: محمد عوض مرعب الأزهري (ت370 هـ)، الطبعة الأُولىٰ 2001م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

تهذيب الكمال، أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف المزي (ت742هـ)، تحقيق: بشار عواد معروف، الطبعة الأُولىٰ، 1400 هـ/1980م، مؤسسة الرسالة، بيروت.

تدوين السنّة الشريفة، محمد رضا الجلالي، 1418هـ.

ـ ث ـ

الثاقب في المناقب، أبو جعفر محمد بن عليّ المعروف بابن حمزة الطوسي، تحقيق: نبيل رضا علوان، الطبعة الثانية، 1412هـ، مؤسسة أنصاريان، قم.

الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ المعروف بابن حبان (ت354هـ)، طُبع تحت مراقبة: محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأُولىٰ، 1393 ه‍ ـ1973، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الدكن ـ الهند.

ثقات العجلي، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (ت261هـ)، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، الطبعة الأُولىٰ، 1405هـ/1985م، مكتبة الدار، المدينة المنورة.

ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت381هـ)، الطبعة الخامسة، 1431هـ، طليعة نور، قم.

ـ ج ـ

الجداول الصغرىٰ مختصـر الطبقات الكبرىٰ، عبد الله بن الحسن بن يحيىٰ القاسمي (ت1375هـ)، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.

الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم محمد إدريس بن المنذر الرازي(ت327هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1271هـ / 1952م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

الجمل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد (ت413هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1403هـ.

الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة، محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسىٰ البري (تبعد 645هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1403هـ/1983م، تنقيح وتعليق: محمد التونجي، دار الرفاعي، الرياض.

ـ ح ـ

ـ حقائق السقيفة في دراسة رواية أبي مخنف، جليل تاري، ترجمة: أحمد الفاضل، الطبعة الأُولىٰ، ١٤٢٧هـ، المجمع العالمي لأهل البيت^.

حياة الإمام الباقر×، باقر شريف القرشي، دار البلاغة.

حياة الإمام الحسين×، باقر شريف القرشي، الطبعة الأُولىٰ، 1395ه‍/1975م، مطبعة الآداب، النجف.

ـ خ ـ

خاتمة المستدرك، حسين، النوري الطبرسي (ت1320هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة الأُولىٰ 1415هـ، قم.‍

خريدة العجائب وفريدة الغرائب، سراج الدين أبو حفص عمر بن الوردي (ت852هـ)، تحقيق: أنور محمود زناتي، الطبعة الأُولىٰ، 1428هـ / 2008م، مكتبة الثقافة الإسلاميّة، القاهرة.

الخرائج والجرائح، أبو الحسين سعيد بن هبة الله قطب الدين الراوندي (ت573هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسسة الإمام المهدي×، الطبعة الأُولىٰ 1409هـ، قم.

خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف بالعلّامة الحلّي (ت726هـ)، تحقيق: جواد القيومي، مؤسسة تحقيقات ونشـر معارف أهل البيت×.

خطط الكوفة، لويس ماسينيون، ترجمة: تقي محمد المصعبي، تحقيق: كامل سلمان الجبوري، الطبعة الأُولىٰ، 1979م، جمعية منتدىٰ النشـر، النجف.

الخوارج والشيعة، يوليوس فلهوزن، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثالثة، 1978م، وكالة المطبوعات، الكويت.

ـ د ـ

دراسات في علم الدراية تلخيص مقباس الهداية للمامقاني، عليّ أكبر الغفاري، جامعة الإمام الصادق×.

ـ ذ ـ

الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة، آغا بزرك الطهراني (ت1389هـ)، الطبعة الثانية، دار الأضواء، بيروت.

ـ ر ـ

ـ رجال الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ) تحقيق: جواد القيومي، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم، 1415هـ.

رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن عليّ ابن داود الحلي (ت707هـ)، تحقيق وتقديم: محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف، 1392هـ‍/1972م.

رجال البرقي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت274هـ)، مؤسسة تحقيقات ونشـر معارف أهل البيت^.

رجال النجاشي، أبو العباس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العباس النجاشي (ت450هـ)، تحقيق: موسىٰ الشبيري الزنجاني، الطبعة الخامسة، ١٤١٦هـ، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم.

الرسالة العدديّة (المطبوعة ضمن مصنّفات الشيخ المفيد المجلَّد التاسع)، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد (ت413هـ)، الطبعة الأُولىٰ، ١٤١٣هـ، مؤتمر الشيخ المفيد، قم.

الرواشح السماويّة، محمد باقر بن محمد الميرداماد (ت1041هـ)، منشورات مكتبه آية الله العظمىٰ المرعشي النجفي، قم، 1405هـ.

ـ س ـ

سماء المقال في علم الرجال، أبو الهدىٰ الكلباسي (ت1356هـ)، تحقيق: محمد الحسيني القزويني، الطبعة الأُولىٰ، 1419هـ، مؤسسة ولي العصـر×، للدراسات الإسلامية، قم.

سنن الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام بن عبد الصمد الدارمي (ت255هـ)، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، الطبعة الأُولىٰ، 1412هـ، دار المغني، المملكة العربية السعودية.

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي (ت1111هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعليّ محمد معوض، الطبعة الأُولىٰ، 1419 هـ/1998م، دار الكتب العلميّة، بيروت.

سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748هـ)، مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثالثة، 1405 هـ/1985م، مؤسسة الرسالة.

سيرة الإمام الحسين×، حسين الشاكري.

ـ ش ـ

ـ شرح نهج البلاغة، عزّ الدين عبدالحميد بن هيبة الله ابن أبي الحديد (ت656هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1418هـ/1998م، دار الكتب العلميّة، بيروت.

شرف المصطفىٰ، أبو سعد عبد الملك بن محمد بن إبراهيم الخركوشي (ت407هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1424هـ، دار البشائر الإسلاميّة، مكّة.

ـ ص ـ

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري (ت393هـ)، تحقيق أحمد عبد الغفور، دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1990م، بيروت.

الصحيح من سيرة النبي الأعظم|، جعفر مرتضـىٰ العاملي، الطبعة الرابعة، 1995م، دار الهادي ودار السيرة.

الصواعق المحرقة علىٰ أهل الرفض والضلال، أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن عليّ ابن حجر الهيتمي، الطبعة الأُولىٰ، 1997م، مؤسسة الرسالة، بيروت.

ـ ض ـ

الضعفاء والمتروكون، أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي (ت597هـ)، تحقيق: عبد الله القاضي، الطبعة الأُولىٰ، 1406هـ، دار الكتب العلميّة، بيروت.

الضعفاء والمتروكون، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ النسائي (ت303هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الطبعة الأُولىٰ، 1406هـ/1986م، دار المعرفة، بيروت.

الضعفاء الكبير، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسىٰ بن حماد العقيلي (ت322هـ)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأُولىٰ، 1404هـ/1984م، دار المكتبة العلميّة، بيروت.

ـ ط ـ

طبقات الحفّاظ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1403هـ، دار الكتب العلميّة، بيروت.

الطبقات الكبرىٰ، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت230هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الطبعة الأُولىٰ، 1410هـ/1990م، دار الكتب العلميّة، بيروت.

طرائف المقال، عليّ أصغر بن محمد شفيع البروجردي(ت1313هـ)، تحقيق: مهدي الرجائي، مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشـي النجفي العامّة، الطبعة الأُولىٰ، 1410هـ، قم.

ـ ع ـ

العِبَر في خبر مَن غَبَر، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748هـ)، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت.

العُرْف الوردي في أخبار المهدي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ)، تحقيق: أبي يعلىٰ البيضاوي، الطبعة الأُولىٰ، 1427هـ، دار الكتب العلميّة، بيروت.

علل الشرائع، أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت381هـ)، منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، النجف، 1386هـ/1966م.

عيون أخبار الرضا، أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت381هـ)، صححه وقدَّم له وعلَّق عليه: حسين الأعلمي، الطبعة الأُولىٰ، 1404هـ، مؤسسة الأعلمي، بيروت.

العوالم، الإمام الحسين×، عبد الله بن نور الله البحراني، الطبعة الأُولىٰ، 1407هـ، تحقيق ونشـر مدرسة الإمام المهدي×، قم.

العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال.

ـ غ ـ

غنية الملتمس إيضاح الملتبس، أحمد بن عبد المجيد بن عليّ بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (ت463هـ)، تحقيق: يحيىٰ بن عبد الله البكري الشهري، الطبعة الأُولىٰ، 1422هـ/2001م مكتبة الرشد، الرياض.

الغيبة، ابن أبي زينب محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، طهران.

ـ ف ـ

فائق المقال في الحديث والرجال، أحمد بن عبد الرضا البصـري، تحقيق: غلام حسين قيصريّه ها، الطبعة الأُولىٰ 1422هـ، دار الحديث، قم.

الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق×، عبد الحسين الشبستري، الطبعة الأُولىٰ، 1418هـ، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم.

فتوح البلدان، أحمد بن يحيىٰ بن جابر بن داود البلاذري (ت279هـ)، دار ومكتبة الهلال، عام النشـر: 1988م، بيروت.

فوات الوفيات، محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون المعروف بابن شاكر الكتبي (ت764هـ)، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأُولىٰ، 1973ـ 1974م دار صادر، بيروت.

الفهرست، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ)تصحيح وتعليق: محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات الشريف الرضي، قم.

الفهرست، أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد المعروف بابن النديم (ت438هـ)، تحقيق: إبراهيم رمضان، الطبعة الثانية، 1417هـ/1997م، دار المعرفة، بيروت.

الفوائد الرجالية، محمد المهدي بحر العلوم (ت1212هـ)، تحقيق وتعليق: محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم، الطبعة الأُولىٰ، 1363هـ، مكتبة الصادق×، طهران.

ـ ق ـ

قاموس الرجال، محمد تقي التستري، الطبعة الثانية، 1417هـ، مؤسسة النشـر الإسلامي.

قصص الأنبياء، أبو الحسين سعيد بن هبة الله قطب الدين الراوندي (ت573هـ)، تصحيح وتعليق: غلام رضا عرفانيان، الطبعة الأُولىٰ، 1409هـ، مجمع البحوث الإسلاميّة.

قوت القلوب، محمد بن عليّ بن عطية المشهور بأبي طالب المكّي (ت386هـ)، تحقيق: عاصم إبراهيم الكيالي، الطبعة الثانية، 1426هـ/2005م، دار الكتب العلميّة، بيروت.

ـ ك ـ

كمال الدين وتمام النعمة، أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت381هـ)، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم، 1405هـ.

الكامل في التاريخ، أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم ابن عبد الواحد المعروف بابن الأثير (ت630هـ)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الأُولىٰ، 1417هـ/1997م، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

الكامل في اللغة والأدب، أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت285هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثالثة، 1417هـ/1997م، دار الفكر العربي، القاهرة.

الكامل في ضعفاء الرجال، أبو أحمد عبد الله ابن عدي (ت365هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض وعبد الفتاح أبو سنة، الطبعة الأُولىٰ، 1418هـ/1997م دار الكتب العلميّة، بيروت.

كامل الزيارات، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (ت386هـ)، تحقيق: جواد القيومي، الطبعة الأُولىٰ، 1417هـ، مؤسسة النشـر الإسلامي.

الكافي، محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ)، صححه وعلّق عليه: عليّ أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، 1388هـ، دار الكتب الإسلاميّة.

الكبريت الأحمر، محمد باقر القائني البيرجندي (ت1352هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1425هـ انتشارات المكتبة الحيدريّة، قم.

كشف الحُجُب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار، حسين إعجاز النيسابوري الكنتوري، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1409هـ.

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفىٰ بن عبد الله حاجي خليفة (ت1067هـ)، مكتبة المثنىٰ ـ بغداد، 1941م، (وصورتها عدّة دور لبنانيّة بنفس ترقيم صفحاتها، مثل: دار إحياء التراث العربي، ودار العلوم الحديثة، ودار الكتب العلميّة).

كليات في علم الرجال، جعفر السبحاني، الطبعة السادسة 1425هـ، مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم.

الكليني والكافي، عبد الرسول عبد الحسين الغفار، الطبعة الأُولىٰ، 1416هـ، مؤسسة النشـر الإسلامي.

الكنىٰ والألقاب، عباس القمّي، منشورات مكتبة الصدر، طهران.

كنز العمال، علاء الدين عليّ بن حسام الدين ابن قاضي خان المتقي الهندي (ت975هـ)، تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، الطبعة الخامسة، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة.

ـ ل ـ

اللباب في تهذيب الأنساب أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد المعروف بابن الأثير (ت630هـ)، دار صادر، بيروت.

لسان الميزان، أبو الفضل أحمد بن عليّ بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الأُولىٰ، 2002م، دار البشائر الإسلاميّة.

لسان العرب، أبو الفضل محمّد بن مكرم بن عليّ بن منظور (ت711هـ)، الطبعة الثالثة، 1414هـ، دار صادر، بيروت.

ـ م ـ

المتّفق والمفترق، أحمد بن عبد المجيد بن عليّ بن ثابت المشهور بالخطيب البغدادي (ت463هـ)، تحقيق: محمد صادق آيدن الحامدي، الطبعة الأُولىٰ، 1417هـ/1997م، دار القادري، دمشق.

مثالب العرب، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204 أو 206هـ)، تحقيق: نجاح الطائي، دار الهدىٰ، بيروت، 1419هـ/1998م.

مثير الأحزان، محمد بن جعفر بن نما (ت645هـ)، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف 1369ه‍ /1950م.

المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ المعروف بابن حبان (ت354هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، الطبعة الأُولىٰ، 1396هـ، حلب.

محاضرات في تاريخ العرب، أحمد صالح العلي، دار الكتب، جامعة الموصل، 1981م.

مختصر تاريخ دمشق، أبو الفضل محمد بن مكرم بن عليّ بن منظور (ت711هـ)، تحقيق: روحيّة النحاس ورياض عبد الحميد مراد ومحمد مطيع، الطبعة الأُولىٰ، 1402هـ/1984م دار الفكر، دمشق.

مرآة الكتب، عليّ بن موسىٰ بن محمد شفيع التبريزي، تحقيق: محمد عليّ الحائري، الطبعة الأُولىٰ، 1414هـ، منشورات مكتبة آية الله العظمىٰ المرعشـي النجفي، قم.

مروج الذهب، الحسن بن عليّ المسعودي (ت346هـ)، اعتنىٰ به وراجعه: كمال حسن مرعي، الطبعة الأُولىٰ، 1425هـ، المكتبة العصريّة، بيروت.

مسالك الأفهام إلىٰ تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين بن عليّ الشهيد الثاني، تحقيق ونشـر: مؤسسة المعارف الاسلامية ، الطبعة الأُولىٰ، 1416هـ.

المستدرك علىٰ الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الحاكم النيسابوري (ت405هـ)، تحقيق مصطفىٰ عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م.

المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي، دراسة و تحقيق: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية.

مطلع البدور ومجمع البحور، أحمد بن صالح بن أبي الرجّال، تحقيق: عبدالسلام عباس الوجيه ومحمد يحيىٰ سالم عزان، مركز التراث والبحوث اليمني.

مقاتل الطالبيين، أبو الفرج عليّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم الأصفهاني (ت356هـ)، تحقيق: أحمد صقر، دار المعرفة، بيروت.

مقتل الحسين× رواية عن جدّه|، قيس بهجت العطار، الطبعة الأُولىٰ، 1430هـ، المعاونيّة الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت^.

مقتل أبي مخنف المتّخذ من تاريخ الطبري، حسن الغفاري، منشورات المكتبة العامّة لآية الله العظمىٰ المرعشي.

مقدّمة في مقتل الإمام الحسين×، محمد طاهر الحسيني، دار المحجّة البيضاء، الطبعة الأُولىٰ، 1430هـ/2009م، بيروت.

معالم العلماء، محمد بن عليّ بن شهر آشوب (ت558هـ).

المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276هـ)، تحقيق: ثروة عكاشة، الطبعة الثانية، 1992م، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة.

معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ)، الطبعة الثانية، 1995م، دار صادر، بيروت.

معجم الأدباء، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ)، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأُولىٰ، 1414هـ/1993م، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

معجم رجال الحديث، أبو القاسم الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413هـ/1992م.

معجم المطبوعات النجفيّة، محمد هادي الأميني، الطبعة الأُولىٰ 1385هـ، مطبعة الآداب، النجف.

معجم المؤلفين، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة (ت1408هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة (ت1408هـ)، الطبعة السابعة، 1414هـ/1994م، مؤسسة الرسالة، بيروت.

المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، (إبراهيم مصطفىٰ، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار)، دار الدعوة.

معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين، عبد السلام عباس الوجيه، مؤسسة زيد بن عليّ الثقافية.

منتقىٰ الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، الشيخ حسن زين الدين (ت1011هـ)، صاحب المعالم: تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسسة تحقيقات ونشـر معارف أهل البيت^.

المؤتلف والمختلف، أبو الحسن عليّ بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار الدارقطني (ت385)، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأُولىٰ، 1406هـ/1986م، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

الملهوف علىٰ قتلىٰ الطفوف، رضي الدين عليّ بن موسىٰ بن جعفر بن طاووس (ت664هـ)، تحقيق: فارس تبريزيان الحسون، دار الأُسوة، طهران، 1417هـ.

المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم، أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي (ت597هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفىٰ عبد القادر عطا، الطبعة الأُولىٰ، 1412هـ /1992م، دار الكتب العلميّة، بيروت.

المنتخب من ذيل المذيّل، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري (ت310هـ)، مؤسسة الأعلمي، بيروت.

ميزان الاعتدال في معرفة الرجال، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.

المغني في الضعفاء، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت748هـ)، تحقيق: نور الدين عتر.

موسوعة طبقات الفقهاء، جعفر السبحاني، اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق×، الطبعة الأُولىٰ 1418هـ.

موسوعة التاريخ الإسلامي، محمد هادي اليوسفي الغروي، مجمع الفكر الإسلامي، 1417هـ.

ـ ن ـ

النصائح الكافية لمَن يتولّىٰ معاوية، محمد بن عقيل المعروف ابن عقيل (ت1350هـ)، الطبعة الأُولىٰ، 1412هـ، دار الثقافة، قم.

نقد الرجال، مصطفىٰ بن الحسين التفرشي، تحقيق ونشـر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، الطبعة الأُولىٰ، ١٤١٨ هـ، قم.

نظرية السنّة في الفكر الإمامي، حيدر حبُّ الله، الطبعة الأُولىٰ، 2006هـ، الانتشار العربي.

نهاية الدراية، حسن الصدر (ت1354هـ)، تحقيق: ماجد الغرباوي، نشـر المشعر.

ـ هـ ـ

هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (ت1399هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

ـ و ـ

الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت764هـ)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفىٰ، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ/2000م.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر المعروف بابن خلكان (ت681هـ)، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأُولىٰ، 1994م، دار صادر، بيروت.

وقعة الجَمَل، ضامن بن شدقم بن عليّ المعروف بابن شدقم (تبعد1082هـ)، تحقيق ونشـر: تحسين آل شبيب الموسوي.

وقعة صفِّين، نصر بن مزاحم المنقري (ت212هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية، 1382هـ، المؤسسة العربية الحديثة.

وقعة الطفّ لأبي مخنف، محمد هادي اليوسفي الغروي، المجمع العالمي لأهل البيت^، الطبعة الثانية، 1427هـ.

ـ ي ـ

ينابيع المودّة، سليمان بن إبراهيم القندوزي (ت1294هـ)، تحقيق: عليّ جمال أشرف الحسيني، الطبعة الأُولىٰ، 1416ه‍ـ، دار الأُسوة.



[i] الذاريات: 56.

[2] شمس الدين، محمد مهدي، أنصار الحسين×: ص36.

[3] اُنظر: العطار، قيس بهجت، مقتل الحسين× (رواية عن جدّه رسول الله|): ص10.

[4] ابن طاووس، عليّ بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص90 ـ 91.

[[5]][5] الدارمي، عبد الله بن الرحمن، سنن الدارمي: ج1، ص429، باب (مَن رخّص في كتابة العلم)، رقم الحديث (501).

[6] وهذا من أوضح وأجلى مصاديق تأثير السلطة على النصّ.

[7] الذهبي، محمّد بن أحمد، تذكرة الحفاظ: ج1، ص9.

[8] اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص11.

[9] العاملي، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم|: ج1، ص157.

[10] الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تقييد العلم: ص52.

[11] ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج6، ص87.

[12] ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج67، ص343.

[13] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج4، ص23 ـ 24.

[14] العاملي، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم|: ج1، ص66.

[15] ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج67، ص343.

[16] السرخسي، محمّد بن أحمد، أُصول السرخسي: ج1، ص342.

[17] الدارمي، عبد الله بن الرحمن، سنن الدارمي: ج1، ص326.

[18] الجلالي، محمد رضا، تدوين السنّة الشريفة: 472.

[19] اليوسفي الغروي، محمّد هادي، موسوعة التاريخ الإسلامي: ج1، ص14.

[20] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تقييد العلم: ص51.

[21] المصدر السابق: ص56.

[22] المتقي الهندي، عليّ، كنز العمال: ج1، ص373.

[23] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تدريب الراوي: ج1، ص94.

[24] اُنظر: الجلالي، محمّد رضا، تدوين السنّة الشريفة: ص18.

[25] السبحاني، جعفر، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية: ص35.

[26] ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج2، ص689.

[27] المسعودي، عليّ بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج2، ص414.

[28] العلوي، محمّد بن عقيل، النصائح الكافية: ص53 ـ 54.

[29] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج11، ص45 ـ 46.

[30] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج11، ص43 ـ 44.

[31] اُنظر: الزبيدي، محمّد مرتضى، تاج العروس: ج24، ص340 ـ 341.

[32] اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج4، ص491.

[33] البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان: ج2، ص338.

[34] اُنظر: القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين×: ج2، ص445.

[35] اُنظر: البراقي، حسين بن أحمد، تاريخ الكوفة: ص162ـ 163.

[36] اُنظر: لويس ماسنيون، خطط الكوفة: ص18.

[37] البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان: ج2، ص275.

[38] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص318.

[39] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص288.

[40] اُنظر: العلي، صالح أحمد، محاضرات في تاريخ العرب: ج1، ص43 ـ 44.

[41] اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص44.

[42] القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين×: ج2، ص438.

[43] اُنظر: البراقي، حسين بن أحمد، تاريخ الكوفة: ص168.

[44] اُنظر: الغفاري، عبد الرسول، الكافي والكليني: ص41.

[45] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص559. المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص238. الحاكم النيسابوري، محمّد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص126. والحديث مشهور ورواه جم غفير من الفريقين.وفي المصادر التي أشرنا إليها كفاية.

[46] البراقي، حسين بن أحمد، تاريخ الكوفة: ص429.

[47] المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب: ج2، ص276.

[48] ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج6، ص89.

[49] ابن الوردي، عمر بن المظفر، خريدة العجائب وفريدة الغرائب: ص118.

[50] اُنظر: البراقي، حسين بن أحمد، تاريخ الكوفة: ص450 وص468.

[51] ممَّن عنون له بالألف واللام منّا: الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج1، ص220، برقم (164). والنجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص68، برقم (5). والطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص85، برقم (119). وابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص63، برقم (38). والبرقي، أحمد بن محمد، الرجال: ص6. والحلي، الحسن بن يوسف، إيضاح الاشتباه: ص80، برقم(2). والحلي، الحسن بن يوسف، الخلاصة: ص24، برقم(9). والحلي، الحسن بن علي بن داود، رجال ابن داود: ص52، برقم (204). والعاملي، حسن بن زيد الدين، التحرير الطاووسي: ص77، برقم (47). والخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج4، ص132، برقم (1517).

ومن العامّة نذكر: ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص229. وابن حجر، أحمد بن عليّ، الإصابة في تميز الصحابة: ج1، ص347، برقم (471). والنسائي، أحمد بن عليّ، الضعفاء والمتروكين: ج1، ص156، برقم (64). وابن شاهين، عمر، تاريخ أسماء الضعفاء والكذّابين: ص55، برقم (53).

[52] ممَّن عنون له بتعريته من الألف واللام منّا: والطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص57، برقم (2) عنونه بـدون ألف ولام بخلاف ما فعل بالفهرست. والبصري، أحمد بن عبد الرضا، فائق المقال في الحديث والرجال: ص91، برقم (55).

ومن العامّة: البخاري، محمد بن إسماعيل، التاريخ الكبير: ج2، ص35، برقم (1595). والرازي، ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج2، ص319، برقم (1213). وابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج1، ص407. وابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحين من المحدِّثين: ج1، ص173. والمزي، يوسف ، تهذيب الكمال: ج3، ص308، برقم (537). وابن حجر، أحمد بن عليّ، تهذيب التهذيب: ج1، ص362، برقم(658). والذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج1، ص271، برقم(1014). والعجلي، أحمد بن عبدالله، معرفة الثقات: ص233، برقم (113).

[53] اُنظر: ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات: ج6، ص247، برقم (2232).

[54] اُنظر: المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج3، ص308، برقم (537).

[55] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ج1، ص76.

[56] اُنظر: السيوطي، عبد الرحمن، العرف الوردي في أخبار المهدي: ص99. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج53، ص35.

[57] اُنظر: ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، اللباب في تهذيب الأنساب: ج1، ص396.

[58] اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص484.

[59] اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص164.

[60] ابن دريد، محمّد بن الحسن، الاشتقاق: ص243.

[61] المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص443.

[62] ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج36، ص138.

[63] اُنظر: المصدر السابق: ج30، ص50 ـ 53. ابن حجر، أحمد بن عليّ، الإصابة في معرفة الصحابة: ج4، ص150.

[64] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، الإصابة في معرفة الصحابة: ج1، ص347.

[65] المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص443.

[66] اُنظر: الزبيدي، محمّد مرتضى، تاج العروس: ج7، ص286، مادة (شيخ).

[67] اُنظر ـ حول حضوره الجمل ـ: المدني، ضامن بن شدقم، وقعة الجمل: ص46. واُنظرـ حول حضوره صفّين ـ: المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص604.

[68] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج41، ص146.

[69] اُنظر: المصدر السابق: ج22، ص374. وفيه يقول الأصبغ: «كنت مع سلمان الفارسي رحمه الله وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×».

[70] اُنظر: المصدر السابق: ج42، ص193. وفيه يقول الأصبغ: خطبنا أمير المؤمنين× في الشهر الذي قُتل فيه، فقال: «أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور...».

[71] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص123.

[72] اُنظر: المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص65.

[73] ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص38.

[74] اُنظر: الأبطحي، محمّد عليّ، تهذيب المقال: ج1، ص 201.

[75] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص57 ـ 93.

[76] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ص113، برقم(537).

[77] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج4، ص135ـ 136.

[78] اُنظر: المصدر السابق: ج4، ص135. المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج3، ص308، برقم (537).

[79] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص37 ـ 38.

[80] اُنظر: الجلالي، محمّد رضا، تدوين السنّة الشريفة: ص140.

[81] الصدوق، محمّد بن عليّ، كمال الدين وتمام النعمة: ص25ـ 260.

[82] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص68.

[83] المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص65.

[84] اُنظر: المصدر السابق: ص2 ـ 3.

[85] الطوسي، محمّد بن محمّد ، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ص320.

[86] اُنظر: ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص624.

[87] ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص247.

[88] ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ج1، ص113.

[89] العقيلي، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج1، ص129.

[90] ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحين من المحدِّثين: ج1، ص174.

[91] اُنظر: الخركوشي، عبد الملك بن محمّد، شرف المصطفى: ج5، ص358.

[92] الكلباسي، كمال الدين (أبو الهدى)، سماء المقال في علم الرجال: ج2، ص248.

[93] ممَّن نصّ على ذلك بالإضافة إلى المفيد في الاختصاص: الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ص320. ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص225. المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص406.

[94] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج4، ص134.

[95] اُنظر: الغفاري، عليّ أكبر، دراسات في علم الدراية: ص115. قال حول دلالة هذا اللفظ: «وأمّا قولهم: (خاصيّ)، فإن أُريد به ما يُراد من قولهم: من خاصّة الإمام الفلاني×. دلّ على المدح المعتد به وأفاد الحسن، وإن أُريد ما قابل قولهم: (عاميّ). كما هو الأظهر، لم يُفد إلّا كونه إمامياً، وعند الإطلاق يكون الأمر فيه مشتبهاً وتعين الأخذ منه بالقدر المتيقّن...».

[96] اُنظر: الأسترآبادي، الميرداماد محمّد باقر، الرواشح السماوية: ص53.

[97] اُنظر: الصدر، حسن، نهاية الدراية: ص399.

[98] البصري، أحمد بن عبد الرضا، فائق المقال في الحديث والرجال: ص91، برقم (155).

[99] الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج4، ص132، برقم (1517).

[100] وهذا الوجه سمعناه من أُستاذنا سماحة السيِّد مرتضى الشيرازي (دام ظله) في خارج الفقه.

[101] والوجه أيضاً من إفادات سماحة السيِّد الأُستاذ (دام ظله).

[102] ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحين من المحدِّثين: ج1، ص174.

[103] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ص315.

[104] المصدر السابق: ص320.

[105] المفيد، محمّد بن محمّد، الأمالي: ص5 ـ 6. الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص626 ـ 627.

[106] وقد فصل سماحة السيِّد الأُستاذ(دام ظله) الحديث عن (الاطمئنان) باعتباره وجهاً من وجوه حجّية قول الرجالي، واللُغوي وغيرهما في الدروس 78 ـ 79 من مبحث (قاعدة الإلزام)، و 36 ـ 37 من مبحث (حفظ كتب الضلال) ، وهي مسجلة وموجودة على موقع سماحته لمَن أراد التوسّع.

[107] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تهذيب التهذيب: ج1، ص362، برقم (658).

[108] العجلي، عبد الله بن صالح، معرفة ثقات: ج1، ص233، برقم (233).

[109] ابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج1، ص401.

[110] ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحين من المحدِّثين: ج1، ص174.

[111] السبحاني، جعفر، موسوعة طبقات الفقهاء: ج1، ص293.

[112] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص8، برقم (5). الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص37، برقم (109).

[113] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج7، ص7 ـ 28.

[114] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ج1، ص26.

[115] اُنظر: الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج15، ص362.

[116] اُنظر: المصدر السابق: ج25، ص105.

[117] الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج22، ص24.

[118] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص38.

[119] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص69، برقم (166).

[120] اُنظر حول ذلك: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج1، ص50.

[121] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص425، برقم (52).

[122][122] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج7، ص23.

[123] اُنظر ـ حول سكناه بغداد وتحديثه بها ـ: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج 1، ص109. وابن حجر، أحمد بن عليّ، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: ج2، ص510.

[124] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص85، برقم (205).

[125] اُنظر: المصدر السابق: ص94، برقم (233).

[126] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص28، برقم (76).

[127] النعماني، محمّد بن إبراهيم(ابن أبي زينب) ، الغيبة: ص25.

[128] يدلّنا على ذلك ما نقله النجاشي في رجاله: ص11 في (ترجمة أبان بن تغلب)، عن الحسن أحمد بن الحسين، أنّه قال: «وقع إلي بخط أبي العباس بن سعيد، قال: حدَّثنا أبو الحسين أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي من كتابه في شوال سنة إحدى وسبعين ومائتين».

[129] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص37.

[130] اُنظر: المصدر السابق: ص11 ـ 127.

[131] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج3، ص162، برقم (1027).

[132] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص37.

[133] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص351.

[134] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج3، ص163.

[135] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص11.

[136] وهم:

1ـ محمّد بن يزيد صاحب الشعيري: كوفي، من أصحاب الباقر×، برقم (39).

2ـ محمّد بن يزيد بن أبي زياد: الهاشمي الكوفي، مولاهم، أُسند عنه، من أصحاب الصادق×، برقم (389).

3ـ محمد بن يزيد الرواسي: من أصحاب الصادق×، برقم (390).

4ـ محمد بن يزيد بن عمر الثقفي: كوفي، من أصحاب الصادق×، برقم (392).

5ـ محمّد بن يزيد العطار: صاحب البان، الكوفي: أسند عنه، مات سنة تسع وأربعين ومائة، وهو ابن إحدى وستّين سنة، من أصحاب الصادق×، برقم (393).

6ـ محمّد بن يزيد [بن] أبو الأشهب: الجعفي الكوفي، من أصحاب الصادق×، برقم (394).

7ـ محمّد بن يزيد النهرواني: من أصحاب الكاظم×، برقم (19). اُنظر ما ذكرناه حول هؤلاء المحمدين السبعة: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص304، 305 ، 359 ، 360، 361.

[137] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص304، 359، 361.

[138] الأبطحي، محمّد علي، تهذيب المقال: ج1، ص196.

[139] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص170.

[140] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص122.

[141] اُنظر: الصدوق، محمّد بن عليّ، عيون أخبار الرضا: ج2، ص52، الحديث (6و7).

[142] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص495 ـ 496.

[143] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج8، ص335.

[144] العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص348.التفرشي، مصطفى ابن الحسين، نقد الرجال: ج2، ج279.

[145] النوري، حسين، خاتمة المستدرك: ج5، ص412.

[146] اُنظر: السبحاني، جعفر، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية: ص94.

[147] الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج1، ص534.

[148] اُنظر: السبحاني، جعفر، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية: ص56.

[149] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج16، ص16.

[150] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص161.

[151] اُنظر: الحسيني، محمّد طاهر، مقدمة في مقتل الحسين×: ص 11ـ 12.

[152] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص450.

[153] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص118.

[154] اُنظر: السيوطي، عبد الرحمن، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (النوع الحادي والأربعون رواية الأكابر عن الأصاغر): ج2، ص712.

[155] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص128.

[156] اُنظر: عمر كحالة، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: ج1، ص195.

[157] الأزدي، ابن دريد، الاشتقاق: ص406.

[158] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص107 و 124 و140 و142 و150 و153 و157.

[159] الأبطحي، محمّد عليّ، تهذيب المقال: ج5، ص45 ـ 46.

[160] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص296.

[161] اُنظر: المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج26، ص8.

[162] الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج3، ص438.

[163] اُنظر مثلاً: المصدر السابق: ج1، ص186، 196، 224.

[164] اُنظر: المفيد، محمّد بن محمّد، الرسالة العددية (المطبوعة في مصنفات المفيد): ص25 ـ 35.

[165] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج1، ص379.

[166] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج8، ص59.

[167] الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج2، ص105.

[168] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص128.

[169] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص111.

[170] اُنظر: المصدر السابق: ص163.

[171] اُنظر: الأبطحي، محمّد عليّ، تهذيب المقال: ج5، ص58.

[172] ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ج1، ص192.

[173] اُنظر: المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج4، ص466.

[174] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص44.

[175] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص129.

[176] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص68.

[177] المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص216.

[178] اُنظر: المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص8.

[179] الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج1، ص379.

[180] الذهبي، محمّد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج8، ص59.

[181] ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ج1، ص192.

[182] الزركلي، خير الدين، الأعلام: ص2، ص105.

[183] عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج3، ص106.

[184] اُنظر: المفيد، محمّد بن محمّد، الرسالة العددية (المطبوعة في مصنفات المفيد): ص25 ـ 35.

[185] العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص94.

[186] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص128.

[187] المامقاني، عبد الله، تنقيح المقال: ج2، ص227.

[188] الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص437.

[189] العقيلي، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج1، ص194.

[190] المفيد، محمّد بن محمّد، الاختصاص: ص67 ـ 68.

[191] اُنظر أقوالهم في: المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج4، ص467 ـ 469.

[192] الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج7، ص452.

[193] المفيد، محمّد بن محمّد، الأمالي: ص42.

[194] المصدر السابق: ج4، ص469.

[195] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص128.

[196] اُنظر: ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج6، ص333.

[197] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص129.

[198] اُنظر: البخاري، محمّد بن إسماعيل، التاريخ الكبير: ج2، ص210.

[199] اُنظر: الربعي، محمّد بن عبد الله، تاريخ مولد العلماء ووفياتهم: ج1، ص302.

[200] اُنظر: المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج4، ص470.

[201] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ج1، ص192ـ 193.

[202] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج1، ص384.

[203] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص346 ـ 347.

[204] اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان: ج1، ص534.

[205] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج16، ص16.

[206] المصدر السابق: ج16، ص8.

[207] اُنظر: العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص74.

[208] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص88.

[209] المصدر السابق: ص90.

[210] المصدر السابق: ص90 ـ 91.

[211] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين:  ص92.

[212] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص126.

[213] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص149.

[214] المصدر السابق: ص149 ـ 150.

[215] المصدر السابق: ص162.

[216] المصدر السابق: ص 183.

[217] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ج449.

[218] العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج2، ص290.

[219] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج6، ص452.

[220] الراوندي، قطب الدين، الخرائج والجرائح: ج2، ص848.

[221] الراوندي، قطب الدين، قصص الأنبياء: ص220.

[222] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص413.

[223] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص413 ـ 414.

[224] ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية: ج8، ص302.

[225] العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص94.

[226]اُنظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي: ص411.الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص251.

[227] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص118.

[228] اُنظر: ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، اللباب في تهذيب الأنساب: ج1، ص520.

[229] السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص427.

[230] ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله، الإنباه على قبائل الرواة: ص95.

[231] النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي: ص411.

[232] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص166.

[233] النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي: ص412.

[234] اُنظر: العسقلاني، أحمد بن عليّ، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: ج2، ص572.

[235] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص446.

[236][236] اُنظر مثلاً: البخاري، محمّد بن إسماعيل، التاريخ الكبير: ج7، ص28. الرازي، ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج6، ص390، ابن المبرد، يوسف بن الحسن، بحر الدم فيمَن تكلَّم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم: ص113.ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ص710. الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج11، ص53.

[237] اُنظر: ابن حبان، محمّد بن حبان، الثقات: ج5، ص268.

[238] اُنظر: المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج20، ص210.

[239] العرقوب: «عصب غليظ موتر فوق عقب الإنسان». الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج3، ص353، (مادة عرقب).

[240] العقيلي، محمد بن عمرو، الضعفاء: ج3، ص323.

[241] اُنظر: الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج10، ص95.

[242] الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج3، ص170.

[243] اُنظر: العقيلي، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج4، ص266.

[244] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج11، ص173.

[245] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص411.

[246] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص271.

[247] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص251.

[248] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ص408.

[249] اُنظر: المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج21، ص209.

[250] اُنظر: الجلالي، محمّد رضا، تدوين السنّة الشريفة: ص15.

[251] الحارثي (أبو طالب المكّي)، محمّد بن عليّ، قوت القلوب: ج1، ص273.

[252] الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين: ج1، ص179.

[253] الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص118.

[254] ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص272.

[255] المصدر السابق: ص271 ـ 272.

[256] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص768.

[257] بحر العلوم، محمد مهدي، رجال بحر العلوم المعروف بـ (الفوائد الرجالية): ج1، ص391.

[258] الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج13، ص269.

[259] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تهذيب التهذيب: ج7، ص604. وابن حجر، أحمد بن عليّ، تقريب التهذيب: ج1، ص408.

[260] التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري×: ص311.

[261] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج13، ص270.

[262] السبحاني، جعفر، كليات في علم الرجال: ص151.

[263] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص251.

[264] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص118.

[265] قال ابن داود الحلي ـ في رجاله: ص29 ـ: «الجزء الأول من الكتاب في ذكر الممدوحين ومَن لم يضعفهم الأصحاب فما علمته». ويُفهم منه أنّه يعمل بخبر الراوي المهمل كما يعمل بخبر الراوي الممدوح.

[266] العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص49.

[267] المصدر السابق: ص66.

[268] الحلّي، ابن داود، رجال ابن داود: ص191.

[269] اُنظر: السبحاني، جعفر، كليات في علم الرجال: ص59.

[270] المصدر السابق: ص59.

[271] الحلّي، ابن داود، رجال ابن داود: ص28.

[272] اُنظر حول ذلك: العاملي، علي حسين، بحوث في فقه الرجال: ص93 ـ 99.

[273] الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج3، ص170.

[274] المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج21، ص210.

[275] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج11، ص173.

[276] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج3، ص170.

[277] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج8، ص501.

[278] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، مَن له رواية في الكتب الستّة: ج2، ص52.

[279] اُنظر: الزركلي، خيرالدين، الأعلام: ج6، ص223.

[280] اُنظر: الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج22، ص234.

[281] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص90.

[282] ابن حجر، أحمد بن عليّ، الإصابة في معرفة الصحابة: ج2، ص71.

[283] إنّ طبيعة عملنا تقتضي تجنّب إيراد تفاصيل المقتل، ولكن للضرورة أحكام، فإنّ جلّ ـ إن لم تكن كلّ ـ المناقشات التي سنوردها على مقتل الدهني تستوجب قبل ذلك عرض هذا المقتل للقارئ، يضاف إلى ذلك: أنّ مقتل الدهني هو عبارة عن قصّة أو رواية طويلة نسبياً، وليس مقتلاً مفصّلاً، ولن يأخذ مساحة كبيرة من البحث.

[284] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص347 ـ 349.

[285] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص349 ـ 351.

[286] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص389 ـ 390.

[287] اُنظر: الحلي (ابن نما) ، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص36.

[288] اُنظر: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، الضعفاء والمتروكين: ج1، ص269.

[289] الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج2، ص75.

[290] ابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج3، ص432.

[291] القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الباقر×(دراسة وتحليل): ج1، ص280.

[292] اُنظر: الصدر، محمّد، أضواء على ثورة الحسين×: ص152.

[293] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص413 ـ 414.

[294] اُنظر ـ مثلاً ـ: الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص628. الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص269.

[295] اُنظر ـ مثلاً ـ: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص143، البرقي، أحمد بن محمد، الرجال: ص35.

[296] اُنظر: الجلالي، محمد رضا الحسيني، تسمية مَن قُتل مع الحسين×، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص129.

[297][297] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص268 ـ 269، عند ترجمة: (أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري).

[298] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص214.

[299]اُنظر: البري، محمد بن أبي بكر، الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة: ج1، ص180. قال هناك: «ففي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي؛ أسد خزيمة...»، وعبد الله هذا هو أخو الفضيل كما سيأتي.

[300] اُنظر: عمر كحالة، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: ج1، ص24.

[301] الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص269.

[302] اُنظر: المامقاني، عبد الله، تنقيح المقال: ج2، ص182. البروجردي، عليّ، طرائف المقال: ج2، ص211.

[303] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص629.

[304] الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص234.

[305] الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص629.

[306] العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص372.

[307] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص255.

[308] المصدر السابق: ص109.

[309] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص269.

[310] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج18، ص63.

[311] العجلى، أحمد بن عبد الله، تاريخ الثقات: ص406.

[312] ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص58.

[313] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص269.

[314] الراوندي، قطب الدين، الخرائج والجرائح: ج2، ص377.

[315] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج5، ص249.

[316] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص221.

[317] القمي، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق: ص74.

[318] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص132.

[319] المصدر السابق: ص269.

[320] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص151.

[321] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص148.

[322] اُنظر: المصدر السابق: ص289.

[323] اُنظر: المصدر السابق: ص459.

[324] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الأمالي: ص125.

[325] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الأمالي: ص207.

[326] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص32.

[327] اُنظر: المصدر السابق: ص148.

[328] اُنظر: المصدر السابق: ص289.

[329] اُنظر: المصدر السابق: ص493.

[330] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص141.

[331] الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي): ج3، ص570.

[332] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج30، ص385.

[333] المصدر السابق: ج51، ص35.

[334] اُنظر: الحلّي، ابن داود، رجال ابن داود: ص151.

[335] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص151، الباب(23) قول أمير المؤمنين× في قتل الحسين× وقول الحسين× له في ذلك، الحديث رقم(7).

[336] اُنظر: القمي، عليّ بن إبراهم، تفسير القمي: ج2، ص388، سورة نوح، في تفسير قوله تعالى:
(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) وفيه (فضيل الرسام)، والتصحيف فيه واضح.

[337] الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين×، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص145.

[338] (إِلْكيَا): هذه المفردة تعني (الحبر).اُنظر: السفر الخامس من كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة: ج2، ص584.

[339] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج16، ص266.

[340] ابن حجر، أحمد بن عليّ، لسان الميزان: ج8، ص427.

[341] الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج2، ص305 ـ 306.

[342] في الأصل: (عبد الله) بدل (عليّ)، وهو غلط كما نبّه عليه الجلالي. اُنظر: الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين×، مجلة تراثنا، العدد الثاني: هامش ص46.

[343] الشجري، يحيى بن الحسين، ترتيب الأمالي الخميسيّة: ج1، ص224.

[344] الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج34، ص146.

[345] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج17، ص151.

[346] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج33، ص91.

[347] الزركلي، خيرالدين، الأعلام: ج6، ص71.

[348] الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، غنية الملتمس إيضاح الملتبس: ص156.

[349] الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين×، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص146.

[350] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص171.

[351] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص113.

[352] المصدر السابق: ص135.

[353] المصدر السابق: ص206.

[354] اُنظر: المصدر السابق: ص122.

[355] الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج1، ص338.

[356] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص234.

[357] الجلالي، محمّد رضا، تسمية مَن قُتل مع الحسين×، مجلة تراثنا، العدد الثاني: ص28.

[358] في المطبوعة (الفضل) وهو تصحيف، وما أثبتناه هو الصحيح. اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاريخ دمشق: ج7، ص157.

[359] اُنظر: ابن منظور، محمّد بن مكرم، مختصر تاريخ دمشق: ج7، ص157. (السدي) بدل كلمة (شخص).

[360] ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص258 ـ 259.

[361] المصدر السابق: ج23، ص190.

[362] المصدر السابق: ج55، ص16.

[363] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص151.

[364] الصدوق، محمّد بن عليّ، علل الشرائع: ص229.

[365] القائني، محمّد باقر، الكبريت الأحمر: ج1، ص43.

[366] هو مولى الرباب بنت امرئ القيس الكلبية زوجة الحسين×، وقد صاحب الحسين× من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى كربلاء، ولم يُفارقه حتى قُتل×، ولكنّه لم يوفّق لنيل الشهادة بين يدي الإمام الحسين×، ولم يكن له دور قتاليّ أصلاً، وبعد انتهاء المعركة وقع في الأسر، فعرضوه على ابن سعد، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا عبد مملوك. فخلّى سبيله، وأصبح بعد ذلك من رواة واقعة الطف. وقد حرص أبو مخنف على الاتّصال به والأخذ منه. هذا ما استفدناه من مواضع عدّة من تاريخ الطبري: ج4، ص260، وص313، وص347.

[367] روى عنها أبو مخنف خبراً واحداً حول التحاق زوجها زهير بالحسين×، وهو يرويه عنها مباشرة. اُنظر: تاريخ الطبري: ج4، ص298.

[368] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص281. في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ج2، ص476: «جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين بن عائذ بن قيس الجرمي، كان مع عليّ يوم صفّين، روى عنه أبو مخنف لوط بن يحيى...». وعدّه ابن حبّان في الثقات. اُنظر: ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج4، ص105.

[369] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص304.

[370] ويحيى هذا وإن كان أبوه من رموز الثورة وقياديها، إلّا أنّ أُمّه روعة كانت أُخت عمرو بن الحجاج، وكان مشدوداً إلى خاله، وكان معه في كربلاء في عسكر عمر بن سعد، وكان معه أيضاً في قتاله ضد المختار تحت عبد الله بن مطيع والي الكوفة من قِبَل ابن الزبير. اُنظر: المصدر السابق: ج6، ص331 ـ 504.

[371] اُنظر: المصدر السابق: ج4، ص311، وص312، وص314، وص326، وص334، وص340، وص341، وص344، وص345، وص347.

[372] وكانا مهتمِّين بمتابعة أخبار النهضة كما صرحا بذلك، حيث قالا: «لمّا قضينا حجّنا لم يكن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه». اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص229.

[373] اُنظر: أخبارهما في المصدر السابق: ج4، ص289، وص290، وص299، وص300، وص302.

[374] هكذا ضُبط في أكثر المصادر من الفريقين. اُنظر: الكلبي، هشام بن محمّد، نسب معد واليمن الكبير: ج2، ص482. ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج1، ص787. الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص546. الطبري، محمّد بن جرير، المنتخب من ذيل المذيَّل: ص47. ابن العديم، عمر بن أحمد، بغية الطلب في تاريخ حلب: ج8، ص3673، ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب: ج4، ص1476. ابن حجر، أحمد بن عليّ، الإصابة: ج6، ص46. ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص537. ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، اللباب في تهذيب الأنساب: ج1، ص529. ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، أُسد الغابة: ج4، ص352. ابن حجر، أحمد بن عليّ، تهذيب التهذيب: ج10، ص78. العيني، محمود بن أحمد، مباني الأخبار: ج3، ص408. البغدادي الباباني، إسماعيل باشا، هدية العارفين: ج1، ص841. الآملي، حسن زاده، أضبط المقال في ضبط أسماء الرجال: ص119. القمي، عباس، الكنى والألقاب: ج1، ص155.

[375] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص320. مع أنّه عدَّ من كتبه بعد ذلك: كتاب أخبار مخنف بن سليم؛ ولذا احتمل بعض الباحثين أنّه من تصحيف النسّاخ، وممَّن تابع النجاشي في ذلك العلّامة الحلي والتفرشي. اُنظر: العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، إيضاح الاشتباه: ص359. التفرشي، مصطفى بن الحسين، نقد الرجال: ج4، ص74.

[376] اُنظر: الحموي، ياقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2252. وتابعه على ذلك: ابن شاكر، محمد، فوات الوفيات: ج3، ص325. الوجيه، عبد السلام عباس، معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين: ص262. عمر كحالة، معجم المؤلّفين: ج8، ص157.

[377] ابن دريد، محمّد بن الحسن، الاشتقاق: ص493.

[378] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص 213.

[379] الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح: ج2، ص64، مادّة (شنأ).

[380] اُنظر: ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، أُسد الغابة: ج2، ص397.

[381] اُنظر: ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات: ج6، ص109.

[382] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج7، ص183.

[383] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص81.

[384] اُنظر: الحلّي، ابن داود، رجال ابن داود: ص188.

[385] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص521.

[386] اُنظر: المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص11.

[387] المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص104 ـ 105.

[388] المصدر السابق: ص105.

[389] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص133.

[390] أبو مخنف، وقعة الطف (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص23.

[391] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج1، ص8.

[392] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تهذيب التهذيب: ج10، ص78.

[393] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، منتخب ذيل المذيل: ص47.

[394] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص133.

[395] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج6، ص389.

[396] اُنظر: المصدر السابق: ج6، ص398.

[397] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج6، ص429.

[398] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص111ـ 112.ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج6، ص165.

[399] اُنظر: الحموي، ياقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2252. وتابعه على ذلك: ابن شاكر، محمّد، فوات الوفيات: ج3، ص325. الوجيه، عبد السلام بن عباس، معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين: ص262. عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج8، ص157.

[400] لم يذكر الطوسي ذلك في ترجمة خاصّة ليحيى، وإنّما ذكره ضمن ترجمته لأبي مخنف، حيث قال ـ بعد أن ذكر أبا مخنف في طبقة أصحاب أمير المؤمنين× مجاراةً للكشي ـ: «وعندي أنّ هذا غلط؛ لأنّ لوط بن يحيى لم يلقَ أمير المؤمنين×، وكان أبوه يحيى من أصحابه». الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص81.

[401] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص129ـ 130.

[402] اُنظر على سبيل المثال لا الحصر: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج13، ص342. الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج9، ص581. ابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج7، ص241. الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج3، ص562.

[403] الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص81.

[404] المصدر السابق: ص95.

[405] ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[406] يوليوس فلهوزن، الخوارج والشيعة، ترجمه عن الألمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي: ص113.

[407] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص320.

[408] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص81.

[409] المصدر السابق: ص95، وص104.

[410] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص320.

[411] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج10، ص101.

[412] اُنظر: الصدوق ، محمد بن علي، الأمالي: ص231. المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص49.

[413] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[414] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج3 ، ص، 420. الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج7، ص302.

[415] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص320.

[416] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[417] اُنظر: الحموي، ياقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2253.

[418] اُنظر: الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج24، ص306.

[419] اُنظر: جليل تاري، حقائق السقيفة في دراسة رواية أبي مخنف (ترجمة أحمد الفاضل): ص13.

[420] ومن تلك الروايات ما نقله أبو مخنف: أنّه لمّا خطب الحسين×، وسمع أخواته خطبته «صحن وبكين، وبكى بناته فارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس بن عليّ وعليّاً ابنه، وقال لهما: أسكتاهن، فلعمري ليكثرن بكاؤهن. قال: فلمّا ذهبا ليسكتاهن، قال: لا يبعد ابن عباس. قال: فظننا أنّه إنّما قالها حين سمع بكاؤهن؛ لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهن...». الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص424.

[421] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج1، ص147.

[422] المصدر السابق: ج1، ص140ـ ص141.

[423] المامقاني، عبد الله، تنقيح المقال: ج2، ص44.

[424] المفيد، محمّد بن محمّد، الجَمل: ص225.

[425] أبو مخنف، وقعة الطف (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص28.

[426] المصدر السابق: ص28.

[427] الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج9، ص581.

[428] ابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج7، ص241.

[429] التستري، محمّد تقي، قاموس الرجال: ج8، ص619.

[430] اُنظر: ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص537.

[431] اُنظر: المصدر السابق: ص624.

[432] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[433] اُنظر: المصدر السابق (محتويات الكتاب): ص10.

[434] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص320 ـ 321.

[435] اُنظر: العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص234.

[436] اُنظر: التفرشي، مصطفى بن الحسين، نقد الرجال: ج4، ص75.

[437] اُنظر: البروجردي، عليّ، طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال: ج1، ص566.

[438] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج15، ص142.

[439] اُنظر: الشبستري، عبد الحسين، أصحاب الإمام الصادق×: ج1، ص625.

[440]قال ابن داود في رجاله: ص29: «الجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الأصحاب فما علمته». ويفهم منه أنّه يعمل بخبر الراوي المهمل كما يعمل بخبر الراوي الممدوح.

[441] النوري، حسين، خاتمة المستدرك: ج3، ص147.

[442] العاملي (الشهيد الثاني) ، زين الدين بن عليّ، مسالك الأفهام: ج7، ص467.

[443] النوري، حسين، خاتمة المستدرك: ج3، ص147، نقلاً عن كتاب شرح الاستبصار المخطوط لحفيد الشهيد الثاني.

[444] النوري، حسين، خاتمة المستدرك: ج3، ص 148، نقلاً عن: الأسترآبادي، محمّد، منهج المقال: ص174.

[445] اُنظر: الصدر، حسن، نهاية الدراية: ص399.

[446] اُنظر: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، الضعفاء والمتروكين: ج3، ص28.

[447] ابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج7، ص241.

[448] ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية: ج7، ص343.

[449] المصدر السابق: ج8، ص220.

[450] الربعي، محمد بن عبد الله، تاريخ مولد العلماء ووفياتهم: ج1، ص366.

[451] الحموي، ياقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2252.

[452] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج13، ص342.

[453] الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج9، ص581.

[454] الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج24، ص306.

[455] اُنظر: الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج1، ص312، وص324، وص327، وص331، وص333، وص335.

[456] الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج5، ص254.

[457] عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج8، ص157.

[458] الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ص3، ص420.

[459] البغدادي، إسماعيل باشا، إيضاح المكنون: ج4، ص178ـ 289.

[460] البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين: ج1، ص841.

[461] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[462] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص320.

[463] الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص129.

[464] ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص129.

[465] اُنظر: الحموي، ياقوت، معجم الأُدباء: ج5، ص2253.

[466] اُنظر: شمس الدين، محمد مهدي، أنصار الحسين×: ص33.

[467] أبو مخنف، وقعة الطفّ (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص16 ـ 17.

[468]المصدر السابق ، نقلاً عن: شرف الدين، عبد الحسين، مؤلفو الشيعة في صدر الإسلام: ص42.

[469] القمّي، عباس، الكُنى والألقاب: ج1، ص55.

[470] أبو مخنف، وقعة الطفّ (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص32.

[471] اُنظر: الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج22، ص27.

[472] التبريزي، علي بن موسى، مرآة الكتب: ج1، ص434.

[473] الأميني، محمد هادي، معجم المطبوعات النجفيّة: ص131.

[474] أبو مخنف، وقعة الطفّ (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص18.

[475] أبو مخنف، مقتل الحسين× (تحقيق حسن الغفاري): ص386.

[476] مرَّ علينا عند الحديث عن مصنفات أبي مخنف أنّ مروياته حول كربلاء تبلغ (118) ، وهذا الرقم بملاحظة تقطيع بعض الروايات، وعدّ كلّ مقطع رواية، فالمسألة نسبية.

[477] اُنظر: أبو مخنف، وقعة الطف (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص40 ـ 81.

[478] اُنظر: أبو مخنف، وقعة الطف (تحقيق محمد هادي اليوسفي الغروي): ص18 ـ 19.

[479]الحارث بن محمّد بن أبي أسامة داهر التميمي: من حفاظ الحديث، له (مسند) لم يُرتِّبه، وُلِد سنة 186هـ وتوفِّي سنة 282هـ. سمع يزيد بن هارون وعبد الوهاب الخفاف والواقدي ومحمد بن سعد وغيرهم، وروى عنه أبو جعفر الطبري وأبو بكر بن خلاد وأبو بكر الشافعي وخلق كثير. وثّقه أكثر أهل الحديث ومنهم الدارقطني ـ وهو راوي كتاب الطبقات ـ عن أُستاذه محمّد بن سعد. اُنظر ترجمته في: ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج8، ص183. الذهبي، محمّد بن أحمد، المغني في الضعفاء: ج1، ص143. الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج9، ص114. الذهبي، محمّد بن أحمد، تذكرة الحفاظ: ج2، ص145. الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج1، ص442. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، طبقات الحفاظ: ج1، ص276. الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج11، ص200. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج2، ص157. عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج3، ص176. وغير ذلك من المصادر والمراجع.

[480] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج1، ص120، وص127، وص152، وص160، وص206، وص209.

[481] الحسن بن زين الدين، منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: ج1، ص24 ـ 25.

[482] السبحاني، جعفر، كليات في علم الرجال: ص450.

[483] القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة: ج3، ص53.

[484]النيسابوري الكنتوري، إعجاز حسين، كشف الحُجُب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار: ص545.

[485] المصدر السابق: مقدّمة الكتاب: (ب).

[486] اُنظر: حيدر حبّ الله، نظرية السنّة في الفكر الإمامي: ص276.

[487] الدربندي، آغا بن عابد، أسرار الشهادة: ج3، ص465.

[488] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص434.

[489] ابن الأثير، عليّ بن أبي الكرم، اللباب في تهذيب الأنساب: ج3، ص105.

[490] القمي، عباس، الكنى والألقاب: ج3، ص119.

[491] ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج6، ص341.

[492] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص135 ـ 284.

[493] اُنظر: البرقي، أحمد بن محمّد، الرجال: ص20.

[494] ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج6، ص342.

[495] ابن عدي، عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال: ج7، ص284.

[496] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج11، ص309.

[497] ابن سعد، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى: ج1، ص46.

[498] اُنظر: الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج17، ص176، مادّة (غ ل م).

[499] اُنظر: الأزهري، محمّد بن أحمد، تهذيب اللغة: ج8، ص136، مادّة (غ ل م).

[500] اُنظر: الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير: ج2، ص452، مادّة (غ ل م).

[501] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج6، ص384.

[502] اُنظر: المصدر السابق: ج13، ص231.

[503] الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج2، ص370.

[504] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج16، ص68.

[505]اُنظر: الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج8، ص88. عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج13، ص150.

[506] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص434.

[507] ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص124. وهو غير موجود في الطبقات، بل الموجود في الطبقات: ج6، ص342 هكذا: «أخبرني بذلك كلّه [يعني: بترجمة وأحوال محمّد بن السائب] ابنه هشام بن محمّد بن السائب. وكان عالماً بالنسب وأحاديث العرب وأيامهم»، ولا ندري إن كان الضمير في قوله: «وكان عالماً... ». يعود على الابن؛ فتكون هذه العبارة هي الأصل لقول ابن النديم، وإن كان قد نقلها بالمعنى، أو أنّ الضمير يعود على الأب ـ الذي كان عالماً بالنسب أيضاً ومنه أخذ هشام ـ فيكون ابن النديم قد اشتبه عليه الأمر، ولعل ابن النديم نقله بالمعنى.

[508] المصدر السابق: ص124.

[509] ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، المعارف: ص536.

[510] الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج16، ص68.

[511] القمّي، عباس، الكنى والألقاب: ج3، ص119.

[512] الحموي، ياقوت، معجم الأُدباء: ج6، ص2779.

[513] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج18، ص66.

[514] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج19، ص83.

[515] حاجي خليفة، كشف الظنون: ج1، ص178.

[516] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص434.

[517] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج19، ص83.

[518] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج16، ص68.

[519] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج19، ص83.

[520] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص434 ـ 435.

[521] اُنظر: ابن الكلبي، هشام بن محمد ، مثالب العرب (مقدّمة تحقيق الكتاب): ص9.

[522] الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج22، ص20.

[523] اُنظرـ مثلاً ـ: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص434.العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص289.الحلّي، ابن داود، رجال ابن داود: ص201.التفرشي، مصطفى بن الحسين، نقد الرجال: ج5، ص52. الشبستري، عبد الحسين، أصحاب الإمام الصادق×: ج2، ص389. الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ص20، ص336.

[524] الطوسي، محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): ج2، ص687.

[525] الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج10، ص265.

[526] الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج20، ص337.

[527] ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحين من المحدِّثين: ج3، ص91، برقم (1157).

[528] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج4، ص304.

[529] الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج19، ص83.

[530] الحجرات: آية 13.

[531] الزمر: آية 9.

[532] الخوئي، أبو القاسم، أجود التقريرات: ج2، ص159.

[533] ابن حبان، محمّد بن حبان، المجروحين من المحدِّثين: ج3، ص91، برقم (1157).

[534] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج4، ص304.

[535] الذهبي، محمّد بن أحمد، العِبَر في خَبر مَن غَبر: ج1، ص271.

[536] الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج16، ص68.

[537] الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم الأُدباء: ج6، ص2779.

[538] ابن خلكان، أحمد بن محمّد، وفيات الأعيان: ج6، ص84.

[539] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج19، ص83.

[540] ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص124.

[541] الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج27، ص212.

[542] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص435.

[543] الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج5، ص93.

[544] ابن حجر، أحمد بن عليّ، لسان الميزان: ج6، ص247.

[545] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص356.

[546] المصدر السابق: ج5، ص386.

[547] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص410.

[548] المصدر السابق: ج5، ص463.

[549] المصدر السابق: ج5، ص465.

[550] المصدر السابق: ج5، ص467.

[551] اُنظر ترجمته في: الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج16، ص22.

[552] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص398.

[553] المصدر السابق: ج5، ص469.

[554] المصدر السابق: ج5، ص401.

[555] اُنظر حول هذه النسبة: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص164 ـ 165.

[556] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص449.

[557] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص287.

[558] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص141.

[559] اُنظر: المصدر السابق: ص250.

[560] الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص449.

[561] المصدر السابق: ج5، ص449.

[562] المصدر السابق: ج5، ص455.

[563] اُنظر: العصامي، عبد الملك، سمط النجوم العوالي: ج3، ص346.

[564] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص459.

[565] المصدر السابق: ج5، ص467.

[566]الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص467.

[567] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص399.

[568] الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص157 ـ 158.

[569] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص32.

[570] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص95.

[571] ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[572] اُنظر: المصدر السابق: ص131.

[573] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص95.

[574] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص107.

[575] كمثال على ذلك: ذكر الشيخ فارس الحسون ـ في مقدّمة تحقيقه لمقتل ابن طاووس: ص76 ـ

أنّ لهذا المقتل ستّة أسماء هي:

1ـ اللهوف على قتلى الطفوف.

2 ـ الملهوف على قتلى الطفوف.

3 ـ الملهوف على قتل الطفوف.

4 ـ اللهوف في قتلى الطفوف.

5 ـ الملهوف على أهل الطفوف.

6 ـ المسالك في مقتل الحسين×.

[576] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص42.

[577] المصدر السابق: ج2، ص67.

[578] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص84.

[579] المصدر السابق: ج2، ص123.

[580] المصدر السابق: ج2، ص75.

[581] المصدر السابق: ج2، ص78.

[582] المصدر السابق: ج1، ص109.

[583] المفيد، محمّد بن محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج2، ص118.

[584] الذهبي، محمّد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج14، ص366.

[585] ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ دمشق: ج54، ص455.

[586] اُنظر ترجمته في: الذهبي، محمّد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج23، ص326.

[587] في تاريخ الطبري: (لطيّته) والطية الحاجة. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج8، ص202. وفي تاريخ ابن عساكر: (مطيَّته).اُنظر: ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص210.

[588] سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص306.

[589] اُنظر: ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص210.

[590] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج8، ص202.

[591] سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص321 ـ 322.

[592] سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص327.

[593] المصدر السابق: ص333.

[594] اُنظر: ابن طاووس، عليّ بن موسى، الملهوف على قتلى الطفوف: ص222.

[595] ابن حجر، أحمد بن محمّد، الصواعق المحرقة: ج2، ص580.

[596] سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص335.

[597] اُنظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص461.

[598] سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: ص353.

[599] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص117ـ 118.

[600] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[601] اُنظر: البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين: ج2، ص489. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج8، ص28.

[602] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122. الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج8، ص28. عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج13، ص92.الرازي، ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل: ج8، ص468. البروجردي، عليّ، طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال: ج1، ص352.

[603] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص427. العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص285.

[604] اُنظر: السمعاني، عبد الكريم بن محمّد، الأنساب: ص459.

[605] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص57. الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص115، وص347. النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص53.

[606] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص78. النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص184.

[607] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص107.

[608] اُنظر: المصدر السابق: ص343. البرقي، أحمد بن محمد، الرجال: ص50.

[609] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص199، وص233، وص297.

[610] اُنظر: المصدر السابق: ص405.

[611] اُنظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج4، ص2994، (مادة عطر).

[612] اُنظر: المبرِّد، محمّد، الكامل في اللغة والأدب: ج1، ص247ـ 248.

[613] الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج18، ص344.

[614] اُنظر: الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير: ص75. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط: ج1، 530، وجاء في (كتاب العين): «الحبق: دواء من أدوية الصيدلاني». الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج3، ص52، (مادّة حبق).

[615] اُنظر: المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين (مقدمة المحقق على الطبعة الأُولى المدرجة في آخر الكتاب): ص566.

[616] اُنظر: البخاري، محمّد بن إسماعيل، التاريخ الكبير: ج8، ص258.

[617] اُنظر: الدارقطني، عليّ بن عمر، المؤتلف والمختلف: ج4، ص119.

[618] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، المتّفق والمفترق: ج3، ص250.

[619] اُنظر: ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج50، ص307.

[620] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن عليّ، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: ج2، ص759.

[621] اُنظر: العقيلي، محمّد بن عمرو، الضعفاء: ج3، ص415.

[622] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص69.

[623] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج7، ص116.

[624] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الطوسي: ص147.

[625] اُنظر: ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص215.

[626] اُنظر: ابن خلكان، أحمد بن محمّد، وفيات الأعيان: ج2، ص391.

[627] اُنظر: القاسمي، عبد الله بن الحسين، الجداول الصغرى: ص105.

[628] اُنظر: عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج13، ص92.

[629] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج15، ص382.

[630] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.

[631] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج20، ص158ـ 159.

[632] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج13، ص372. حيث جاء فيه: قال محمّد بن مالك: «فلقيت نصر بن مزاحم المنقري، فحدّثني عن غالب الجهني، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليّ× قال: قال رسول الله|: لما أُسري بي إلى السماء...».

[633] اُنظر: المصدر السابق: ج26، ص120، وفيه: «عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر× قال: إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا...».

[634] اُنظر: الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج6، ص388، وفيه: «عن نصر بن مزاحم، ودرست الواسطي، عن زرارة، وغيره، عن أبي عبد الله× قال: شارب المسكر...».

[635] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج32، ص153، جاء فيه: «عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف لوط بن يحيى...».

[636] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص113، وفيه: «فحدّثني عبد الله بن زيدان البجلي، قال: حدّثنا محمد بن زيد التميمي، قال: حدّثنا نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف عن الحرث بن كعب، عن علي بن الحسين، قال: إنّي ـ والله ـ لجالس مع أبي في تلك الليلة...».

[637] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122. النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص327. الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص171، وص172.

[638] إلى هنا ينتهي ما ذكره ابن النديم من قائمة كتبه.

[639] انفرد بذكرهما النجاشي.

[640] ذكره النجاشي والطوسي.

[641] انفرد بذكرهما الطوسي.

[642] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص424.

[643] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.

[644] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص427 ـ 428.

[645] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص92.

[646] القاسمي، عبد الله بن الحسين، الجداول الصغرى: ص105.

[647] ابن أبي الرجال، أحمد بن صالح، مطلع البدور ومجمع البحور: ص426.

[648] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص424.

[649] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج2، ص206.

[650] الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج8، ص28، نقلاً عن روضات الجنات.

[651] سنقف على الموارد التي ورد فيها ذكر المنقري في كتاب كامل الزيارات عند الحديث عن مقتله فانتظر.

[652] اُنظر حول هذا المبنى مثلاً: الفاني، علي، بحوث في فقه الرجال (تقرير علي مكي العاملي): ص100.

[653] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج7، ص24.

[654] العقيلي، محمد بن عمرو، الضعفاء: ج4، ص300.

[655] اُنظر: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن عليّ، الضعفاء والمتروكين: ج3، ص160.

[656] ابن حبان، محمّد بن حبّان، الثقات: ج9، ص215.

[657] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج15، ص382.

[658] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج15، ص427.

[659] اُنظر: الذهبي، محمّد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج4، ص253.

[660] اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم الأُدباء: ج6، ص2750.

[661] اُنظر: البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين: ج4، ص489.

[662] اُنظر: الزركلي، خير الدين، الأعلام: ج8، ص28.

[663] اُنظر: عمر كحالة، معجم المؤلفين: ج13، ص92.

[664] اُنظر: الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص172.

[665] اُنظر: ابن النديم، محمّد بن إسحاق، الفهرست: ص122.

[666] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص428.

[667] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، معالم العلماء: ص161.

[668] اُنظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم الأُدباء: ج6، ص2750.

[669] اُنظر: السبحاني، جعفر، أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة: ص94.

[670] اُنظر: الحر العاملي، محمد بن الحسن، أمل الآمل: ج2، ص181.

[671] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص192.

[672] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج13، ص337.

[673] اُنظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ، تاريخ بغداد: ج13، ص337.          

[674] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين (مقدمة المحقق السيِّد أحمد صقر): ص6.

[675] يظهر أن في الاسم تقديماً وتأخيراً، وهو سهو من قلمه الشريف، أو من خطأ النسّاخ، والصحيح هو العباس بن إسحاق. اُنظر: المصدر السابق: ص449.

[676] الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج21، ص376.

[677] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص88.

[678] المصدر السابق: ص90.

[679] المصدر السابق: ص90 ـ 91.

[680] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص114.

[681] هو عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي، كما في كتاب المنقري. ابن مزاحم، وقعة صفِّين: ص3.

[682] اُنظر: الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص98 ـ 99.

[683] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص99.

[684] في المطبوعة المتداولة هكذا (عمرو)، والظاهر أنّه من تصحيف النسّاخ.

[685] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص100.

[686] المصدر السابق: ص102.

[687] المصدر السابق: ص103.

[688] المصدر السابق: ص104.

[689] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص104.

[690] المصدر السابق: ص106.

[691] المصدر السابق: ص107.

[692] المصدر السابق: ص108.

[693] المصدر السابق: ص108.

[694] المصدر السابق: ص111.

[695] المصدر السابق: ص112.

[696] الأصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص115.

[697] المصدر السابق: ص117.

[698] المصدر السابق: ص114 ـ 115.

[699] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص123.

[700] الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص42.

[701] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات (ضمن مقدمة المحقق): ص27.

[702] للتوسّع حول هذا البحث، اُنظر مثلاً: الفاني، عليّ، بحوث في فقه الرجال (تقريرعليّ مكّي العاملي): ص100 ـ 107.

[703] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص150.

[704] المصدر السابق: ص150.

[705] ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص183.

[706] المصدر السابق: ص188.

[707] المصدر السابق: ص189.

[708] المصدر السابق: ص193.

[709] اُنظر: النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص334.

[710] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص149.

[711] اُنظر: الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج16، ص183.

[712] في الخرائج والجرائح: عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: «لمّا وصلت بغداد سنة 337هـ، وهي السنة التي ردَّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت...». الراوندي، قطب الدين، الخرائج والجرائح: ج1، ص475 ـ 476.

[713] اُنظر: العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ص88.

[714] النجاشي، أحمد بن عليّ، رجال النجاشي: ص177.

[715] المصدر السابق: ص389.

[716] الطوسي، محمّد بن الحسن، الفهرست: ص157.

[717] الصدوق، محمّد بن عليّ، الأمالي: ص 202.

[718] المصدر السابق: ص 231.

[719] المصدر السابق، المجلس: ص 189، وعلل الشرائع: ج1، ص217.

[720][720] الصدوق، محمّد بن عليّ، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص259. وعنه: البحراني، عبد الله، العوالم، الإمام الحسين×: ص226. ونقله: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص307، عن ثواب الأعمال، وهو اشتباه من صاحب البحار أو بعض النسّاخ، وذكره ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب: ص335، وحذف الوسائط بينه وبين يعقوب بن سليمان.

[721] المنقري، ابن مزاحم، وقعة صفّين: ص140ـ 141.

[722] المصدر السابق: ص141 ـ 142.

[723] المصدر السابق: ص142.